فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
59

قراءة أنتروبولوجية لأشكال وأنواع الحلي التقليدية بتلمسان

العدد 59 - ثقافة مادية
قراءة أنتروبولوجية  لأشكال وأنواع الحلي التقليدية بتلمسان

 

مقدمة: 

تعتبر الصناعات التقليدية من النشاطات العريقة التي يمتد جذورها عبر القرون إلى الماضي السحيق، والتي خلدتها العبقرية الإبداعية للشعب الجزائري.

تمثل الصناعات التقليدية عنصرا أساسيا في ثقافتنا وتأكيدا لشخصيتنا الوطنية، وهي بثرائها وتنوعها وخصوصيتها تجسد حضارة عريقة لشعب بأكمله، سواء كانت هذه الصناعة التقليدية في شرق البلاد أو غيرها وشمالها أو جنوبها، فإنها تتميز بجمال رائع، وذوق فني رفيع، كما أنها تلبي الحاجات الأساسية في العملية الإنمائية في أي مجتمع باعتبارها القاعدة الأساسية للتصنيع في مختلف العمليات.

وبالوفاء لتقاليدنا وعاداتنا الأمر الذي جعلها تتحول بحق إلى متحف ضخم وأنيق لشعبنا، فهي مستمدة من مقوماتنا الثقافية المشتركة، وهي بأشكالها وألوانها وموادها ورموزها تعكس بصدق وجه شعب غني بالتقاليد.

والصناعة التقليدية بالجزائر وبالأخص في مدينة تلمسان التي تعد منطقة غنية بالصناعات التقليدية والتي تمثل ثروة فنية جمالية تعكس المستوى الحضاري والاجتماعي التي وصلت إليه الشعوب، والمعتقدات الدينية والشعبية التي كانت سائدة خلال تلك الحقبة التاريخية ومن بين الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها مدينة تلمسان نجد الحلي التقليدية التي سادت بالمدينة بعد تطور الحياة فيها فتواجدت على أنواعها وانتشرت وتطورت تقنياتها ومهاراتها، فقد ميز الله سبحانه وتعالى المرأة وجعلها تميل بفطرتها نحو الجمال والتزيين من أجل تحسين مظهرها وزيادة الاهتمام بها لجذب الآخرين إليها.

فكانت تسعى إلى ذلك منذ العصور البدائية للتزيين والتحلي بما وجدته حولها من مواد طبيعية  مثل العظام والأصداف وقرون وأسنان الحيوانات، وثمار الأشجار والحبوب، ثم تطورت هذه الوسائل بعد اكتشاف المعادن فصاغت حليها من المعادن الثمينة القابلة للتشكيل كالذهب والفضة وزينتها بأنواع الأحجار الكريمة فكانت محبوبة لدى الناس منذ القدم سواء رجالا أو نساء، وهذا لما تحمله من قيمة فنية جمالية وروحية ومعنوية، وهذا عندما تحمل شخصيات أو رموزا دينية وطلاسم ترمز للحماية لتكون تميمة لها قوة خفية فهي تتعدى هنا حدود المادة لتصل للعوالم الأخرى، بحيث تبقى متخذة على الأعناق والصدور ولا تغادر أصحابها طيلة الحياة بل ترافقهم أيضا ضمن الأثاث الجنائزي في القبور.

إذ لهذه الحلي التقليدية دلالات رمزية متعددة تعكس ذوق صانعها ومن هنا نشأت مشكلة الدراسة التي تسعى في الإجابة على التساؤلات التالية وهي:

    -    ما أهم أنواع الحلي التقليدية التي اشتهرت بها مدينة تلمسان؟

    -     وماهي الدلالات الرمزية لهذه الحلي التقليدية؟

 تعريف الحلي التقليدية:

تعتبر الحلي مند القدم أداة للزينة، إذ حرصت المرأة على استعمال وسائل الزينة المختلفة فتحلت بأنواع عديدة من الحلي، ولما جاء الإسلام لم ينكر على المسلمة التزين لكنه وضع لها حدودا أهمها الاعتدال وعدم التبرج وحرم على الرجال التحلي بالذهب(زادي فريال، 2004 ص 11).

والحلي هي ما تزين به من مصنوع المعدنيات أو الحجارة... الجمع حلي والحلية:كالحلي والجمع حلي والحلي كل حلية حليت بها أو سيفا ونحوه، والجمع حلي... الجوهري: الحلي حلي المرأة وجمعه حلي... وحليت المرأة أحلها حليا وحلوتها إذا جعلت لها حليا... هو اسم لكل ما تزين به من صناع الذهب والفضة (إبن منظور، 1994، ص208).

