فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

علياء شكري رائدة علم الفولكلور.. ونموذج أخلاقيات البحث العلمي

العدد 61 - أدب شعبي
علياء شكري  رائدة علم الفولكلور.. ونموذج أخلاقيات البحث العلمي
كاتبة من مصر

 

نستكمل في هذا العدد سلسلة مقالاتنا حول رواد التراث الشعبي العربي الذين أسهموا بدراساتهم في المجال، ولا يزالون يعطون حتى الآن من فيض علمهم.. ملف اليوم حول أستاذة من جيل الرواد الذين استطاعوا أن يشكلوا منهجًا مميزًا في ربط التراث الشعبي بالمجالين الأنثروبولوجي والاجتماعي. وقد أسست منذ عقد الستينيات لمنهج الجمع الميداني للعناصر الفولكلورية، مؤكدة على أن علم الفولكلور هو الأساس في بحث الظواهر الاجتماعية، وأن الدقة والمهارة في جمع المادة الفولكلورية هي الأساس في فهم الظواهر الفولكلورية، وأن نتائج البحث الفولكلوري ترتبط بنظيراتها في البحوث الاجتماعية والأنثروبولوجية. وقد سعت إلى ربط ثلاثتهم في المعهد العالي للفنون الشعبية، وشعبة الأنثروبولوجيا والفولكلور التي أسستها بكلية البنات جامعة عين شمس، وكلية الآداب جامعة حلوان، لتؤكد على هذا الاتجاه العلمي المتميز. 

علياء شكري والتواصل بين المناهج الغربية والعربية:

أطلق على علياء شكري (1937) منذ أكثر من ربع قرن حتى الآن لقب (العميدة) كونها تولت عمادة المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون عقد التسعينيات، وأثناءها تولت أيضًا عمادة كلية البنات جامعة عين شمس. وهي أستاذ الفولكلور (في المقام الأول) وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا. وقد حصلت على درجة الليسانس في الآداب، تخصص علم الاجتماع في كلية الآداب، جامعة القاهرة عام 1961. ثم درجة الدكتوارة في الفلسفة (تخصص علم الفولكلور) في أكبر المعاهد العالمية المتخصصة في جامعة بون بألمانيا الغربية عام 1968. ومن ثم فهي أول أستاذة عربية تحصل على درجة الدكتوراه من أوروبا في مجال الفولكلور والأنثروبولوجيا. وقد تدرجت في العمل الجامعي من معيد (1962 – 1968) إلى مدرس (1968 – 1973) إلى أستاذ مساعد (1973 – 1978)، فأستاذ (1978). ثم رئيس قسم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس (1981 – 1987). ثم عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون (1988 – 1997). ثم عميد كلية البنات جامعة عين شمس منذ عام 1995 بالتزامن مع عمادة المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون حتى عام 1997. 

وقد شاركت علياء شكري على مدى عقود- وحتى الآن- في عشرات الجمعيات والمؤتمرات والملتقيات العلمية في أوروبا والعالم العربي. وإلى جانب إنتاجها العلمي الذي سنعرض له، فقد شاركت في دعم وإثراء حركة البحث العلمى، وتكوين شباب الباحثين من طلاب الماجستير والدكتوراة من مختلف الأقطار العربية، وذلك من خلال مشاركتها في تطوير قسم البحوث والدراسات بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو)، فضلا عن إسهاماتها في تطوير أقسام الاجتماع وعلوم الأسرة ببعض الجامعات العربية، والمشاركة في هيئة الاعتماد الأكاديمي لبرامجها. وقد أشرفت على عشرات المشروعات والدراسات العلمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في العالم العربي بكل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفلسطين، والأردن، وليبيا، والمغرب، وسلطنة عمان. كما أسهمت– بالتخطيط والإشراف– في التصنيف العلمى للمادة الميدانية المتراكمة بمركز الفنون الشعبية، مستهدفة النهوض بهذا المركز وتوظيف طاقاته الفنية والبشرية على أحسن وجه لخدمة التراث الشعبي المصري. وكذلك مشاركتها في اللجان الإستشارية والعلمية التي تتولى توجيه وتنفيذ العمل بمشروع أطلس الفولكلور المصري، وساهمت في إصدار مشروع مكنز التراث الثقافي غير المادي: مكنز مختص بالتراث الشعبي في العالم العربي الذي صدر في الشارقة 2020.

دكتوراه في عادات الموت:

ناقشت علياء شكري بحثها لنيل درجة الدكتوراه في موضع «الثبات والتغير في عادات الموت في مصر منذ العصر المملوكي حتى العصر الحاضر»في جامعة بون عام 1968، وقد نشر البحث في كتاب باللغة الألمانية في بون حمل العنوان نفسه عام 1969. وأشارت في مقدمة دراستها إلى أن هذا البحث كان مقررًا له أن يتناول الثبات والتغير في عادات دورة الحياة في مصر من العصر المملوكي حتى العصر الحاضر. غير أنها سرعان ما تبينت مع تقدم عملية البحث، أن معالجة جميع المسائل المتصلة بهذا الموضوع سوف تتطلب حيزًا ضخمًا. ولذلك قررت أن تقتصر على دراسة عادات الموت. ثم تبين بعد ذلك أيضًا، ومجددًا، أن دراسة عادات الموت والحداد جميعًا مشروع ضخم للغاية، وذلك إذا ما أريد للمادة المجموعة أن تكون بالدقة والعناية الكافيتين. وحرصًا من الدارسة على معالجة تلك الميادين؛ من عادات الموت التي لم تدرس بعد بالقدر الكافي، وعلى أخذ مسألة الاستمرار والتغير في الاعتبار، رأت في النهاية أن تضم للبحث موضوعات تمهيدية، مثل: «استعداد الحي للموت، والعلاقات التي تنبئ بالموت»..الخ، وترجئ دراسة موضوع الحداد والمراثي إلى بحث مقبل، وبررت في عرضها استبعادها لمواضيع الحداد والعادات والمعتقدات المتصلة به. ثم استعرضت الرسالة مصادر البحث، حيث بينت أنها تعتمد على خمسة أنواع من مصادر المعلومات هي: 

1.     مصادر تاريخية ترجع إلى العصر المملوكي بصفة خاصة، حيث يتناول المؤلفون موضوع الموت عادة عند الحديث عن موت أحد الشخصيات.

2.    مؤلفات دينية وشعبية تتناول موضوع الموت وحده أو بتفصيل كبير، وهي منتشرة على طول الفترة من العصر المملوكي إلى اليوم.

3.    كتب الرحلات الأوروبية. والحقيقة أن كتب الرحلات بمعناها الحقيقي لم تكن غنية بمعلومات مفيدة في صدد حديثنا، اللهم إلا مؤلفات يمكن اعتبارها من كتب الرحلات بمعناها الواسع. الأول تم وضعه أثناء الحملة الفرنسيـة على مصر. أما الثاني فمن تأليف سيدة فرنسية كانت متزوجة بمصـري. وقد تضمن هذان المـؤلفان مادة وفيرة بحق عـن موضوع الدراسة.

4.    مؤلفات علمية حديثة: وكان أبرزها في هذا الصدد تلك المؤلفات ذات الطبيعة الأنثروبولوجية والفولكلورية من تأليف علمـاء أوروبيين ومصريين.

5.    الدراسة الميدانية: وتقوم أساسًا على البيانات والمعلومات التي حصلت عليها المؤلفة من الأشخاص الذين وجهت إليهم أسئلتها (الإخباريين)، وعلى الملاحظات والدراسات التي قامت بها في رحلتها الميدانية في بعض قرى مصر في شتاء عام 1964/1965. 

وقُسمت الرسالة إلى مقدمة وثلاثة أبواب تضم أحد عشر فصلاً، وخاتمة بنتائج البحث، وثلاثة ملاحق، ثم فهرس بالمراجع والمصادر. وتتكون المقدمة من قسمين: أحدهما عن المصادر (على نحو ما سبق)، ويعرض الثانى للدراسات السابقة موضحًا المستوى الذى بلغه البحث في الموضوع، وأهداف هذا البحث. ويخصص الباب الأول للحديث المفصل عن وقوع الموت، ويحوي أربعة فصول: الأول حول استعداد الحي للموت، ويتناول مظاهر استعداد الحي للموت سواء كانت ذات طبيعة مادية أو غير مادية. والثاني موضوعه: العلامات التي تنبئ بوقوع حالة الوفاة، حيث يعتقد البعض بوجود مجموعة من العلامات والظواهر المرتبطة بوقوع حالة وفاة. ويتصدى الفصل الثالث لسلوك الميت والمحيطين به قبيل وقوع الوفاة وبعدها، كاستدعاء أقرب الأقارب والأحباء، وتلقين الشهادة، وتسهيل عملية طلوع الروح على الميت، والاستيثاق من وقوع الموت..الخ. ويختص الفصل الرابع بإعلان الوفاة من حيث الأشخاص الذين يتولون ذلك، ووسائل الإعلان عن الوفاة. ويعالج الباب الثانى استعدادات الدفن، بدءاً بشرح مفهوم التجهيز-أي تجهيز الجثة- بعملياته الأربع: الغسل، والتكفين، والصلاة على الميت، والدفن. ولذلك تدور فصول هذا الباب حول موضوعات: الغسل، والكفن، والنعش. أما الباب الثالث فيختص أول فصوله بمعالجة موضوع الجنازة، وتتابع بقية فصوله موضوعات: الصلاة على الميت، والقبر، والدفن. وتستعرض الخاتمة أهم النتائج والإضافات التي حققها البحث في دراسة عادات الموت، استناداً إلى نتائج الدراسة الميدانية، وملاحظات الدارسة، والاستعانة بمصادر، معظمـها مخطوط، ترجع إلى العصر المملوكي، ولم تسبق دراستها أو نشرها حتى تاريخ إجـراء الدراسة. كما تجيب الخاتمة تفصيلاً علـى التساؤلات التي طرحت في مطلع هذا البحث، والخاصة بالثبات والتغير في عادات الموت.

الإنتاج الفكري لعلياء شكري:

يشير الإنتاج العلمي لعلياء شكري إلى أن هذا الإنتاج يمثل مجموعةمن المشاريع العلمية الكبرى كانت تسعى إلى تطبيقها، وليس مجرد كتب تضاف إلى المكتبة للقراءة والاطلاع، وقد حفل هذا الإنتاج بسلسلة من الدراسات التي غطت مجالات التراث الشعبي المصري في مناطق ثقافية متعددة رصدًا وتصنيفًا وتحليلاً، وتشمل دراسات في مجال المعتقدات الشعبية، وأخرى في مجال العادات والتقاليد، وثالثة في الثقافة المادية. وقد غطت هذه الدراسات أيضاً قطاعات متعددة من المجتمع المصري ريفه وحضره.. بدوه وسواحله.. انطلاقاً من قضية علمية لها وزنها المؤثر في دراسات التراث الشعبي وهي قضية المناطق الثقافية. حيث نجحت علياء شكري في تكوين فريق علمي لرصد عناصر التراث الشعبي وإعداد أطلس لتوزيع تلك العناصر على المناطق الثقافية بشكل منظم، بحيث يغطي كل بحث جانبًا من عناصر التراث، بما يفيد مستقبلًا في دعم حركة أطلس الفولكلور المصري. وذلك على غرار الأطالس القومية للفولكلور في ألمانيا والنمسا وسويسرا وروسيا وفرنسا ويوغوسلافيا وغيرها من البلدان الأوربية المتقدمة في هذا المجال. وتقوم فكرة الأطلس على عمليات الجمع المنظم لعناصر التراث الشعبي من مختلف أقاليم مصر، ومن أماكن محددة تحديدًا دقيقًا على خرائط تمثل مختلف أرجاء المعمور المصري تمثيلًا دقيقًا وفقًا لمعايير محكمة. وقد بدأت الجهود العلمية لإعداد الأطلس المصري للفولكلور في بداية السبعنيات برعاية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ثم فيما بعد بدعم من الهيئة العامة لقصور الثقافة. وقدمت علياء شكري دعماً كبيراً لإنجاح هذا المشروع القومي الكبير، ثم تواصل هذا الدعم خلال فترة عمادتها للمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون حيث قام المعهد بتخريج دفعات مؤهلة ككوادر فنية متخصصة في عمليات الجمع الميداني المنظم لعناصر التراث الشعبي على امتداد محافظات مصر. وسنعرض في الجزء التالي للدراسات المنشورة لعلياء شكري، والذي يبرز فيها دومًا الاهتمام بمفهوم المناطق الثقافية، والتنوع الثقافي، وكذا بحث قضايا الثبات والتغير. 

