فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
63

الأبعاد السوسيو ثقافية في رقصة «الهيت» بالمغرب

العدد 63 - موسيقى وأداء حركي
الأبعاد السوسيو ثقافية  في رقصة «الهيت» بالمغرب

 

تعد رقصة «الهيت» َ(ALHAITE) من أقدم الفنون الشعبية بالمغرب، إيقاعاتها الموسيقية متنوعة ومتعددة، رقصاتها احتفالية وحماسية وأدائية تتعالق في بعض جوانبها الشكلية مع رقصات عربية وتنسجم في حضورها على مستوى أزياء المشاركين (group flashions) مع تلوينات موسيقية تراثية محلية. وبالرغم من كونها اشتهرت بشكل كبير في غرب المغرب بإقليم سيدي سليمان والقنيطرة وسيدي قاسم، نجد أيضا أن حضورها يتمركز في الشمال الشرقي المغربي عند قبائل الحياينة في إقليم تاونات بمنطق تيسة، وهي رقصة تنتج إيحاءاتها من كونها رقصة متفاعلة مع أجواء البيئة التي أنتجتها، وفي الآن نفسه تحاور الإنسان وتستنطق وجدانه المرتبط بالأرض والمجال، وتتماهى مع التعبيرات الإنسانية في شموليتها الكونية وتبصم حضورها كتراث موسيقي شعبي عميق.  

أهمية الدراسة:

تأتي أهمية هذه الدراسة لمحاولة تحسيس الأجيال الناشئة بتراث الأجداد قصد معرفة ممارساتهم الفرجوية التعبيرية الشفهية، والوعي أيضا بنماذج الفرجة الشعبية الموسيقية بجميع أشكالها وأصنافها لا سيما في هذا العصر الذي يعرف تحولات جذرية في بنياته الثقافية والفكرية والاجتماعية.

كما أننا في هذا السياق نتوخى تجاوز فعل النسيان الذي طفق يعتري أوساطنا الاجتماعية نتيجة العولمة وتداعياتها المتنوعة، ومنها وباء كورونا وما أفرزه من تداعيات على ثقافة الإنسان، الذي أضحى محاصرا في بيته لا يستطيع العودة إلى محرابه الفطري الذي ألفه منذ قرون. لذلك، كانت غايتنا في هذه الدارسة النبش في مظاهر رقصة «الهيت» وما تنطوي عليه أعرافها الفرجوية من تقاليد موسيقية موروثة. 

ورغم المحاولات البحثية المهمة التي انصبت حول هذا الموضوع من قبل بعض المهتمين والباحثين، فإن جلها يفتقر إلى المزيد من التعمق في هذه الرقصة ذات الملامح المشتركة مع رقصات مغربية تراثية أخرى. 

في هذا المقام، يسجل أحد الباحثين أن رقصة «الهيت» رقصة إنسانية واجتماعية1، فيما يرى آخر أن هذه الكلمة تتماشى في وجدانها مع الفن التراثي الموسيقي القديم لفن أحيدوس الذي تحضر فيه رقصاته جملة من التشكيلات ذات القاسم المشترك مع رقصة «الهيت»2.

 

 

خصائصها التاريخية:

من نافلة القول إن «الهيت» رقصة تراثية شفهية قديمة تتسم مظاهرها بالطابع الشعبي البدوي وتنهل من المجال الجغرافي خصوصياتها وأصواتها وتعابيرها وإيقاعاتها الفنية وتشترك مع رقصة اعبيدات الرمى3 في الكثير من القوالب الشكلية على مستوى الأزياء والأدوات الموظفة في رقصتها، إضافة إلى هذا ففرق «الهيت» واعبيدات الرمى يجمعهما قاسم مشترك في احتفالهما، لأنهما يندمجان مع بعضهما البعض في حفلات الأعراس الكبيرة. وفي المواسم الوطنية والاجتماعية، بيد أن رقصة «الهيت» تستأثر بجمهور واسع، وتتسم فرجاتها الموسيقية بالطابع الفلكلوري والاستعراضي الذي يستدعي حضور عامة الناس وخاصتهم؛ وكذلك يمكننا تأطيرها في خانة التراث الشعبي المشترك، وهنا نستحضر رأي الباحثة المصرية نبيلة ابراهيم التي اعتبرت أن مجموع التراث الشعبي في الأقطار العربية يمثل صلة وثيقة بين تراثنا الشعبي المعاصر وبين التراث العربي القديم4 وهكذا تحضر رقصة «الهيت» كنوع من التراث الموسيقي الشعبي المتجاوبة مع التاريخ ومع الإنسان ومع المجال.

في هذا السياق يرى الباحث المغربي حسن نجمي أن الأداء «العيطي»5 في منطقة الغرب بالمغرب يختزل كله في اسم «الهيت» رغم الثراء والتعدد الواضحين في الخطاب الشعري الشفوي وفي أساليب الغناء والعزف الموسيقي والفرجة6.

تتمظهر أصالة رقصة «الهيت» في كونها متجذرة في عمق التاريخ ولها ارتباط وثيق بالثقافة الإنسانية في شموليتها المعرفية، وإن أنواع الرقص والتعبير الجسدي التي تمارسها أغلب الجماعات التقليدية، هي أساس أفعال تمسرح تعرض بقوة الرموز التي تجسد انسجام المجتمع وجمود زمان ينفلت من دائرة التاريخ. ومن هذه العروض يستمد الإنسان القناعة المتكررة بوجوده وتأكيد حياته الجمعية. بل إن بعض المجتمعات لا تستمد وجودها إلا بواسطة العروض هذه العروض الأسطورية»7. فرقصة «الهيت» من هذه الزاوية رقصة تحاكي الطبيعة والبيئة التي توجد فيها وترتبط في الآن نفسه بشكل كبير بحفلات الأعراس في البادية المغربية، وهي رقصة شعبية يغلب عليها الطابع البدوي والريفي وتقترن كذلك بالممارسات وعلاقة الإنسان بالأرض وبالطبيعة ومجال الإنتاج الزراعي وعلى وجه الخصوص موسم الحصاد وما تقدم فيه من عروض ترفيهية احتفاء بعطائه وسخائه وكرمه. 

وإذا أمعنا النظر كذلك في هذه الظاهرة، فإننا نجد جذورها ضاربة في عمق التاريخ الإنساني، لأنها تنمو في مواسم الاحتفالات الاجتماعية والوطنية في المغرب وتأخذ شكل فرجة موسيقية غنائية شعبية اجتماعية راقصة مثلها مثل الرقصات الفلكلورية التي عرفها المغرب منذ غابر الأزمان كتيسكاوين وإمديازن وبوغانم وأحواش... لذلك نجد مظاهر هذه الرقصات موثقة في أبحاث الاثنولوجيين الغربيين ومنهم بول رابينو Paul Rabinow الذي استعرض بعض مظاهر الرقص المغربي واصفا «نزلنا إلى الطابق السفلي، وجلست مستندا إلى سارية وسط الساحة لأتتبع عن كثب طقوس «أحيدوس» كان الراقصون وكلهم رجال طبعا يقفون في صفين متقابلين محاذين مناكبهم بمثابة «كورال» يرددون ما ينشده المايسترو الذي يتحرك وسطه جيئة وذهابا تارة ومن ورائهم تارة أخرى وكلهم ينقرون على دفوفهم بإيقاع رتيب ومتناسق»8. ومن ثم فطبيعي أن تكون رقصة «الهيت» سليلة الرقص المغربي التراثي رغم ما تعرفه من ندرة الأبحاث العلمية عنها. 

