فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

المتورَبة أو «واتريمبو»: طقس مُتَارَبة الزوجين

العدد 61 - نافذة على التراث الشعبي البحريني
المتورَبة أو «واتريمبو»: طقس مُتَارَبة الزوجين
كاتب من البحرين

 

المتورَبة أو لمتيّرَب هو أحد التقاليد الذي كان يُؤدى في حفلات الزواج قديماً، وبالتحديد في ليلة الدُخلة. وقد تم تناول هذا التقليد في عددٍ من الكتب والدراسات ولكن بصورةٍ وصفية، دون التعمق في تحليل مسمياته أو كلمات الأغنية التي تُغنى خلال هذا التقليد والتي تعرف باسم «واتريمبو».

وما نرجحه، وما سوف نسعى لإثباته من خلال هذه الدراسة، أن المتورَبة عبارة عن طقس خاص بتعريف الزوج والزوجة على بعضهما البعض في أول لقاءٍ لهما، وتوجيههما إلى ما يفعلونه في بداية اللقاء. أما كلمات أغنية المتّورَبة أي أغنية «واتريمبو»، فما هي إلا مجموعة من التوجيهات والنصائح لكل من الزوج والزوجة وقد صيغت في إطارٍ غنائي.

وفي سبيل إثبات ذلك، سوف نحاول أن نحلل «المتورَبة» بدلالتيها اللغوية والطقسية الاجتماعية، فالمتورَبة لها معناها اللغوي، كما لها مدلولها الإجتماعي الطقسي. كما سوف نتطرق لأغنية «واتريمبو» ونحاول تحليلها بحسب المدلول الإجتماعي الطقسي. 

المتورَبة في إطارها اللغوي:

«المتورَبة» مشتقة من الفعل «تورَب»، وهذا الفعل متطور من الفعل تارب بمعنى صاحب وخادن، ويشتق منه الإسم فيقال المُتاربة بمعنى المحاذاة والمصاحبة (أنظر تاج العروس مادة ترب). وقد تطور الفعل تارب فقُلبت الألف إلى واو فقيل تورب، واشتق منه الإسم المتورَبة. فهل هذا المعنى اللغوي يتلاءم مع المفهوم الإجتماعي والطقسي للمتورَبة؟

المتّورَبة في إطارها الإجتماعي والطقسي:

قديماً، لا يلتقي الزوج بزوجته ويجالسها إلا في ليلة الدُخلة، وكلاهما لا يعلمان كيف سيبدآن الحديث مع بعضهما البعض؛ فلذلك يُنتدب مرشد للزوج ومرشدة، أو ما تسمى داية، للزوجة لتعليم كل منهما. وقد أُحيط هذا اللقاء الأول بمجموعة من الطقوس، والتي تبدأ من لحظة إحضار الزوج لمنزل الزوجة، وكانت تُعقد، في الغالب، في الفناء المفتوح القريب من الفرشة، وهي الغرفة التي يتم إعدادها ليسكن فيها الزوجان لمدة سبعة أيام قبل الانتقال لبيت الزوج. 

إذاً، ومن خلال ما تم عرضه، يتضح لنا أن المتّورَبة عبارة عن طقس خاص بتعريف الزوج والزوجة على بعضهما البعض في أول لقاءٍ لهما، فما هي تفاصيل هذا الطقس؟.

طقوس المتوربة وما يصاحبها:

تبدأ الطقوس بغسل القدمين وتنتهي بإدخال الزوجين إلى الفرشة، هذا، ولا تختلف تفاصيل الطقوس التي سمعتها من الإخبارين عن تلك التفاصيل التي تم توثيقها (انظر على سبيل المثال العريض والمدني 1994، ص229 - 233). ويتخلل هذه الطقوس أغنية خاصة، «واتريمبو»، تُغنى بصورة معينة تحتوي على نصائح خاصة لكل من الزوج والزوجة وكيف يتعامل أحدهما مع الآخر. 

1)      طقس غسيل القدمين:

يقف الزوجان متقابلين، ويمد كل منهما قدمه بحيث يتلامس ابهام قدم كل منهما الآخر مع بعض، وتقوم حينها الداية بصب الماء على قدميهما. بعد الانتهاء من ذلك يتوجب على الزوج أن يدفع للدايات، فيبدأ الزوج بإخراج نقود من جيبه عبارة عن عملات معدنية من فئة 100 فلس ويضعها في الإناء.

