فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

دور رجالات الطريقة التجانية في حفظ الأمن والاستقرار في المغرب المعاصر

العدد 60 - عادات وتقاليد
دور رجالات الطريقة التجانية في حفظ الأمن والاستقرار في المغرب المعاصر
كاتب من المغرب

 

المقدمة:

أدى مقدمو ومريدو وأتباع الطريقة التجانية دورا هاما في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المغرب، وقد ساعد على ذلك السمعة الطيبة التي كانت تحظى بها الطريقة في أوساط المجتمع المغربي. لقد عرفت الطريقة التجانية رجالا صدقوا ما عاهدوا الله ومن أشهرهم محمد أكنسوس (ت 1877م)، ومحمد العربي بن السائح (ت 1892م)، والحسين الإفراني (ت 1910م). وسنحاول في بداية هذه المقالة الوقوف على تعريف الطريقة التجانية ودورها الديني قبل الانتقال إلى الحديث عن أبرز الفعاليات الدينية التي ساهمت في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المغرب المعاصر.

تعد الطريقة التجانية من بين الطرق الصوفية الأكثر شهرة في المغرب والجزائر1 وبعض دول أفريقيا. إذ تأسست على يد أبي العباس بن محمد بن المختار بن أحمد سالم التجاني، يقول علي حرازم برادة في هذا الصدد: «رجع الشيخ إلى قرية أبي سمغون وأقام بها واستوطن، وفيها وقع له الفتح، وأذن له صلى الله عليه وسلم في تلقين الخلق، وعين له الورد الذي يلقنه في سنة (1196هـ/1781م)، وعين له صلى الله عليه وسلم الاستغفار والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بكلمة الإخلاص»2، وقد اضطهده الأتراك في الجزائر كما فعلوا مع شيوخ الطريقة الدرقاوية وغيرهم من الصلحاء والأولياء، فهاجر إلى المغرب، و«استقر بمدينة فاس بشكل نهائي سنة (1213ه/1798م)، وأخذ في نشر أفكاره التجانية، منجذبا للشهرة العلمية لمدينة فاس، وهو ما وفر لطريقته إشعاعا قويا في المغرب، وخاصة إفريقيا جنوب الصحراء»3. 

ويقول أحمد الأزمي في هذا المقام: «حل سيدي أحمد التجاني بمدينة فاس مع جماعة من ذويه ومساعديه يوم الإثنين 6 ربيع الثاني (1213هـ/1798م)، وكان في رفقته خليفته سيدي الحاج علي حرازم برادة الذي أنزله بدار آبائه وأجداده الواقفة بحي درب الطويل رقم 20، ومكث بها قبل أن ينتقل لدار المرايا»4. ولا بد من الإشارة هنا أن صاحب الاستقصا ذكر تاريخا آخرا لاستقرار الشيخ بفاس وهو (1211هـ/1796م)5، إذ ربطه باسترجاع المولى سليمان لمدينة وجدة بالجهة الشرقية. ونرجح أن التاريخ الأول هو الأصح، لأنه ذكر في جواهر المعاني الذي خطه خليفة الشيخ علي حرازم بيده.

لقد تمكنت الطريقة التجانية من كسب عدد كبير من الأتباع في الجزائر في بداية الأمر، وأصبح لها نفوذ كبير في فترة قياسية، وتكاثرت زواياها، «وذلك ما أثار تخوف البايات العثمانيين، الذين رأوا في تعاظم نفوذها تهديدا لسلطتهم في المناطق الجنوبية، فدخلوا معها في صراع مستمر من خلال توجيه عدة حملات إلى عين الماضي، كان من نتائجها فرار الشيخ أحمد التجاني إلى فاس»6. 

وجدير بالذكر أن الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد التجاني الذي ازداد سنة (1150هـ/1737م) أسس طريقته بعين ماضي قرب الأغواط بالجنوب الجزائري، وسط عائلة جل أفرادها متعلمة وملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فأبوه هو محمد بن المختار وقد كان عالما متمكنا من العلوم الدينية، وأجداده كانوا كذلك علماء وصلحاء، وجده الثالث محمد بن سالم هو الذي وفد إلى عين ماضي، وتزوج من قبيلة بني «توجين» أو «تجانة»7، فكانوا أخوالا للشيخ، وكنيته بالتجاني تعود إلى أخواله8. توفي عام (1230هـ/1815م)، ودفن بالزاوية التجانية الكبرى بفاس، وحضر جنازته ما لا يكاد يحصى من علماء فاس وصلحائها وفضلائها وأعيانها وأمرائها آنذاك.

لقد تلقى الشيخ تعليما صوفيا ونشأ في حضرة الزوايا الدرقاوية والناصرية والوزانية، وهو ما أثر في تكوينه الفكري والديني مؤسسا بذلك طريقة تعرف انتشارا واسعا. ولعله من المفيد أن نؤكد أنه عندما انتقل الشيخ التجاني من الجزائر إلى المغرب فارا من اضطهاد الأتراك، والاستقرار بفاس قد وجد ترحيبا كبيرا من السلطة العلوية الحاكمة، وعناية خاصة من طرف السلطان سليمان، الذي أسكنه قصرا بذات المدينة ووفر له عونا ماديا، وعرض عليه الدار المعروفة بدار المرآة. و«لعل علاقته الحسنة بالسلطان مولاي سليمان كان لها تأثير إيجابي على الطريقة، وساعدت على انتشارها كثيرا بالمغرب، خاصة وأن الكثير من ساسة بلاط السلطان اعتنقوا الطريقة التجانية»9.

