فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
7

اللبان في ثقافة ظفار الشعبية

العدد 7 - في الميدان
اللبان في  ثقافة ظفار الشعبية
كاتب من عُمان

تنمو شجرة اللبان إلى ارتفاع أقصاه خمسة أمتار.

اسمها العلمي  Boswellia sacra Flueck . ويوجد هذا الصنف في جنوب الجزيرة العربية وشمال شرق الصومال. ويمتد نطاق انتشارها في جنوب الجزيرة العربية من جبال حاسك في ظفار(جنوب سلطنة عمان)  غربا إلى منطقة حبان في شرق حضرموت  شرقا1 .في حين ينتشر صنف آخر في الهند.

وتنمو أفضل أشجار Boswellia sacra  في  المنطقة القاحلة التي تقع خلف الجبال المتأثرة بالأمطار الموسمية ، أو ظاهرة الخريف. وتنتج هذه الأشجار أجود أنواع الصمغ الراتنجي، اللبان.  في حين تنتج تلك التي تنمو في سفوح هذه الجبال المقابلة للبحر (منطقة المغسيل) أو التي تنمو في السهل( منطقة عدونب ) نوعا رديئا أو اقل جودة .

وتنتمي شجرة اللبان Boswellia sacra Flueck إلي فصيلة البخوريات. وتمتاز بقشرة تفرز سائلا راتنجيا لزجا ابيض اللون إذا جرحت. 

ويصنف اللبان في ظفار حسب الجودة إلى أربعة أصناف:

 

1- اللبان «الحوجري»:

 وهو الأجود ويكون ابيض اللون،  مشوبا بزرقة أحيانا، خال من الشوائب، تشبه فصوصه حبات اللؤلؤ.  يستخرج من الأشجار التي تنمو في هضبة حوجر خلف حاسك وفي مناطق جبل سمحان التي تنفذ إليها الجمال من ممر حركيك وفي وادي انظور خلف سلسلة الجبل نفسه.

 

2- اللبان «النجدي»:

أي الذي يستخرج من الأشجار التي تنمو في  جدة النجد خلف سلسلة جبال ظفار، كتلك التي تنمو في وادي دوكة.

 

3- اللبان «الشزري»:

وهو الذي يستخرج من الأشجار التي تنمو في الجبال الغربية من مرتفعات ظفار وامتداداتها والتي تصلها الرياح المحملة بالأمطار الموسمية.

 

4- اللبان «الشعبي»:

 وهو الأقل جودة وهو الذي يستخرج من الأشجار التي تنمو في السهل كتلك التي تنمو شرق ريسوت أي في منطقة عدونب.

وأظهرت دراسة، قامت بها باحثة في فسيولوجيا النبات قارنت فيها عينات من لبان ظفار مع عينات من لبان الهند والصومال، أظهرت أن عينات اللبان الظفاري تحتوي على نسبة أكبر من الزيت وأنها أكثر لزوجة. كما أظهرت أن زيوت العينات الظفارية أجود من زيوت العينات الأخرى فزيتها لا لون له أو لونه ضعيف جدا2.

وطريقة استخراج اللبان أنهم يجرحون قشرة الشجرة بعناية حتى ينز السائل الأبيض من اللحاء ويسمى هذا الجرح « التوقيع». أما « الكشم»  فيعني انتهاء التجريح ونمو لحاء الشجرة من جديد.

 

المجامر :

المجامر جمع مجمر وهي آنية الفخار التي يحرق فيها اللبان والبخور لكل المناسبات ومختلف الأغراض. وتعود صناعتها في ظفار إلى آلاف السنين. وتصنعها النساء دون الرجال يدويا وتأتي ملونة وغير ملونة. غير أن الغالب الأعم منها حاليا تلك الملونة. وتتم إضافة الألوان يدويا. واللون الأحمر هو اللون الغالب. وتعد مدينة طاقة شرق صلالة مركز هذه الصناعة. وتأتي المجامر دائرية ومربعة وفي أحجام مختلفة. وتتراوح أحجامها بين اكبر الأحجام التي تحملها النساء على رؤوسهن في مواكب الأعراس إلى اصغر حجم، وهو الأكثر شيوعا، الذي يستعمل لحرق اللبان والبخور للأغراض اليومية من تجمير المنزل وتبخير الضيوف، والذي يتسع لبضع حبات من فصوص اللبان توضع على الجمر أو على  قطعة الفحم المحترق. ولا تكاد يخلو بيت في ظفار من هذا النوع من المباخر الفخارية. ويعمل لبعضها حاليا قباب منافذ للدخان العطري ذات أشكال مختلفة.

وتصنع من الخشب، وحاليا من الحديد كذلك،  حوامل ثلاثية القوائم مخصصة للتبخير يوضع تحتها المجمر، أو مبخرة الفخار،  وتوضع الملابس والأقمشة فوق المحمل بطريقة تحبس جميع الدخان المتصاعد.

