فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

إسهام موسوعات التراث الشعبي العربي في دعم الثقافة العربية وترسيخ الوحدة بين شعوبها

العدد 61 - التصدير
إسهام موسوعات التراث الشعبي العربي في دعم الثقافة العربية  وترسيخ الوحدة بين شعوبها
كاتب من مصر

 

التراث الشعبي لأي مجتمع هو الأقدر على تصوير ملامح ذلك المجتمع اجتماعيا وثقافيا، وهو في نفس الوقت إسهام في فهم حركة المجتمع على امتداد التاريخ من خلال رصد ما يعتوره من تغيرات في شتى مناحي حياته، السلبي منها والإيجابي منها على السواء. 

ولما كنا كدارسين  للتراث نؤمن بأن إصدار أي أحكام ذات وزن علمي لا يمكن أن يتحقق إلا بالاطلاع على مفردات هذا التراث  بحيث يتسنى من خلالها استخلاص ملامحه الرئيسية ودورة حياته في الواقع؛ لذلك يؤمن كل دارس منصف للتراث أن نشر موسوعات تضم مختلف عناصره إنما يمثل الأساس الصحيح  لفهمه في نشأته وفي حركته عبر التاريخ. 

    وقد عرف تاريخ علم الفولكلور في الغرب، وكذلك في الوطن العربي شتى أنواع الأعمال الموسوعية التى اجتهدت في رصد التراث الشعبي في مجتمعاتها من: أدب، وموسيقى، وفنون تشكيلية شعبية، وأدوات مادية لتيسير شتى مناحي الحياة... إلخ. 

وانطلاقا من هذه النظرة إلى موسوعات التراث كسجل لشتى مفرداته في كافة مناحي الحياة حرص كاتب هذه السطور ونفر من زملائه على إعداد موسوعة للتراث الشعبي العربي على أمل أن تكون بمثابة نموذج وحافز في نفس الوقت لمثقفي كل بلد من وطننا العربي للإسهام بدور في إعداد موسوعة للتراث الشعبي في بلدهم. 

ولا يساورني أدنى شك في أن وجود مثل هذه الموسوعات في شتى ربوع وطننا العربي سوف يؤدي حتما إلى التقريب بين أبناء هذه الأمة العريقة، ورفع مستوى الوعي بالانتماء إلى أمة واحدة تعيش في بلاد متعددة، ولكنها متجانسة ولا أقول متوحدة. ومع اضطراد حركة البحث العلمي في الثقافة الشعبية ستكون هذه الموسوعات نواة صلبة لإنشاء موسوعة تراث شعبي عربي شاملة. 

وقد قدرت أن خير مدخل لتلك الدعوة تقديم عرض موجز لموسوعة (مصرية) للتراث الشعبي العربي تم إعدادها بمشاركة كاتب هذه السطور: وقد جاء هذا العمل ثمرة لجهد جماعي شارك فيه نخبة من الباحثين المتخصصين في دراسة التراث الشعبي العربي على امتداد خمسة أعوام. وقد أثمرت تلك الجهود المخلصة حوالي خمسة آلاف صفحة تعالج ما يناهز ثلاثة آلاف مادة (أو مدخل من مداخل الموسوعة).

وقد بدأ العمل الجاد في الموسوعة باتفاق مجموعة من المهتمين بعلم الفولكلور وتطوير البحث فيه على استكمال الأدوات العلمية التي يمكن أن تعين كل دارس أو مهتم برعاية تراث بلده والحرص على جمعه ودراسته. وتكونت منهم «لجنة موسوعة الفولكلور العربي» كانت تجتمع بصفة دورية (مرة كل شهر على الأقل)، يقترح أعضاؤها المواد التى يرون تضمينها، ويتبادلون الرأي في جدوي ذلك، ويقررون في النهاية ما تتوافق حوله آراء أغلبية المشاركين. 

وبعد وضع قائمة أولية بالمواد المقترحة يتم بالطبع إسناد كل مادة أو أكثر إلى متخصص. وبعد ورود المادة المكتوبة يتولى كاتب هذه السطور مراجعتها، وإعدادها للنشر بالصورة المتفق عليها في وثيقة إعداد الموسوعة. وباستمرار عمل هذه اللجنة تستجد مقترحات بمواد جديدة، ويتم الاستعانة بالمزيد والمزيد من الخبراء المتخصصين. وتبقى مهمة اللجنة المحورية – التي استمرت طوال تلك الأعوام – هي متابعة العمل، من مراجعة، ونسخ، واستكمال...إلخ. 