ويبدو أن الشيخ أبو العباس التجاني قد أتى بأمور جديدة في نهجه الصوفي، وتجاوز طابع الزهد والتقشف الذي كان يعرف بها الزهاد والمتصوفة، بل إنه كان يؤمن بالعيش الرغيد في الدنيا والآخرة، وهو ما يفسر اتساع دائرة مريديه، حيث شملت التجار والأثرياء والراغبين في حياة الغنى والترف في الحياة الدنيا قبل الآخرة. ومن بين أهم ما تؤمن به الطريقة التجانية، وصول المريد إلى درجات عليا من الصفاء الروحي الذي يوصل إلى لقاء حسي ومادي مع النبي محمد، وهو ما تمكن من الوصول إليه الشيخ التجاني في لقائه مع النبي محمد، والذي خصه وأتباعه بصلاة الفاتح. يقول علي حرازم برادة في هذا الصدد: «ذكر الشيخ أحمد التجاني أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، يقظة لا مناما، وأخبره بعلو مقامه، وأمره بترك جميع الطرق التي أخذها من قبل، وعين له الورد الذي يلزم طريقته الجديدة، وأمره بتلقينه للناس، من غير خلوة ولا اعتزال، حتى يصل إلى ما وعد به، وأخبره بأنه مربيه وكافله، وأنه لا يصله شيء من الله إلا على يديه»10. 

والملاحظ أنه يتم التشديد في شروط الانتساب إلى الطريقة التجانية، لأن من يلتحق بها لا يحق له الخروج منها أو الالتحاق بطريق أخرى. يقول الجيلالي العدناني في هذا الصدد: «للإشارة فالدخول في الطريقة التجانية يعني الانسلاخ عن الطرق الصوفية كلها والبقاء أو الالتزام بالهوية الجديدة حتى الممات، فالمريد التجاني لا يمكن له أن يموت إلا مسلما وتيجانيا»11.

ومما لا شك فيه أن الطريقة التجانية تعتمد -كغيرها من الطرق الصوفية- على الذكر والصلاة وقراءة الأوراد، وتبدأ بعض طقوسها بعد صلاة العصر بجوهرة الكمال التي تميز هذه الطريقة، وذلك لأن مريدي هذه الطريقة يؤمنون بأن الشيخ التجاني تلقاها شخصيا ومباشرة من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم12، ولذلك فروح النبي تنزل خلال الاستغفار والتهليل وترديد جوهرة الكلام، ثم تليها صلاة الفاتح. وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ أحمد التجاني سمى طريقته بمجموعة من الأسماء كالمحمدية والإبراهيمية، إضافة إلى الأحمدية والتجانية التي تشتهر بها.

ولا يفوتنا أن نؤكد أن هناك مراتب مختلفة في الطريقة التجانية تبدأ من المريد وتنتهي عند القطب أبي العباس التجاني، غير أنه لا يحل لأي شيخ -مهما علت مرتبته- أن يحل محل الشيخ التجاني، فمريدو هذه الطريقة ما زالوا يعتبرون أن زعيمهم هو الشيخ التجاني مؤسس الطريقة، ولا يقومون بزيارة أي ولي من الأولياء غير الشيخ المؤسس، ولا يلتزمون إلا بالورد التجاني، كما لا يقومون بالتجديد في الأذكار والأوراد؛ لأن التجانيين يعتقدون أنها مهداة من النبي محمد عليه الصلاة والسلام مباشرة، وتقتصر على الصلاة والأذكار وتختفي طقوس «الحضرة»13، أو أي نوع من أنواع السماع والتغني بالدعاء والذكر.

ويعتقد المنتسبون إلى الطريقة التجانية أن لهم مكانة خاصة وحظوة إلهية، وأنهم سيكونون في أمان من العذاب وسيدخلون الجنة مع الزمرة الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم. يتحدث أبو العباس الشيخ أحمد التجاني عن هذا الاعتقاد قائلا: «وسألته صلى الله عليه وسلم لكل من أخذ عني ذكرا أن تغفر لهم جميع ذنوبهم ما تقدم منها وما تأخر، وأن تؤدي عنهم تبعاتهم من خزائن فضل الله لا من حسناتهم، وأن يرفع الله عنهم محاسبته على كل شيء، وأن يكونوا آمنين من عذاب الله من الموت إلى دخول الجنة، وأن يدخلوا بلا حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى، وأن يكونوا كلهم معي في عليين في جوار النبي فقال لي صلى الله عليه وسلم: ضمنت لهم هذا كله ضمانة لا تنقطع حتى تجاورني أنت وهم في عليين»14.

لقد ظلت الطريقة التجانية إلى يومنا هذا متمسكة بالأسس والمقومات الروحية الأولى التي جاءت مع الشيخ أحمد التجاني، وركزت على تقديسه وتبجيله وتمجيده، وحافظت على طريقته في التلاوة والذكر والصلاة، ويعد المنتسبون للطريقة التجانية اليوم بالملايين، ويتعدى وجودهم دولتي المغرب والجزائر إلى دول في أفريقيا وعدد من دول العالم.

تأسيس الزاوية التجانية بفاس:

إذا كانت الطريقة التجانية تأسست بالجزائر سنة (1196هـ /1781م)، فإن الزاوية التجانية بفاس لم تتأسس إلا في سنة (1215هـ /1800م) بحومة الدرداس والذي يسمى حاليا بحي البليدة15. وقد سبقت مرحلة التأسيس شراء مكان بناء الزاوية وما واكبها من صعوبات من طرف المعارضين والحساد إلا أن المولى سليمان وقف ضدهم وشجع الشيخ على عملية البناء وقدم له كل ما يحتاج، «إذ بمجرد اطلاعه على خبر الاعتراض على بناء الزاوية من قبل بعض الفاسيين، أصدر أوامره بالسماح ببنائها، وردع كل من وقف ضد تحقيق هذا الهدف، كما بعث إلى صاحب الزاوية قدرا مهما من المال، وكل ما هو في حاجة إليه لمساعدته على البناء إلا أن الشيخ الورع رفض هذا المنحة وردها لصاحبها بدعوى أنه ليس في حاجة إليها»16.