المواد الأولية لصناعة الحلي التقليدية:

إن الذهب والفضة من أكثر المواد استهلاكا لصناعة الحلي التقليدية، إذ يحتلان مكانة خاصة لكونهما من المعادن النفيسة، وهما يتفقان في خواص معينة وهي قوة التحمل فهما لا يتعرضان بسرعة للتلف ولهما خاصية أخرى في منتهى القابلية للسحب والطواعية، وهما في حالتهما الطبيعية ودون تسخين، وهذه الخواص تمكن من سحبهما إلى أسلاك دقيقة أو صفائح رقيقة(هربت ريد، 1974، ص 54).

1)      المجوهرات الذهبية:

 يعتبر الذهب من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى على بني البشر، فالأرض تزخر بالكثير من المعادن النفيسة والأحجار الكريمة، والذهب سيد هذه المعادن وأميرها المتربع على عرشها بدون منازع ولطالما سحر بريقه ولمعانه عين وفكر الإنسان على مر العصور، فكان امتلاكه حلما يراود كل إنسان ( زكريا هيمي، 2002، ص 11).

2)      المجوهرات الفضية:

الفضة مادة فنية رفيعة تختلف كثيرا من حيث استخدامها عن النحاس ولكنها تمتاز ببياضها وسرعة تأكسدها عند تعرضها للهواء مما يحمل في الغالب على تذهيبها وعلى تخفيف حدة التأكسد، وقد عثر على الحلي الفضية في المعابد والقبور الملكية في مصر وفي بلاد مابين النهرين والتي يرجع تاريخها إلى أكثر من 400 سنة (حنان عبد الفتاح، 1974، ص106).

3)      النحاس:

 يعتبر النحاس أحد المعادن اللينة القابلة للسحب والطرق والتلميع، إضافة إلى طريق التفاعل مع أكسجين الهواء فيما يسمى بعملية (الجنزرة) كما يتداخل النحاس مع معادن أخرى ليتكون سبايك خاصة مثل اندماجه مع القصدير للحصول على سبيكة البرونز، وهي التي تستخدم في صناعة الحلي مند أقدم الزمان في فترة البداري، ثم تطور بعد ذلك في عهود مصرية تالية، ثم في العصر الروماني فالقبطي، وكان استخدامه دائما يواكب فترات الفقر والقحط مع معادن رخيصة أخرى، وما زال استخدام النحاس في الحلي الشعبية قائما حتى الآن.

4)      البرونز:

هو اسم لسبيكة من سبائك النحاس إلآ أنه يطلق في الوقت الحاضر على عدة سبائك مختلفة أغلبها من النحاس والقصدير، غير أن بعضها يحتوي على عناصر أخرى مثل الزنك والفسفور والألمنيوم والنوع الذي يحتوي القصدير هو الذي يستخدم في صناعة الحلي الشعبية (عز الدين نجيب، ص 137).

5)     النحاس الأصفر:

سبيكة أخرى للنحاس تتكون من خليط للنحاس والزنك لم تعرف إلا في عصور متأخرة بالنسبة لتاريخ المعادن (نفس المرجع، ص 138).

6)      الأحجار الكريمة:

     الفيروز:

من أقدم الأحجار الكريمة التي استخدمت  في المصوغ الشعبي الإسلامي خاصة في فصوص الخواتم، ويعد أجود أنواع الفيروز المعروف بالفارسي للونه الأزرق البديع، إذ تختلف قيمة هذا الحجر تبعا للونه وكثيرا ما يفضل الأزرق المخضر غير الشفاف ويطبع الفيروز عادة على هيئة أشكال مستديرة أو بيضاوية، ويستخدم مع لون الذهب والفضة في توافق شكلي كبير (نفس المرجع، ص 140).

     المرجان:

 استعملت هذه المادة في صناعة المصوغ الشعبي لاعتقاد الإنسان في قوته السحرية، وقد عرفت في مصر مند القرن السابع قبل الميلاد تقريبا، ويستخرج من حيوان بحري على شكل فروع الشجر وألوانها إما أحمر أو أسود أو أبيض ويتدرج اللونان من الفاتح إلى الغامق وعالم الأحجار الكريمة مليء بأنواع متدرجة القيمة عرض ثلاثة نماذج منها، وتساهم بفاعلية في صياغة الحلي الشعبية وتشبك مع هذا العالم جماليا وعقائديا (الصناعات التقليدية في الجزائر، 1998، ص 56).