2)      طقس المتورَبة:

بعد غسل القدمين يتم إحضار قطعة قماش أو رداء مطرز بالزري، عادة ما تكون خضراء اللون، وتقوم أربع نساء بالإمساك بالرداء من زواياه الأربع ويرفعونه للأعلى، وحينها يجلس الزوجين تحت الرداء، وبعدها تشرع النساء في تحريكه صعودًا وهبوطًا، فيرفعنه، ويخفضنه بالتناوب في حركة رتيبة، متسقة، وفي أثناء هذا التحريك يرددن أغنية المتّورَبة المشهورة.

3)      أغنية المتّورَبة:

تعرف هذه الأغنية باسم «واتريمبو»، وتكاد تكون كلماتها ثابتة (انظر على سبيل المثال العريض والمدني 1994، ص230 - 233). وتُغنى هذه الأغنية بطريقة معينة، شبهها البعض بطريقة غناء الموشحات الأندلسية، وقد وثقت بالصوت في أقراص مدمجة مرفقة في كتاب «Music in Bahrain» (قرص مدمج رقم 3 فقرة رقم 15). 

وتكاد تكون هذه الأغنية هي الوحيدة التي تتضمن حوارا مع كل من الزوج والزوجة، وكأنها تقدم نصائح لكلا الزوجين. فالمتتبع لكلمات هذه الأغنية يلاحظ أنها تنقسم لخمسة أقسام أساسية، وهي: الجملة التي تتكرر في هذه الأغنية وهي: «واتريمبو وا اليومي»، ومقدمة الأغنية، وحوار مع الزوج، وحوار مع الزوجة، وخاتمة الأغنية.

أولاً: «واتريمبو وا اليومي» أم «واتريمبو وا نجومي»:

«واترينبو» أو «واتريمبو»، حيث تنطق النون الساكنة ميماً إذا وقع بعدها حرف الباء، هو اسم الأغنية التي تُغنى أثناء طقس المتوربة، وقد عُرفت بهذا الاسم بسبب الجملة التي تتكرر أثناء الأغنية وهي «واتريمبو وا اليومي» (المالكي 1999، ص91) وفي رواية أخرى «واتريمبو وا نيومي» (Olsen 2002, p. 160)، أو «واترينبو وا نجومي» (العزيزي 1981، ج4 ص209). ونحن نرجح أن الأصل هي لفظة «وا نجومي» والتي تنطق أيضاً «وا نيومي»، وقد تطورت وتحورت إلى «وا ليومي»، ولكن ما أصل لفظة «واتريمبو»؟

لا نعلم على وجه الدقة أصل هذه اللفظة، أي «واتريمبو»، التي ربما تطورت وتحرفت من لفظة «المتورَبة» وتحولت للفظة يُتغنى بها، وتأتي في سياق الإنبهار بمعنى «يالها من متاربة». وهناك آراء أكثر دقةً وعمقاً، كالذي ذكره العزيزي في كتابه «معلمة للتراث الأردني»، حيث ذكر هذه الأغنية بمسمى «واترينبو وانجومي»، ورجح أنها متطورة من «وتريني به نجومي»، وأوضح أن المقصود بنجومي هنا «حظوظي» (العزيزي 1981، ج4 ص209). بمعنى أن الجملة في منطوقها العامي كانت «وتراويني به» وقد تطورت وتحولت إلى «واترينبو».

والجدير بالذكر أن لفظة «نجومي» بمعنى «حظوظي» تتكرر في أغنية أخرى بعد المتوربة مباشرة؛ حيث يذكر بولس مطر أنه جرت العادة في قرى البحرين في ليلة الدُخلة إدخال الزوجة للزوج في الفرشة محمولة على «زولية» ويصاحب ذلك ترديد هذه الأغنية: «يا اهلي دزوني غابت نجومي» (مطر، بدون تاريخ، ص123).

ومن التفاسير الجميلة الأخرى لجملة «واتريمبو وا نجومي» والذي، للأسف، لا نعلم من هو صاحبه الأساسي، فقد وجدناه ضمن مقال عرض على مدونة «قطيف لوڤ» (https://qatif.love). ويُرجح صاحب المقال أن الجملة محرفة عن «واتربوه والنجوم» أي أرفعوا الرداء للأعلى للنجوم وأنزلوه للأسفل للتراب، وهي رمز للحياة الزوجية حيث التراب في الأسفل والنجوم في الأعلى وقطعة القماش تمثل البيت الذي سيعيشان فيه.