لقد كان الشيخ أحمد التجاني قبل تأسيس الزاوية يجتمع مع أصحابه إما في منزله أو في بعض مساجد المدينة. وفي هذا يقول أحمد سكيرج: «اعلم أنه كان قبل إنشاء الزاوية المباركة يجتمع أصحاب سيدنا رضي الله عنه لذكر الوظيفة بباب داره غالبا بمدينة فاس، وتارة في بعض مساجدها إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء الزاوية المباركة»17.

ووفق ما ذكر في المصادر التاريخية، يتضح أن الشيخ أحمد التجاني اشترى الموضع الذي بنيت عليه الزاوية من ماله الخاص. إذ «كان خربة منهدمة من ملك أولاد أقومي وكانت فيه كرمة كبيرة، وبموضعها دفن سيدنا رضي الله عنه، وكانت تلك الخربة مهيبة لا يقدر أحد أن يدخلها وحده. وقد بلغني على لسان الثقة أنه كان يسمع فيها في بعض الأحيان كأن جماعة يذكرون فيها وكان يقصدها غالب مجاذيب فاس»18. ولتوسيع مقر الزاوية ومحيطها بادر الشيخ أحمد التجاني بشراء بيت مجاور كان محبسا على امرأة كما ذكر صاحب كشف الحجاب. وهذا يدل على أن شيخ الزاوية التجانية كان يتوقع كثرة الزوار، ولذا كان عليه خلق فضاء أكبر يتسع للجميع، كما أن الزاوية الأم ستتفرع عنها زوايا أخرى سواء بفاس أو خارجها وسيصل إشعاعها إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء، وستساهم في نشر الإسلام بشكل كبير في هذه البلدان.

لقد نجح الشيخ في تأسيس هذه الزاوية رغم ما تعرض له في البداية من عراقيل، وبدأ في استقبال المريدين والأتباع، وقال قولته الشهيرة: «واعلم أن هذه الزاوية المباركة لها من المزايا ما افتخرت به على جميع الزوايا، حتى أن سيدنا رضي الله عنه كان يتكلم يوما في فضلها فقال: لو علم أكابر العارفين ما في الزاوية من الفضل لضربوا عليها خيامهم وكان رضي الله عنه كثيرا ما ينوه بقدرها ويحض على الصلاة فيها ويقول: الصلاة في الزاوية مقبولة قطعا»19.

وبعد وفاة الشيخ أحمد التجاني تولى أمر الخلافة في الطريقة التجانية القطب سيدي علي التماسيني، كما تولى الخلافة ولدا الشيخ محمد الكبير ومحمد الحبيب. بعد وفاة علي التماسيني عاد أمر الخلافة إلى ذرية الشيخ المؤسس أحمد التجاني، حيث تولاها ابنه محمد الحبيب التجاني مدة ثماني سنوات تقريبا، وبعد وفاته آلت الى ابنه أحمد عمار التجاني ولكن نظرا لصغر سنه تولى الخلافة عنه محمد العيد التماسيني حتى عودة سيدي أحمد عمار من الإقامة الجبرية ببوردو في فرنسا سنة 1868م20.

وللإشارة فإن الزاوية التجانية تفرعت إلى ثلاثة فروع خاصة بعد وفاة الشيخ المؤسس: زاوية عين ماضي، وزاوية تماسين بالجزائر والزاوية التجانية بفاس بالمغرب وكانت كل واحدة منها تعتبر نفسها هي الزاوية الأم.

الدور الديني للزاوية التجانية:

لقد قامت الطريقة التجانية بدور هام في نشر الإسلام وترسيخ قيمه سواء في المغرب أو خارجه. واستطاعت الطريقة أن تنتشر بالقارة السمراء منذ ظهورها بالجزائر واستقرار الشيخ المؤسس بالمغرب، ويعود هذا الانتشار إلى ارتباط هذه الطريقة بنشر الإسلام في افريقيا عن طريق الدعوة الصوفية. ذلك أن شيوخ الزاوية التجانية ومريديها قاموا بمبادرات عدة في سبيل هذه الدعوة، حيث «بشروا أتباعها بالإسلام في غرب افريقيا وأوساطها وأدخلوا معظم السودان عن طريق الإرشاد والتعليم وبالأخذ والعطاء وبالمصاهرات مع ملوك الزنج، فهم يدعون إلى الإسلام، ويدخلون الأفواج فيه، وصار لهم تأثير جديد في قلوب الناس.ولهم رسل ومريدون يطوفون في البلاد الإسلامية»21. وبذلك كان لها الفضل في أسلمة مجتمعات مسيحية ووثنية بأسرها.

لقد نجحت الطريقة التجانية في البلاد الإفريقية التي تقل فيه الطرق الصوفية أكثر من المغرب الذي يعرف تعددا في الطرق وهو ما يفسر انتشار الإسلام بسرعة في هذه البلدان. إذ «لقي المشروع التجاني تجاوبا في بيئة إفريقية تقل فيها التعددية الطرقية في حين أنها وجدت صعوبة في الانتشار الواسع في بيئة مشبعة بالتصوف كما هو حال المغرب»22. وقد أشار إلى ذلك الجيلالي العدناني بقوله: «وسوف يعرف هذا المشروع النجاح في بيئة إفريقية مع الحاج عمر الذي نشر التجانية والإسلام من خلال حركة دعوية واحدة لم تتوان في استعمال الجهاد المسلح ضد أعدائها من الوثنيين والمسلمين المنتمين للطريقة القادرية المنافسة للتواجد التجاني، فقد انتقل الحاج عمر من محقق للكرامات إلى مؤسس لأكبر إمبراطورية في غرب إفريقيا»23.

ساهمت الزاوية التجانية في نشر الإسلام في إفريقيا -كما أسلفنا- وقد قام مريدو هذه الطريقة الذين أصبحوا شيوخا في بلدانهم بمهمة الدعوة الإسلامية التي نجحوا فيها. وظهر في كل بلد رجالات تولوا أمر هذه الدعوة، إذ وجد الإسلام طريقه في القارة السمراء بفضلهم. 