تاريخ الحلي التقليدية بتلمسان:

تعد حرفة صناعة الحلي التقليدية من إحدى الحرف العريقة التي عرفتها الجزائر مند القدم، فهي ذات جذور بعيدة يرجع تاريخها إلى العصور الوسطى(نفس المرجع، 1998ص25)، وأهم المدن التي اشتهرت بالحلي التقليدية مدينة تلمسان بحيث لازالت راسخة في بعض العائلات التلمسانية التي تتناقلها من جيل إلى جيل، وقد ساعد اليهود الأسبان الفارون من بطش الأسبان إلى نقل المهارات الفنية واستقروا بالمدن الساحلية (بن الشيخ حكيم، 2013، ص205).

أصبحت الحلي التقليدية اليوم بتلمسان مهرا أساسيا للعروس كضمان لحقها، وفي أثناء خطبة الفتاة فإن الأم هي التي تهدي لابنتها تلك المجوهرات التي ورثتها عن والدتها، يوم الزفاف تتباهى الأسر بما لديها من مجوهرات، وفي اليوم الثاني يهدي الزوج لزوجته هدية تدعى «حق الحلال» أما أقارب الزوج فيقدمون هدية تدعى حق الخروج وإلى جانب ذلك فقد تحولت المجوهرات إلى مادة للادخار لذلك يقال عنها في المثل الشعبي «الحدايد للشدايد»(نفس المرجع، ص205).

استعراض أهم أنواع الحلي التقليدية بمدينة تلمسان:

تعددت أشكال الحلي التقليدية في مدينة تلمسان من خامات مثل الذهب والفضة والنحاس، وأيضا من حيث أشكالها المختلفة بحيث تعد مكملا للشدة التلمسانية والتي تتكون من جزئين جزء خاص بالرأس وجزء خاص بالبدن:

1)      الجزء الخاص بالرأس:

    -     الجبين: فالجبين في كل المناطق الجزائرية يتخذ اسمُه من موقعه على الجبين، وفي العاصمة يسمى العصابة وهو عبارة عن شريط معدني تتوسطه فصوص وتتدلى منها مجموعة أشكال نباتية تتمثل في الوريقات وفي بعض الأحيان نجده يحتوي على رسومات وعلى مربعات مزيج من الأشكال البربرية مع الزخرفة الإسلامية وفي أسفله تتدلى منه أشكال كحبيبات الشعير (هيكل محمد محسن، 1998، ص 14).

 

 

    -    الزروف: تسمى أيضا بخيط الروح، تتكون من فصوص ذهبية مرصعة بأحجار كريمة توضع على الجبين(بن ونيش فريدة، 1976، ص21). 

 

 

    -    الخرصة:هي عبارة عن قرط كبير تتكون من خيوط الجوهر وتتوسطها قطع معدنية وأنواع من العقيق الأحمر، الأخضر، والأزرق وفي مقدمتها سلسلة لتثبيته على الشاشية(قشيوش نصيرة، 2010، ص 92)   

 الأجزاء الخاصة بالبدن:

 

 

    -     الجوهر:وهو عبارة عن نوع من العقيق يركب في مجموعة من خيوط ويوضع في  وسط كل مجموعة لويزة أو تميمة تسمى الخامسة، العين أوالحوتة (السمكة) وتستعمل للوقاية من العين(نفس المرجع، ص88).

 

 

    -    المسكية:حلية ذهبية على شكل إجاصة عليها نقوش توضع في سلسلة من الذهب أو الجوهر.

 

 

    -    الكرافاج بولحية:عقد يوضع على الصدر ويصنع من الذهب 

 

 

    -    الأساور:وهي حلية اليد تكون على شكل حلقة معدنية، مستديرة أو تلف حول المعصم ليسهل تحريكها ويطلق عليها في مدينة تلمسان القورميط أو البراصلي وهو جزء ضروري من مهر العروس التلمسانية (نفس المرجع، ص99).

 

 

    -    المسايس:وهي عبارة عن حلية مستديرة الشكل منها الغليظة ومنها الرقيقة وعليها نقوش ورسومات أشكال متعددة وفصوص، وتعرف بمدينة تلمسان المسيبعات وذلك لاحتوائها على سبعة مسايس ويعد فال الخيرو البركة، كما يعود تقديس العدد سبعة دون غيره من الأعداد لمكانته في القرآن الكريم سبع سموات، سبع سنابل في «الترات الشعبي» استعمال العدد سبعة لعلاج السحر والعين...وفي الاحتفال بالمولود الجديد في اليوم السابع وغيرها من الممارسات الشعبية (مختيش نعيمة، 2011، ص39).

