فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
64

فن الصقارة: لمحة من تاريخ عالمي

العدد 64 - لوحة الغلاف
فن الصقارة: لمحة من  تاريخ عالمي

 

عندما نتعمق في دراسات وممارسات التراث، يتضح لنا أوجه التشابه المتعددة بين أنواع التراث الحي حول العالم، والتي تكشف عن تاريخ عالمي طويل للتبادل الثقافي بين الشعوب عن طريق السفر والتجارة والهجرة. فهذا التبادل الغني لقح شعوب العالم العلوم والآداب والثقافات والفنون والرياضات، كما تكشف لنا صورة الغلاف الخلفي لهذا العدد، والتي بها توثيق لفن الصقارة في إقليم آسيا الوسطى. وتبين الأبحاث الأبعاد الاقليمية الواسعة لهذه الرياضة والتي تقوم على تدريب هذه الطيور الجارحة على اصطياد الفرائس البرية بغرض الترفيه أو لتوفير الغذاء. فهذه الصورة والتي نرى بها ما يشير إلى أب وابنه مرتدين لباساً تقليدياً في وسط منطقة جبلية خاوية، تحاكي تاريخاً طويلاً لفنون الصقارة المنتشرة منذ أكثر من 4000 عام بحسب تقدير اليونسكو، والذي يختلف بحسب رأي الباحثين.  

وقد رجح هانز ابستين في مقاله عام 1943 تأصل هذه الرياضة في منطقة الشرق الأوسط والشرق الأقصى The Orient ويكتب بأن فن الصقارة هو بلا شك نتاج حضارة متقدمة لصعوبة ترويض وتدريب الطيور الجارحة (ابستين، 1943، الصفحة 497). وتضيف اليونسكو بأن الفن «نشأ في مناطق آسيا الوسطى والهضبة الإيرانية وانتشرت عبر الروابط الثقافية والتجارية (خط الحرير) إلى مناطق متنوعة أخرى بما في ذلك شرق آسيا وشمال إفريقيا وأوروبا، وفي وقت لاحق في القرن السادس عشر الميلادي في كثير من أنحاء العالم». وعند انتشارها في اوروبا، كانت تعرف الصقارة برياضة النبلاء كما كانت أداة ترفيه للطبقة الأرستقراطية (ابستين، 1943، الصفحة 497). وقد تطورت هذه الرياضة لتصبح جزءا هاماً من التراث الثقافي للشعوب مما جعل لها أثراً في الفنون والآداب وفي الثقافات المحلية، حيث يستخدم رمز الصقر «في الطوابع البريدية والعملات المعدنية وشعارات ملابس العسكر والجيش»، لذلك يعتبر هذا الرمز شاهداً تاريخياً لعلاقة الإنسان الحميمية ببيئته بكل المخلوقات التي تنتمي إليها (اليونسكو). 

وتوضح هذه المقاربات الثقافية تأثر الإنسان بتراثه الثقافي المتناقل عبر الأجيال وبذويه وببيئته ، وبشتى القصص الغنية التي يحويها التراث الحي. كما تتكون كل ممارسة للتراث الحي من تقاليد محلية ترتبط بالفن ذاته، فنجد للصقار العربي زيه الخاص والذي يتميز به عن صقار الدول الأوروبية أو الآسيوية الوسطى، كما تربط كل ممارس لهذه الرياضة ذاكرة جمعية مميزة وعلاقات معنوية محلية ترتبط بهذا التراث. فباستراق النظر إلى الماضي يعطينا فن الصقارة لمحة لأوجه التشابه بين الشعوب وللبصمات الخاصة التي يضعها كل شعب على هذا التراث، مما يخلق عالماً مثيراً فيه الفريد والمتشابه، وتاريخاً مفعماً بالدلالات المعنوية وبالقصص التاريخية المليئة بالروابط والتي تؤثر في تكوين هوية الشخص الثقافية وفي نظرته لموقعه العالمي. فينتج هذا التلاحم تراثا محليا وتراث عالميا، كل شطر منه يستحق البحث والتوثيق.

 

أعداد المجلة