الريادة في إعداد أدلة العمل الميداني:

وفي مجال الجمع الميداني لمواد علم الفولكلور استطاعت علياء شكري أن تسهم إسهامًا بارزًا في

دفع الجهود العلمية لحركة الفولكلور المصري، من خلال إعداد الكوادر العلمية الأكاديمية القادرة على الحفاظ على مكانة هذا العلم وخصوصياته، وأيضًا من خلال مشاركتها في وضع ونشر مجموعة أدلة العمل الميداني لجامعي التراث الشعبي، والبالغ عددها ستة أدلة، وتمثل هذه الأدلة الأداة العلمية حجر الأساس لعمليات جمع وتصنيف وتدوين عناصر التراث الشعبي المصري منها: المعتقدات والمعارف الشعبية، والعادات والتقاليد الشعبية الخاصة بدورة الحياة، ودليل عادات الطعام وآداب المائدة.

دليل جمع عادات دورة الحياة:

وقد صدرت الطبعة الأولى من دليل العادات والتقاليد الشعبية تحت عنوان: الدراسة العلمية للعادات والتقاليد الشعبية (دورة الحياة) عن مكتبة القاهرة الحديثة عام 1969، ثم أعيد طبعه عن دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية عامي 1992، 2012، فضلاً عن طبعة جديدة مجمعة للأدلة صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2015 عن سلسلة الدراسات الشعبية. وقد صدر الدليل بالاشتراك مع محمد الجوهري وعبد الحميد حواس في 319 صفحة من الحجم المتوسط. ويحوي الدليل مجموعة من الأسئلة التي يستعين بها الباحث في جمع مادته من الميدان في موضوع دورة الحياة الذي قُسم إلى ثلاثة فصول هي: من الميلاد إلى الزواج- الزواج- الموت، وتتفرع كل مرحلة من العام إلى الخاص إلى الأكثر خصوصية مثال: الزواج يتفرع عنه الخطوبة التي يتفرع عنها حفل الخطوبة، وأسفل كل فرع الأسئلة المرتبطة به.. وهكذا. ويقول محرر الدليل في مقدمته: أما عن هذا الجزء فقد قدمت له بتعريف بالدليل كأداة للجمع الميداني المنظم، وبعض الكلام الوارد فيه متكرر في مقدمة الجزأين الأول والثاني، لأنني أفترض أن القارئ لأحد أجزاء الدليل قد لا يطلع بالضرورة على بقية الأجزاء. وأغلب ذلك القسم على أي حال هو من قبيل الملاحظات والتوجيهات التي تهم مستخدم الدليل، والذى نعتقد أنه سوف يصحبه معه في عمله الميداني، ومن ثم فإن وجودها برفقته أمر مفيد ومهم في جميع الأحوال. أما القسم الثاني من الكتاب، فيضم ثلاثة فصول تحوي أسئلة الدليل عن دورة الحياة: الميلاد- الزواج- الموت) مرتبة على هذا النحو وتبلغ في مجموعها 928 سؤالا، هي بنصها نفس الأسئلة التي نشرت في الطبعة الأولى من الدليل. ومع أن هذا الجزء من الدليل قد طبق أكثر من أي دليل آخر مما أصدرناه أو شاركنا في إصداره، أو صدر عن غيرنا من الباحثين، ومع أنه قد تراكمت بفضل ذلك ثروة هائلة من مقترحات التعديل ـ بالحذف والإضافة أو تغيير الترتيب، إلا أننا رأينا أن الوقت لم يحن بعد لإعادة صياغة شاملة للدليل. ونرى أنه من الأنسب أن تعرض أجزاء الدليل لجمهور الباحثين والمهتمين فترة أطول من الوقت، تتعرض فيها لمزيد من الاختبار والتجريب، وتصل فيه إلى طائفة أعرض من الدارسين والباحثين. خاصة في وجود بقية أجزاء الدليل الأخرى، لأنه في حاله تزامنها، وتجربتها معا، وعلى نطاق أوسع، يمكن إعادة النظر بشكل أكثر شمولاً وتأصيلاً في قضايا الحذف والإضافة وإعادة الترتيب. فلتصدر أولا طبعة كاملة لكافة أجزاء الدليل، وتبقى معروضة للتجريب فترة كافية من الزمن، ثم يعاد النظر فيها مرة واحدة نظرة شاملة متكاملة، سوف تتسم في هذه الحالة بقدر أكبر من العمق والدقة. ولكننا رأينا ألا نحرم قارئ هذه الطبعة من الاطلاع على ثمرات التجارب البارزة للطبعة السابقة من هذا الدليل، خاصة وأنه قد استخدم في جمع مادة علمية لرسائل علمية وبحوث رفيعة المستوى داخل مصر وخارج مصر، وأن أغلب تلك البحوث قد قدم لنيل درجات علمية (ماجستير ودكتوراه) أو للترقية إلى مناصب جامعية (أستاذ مساعد، وأستاذ ). ولذلك يقدم القسم الثالث من هذه الطبعة بعض المقترحات للتعديل (بالحذف والإضافة وتغيير ترتيب الأسئلة) التي أثمرتها بعض المحاولات الرائدة لاستخدام هذا الدليل في جمع مادة ميدانية جمعاً علمياً. وقد اخترت ثلاث رسائل للماجستير والدكتوراه نشر أصحابها في داخلها تلك المقترحات بالتفصيل بناء على الدعوة التي كانت منشورة في مقدمة الطبعة الأولى من هذا الدليل، والتي تكرر نشرها في هذه الطبعة أيضًا، والتي ترجو الجامعين الذين سيستخدمون هذا الدليل ألا يبخلوا بتسجيل ملحوظاتهم واقتراحاتهم سواء حول صياغة الأسئلة، أو عن إضافة أسئلة جديدة …إلخ.

وهذه الرسائل هي على حسب ترتيب الانتهاء من إنجازها: منى الفرنواني المعنونة: بعض ملامح التغير الاجتماعي والثقافي في الريف المصري، كما تعكسه عادات دورة الحياة: دراسة متعمقة لقرية مصرية، رسالة دكتوراه أشرفت عليها علياء شكري، وقدمت لقسم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس عام 1989. والرسالة الثانية هي رسالة سميح شعلان المعنونة: الموت والمأثورات الشعبية: دراسة ميدانية بقرية كفر الأكرم محافظة المنوفية، وقد أنجزت تحت إشراف علياء شكري، وصفوت كمال، وقدمت لنيل درجة الماجستير إلى المعهد العالي للفنون الشعبية، بأكاديمية الفنون عام 1991. والرسالة الثالثة هي رسالة سعاد عبد العزيز خميس المعنونة: عادات دورة الحياة، دراسة فولكلورية لقبيلة المحس النوبية تحت إشراف علياء شكري، محمد الجوهري وحسن الخولى، وقد قدمت إلى كلية البنات جامعة عين شمس لنيل درجة الدكتوراه عام 1991. وقد نشرت مقترحـات كل دراسة من هذه الدراسات الثلاث في فصـل مستقل مـن فصول القسـم الثالث. وفي القسم الرابـع قدمت عرضـا لنماذج المادة الميـدانية التي جمعت بواسطة هذا الدليل أخذناها عـن هذه الرسائل الثلاث نفسها.

دليل جمع عادات الطعام:

أما الدليل الثاني الذي قدمته علياء شكري في مجال العادات والمعتقدات الشعبية فقد كان حول عادات الطعام، وقد صدر بعنوان: الدراسة العلمية لعادات الطعام وآداب المائدة عن دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية عام 1993 في 238 صفحة. وقد صدر في طبعة جديدة أيضُا عام 2015 عن سلسلة الدراسات الشعبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة. واشتمل هذا الدليل على ثلاثة أقسام، يغطي الأول الأسس النظرية والمنهجية، فيؤكد على التداخل بين عادات الطعام وسائر ميادين التراث الشعبي كالأدب والمعتقدات الشعبية والدين، حيث تكشف دراسة عادات الطعام وآداب المائدة عن خطوط الاتصال الثقافي أو الاحتكاك بين ثقافتنا والثقافات الأخرى، وكذلك اتصال عادات الطعام وآداب المائدة بالظواهر الاجتماعية الأخرى، كما تكشف عن الفروق البدوية الحضرية من ناحية، والريفية الحضرية من ناحية أخرى، وهي مؤشر هام قادر على إلقاء الضوء على تطور مكانة المرأة في المجتمع. وذيلت المقدمة بمجموعة من الملاحظات الموجهة للباحث الذى يجمع مادة علمية بواسطة هذا الدليل، توضح أن أسئلة الدليل قد تركز في بعض جوانبها على العناصر المادية أو على الأشياء، وأن موضوع الخبز يحظى باهتمام أسئلة الدليل، إذ يُعد موضوع الخبز من موضوعات عادات الطعام التي حظيت بأكبر قدر من اهتمام الدارسين الأنثروبولوجيين الأجانب للمجتمعات العربية، كما توضح أهمية دراسة ميزانية الأسرة وسياسة الإنفاق، وكثرة تردد مصطلحات معينة مثل أكلات المناسبات، ودوائر انتشار أطعمة ومشروبات معينة، كالشاى والقهوة مثلاً. وأنه في بعض المناسبات والقطاعات يتم الارتداد إلى التراث مخالفاً بذلك الاتجاه العام لنسيان جوانب كثيرة منه وتجاهلها بفعل ظروف التغير الاجتماعى العام. وهناك بعض أصناف الأطعمة والمأكولات التي تبدلت مكانتها الاجتماعية، وعلاقة الأسرة الممتدة المعدلة وأكلات المناسبات والإجازات. كما توضح الملاحظات العقبات التي يمكن أن تصادف جامع بيانات دراسة عادات الطعام وآداب المائدة. وتناقش استعانة الباحث بكتب الطهي الموجودة لتتبع دورها وتأثيرها على ثقافات الطعام في البيئات التي تعيش فيها.  وأهمية مراعاة الأبعاد الزمنية أو التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية للبيانات التي يجمعها. وتوضح أن تعبير «مائدة الطعام» تعني جلسة الطعام وليس المنضدة أو الطاولة التي يوضع عليها الأكل. وتوضح البيانات التي يجب على الباحث أن يستوفيها في صدر البحث. ويغطي القسم الثانى أسئلة الدليل التي تتكون من 343 سؤالاً، تغطي الموضوعات التالية: الوجبات ومواعيدها، أكلات المناسبات، الخبز، الحبوب والبقول، اللحوم، الطيور، الأسماك، الخضراوات، طرق إعداد الطعام، طرق حفظ الطعام، الأواني والأدوات، الفطائر، الحلويات، صناعة الألبان، المشروبات، معتقدات حول الطعام، آداب المائدة، الاتجار في المواد الغذائية، التجديدات في عادات الطعام وآداب المائدة. ويستعرض القسم الثالث جانباً من المادة الميدانية المتعلقة بالخبز في التراث الشعبي، والتي جمعت أثناء إعداد الدليل وتجربته. وهي البيانات الخاصة بتطبيق الأسئلة من 53 حتى 79 من الدليل. وتغطي موضوعات الأسماء التي يكنى بها عن الخبز، وأنواع الخبز، والأنواع التي تصنع في المنزل، والأنواع التي تصنع في الفرن العام، والأنواع التي اختفت، وأنواع الخبز التي تصنع في المناسبات، ووصف عملية العجن، ووصف عملية تقريص الخبز، والأوعية المصاحبة لذلك، والمسؤولون عن إعداد الخبز في المنزل، والأدوات التي تستخدم في الخبيز، ومدى وجود أفران خاصة بالأسرة، ووصف شكل الفرن، وكيفية إعداد الفرن للخبيز، ومدى تبادل الأسر المجاملة في استخدامها الأفران، والمحاذير التي يجب أن تراعى عند استخدام أفران الآخرين، مدى وجود فرن للمنطقة مقابل أجر، ومدى وجود أيام خاصة للخبيز، الفترة التي تفصل بين كل خبزة وأخرى، الأوعية المصاحبة للعجن والخبيز، المسؤول عن توزيع العمل عند الخبيز، أطراف عملية الخبير باعتبارها مجالاً للعلاقات الاجتماعية، احتراف الخبيز نظير أجر، وكيفية تقاضي الخبازة أجرها، المهارة في إعداد الخبز باعتبارها محكاً لمهارة المرأة بصفة عامة، تخزين الخبز، مصدر الحصول على الدقيق، كمية الخبز التي يأكلها الفرد البالغ عادة في وجبات الإفطار والغداء والعشاء. ويورد الدليل أربعة ملاحق، يمثل كل منها أداة تساعد جامع البيانات أثناء العمل الميداني، مثل تسجيل بيانات الإخباريين، وتسجيل المقتنيات، وتسجيل الصور التي يلتقطها الجامع في الميدان، ويقدم الدليل في النهاية وأخيراً ملحقا بالرسوم والأشكال الخاصة بموضوع الخبز التي تم توثيقها ميدانيًا. ونشير هنا إلى أن اهتمام علياء شكري بهذا الموضوع امتد على المستوى العربي، وفق ما نشر في كتاب «عادات الطعام في الوطن العربي» الذي صدر عام 2005 عن دار الكتاب للتوزيع بالقاهرة.