    -     المحزم أو الحزامة: وهي جزء ضروري في الزي التلمساني وتستعمل مع البلوزة.

 

 

    -     العقد:وهي عبارة عن سلسلة تصنع من الذهب أو الفضة وتتدلى منها دلايات ذات أشكال وأحجام مختلفة كالمسكية أو تميمة كالخامسة. 

 

 

    -     الخاتم: يستعمل في مناسبة الخطوبة والزفاف كونه رمزا للديمومة والاستمرارية، وترجع رمزية الخاتم في استدارته لأنه بلا بداية أو نهاية لذلك يعتبر رمزا للأبدية، وهو أيضا عنوان على الرغبة والجدية في الزواج وتقديم خطوة أولى للشروع في الزواج وحجز الفتاة حتى لا يتقدم آخرون لخطبتها (سهل قاشا، 1978، ص138).

 

 

    -     البريم:أو الخلخال وتضع العروس في رجليها زوجا من البريم المذهبة المفتولة والمرصعة برؤوس الثعابين ( بن ونيش فريدة، 1997، ص20) .

الدلالات الرمزية للحلي التقليدية:

يقصد بالرموز كل إشارة تبلغ معنى معينا أو علامة حسية تدل على معنى تصويري قائم بذاته فتحل محله وتؤدي معناه ومفهومه، ويعد الإنسان المخلوق الوحيد من المخلوقات الذي يمكنه إنتاج الرموز والتعامل معها، ولهذا يعتبر الأنتروولوجيون الرمز مقولة ثقافية  يهتمون بدراسة الرمز والرمزية في المجتمعات البدائية للتعرف على محددات التفكير الإنساني وتصنيف الرموز وتحليل محتواها الثقافي، فالرمز هو العلامة التي تجمع بين المحتوى الظاهر والمعنى الخفي لسلوك أو لفكرة أو لقول وبمجرد أن نقر بوجود معنيين على الأقل لسلوك ما يحل أحدهما محل الآخر بأن يحجبه أو يعبر عنه في الوقت نفسه يمكننا أن ننعت هذه العلامة بالرمزية(حافظ الأسود، ص2016، ص 13).

     تعرض العديد من العلماء والباحثين لمصطلح الرمز من بينهم نجد يونغ وسيغموند فرويد ويعرف يونغ   الرمزعلى أنه ليس مجازا ولا مجرد علامة، إنما هو على الأصح صورة خالصة تحدد على أفضل وجه طبيعة الذهن التي يلتبس علينا تخمينها، والذهن في التحليل النفسي يشمل الوعي واللاوعي، يعتبر يونغ الرمز أنه لا يتضمن شيئا ولا يفسر إنما يحيل على ما يتخطاه بإتجاه معنى مازال في الماوراء معنى يتعذر إدراكه ويصعب استشعاره إلى درجة أنه لا يمكن لأي كلمة في اللسان الذي نستعمل أن تعبر عنه بشكل صاف(شون شوفاليه، 2016، ص13).

أما عند سيغموند فرويد تصنف الرموز بسهولة وفق خطاطة الازدواجية الجنسية الإنسانية، وعند أدلر وفق الخطاطة العدوانية وبعبارة أخرى فإن المخيلة حسب المحللين النفسانيين ناتجة عن صراع بين النزعة الجنسية والكبت الاجتماعي في حين أنها تظهر خلافا لذلك في معظم الحالات في اندفاعها، كما أنها نتيجة اتفاق بين الرغبات ومواضيع البيئة الاجتماعية والطبيعية(نفس المرجع، ص 13).

من خلال كل هذه التعريفات للرمز يمكن القول إن الرمز يستمد معناه ودلالته من مستخدميه، كما أنه يكشف مظاهر الحياة الاجتماعية بكامل معتقداتها وأفكارها، كما يعد مفتاحا لفهم الحقائق.

 والرمز عند فرويد يصل دائما في نهاية المطاف إلى الجنسية، إلى جنسية غير ناضجة لأنها غير مشبعة وهو هذا الميل المحتوم الذي يسمى عند فرويد بإسم الجنسية الجوفية، 

وبذلك يختلف الرمز عند يونغ عما ذهب إليه فرويد فالرموز عنده ليست وسيلة لإخفاء محتويات العقل اللاواعي المكبوتة، بل لإظهارها للعقل، ربط الرموز كلها بالرغبة الجنسية ويرى أن فهم الرموز يعد ضرورة يقتضيها العلاج النفسي لأن الفكر البدائي نشأ في غمرة من الأحاسيس والإدراكات وليس في مجال الأفكار ولهذا جاء فهم البدائي لعالمه عبر أحاسيسه المختلفة(جيلبار دوران، 1991، ص 44).

