علي عثمان.. عاشق التراث
العدد 7 - في الميدان
منذ طفولته التي قضاها في فريق بن خاطر وهو يتشبع برائحة الأجواء الشعبية في هذا الفريق المميز من مدينة المحرق العريقة التي يفوح منها عبق الماضي ، وما تزال كذلك مقارنة بمناطق البحرين الأخرى. ولعل تجواله في سوق الطواويش، وسوق القيصرية، ومشاهدته للرجال أصحاب العمارات وهم يجمعون المواد التراثية في عماراتهم لغرض بيعها إلى المهتمين بالتراث الشعبي أثر في نفسية الطفل علي حسن عثمان سعود الداود وحيث يقف متسمراً في مكانه يشاهد المواد التراثية التي وجد بعضها في منزل العائلة، وهو يمني النفس أن يحظى باقتنائها. ولكن أين له ذلك والعين بصيرة واليد قصيرة، وفي ظل ذلك أخذ يعتني، ويحافظ على ما هو موجود في منزل العائلة التي كون منها نواة هوايته التي عشقها إلى درجة الذوبان فيها .
عندما تخرج من مدرسة الصناعة في قسم الأثاث والديكور عام 1982م ، عمل في دائرة الهجرة والجوازات التي تحولت فيما بعد إلى الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة كموظف في قسم السجلات. ومن هنا بدأت مسيرته في شراء المواد التراثية من السوق وبخاصة من المرحوم حمزة محمد، وعبد الشهيد الحايكي، والمرحوم حسن الحايكي، وعبد الله المير، وغيرهم من المهتمين بشراء، وبيع المواد التراثية فأصبح لديه مجموعة كبيرة منها مما أعاق تخزينها في منزل العائلة خاصة وأنه يرغب في عرضها للزائرين مما جعله يفكر جدياً باستئجار منزل خاص به يحفظ فيه المواد التراثية الموجودة لديه، ويكون ذلك المنزل ملتقى للأحبة، ومحبي التراث والفن .
ولكن في إي مكان يختار ذلك المنزل ؟ .
وهل يوجد مكان أجمل من مرابع الطفولة والصبا الذي يحن إليه كثيراً.
عاد في عام 1989م ليستأجر منزلاً قديماً مبني بالأسلوب البحريني القديم في فريق بن خاطر ،مقابل مسجد بن خاطر ذلك المسجد الذي صلى فيه الملك عبد العزيز بن سعود عندما زار أخاه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة قبل أن يصبح ملكاً كما يقول الرواة.
أجرى العديد من التصليحات على المنزل، ومازال يقوم بها باستمرار على ضوء خبرته في أعمال النجارة، والديكور، وهو التخصص الذي أحبه كثيراً، ولكنه لم يمارسه إلا تلبية لطموح هوايته في حب التراث الشعبي .
بدأت الهواية تكبر شيئاً فشيئاً، ودائرة المعارف والأصدقاء تتوسع ليكون علاقات مع أغلب المهتمين بالتراث في البحرين، وامتدت معارفه وعلاقاته إلى خارج البحرين في دول مجلس التعاون الخليجي، واليمن، ومصر، وسوريا، والأردن حيث سافر إلى تلك الدول بالإضافة إلى الهند، وفرنسا، وتايلند، وذلك لدعم ما لديه من مواد تراثية حيث لا يتردد في شراء أي قطعة تراثية خاصة إذا كانت مستخدمة في البحرين .
إرتبط بعلاقة صداقة مع المهتمين بالتراث المادي على وجه الخصوص ممن لديهم متاحف شخصية في داخل البحرين، وخارجها منهم الفنان أحمد الفردان من البحرين، وأخوه حسين الفردان في قطر، وجاسم المزين، وعبد الله النصيب من الكويت، وناصر المطوع من السعودية.
من الدول التي يرتاح إليها في السفر بغرض دعم هوايته: اليمن، والهند، ومصر حيث كون علاقات صداقة مع العديد من المهتمين بالتراث خارج البحرين، وزارهم في دولهم كما قاموا بزيارته في متحفه الجميل .
يتكون متحفه من مدخل، ومكان لصيانة الأعمال الخشبية، وحوش، وليوان، والحجرة الرئيسية التي يعرض فيها مقتنياته من المواد التراثية، بالإضافة إلى المطبخ، والمرافق الصحية .
