فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
64

قفزة إلى مستقبل شعبيّ

العدد 64 - لوحة الغلاف
قفزة إلى  مستقبل شعبيّ

 

بقدمٍ حافية وابتسامةٍ عريضة، تثب هذه البحرينية الصغيرة من مربعٍ طبشوري إلى الآخر، في مشهدٍ من صميم التراث الخليجي، وزمن ألعاب الطفولة البسيطة. قبل أن تأتي ألعاب الأطفال الحديثة من دمى وأجهزةٍ إلكترونية، شكلّت «السكّينة» جزءاً أساسياً من ترفيه الأطفال الصغار بشكل عام، والفتيات بشكل خاص. وهي لعبة حركية، يرسم في بدايتها الأطفال مربعات بتقسيم معين على الأرض، ثم تصطف الفتيات أمام المربعات واحدةً تلو الأخرى، فترمي الواحدة منهن قطعة حجر صغيرة ثم تثب على قدمٍ واحدة في كل مربع، متجنبةً موقع الحجر، حتى تصل إلى نهاية المستطيل. ثم تعود لتنتظر دورها من جديد خلف صفٍ من الفتيات. وهكذا، قضت الفتيات أيامهن يلعبن تلك الألعاب البسيطة في زمنٍ ضجّت به «الفرجان» أو الأحياء السكنية بضحكات الأطفال وبراءة حكاياتهم. 

كان يمشي المارّ بين البيوت فيركض بجانبه صبيان يدفعون «الدحروج»، ويمر بجانب فتياتٍ يثبن أثناء لعبة نط الحبل، ويتحاشى إفساد مباراة حامية«بالتيّل» (البلي الزجاجية الصغيرة)، ويكاد لا يرى الطفل المختبئ عن رفاقه أثناء لعبة «الخشيشة» (الغميضة) حتى ينتبه لنداءات أصحابه وهم يقتربون من هدفهم. 

كانت ألعاب الأطفال الشعبية الحركية تتجاوز مهمتها البسيطة بتسلية الأطفال وبعث السرور بأنفسهم وتؤدي مهمة كبرى متمثلة ببعث الحياة بالأحياء السكنية والبيوت والحفاظ على صحة الأطفال الجسدية والنفسية. أما الأحياء السكنية اليوم، فلا نجد بها آثاراً للطباشير ولا صدىً لضحكات الأطفال، فهم منهمكون بنوعٍ آخر من الألعاب ينقلهم بسحر ضوئه الأزرق إلى عالم جرافيكي مختلف. يتواصلون به مع بعضهم عن بعد، أو لا يتواصلون به مع الآخر إطلاقاً. أصبح الصغار، كقدواتهم من كبار هذا العصر، ملتصقين بهواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية. إن خشي عليهم ذووهم من مخاطر الهاتف المحمول، طلبوا منهم أخذ قسطٍ من الراحة ومشاهدة التلفاز بدلاً عنه! 

باتت تسلية الطفل المعاصر تتمثل في حلقة من المناوبات الدورية بين الأجهزة وساعات طويلة من الجلوس في مكان واحد، مما يؤثر سلباً على صحة الطفل ونشاطه الصحي والذهني وحتى الاجتماعي. قد يقول البعض أن لكل زمنٍ ألعابه ولكل طفلٍ تفضيلاته، ولا يمكن أن نتوقع من طفل اليوم أن يلعب كما لعب طفل الأمس أو أن تسليه بساطة زمن الندرة في زمن الوفرة. إلا أن الطفل يبقى نتيجة بيئته وتربيته، وهو عجينٌ شبه مطواع يبني فكره وخبراته بناءً على ما يُقدمه له محيطه. فإن كان محيطه من العائلة ملازمٌ للأجهزة ويرى بها خير وسيلة لإلهاء الطفل، وكانت دائرة أصدقائه تقضي وقتها بنفس الطريقة، فما الذي سيدفع الطفل لاكتشاف أو ممارسة أي ألعاب حركية خارج ذلك الإطار ولا سيما الشعبية منها؟

 ولكن يبقى بصيص أمل -ولعله العشم- في جيل من الآباء يرون قيمة الثقافة الشعبية وروح الهوية الوطنية، فيعلمون الطفل كيف يكون طفلاً، ويعلمون أبناءهم كيف كان اللعب، وما هو دورهم في إحياء التراث بتعلم وممارسة هذه الألعاب البسيطة، ولعلَّ…

 

أعداد المجلة