 

 

إشكالية مصطلح «الهيت»:

 تضاربت عدة روايات حول مصدر هذه الكلمة واشتقاقها، لكن بالنسبة لنا يمكن إدراجها ضمن خانة ثقافة شيوخ اعبيدات الرمى الذين كانوا يمارسون «التحياح» في وسط الغابة؛ بمعني إخراج الوحيش، وذلك بإحداث أصوات مع النقر على آلات حديدية، مما سيوحي لهم مستقبلا بابتكار رقصة «الهيت» من خلال ضرورة توحيد إيقاعات «التحياح» (هاهـوا هاهـوا هاهـوا....)، وقد استغلوا الغابة كفضاء لممارسة نشاطهم، حيث نجد علاقة حميمية بينهما، لاسيما من خلال قصائدهم التي تغنت بالغابة 9. 

وما يزكي هذا الطرح هو أن جل إيقاعاتهم الموظفة مع رقصة «الهيت» يرتبط اشتقاقها مع فضاء الغابة ومجالها، لذا نجدهم يرقصون على إيقاع «الحلوفي» نسبة إلى حيوان «الحلوف» بمعنى الخنزير، حيث حينما يطاردونه وهم ينادون (ها ها ها) وإيقاع الكلبي (هو هو هو ...) نسبة إلى كلب الغابة. ووفق هذا الطرح، نجد الباحث حسن نجمي يتحدث عن ثيمة مركزية من ثيمات العيطة في المغرب متخصصة في التغني بالفضاء الغرباوي؛ وذلك ضمن نسق «الهيت» بتعدد أساليبه اللحنية والإيقاعية (الكلبي والحلوفي والحدادي والقرادي والفرادي الشدادي...)10.

ووفق تصور آخر، ثمة من يعتبر أن إيقاع «الهيت» ينحدر من تلك التقاليد القديمة لتنظيف الملابس في ضفاف الأنهار، سيما لدى الرجال، حيث كانوا يستعملون الصابون النباتي الذي ينبت بجانب الأنهار، وفي جو احتفالي ابتكروا إيقاعات بالأرجل تتناغم بأصوات يصدرونها (استف هيتف استف هيتف ...)11.

 

 

المشترك الإنساني في رقصة «الهيت»:

تتعالق الخصوصيات الشكلية لرقصة «الهيت» في المغرب مع إيقاعات موسيقية شعبية محلية وأخرى عربية وكونية، وبشكل كبير مع رقصة «الهيت» عند قبائل  شرق المغرب الحياينة وتيسة (كما أشرنا إلى ذلك آنفا) وتندرج في إطار المواكب الاحتفالية الحماسية، وهندستها الشكلية الدائرية ونصف الدائرية تنحو طابع الانسجام والتلاقح والمثاقفة مع رقصات محلية مغربية كرقصة إمديازن وأحواش وجهجوكة والعلاوي والنهاري والركادة والركبة والكدرة ورقصة الطقطوقة الجبلية...، مما يضفي عليها  طابع الإرث الإنساني المشترك ويجعل منها إرثا موسيقيا احتفاليا يحمل في ثناياه ملامح كونية تستنطق أعماق التجربة الإنسانية وتنسجم مع أسئلة الوجود فيها بشكل يتراوح بين الرقص الفردي الذي يؤطره مقدم الفرقة والرقص الجماعي الذي تؤطره الجماعة الراقصة12.

يقودنا ذلك إلى التأكيد على أثر التلاقح الثقافي في المجتمع المغربي والعربي عامة، فرقصة الهيت تتواشج مع رقصات حفلات الأعراس في العالم العربي في شتى خصوصياتها الجمالية والترفيهية كرقصة «العيالة» التي تتكون من مجموعة من الرجال يتقابلون فيما بينهما ويشرعون في الرقص والضرب على الدفوف. وقديما كانت رقصة «الهيت» تأخذ نفس هذا الشكل الهندسي، حيث يتقابل أهل العريس مع فرقة «الهيت» مرددين تعابير محلية شفهية تعكس فرحهم وسرورهم بالعروسين13.

والأمر كذلك يتعلق برقصة «المناهل» التي يتطوع فيها رجل وامرأة ليتبادلا الأدوار داخل حلقة هذه الرقصة14 ونفس الأمر نجده في رقصة «الهيت» البدوية التراثية القديمة التي كان للمرأة دور كبير فيها، حيث تقوم بتقديم التحية لمجموعة أفراد الرقصة وحين تقدم على لمس كتف أحد من هذه المجموعة يدخل بدوره إلى وسط دائرة الحلقة وهكذا دواليك تتم رقصة «الهيت» وتبرهن على كون الثقافة الشعبية الإنسانية تنتج وعيا مشتركا بين الجماعات والأفراد في جميع المجتمعات والحضارات15.

كما تتقاطع رقصة «الهيت» مع رقصات عربية أخرى، ويتعلق الأمر برقصة «الدبكة» السورية في جبل العرب التي تسمى المشبك وأغاني «الهوليه»، حيث يقف الراقصون جميعا متشابكي الأيدي على شكل حلقة بأذرع ممدودة جانبا وأياد متماسكة... وتكون الحركة خطوتين لليمين يليها توقف بسيط وتوقيع باليسار على الأرض ثم خطوة لليسار ويليها توقف وتوقيع باليمين ،ثم بالمتابعة بإعادة الكرة وقد يخطو الجميع باتجاه مركز دائرة الرقص مغنين جميعا16، وهذا التشكيل الهندسي الراقص كان خلال العقود الأخيرة يلامس في رقصة «الهيت» خلال حفلات الأعراس بالبوادي المغربية، مما يدل على كون الثقافة الشعبية الشفهية لها طابع التمازج في بعض مكوناتها الفنية والجمالية. وفي هذا الصدد يذهب الباحث المصري أحمد علي مرسي إلى القول :«إن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن المجتمع الذي يعزل نفسه  عن غيره يفقد حيويته وينتهي به الأمر إلى الجمود»17. 

الخصائص الاجتماعية والمجالية:

من البديهي أن نلفي أغلب أفراد فرق رقصة «الهيت» ينتمون إلى وسط بدوي وريفي ومعظمهم يرتبطون بمجال الرعي والحرث والزارعة والدرس وكسب المواشي، أو العمل في الحقول أو القيام ببعض الأعمال الحرفية كصناعة الفخار التقليدي أو الحصير. 

