فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

الثقافة الشعبية أفقا معرفيا المنجز والمأمولالثقافة الشعبية أفقا معرفيا المنجز والمأمول

العدد 45 - التصدير
الثقافة الشعبية أفقا معرفيا المنجز والمأمولالثقافة الشعبية أفقا معرفيا المنجز والمأمول

عديدة هي المجلات العلمية المُحكّمَـة الصادرة عن مؤسسات أكاديمية أو هيآت بحث منتشرة هنا وهناك في جميع أطراف الدنيا. وهي كلٌ في مجالها، تُسدي إلى حقل المعرفة الذي جعلته موضوع اهتمامها، خدمة جليلة . تُعمّـق مسأليّـته. وتضبط منهجيّـته. وتفتح آفاقـه. فالدورية العلمية تمثل المنبر المتاح لأهل الاختصاص حتى يعرضوا ما أمكن لجهودهم إدراكه من بحث واستحداث وسؤال . في رحابها يتّسع للباحث أن يقيس عمله بعمل غيره. ويزن أفكاره بأفكارمخالفيه. ويلتمس متنفّسا للمضايق التي واجهها في ما انتهى إليه غيره من منجز معرفي. هكذا يتيسّر للمعرفة أن تمضي إلى فضائها. ينشأ السؤال عن السؤال. وتبعث الفكرة على الفكرة. ويتولّـد المنهج من نظيره. ذلك أن البحث الذي يتخذ من العلم صفة له ليس مرساة نلقيها عند بلوغ الشاطىء. وإنما هو قِـلْعٌ مشْـرعٌ أبدا للإبحار. لا ينتهي إلى مرفإ حتى يغادره إلى آخر. ولاشك في أن أهمية الدراسات التي تضمّها الدوريات لا تقف عند الأفكار والمناهج وأساليب المباشرة التي تحتويها. وإنما تتجاوزها إلى التساؤلات التي تطرحها والاعتراضات التي تثيرها والمشاريع التي تمهّد الطريق إليها. فالأنساق المعرفية المنغلقة على أطروحاتها ، تلك التي تكتفي بذاتها طرحا يجيب عن كل سؤال، ويحلّ كل إشكال، ويُهـدّىء كل هاجس، هي في نهاية الأمر أقرب إلى الإيديولوجيا منها إلى المعرفة العلمية مهما ادّعت لها في العلم من نسب. ولا يخفى في هذا السياق أن الانكفاء على النفس والدوران حول الذات والتغنّي بالمنجز الذي تنقطع دونه الرقاب ليس أقلّ ضررا على المعرفة من السير في غير طريقها. فكما أن استنطاق المسائل المعرفية بغير أدواتها لا يتيح لها انتظاما علميا ؛ فإن الأنساق التي تسألك الإنصات والتمثّـل والاقتداء لاتزيد على أن تسدّ طريق المعرفة من حيث تحسب أنها انتهت إلي مُشاشِ الحكمة فيها . فالنّسق العلمي الخليق بصفة العلم، إنما يصاغ على النحو الذي يجعله محتملا للتساؤل والمراجعة من حيث الأسس النظرية التي يقوم عليها والأبعاد الإجرائية التي ينتهي إليها.

في هذا السياق تأتي أهمية نشاط مراكز المتابعة العلمية المنتشرة حول العالم، تلك التي تعرف بـ «معامل التأثير» Impact Factor. وهي عبارة عن مراصد تحصي مدى تأثير الدورية العلميّة في مجال تخصّصها. وذلك بحساب الرجوع إلى الأبحاث التي تنشرها ورصد تواتر الاستشهاد بها في الدراسات التي عقبتها سواء كانت مصنّفات قائمة بذاتها أو دوريات متخصصة . وذلك وفق معايير ثابتة ومقاييس في الحساب شبه متّفق عليها .

وليس من شك في أن ما تعتمده معامل التأثير من رصد الاستشهاد وتواتر الإحالة على الأبحاث في الدوريات العلمية الصادرة هنا وهناك ، يمثّل محرارا مهمّا لقيس أهميّة هذه النشريّة العلميّة أوتلك . ولكنّه يبقى في تقدرينا مجرد أداة من أدوات الروز والتقدير . فنحن في عالمنا العربي على وجه الخصوص ، لا يمكن أن ننكر طغيان أشكال مختلفة من المحسوبية والزبائنيّة على بعض الأوساط المعرفية حيث يتبادل الباحثون الأدوار. فيكون الاستشهاد منغلقا داخل دائرة لا تخرج عنها. وتمثل الأبحاث صدى لفكرة محورية لا تعدوها . تنطلق منها. وتحيل عليها ، في حركة هي أبدا عود على بدء. تحسب أن المعرفة تتقـدّم وهي توغل في قرارها لا تكاد تغادره حتى تعود إليه.

ومن منطلق الإيمان بأن الباحث وهو يصوغ أفكاره إزاء الموضوعات التي يتناولها إنما يخاطب أهل اختصاصه عند مباشرة المسائل التي يتناولها، حرصت مجلة «الثقافة الشعبية» على ترجمة ملخصات أبحاثها إلى اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة ووزعت نشر ذلك بين صفحاتها بالنسبة إلى الانجليزية والفرنسية وموقعها الألكتروني بالنسبة إلى بقية اللغات. فشأن الأفكار في تقديرنا ليس بعيدا عن شأن الإنسان يكسبها السفر ألـقـــا. ويضفي عليها جدة. ويتيح لها فسحة لسيرورة لم تتيسّر لها في مهادها الأول. إنما الأفكار تذوي بالإنزواء وتنقدح بالحوار وطرق الأبواب الموصدة وارتياد الأبعاد القصيّة.

إن اعتماد مجلة الثقافة الشعبية من بعض معامل التأثير الجادة باعتبارها دورية علمية محكّمة، لها تأثير في مجال اختصاصها؛ التقى مع تقارير المسح الدوري للموقع الألكتروني حيث تبدو الرسوم البيانية لعدد الزوار وجنسياتهم المختلفة، في خطوط متصاعدة . ولا مِراء أن الرِّهان كان صعبا. فقد حرصنا على التأليف بين هواجس الباحث المختص وانتظارات القارىء العادي . لكنّا مضينا في رفع التحدّي. ونحسب أن المجلة أوفت إلى حد بعيد بما كان منتظرا منها . وللأمانة فإن ذلك ماكان ليتحقق لولا حكمة الإدارة وتقديرها لهيأة علمية اجتمعت فيها خلالُ التمسّك بأصول المعرفة والسعي الدّؤوب إلى الإيفاء بشرائطها . ذلك جميعا، في ظل قيادة آمنت بالإنسان غايـة والمعرفة منهجا. ومهما كانت راحتُـنا للنتائج مشروعة ، فنحن أحرص ما نكون على أن لا نستكين إليها. ذلك أن الإفراط في الثقة في مجال المعرفة هوبداية التفريط في الأسس الإيتيقية التي تقوم عليها .

إن البحث العلميّ تجرّدٌ، ونكرانٌ للـذّات، وتمسّكٌ بأصول الأخلاق.

أعداد المجلة