دراسات في علم الفولكلور:

شاركت علياء شكري مجموعة من الأساتذة والباحثين في الكتاب المجمع الشهير الذي حمل عنوان «دراسات في علم الفولكلور»، والذي صدر في طبعته الأولى عام 1994 عن دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية، ثم أعيد طبعه مرة أخرى عام 1998 عن دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وطبعة ثالثة عام 2016 عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بجامعة القاهرة. ويقع الكتاب في حوالي 420 صفحة. يحاول هذا الكتاب تأكيد الأسس النظرية والمنهجية لعلم الفولكلور، والاحتفاء ببعض رواده، بالإضافة إلى تقديم بعض الأعمال الخاصة بالباحثين الشبان المتخصصين في هذا المجال. وينقسم إلى قسمين رئيسيين، يختص الأول بعرض بعض الأسس النظرية والمنهجية لعلم الفولكلور، حيث يعرض لميدان هذا العلم، وتعريفه، وأهميته، وأقسامه الرئيسية، وطرق جمع مادته العلمية. ويمثل هذا الفصل تلخيصاً للباب الأول من كتاب علم الفولكلور (الجزء الأول) لمحمد الجوهري. ثم تقدم علياء شكري في الفصل الثاني لواحد من أبرز رواد علم الفولكلور هو العالم الفرنسي «فان جنب» تستعرض فيه التطور التاريخي لدراسة عناصر التراث الشعبي حتى ظهور مصطلح الفولكلور في أوائل العشرينيات، وحياة فان جنب وإنتاجه العلمي الذى يناهز الخمسين مؤلفاً، ورحلاته الميدانية إلى شمال أفريقيا وجنوب بولندا وإلى جميع أنحاء فرنسا تقريباً. وقسمت حياته إلى عدة مراحل، تبدأ الأولى بالاهتمام بالعادات الشعبية، وأبرز إنتاج هذه المرحلة كتابه «طقوس العبور». أما الثانية فقد سيطر عليه فيها الاهتمام بالأدب الشعبي ونظرياته وأشهر إنتاجه كتابه «تكوين الحكايات». أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي مرحلة التنظير القائم على التسجيل الشامل والنظرة الكلية العامة إلى التراث الشعبي الفرنسي، وأبرز إنتاجها كتاب «المدخل إلى الفولكلور الفرنسي المعاصر». وتعرض الدراسة إسهام فان جنب في وضع حدود لدراسة الفولكلور وتفسير الظواهر الفولكلورية من النواحى الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والجغرافية. وأخيراً تقييم أعماله ومزجه ببراعة بين علم الاجتماع والإثنوجرافيا والفولكلور، بيد أن أهم المآخذ على أعماله أنه اعتبر الفولكلور من العلوم البيولوجية. ويتناول محمد الجوهرى في الفصل الثالث أحد رواد علم الفولكلور على مستوى الوطن العربي وهو رائد الأدب الشعبي «عبد الحميد يونس» فيستعرض جوانب ريادته، وامتلاكه رؤية متكاملة وناضجة لبناء علم الفولكلور ورسالته، وتعريفه للتراث الشعبي. ويختتم القسم الأول من هذا الكتاب بدراسة لعلياء شكرى «أخلاقيات البحث العلمى في مجال التراث الشعبي». وسوف نعرض له بالتفصيل في ختام هذا المقال. أما ثانى أقسام الكتاب فيقدم دراسات ميدانية وتطبيقية وواقعية تغطي مختلف ميادين التراث الشعبي. ويبدأ هذا الجزء بدراسة عن الإبداع في التراث الشعبي لمحمد الجوهرى، حيث يعرض لمفهوم الإبداع، وفض الاشتباك بين مفهوم «الشعبية» القائم على التقليد والتكرار والحفظ، والإبداع القائم على مخالفة التقليد وعلى الخلق الجديد، مؤكدًا على أن عملية إنتاج التراث وتداوله وتغيره عملية مستمرة منذ بدء الخليقة ومستمرة إلى الأبد. وتحدد الدراسة أربعة أبعاد أساسية لعملية الإبداع. يتمثل البعد الأول في النظر إلى الشعبية كتقليد وتكرار، حيث تعتبر صفة التقليدية أو الشيوع أو الشعبية أو التكرار ألصق الصفات بالتراث الشعبي. ويتمثل البعد الثانى في أهمية الأفراد المبدعين ودورهم في صياغة وتشكيل التراث الشعبي، وذلك بغض النظر عن الطبقة أو الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. ويتعلق البعد الثالث بقضية التطوير والاستلهام كصورة من صور التجديد أو الإبداع في التراث الشعبي. أما البعد الرابع فيتناول موجات التجديد والتغيير، وفيه يتناول المؤلف الخرافات العلمية كتجديد للتراث في المجتمع الصناعي.

ثم يعرض الكتاب في الفصول التالية لمجموعة مميزة من الدراسات العلمية التي أشرفت عليها علياء شكري في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لمجموعة من الباحثين الذين يعدون اليوم من أعلام حركة التراث الشعبي المصري، ويبدأ الفصل السادس بعرض لأحد فصول رسالة الدكتوراه الخاصة بالباحث سميح شعلان عن العادات والتقاليد المرتبطة بالخبز. ويمثل الفصل السابع أحد فصول رسالة الماجستير الخاصة بنفس الباحث عن مظاهر الاحتفالات الجنائزية، ويتناول الفصل الثامن أحد فصول رسالة الماجستير الخاصة بالباحث محمد عمران المقومات الفنية والثقافية للإنشاد الديني الشعبي. أما الفصل التاسع فيركز على الطب الشعبي الساحلى للباحثة فاتن أحمد علي. وقد جاءت هذه الدراسة في أربعة محاور أساسية، يعرض المحور الأول للإطار النظري والمنهجي، ويناقش الثانى الممارسات العلاجية الشعبية مصنفة وفقاً للمواد والعناصر المستخدمة في إعدادها مع الإشارة إلى مدى انتشار أو انحسار هذه الممارسات زمنياً ومكانياً وطبقياً، أما المحور الثالث فيختص بعرض بعض الاستخلاصات النظرية حول خصائص نسق الطب الشعبي الساحلي. وأخيراً يعرض المحور الرابع لأهم عوامل التغير في هذا النسق. وتهدف الدراسة إلى الكشف عن الممارسات الشعبية العلاجية الخاصة بجماعات صيادي الأسماك بساحل خليج «أبو قير» بمدينة الإسكندرية، ثم الكشف عن العلاقة بين هذه الممارسات وبين خصائص البيئة الساحلية، وما تتيحه من عناصر وإمكانات طبيعية انطلاقاً من أن أغلب أنماط الطب الشعبي في الثقافات المختلفة قد تشكلت من خلال خصوصية بيئية محددة  تتميز بمواد وعناصر اجتهد الإنسان في استغلالها للوفاء بجانب حيوي من احتياجاته الأساسية، وهو مجال الطب والعلاج. وتصنف الدراسة الممارسات العلاجية إلى: ممارسات مستمدة من بعض الحيوانات البحرية، وممارسات مستمدة من أنواع معينة من الأسماك، وممارسات مستمدة من الطيور البحرية،وممارسات مستمدة من الأعشاب والنباتات البحرية، وممارسات مستمدة من الصخور والأحجار البحرية، وممارسات علاجية مستمدة من ماء البحر، وممارسات علاجية مستمدة من هواء البحر، وممارسات مستمدة من رمال البحر. 

ويركز الفصل العاشر على وظائف المعتقدات السحرية عند جماعات صيادي الأسماك بساحل خليج أبي قير، للباحثة فاتن أحمد علي. وتحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على المعتقدات السحرية الخاصة بهذه الجماعات، وتبدأ بالممارسات السحرية التي تعتمد على المواد والأشكال والأشياء ذات التأثير السحري، ثم المعتقدات السحرية التي تندرج تحت ظاهرة الاعتقاد في أشياء وأفعال تجلب الحظ، وأخرى مكروهة، وأخيراً ظاهرة التوقي مما يجلب الشر والنحس. أما الفصل الأخير فيتناول ملامح التغير في الزي التقليدى للمرأة، ويركز على دراسة ميدانية لحالة البرقع في مجتمع الإمارات، مع إلقاء الضوء على ما طرأ عليه من تغيرات في الشكل والوظيفة، إلى جانب الاهتمام بكيفية تعبيره من تفاعل مع الواقع التاريخي والجغرافي لمجتمع الدراسة من جانب، ومع مختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتغيرة من جانب آخر. وأجريت هذه الدراسة في حي «المرخانية» وهو أحد أحياء مدينة العين في الإمارات. كما تناولت هذه الدراسة مسميات البرقع، وماهيته، وخصائصه، وتغير وظائفه ووضعه بداية من الجبهة، والسيف وعين البرقع، والشبق، وجسم البرقع .كما تناولت أيضاً وظائف البرقع في الماضي وفي الحاضر، سواء الوظائف النفعية أو الجمالية.

الرؤية النظرية والتطبيقية للتراث الشعبي:

صدر كتاب «دراسة التراث الشعبي: رؤية نظرية ودراسات تطبيقية» عن دار المعرفة الجامعية لعلياء شكري ومحمد الجوهري عام 2003، اشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب رئيسية اهتمت بالكشف عن الكثير من المفاهيم النظرية من خلال الدراسات التطبيقية خاصة الدراسات العالمية التي ارتبطت بعلم الفولكلور خلال القرن العشرين. تناول الباب الأول مفهوم علم الفولكلور وحدوده، وأهميته النظرية والتطبيقية، وناقش التعريفات العالمية للفولكلور، ثم تصنيفات العلم المختلفة كما رصدها الرواد، ثم عَرَّف أساليب جمع التراث الشعبي ميدانيًا ومن المدونات. وتناول الباب الثاني بعض رواد علم الفولكلور مثل الاتجاه البحثي للأخوين جريم في دراسة الأدب الشعبي، وكذا دراسة أراء فان جينب ومناقشة أعماله. ثم تناول الجانب التطبيقي من الكتاب في الباب الثالث مجموعة مهمة من الدراسات بدأت ببحث وحدة المنهج في علم الفولكلور، وبحث الاتجاه التاريخي وفلسفة التحليل التاريخي للمادة الفولكلورية. ثم بحث الاتجاه الجغرافي في إعداد أطلس الفولكلور والمحاولات العالمية والوطنية لإنشائه، خاصة محاولات هانز فينكلر والمحاولات السابقة عليه واتجاهاته المنهجية، وينتقل المؤلفان بعد ذلك للتعريف بالاتجاه الاجتماعي (السوسيولوجي) في الدراسات الفولكلورية العالمية خاصة أوروبا، مشيرًا إلى مفهوم حملة التراث الشعبي بين الريف والحضر والفئات والطوائف الخاصة، والمبدعون من أفراد المجتمع، ثم رصد حركة التراث الشعبي داخل المجتمع، ويختتم الكتاب ببحث الاتجاه النفسي ودراسة الطابع القومي من خلال التحليلات السيكولوجية لطبيعة مواد التراث الشعبي.