ثانياً: مقدمة الأغنية:

تبدأ المغنية أو المجلية، أي التي تغنى الجلوات وهي أغاني الأفراح، بالغناء، وبعد كل شطر تردد الأخريات الجملة «واتريمبو وا اليومي» أو «واتريمبو وا نجومي» أو «واتريمبو وا نيومي»، وتبدأ الأغنية كالتالي:

  (المجلية)                                                                  (المرددات)

بدينا بالصلاة على محمد

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

معي صلوا على المحبوب أحمد 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وثانيهم أمير المؤمنين 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وثالثهم فاطمة بنت الأمين 

   وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ورابع الحسن ويا الحسين

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وخامس الملايك أجمعين 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ثالثاً: الحوار مع الزوج:

يضم القسم الثاني من الأغنية كلمات موجهة للزوج، وقد تستخدم أسماء وهمية، ومنها ما توجهه لما يتوجب عليه فعله، ومن ذلك:

  (المجلية)                                                                  (المرددات)

ألا يا حسن وصلنا لحليله

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وبسك من مزاحك هالطفيله 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

لازم يشفي العاشق غليله 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ويسهر ليلته ويا أحبابه 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

كما تتضمن نصائح منها ان يأخذ أمر الزواج بجدية وأن يعطي المرأة كامل حقوقها، ومن ذلك:

  (المجلية)                                                                  (المرددات)

حبيبي لا تقول ألعب ولا أشعب 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ولا تاخد بنات الناس تلعب

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ولا تجعل رياض الحب ملعب

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

سخي الچف بين الناس ينحب 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

بنات الناس يبغون الدراهم

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وميفيدك تعب تركض وراهم 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وتدري بالدراهم كالمراهم 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ومن غير الدراهم ماشي راهم

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

رابعاً: الحوار مع الزوجة:

يضم القسم الثالث من الأغنية كلمات موجهة للزوجة، ويتضمن حوارا معها لتوجيهها ماذا تقول وماذا تفعل عند بداية الإختلاء مع الزوج، ويستخدم فيها أسماء وهمية تتغير بحسب اسم الزوجة، ومن ذلك:

  (المجلية)                                                                  (المرددات)

يحصة لي دخلتي الدار صيحي 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وقولي مرحبا بك يالنصيحي

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

او يا حلو المعاني يا صبيحي

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

انا ابسري يولفي ما أبيحي

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

أمينه لين دخلت البيت سمي

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

وقولي مرحبا بوليد عمي

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

عطاني منيتي ويزيل غمي 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

يعادل والدي في الحب وأمي

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

خامساً: خاتمة الأغنية:

تُختم الأغنية بحوار على لسان الزوجة مخاطبةً الزوج وهي كلمات بها إيحاء وتوجيه لما يتوجب على الزوج فعله، فتقول:

  (المجلية)                                                                  (المرددات)

حبيبي فچ للسلة وتمنظر

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

صفة رازقي وغراش عنبر 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

ضمني وشيلني إنچان تقدر

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

أوبحمد خالقي اعلى الزين واشكر 

وا تريمبو وا تريمبو وا اليومي

الخلاصة:

ختاماً، ومن خلال ما تم عرضه، يتضح لنا أن المتّورَبة، كما يدل عليها تحليلها اللغوي وكما يستدل عليها من خلال مفهومها الإجتماعي والطقسي، عبارة عن طقس خاص بتعريف الزوج والزوجة على بعضهما البعض في أول لقاءٍ لهما، وتوجيههما إلى ما يفعلونه في بداية اللقاء. أما كلمات أغنية المتّورَبة فما هي إلا مجموعة من التوجيهات والنصائح لكل من الزوج والزوجة، وقد صيغت في إطار غنائي.

 

 

المصادر والمراجع:

1.    الزبيدي مرتضى، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني. تاج العروس من جواهر القاموس، دار الهداية، الكويت.

2.    العريض، عبد الكريم علي والمدني، صلاح. من تراث البحرين الشعبي. وزارة الاعلام، البحرين، الطبعة الثانية 1994م.

3.    العزيزي، روكس بن زائد. معلمة للتراث الأردني، المجلد 4، وزارة الثقافة والشباب، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1981. نسخة إليكترونية محدودة العرض على الرابط (تمت الزيارة بتاريخ 13/1/2023):

4.    https://books.google.com.bh/books?id=6AQUAQAAMAAJ

5.    المالكي، عيسى محمد جاسم. أغاني البحرين الشعبية. وزارة شئون مجلس الوزراء والإعلام، البحرين، الطبعة الأولى 1999.

6.    مطر، أنطوان بولس. خليج الأغاني، دار المثلث للتصميم والطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

7.    Olsen, Poul Rovsing. Music in Bahrain: Traditional music of the Arabian Gulf. Moesgaard, Denmark: Jutland Archeological Society, 2002.

8.    مقال «الزواج وتقاليده في القطيف - نقلاً عن واحة القطيف»، على الرابط التالي (تمت الزيارة بتاريخ 13/1/2023):

https://qatif.love/blogs/1513/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%AF%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D9%81-%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D9%81

    

الصور:

    -     أرشيف الثقافة الشعبية 

 

أعداد المجلة