فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

فن العاشوري من الفنون الاحتفالية في منطقة الخليج العربي

العدد 60 - نافذة على التراث الشعبي البحريني
فن العاشوري من الفنون الاحتفالية في منطقة الخليج العربي
كاتب من البحرين

 

حتى نهايات منتصف القرن العشرين (1950) كانت لاتزال منطقة الخليج العربي تتوارث عدداً كبيراً من الموروثات الشعبية، التي شكلت الإطار العام للعادات والتقاليد المتوارثة من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد، إلاّ أن الكثير من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية قد حدثت خلال الفترة من 1960-1970، والتي أثرت أثراً كبيراً ومهدت الطريق لدخول المؤثرات الخارجية إلى المجتمعات الخليجية وأسهمت في تغيير أنماط السلوك المجتمعي لدى الجماعات والأفراد، وأصبح التطور ودخول الأجهزة الحديثة سمة من سمات العصر بما كان يمهد الطريق إلى الثورة التكنولوجية التي نشهدها الآن. وقبل ذلك كانت الحياة في المجتمعات الخليجية تتسم بالبساطة والعفوية، مع القدرة على تسخير مفردات البيئة المحلية البسيطة لخدمة المظاهر السلوكية الإنسانية لدى هذه المجتمعات.

في البحرين نجد أن الفنون الشعبية قد تغلغلت في كيان المجتمع المحلي، فأصبحت ترافق مظاهر السلوك الفردي والجماعي في شتى مناحي الحياة، ومن تلك المظاهر ما يخص طقوس مناسبة الزواج وما يرافقها من عادات وتقاليد ومفردات شعبية لا غنى عنها لاستكمال الصورة المثالية الأشمل لتحقيق الذات الجماعية في المجتمع، ويعتبر فن «العاشوري» أحد الفنون الاحتفالية التي ترافق طقوس الزواج، وتعتبر مفردة من مفرداته الشعبية التي لا غنى عنها لإدخال روح البهجة والفرح والتواصل المباشرالحميم مع الموروث الشعبي، والتي كانت تعتبر جزءً هاماَ مكملاً لمراسم إتمام احتفالية الزفاف.

لقد حددت القبيلة إطار التحرك العام المسموح به لأبنائها في التعبير عن الفرح والانغماس في الأجواء الاحتفالية، من خلال فن (العرضة) للرجال وفن (المراداة) للنساء، وفي حين أنهما فنان يتقيدان بنمط صارم من الأداء في قوالب نمطية وسلوكية ، لذا فإنهما لا يعبران في كل حين عن الطقس الاحتفالي لدى جميع فئات المجتمع من جانب، ومن جانب آخر غير قادرين على التكـيّـف والتبسّط لتلبية حاجات الإنسان الفطرية للتعبير عن الفرح والتفاعل العفوي مع الأجواء الاحتفالية الطربية التي تساعده على الانطلاق والانعتاق من صيرورة الحياة اليومية، بالإضافة إلى الرغبة في الغناء والرقص وإشباع الملكات الفنية والغريزية من خلال نصوص تُـتغنى بالجمال والطبيعة وتعبرعن العواطف الجياشة ولواعج الحب والغرام في مجتمع يفرض عادات وتقاليد صارمة تحول بين لقاء المحبوب بحبيبته وتضع الحواجز بين الرجل والمرأة. هذا إلى جانب أن المجتمع أصبح لديه العديد من الممارسات الاجتماعية التي تحتاج إلى أجواء الفرح والاحتفال والإشهار مثال ذلك مناسبات الزواج والأعياد والختان والنذور وغيرها، فقد أصبحت الحاجة ملحة لأن تأخذ شرائح أخرى من المجتمع ذلك الدور على المستوى العفوي العام.

يبدأ المشهد أو اللوحة الاحتفالية الشعبية لـ (فن العاشوري) بوقوف العريس الذي يطلق عليه شعبيا «المعرس» بكامل لباسه التقليدي (الثوب والغترة والعقال والبشت) بصحبة والده وإخوته وأعمامه وأخواله وأصدقائه ووالد العروس وأقربائها في صف واحد وتقف خلفهم نساء ورجال فرقة الفنون الشعبية للقيام بزفاف «المعرس» من بيته مشياً على الأقدام حتى الوصول إلى بيت «العروس»، حيث تبدأ الفرقة في الضرب على الطبول والدفوف مع غناء أول قالبين من قوالب الغناء الشعبي إيذاناً بالبدء الفعلي لمراسم ليلة الزفاف من خلال أداء وغناء فن الـ (دزّة) وفن الـ(العاشوري) وفي حالات كثيرة يتم البدء في فن العاشوري ضمن نطاق منطقة سكن العروس ثم فن الدزة للإسراع بخطوات المشي وصولا لبيت العروس، وذلك للتباين الواضح في السرعات بين الفنين حيث أن إيقاع الدزّة سريع أما إيقاع العاشوري فهو بطيء يؤدى رفق أبيات معلومة ومشهورة بهذا اللون الغنائي. ويتعمد أداء فن«العاشوري» عند الاقتراب من بين العروس لإشهار قرب وصول العريس ومرافقيه، وعند بلوغ نطاق منطقة سكن بيت العروس تتم العودة إلى أداء فن الدزة إيذانا بوصول ركب المعرس لتهيئة من بيت العروس لاستقبال القادمين. 

نص من فن الدزة :

الله   مع   المعرس   الله   معاه

يا نجمتين الصبح سيري معاه

سيري مع المعرس زين الشباب

يا سورة الرحمن سيري معاه

نص من فن العاشوري :

ياليل   ياليل   ياليلاه   ياربي          وا ويلاه

هب   الهوى  شمّر  الأردان           وا ويلاه

هب الغريبي رمى التفاح بوراقه          وا ويلاه

والعين تبجي على المحبوب وفراقه          وا ويلاه

هب لغريبي رماني فوق دجتهم          وا ويلاه

ما دري من الله وإلا من بنيتهم          وا ويلاه

ومن نصوص فن «العاشوري» :

الله يا الوالي ما غاترك حالي

حالي سباه الحب والحب قتالي

 

أعداد المجلة