فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
60

رقصة ما قبل الموت

العدد 60 - لوحة الغلاف
رقصة ما قبل الموت
مملكة البحرين

 

تمتاز الصين بتعدد إثنياتها، ولا يبدو الأمر مستغرباً على أمة تعد الأكثر نسمة، ففيها من الإثنيات المعترف بها رسمياً ما يتجاوز الـ 50 إثنية، بالإضافة لعشرات الإثنيات غير المعترف بها، أو التي دمجت مع إثنيات غيرها، ولكل هذه الإثنيات ثقافاتها الشعبية الفريدة أو المتقاربة، وأحياناً لغاتها. وعلى الرغم من أن الـ «هان» يمثلون أغلب سكان البلاد، إلا أن العرقيات الأخرى تقطن مساحة كبيرة من جغرافيتها. 

وسط هذا الكم من التعدد الذي أفرز غنىً ثقافياً كبيراً، تحاول الثقافات المحافظة على خصوصيتها أو ما تبقى منها، رغم المحاولات العديدة التي هددت هذه الخصوصية تحت ذريعة «الأمة الواحدة» المنسجمة أيديولوجياً، أو لدواعي الحياة الجديدة والتحديث، أو غيرها من المنغصات التي واجهت بعض الإثنيات في ظل النهوض الاقتصادي الذي أزاح كثيراً منها، من موطنها، وبالتالي هدد خصوصية الارتباطات الثقافية بينها وبين المكان ومعطياته.

تعي الصين اليوم، ككثير من الدول، أهمية المحافظة على إرثها الثقافي بمختلف مكوناته، خاصة في ظل ما يتهدد هذه التراثات الصينية، وعموم التراثات في العالم، من الثقافة العالمية المتماثلة «المعولمة» التي تؤدي إلى صهر كل التعدديات في قوالب متماثلة، ما يقضي على غنى التعددية، وبالتالي القضاء على كل جوانب الإبداع التقليدي الذي أفرزته الثقافات.

للفيلسوف الفرنسي (أوليفيي روبول) مقولةً يحذر فيها من خطورة الوقوع في خطأ تعميم لغة مشتركة؛ ما سيفضي إلى «فهم الجميع، دون أن يكون هناك شيئاً يستدعي الفهم!»، والأمر ذاته ينطبق على محاولات صهر الاختلافات الثقافية في ثقافة واحدة أو نماذج ثقافية مختارة، فعلى الرغم من إيجابية التوحيد وخلق المشتركات، إلا أن هذا التوحيد الظاهري، سيحرمنا من كل شيءٍ يستحق الدهشة! وكما أكد (روبول) في حديثه عن اللغات من كون تعددها عائق، بيد أنه خصوبةٌ وغنىً، فكذلك الثقافات الشعبية.

بالعودة إلى تعدد الإثنيات في الصين، فإن هذا البلد الذي امتاز بمكانةٍ حضاريةٍ متقدمة، بوصفه واحداً من الحضارات الأولى في التاريخ الإنساني، كان عنصراً رئيساً في «العصر المحوري»، وفقاً لمفهوم (كارل ياسبرس)، فقد شكل منذُ آلاف السنين هدفاً لاستقطاب المجموعات البشرية التي أدت لهذه التعددية، ليس على صعيد الشعوب المتقاربة جينياً ومكانياً فقط، وإنما الإثنيات الأخرى التي جاءته من مختلف الأمكنة عبر التاريخ.

أدى التعدد إلى اندماج وتواصل وتلاحم ثقافي إثني، نتج عنه عقلاً صينياً يشكل معطىً إبداعياً تمتاز به الصين، حيث خلقت تلك التعدديات تعقيدات على صعيد العلاقات التي أفرزت إبداعاً أكبر، وذلك استناداً إلى كون التعقيد يسهم في تطوير العقل الإبداعي، كما يؤكد عالم الأنثروبولوجيا (دانيال باريل)، ويتمثل تعقيد التعددية الصينية على مستويين: الجموع (إثنيات متعددة)، والأجزاء (ثقافة ثرية لكل إثنية).

احتفاءً بهذا الغنى الصيني، اخترنا لغلافنا صورة لفتاة ترتدي الزي الشعبي لإثنية الـ «هان»، والمسمى «هانفو»، لتقدم رقصة تجسد فيها قصة حب بين أحد أمراء أسرة «هان»، وحبيبته المضحية، فبعد أن هُزم حبيبها الأمير وهرب، أدت رقصتها الأخيرة لتنتحر بعدها، كي لا يعرض الأمير حياته للخطر في سبيل العودة لإنقاذها!

 

أعداد المجلة