وهم في كثير من الأحوال يعيشون حياة البساطة والعفاف والكفاف، ويسكنون في بيوت متواضعة، سواء كانت بيوتا من  طين أو من إسمنت، وتظل السمة البارزة لرواد «الهيت» سواء في منطقة الغرب أو شماله  هو ارتباطهم الشديد بالأرض ومجالاتها، إذ تختزل حميميتهم التي طالما تغنوا بها  تعبيرا عن العشق الأبدي سعيا إلى التودد إليها واسترضائها، حتى في أحلك لحظات غضبها من جراء توالي سنوات الجفاف أو الفيضانات: «فالأرض جنة، الأرض منفى يفيض النهر، قرابين كالعادة، الأمر بسيط والحمد لله أن الخسارة طفيفة «الله ييسر ولا يعسر»! والأرض تعطي بسخاء، كل شيء عاد: مواسم التبوريدة، زيارة الأولياء الصالحين، ركاب الجذبة إلى الهادي بنعيسى هدى الله من اهتدى يهديه!! وها هو الجسد المرسوم بالوشم والحناء ينضح نشوة على نغمات الطبلة والمزمار و«الهيت»!!»18، فرغم ما يعترض الفلاح من متاعب، يظل يحتفظ بمساحة واسعة من الأمل في انتظاراته وانسيابية أفكاره ومشاعره عبر الماضي والحاضر والمستقبل، لا يتوقف عن الانخراط في كل المناسبات التي تضمن متنفسا لاستكشاف عمقه الفرجوي وهو حارس عليه رغم العناء وضيق العيش، فهو لا يتوانى عن المشاركة في فضاء الفرجة الموسمية، سواء كانت عرسا أو حفلا أو حضور أحد الأولياء الصالحين للتمتع بمشاهدة الفروسية ولعبة التبوريدة والمشاركة في رقصة «الهيت». 

«ما العمر إلا يوم أو ليلة، وبعد اليوم أو الليلة، فليكن ما يكون «الكاليش» جاهز والعود مربوط والسوق مساحة للإنفاق والتخلص من المكبوت، ولا وقت للتفكير»19.

 من خلال هذه الخواطر المحلية الشفهية المسكونة بحب اللهو والمتعة نرى أن ارتباط الفرد بمحيطه الاجتماعي ينتج عنه التجاوب في أحضانه الممتلئة بشتى العادات والتقاليد، وتدخل رقصة «الهيت» كإحدى الرقصات الجذابة في تكريس حب تفاعل الفرد مع جماعته ومع مجاله ومع أعرافه، ومن هذا المنظور نلفي كلود ليفي ستراوس يعتبر الثقافة الإنسانية هي «كل ما ينحدر عن التقليد الخارجي وهي أيضا جملة من العادات والمهارات التي يلقّنها الإنسان بوصفه فردا في مجموعة»20.

تعكس رقصة «الهيت» بعدا اجتماعيا يرتبط بالماضي، ويساير الزمن في سيرورته وفي تحولاته. لذلك فكل ظاهرة اجتماعية هي في عمقها عملية تحويل غريزي وفطري وبيولوجي إلى ثقافي واجتماعي وإنساني21. 

 

 

فرجة عفوية مرتجلة:

هذه الخصائص التي تتمتع بها رقصة «الهيت» تمنح للباحث المعني بها، مشروعية إدراجها ضمن خانة المسرح الغنائي العفوي، لأنها تقوم على المزاوجة بين الحركة ونظم الزجل. وهذا ما أكده أحد الباحثين عندما أشار إلى أن المغرب يمتلك حقيقة، تراثا فلكلوريا ذا قيمة عالية وموسيقى غنية، ثم إن مجموع هذه الطاقة الموسيقية تفرض وجود حركة مسرح غنائي شعبي، بعد أن تنصهر في نصوص درامية. ومن شأن هذا المسرح أن يترجم أعماق الشعب ومميزات أفراده، كما بإمكانه أن ينهض بتنشيط حركة فنية متميزة بجماليتها ومضامينها ودلالاتها، من خلال الغناء والكلمات والتحركات، ونجد هذا النمط المذكور في الأسواق وفي ساحات المدن الكبرى، إذ يتجلى في أشكال خالدة سمتها الإبداع التلقائي، وارتجال بعض السكيتشات، حيث الغناء والحركات تختلط مع الجمهور22.

 يتميز الفعل التمسرحي التلقائي لدى فرقة «الهيت» بالعفوية والارتجال، وهاتان الخاصيتان تخلقان نوعا من المسرح الغنائي الذي يضفي على احتفالية «الهيت» مسحة هزلية وغنائية، تجعل المتفرج الهاوي ينخرط بقوة في فعل الرقص، وهذا ما نلاحظه في الكثير من فرجات الهياتة. 

هذه الخصائص التي تميز رقصة «الهيت» أكسبتها بعدا سوسيولوجيا عميقا يتجسد في وظيفتين: ترفيهية فرجوية، واجتماعية تماسكية. فرقصة «الهيت» تتأسس انطلاقا من فعل الجماعة. لذلك فالمتابع لما تتميز به من خصائص وأشكال وتمظهرات، يجد أنها مندرجة في قلب النشاط الاجتماعي نحو الأفق الإنساني الأرحب شديد الصلة بالرؤية للعالم. 

 

 

الأزياء في رقصة «الهيت»:

تعكس أزياء الجماعة الراقصة Dance group flashions في فرجة «الهيت» بعدها الأنثروبولوجي انطلاقا من اللون الأبيض الموحد للنسيج التقليدي المصنوع في معظمه من صوف الخروف والمنسوج بيد ماهرة وهندسة تراثية تمتح عمقها الفكري من براعة الصنع المغربي التقليدي المستفيد عبر تاريخه القديم من روافد حضارية كونية متنوعة. في هذا الإطار سنحاول تقديم الأزياء التقليدية المشكلة لفن «الهيت» بشكل مجزأ.

1) الرزة:

هي نوع من الثوب أو الكتان الأبيض (يستعمل غطاء للرأس عند الرجال) وأحيانا تكون ذات لون أصفر، لأن الحجيج المغاربة في القرون الماضية كانوا عندما ينهون أداء فريضة الحج  في الغالب يقتنون الثوب من الديار المقدسة ويقدمونه كهدية لأهلهم وأصدقائهم. ومع تطور الزمن غدت هذه الرزة مرتبطة بجماعة الفرسان في حفلات «التبوريدة»23 (الفروسية الشعبية) وبمؤدي رقصة «الهيت» وغيرها من الفرجات الموسيقية الشعبية المغربية.