علماء الطريقة التجانية بالمغرب 

ودورهم في حفظ الأمن والاستقرار:

لقد انتشرت الطريقة التجانية في جميع الجهات بالمغرب، وأخذ عن الشيخ التيجاني عدد كبير من العلماء الطريقة ونهلوا من علمه الفياض، وعادوا إلى ديارهم كمقدمين للطريقة بإذن من الشيخ بغية القيام بالدعوة وتأطير المريدين الجدد على الطريقة التجانية. يقول أحمد الأزمي في هذا السياق: «إن انتشار تعاليم الطريقة التجانية في كل جهات المغرب، لم يكن ليتم بتلك السرعة القياسية، ولا ليشمل تلك المساحات الشاسعة عبر طول البلاد وعرضها، في غياب صفوة من الفعاليات، امتاز بجلبها للطريقة ولشيخها سمعة طيبة، كان وراء تناسل الزوايا التجانية وتكاثرها في كل المدن والقرى المغربية بدون استثناء»24. 

وتأسيسا على ذلك، سنعمل على تسليط الضوء على ثلاث من أشهر رجالات الطريقة التجانية الذين نشروا الطريقة ووصل إشعاعهم كل بلاد المغرب وهم: الفقيه أحمد العربي بن السائح، والفقيه محمد أكنسوس بشمال المغرب، والحسين الإفراني في سهول سوس ماسة وواد نون حتى نهر درعة وسمارة.

محمد أكنسوس

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد أكنسوس القرشي الهاشمي الجعفري25، ينتمي إلى إحدى القبائل السوسية العريقة قبيلة (ايدا وكنسوس) حيث ولد سنة (1211هـ /1797م)26. وغادر قبيلته سنة (1229هـ /1814م)، متوجها إلى فاس طلبا للعلم حيث درس هناك مختلف العلوم كالحساب، والمواقيت، والنحو، واللغة العربية وآدابها، وبرع في النظم والنثر، واستهواه التاريخ. وتتلمذ على يد أشهر علماء عصره كالعلامة الفقيه محمد بن عامر التادلي، والشيخ حمدون بن الحاج، والشيخ محمد بن أبي بكر اليازغي والشيخ أبي العباس أحمد بن التاودي ابن سودة. ويعد أديب الغرب والسوس ومؤرخ عصره، كما انتظم في سلك الوظائف الإدارية كاتباً في الديوان. ولم يلبث أن ارتقى، وفي سن مبكرة إلى مرتبة وزير (1236هـ /1820م) في عهد المولى سليمان.

لقد ساهم محمد أكنسوس في الرفع من شأن الطريقة التجانية ذلك أنه قام بمنح الإجازات لمن يستحقها وتقويم الانحرافات، فقد كان ذا تكوين علمي متين في تخصصات عديدة ومحبا للطريقة ومدافعا عنها، ويتضح ذلك من خلال مؤلفاته المشهورة ورسائله التي حاول بفضلها تفنيد مزاعم الطاعنين في الطريقة. كما كان يدعو إلى التحلي بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، والالتزام بتعاليم الكتاب والسنة.

يذكر صاحب (مؤرخو الشرفاء) أن الفترة التي عاش فيها أكنسوس والتي تزامنت مع حكم المولى سليمان قد عرفت أزمات سياسية بسبب صراع أفراد الأسرة العلوية على السلطة. لقد «كان المغرب عهدئذ، يعيش فترة اضطراب وفتن، وكان السلطان المولى سليمان يجابه مشاكل معقدة عديدة من جراء خروج أهل فاس عليه وميلهم للمولى سعيد، نجل المولى يزيد»27، وكان من تبعات ذلك تفاقم العصيان ووصول التمرد إلى مناطق مجاورة. الأمر الذي دفع السلطان إلى التفكير في إرسال أحدهم من أجل تهدئة الأوضاع وتوضيح الأمور.

وبسبب ما عرف به الفقيه أكنسوس من ذكاء وفطنة وورع ودراية، فقد أرسله السلطان في تلك الفترة العصيبة إلى المناطق المتوترة في مهام سياسية هدفها وضع حد للثورات والفتن التي اندلعت في عهده، من أجل تهدئة الأوضاع وإعادة المياه إلى مجاريها. وكان يستقبل بدون أية مشاكل و«يحظى بالحفاوة والتكريم حيثما حل وارتحل»28. ووعيا منه بالوضعية الصعبة التي كان يعيشها المغرب، من عدم استقرار في عصره -كما ذكرنا- فقد أتى بمجموعة من الحجج المبنية على الكتاب والسنة لحث الرعية على أداء فروض الطاعة والامتثال للأمراء والحكام لأن ذلك كفيل بإعادة الاستقرار وتحقيق مصلحة البلاد والعباد، ومن تلك الحجج التي أوردها الفقيه في كتابه (الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي)29 نجد:

«من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية».

في الجامع من حديث البيهقي عن أنس: «إذا مررت ببلدة ليس فيها سلطان فلا تدخلها إنما السلطان ظل الله في أرضه»30.

اعلم أن السلطان به قيام الدين فلا ينبغي أن يستحقر وإن كان ظالما فاسقا»31.  

لقد سعى الفقيه محمد أكنسوس لخلق مجتمع فاضل يعيد الاستقرار والطمأنينة للبلاد التي عرفت أحداثا مؤلمة في عصره، وقد وضح ذلك في كتابه الجيش العرمرم الخماسي. وفي آخر عمره انسحب من العمل السياسي، وانصرف إلى العبادة والتصوف والتأليف في ميدان التاريخ والشعر. فأصبح من أشهر شيوخ الطريقة التجانية وأسس زاوية بحومة المواسين بمراكش ليتفرغ للعلم حيث كان يشد إليه الرحيل من كل جهة للأخذ عنه باعتباره فقيها في الطريقة وملما بتعاليمها. توفي بمراكش سنة (1294هـ /1877م) بعدما عمّر طويلا.