بعد الانتهاء من ترتيب مواد الموسوعة وكتابة النص النهائي تم إعداد برنامج إدارة قواعد بيانات خاصة بالموسوعة. وأدخل على هذا البرنامج كافة مواد الموسوعة للمساعدة في البحث عن أى مادة، أو البحث عن مواد أي من المؤلفين، وكذلك تحديد المواد المستمدة من أي مصدر تم استخدامه في العمل كله. هذا فضلا عن إمكانية البحث بالكلمة، مثل كلمة «طقس» أو «عمل ميداني»...إلخ. بحيث تستدعي كافة المواقع التي وردت فيها الكلمة داخل الموسوعة.

وقد تشكلت لجنة موسوعة التراث الشعبي من واحد وعشرين أستاذا وباحثا ينتمون إلى المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة، وقسم الاجتماع بكلية بنات عين شمس، وكلية آداب القاهرة، وجامعة حلوان. 

وقد ضمت اللجنة بعض المصادر والأعمال المنشورة عن هذا الميدان أو ذاك من ميادين علم الفولكلور، سواء في مصر، أو العراق، أو لبنان... إلخ. من البلاد العربية، أو عن سواها من بلاد العالم، وبعضها مكتوب بأقلام باحثين أجلاء، ومنها ما يحتوي على مادة ميدانية أصيلة، أو آراء وتوجهات نظرية ومنهجية فائقة القيمة.  

وسيلاحظ القارى أن مواد الموسوعة تتفاوت من حيث الحجم، ولكنها تجتهد جميعا أن تحيل قارئ كل مادة إلى المزيد من المراجع. وكما تتفاوت المواد في الحجم، كذلك تتفاوت في مدى تغطياتها للبلاد العربية المختلفة. فهناك بلاد عربية حظيت بتغطية أكثر من سواها: كمصر، والعراق، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، و بعض بلاد الخليج العربي... إلخ. ولا يرجع تفاوت التغطية إلا إلى عامل واحد ووحيد هو حجم المادة الفولكلورية المنشورة عن كل بلد، وليس إلى أي اعتبار آخر. 

وقد صدرت الموسوعة في ستة كتب تغطي مختلف أقسام الدراسة في علم الفولكلور، وذلك على النحو التالي: 

    -    الجزء الأول: علم الفولكلور: المفاهيم والنظريات والمناهج.

    -    الجزء الثاني: العادات والتقاليد الشعبية. 

    -    الجزء الثالث: الفنون الشعبية.

    -    الجزء الرابع: الأدب الشعبي. 

    -    الجزء الخامس: المعتقدات والمعارف الشعبية. 

    -    الجزء السادس: الثقافة المادية.  

وبفضل الله تم إصدار الجزئين السابع والثامن اللذين يضمان: دليل العمل الميداني لجامعي التراث الشعبي، وذلك حرصا على استكمال رسالة العمل. 

الجدوى العلمية لموسوعات التراث الشعبي وأدلة العمل الميداني لجامعي هذا التراث

1.     أول وأبرز الفوائد العلمية وأكثرها مباشرة ووضوحا للكافة أن المادة المتضمنة في مواد أي موسوعة سوف تغذي أرشيف الفولكلور في البلد الذي تغطيه. هذا بالطبع إلى جانب المادة التي يتم جمعها باستخدام أدلة العمل الميداني في كل بلد. معنى ذلك أنه من غير الممكن بداهة إنشاء أرشيف فولكلوري في أي بلد دون أن يتم إنجاز مثل هذه الأعمال الموسوعية.

2.    كذلك سيكون المحتوى العلمي الوفير لأي موسوعة فولكلور هو المعين الأكبر على دعم مشروع مكنز الفولكلور العربي، الذى أصدره معهد الشارقة للتراث (2019) تحت مسمى «مكنز التراث الثقافي غير المادي». مكنز مختص بالتراث الشعبي في العالم العربي. وهو من إعداد الزميل العزيز د. مصطفي جاد.  

 

أعداد المجلة