2) التشامير:

هو عبارة عن فستان رقيق وشفاف ولباس داخلي يقي من البرد، يصنع من القطن، يلبس فوقه الجلباب وتظهر خطوط ثناياه من هذه الأخيرة ليشكل بدوره كساء محتفيا هو الآخر برقصة  «الهيت» وما يدور في أجوائها من تفاعلات موسيقية تنشيطية تعطي لحضورها التراثي التقليدي أبعادا إنسانية واجتماعية، معبرة عن الحضارة والهوية والفكر والثقافة الشعبية المتواشجة مع شتى المجالات، ومنها بالخصوص مجال  الحرف اليدوية التقليدية  في مدنه المشهورة كفاس ومكناس ومراكش  وآسفي وتطوان... 

3) الجلباب:

لباس تقليدي ضارب في عمق التاريخ المغربي والمغاربي، يصنع من ثوب صوف الخروف أو من حرير القز، ولباس الجلباب يكثر ارتداؤه عند الفقهاء وعلماء الدين بالمغرب، كما يعد زيا رسميا في المناسبات الوطنية المغربية،  ويعد أيضا الجلباب زيا رسميا عند العريس في حفلات الأعراس التراثية،  ونلاحظ أن جل الفرق الموسيقية التراثية المغربية ترتدي هذا الزي وبشكل كبير عند فرق رقصة  «الهيت»، ونشير إلى أن لهذا اللباس أبعادا رمزية  وأخرى جمالية تضفي على رقصة  «الهيت» طابع التشكيل الزخرفي الموحد في اللون وفي الأداء الحركي المتموج  مع الإيقاع الموسيقي بشكل متناغم ومنسجم، ووفق سينوغرافيا الجلباب تكتمل فرجة  «الهيت» لتحقق المتعة لمشاهديها.

4) البلغة:

حذاء تقليدي مصنوع من الجلد، وهي سليلة ما يسمى ب(النعالة) أو الخف لونها في غالب الأحيان أصفر وأبيض ونادرا ما نجد البلغة ذات اللون الأسود أو البني، وعلى العموم فإن البلغة تعتبر حذاء يكتسي دلالة خاصة تبنى عليها رقصة «الهيت» ذات اللباس الجماعي المشترك.

 

 

آلات رقصة «الهيت»:

تستعمل في رقصة «الهيت» أدوات موسيقية متميزة تساهم في تأثيث الرقصة وإيقاعها، عبر سمفونية شعبية متناسقة ومنسجمة ودون هذه الأدوات لا تكتمل رقصة «الهيت» في أصالتها المتوارثة وهي:

1) المقص:

يختلف مقص رقصة «الهيت» عن المقص الشائع استعماله في صناعة الخياطة أو شتى الاستعمالات المألوفة، بل هو مقص شبيه إلى حد ما بمقص جز الصوف عند مربي الغنم، وهو في صنعه مبتور الجوانب والرأس، يمسكه مقدم فرقة «الهيت» بيده اليمنى وفي يده اليسرى الأخرى قضيب حديدي طوله لا يتعدى عشرين سنتيمترا، ينقر به على هذا المقص ليحدث طنينا يتوافق مع كل الأدوات الموسيقية الموظفة في رقصة «الهيت».

2) البندير:

هو أداة دائرية مصنوعة من عود الخشب وهو شبيه بآلة الدف مغلف بالجلد وغالبا ما يكون مصنوعا من جلد الماعز، يساهم في رفع إيقاع الصوت الموسيقي للرقصة ويضفي صوتا متميزا على نغماتها،  ونرى في هذا الصدد أن هذه الأداة يستغنى عنها أحيانا عند بعض فرق  «الهيت» حديثة العهد إذا كان أفراد مجموعة الرقصة قليلي العدد، لكن يبقى «الهيت» الأصيل هو الذي وظف البندير في نشاطه الموسيقي الشعبي.

3) الکوال24:

آلة إيقاعية مصنوعة من الطين، وهي متعددة الأشكال والزخرفة والألوان بينما اللون الأصيل المعهود في هذه الأداة هو اللون الطيني القريب من اللون البني ويختلف حجمها حسب وظيفتها الموسيقية، فهي عند فرق «الهيت» تتشكل من حجم متوسط، بينما عند فرق اعبيدات الرمى تكون قصيرة شبيهة بما يسمى بـ«التعريجة»25 وهي آلة شبيهة بالكوال لكنها قصيرة الحجم.

4) الغيطة:

 هذه الآلة تتميز بخصوصية القاسم المشترك عند كل الشعوب العالمية بدءا من الحضارة الصينية مرورا بالحضارة اليابانية والهندية إلى الحضارة العربية، ورغم الاختلاف الحاصل في حجمها وشكلها فهي تشكل قاسما موحدا ومشتركا في وظيفتها الموسيقية اللحنية بين جميع شعوب المعمورة26. 

في المغرب نجد استعمالها كثيرا عند شيوخ العيطة الجبلية، واستعمال هذه الآلات الموسيقية يكون دوما ذا أهمية قصوى لا يتم الاستغناء عنها، ويكمن دورها عند شيوخ «الهيت» في كونها تساهم في رفع إيقاع الرقصة، عبر قوة الصوت بشكل يشنف مسامع المشاهد لهذه الفرجة.

5) الطبل:

هو آلة قديمة استعملها الإنسان منذ غابر الأزمان في حفلاته وفي شتى مجالات الحياة، مصنوعة من الخشب ومغلفة بالجلد وعند  فرق رقصة «الهيت» تكتسي أهمية بالغة في ضبط إيقاع «الهيت» مع آلة البندير (الدف) وآلة التعريجة والغيطة (المزمار)، ففرق «الهيت» تجعل من الطبل معينا فحين تنتهي حركة الجسد والأداء التعبيري، يأتي الطبل  تعويضا لحركة الراقصين عبر تردد إيقاعي مستمر يخفف من عناء الراقصين  في دائرة  «الهيت».  

6) المجمر:

يسمى في اللغة العربية الفصيحة بالتنور، وهو أداة مساعدة مصنوع من الطين يوضع فيه الفحم الخشبي ويتم توظيفه لتدفئة آلة البندير والطبل والتعريجة، ذلك أن كل هذه الآلات مصنوعة من الجلد، حيث إن تدفئتها تيسر عملية النقر والضرب على هذه الآلات ويجعلها سهلة لأداء إيقاعها بصوت مرتفع.

 

 

زجل رقصة «الهيت»:

إن زجل رقصة «الهيت» هو زجل شفهي شعبي مجهول التأليف متواتر بين الأجيال، دلالته ومعانيه تفصح عن تجارب إنسانية يعبر عنها عبر الأداء الموسيقي المتنوع في إيقاعاته، وعبر الأداء الحركي الجسدي الذي يتموج بطريقة منتظمة ومتناسقة. 