محمد العربي بن السايح

هو أبو حامد وأبو المواهب سيدي محمد العربي بن محمد بن محمد السائح بن محمد ابن داود بن محمد بن عبد القادر بن الولي الكبير والقطب الشهير سيدي محمد الشرقي العمري الفاروقي، وينتهي نسبه إلى الخليفة الراشد الثاني سيدنا أبي حفص عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. وكان أبوه سيدي محمد من العلماء العاملين، والأولياء الصالحين، ومن أعيان الدار الشرقاوية بمدينة مكناس، رفيع المكانة بين الناس. «ولد في فجر يوم عيد الإضحى سنة (1229هـ /1814م) بدار عائلته التي كانت مقابلة للمسجد الأعظم بمدينة مكناس»32.

وقد نشأ محمد العربي بمكناسة الزيتون نشأة صالحة في جو مفعم بالإيمان والعلم والصلاح، ومحبّة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين ومحبّة الأولياء الصالحين33. ودفعه والده في سن مبكرة للكتّاب ليحفظ القرآن الكريم، فحفظه حفظا متقنا، كما حفظ بعده المتون العلمية المتداولة آنذاك. ثم بعد ذلك التحق بالحلقات العلمية بمكناس لدراسة العلوم الإسلامية من نحو وفقه وعروض وبلاغة وأصول ومنطق، إلى أن اشتّد عوده وبرع في كلّ ما تلقاه. ثم رحل إلى مدينة فاس، فأخذ هناك عن جماعة من أكابر العلماء، ثم رجع إلى مسقط رأسه مكناس حيث أقبل على التدريس والإفادة فأخذ عنه جلّ طلبة ذلك الزمن، وتعاطى خطّة الإشهاد (العدالة) مدّة من الزمن.

أما شيوخه في العلم فهم كثيرون موزّعون بين مدينتي مكناس وفاس، نخص بالذكر منهم: العلامة سيدي محمد الهادي بن الشافعي المكناس المعروف ببادو (ت 1278هـ)، والعلامة سيدي محمد بن محمد بن فقيرة المكناسي (ت 1275هـ)، والقاضي العلامة سيدي العباس ابن كيران الفاسي (ت 1271هـ)، الذين تتلمذ عندهم بمسقط رأسه بمكناس34.

أما بمدينة فاس فقد تتلمذ على يد العلامة سيدي عمر بن المكي المعطي بن صالح الشرقي (ت 1260هـ)، والعلامة الشريف سيدي الوليد العراقي الحسيني الفاسي (ت 1256هـ)، والعلامة الشريف سيدي محمد بدر الدين الحمومي الفاسي (ت 1266هـ)، كما تخرّج في علم الحديث على محدث عصره سيدي عبد القادر بن أبي جيدة المعروف بالكوهن الفاسي المدفون بالمدينة المنوّرة (ت 1254هـ)، وفي سنة (1281هـ)، وقد أجازه العلامة الرّحالة الشيخ عبد الرحمان النابلسي لما زار المغرب إجازة علمية مطلقة في سائر العلوم35.

ولما بلغ محمد العربي بن السايح الأربعين من عمره انتقل إلى رباط الفتح، وجعله محل استقرار. ذلك أنه تزوّج بالسيّدة عائشة بنت شيخه العلاّمة العارف سيدي محمد الحفيان الشرقاوي، وذلك بعد وفاة والدها المذكور، وكان أخوها وصيّا عليها، وكان من جملة شروط العقد أن يسكن سيدي العربي بن السائح بالرباط. وتمّ البناء بها سنة (1270 هـ). فكان هذا الزواج سببا لاستقراره النهائي بمدينة الرباط، والاشتغال بوظيفة التعليم؛ مما ساعده على نشر تعاليم الطريقة التجانية. كما أنّه أشرف على إكمال بناء الزاوية التجانية العتيقة بالحرّارين والتي كان قد بدأ بناءها صهره سيدي العربي بن الحفيان، وكان الانتهاء من بناء الزاوية سنة (1278هـ).

لقد كان محمد العربي يجلس في روض قرب داره، بالمحلّ الذي دفن فيه بحي لعلو، لاستقبال الواردين، ولإلقاء الدروس العمومية والخصوصية سواء في صحيح الإمام البخاري وغيره من كتب الحديث، أو في التربية على الطريقة. فكانت مجالسه لا تخلو من العلماء والوجهاء والطلبة والمريدين من العدوتين وغيرهما. ولقد حقق شهرة واسعة فتوافد الناس لزيارته والتبرك به واستجلاب صالح دعواته، من جميع أنحاء المغرب ومن أقطار المغرب العربي، بل حتّى من الشرق الأوسط والحرمين الشريفين تجذبهم جاذبيته القويّة وشخصيته العرفانية الفذّة، فيبلغون بفضل مولاهم، غاية مناهم. 

كـمـا كـانت تتوارد عـلـيـه الــرسـائـل والمـكـاتـب والاستفسارات من مختلف النواحي في شتّى المواضيع فيجيب عنها بأسلوبه المتميز الرفيع، معطيا للموضوع حقّه من البحث والتحقيق، متناولا له من جميع الجوانب بحيث أن بعض أجوبته وكتاباته تعد أحياناّ مؤلّفا مستقلا.

ترجم له تلميذه الشيخ العلامة المحدث أحمد بن موسى السلاوي في بعض ختماته ووصفه بـ «الشيخ الإمام قدوة الأنام، مربي السالكين وعمدة أهل الرسوخ والتمكين، شيخ السنة والدين وقطب الأولياء الواصلين صاحب النور اللائح سيدي ومولاي العربي بن السائح»، ثم ذكر في حقه أنه «كانت له مشاركة تامة في جميع الفنون خصوصا علم الحديث والفقه والعربية وعلم العروض»36. 