التغير الاجتماعي والثقافي في الوطن العربي:

أصدرت علياء شكري مجموعة من الدراسات المهمة حول التراث الشعبي العربي، انعكست معظمها على قضايا وموضوعات رسائل الماجستير والدكتوراة التي أشرفت عليها. وفي هذا الإطار صدرت الطبعة الثانية لكتاب «بعض ملامح التغير الاجتماعي الثقافي في الوطن العربي: دراسات ميدانية لثقافة بعض المجتمعات المحلية في المملكة العربية السعودية» عن دار الثقافة للنشر والتوزيع عام 1983 في 484 صفحة ضمن سلسلة علم الاجتماع المعاصر رقم 23. وقد أعيد نشره مرة أخرى عام 2005 عن دار الكتاب للتوزيع. وتشير مؤلفة الكتاب إلى أنه يضم عدداً من الدراسات التي تمثل القسم الأول من مجموعة من الدراسات الميدانية التي تستهدف إلقاء الضوء على بعض ملامح التغير الثقافي الاجتماعي في الوطن العربي، وأن هذه الدراسات تُعد الأولى من نوعها عن هذه المجتمعات. وعن أبرز أهداف هذه الدراسات، فهي أنها تشكل فرصة لاختبار الأدوات العلمية والأدلة الميدانية الخاصة بدراسة التراث الشعبي. ولقد اختبرت تلك الأدوات كثيراً في المجتمع المصري (على اختلاف محافظاته وريفه وحضره) ولكنها كانت الفرصة الأولى لاختبارها خارج المجتمع المصري، ومن ثم إجراء مقارنات بين عناصر الثقافة التقليدية بين أجزاء المجتمع العربى المختلفة. وتمثل هذه الدراسات عملية تسجيل شامل لبعض عناصر الثقافة التقليدية، أو بعض أجزاء التراث الشعبي في المجتمعات المحلية موضوع الدراسة. وتوضح علياء شكري أنها  حاولت أن تسير كل الدراسـات على منوال واحد، أو على الأقل على نهج متقارب، لأن ظروف كل مجتمع كانت تتدخل دائماً في تقديم موضوع على آخر، أو المساعدة على تفصيل وخدمة موضوع أكثر من الموضوعات الأخرى، ومن ثم فقد بذلت كل جهد ممكن لكي تخرج تلك البحوث بصورة منمطة. ويستعرض الجزء الأول منها الأرض والناس، فيعرض للمحة تاريخية جغرافية ولمحة عن السكان، ثم تصويراً للنشاط الاقتصادي الأساسي. وبعد ذلك يأتي جزء ثان يغطي العادات الشعبية، ومن أبرزها دورة الحياة بمراحـلها الثلاث: الميلاد، والزواج، والوفاة. وقد خصصت في بعض الدراسـات فصول أو فقرات مستقلة تحت هذا الجزء لدراسة عادات وآداب الطعام. ويمثل الجزء الثالث دراسة لبعض عناصر المعتقدات الشعبية، حيث حاولت المؤلفة أن تبرز موضوعين أو ثلاثة لتجنب المصاعب التي كانت تواجه دراسة هذا الموضوع. ولكى تقدم أسـاساً مشتركاً للمقارنة سواء على المستوى الوطني أو القومي فيما بعد، فقد أبدت علياء شكري اهتماماً خاصاً بموضوعي الكائنات فوق الطبيعية، والطب الشعبي. وكان من المنطقي – لدى الإخباريين- أن ينظر إلى الجن (وهم أبرز الكائنات فوق الطبيعـة في نظر المعتقد الشعبي) باعتبارهم أمراً وارداً في تراث الاسلام الصحيح جاء ذكرهـم في القرآن. ولا شك أن تلك الإشارة كانت تمثل سلاحًا ذا حدين، فهي تربط الإخباري بالتصور القرآني للجن دون سواه. وقد جاءت تلك الموضوعات على قدر من التجانس في أسلوب المعالجة. وفي ختام الدراسة تناولت علياء شكري الاتجاهات العامة للتغير، من خلال بحث التغير الخاص بالمملكة العربية السعودية في ظل ظهور البترول، فضلاً عن التغير في القطاع الزراعي والهجرة والتعليم، وكذا اتجاهات التغير في عناصر الثقافة وشكل النشاط التجارى والثروة الحيوانية، ووسائل النقل التقليدية والحديثة، والصناعات المحلية والتقليدية، والبيت القـروي، وعـادات الطعـام وآداب المائدة، وعادات دورة الحيـاة، ووظيفة المسجد، والأعياد الشعبية والطب الشعبي بالمملكة.

الريادة في مجال بحث المرأة العربية :

يُعد بحث المرأة المصرية والقضايا المرتبطة بها من أهم المحطات العلمية التي اهتمت بها علياء شكري في رحلتها العلمية. وقد كانت صاحبة ريادة في هذا المجال قبل بدء الاهتمام الرسمي بقضايا المرأة على المستويين الوطني والعربي. وقد تأسست أبحاث علياء شكري حول المرأة في إطار مشروع بحثي ضخم على النطاق الدولى أُجري بالإشتراك مع منظمة العمل الدولية بجنيف عام 1981. وكان من بين المحاور الرئيسية للدراسة التقييم النقدي لأنشطة المرأة الاقتصادية غير المنظورة وغير المدرجة بالإحصاءات الرسمية. وقد أجريت هذه الدراسة باستخدام أحدث الأساليب والأدوات البحثية وقتها مثل جداول استخدام الوقت وغيرها. وكانت نتائج هذا البحث منطلقا لبحوث أخرى جديدة قامت بها علياء شكري بحثًا وإشرافًا. وقد أثمر ذلك مجموعة من الكتب والأبحاث، جاءت على النحو التالي: 

    -    قضايا المرأة بين التراث والواقع، تقارير بحث التراث والتغير الاجتماعي مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2017.

    -    المرأة في الريف والحضر، دراسة لحياتها في العمل والأسرة (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2012.

    -    المرأة والمشكلات السكانية في العالم الثالث، (بالاشتراك)، مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية، جامعة القاهرة، ترجمات، 2005.

    -    المرأة والمجتمع، وجهة نظر علم الاجتماع (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2012. 

    -    علم اجتماع المرأة (بالاشتراك)، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 2015.

وسنعرض هنا للكتابين الأولين كنموذج لهذا الاتجاه، الأول هو كتاب «قضايا المرأة المصرية بين التراث والواقع: دراسة للثبات والتغير الاجتماعي والثقافي» الذي صدر عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 2003 في 443 صفحة ضمن تقارير بحث التراث والتغير الاجتماعى رقم 13، وقد صدرت طبعة جديدة من هذا الكتاب عام 2017. وقد نالت المؤلفة عن هذه الدراسة جائزة أفضل عمل ثقافي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام نفسه (2003). وتتمثل الإضافة الأساسية في هذا الكتاب في الاعتماد الكامل على المنهج الأنثروبولوجى، مع تجديده وتطويره، وتطويعه ليلائم دراسة مجتمع تاريخي عريق كالمجتمع المصري. وربما كان من أبرز تلك الإضافات المنهجية استخدام أسلوب فريق العمل في هذه البحوث الميدانية، الذي مكن المؤلفة من أن تغطي الكثير من المجتمعات، ومزيداً من الحالات، مع الالتزام بالدقة والمستوى العلمي. كما كشفت كيف يلعب التراث بوجه عام، والمرجعية الدينية بشكل خاص، دوراً مهما في تكوين فكر وثقافة المجتمع المصري ووعيه بالقضايا التي تهم المرأة على وجه الخصوص. فعلى الرغم مما حظيت به قضايا المرأة من اهتمام ورعاية على الساحة المحلية والعالمية، وما شغلته  في فكر المتخصصين والمهتمين بشؤون المرأة، إلا أن التراث قد لعب– وما يزال– الدور الأقوى في تشكيل فكر المجتمع المصري. والمشكلة مع هذه المرجعية التراثية ذلك التناقض الغريب بين القول والفعل، حيث يصل القول إلى حد المثالية، بينما تسير الممارسات في الطريق المعاكس لذلك في كثير من الأحيان. وهناك متغير آخر وسيط بالغ الخطر والتأثير يتمثل في الفهم الخاطئ المعوج لبعض النصوص الدينية. ونجد دائما من يتولى تطويع مثل هذه النصوص الدينية حتى يجد مبرراً لسلوكه أو لموقفه في قضية ما، ويحقق ما يصبو إليه من أهداف وأطماع. وفي هذه القضايا نجد دعما وتبريراً من الموروث الشعبي، قد يفوق في تأثيره أحيانا دور المرجعية الدينية، أو الفهم الشعبي المحلي للدين. وقد اتضح- على أية حال- أن تأثير كل من الموروث الثقافي والمرجعية الدينية يختلف باختلاف الزمان والمكان، والوضع الطبقي، وظرف التطور الاجتماعى وغير ذلك من المتغيرات. وقد لفت النظر في غير موضع أن بعض عناصر التراث التي قد يبدو للوهلة الأولى أنها قد اندثرت، تدب فيها- عند توافر شروط اجتماعية وثقافية معينة– حياة جديدة وتنتابها موجة من الازدهار، ونجد المرأة – في قضية معينة- تنتكس وترتد عائدة إلى وضع أسوأ أو أدنى كانت قد عبرته منذ فترة، بعد أن كان قد خيل للدارس المدقق أنه لن تكون إليه عودة أبداً. ذلك أن التراث قد أثبت أنه ليس شيئاً مقدساً ولا ثابتاً، ولكنه يتسم بقدر هائل من المرونة والقدرة  على إعادة التشكل وفقاً للظروف المجتمعية. الأمر الذى يعلمنا بوضوح أن دور هذا التراث يتحدد وفقاً للمدخلات الثقافية والاجتماعية في كل عصر. فهو قادر على استدعاء مفاهيم دينية وتفسيرات بعينها لبعض النصوص الدينية، وابتكار مفاهيم جديدة: «كأخلاق القرية» أو «الأصالة»، أو «الحفاظ على الهوية»، أو رفض «الاستعمار الثقافي» أو التصدي لتيارات وقوى «العولمة»...إلخ. 

وتضيف علياء شكري قولها: حائط المقاومة الاجتماعية عندما يتهاوى ويضعف، أو أحيانًا يسقط، فإنه يتكئ أول ما يتكئ على أضعف العناصر والقوى الموجودة على المسرح الاجتماعي، وأعنى بها المرأة. فالعودة إلى التراث وإلى الماضي الجميل تكون أقرب تطبيقاتهاً على المرأة، التي نجدها وبعد كل ما حصلت من تعليم وبذلت من جهد للمشاركة في الحياة العامة، بعد كل ما حصلته من مقومات القوة تتنازل عن كل ذلك طواعية واختياراً، وتختار التزام البيت، والبعد عن المعاصي (مخالطة الرجال في ميدان العمل)، فتجرد نفسها من كل أسلحتها، وتعود إلى الوراء –في لحظة واحدة – لترتد إلى ما كانت عليه جدة جدتها قبل قرن كامل. ولكن هذا البحث يعلمنا أنه لا يمكننا – برغم كل شيء – أن ننعت التراث بالثبات أو الجمود. فقد رأينا بوضوح ساطع كيف يقبل الاستجابة للتغيرات الناجمة عن الاتصال بالآخرين، وعن منجزات الثورة المعاصرة في الاتصالات، وهي وغيرها مثيرات ومحفزات لتغيرات مهمة في شروط الواقع الاقتصادية والاجتماعية، أدت – وتؤدي- في غير قليل من الحالات إلى هز هذا الثبات النسبي للتراث، وتجعله يفقد توازنه أحياناً. ويقدم هذا الكتاب شواهد واقعية بعيدة الدلالة لتلك العلاقة الجدلية بين التراث وتجدد الواقع (أو بين التراث  والمعاصرة- كما يحلو للبعض أن يسموها) وهي شواهد يمكن أن ترشّد رؤيتنا لهذه العلاقة بعيداً عن الرؤى الأيديولوجية والمواقف المسبقة، والنزعات الخطابية. وتجسد كل ذلك مجموعة وفيرة من النتائج والملاحظات والاستخلاصات التي يجدها القارئ مبثوثة بين دفتي هذا الكتاب. ولفهم التفاوت الهائل الواضح في الثقافة المصرية وفي الممارسات الاجتماعية في المجتمع المصري بين حقوق الرجل وحقوق المرأة رأت علياء شكري أنه لابد من التعرض للواقع القائم فعلاً من خلال دراسة بعض القضايا المحددة التي تم اختيارها وفقاً للمحكات التالية:

1.    أن ترتبط بالقضايا المعاصرة المتضمنة على المستوى العالمي في الأجندة الدولية بشأن المرأة.

2.     أن ترتبط بالتغيرات التشريعية المثارة في الآونة الأخيرة.

3.    أن تكون من القضايا المصرية المثارة على المستويين الرسمي والشعبي (كحق المرأة في اختيار شريك حياتها – اختيار تحررها من الحياة الزوجية – خروجها للعمل).

4.    أن يقبلها أو يضيف إليها لجنة من المحكمين المهتمين بقضايا المرأة، ومن بينهم هيئة بحث التراث الموقرة. 

وفي ضوء المحكات السابقة تم تحكيم بعض القضايا حرصًا على مراعاة الرؤى ووجهات النظر المختلفة للمهتمين بقضايا المرأة، والاستفادة من آراء أعضاء هيئة البحث، وما طرحته الدراسة الميدانية، فقد تم اختيار القضايا التالية ودراستها في هذا الكتاب على النحو التالي:

أولاً: الاختيار الزواجي وارتفاع السن: مازالت قضية حرية المرأة في اختيار الشريك تمثل مشكلة تواجه الفتيات في بعض المجتمعات، رغم أن الدين منحها هذا الحق. فبعض الأسر مازالت تمارس القهر على بناتها وتجبرهن على الزواج ممن يختارونه هم زوجاً لها دون أخذ رأي الفتاة. وربما يرجع ذلك إلى الثقافة السائدة في المجتمع أو ظروفه الاقتصادية. كما أن ارتفاع سن الزواج يمثل ظاهرة ملموسة في كل المجتمعات المدروسة. وقد أوضحت الدراسة الميدانية مدى التغير الذى لحق بهذه القضية، وهو تغير راجع إلى أسباب منها: انتشار التعليم، خروج المرأة للعمل، الظروف الاقتصادية، ارتفاع تكاليف الزواج...إلخ.