والزجال في رقصة «الهيت» يمزج بين قدرته على إبداع مقطوعات زجلية وتقديمه في الآن نفسه حركات راقصة ومعبرة بهز المناكب وتحريك الأرجل والأيادي وسط صفين متساويين من الرجال والنساء في أبهى صورة يمكن أن تلتقطها العين، ويمكن الاستشهاد في ذلك بالمقطوعات27 الزجلية الشعبية التالية:

هذي28 كرمة29 مكرمة30

بلاد «الهيت» والرمى31

وغبار32 الخيل في السما

ديما يا نا33 محزمة

أنا نبدا34 اللي بداني35

بلادي روحي وعياني36

ونسوق كذلك نموذجا آخر من زجل رقصة «الهيت» والذي يسمى بـ«إيقاع «الرباعي»، والمتسم بمرددات إنشادية غنائية عبارة عن أمثال وحكم ومواقف واقعية اجتماعية ساخرة من تناقضات الحياة وما يدور فيها من صراعات مخيبة لحرية الكائن الإنساني. وهذا النموذج مروي على لسان أحد الشيوخ القدماء في مجال فن «الهيت»37 بمنطقة الغرب، حيث يقول:

  الصلاة على النبي في قلبي فهام38 

شاقت نفسي لزيارة لفحل39 

مولاي عبد السلام40

  حبيب الطلبة41 والعوام42.

ويستطرد أيضا في نفس السياق بقوله:

اللي بغا ايگول43 ايگول عولنا44 عليه

فمها براد45 والنعناع46 فيه

قدي47 بولد الناس أولا48 فارقيه

الملقى الأول49 تكون الخوف فيه. 

 تستقي اللغة الزجلية الموظفة في رقصة «الهيت» جذورها الأنطولوجية من اللغة العربية الفصيحة، وهذا الأمر هو السمة المميزة للزجل الشعبي الشفهي الدارج، لذلك يعد الأدب الشعبي تعبيرا لغويا عن الممارسات السلوكية الكائنة أو المتوقعة أن تكون، سواء على مستوى المادة أو الروح، وإن اللغة التي يستخدمها الأدب الشعبي ليست هي اللغة العامية بالدرجة الأولى، فهي لغة فصحى سهلة وميسرة تكاد تقارب العامية في شكلها الظاهري50.

وفق هذا المنوال تستلهم رقصة «الهيت»  حمولتها الاحتفالية من الموروث الشفهي الشعبي الذي يستنطق مكنون التقاليد القديمة في شبه الجزيرة العربية، بحكم أن العرب الوافدين إلى شمال أفريقيا تنحدر أصولهم من قبائل عربية مشهورة كبني هلال ومعقل وسفيان51 مما يعكس بعدا اجتماعيا يرتبط بالماضي وينسجم مع الحاضر ويغوص في المستقبل، ويساير حركة الزمن في تقلباته، لأن إيقاعاتها الموسيقية ومردداتها التعبيرية الشفهية تتعدد فيها الأفكار والأصوات، وتنسجم حلقتها الدائرية ونصف الدائرية مع سنة كونية تعكس دورة الحياة الإنسانية، لذلك فرمزيتها تسترفد مشروعيتها من الحضارة الإنسانية والتاريخ والذات والحلم والأسطورة والوجود والبيئة، ومن شتى أسئلة الحياة ومواقفها المتنوعة52.

وحسب بعض الباحثين، فإن للرقص وظيفة نفسية واجتماعية تتمثل في موازنة الحركة العضلية والجسمانية مع الحس الانفعالي والتعبيري سواء كان الرقص بحسب العدد فرديا أو ثنائيا أو جماعيا أو بحسب النوع زوجيا (رجل وامرأة) أو جماعيا مشتركا (فريق نسائي ورجالي) أو بحسب الوظيفة جماعي في مناسبة دينية أو احتفال بالنصر أو بالأعراس53. 

 

 

الإيقاعات:

يتميز إيقاع «الهيت» بالتعدد في الأصوات والتداخل والتمازج، وينسجم مع حلقة دائرية، معبرة عن دوران الحياة الإنسانية. وبهذا المعنى، تستمد مشروعيتها الثقافية والرمزية من تاريخ الإنسان البدائي وتطوره وصراعه مع الزمن واختلاف الحضارات وتعاقب الأجيال. كما أن موسيقاه تتميز بخصوصية التناسق والانسجام وتعد بمثابة سمفونية شعبية؛ يطلق عليها حسب العرف المتداول عند الهياتة بالميزان «شد الميزان» بمعنى (تحكم في ضبط الميزان) أثناء عملية الرقص، ويتجلى هذا في التعابير الزجلية المفصحة عن هواجس إنسانية يتداخل فيها الجانب الروحي مع المادي.

فرقصة «الهيت» تمثل إذن شكلا فرجويا أساسه الحركة والغناء والرقص، بحيث إن جسد الراقص يندفع إلى الأمام بحركات واهتزازات للكتفين والصدر إلى الأمام، مما يعطي للمشهد سمة عجيبة بدون منازع، وتعرف الرقصة بين الفينة والأخرى توقفات، حيث يعلو صوت أحد أعضاء المجموعة صادحا يوقف الرقصة فجأة، بإشارة منه كي يتم تكرار نفس الإيقاع بطريقة متناغمة.

وإيقاع «الهيت» ينقسم إلى عدة أسماء، فهناك البطيء والمتوسط والسريع..، وهناك إيقاعات رباعية أو حمادة مصباحية أو غرباوية  أو حسناوية... نجد قواسم مشتركة في الرقص والأداء، وتغييرا واضحا في تركيبة الأداء الحركي. وهذا الاختلاف والتنوع هو قمة الغنى الثقافي في المغرب54. 

وعلى مستوى إجراء مقارنات بين إيقاع رقصة «الهيت» وبين إيقاعات أخرى من التراث الموسيقي المغربي، نجد أنها تتشابه مع رقصة أحيدوس في توظيف أداة (البندير) التي تنظم داخل دائرة غير مغلقة، حيث يكون الراقصون يلاحظون بتمعن رئيسهم الذي من الواجب الاستماع إليه وتنفيذ أوامره. وفيما يلي تعريف بأهم هذه الإيقاعات:

1) الحلوفي:

حسب بعض المرويات الشعبية أن إيقاع الحلوفي في رقصة «الهيت» وهو إيقاع بطيء يتناغم مع أداء الضرب على آلة البندير والغيطة والطبل بشكل متواز،  يتميز بكونه يستمد تعبيراته ومردداته من  ملامح  أنغام  تحاكي صوت الخنزير، لأن هذا الحيوان صديق للغابة ومنطقة الغرب غنية بالغابات مثل غابة الفلين بالمعمورة مترامية الأطراف من تخوم بلاد زمور إلى حدود قبائل بني احسن، وغابة الكاليبتوس الممتدة من مدينة سيدي يحيى إلى حدود مدينة سيدي سليمان، حيث إن المستعمر الفرنسي اعتنى بهذا الحيوان، لذلك كان أهالي المناطق المجاورة للغابات يقومون أحيانا بتربيته، وتأثروا بصوته الغريب وشرعوا يحاكونه في رقصاتهم، وهذا  دليل على ارتباط ممارسي رقصة الهيت بمجال الأرض والتفاعل مع البيئة التي يعيشون بين أحضانها كمزارعين ورعاة ومربي مواشٍ. 