لقد كان محمد العربي من أئمة وجهابذة عصره، ومن حملة لواء الحديث الشريف في زمانه، وممن إليه المرجع فيه، وكان له فيه مجلس تشد إليه الرحال من المغرب وخارجه. تصدر مجالس التدريس، خاصة في الحديث النبوي الشريف، فكثر الآخذون عنه، واشتغل بتربية المريدين في زاويته التجانية بالرباط وخارجها، كما كان يؤلف في التصوف على اعتبار أنه أحد أقطاب التجانية المشاهير. ورغم أنه «لم يأخذ مباشرة عن الشيخ التجاني، ونظرا للفتح الكبير الذي ظهر عليه فقد سماه أحمد سكيرج تجاوزا أحد خلفاء سيدي أحمد التجاني»37.

وتجدر الإشارة أنه كتب العديد من الكتب في مختلف العلوم، ويعد كتابه (بغية المستفيد)38 من أجمل ما ألف في التصوف والطريقة التجانية. وكانت «تأتيه الأسئلة في الحقائق العرفانية من أقاصي البلدان، فيجيب عنها بأفصح بيان وأوضح برهان»39.

لقد دخل محمد العربي في الطريقة التجانية منذ شبابه حوالي سنة (1254هـ). فطلبها ممّن كان مصدرا لإعطائها آنذاك، وهو المقدّم العلامة الخطيب سيدي محمد بلقاسم بصري رضي الله عنه (ت 1293هـ). وبعد أن تمسّك بالطريقة تخلّى عن خطّة الإشهاد بعد أن اطّلع على كلام الشيخ أحمد التجاني في الموضوع. ثم انكبّ على مجالسة علماء الطريقة وخواصّها وعلى مطالعة الكتب المؤلّفة فيها وتقاييدها الخاصة. وصار يبحث كلّ البحث عن كلّ ما يتعلّق بمؤسّسها، وبرجالها، وبفقهها، وأذواقها، وأسرارها، ومعارفها، وأنوارها، وكلّ شؤونها. فقام برحلات عديدة لأجل ذلك إلى كلّ من فاس ومراكش والرباط للاتصال بأكابر تلاميذ الشيخ رضي الله عنه، الذين أخذوا عنه مشافهة. ولم يكن يكتفي بذلك، بل كان يكاتب من كان منهم خارج المغرب، يسأل كلّ واحد عمّا عنده ممّا يتعلّق بشؤون الطريقة وعلومها. وكان من سعد طالعه ويمن حظّه أن أدرك عددا وافرا منهم على قيد الحياة، فانتفع بهم انتفاعا بالغا. ومن بين شيوخ الطريقة التجانية الذين أخذ عنهم أو استفاد منهم وتخرّج على أيديهم تبرّكا بهم.

    -    العلامة الخطيب المقدّم سيدي محمد بن بلقاسم بصري المكناسي (ت 1293هـ).

    -    الشريف العارف المقدّم مولاي الطيّب السفياني الفاسي (ت 1259هـ).

    -    العارف المقدّم سيدي عبد الوهاب بن الأحمر الفاسي (ت 1269هـ).

    -    العارف الكبير الشريف مولاي محمد بن أبي النصر العلوي (ت 1273هـ).

    -    العلامة العارف سيدي محمد بن محمد بن فقيرة المكناسي (ت 1275هـ).

    -    العلامة العارف سيدي العباس بن كيران الفاسي (ت 1271هـ).

    -    العلامة العارف الكبير سيدي محمد الحفيان الشرقاوي الرباطي (ت 1256هـ).

وانتفع انتفاعا كبيرا برفيقه وصديقه العلامة لسان الطريقة أبي عبد الله سيدي محمد بن أحمد أكنسوس (ت 1294هـ). كما أخذ عن سيدي عبد القادر العلمي الذي جالسه سنين ونال منه وسمع منه الكثير. وقد أجازه في الطريقة بالإجازة المطلقة كلّ من:

    -    المقدم محمد الهاشمي السرغيني المدفون بعين ماضي، أجازه عام (1256هـ).

    -    الخليفة الحاج علي التماسيني (ت1260هـ)، أجازه مكاتبة.

    -    عبيدة بن محمد الصغير ابن أنبوجة التيشيتي الشنقيطي صاحب كتاب (ميزاب الرحمة الربانية في التعريف بالطريقة التجانية) (ت 1264هـ). فاجتمع لديه من المعلومات ما جعله دائرة للمعارف في كلّ ما يتعلّق بالطريقة وبصاحبها وبرجالها. 

وبعد حياة مليئة بالتصوف والعلم ونشر الثقافة الإسلامية، توفي محمد العربي بن السايح ليلة الأحد 29 رجب (1309 هـ/ 1892م) بالرباط ويعد ضريحه مزارة شهيرة ببال العلو.

الحسين الإفراني السوسي

هو الحسين بن الحاج أحمد بن الحاج بلقاسم أبو علي الإفراني فقيه مالكي مغربي متصوف ولد سنة (1248هـ /1833م) بقرية السوق بتانكرت. لقد كرس مقدم الطريقة التجانية الإفراني حياته لخدمة الدولة والمجتمع المغربي خاصة في منطقة سوس40 والمناطق المجاورة، ذلك أنه عمل على القيام بوظائف دينية واجتماعية من أجل إقرار الأمن والاستقرار بإقليم سوس وذلك في عهد السلطان عبد الحفيظ، فنجده يقوم بإصدار الفتاوي ويهذب سلوك قومه بالتربية الروحية، ويقوم بدور التحكيم والوساطة بإيعاز من المخزن. إذ «تشهد على ذلك الرسائل التي توصل بها من الدوائر المخزنية ومراكز القرار، تلتمس منه باحترام وإجلال استعمال نفوذه المعنوي للقيام بالمساعي الحميدة وإقرار الأمن بالإقليم السوسي، وما وراءه من أقاليم جنوبا، لما يعلمون له من أنصار بسبب علمه وسؤدده وأتباعه في الطريقة الأحمدية التجانية»41.

