فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
61

أصفى الينابيع

العدد 13 - المفتتح
أصفى الينابيع

عندما تعـصف متغيرات الأحداث بالأمم، وحين تجد الشّعوب أنـّها في منزلقات خطيرة وأمام ظروف تمسّ مقدّراتها وتنال من وحدتها الوطنية بما قد يقود إلى الكوارث والانقسامات الطائفية أو العرقيّة أو ما شابه ذلك من تقسيمات بني البشر، فإنّ العبرة من دروس التاريخ عبر القرون تفيد بأنّ الشّعـوب التي أسلمت قيادها إلى الدّهماء وانقادت بعواطف من لم يحسب حساب الخسارات الكبرى آل بها الأمر إلى التردي والسّقوط والاضمحلال. أمّا الشّعوب التي أسلمت قيادها إلى ذوي العقل والرّأي والحنكة، ممّن وزنوا الأمور بميزان المصلحة العامة وحكموا رؤية مستقبليّة تضع الوطن وقيم وحدة شعبه فوق كلّ اعتبار فقد كـُتب لهذه الشّعوب أن تعيش وتستمرّ؛ لتبني حضارات وتؤسّس لمنجزات إنسانية أبهرت العالم بأسره، مما يؤكد أن إرادة الشعـوب وهي تختار مصيرها تحتاج إلى بصيرة قائد ملهم تصنعه أقدارها.

إنّ أوّل ما أخذت به تلك الشّعـوب وهي في بؤرة أزماتها هو الالتفات إلى أهمّ ما يجمع بين مكوّنات فئاتها، ممّا لا يمكن الاختلاف حوله، وأبرزته وأعلت من قيمته وجعلت منه قاسمًا مشتركـًا لا تنازع عليه ولا أحد يدعي ملكيته والاستئثار به على حساب الآخر. فكان هذا الالتفات مدعاة إلى تذكير الجهلاء وأصحاب النظرة التجزيئية بوجود قاسم مشترك ورابط ديني أو ثقافي أو وجداني أو اجتماعي أو ما إلى كلّ ذلك ممّا يؤلـّف ويوحّد ويقرّب، وما أكثره.

وفي الوطن العربي، فإنّ القواسم المشتركة بين فئات شعوبه عديدة ومتداخلة، إلا أنّ رابطي الدّين والثقافة يعدّان الأبرز في التأثير العاطفي والفكري على الوجدان والعقل العربي. وربما تبرُز الثقافة الشّعبية، التي هي إحدى المكوّنات الأولى للثقافة العربية كقاسم مشترك نرى بأنّ له المكانة الأقوى في التأثير؛ لارتباطه بالمكونات التأسيسية الأولى لثقافة الفرد، ممّا تلامس معطياتها جذور تكويننا وحس انتمائنا الأول.

لقد مرّت البحرين عبر تاريخها القديم والحديث بالعديد من الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ممّا تشعب الخلاف حوله حسب مشارب الطبقات والطوائف والأجناس والأعراق والسلالات والأديان المكونة لهذا الشعب، فكانت الثقافة العربية التي هي مزيج متميز من ثقافات سكان هذا البلد القاسم المشترك الذي لا خلاف حوله، وهي الحصن والخندق الأخير لصدّ الأخطار وتجاوز الصّعاب والانتصار للمستقبل.

إنّ ثقافة البحرين الشّعبية مكوّن أساس لثقافتنا الوطنية، وهي قاسم مشترك بيننا جميعا، يوحدنا ويؤلـّف بين قلوبنا لما تحتويه مكوناته العفوية من قيم الحبّ والتسامح والتفاهم وأخلاقيات الاحترام والقبول بالآخر في مجتمع حر عادل ، فما أحوجنا اليوم لأن نتبصّر في هذه المعطيات الجامعة الموحدة وما أحرى بنا أن نضيفها إلى كلّ قواسمنا المشتركة الأخرى، وأن نلتفّ حولها؛ لننهل من أصفى الينابيع.

حمى الله البحرين من كلّ سوء وشدّ أزر أهلها؛ ليوحدوا كلمتهم وليكونوا جميعا على قلب واحد. وتحية ملؤها الحبّ والتقدير والولاء لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.. صاحب القلب الكبير.

أعداد المجلة