2) الرباعي:

هذا الإيقاع في رقصة «الهيت» يمزج بين الحركة الموسيقية والجسدية والتعبير القائم على الملفوظات الزجلية المسماة «لكلام الرباعي» وهذا الكلام كله عبر وحكم وأمثال، فهو - حسب الباحث عبد الرحمن الملحوني - لون من أنواع  الزجل  يتكون من بيتين غالبا ما يكونان مصرعين ومتضمنين لحكمة أو مثل أو قول سائر وعبرة من عبر مما يجري على لسان العامة واشتهر في نظم هذا اللون الشاعر عبد الرحمن المجذوب في القرن العاشر الهجري55، وتتميز موسيقى هذا الإيقاع بين الصعود والهبوط، فتارة يعلو صوت الإيقاع وتارة أخرى يهفو، عبر جرس موسيقي متناغم يهز مشاعر المتفرجين لدعوتهم للمشاركة المتفاعلة بأحاسيسهم من أجل تتبع هذه المقطوعة الموسيقية الشعبية حتى نهايتها.    

3) الحدادي :

نسبة إلى قبيلة الحدادة المتاخمة لمدينة القنيطرة قرب شاطئ المهدية. وهو إيقاع توظف فيه آلة المقص ودونها لا يستوي إيقاع الحدادي، وكلمة الحدادي مستمدة من الحدادة؛ بمعنى أن جل سكان هذه المنطقة اشتهروا بهذه المهنة، لذلك سميت بمنطقة الحدادة، ومع مرور الوقت ظهر الإيقاع الحدادي في رقصة «الهيت».               

 4) الحسناوي :

نسبة إلى قبائل بني احسن56  بنواحي سيدي قاسم، وهو يتميز بإيقاعه السريع يقوم على تحريك الجسد بشكل كبير وليس فيه تعابير، فالحركة الجسدية فيه تكون أكثر تعبير من الكلمة، حيت يقوم الراقصون في هذا الإيقاع بخلق حركات غريبة تستدعي الضحك فهي رقصة تفكهية تؤدى فيها حركات رياضية في غاية من الإعجاب والانبهار.

5) الغرباوي :

يتميز بإيقاعه البطيء إذ نجد له حضورا قويا في أحواز قبائل مدينة سوق الأربعاء الغرب ومشرع بلقصيري، وتتجلى في هذا الإيقاع جوانب من الاحتفاء بالنصر أو إثارة فضول الخيول في حفلات الفروسية، حيث نرى في بعض الحفلات الموسمية أن الفارس يشارك بفرسه في رقصة «الهيت»، وهذه رمزية تثير الإعجاب لكون الفرس بدوره يرقص على نغمات إيقاع «الهيت»، وعلى وجه الخصوص في الإيقاع الغرباوي البطيء والمتريث في نغماته.               

6) العيساوي:

يستوحي هذا الإيقاع نغمه من الحضرة العيساوية المشهورة، وهي حضرة تستمد أصولها من البعد الصوفي ومن أذكار الولي الصالح الهادي بنعيسى دفين مدينة مكناس، وفي هذا الإيقاع تكون النبرة الموسيقية ذات بعد طقوسي يستوحي ما تحفل به الطريقة العيساوية من متون وأوراد وتهاليل57 تستحضر في لغتها تعابير ذات منحى ديني، لذلك نجد في رقصة «الهيت» استعارة لهذا المعطى الصوفي. 

 

 

خلاصة تركيبية:

يشكل فن «الهيت» بالمغرب مظهرا من مظاهر الطقوس الاحتفالية الموسيقية الشفهية الشعبية، يندمج في ملامحه مع أنساق ثقافية شعبية متنوعة ويستمد نسغه من ظواهر الفرجة الشعبية المتوارثة والضاربة بجذورها في عمق التاريخ الإنساني، فهو إيقاع موسيقي لا ينزاح عن التفاعل والغوص في أسئلة وجودية بشكل احتفالي جماعي. 

وبما أن لهذه الفرجة الشعبية امتدادا في المكان والزمان، فإن الحاجة تدعو إلى إعادة إنتاجها والاهتمام بصناعها، باعتبارهم كنوزا بشرية يجب أن تستلهم من لدن محبي «الهيت» من الأجيال الجديدة.

 