ثانياً: حقوق المرأة المطلقة ورعايتها ورعاية الأبناء: تعد قضية الطلاق– وما يترتب عليها من مشكلات تواجه المرأة والأبناء – من القضايا المهمة، إذ تعاني المطلقات من سوء إجراءات التنفيذ الخاصة بالمحاكم، بالإضافة إلى الوهم القائل (إن الشقة من حق الزوجة)، مع العلم بأن الشقة من حقها في فترة الحضانة فقط. كما تمثل الإقامة بالنسبة للمرأة المطلقة مشكلة أخرى حيث هنـاك بعض الأسر التي تصر على إقامة المطلقة معها، وأخرى ترفض إقامة ابنتهم معهم، وخاصة في المجتمع الحضري. وربما يرجع ذلك لسوء الحالة الاقتصادية والظروف المعيشية بالإضافة إلى نظرة الأهل والمجتمع لهذه المطلقة. أما إذا كان لديها أبناء، فقد تضاف إلى مشكلاتها مشكلة أخرى إذا تخلى الأب عن هؤلاء الأبناء، فتقوم هي بدور الأم والأب معاً. كما تعاني كثرة من النساء المطلقات أو الراغبات في الطلاق من قصور في إنهاء بعض الإجراءات الخاصة بقضاياهن مثل حقها في الحصول على الطلاق أو مؤخر الصداق أو المتعة... إلخ. ففي الحالات التي تحصل فيها على حكم بالطلاق، قد تتعثر إجراءات التنفيذ. وهذه المشكلة انتشرت بشكل واضح في بعض المجتمعات، خاصة حيث تتراجع القيم مما قد يؤدي إلى مقاضاة المرأة لزوجها للحصول على حقوقها إذا فشلت الحلول الودية في تصفية الموقف.

ثالثاً: حق المرأة في الميراث وأشكال التحايل: قضية الميراث قضية محيرة وشائكة، والجميع يعلم أن الميراث حق للمرأة شرعاً، ولكن هناك بعض المجتمعات التي تبرر حرمانها من هذا الحق، استناداً إلى الموروث الثقافي. كما أن هناك مجتمعات أخرى تتحايل على هذا القانون السماوي، وتجد لنفسها المبرر لهضم هذا الحق أو التلاعب فيه بقصد إجبار المرأة على التنازل عن حقها، أو ترجمة هذا الحق إلى أموال سائلة، خاصة إذا كان الميراث أراضي أو عقارات. وكثيراً ما تشهد مثل هذه الحالات إصراراً على بخس ثمن هذه الأشياء، أو التمييز بين الأبناء في هذا الحق. وعلى سبيل المثال: يكتب الأب قطعة أرض للابن الذكر، ويبرر ذلك لنفسه بأنها نظير خدمة الابن للأب أو مساعدته في الأرض... وهكذا مما أدى إلى وقوف المرأة أمام أهلها في المحاكم للمطالبة بحقها الشرعي في الميراث.

رابعاً: حق المرأة في التعليم: بالرغم من تغير نظرة الناس إلى أهمية تعليم المرأة وازدياد الإقبال عليه، إلا أن الدراسة الميدانية أوضحت أن هناك بعض المجتمعات تعاني فيها المرأة من حرمانها من التعليم، بحجة الخوف عليها من الانحراف في مراحل التعليم العليا، وسفرها بعيداً عن المجتمع التي تعيش فيه. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى اقتصار تعليمها على المرحلة الأولى للتعليم الأساسي أو المتوسط، حيث المدرسة بجوار المسكن، ويمكن متابعة الفتاة في الذهاب والإياب للمدرسة أى أن «البنت تحت نظرهم في الرايحة والجاية». 

خامساً: حق المرأة في العمل: باتت قضية خروج المرأة للعمل من القضايا الحيوية، إذ مازالت المرأة تعاني من حرمانها من شغل بعض الوظائف، بالإضافة إلى تخلف نظرة بعض الأزواج الذين يرون أن راتب الزوجة هو مـن حق الزوج لأنه هو الذى أعطاها حق خروجها للعمل، وأن الزوجة – على حد قول هؤلاء – تمثل الدجاجة التي تبيض كل يوم، وهو صاحب الدجاجة فمـن حقه البيض (الدخل). وإذا لم تقبل فسوف يحرمها من هذا الحق. يضـاف إلى ذلك قيام المرأة بالعديد من الأعمال غير المأجورة في بعض المجتمعات دون اعتراف من جانب الزوج بهذه الأعمال. وقد ينسى أنها إن لم تكن تعمل، فهي التي هيأت الظروف والجو المناسب لزوجها للقيام بعمله. أما إذا كانت تعمل فبالإضافة إلى عملها يطالبها الزوج بعد عودتها من العمل بالقيام بجميع أعمالها المنزلية، فهي تجمع بين دوري المرأة العاملة وست البيت.

سادساً: استقلال المرأة بالذمة المالية: تختلف هذه القضية من مجتمع محلي إلى آخر رغم أن الدين منح المرأة هذا الحق، بالإضافة إلى حق الزوج في الإنفاق دون النظر إلى ما تملكه هي (لقوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء» صدق الله العظيم). وهذه القضية لم تكن مطروحة قديماً في بعض المجتمعات، ولكنها أخذت تظهر على نطاق واسع في الآونة الأخيرة – وخاصة في المجتمع الريفي – نتيجة تعليم المرأة وخروجها للعمل أو سفرها للخارج. ولهذا أصبحت تستقل بذمتها المالية بعكس ما كان سائداً في الماضى، وهذه القضية كثيراً ما تهدد كيان الأسرة. 

فعلى سبيل المثال يرى الزوج أنه صاحب الفضل في خروجها للعمل، وأن من حقه هذا الدخل. ومن هنا تأتي الخلافات الزوجية. وقد ترى الزوجة مبرراً لاستقلالها بذمتها المالية للمثل القائل: «يا مأمنه للرجال يا مأمنه للمية في الغربال». وأنها: «غريبة وإن طالت عشرتها»، ويمكن طلاقها في أى وقت، ولذلك فهي تحرص على تأمين مستقبلها ضد غدر الزمن. كما ينظر المجتمع للرجل الذى تستقل زوجته بذمتها المالية على أنه يتسم بشىء من عدم الرجولـة، ويحول دون إقدام الزوجة على شراء أي شيء من دخلها باسمها هي تبعاً للقيم المجتمعية، وخاصة في المجتمع الريفي.

سابعاً: سفر الأزواج والزوجات للخارج: هي قضية تهم كل الأمهات، وبالذات في حالة سفر الزوج حيث تقوم الزوجة بدور الأم والأب، والعكس إذا سافرت الزوجة. وفي كل الحالات قد يترتب على هذه القضية انحراف الأولاد أو انحراف بعض الأزواج أو الزوجات بغرض الإشباع العاطفي غير المشروع في حالة بعد أحد الزوجين عن الآخر. وتكون النهاية هدم الأسرة أو وجود الزوجة الثانية وخلق مشكلة تعدد الزوجات.

ثامناً: قضية تعدد الزوجات: هذه القضية من القضايا التي تشغل بال كل النساء، ولكن النظرة إليها تختلف من مجتمع إلى آخر. فهناك بعض المجتمعـات التي ترى أنه يحق للزوج هذا التعدد، بالإضافة إلى وجود مبرر لهذا التعدد مثل المكانة الاقتصادية، والقوة الجنسية عند الرجل، والرغبة في الكثرة العددية (العزوة). وقد تتقبل نساء هذا المجتمع ممارسة الزوج لهذه الرخصة. وهناك مجتمعات أخرى تغيرت فيها الصورة وانتشرت ظاهرة تعدد الزوجات أيام الانفتاح وانتعاش المستوى الاقتصادى، خاصة في أوساط الفئات الحرفية والمتوسطة التعليم نتيجة سفرهم للخارج. وهناك مجتمعات أخرى تغيرت فيها معالم هذه الظاهرة، وباتت تنتشر بين الطبقات العليا والدنيا على السواء. ويرجع انتشارها بين الطبقات العليا إلى المكانة الاقتصادية الميسورة وسهولة الحصول على شقة أو الإنفاق على الزوجة الأخرى. أما بين الطبقات الدنيا فقد يؤدي سوء الأحوال الاقتصادية إلى هروب الزوج من المسؤولية والزواج بأخرى بغرض حل مشكلة الفقر والأمل في تحسين أحواله الاقتصادية.

تاسعاً: حق المرأة في الترفيه والعناية بالنفس: هذه القضية من القضايا الجديدة التي أفرزتها الدراسة الاستطلاعية؛ حيث إن المرأة كإنسان لها الحق في ذلك كالرجل، ومن حقها الاستمتاع بما حولها. ولكن هناك بعض المجتمعات التي تعانى فيها المرأة إذا حاولت مجرد بذل شيء من الجهد أو الوقت أو المال للعناية بنفسها أو الخروج للترفيه أو غير ذلك. ويرجع ذلك للموروث الثقافي لهذه المجتمعات. فالمجتمع البدوي– على سبيل المثال -  يحرم المرأة من حقها في الترفيه والاستمتاع بماء البحر الذى تعيش بجواره، ولا تستطيع مجرد الاقتراب منه. وإن كانت المرأة في كل مجتمع تخلق لنفسها ولنظيراتها صوراً من الترويح والأنشطة التي تجعل الحياة أجمل أو أخف قسوة. ويستعرض تقرير الدراسة جانباً من تلك الأنشطة التي تم رصدها في مجتمعات البحث.

عاشراً: صور العنف ضد المرأة: وهي من القضايا التي تلازمها طوال فترة حياتها – أى من الطفولة حتى الكهولة – إنما تختلف صور العنف باختلاف المراحل العمرية للمرأة. من ذلك مثلاً ممارسة الختان للأنثى، الذى يعد أول شكل من أشكال العنف في المراحل المبكرة من عمرها. كما يعد تمييز الذكور عن الإناث في معظم المجتمعات بشكل مجحف شكلاً من أشكال العنف. 

كما تمثل الإهانات التي تواجهها المرأة بعد الزواج – إما بالسب أو بالضرب – أشكالاً صريحة من العنف...إلخ. فالمرأة معرضة للعنف طوال حياتها، ولكن النظرة إلى أشكال العنف تختلف من مجتمع لآخر. من ذلك مثلاً أن البعض من أبناء المجتمع الريفي يستندون في قضية ضرب الزوجات – قديماً – إلى المرجعية الدينية، بالادعاء بأن الدين أباح ذلك. ويبرر آخرون عملية الضرب بأنها تعبير عن قيمة الزوجة وإعزاز الرجل لها.

ولكن هذه الصورة تغيرت حالياً، وأصبحت بعض الزوجات ترفض أسلوب الضرب، وربما يرجع ذلك إلى تعليم المرأة وخروجها إلى العمل، ومن شأن ذلك أن يؤدي في بعض الحالات إلى المشاكل الأسرية وربما الطلاق. وعلى العكس من ذلك ما نلاحظه في المجتمع البدوي الذي يرفض عملية ضرب الزوجات. من ذلك مثلاً أنه إذا ضرب الزوج زوجته بالكف (بالقلم) على وجهها، يدفع غرامة قدرها: جمل أو قيمة الجمل عن كل إصبع من أصابع اليد. أما في المجتمع الحضري – وخاصة في الشرائح الدنيا – فعملية الضرب وإهانة الزوجات وطردهن في أوقات متأخرة من الليل تكاد تمثل أمراً من أمور الحياة اليومية فيه، ربما بسبب تراجع القيم بالمجتمع.

أما الكتاب الثاني في إطار اهتمام علياء شكري بقضايا المرأة فقد جاء بعنوان «المرأة في الريف والحضر: دراسة لحياتها في العمل والأسرة بالاشتراك مع حسن الخولي وأحمد زايد، وقد صدر في عدة طبعات منها دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية عامي 2000، و2012. وقد سعت علياء شكري وزملائها من خلال هذا الكتاب لإرساء دعائم مدرسة علمية متكاملة في البحث الأنثروبولوجي. وبدأت الكتاب باستعراض مشكلة البحث ورصد المرأة في العالم الثالث بين النظرية والواقع، ثم الإجراءات المنهجية والخبرات المستفادة، حيث سجلت مناطق الدراسة بمحافظة الفيوم، واختيار عينات البحث، ثم الملامح الإحصائية لمجتمعات الدراسة الريفية والحضرية، والأسر المختارة، ثم الأنشطة وتوزيعات الوقت في وحدات المعيشة الريفية والحضرية، حيث تبرز نشاطات المرأة الحرفية، والمرتبطة أيضًا بعادات المنزل والحقل، ثم الموقف التعليمي للمرأة والرعاية الصحية في الريف والحضر، خاصة ما يرتبط بعادات الحمل والولادة، والممارسات الطبية الشعبية من حيث التعرف على المرض وطرق العلاج الشعبي. ثم يستعرض الكتاب قضايا أخرى متعلقة بالمرأة مثل المشاركة في اتخاذ القرار، والخصوبة وخاصة ما يرتبط بالممارسات الشعبية الخاصة بالإنجاب وحجم الأسرة، فضلاً عن عادات وتقاليد الزواج في الريف والحضر.