ويقدم المجمر للضيوف من الرجال الذين عادة ما يمررونه تحت الذقن لتبخير اللحى والرأس. وينزع  بعضهم العمامة ويجعلها فوق المبخرة بحيث يتجمع الدخان المتصاعد في جوف العمامة. ويبخر الرجل أحيانا ثوبه بشكل كامل بحيث يقف فوق المجمر ويمسك رجل آخر بطرفي الثوب حتى يتصاعد الدخان إلى داخل الثوب. وتفعل النساء هذا كذلك بطريقة تضمن احتباس جميع الدخان المتصاعد داخل الثوب. وفي أغلب الأحيان ترفع المرأة  المجمر إلى رأسها لتبخير الشعر وغطاء الرأس أو الخمار.

كما يستعمل المجمر لتجمير المساجد وتجمير حجرات البيوت خاصة المجلس وهو مكان استقبال الضيوف وتجمير الأروقة و«المحضرة»، من الحضور، موضع البيت  الذي يكون بين الحجرات ويجتمع فيه أفراد العائلة، الذي يقابله في العرف السائد حاليا ما يسمى بالصالة. ويستعمل لإثارة البخور ودخان اللبان أثناء الاحتفال بقراءة السيرة النبوية المسمى المولد سواء في المساجد أو البيوت. ويعمل المولد في المساجد في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي البيوت تبركا إما بسبب الانتقال إلى البيت الجديد أو بسبب مولود. ويستعمل المجمر أثناء عقد النكاح المسمى محليا العقد وطريقة ذلك أن متولي عقود الانكحة، المعلم، يأمر العريس وولي العروس بشبك إصبعيهما السبابة فوق المجمر الذي يتصاعد منه البخور حيث يردد كل منها خلفه عبارات العقد بحضور جمع غفير من رهط العريس وأصدقائه وأقارب العروس. وجرت العادة في ظفار على فعل العقد في المسجد عقب صلاة العصر مباشرة .كما  تحملها، أي المجامر الكبيرة، النساء على رؤوسهن في مواكب الأعراس. ويكون ذلك خلف آخر صف «الهبوت» أي الرجال الذين يهزجون بدون طبول .

ويستعمل اللبان كذلك في ممارسات غيبية، عليها خلاف، بسبب الاعتقاد بتأثيره على الأرواح الشريرة  وحالات الإصابة بالعين والتي تسمى محليا «الصري». غير أن هذه الممارسات المثيرة للجدل في انحسار كبير بسبب انتشار الذين يرقون بالقرآن والذين يتزايد الإقبال عليهم في الوقت الحالي لعلاج الحالات نفسها التي كانت تعالج بدخان اللبان. وفي حالة طرد الأرواح الشريرة من إنسان أو حيوان محبوب تدور مجمرة اللبان حول المصاب مع قراءة تمائم. وتسمى هذه العملية « الفدي » والفعل يفدي (تشديد وكسر الدال ) وأصلها الفداء.

 

العلاجات الشعبية من اللبان :

استعمل اللبان الطري واليابس والمسحوق كما استخدمت مشتقات الشجرة في علاجات شعبية، لا يمكن حصرها في هذه العجالة، من بينها علاجات لتسكين الاضطرابات التنفسية وعلاج أمراض الأسنان واللثة وتحسين الإخصاب وعلاج الصرع  وتسهيل الوضع وتسكين آلام البطن والصدر ووقف بصاق الدم وعلاج التهابات العينين ومكافحة السموم وتجبير الكسور وعلاج الاضطرابات العصبية والنفسية وطرد البلغم ومخاط الرأس ومنع النزيف وتطهير الجروح والتقرحات وعلاج التهابات الضروع في النساء والمواشي وتقوية الذهن وعلاج النسيان3.

واستعمل سخام اللبان في وشم النساء. ففي منطقة الجبل، مرتفعات ظفار المتأثرة بالأمطار الموسمية كان الوشم يقتصر على الجلد فوق وأسفل الأسنان الموجودة في وسط الفم. ويتم ذلك باستخدام إبرتين يمسك بهما متقاربتين حيث يسمح للدم بالسيلان شيئا يسيرا ثم يدعك السخام فوق الخروم لعمل وشم دائم. أما في المناطق الأخرى فالوشم عبارة عن خط عمودي من وسط الشفة السفلية حتى حافة الذقن. ويتم الحصول على سخام اللبان لهذا الغرض عن طريق وضع وعاء مقلوب فوق مبخرة اللبان المشتعل. ثم يكشط السناج الأسود المتراكم على الوعاء ويجعل في وعاء آخر. كما أن الفصوص استعملت ولا تزال في تطييب الماء.

 

الهوامش

1- انطوني جي ميلر ، ميراندا موريس ، نباتات ظفار ،ديوان البلاط السلطاني ،1988، ص 78

2- علي سالم بيت سعيد، شجرة اللبان، مجلة الإنسان و البيئة، عدد 63، 2006، ص 16

3- انطوني جي ميلر ، ميراندا موريس ، نباتات ظفار ،ديوان البلاط السلطاني ،1988،ص 300

أعداد المجلة