الهوامش:
1. يعتبر الباحث بوسلهام الكط أن رقصة الهيت رقصة إنسانية واجتماعية تغوص في وجدان المجتمع. يمكن هنا مراجعة كتابه "من وحي التراث الغرباوي": مطبعة أمبريال، الرباط المغرب الطبعة الأولى السنة غشت 1999، ص24. 
2. يتحدث الباحث إدريس الكرش عن أصل كلمة الهيت محاول مقارنتها برقصة أحيدوس واعتبر أن رقصة الهيت تستمد مادتها الخام من فن أحيدوس. ينظر إلى مؤلفه مقاربة فنية بين رقصتي "الهيت" وأحيدوس قبائل بني احسن وزمور نموذجا، منشوراتaxion COMMUNICATION الرباط المغرب ص9. 
3. أعبيدات الرمى: هم الذين يقومون بتنشيط حفلات الرمى بمعنى الرماة، أي  هواة القنص في البراري والغابات وفي كل مجالات الطبيعية، وقد أطلق عليهم أعبيدات الرمى لكونهم يسهرون على مصاحبة الرماة أثناء رحلاتهم حيث يقومون بخلق أجواء ترفيهية وتنشيطية موسيقية للتخفيف عن الرماة مشاق القنص ومضانه، وكل ذلك عبر إبداع مواقف تفكهية تطبعها السخرية من الواقع ومحاكاة بعض الطبائع الإنسانية والاجتماعية، وعلى سبيل المثال محاكاة (رقصة العفريت والعفريتة) والمرأة الحامل كما هو الشأن في مسرحية "خالتي الضاوية" لفرقة محمد رابح، كما أن لعبيدات الرمى ثروة زجلية شعبية شفهية كلها حكم وأمثال ونوادر وطرائف، وللمزيد من التوسع في دراسة اعبيدات الرمى أنظر كتاب الباحث السوسيولوجي عمار حمداش ( بقايا من .. ثقافة الرمى عند قبائل بني احسن، مساهمة في الثقافة الشعبية) مطبعة Regard pub القنيطرة المغرب الطبعة الأولى 2013. كما يمكن الاضطلاع على كتاب رجاء معون " قصيدة اعبيدات الرمى موضوعها وفنيتها من الخصوصية والإمتاع إلى ىالإقناع/ مطابع الرباط نت وزارة الثقافة، السنة 2015.
4. نبيلة إبراهيم وحدة الثقافة في التراث العربي، التراث الشعبي، المركز الفلكلوري، العدد الرابع، السنة الثامنة 1977، ص81.
5. العيطي: نسبة إلى أغاني العيطة وحسب الباحث حسن بحراوي أن فن العيطة يحتل مكانة رفيعة ضمن الأنواع الغنائية الشعبية المتداولة في المغرب، أنظر كتاب فن العيطة بالمغرب، منشورات اتحاد كتاب المغرب، مطبعة فضالة المحمدية المغرب السنة 2002، ص7.
6. حسن نجمي غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقي التقليدية في المغرب الجزء الثاني، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، السنة 2007، الطبعة الأولى، ص 108.
7. عبد الواحد ابن ياسر حدود أشكال الفرجة التقليدية، مقاربة أنثربولوجية، الفرجة بين المسرح والأنثربولوجيا كتاب جماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، سلسلة أعمال الندوات رقم 8، 2002، ص40.
8. بول رابيناو اثنولوجي بالمغرب، ترجمة محمد ناجي بن عمر كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر، مطبعة الرباط نت، ص 48.
9. حوار مع إدريس الگرش باحث في زجل الرمى والذي تربطه علاقة وطيدة مع قبائل زمور المجاورة لقبائل بني احسن، 14/07 /2012.
10. مرجع سابق، حسن نجمي غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقي التقليدية في المغرب، ص 108.
11. مرجع سابق، إدريس الكرش أهيتوس مقاربة فنية بين رقصتي "الهيت" وأحيدوس قبائل بني احسن وزمور. ص9.
12. موسى فقير تمظهرات الإيقاعات الموسيقية التراثية الشعبية مقاربة سوسيولوجية، الفنون المغربية، العدد الأول فبراير 2019، ص79.  
13. الموقع الالكتروني الفنون-الشعبية-الإمارات https://www.bayut.com/mybayut/ar يوم 02 نونبر 2022. الساعة الواحدة زوالا.
14. المرجع نفسه. 
15. نشير في هذا الصدد أن رقصة "الهيت" تتميز بخصائص جمالية وتعبيرية وتمتاح أصالتها من أشكال الرقص في العالم العربي كرقصة اليولة والزريف وأم ديمة والسامري الإماراتية ورقصة الدبكة الفلسطينية ورقصة الزار والعرضة والخطوة السعودية، وغيرها من الرقصات العربية الكثيرة والمتنوعة. 
16. نصر أبو إسماعيل الأصول والفنون شعر الأغاني الشعبية والأهازيج في تراث جبل العرب، منشورات الهيئة العامة للكتاب وزارة الثافة السورية، الطبعة الأولى السنة 2012، ص 75. 
17. أحمد علي مرسي الأغنية الشعبية، مدخل إلى دراستها، جامعة القاهرة، دار المعارف، دون طبعة، ص10.
18. فقير موسى حفريات في الفرجة الشعبية بالمغرب أنثربولوجية الثقافة الشعبية وأشكال الفرجة بالمغرب مقاربة سوسيو ثقافية، الهيئة العربية للمسرح دراسات 57، السنة 2019، ص44.
19. نفسه، ن، ص44.
20. ليفي ستراوس "الأنثروبولوجيا البنيوية أو حق الاختلاف" ترجمة محمد بن حمودة، دار محمد علي الحامي للنشر صفاقس تونس الطبعة الأولى، 1987، ص78.
21. نفسه، ص 78.
22. حسن المنيعي:" المسرح... مرة أخرى" كتاب نصف الشهر 49 سلسلة شراع العدد التاسع والأربعون، ص 8.
23. التبوريدة : كلمة مستمدة من مادة البارود التي تُعَبَّأ في البندقية تستعملها فرق الخيالة ( الفروسية) في أنشطتها الفرجوية بمناسبة الحفلات الوطنية وبالمناسبات الدينية. 
24. الكوال تستعمل هذه الآلة الموسيقية التقليدية عند الكثير من الفرق الفلكلورية التقليدية، عند فرق جيلالة وحمادشة وعيساوة وهداوة وعند فرق اعبيدات الرمى وكذلك عند الفرق التراثية الموسيقية المغربية كناس الغيوان وجيل جيلالة.
25. التعريجة هي آلة موسيقية قصيرة الحجم وتتعدد ألوانها، يمكن مراجعة كتاب رجاء معون الذي أشرنا إليه سلفا والموسوم بـ"قصيدة اعبيدات الرمى موضوعها وفنيتها من الخصوصية والإمتاع إلى الإقناع"/ مطابع الرباط نت وزارة الثقافة، السنة 2015، ص46.
26. الغيطة: تسمى المزمار في بلاد المشرق وتختلف عن آلة الناي في حجمها وشكلها وعدد الثقوب التي تحتويها ويعتمد فيها الراقص على النفخ بطريقة فنية متقنة.
27. محمد الراشق أنواع الزجل بالمغرب من الغنائية إلى التفاعلية، الجزء الأول، القصيدة الزجلية التقليدية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص 25.
28. هذي: اسم إشارة؛ بمعنى هذه.
29. كرمة: هي الشجرة، سواء كانت عنبا أو تينا أو رمانـا أو تفاحا.
30. مكرمة؛ أي شـجرة كريمة.
31. بلاد  "الهيت" والرمى، المعنى هنا يعود إلى منطقة الغرب بالمغرب التي اشتهرت بهذا الفن كما اشتهر ت فيها فرق اعبيدات الرمى.
32. غبار: التراب. 
33. يـا نـا: هي ضمير المتكلم بمعنى (أنـا).
34. نبدا: ابتدأ  
35. اللي بداني: أي؛ أبتدأ بالذي كان الأول في محاورتي أو مناقشتي.  
36. بلادي روحي وعيناي : بمعنى أنني أحب بلادي حبا جما. 
37. يتعلق الأمر هنا بالعربي طوطو أحد الرواد القدماء لفن الهيت بمنطقة بني أحسن.   
38. فهام: بمعنى في قلبي مستنيرة وواضحة بإيمان قوي.  
39. لفحل: الفحل؛ أي الشجاع القوي بمعنى الفحولة.  
40. مولاي عبد السلام: هو الولي الله الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش دفين منطقة الجبالة له أتباع  ومريدون من كل أنحاء المغرب.  
41. الطلبة: هم طلبة حفظ القرآن الكريم.  
42. العوام: عامة الناس. 
43. يكول: بمعنى يقول، يتكلم.  
44. عولنا: رضخنا إليه، توكلنا عليه. 
45. فمها براد: يتغزل بكون معشوقته فمها شبيه  بفم الإبريق (البراد) في شكله أي جميلة الفم. 
46. النعناع: هو نوع من الأعشاب التي نخلطها بمشروب الشاي يتميز برائحته الجميلة والمنعشة. 
47. قدي: بمعنى أن تكون لك القدرة على ابن الناس في تعاملك معه وإلا تفارقيه ليذهب إلى حال سبيله. 
48. أولا فارقيه؛ بمعنى تتركيه وتجعليه في منأى عنك.   
49. الملقى الأول: اللقاء الأول. 
50. إبراهيم الحيسن اثنوغرافيا الكلام الشفاهية ومأثورات القول الحساني مطبعة pixel print Tan Tan، المغرب الطبعة الأولى السنة 2012، ص56. 
51. يتفق أغلب الباحثين على أن قبائل الغرب من أصل عربي توافدوا على المنطقة في عهد الدولة الموحدية. إذ يعود تعمير إقليم أزغار إلى عهد السلطان المنصور الموحدي، بعدما رأى مقاتلتهم يوم معركة وادي المخازن كانت قوية وإبلاءهم فيها البلاء الحسن فاختار نصفهم للجندية وأبقى نصفهم الآخر في غمار الرعية ينظر هنا إلى كتاب محمد الصغير الأفراني، نزهة الحادي بأخبار وملوك القرن الحادي، تقديم وتحقيق عبد اللطيف الشادلي، الطبعة الأولى 1998، ص: 174.
52. فقير موسى، جريدة هسبريس الالكترونية، المغرب، الإثنين 6 مارس 2017.
53. أحمد الواصل الفنون الأدائية والمستقبل، نحو ذاكرة الغناء السعودي المستمرة، كتاب المجلة العربية رقم 221، الرياض المملكة السعودية، ص25. 
54. حوار مع الزجال المغربي الراحل محمد الراشق بتاريخ 09/10/2012.
55. عبد الرحمن الملحوني مسالك صوفية للطريقة الحمودشية لشيخها الحبر علي بن حمدوش من أعلام التصوف بالمغرب، دار أبي رقراق للطباعة والنشر الطبعة الأولى السنة 2013، ص189.
56. ترجع أصولها وتاريخ استقرارها إلى القرن السادس عشر، فقد "اتفق النسابة والمؤرخون على أن بني احسن من ذرية الأفواج العربية المعـقلية أوالهلالية التي وفدت على إفريقيا في عهد الموحدين، من بعد أن قطعوا آلاف الكيلومترات من الجزيرة العربية إلى شاطئ المحيط الأطلسي (...)، وذكر الحسن الوزان ومارمول في كتابيهما أن بني احسن كانوا في القرن السادس عشر ينتجعون بقطعان مواشيهم بين أعالي نهر ملوية شتاء، والسفوح الشرقية لجبال الأطلس المتوسط صيفا، وبعد ذلك اغتنموا فترة الإضرابات التي زامنت انهيار دولة الوطاسيين وظهور دولة السعديين للتقدم نحو الشمال الغربي ... ، وهكذا دامت مسيرة بني احسن من الشرق إلى الغرب أربعة قرون اتخذت شكل الملحمة، فانضافت إليهم في طريقهم بعض البطون التي لا تنتمي عرقيا إليهم. يمكن هنا مراجعة كتاب مصطفى بوشعراء "علاقة المخزن بأحواز سلا" قبيلة بني احسن 1860 / 2191 منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط الطبعة الأولى، 1996، صص 16/17.
57.   تهاليل، يتعلق الأمر هنا بالفن الشعبي التهلال وهو نوع من النواح والإنشاد عند فرق عيساوة تستعيره فرق "الهيت" في إحدى رقصاتها.
 