التراث الشعبي في المكتبة الأوربية:

وفي إطار جهود علياء شكري في التعريف بالاتجاهات العالمية في بحث التراث الشعبي، صدرت الطبعة الثانية من كتابها المعنون «التراث الشعبي المصري في المكتبة الأوربية» عام 1979 عن دار الثقافة للنشر والتوزيع بالقاهرة عام 1979. ويعرض الكتاب لمجموعة من الدراسات المنشورة في الغرب حول الفولكلور المصري، وقد كشفت علياء شكري عن الاتجاهات الأوروبية في بحث الفولكلور المصري في أكثر من حقبة زمنية، وأشارت في مقدمتها إلى أن هذا الكتاب يحاول أن يعرف القارىء العربي بعض المؤلفات الفولكلورية التي كتبت باللغات الأوروبية، والتي يمكن أن تكون حافزًا لكثير من الباحثين المصريين والعرب لخوض غمار هذا الميدان المهم من ميادين الدراسة العلمية، وهو «التراث الشعبي». وقد راعت في اختيارها لتلك المؤلفات عددًا من الاعتبارات المتنوعة، أولها وأهمها المكانة المتميزة للكتاب الذي تعرض له كعلم من معالم دراسة التراث الشعبي المصري. ويمكن القول بأن كل كتاب يمثل بالنسبة لموضوعه ولعصره علمًا بارزًا وإسهامًا علميًا متميزًا، كما أخذت المؤلفة في الاعتبار أيضًا ألا يكون الكتاب المعروض قد انتشر أو عُرف على نطاق واسع للقارىء العربي، إما بسبب اللغة المكتوب بها، أو لغير ذلك من أسباب، وهو ما دفعها إلى إغفال كتاب وليم لين «المصريون المحدثون» الذي عرفه القارىء العربي في ترجمة عدلي نور مطلع الخمسينيات. 

وقد بدأت علياء شكري كتابها المهم بعرض للمجلد الثاني من موسوعة «وصف مصر» الذي صدر مطلع القرن الـ19 تحت عنوان «دراسة العادات والتقاليد الشعبية» للمؤلف الفرنسي جلبير جوزيف شابرول، حيث استعرضت «موسوعة وصف مصر» عامة، ثم مؤلف الكتاب ثم فصول الكتاب الستة، وعلاقة شابرول بالمصريين واتجاهه الاجتماعي. أما الكتاب الثاني فقد صدر عام 1927 بعنوان «فلاحو الصعيد» الذي ألفته الأنثروبولوجية البريطانية وينفريد بلاكمان. ويحمل الكتاب عنوانًا فرعيًا هو: حياتهم الدينية والاجتماعية والصناعية المعاصرة، مع إشارة خاصة إلى رواسب العصور القديمة. حيث عرضت شكري إلى أهداف الدراسة والمنهج المتبع لدى بلاكمان، ومحتويات الكتاب الذي تناول: القرى المصرية وسكانها- النساء والأطفال- الزينة والحلي الشخصية- الميلاد والطفولة- الزواج والطلاق- طقوس الخصوبة- الموت والشعائر الجنائزية- النزاعات بين القرى (قانون الثأر)- الصناعات التقليدية (سوق القرية)- الزراعة وطقوس الحصاد- السحرة والسحر- طبيب القرية الشعبي- العين الشريرة وخرافات أخرى- العفاريت- الشيوخ المسلمون والقديسون الأقباط- الأعياد الدورية- راوي (شاعر) القرية وحكاياته- المماثلات المصرية القديمة. أما الكتاب الثالث الذي عرضته علياء شكري فكان للألماني هانز ألكسندر فنكلر بعنوان «الفولكلور المصري» الذي صدر عام 1936. استعرضت المؤلفة أهمية الكتاب كمرجع في دراسة الفولكلور المصري، ومحتويات الكتاب، والمشكلات المنهجية، وأخيرًا دراسة فينكلر للمحراث وأنواعه وما يتعلق بهذه الدراسة من نتائج خاصة بالأنماط والمفردات. ثم انتقلت لاستعراض محاولات فينكلر لعمل أطلس فولكلور مصري عقد الثلاثينيات من القرن 19. مشيرة إلى خطة فينكلر في دراسة وجمع المادة وعرضها، والبعد المكاني والبعد الزماني كأساس للاختيار، فضلاً عن اختياره للثقافة المادية والثقافة الروحية كأساس في جمع المادة وطريقة عرضها.

وتستكمل علياء شكري عرضها للتراث الشعبي المصري في المكتبة الأوروبية، لتعرض لنا كتاب العالم الألماني أنو ليتمان الذي نشره عام 1941 تحت عنوان «السفر الجليل في أخلاق وعادات سكان وادي النيل». حيث سجلت الجوانب المنهجية والموضوعية للمحاولة التي قام بها ليتمان لتسجيل التراث الشعبي المصري في ثلاثينيات القرن العشرين، إذ يعد الكتاب عبارة عن تقرير مطول استكتبه ليتمان أحد المصريين عام 1935. وقد طلب ليتمان من ذلك المواطن القاهري أن يصور في هذا التقرير عادات وأخلاق المصريين، مع الاهتمام بإبراز خصائص المصري وسماته العامة في ثنايا الحديث، فاشتمل التقرير على عدة فصول حملت عناوين: أخلاق المصريين- ملابس المصريين- ولادة الطفل- السبوع- الختان- تعليم الطفل- الأفراح عند المصريين- أغاني العوالم- مآتم المصريين- محازن النساء- زيارة القبور في المواسم- خرافة النداهة. وكان ثمرة تلك المحاولة كتاب ليتمان الذي نشره في أصله العربي مع ترجمة دقيقة إلى اللغة الألمانية، وقدم لها بعض الملاحظات المهمة. أما الكتاب السادس فهو من تأليف العالمين الألمانيين رودلف كريس وهوبرت كريس- هينريش، ويحمل عنوانًا فضفاضًا بعض الشىء وهو «المعتقدات الشعبية في العالم الإسلامي»، وقد صدر في مجلدين أولهما عام 1960، ويدور حول «الأضرحة وتقديس الأولياء»، وصدر المجلد الثاني عام 1962 ويدور حول السحر والتمائم والزار. وقد تناولت علياء شكري في هذا الكتاب الجزء المتصل بالأولياء في مصر، حيث أشارت إلى المفاهيم والأسس العامة لتكريم الأولياء، وتكريم الأولياء في مصر، ثم كشفت عن الملاحظات المنهجية والموضوعية بالكتاب.

وتناولت علياء شكري في الكتاب السابع الدراسة التي أعدها محمد الجوهري عن «استخدام أسماء الله في السحر في المؤلفات المنسوبة للبوني»، والتي تقدم بها لنيل درجة دكتوراة الفلسفة من جامعة بون بألمانيا الغربية عام 1966، وقدمت هذه الرسالة باللغة الألمانية، وطبعت في كتاب في بون عام 1968. تناولت المؤلفة رسالة الجوهري من خلال استعراض الدراسات السابقة وهدف البحث، ثم عرضت للفصل التمهيدي الذي ناقش أهمية الأسماء بصفة عامة والأسماء الإلهية خاصة في السحر، ثم شخصية البوني، والفرق بين السحر الشعبي والسحر الرسمي. ثم استطردت في عرض أبواب الدراسة بداية من الباب الأول الذي تناول تواتر الأسماء الإلهية والعلوم السحرية، وشروط الاستخدام السحري للأسماء، وأهداف الممارسة السحرية، ثم الباب الثاني الذي تناول موضوع «الاسم الأعظم»، ثم الباب الثالث «الأسماء الحسنى التسعة والتسعون»، وأخيرًا ملاحق الكتاب. أما الكتاب الأخير في مؤلف علياء الشكري فكان رسالة علياء شكري نفسها والتي حصلت فيها على درجة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة بون عام 1968 بعنوان «الثبات والتغير في عادات الموت في مصر منذ العصر المملوكي حتى العصر الحديث». وهي الرسالة التي عرضنا لها في بداية هذا المقال.

ويلاحظ أن المؤلفة قد ركزت في معظم اختياراتها على الدراسات الألمانية أو التي صدرت بالألمانية، إذ نجد خمس دراسات من بين الدراسات المعروضة لمؤلفين ألمان أو كتبت باللغة الألمانية، وهي دراسات: ليتمان- فينكلر- رودلف كريس وهوبرت كريس- محمد الجوهري- علياء شكري. وقد حرصت المؤلفة في عرضها لكل كتاب أن تركز قدر الإمكان على الجوانب المنهجية والخبرات العلمية التي خرج بها المؤلف من دراسة المجتمع المصري، دون أن تغفل إلقاء الضوء الكافي على محتويات الكتاب، حتى أن بعض الفصول الواردة في الكتاب قد تغني عن قراءة المؤلف الأصلي. فضلاً عن أن منهجية عرض الكتب تأسست على تجاوز المؤلفة حدود الكتاب أو الدراسة التي تناولتها لتقدم إطارًا عامًا أو خطة عامة لمعالجة الموضوع نفسه، إذ يحاول النقد أن يخرج من حدود العمل الواحد الذي تعرض له، لتعلم بأطراف الموضوع، وتقدم معالم الإطار الذي تتصوره المؤلفة مناسبًا للمعالجة الأصولية للموضوع الذي يغطيه هذا الكتاب أو الدراسة. وهذا يعطي كتاب «التراث الشعبي المصري في المكتبة الأوروبية» وزنًا أكبر من كونه مجرد محاولة للتعريف ببعض المؤلفات أو التنبيه إلى أهميتها- وإن كانت تلك بالطبع مهمة بديهية من مهام هذا الكتاب- بحيث يسهم في تطوير أسلوب ملائم لمعالجة الموضوعات التي تصدت لها تلك الكتب والدراسات التي تتناولها بين دفتي هذا الكتاب المهم.

دراسة مهمة حول فقراء المدينة:

قدمت علياء شكري بالاشتراك مع سعاد عثمان وأمال عبد الحميد دراسة مهمة بعنوان «الحياة اليومية لفقراء المدينة: دراسات اجتماعية واقعية» صدرت طبعتها الأولى بالإسكندرية عن دار المعرفة الجامعية عام 1995، كما صدرت في طبعة جديدة عام 2017. والكتاب يقع في 316 ص. وتشير المؤلفة إلى أن الكتاب يحتوي أربعة فصول، يقدم أولها بلمحة عامة عن ميدان الأنثروبولوجيا وفروعها. ويمثل الثاني لب الكتاب بعنوان: الفقر وميكانيزمات التكيف. رؤية أنثروبولوجية اجتماعية للواقع المصري في الثمانينات (يشغل حوالي نصف الكتاب). ويسعى هذا البحث -الذى أجري بتكليف من منتدى العالم الثالث، مكتب الشرق الأوسط ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف)، مصر، نوفمبر، 1993 -يسعى البحث إلى إعطاء صورة عن واقع الفقراء المصريين في الثمانينيات من القرن العشرين في ظل سياسات الإصلاح الاقتصادى، وكيفية تمرس الفقراء في ظل الظروف الاقتصادية المتدنية على حل مشكلات إشباع حاجاتهم الأساسية من مأوى ومأكل وملبس. وكيف يفعلون ذلك من خلال البحث عن بدائل ثقافية من أجل التكيف مع ظروف واقعهم وفقاً لما تقدمه المادة الموثوق بها في الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية إلى جانب دراسات الخدمة الاجتماعية،  نظراً لأن الفقر يُعد من المكونات الأساسية للبناء الطبقي المصري، والذي تعايشت معه الثقافة المصرية بتراثها الشعبي العريق.

وينقسم تقرير هذا البحث إلى أربعة أقسام ثم قسم خامس يركز على بعض القضايا الأساسية التي برزت من خلال الدراسة، وهي: مقدمة نظرية وملاحظات منهجية، وعرض للدراسة الإيكولوجية لمناطق سكنى الفقراء ومورفولوجية المسكن (الواقع المعاش وديناميات التكيف)، وديناميات التكيف مع الدخل وبنود الإنفاق على: السكن والطعام والكساء والصحة والتعليم والترفيه. والتكيف مع واقع الفقر على مستوى الفرد والجماعة الأولية والمجتمع المحلي. أما القضايا التي يغطيها القسم الخامس فتشمل: شكل الأسرة (نووية أو ممتدة) كميكانيزم للتكيف، والمرأة في الأسرة الفقيرة، الواقع والتكيف، والثقافة كميكانيزم للتكيف بين متصل الامتثال والانحراف. وينتهي التقرير بعرض لأهم النتائج والاستخلاصات. ويقدم الفصل الثالث دراسة للضبط الاجتماعي غير الرسمي في الحي الشعبي يتناول موضوعات ميكانيزمات ضبط الجيرة (الضبط الداخلي والخارجي)، وميكانيزمات ضبط المجتمع المحلي، والضبط في أماكن التجمعات، والضبط في المناسبات. ويعرض الفصل الأخير الإطار الاجتماعي والثقافي للصحة والمرض، دراسة أنثروبولوجية لعينة من الأطفال المرضى بالجفاف في مدينة القاهرة. فتستعرض خصائص العينة، ومجتمع البحث، وبعض ملامح الحياة، اليومية كإطار للأوضاع الصحية، ونظام التغذية، وسلوك الأم نحو المرض، ومجرى العلاج، وأخيرًا أهم النتائج والاستخلاصات.