ويبدو أن الشيخ الحسين الإفراني تمتع بشهرة واسعة انطلقت من سوس وعمت جميع أرجاء المغرب وذلك في أوساط القرن التاسع وبداية القرن العشرين، فكان له في كل ميدان نصيب. إذ كان مفتيا وكانت فتواه تبين مدى اطلاعه وتعاليه إلى مصادر عالية بالنسبة إلى محيطه وعصره، كما كان ملما بالحديث مستدلا به وذلك ما لم يعهد عن أحد من أهل بلاده، ولا ننسى قيامه بمهمة القضاء، حيث كان يقصده أصحاب الخصومات ويقبلون بحكمه وقضائه. كما «مارس وظيفة التدريس في كل من مدارس تازروالت، وآيت رخا، وسيدي بوعبدلي»42.

لقد كان الحسين الإفراني السوسي أستاذ الطريقة التجانية الأحمدية في سوس وخارجها، إذ سعى في نشرها وكان قطبها في الجنوب المغربي بلا منافس إلى جنوب إفريقيا خلال أوساط القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين، كما كان يحج إليه الناس من فاس ومراكش وغيرهما. لقد كان صاحب الفضل الكبير في نشر الطريقة التجانية وتربية المريدين في زمنه، ويبدو أن التاريخ المغربي قد سجل دوره الفعال في نشر العلم والإفتاء والقضاء والتأليف والتدريس والوساطة بين السلطة والأمة؛ مما مكنه من القيام بدور هام في استقرار منطقة سوس والمناطق المجاورة لها.

يتضح إذن، أن الحسين الإفراني قد أدى أدوارا هامة في الميادين العلمية والروحية والاجتماعية والسياسية، وفي هذا يقول المختار السوسي في كتابه المعسول: «كانت خزانته أعظم خزانة في جهته التي يسكنها، وكان أيضا يتردد إلى الحواضر، فيزداد تعرفا بأكابر المغرب الحاضرين والبادين، فأدرك في هذا الطور عظمة ما مثلها عظمة بالنسبة إليه وإلى وسطه، فقد بدأت الطريقة الأحمدية التجانية تنتشر عنه بكثرة، وكان وحده قطب رحاها في الجنوب. فتكون له في القلوب ناموس وشهرة، عم أندية ما بين فاس والحمراء إلى وادي نون فالعلماء يذكرونه بعلمه الواسع، والرؤساء مأخوذون بسؤدده الذي يبهرهم إذا جلسوا إليه. وأتباعه ومعتقدوه يشيدون بما يرونه منه من إرشاد لطيف، ونصائح هينة لينة»43.

يعتبر الشيخ الحسين الإفراني (ت.1328هـ /1910م)44، واحدا من أقطاب الطريقة التجانية بسوس ونواحيها وغيره كثيرون، ممن تلقوا تربية دينية وصوفية وساهموا في أمن واستقرار المغرب. وبالتالي تكون التجانية قد قدمت خدمة كبيرة على يد الإفراني وذلك بإسهامها في المحافظة على وحدة البلاد واستقراره خاصة في الجنوب المغربي الممتد من سوس إلى ما وراء نهر درعة.

الخاتمة:

لقد شكل مقدمو الطريقة التجانية أمثال الحسين الإفراني وأحمد العربي بن السائح ومحمد أكنسوس وغيرهم من صفوة الفقهاء والعلماء التجانيين دعامات أساسية للطريقة وللزوايا التي أسسوها سواء في عهد الشيخ أو بعد وفاته. وذلك نظرا للمستوى الرفيع الذي كانوا يتميزون به في اللغة العربية والفقه والشريعة الإسلامية، وكذلك بسبب ما تميزوا به من تقوى وإخلاص لله ولسنة نبيه، وبما أبانوا عنه من ذكاء وفهم، وهكذا وضعوا كل مؤهلاتهم في خدمة الطريقة التجانية بغية مواصلة دورهم التربوي والروحي والاجتماعي والسياسي خدمة للمجتمع والدولة، وحفاظا على أمن واستقرار المغرب. 

 

 

 الهوامش 

1.    حرازم، برادة علي. جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1997، 1/51.

2.     بعد الإعلان عن ميلاد طريقته بأبي سمغون، اتجه الشيخ أحمد التيجاني إلى مسقط رأسه عين ماضي التي أصبحت أول مركز للطريقة التيجانية، وهناك كثر زواره للأخذ عنه.

3.    أوتبعزيت، السعدية. نشأة الفكر الصوفي التجاني، مجلة العلوم الإسلامية والحضارة، العدد الثالث، الجزائر، أكتوبر 2016، ص 143.

4.    الأزمي، أحمد. الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المحمدية، 2000، 1/118-119.

5.    الناصري، أحمد بن خالد. الاستقصا لأخبار دول المغرب الاقصى، مرجع سابق، 8/104.

6.    لعرج، شيخ. موقف الطريقة التيجانية من قضايا الاستعمار الكبرى في شمال وغرب افريقيا خلال القرن 19وبداية القرن 20، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، جامعة وهران 1أحمد بن بلة، الجزائر، الموسم الجامعي 2016-2017، ص 12، بتصرف.

7.    زيراح، سعيدة. الطريقة التيجانية، مجلة الدراسات الإفريقية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، المجلد 30، العدد 1، 2008، ص 7.

8.    نفسه.

9.    Depont  Octave et Coppolani Xavier, Les confréries religieuses musulmanes, Adolph Jourdan, Alger, 1897, p 437.

10.    برادة، علي حرازم، جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997، ص 40، بتصرف.

11.    العدناني، الجيلالي. إشكالات التحقيب في التصوف المغربي إلى حدود نشأة الطريقة التيجانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ص 91.

12.    يعتقد التيجانيون أن شيخهم أحمد التجاني قد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما ومنه تلقى أذكار وأوراد طريقته، وهذا الأمر يفنده محمد تقي الدين الهلالي بقوله: «تقدم إبطال ذلك بالأدلة النظرية بإجماع خير القرون على أن ذلك لم يقع لأحد الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة المجتهدين مع شدة الحاجة إليه، أما النقل فليس لهم دليل ولا شبهة يتكئون عليها في هذه الدعوى». اُنظر الهلالي، محمد تقي الدين. الهدية الهادية إلى الطائفة التيجانية، (دار النشر غير معروفة)، ط 1، 1973م، ص 39.