المراجع:
- الحيسن (إبراهيم): اثنوغرافيا الكلام الشفاهية ومأثورات القول الحساني مطبعة pixel print Tan Tan، المغرب الطبعة الأولى السنة 2012.
- بحراوي (حسن): فن العيطة بالمغرب، منشورات اتحاد كتاب المغرب، مطبعة فضالة المحمدية المغرب، السنة 2002.
- بوشعراء (مصطفى) "علاقة المخزن بأحواز سلا" قبيلة بني احسن 1860/2191 منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط الطبعة الأولى، 1996.
- المنيعي (حسن):" المسرح... مرة أخرى" كتاب نصف الشهر 49 سلسلة شراع العدد التاسع والأربعون، السنة، 1999.
- الملحوني (عبد الرحمن): مسالك صوفية للطريقة الحمودشية لشيخها الحبر علي بن حمدوش من أعلام التصوف بالمغرب، دار أبي رقراق للطباعة والنشر الطبعة الأولى، السنة 2013.
- مرسي أحمد (علي) الأغنية الشعبية مدخل إلى دراستها، جامعة القاهرة، دار المعارف، دون طبعة، السنة، 1984.     
- عبد الواحد (ابن ياسر): حدود أشكال الفرجة التقليدية، مقاربة أنثربولوجية، الفرجة بين المسرح والأنثربولوجيا كتاب جماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، سلسلة أعمال الندوات رقم 8، 2002.
- نجمي (حسن): غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقي التقليدية في المغرب الجزء الثاني، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، السنة 2007. 
- حمداش (عمار):  بقايا من .. ثقافة الرمى عند قبائل بني احسن، مساهمة في الثقافة الشعبية مطبعة Regard pub القنيطرة المغرب الطبعة الأولى 2013.
- فقير (موسى) حفريات في الفرجة الشعبية بالمغرب أنثربولوجية الثقافة الشعبية وأشكال الفرجة بالمغرب مقاربة  سوسيو ثقافية، الهيئة العربية للمسرح دراسات 57، السنة 2019.
 
الكتب الأجنبية المترجمة
- ليفي ستراوس: "الأنثروبولوجيا البنيوية أو حق الاختلاف " ترجمة محمد بن حمودة، دار محمد علي الحامي للنشر صفاقس تونس الطبعة الأولى، 1987. 
- بول رابيناو:  اثنولوجي بالمغرب، ترجمة محمد ناجي بن عمر كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر، مطبعة الرباط نت السنة 2021.
 
المجلات 
- أحمد الواصل: الفنون الأدائية والمستقبل، نحو ذاكرة الغناء السعودي المستمرة، كتاب المجلة العربية رقم 221، الرياض المملكة السعودية.1436 هـ- 2015.
- نبيلة إبراهيم: وحدة الثقافة في التراث العربي، التراث الشعبي، المركز الفلكلوري، العدد الرابع، السنة الثامنة 1977.
- موسى فقير: تمظهرات الإيقاعات الموسيقية التراثية الشعبية مقاربة سوسيولوجية، الفنون المغربية، العدد الأول، فبراير 2019.
 
المواقع الالكترونية
- فقير موسى، جريدة هسبريس الالكترونية، المغرب، الإثنين 6 مارس 2017.
- الفنون- الشعبية-الإمارات https://www.bayut.com/mybayut/ar يوم 02 نونبر 2022. 
 
الصور:
- الصور من الكاتب.

 

أعداد المجلة