علم الاجتماع الريفي وعلم الاجتماع العائلي:

اهتمت علياء شكري في بحوثها الاجتماعية برصد الكثير من الظواهر الفولكلورية من منظور علم الاجتماع، وحرصت على مشاركة تلاميذها في البحث من خلال هذا المنظور، وفي هذا الإطار صدرت مجموعة من الكتب حول علم الاجتماع الريفي، تؤكد تواريخ الإصدار اهتمام علياء شكري بهذا المنظور منذ أكثر من أربعة عقود، منها: كتاب علم الاجتماع الريفي والحضري (بالاشتراك)، الذي صدر عن دار المعارف عام 1980، وصدرت طبعة أخرى عام 2005. كما صدر عام 2002 الطبعة الأولى من كتاب «علم الاجتماع الريفي: دراسات نظرية وبحوث ميدانية شارك فيه مع علياء شكري كل من: أحمد مجدي حجازي وعالية حبيب، وهذا الكتاب احتوى على مجموعة مهمة من الدراسات العربية والمترجمة، والذي يكشف عن مسايرة البحث العلمي المصري للاتجاهات العالمية خاصة في مجال الدراسات الميدانية. واشتملت الدراسات النظرية لمجموعة من الأبحاث جاءت على النحو التالي: علم الاجتماع الريفي- علم الاجتماع الريفي ومشكلات القرية- قضايا أساسية في علم الاجتماع الريفي- الفروق الريفية الحضرية- الأسرة القروية. أما الدراسات التطبيقية فقد حملت عناوين: دراسة البناء الطبقي في القرية المصرية- الريف المصري بين الاقتصاد المستقل والاقتصاد التابع- نحو تفسير السلوك السياسي لفلاحي العالم الثالث في ضوء نظرية التبعية، مع إشارة خاصة للمجتمع المصري- متغيرات اجتماعية ثقافية في تشكيل العلاقة الإيجارية في الأرض الزراعية- دور مراكز الشباب في شغل أوقات الفراغ في القرية المصرية- الأبعاد الاقتصادية لنظام اليوم الدراسي الكامل في الريف المصري. وعند اطلاعنا على هذه الدراسات الاجتماعية سنلمح الكثير من المداخل المتعلقة بالتراث الشعبي وعلم الاجتماع، في مقدمتها بحث مفهوم العادات والتقاليد في المجتمع والفرق بينهما خاصة ما يتعلق بالأسرة والاحتفالات الشعبية. وكذا الفروق الحضرية الريفية، وتناقل التراث الثقافي المادي وغير المادي، ومظاهر التغير في الكثير من العادات والتقاليد خاصة ما يرتبط بالفلاح المصري، والعادات اليومية. كما قدم الكتاب نتائج بحثية مهمة وتوقعات مستقبلية مرتبطة بالقرية المصرية. كما ساهمت علياء شكري في هذا الإطار ببحث موضوع الأسرة الذي يعد واحدا من أهم مشاريع علياء شكري العلمية، والذي انعكس في مجموعة من الكتب والأبحاث المنشورة منها:

    -    الأسرة والطفولة: دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1994.

    -    الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 2012.

    -    الطفل والتنشئة الاجتماعية (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2005.

    -    دراسات في علم الاجتماع العائلي (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1989، وقد أعيد طبعه عام 2012.

ونعرض هنا للكتاب الأخير كنموذج لهذا المشروع وهو كتاب «دراسات في علم الاجتماع العائلي» الذي أشارت فيه إلى اهتمامها بقضية علاقة الأشكال الأسرية الكبيرة بالأشكال الأسرية الأصغر، أو علاقة الأسرة الممتدة بالأسرة النووية، وقد تحول هذا الاهتمام في البحث عن إطار مرجعي جديد لدراسات الأسرة، تحول إلى برنامج عملي شمل مجموعة من تلاميذها ممن اجتهدوا في إبداع أعمال بحثية علمية في رسائل تقدموا بها لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراة في علم الاجتماع. وفي هذا الإطار صدر كتاب «دراسات في علم الاجتماع العائلي» الذي صدر عن دار المعرفة الجامعية عام 1989، وشارك فيه مجموعة من تلامذتها- الذين أصبحوا الآن نجومًا في عالم البحث الاجتماعي والفولكلوري- وهم: حسن الخولي- وسعاد عثمان، ونجوى عبد الحميد، وفوزي عبد الرحمن، ويمثلون جميعًا كتيبة البحث العلمي بكلية البنات جامعة عين شمس الذين أشرفت عليهم في مرحلتي الماجستير والدكتوراة. والكتاب يستعرض جانبًا من بعض البحوث التي احتوتها بعض هذه الرسائل الجامعية، فضلاً عن تقارير بحثية أخرى. ويشمل الكتاب الموضوعات التالية: بعض أشكال الأسرة الممتدة في الحضر- بعض ملامح التغير في شكل الأسرة الممتدة في الريف المصري- التصنيع والقيم الأسرية- نظام القرابة عند بعض الجماعات السكانية المتميزة في منطقة أسوان- دراسة أنثروبولوجية لأنماط العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي في مجتمع محلي حضري- العلاقات داخل الأسرة في مجتمع محلي حضري- الآثار الاجتماعية والسلبية لهجرة الأزواج في الأسرة الريفية- حول مشكلات الأسرة في المجتمع العربي المعاصر. وتستعرض هذه الدراسات تجارب الباحثين في بحوثهم الميدانية والإجراءات المنهجبة المتبعة، واساليب الجمع الميداني، وهي جميعًا من الموضوعات التي يهتم بها علم الفولكلور. كما تناولت عناصر أخرى مرتبطة خاصة بعادات الزواج قبل وبعد الزواج، وآداب السلوك، والعادات المرتبطة بتربية الأطفال، والعلاقة بين الصغير والكبير، والمهن والحرف الشعبية، والحياة اليومية، وعلاقات الجيرة، والقضاء العرفي، والعادات المرتبطة بالمسكن التقليدي. وجميعها موضوعات ذات علاقة مشتركة بين علم الاجتماع وعلم الفولكلور، وهو ما يفسر لنا اهتمام هذا الفريق العلمي في أبحاثهم فيما بعد بالكثير من القضايا العلمية في علم الفولكلور.

الاتجاه التكنولوجي في بحث الظواهر الفولكلورية:

اهتمت علياء شكري في فترة مبكرة بربط بحوث التراث الشعبي بالتقنيات الحديثة، خاصة في مجال توثيق العناصر الفولكلورية، وقد بدأ اهتمامها من مركز دراسات الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، في محاولة لتأكيد هذا الاتجاه، وتطبيقه على المادة الموجودة بأرشيف المركز. ومن ثم فقد قامت بالإشراف على مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه، التي وظفت استخدام التقنيات الحديثة من حيث تسجيل وحفظ عناصر الظاهرة بالصوت والصورة والحركة (الوسائط المتعددة) حتى تُواكب الحركة البحثية التطور التكنولوجى التقنى بما يُفيد في حفظ المادة الميدانية وإعادة عرضها إليكترونيًا. ولعل أهم الدراسات التي أشرفت عليها في هذا الاتجاه أطروحة الدكتوراة التي أعدها مصطفي جاد عام 1999 بعنوان «أرشفة المادة الفولكلورية باستخدام الحاسب الآلى: دراسة تطبيقية على بعض العناصر الشعبية بواحة سيوة» بالمعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، وهي نتاج إشراف مشترك مصري- فرنسي بإشراف عالم الإتنولوجيا الفرنسي جان بابتيست مارتان، وفتحي صالح أستاذ الحاسبات بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، والذي كان طوال فترة وجود الدارس بالخارج مستشارًا ثقافيًا لمصر، ثم سفيرًا لمصر لدى اليونسكو بباريس، فاستطاع أن يسهم بفاعلية في توجيه مسيرة البحث، وفيها تحقق للباحث تدريب في جامعة بواتييه في إطار معهد متخصص في دراسة الوسائل السمعية والبصرية، وفي متحف التقاليد الشعبية في باريس. وتتابعت جهود شكري في دعم الاتجاه التقني في بحث المادة الفولكلورية، حيث أشرفت وناقشت أطروحة الدكتوراة للباحث وائل إسماعيل عام 2001 بعنوان «الأبعاد الاجتماعية لتكنولوجيا المعلومات: دراسة مستقبلية في المجتمع المصري، (إشراف مشترك مع جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية)، بكلية البنات جامعة عين شمس، وأطروحة الدكتوراة 2002 ليسري رياض حول توظيف الوظائف المتعددة في توثيق فنون الرقص الشعبي بالمعهد العالي للفنون الشعبية، ثم في عام 2003 أطروحة محمد السعيد بعنوان «توظيف الكمبيوتر متعدد الوسائط لحفظ وعرض بعض عناصر الثقافة المادية: دراسة ميدانية في إحدى قرى الدقهلية، بكلية البنات جامعة عين شمس، ثم أطروحة الماجستير عام 2003 لعنان محمد بعنوان «ملامح التغير في الحرف التقليدية بمنطقة خان الخليلي بالقاهرة: محاولة منهجية في حفظ وعرض المادة الميدانية، بكلية البنات جامعة عين شمس، وفي الكلية نفسها عام 2018 أشرفت وناقشت أطروحة الماجستير لمنى عدلي عام 2018  بعنوان «فرقة البرامكة للفنون الشعبية: دراسة في الأنثروبولوجيا البصرية». وقد واكب تأسيس شكري لهذا الاتجاه اهتمامها بمراجعة وتقديم كتاب «السينما الإثنوجرافيا: سينما الغد» لجان بول كولين، وكاترين دو كليبل، ترجمة غراء مهنا، الذي صدر عام 2002 عن الهيئة العامة للكتاب، حيث أشارت لبعض هذه التجارب بداية من تجربتها الشخصية في الاهتمام بالفيلم الإثنوجرافي والتصوير الفوتوغرافي أثناء بعثتها لدراسة الفولكلور في ألمانيا، مرورًا بالحديث عن منهج الأنثروبولوجيا البصرية والفيلم الإثنوجرافي ومشكلاته ثم الإطار المؤسسي، إلى أن حققت هذا الاتجاه كمنهج علمي متميز في أكاديمية الفنون وكلية البنات على النحو الذي شرحناه. ويتناول كتاب السينما الإثنوجرافية بعض الدراسات المهمة لبعض المتخصصين في المجال الإثنوجرافي، حمل فصوله عناوين رئيسية مثل: أساس المشكلة (الأنثروبولوجيا والتصوير المرئي)- تليفزيون أو لا تليفزيون- مدارس ومؤسسات- مسألة الأساليب- شهادات وتجارب للفيلم الإثنوجرافي.

البحوث الاجتماعية وقضايا الصحة والمرض:

ساهمت علياء شكري أيضًا بمجموعة مميزة من الدراسات العلمية التي تتميز أيضًا بالجهد الجماعي سواء مع زملائها أو تلامذتها، كما تتميز أيضًا بالاهتمام بحركة علم الاجتماع في العالم، من خلال مشاركتها في الكثير من الأعمال المترجمة، من هذه الدراسات: 

    -    الصحة والبيئة، مهداة إلى روح أ. د. نبيل صبحي (بالاشتراك)، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2001.

    -    الصحة والمرض وجهة نظر علم الاجتماع والانثروبولوجيا ( بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2004.

    -    دراسات في علم الاجتماع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1989.

    -    بحوث في الأنثروبولوجيا العربية، مهداه إلى أ.د. أحمد أبو زيد (بالاشتراك)، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2002.

    -    مقدمة في الانثروبولوجيا الاجتماعية (بالاشتراك)، مطبعة العمرانية للأوفسيت، القاهرة، 2002.

    -    دراسات مصرية في علم الاجتماع، مهداه الى روح أ.د.حسن الساعاتي، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة،2002. 

    -    دراسات في علم الاجتماع، مهداة الي روح أ.د.مصطفي الخشاب (بالاشتراك ) مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة،2003.

    -    البيئة والمجتمع دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية لقضايا البيئة والمجتمع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2012.

    -    علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية (بالاشتراك)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2015.

    -    علم الاجتماع الفرنسي المعاصر الطبعة الثانية، دار الكتاب للتوزيع، القاهرة، 2017.

    -    مجالات الرعاية الاجتماعية، قضايا نظرية وبحوث ميدانية (بالاشتراك)، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، الطبعة الأولى، 2018.