يحتوي متحفه على العديد من المقتنيات التراثية مـــن الصناديـق المبيتــه، والبشتخـتات، والصحـون، والمرشات، وزجاجـات الميـاه الغازية، والميداليات، والإعلانات، وصور الممثلين، والشخصيات، والكراسي، والطاولات، والأبواب، والقمريات، والدنجل، والمنجور، ونماذج من التلفونات، والمسجلات، ورخص سياقه المركبات، وجوازات السفر، وغيرها من المواد التراثية التي يحتاج إلى مشاهدتها محبو التراث .
كما يقوم بتصليح المشغولات الخشبية بنفسه، وبالاستعانــة بالمختصيــن بالنقـــوش الخشبية، والجبسية، ويحافظ على أصالتهــا .
ويزور متحفه العديد من الناس الذين لم يكن على معرفة بهم، ولكنهم سمعوا بوجود ذلك المتحف فيأتون لمشاهدة معروضاته، والتعرف عن قرب على تراث الأباء، والأجداد، كما يحضر السياح عن طريق أشخاص يعرفونه فيستقبل الجميع برحابة صدر، ويقوم بضيافتهم على أكمل وجه وغرضه إرسال رسالة تعكس الوجه المشرق لأخلاق شعب البحرين، ومحبي التراث الشعبي.
في عام 2008م زاره محافظ المحرق سلمان بن هندي الذي شكره على اهتمامه، وشجعه على الاستمرار، وتطوير محتويات المتحف، كما زاره السفير العماني، والسفيـر اليمــني، والبرفســـور في التراث، والفلكلور في جامعة أنديانا بأمريكا المصري الأصل حسن الشامـي، الـــذي أعجـب بمقتنيات المتحف.
يحتفظ بسجل لكي يستطيع زواره تسجيل انطباعاتهم عن محتويات المتحف .
عند سؤاله عن القيمة المادية لما يحتويه معرضه من مقتنيات، أجاب: التراث لا يقدر بثمن لأنه جزء من تراث الوطن الذي لا يمكن التفريط فيه، أو إخراجه خارج حدود الوطن، ولا يمكن بيعه بأي ثمن حيث سبق أن عُرض عليه شراء متحفه بالكامل بالمبلغ الذي يطلبه من قبل دولة جاره فرفض التفريط في متحفه الذي يعتبره ملكاً للجميع، وليس ملكه على الرغم من أنه هو من كونه بعد جهود جبارة طيلة ثلاث عقود.
استعان به قطاع الثقافة في أحد مهرجانات التراث الذي أقيم عن فن الصوت للحصول على صور الفنانين الشعبيين .
يهوى الطرب الشعبي، وخاصة فن الصوت، حيث يقيم أمسية فنية نصف شهرية، في مساء الاثنين تجمعه مع بعض الفنانين، والهواة، حيث غنى في متحفه الفنان يوسف فوني، محمد عيسى علاية، وراشد زويد، و إبراهيم الجودر، ومحمد عيسى بوشقر، وسبت صالح، وأحمد الجميري، وأخوه علي الجميري، وإبراهيم حبيب، ومحمد عمر من المملكة العربية السعودية، وحمد خليفة، وصالح لحريبي من دولة الكويت، وغيرهم من فنانين البحرين، ودول مجلس التعاون الخليجي .
يقول أن أهم شي حصل عليه من هوايته هو محبة الناس له وتقديرهم لتراث وطنهم، كما أن الجلوس في متحفه يريح نفسه، و نفس زواره، كما أنه يشتاق إلى متحفه كلما بعد عنه خلال سفره خارج البحرين.
ومن شغفه بمتحفه فأنه يعلم مكان كل قطعة فيه، وفي حال تغير موقع أي قطعة فإنه يكتشف ذلك بسهولة .
يقول كذلك أن جمع التراث يحتاج إلى مال قارون، وصبر نبي الله أيوب (ع)، ويطالب بعدم السماح بإخراج المواد التراثية من البحرين .
من عاداته تبادل القطع التراثية مع أصدقائه، ومحبي التراث، ولكنه لا يبيع أي قطعة من مقتنياته.
يتمنى على الجهات الرسمية، ومحبي التراث بذل الجهود للحفاظ على مختلف جوانب التراث الشعبي قبل فوات الأوان، وكفي ما ضاع علينا منها ! .