13.    تعتمد العديد من الطرق الصوفية على رقصات خاصة خلال الذكر والتهليل والتسبيح وهو ما يعرف بالحضرة، والتي ينفصل خلالها المريد عن العالم المادي ويدخل في حالة من الانتشاء الروحي تقربه إلى الله.

14.    حرازم، برادة علي. جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1997، 1/69.

15.    سكيرج، أحمد العياشي. كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، 1961، ص 20-21، بتصرف.

16.    الأزمي، أحمد. الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مرجع سابق، 1/140.

17.    سكيرج، أحمد العياشي. كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، مرجع سابق، ص20. اُنظر كذلك: الأزمي، أحمد. الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مرجع سابق، 1/138.

18.    سكيرج، أحمد العياشي. كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، مرجع سابق، ص20.

19.    سكيرج، أحمد العياشي. كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، مرجع سابق، ص 21.

20.    الموقع الرسمي للزاوية التجانية، خلفاء خاتم الولاية المحمدية الشريف الحسني سيدنا أحمد التجاني من بعده، http://www.tidjaniya.com/ar/sidi-ahmed-tidjani/caliphes-suivants-ahmed-tidjani، تم استرجاعه بتاريخ: 15/09/2021.

21.    سعيدة، زيزاح. ظاهرة الطرق الصوفية بالجزائر: الطريقة التيجانية نموذجا، الملتقى الدولي الحادي عشر، التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة، الجامعة الإفريقية العقيد أحمد دراية، أدرار، الجزائر، نونبر2008، ص 573.

22.    العدناني، الجيلالي. إشكالات التحقيب في التصوف المغربي إلى حدود نشأة الطريقة التيجانية، مرجع سابق، ص 92.

23.    العدناني، الجيلالي. إشكالات التحقيب في التصوف المغربي إلى حدود نشأة الطريقة التيجانية، مرجع سابق، ص 82.

24.    الأزمي، أحمد. الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مرجع سابق، 1/351.

25.    سكيرج، أحمد العياشي. كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، مرجع سابق، ص 328.

26.    بروفنصال، ليفي. مؤرخو الشرفاء، مرجع سابق، 137.

27.    بروفنصال، ليفي. مؤرخو الشرفاء، مرجع سابق، ص 138.

28.    نفسه.

29.    مؤلف الجيش العَرَمْرَم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي لصاحبه محمد أكنسوس يتحدث عن تاريخ عام للإسلام منذ انبثاقه حتى عصر مؤلِّفه. إلا أنه في الواقع، خصَّ بلاده المغرب بجانب كبير من عنايته ولاسيما تاريخ الأسرة الحاكمة آنذاك فيها، وهي أسرة الشرفاء العلويين، منذ نشأتها حتى 1282هـ/1865م، كما هو واضح من عنوان الكتاب نفسه. وقد ألَّفه بإيعاز من السلطان المغربي محمد بن عبد الرحمن (1276- 1290هـ/1859- 1873م). وطبع على الحجر في فاس، في مجلدين عام 1336هـ/1918م.

30.    السنن الكبير للبيهقي، كتاب أدب القاضي، ح: 16728.

31.    أكنسوس، محمد. الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي، تحقيق: أحمد بن يوسف الكنسوسي، المطبعة الوطنية، مراكش، 1994، 1/25-26.

32.    سكيرج، أحمد العياشي. كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، مرجع سابق، ص 313. اُنظر كذلك: عبد العزيز بن عبد الله، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، ط 1، 2001، 14/ 4832.

33.    نفسه.

34.    موقع الكتروني خاص بالزاوية التجانية، سيدي العربي بن السائح، شيوخه في العلم http://tijania.com/abilmawahib.html  تم استرجاعه بتاريخ 15/09/2021.

35.    نفسه.

36.    عبد العزيز بن عبد الله، معلمة المغرب، مرجع سابق، 2001، 14/ 4833.

37.    الأزمي، أحمد. الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مرجع سابق، 1/397.

38.    مؤلف (بغية المستفيد لشرح منية المريد)، من أهمّ مؤلّفات محمد العربي بن السايح، كرّس حياته وجهده له وأولاه عنايته حتى كان أهمّ مؤلّف في الطريقة التجانية بعد كتاب (جواهر المعاني) لصاحبه حرازم علي برادة، بحيث أنّ كلّ من ألّف في الطريقة بعده يعتبر ناقصا مقارنة بمحتواه. 

39.    عبد العزيز بن عبد الله، معلمة المغرب، مرجع سابق، 2001، 14/ 4832.

40.    تعتبر بلاد سوس من أكثر بلاد المغرب المعروفة بالصلاح والخير والعلم، ولذا يطلق عليها اسم سوس الخير والصلاح وسوس العلم، وسوس العالمة وسوس العلامة. ظهر في سوس عدد كبير من مشاهير العلماء والصالحين، وقد ترجم لهم العلامة المختار السوسي في كتابه المعسول.

41.    الأزمي، أحمد. الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مرجع سابق، 1/339.

42.    السوسي، محمد المختار. المعسول، مطبعة الجامعة، الدار البيضاء، 1960م، 4/34.

43.    السوسي، محمد المختار. المعسول، مرجع سابق، 4/47.

44.    السوسي، محمد المختار. المعسول، مرجع سابق، 4/26.

 

 

الصور:

    -    الصور من الكاتب.

1.    https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B2%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9_%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D9%8A_%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A#/media/%D9%85%D9%84%D9%81:Zaouiya_Tidjaniya_de_F%C3%A8s_-_tombe.jpg

2.3.    http://rol-benzaken.centerblog.net/15539-mausol-e-sidi-ahmed-tijani-a-fes

 

أعداد المجلة