أما الأعمال المترجمة في علم الاجتماع فقد تميزت بالتنوع ما بين التعريف بالعلم، ورواد علم الاجتماع في العالم، فضلاً عن المشاركة في العمل الموسوعي، ومن هذه الأعمال:

الصفوة والمجتمع تاليف بوتومور ( بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة، 1978.

    -    مقدمة في علم الاجتماع تاليف بوتومور (بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة، 1979.

    -    تمهيد في علم الاجتماع تاليف بوتومور (بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة،198 1.

    -    علم الاجتماع تأليف جونسون ( بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة.

    -    الطبقات في المجتمع الحديث (بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة، 1981.

    -    دراسة علم الاجتماع (بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة، 1981.

    -    التغير الاجتماعي (بالاشتراك)، دار المعارف، القاهرة، 1982.

    -    موسوعة علم الانسان تاليف شارلوت سيمورسميث (بالاشتراك)، المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة، 1998. 

البحوث الطلابية وأخلاقيات البحث العلمي:

ارتبطت ريادة علياء شكري بمحورين رئيسيين من وجهة نظرنا، الأول الوقوف بجانب تلامذتها والدفع بهم للتقدم دومًا خطوات أوسع وأكثر تقدمًا في مجال العمل الميداني والبحث عن القضايا الجديدة والتي لم يتطرق لها آخرون، أما المحور الثاني فقد ارتبط دومُا بتأكيدها في عشرات الدراسات التي قامت بها أو أشرفت عليها على مفهوم «أخلاقيات البحث العلمي». ونعرض هنا لدراستين يعكسان ملخص هذه الريادة، الدراسة الأولى نشرت في طبعة عام 1990 من كتاب دراسات في علم الفولكلور، مقالاً مهمًا بعنوان «البحـوث الطـلابية كـأداة لجمـع التراث الشعبي» 1990. اهتمت فيه بالتأكيد على أهمية جمع التراث الشعبي باعتباره أساساً للدراسة العلمية لهذا التراث. ثم عرضت لملامح طريقة البحوث الطلابية، موضحة أن برامج الدراسة في أقسام الاجتماع والأنثروبولوجيا بكل الجامعات تتيح فرصة تكليف الطالب بإجراء بحث أو دراسة على امتداد الفصل الدراسي، وأنه تمت الاستفادة من الإطار القائم لتنفيذ هذه التجربة دون اللجوء إلى عملية تعديل للبرامج الدراسية. وتبدأ هذه الطريقة باختيار الطالب - بمعاونة أستاذه- للمجتمع المحلي الذى سيجمع منه مادته. ثم يعرض موضوعـات الدراسة باستعراض التقسيم الرباعي للتراث، ويتضمن هذا العرض شرح رؤوس موضوعات الدراسة، ويختار الطالب من بينها الموضـوع الذى سيهتم به. ويقدم العناصر الفرعية والجزئيات التي ينبغى أن يجمع عنها الطالب معلومات نظرية جاهزة. ثم يلي ذلك إتاحة فرصة للطالب ليتمكن من النزول إلى قريته، أو التشاور مع أهله، واختيار إخبارييه، وقراءة أسئلة الدليل عن الموضوع الذى سيدرسه. ثم تعرض علياء شكري للتجارب السابقة باستخدام هذه الطريقة، فتشير إلى أن البدايات الأولى لتجارب هذه الطريقة ترجع إلى العام الجامعى 1968/1969، وطبقت خلال هذه الفترة على موضوعات العادات والتقاليد الشعبية، وكافة موضوعات المعتقدات والمعارف الشعبية. ثم تناقش الجوانب الإيجابية لهذه الطريقة، حيث تتيح فرصة من خلال المواجهة بين الأستاذ والطالب لاستثارة الحماس للبذل والعطاء وارتفاع مستوى الجمع، فضلاً عن تميزها بالجانب التعليمي، وغير ذلك من المزايا التربوية أو التعليمية أو الوطنية والعـامة. ويتوقف المقال بعد ذلك عند الصعوبات والمشكلات التي تقف أمام هـذه الطريقة، مثل تفاوت قدرات ومواهب وميول الطلاب، واستشعار بعض الطلاب نفوراً أو حياء من الكلام عن مجتمعاتهم المحلية أو عن أسرهم، ومقاومة المجتمع المحلي، وانعكاس موقع الطالب الطبقي وعلاقات أسرته على ممارسته العملية، وإقحام الطلاب لتفسيراتهم الشخصية عن المادة الميدانية التي يعرضونها، فضلاً عن مشكلات فنية أخرى. ويختتم المقال بنظرة لمستقبل هذه الطريقة، فيلفت الانتباه إلى أنها يمكن أن تخضع لتطوير كبير وأن تستغل في تحقيق مهام لم تطبق فيها بعد، كما يمكن توظيف جموع الطلاب في القيام بعملية تصـنيف المـادة الميدانية التي تراكمت من المشروعات السابقة، وفهرستها وإتاحتها لاستخـدام الباحثين. مع ضرورة توسيع استخدام هذه الطريقة بحيث تؤدي دوراً أوضح في جمع الأنواع الأدبية الشعبية المختلفة.

أما الدراسة الثانية فقد نشرت في الكتاب نفسه بعنوان «أخلاقيات البحث العلمي في مجال التراث الشعبي قضية وطنية»، وقد أكدت علياء شكري في بداية هذا المقال على الأهمية الخاصة للاتفاق على طائفة من القواعد الأخلاقية التي يجب أن يراعيها المشتغلون بجمع وتسجيل ودراسة التراث الشعبي. حيث لاحظت في البداية أن العلوم الإنسانية تتفق حول طائفة كبيرة من القضايا والأحكام الأخلاقية المتعلقة بأدائها لبحوثها ونشرها لنتائج تلك البحوث، ولكنه من الطبيعي أن ينفرد كل علم من هذه العلوم بعد هذه الأرضية المشتركة ببعض القواعد التي يفرض على المشتغلين به اتباعها أو مـراعاتها والالتزام الدقيق بها. ويقف علم الفولكلور أو علم دراسة التراث الشعبي، موقفاً متميزاً بين هذه العلوم من وجهة الضوابط الأخلاقية التي يتعين أن يلتزم بها الباحثون فيه، سواء كانوا جامعين للمادة أو دارسين لمادة قام غيرهم بجمعها. وهذا الموقف المتميز راجع إلى الظروف التاريخية التي نشأ فيها علم الفولكلور، كما أنه راجع إلى طبيعة المادة التي يتعامل فيها باحثوه. فعلم الفولكلور نشأ نشأة رومانسية، في ظل ازدهار ونمو المشاعر القومية، واستخـدم مـن جانب بعض الباحثين أداة لإحياء الماضي، أو لتأكيد الهوية الوطنية، أو للتربية الاجتماعية للشعب؛ أى لبذر سلوكيات ومفاهيم وقيم معينة بين القاعدة الأعرض من أبناء شعب معين، باعتبارها إرثاً مشتركاً لكل هذا الشعب، وهو قول ربما كان صادقاً في قليل من الحالات، ولكنه كان مصطنعاً وفاسداً في الغالب الأعم من تلك الحالات. فوظيفة الإحياء وبعث التراث وضمان استمراره محفوظاً في صدور الناس، وظاهراً في سلوكهم وأعمالهم: طعامهم، وأزيائهم، واحتفالاتهم، وأغانيهم…إلخ هو موقف سياسي وتعبير عن توجه إيديولوجى، وليس مجرد نتيجة تلقائية أو ثمرة طبيعية لبحث علمي. وهو موقف قد يكون شوفينياً متعصباً، وقد يكون ثورياً غاضباً، وقـد يكون رومانسياً ساذجاً، وقد يكون مزيجاً من كل هذا، ولكنه موقف فكري على أية حال يستحق الانتبـاه والفحص والنقد مـن جانب كل مشتغل بتطبيق القواعد الأخلاقية في البحث الاجتماعي العلمي.

أما عن مادة علم الفولكلور، فهي الأخرى تفرض على الباحث أبعادًا أخلاقية خاصة، يتعين عليه الالتزام بها ومراعاتها. فمواد التراث الشعبي أو عناصره هي نتاج حضاري لثقافة معينة، يحمل بصمات الأجيال المتعاقبة التي شاركت في إنتاجه (أو صنعه) وفي تناقله (أو استخدامه)، ولم يكن يمثل بالنسبة لها مجرد مفردات مادية أو أشياء، ولكنه ينطوي على وجـود مادي بنفس القدر الذى ينطوي فيه على دلالات اعتقادية وقيم روحية. وترى علياء شكري أن الخطأ- الراجع إلى القصور العلمي، أو التقصير الإنساني، أو سوء النية- في تناول هذا التراث يُعد تقصيراً في أداء واجب علمي ذي طبيعة وطنية. فدارس الفولكلور الذي يتعامل مع الثقافة لا يختلف من هذه الوجهة كثيراً عن الطبيب الذي يتعامل مع أرواح البشر- من خلال معالجة أعضائهم- كلاهما يلتزم بقواعد العلم وأصول المهنة، ولكنه يجب عند التطبيق أن يراعي كلاهما قدرًا مهمًا من القواعد الأخلاقية والأبعاد المعنوية، التي إن اهتزت أو ضعفت، ضاعت معها روح معينة أو تهددها خطر جسيم. ثم تسعى علياء شكري في دراستها إلى التأكيد على أن أزمة البحث الفولكلوري هي جزء من أزمة عامة فتقول: هناك بالتأكيد ملابسات وأوضاع تدعونا إلى دق ناقوس الخطر، وإثارة المشكلة الأخلاقية في البحث الفولكلوري: تأتي في مقدمتها أزمة الفكر المصري المعاصر (في الثمانينيات وفي التسعينيات)، ومحنة الإيديولوجيا التي أصابت العالم كله وبلغنا بعض رذاذها، وانفلات تكنولوجيا الاتصال الجماهيري التي كادت تخرج الآن من سيطرة صانعها: الإنسان، وذلك باعتبار أن تلك الوسائل مستهلك وعاكس وناشر للكثير من مواد هذا التراث. فهي تعيد إنتاجه، وتوصله إلى عقول بشر لم يكن يصل إليهم، وقد يساهم في إزاحة عناصر موروثة من مكانها، وقد يعمل على تشويه ذلك الموروث…إلخ. إن الموقف الماثل أمامنا يؤكد سيطرة قيم واعتبارات مادية طاحنة، لا بد أن تحدث أثرها في تدمير عناصر روحية شديدة الحساسية، أو على الأقل تهديدها. وقد بلغ من حدة الأزمة أن أصبح التزام القـواعد الأخلاقية في العمل الفولكلوري (بحثاً، ودراسة، وانتاجاً) أمراً يرجع إلى الضمير الفردي ويتم في حدود الاجتهاد الشخصي، وبمعنى آخر أصبح «رسالة صاحبه». ومن هنا تأكيدنا أن هـذه الأزمة من شأنها أن تعوق مسيرة التطور العلمي لهذا الفرع من فروع العلوم الاجتماعية وتحول بينه وبين مواكبة النظريات والمنهج والتقنيات الحديثة. فالرأي الذي تصدر عنه هذه الدراسة أن الذي يحمل بأمانة مسؤولية الدراسة الجادة،  ويهتم بمتابعة الجديد هو ذلك الذي يدرك جيداً مسئوليته الأخلاقية وواجباته الوطنية. وتتابع علياء شكري فقرات الدراسة، فتوضح الفقرة التالية أهمية تحديث أدوات العمل الميداني، ومشكلة مفهوم «النقل الأمين للتراث» وقضية التحقق الميداني السليم، وأهمية الحفاظ على سياق الظاهرة، ومخاطر التعميم، والعلاقة بين التراث الشعبي والطابع القومي، وإنسانية الباحث في علم الفولكلور، ومشكلة أو أزمة ازدواج الدور: الباحث والمصلح ؟، ومشكلة الحفاظ على الهوية الثقافية، وخطورة التسجيل المصطنع بعيداً عن الظروف الواقعية. كما تناقش في فقرة تالية التساؤل: هل يصح أن يستأثر الباحث بما يجمعه ويحرم المجتمع منه؟ وتختتم بمناقشة مفهوم «فولكلور العدو» والمشكلات المرتبطة به علمياً وأخلاقياً في نفس الوقت.

ريادة علياء شكري لا نستطيع أن نحددها في مسار أكاديمي واحد.. ريادة علياء شكري احتوت القضايا المحورية في تأسيس علم الفولكلور.. واحتوت قضايا الجمع الميداني.. واحتوت قضايا المجتمع التي لازالت على مائدة البحث حتى الآن.. بحثت علياء شكري أهم قضايا العلم بين الفولكلور والأنثروبلوجيا وعلم الاجتماع.. ريادة علياء شكري تمحورت قبل كل ذلك في التأكيد على مفهوم أخلاقيات العلم والضمير الإنساني..

 

 

 الصور:

من الكاتبة.

 

أعداد المجلة