فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
64

صورة الغلاف الأول - صورة من بهجة حدث

العدد 20 - لوحة الغلاف
صورة الغلاف الأول - صورة من بهجة حدث

علمتنا‭ ‬التجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬بأن‭ ‬الفنون‭ ‬الإبداعية‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬ورسم‭ ‬وموسيقى‭ ‬وفنون‭ ‬أداء‭ ‬حركي‭ ‬وإيماء‭ ‬وغيرها‭ ‬هي‭ ‬أرقى‭ ‬ما‭ ‬تخلفه‭ ‬الشعوب‭ ‬لأجيالها‭ ‬التالية،‭ ‬وكلما‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬النتاج‭ ‬الإبداعي‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬الأمة‭ ‬وحكمة‭ ‬الشعب‭ ‬وأبرز‭ ‬العاطفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬النبيلة‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬كرسول‭ ‬محبة‭ ‬للتقريب‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النتاج‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬ملامسة‭ ‬أرواحنا‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬وعقولنا‭

 لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬مدى‭ ‬عراقة‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬ثراء‭ ‬ما‭ ‬أنتج‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬إبداعية،‭ ‬وكلما‭ ‬عبرت‭ ‬تلك‭ ‬الفنون‭ ‬عن‭ ‬أحوال‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬أنتجوها‭ ‬وما‭ ‬مروا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬عاطفية‭ ‬ومعاناة‭ ‬فكرية‭ ‬وتطورات‭ ‬اجتماعية‭ ‬استطاعت‭ ‬تلك‭ ‬الفنون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شاهدا‭ ‬حضاريا‭ ‬يخلد‭ ‬اسم‭ ‬مبدعها‭ ‬ويعطي‭ ‬الآخرين‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الجهد‭ ‬الإنساني‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬والقادر‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬التاريخ‭.‬

 كنا‭ ‬أمام‭ ‬حدث‭ ‬إبداعي‭ ‬صيني‭ ‬جميل‭ ‬جئنا‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬لنشارك‭ ‬الاحتفال‭ ‬بتأسيسه‭ ‬فرحين‭ ‬به‭ ‬وبمن‭ ‬أنجزه‭ ‬وبقدرة‭ ‬شعب‭ ‬الصين‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬العناية‭ ‬بتكوين‭ ‬المبدعين‭ ‬وخلق‭ ‬مناخات‭ ‬مناسبة‭ ‬لتفاعل‭ ‬الإبداع‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬وتأسيس‭ ‬منارات‭ ‬للثقافة‭ ‬وللفكر‭ ‬ولأن‭ ‬يكون‭ ‬الإبداع‭ ‬مكملا‭ ‬حيويا‭ ‬لما‭ ‬تشهده‭ ‬بلادهم‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬اقتصادي‭ ‬وثقل‭ ‬سياسي‭ ‬عالمي‭.‬

قلت‭ ‬للجمع‭ ‬الحاشد‭ ‬الذي‭ ‬ائتلف‭ ‬للاحتفال‭ ‬بتأسيس‭ ‬ستوديو‭ ‬الفن‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كونزو‭: ‬إننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬إلى‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭. ‬وللأسف،‭ ‬وبكل‭ ‬صراحة،‭ ‬إن‭ ‬معرفتنا‭ ‬ببعض‭ ‬قاصرة‭ ‬ولا‭ ‬تتجاوز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬المنتج‭ ‬القوي‭ ‬مع‭ ‬المستهلك‭ ‬كثير‭ ‬المتطلبات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬لثقافتينا‭ ‬احتياج‭ ‬ملح‭ ‬لمعرفة‭ ‬الآخر‭ ‬بصورة‭ ‬أعمق‭ ‬وأبعد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دعانا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نلبي‭ ‬الدعوة‭ ‬وأن‭ ‬نكون‭ ‬بينكم‭ ‬اليوم،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مجرد‭ ‬شهود‭ ‬منجز‭ ‬فني‭ ‬وحضاري‭ ‬جميل‭ ‬وإنما‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التفاهم‭ ‬والتقارب،‭ ‬فبين‭ ‬الشعب‭ ‬الصيني‭ ‬والشعب‭ ‬العربي‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬امتد‭ ‬بطول‭ ‬وعرض‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الضارب‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ،‭ ‬وعلينا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬جسرا‭ ‬بمستوى‭ ‬الجسور‭ ‬التجارية‭ ‬العتيدة‭ ‬بين‭ ‬شعبينا،‭ ‬فهل‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نسهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬معا‭ ‬يدا‭ ‬بيد؟‭ ‬

إن‭ ‬الراقصة‭ ‬الصينية‭ ‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬تزين‭ ‬صورتها‭ ‬غلاف‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬كانت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬الفتيات‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬بهيأتها‭ ‬وأشكال‭ ‬وألوان‭ ‬ملابسها‭ ‬طيفا‭ ‬بشريا‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أجناس‭ ‬وأعراق‭ ‬تشكل‭ ‬وجه‭ ‬الصين‭ ‬الحديث‭ ‬وقد‭ ‬انتظمن‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬موسيقي‭ ‬راقص‭ ‬أشاع‭ ‬فرحا‭ ‬وسكينة‭ ‬وسلاما‭ ‬يحتاج‭ ‬العالم‭ ‬الممتحن‭ ‬بالانشقاقات‭ ‬وحروب‭ ‬الطوائف‭ ‬ونزاع‭ ‬الجماعات‭ ‬إلى‭ ‬تأمله‭ ‬بروية‭ ‬ليتعلم‭ ‬كيف‭ ‬يتعايش‭ ‬ويأتلف‭ ‬وكيف‭ ‬يحب‭.‬

وأنا‭ ‬أوجه‭ ‬آلة‭ ‬التصوير‭ ‬البسيطة‭ ‬لالتقاط‭ ‬صور‭ ‬الراقصين‭ ‬والراقصات‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجو‭ ‬المفعم‭ ‬بالبهجة،‭ ‬سألت‭ ‬مرافقتي‭ ‬الشابة‭: ‬أي‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬هنا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تلبس‭ ‬اللباس‭ ‬التقليدي‭ ‬الشائع‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬بلادكم؟‭ ‬نظرت‭ ‬إلي‭ ‬وابتسمت،‭ ‬قائلة‭ ‬باعتداد‭: ‬أي‭ ‬لباس‭ ‬تختاره‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ترى‭ ‬يمثلنا‭ ‬جميعا‭ ‬وهو‭ ‬لباسنا‭ ‬الوطني،‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬الــُطــُرز‭ ‬والأشكال‭ ‬والألوان‭ ‬الآن‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬شعبنا،‭ ‬إنها‭ ‬مجرد‭ ‬فنون‭ ‬بتنا‭ ‬نعتز‭ ‬بها‭ ‬،‭ ‬لقد‭ ‬اندمج‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬الكل‭. ‬

أطرقت‭ ‬قليلا،‭ ‬ثم‭ ‬واصلت‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بالموسيقى‭ ‬وحركات‭ ‬الراقصين‭ ‬والراقصات‭ ‬مبهورا‭ ‬بمهرجان‭ ‬الألوان‭ ‬المؤتلف‭. ‬

زائر‭ ‬لبلاد‭ ‬الصين

أعداد المجلة