 وللرمز وظيفتان اثنتان وظيفة الاتصال ووظيفة المشاركة وهما يتساندان في أوجه الفعل الاجتماعي، فرمزية الاتصال تيسر المشاركة وتساعد عليها، ورمزية المشاركة تقيم أنماطا عدة من الاتصال أيضا، يستعمل الإنسان وسائل عديدة للتعبير عن حالته النفسية وأفكاره، كما نجد الرموز التي تكون دافعة للتضامن والتي لا تساعد فقط على تقديم الجماعات وتمثيلها بصورة حسية، بل يمكن كذلك أن تستخدم من أجل أن تثير أو تنمي شعور التضامن والانتماء عند الأعضاء (عماد عبد الغني، 2011، ص174).

كما تتمثل وظيفة الرموز بالربط بين الحاضر والماضي، فإن أي مجتمع  يتحدد ويعرف في جزء منه بأصوله وتاريخه وتطوره، فالذكريات التي تثيرها الرموز مهملة بإنفعالات جماعية فهي مصدر مشاركة نفسية تقريبا بيولوجية، إنها تقدم تفسيرا للحاضر ودروسا من أجل المستقبل، وهذا يساهم بقوة في تضامن الجماعات(نفس المرجع، ص 94).

أصبح اليوم الرمز من اهتمامات الفنانين والباحثين، هو تعبير عن الواقع وما يحمله من غموض، حيث جوهر الحياة لا يمكن التعبير عنه إلا بالرمز من خلال الرموز تظهر لنا البنية المحلية الكاملة للأسرة والمجتمع.

تلعب الرموز والإشارات في الفنون التقليدية دورا أساسيا في الربط الجدلي بين الشكل والمضمون، فالرموز تصبح لغة مخاطبة واتصال وتفاهم لها قابلية على تحرير أشكال العلاقات الإنسانية وعكس الواقع الاجتماعي بشكل جديد من أجل تحقيق رؤية مستقبلية للعالم بمعاني جديدة(عوض حنفي، 2010، ص 321).

ومن الفنون التقليدية نجد الحرف التقليدية التي تفنن الحرفي في صناعاتها كصناعة الحلي التقليدية مستعملا الرموز المتنوعة.

 وبالتالي تكون الرموز الثقافية المحلية التي يلجأ إليها الفنان الحرفي للتعبير عن ثقافته لتصبح أهم سبل التواصل بين أبناء المجتمع لتحديد المستوى الثقافي الذي وصل إليه.

وتعد مدينة تلمسان من مدن الجزائر التي اشتهرت بحليها التقليدية التي تتميز بالزخرفة المتنوعة وتحمل دلالات رمزية معينة.

ترتبط الرموز بتصورات الإنسان ورؤية ما يحيط به من أشياء وأحداث عكستها عقائده وأساطيره وممارسته بحيث كانت تلك المحددات الرمزية التي يعكسها العمل الفني (قريطم عبير، 2010، ص104).

هناك رموز حيوانية تستعمل في زخرفة الحلي التقليدية كالسمكة، الطائر، الأسد والثعبان وأغلبها رموز قديمة معروفة مند القدم بالإضافة إلى رموز جديدة من إبداع وخيال الحرفي، وفي هذا السياق تقول الباحثة عبير قريطم «يوجد رموز عامة ورموز خاصة وأيضا رموز مركبة ذات المعاني العديدة وذات المعنى الواحد الفردي، حيث أن هناك عدة تعريفات وتشعبات وتصنيف للرموز مثل تقسيمها إلى خاصة وعامة حيث يهتم الفن بالرموز الخاصة وتهتم الأنتروولوجيا خاصة بالرموز العامة، لأن هدف الرموز الخاصة هو التعبير عن الإنفعالات الفردية والمواقف الشخصية، بينما تهدف الرموز العامة إلى التواصل بين أفراد المجتمع (نفس المرجع، 98).

كما نجد حلي الخامسة عبارة عن رمز قديم يستعمل لإبعاد العين الشريرة والحسد بحيث تستعمل العروس التلمسانية سلسلة بها خامسة تضاف فوق الجوهر لحمايتها من عين الحسد كما يقال في المثل الشعبي «خمسة في عين إبليس» توضع أيضا للمولود الجديد لتقيه من العين والحسد.

ونجد أنواعا أخرى من الحلي مزخرفة بكتابات  من الآيات القرآنية باعتقاد أنها تجلب الحظ والسعادة وتحمي من العين، فهي مرتبطة بالمعتقدات الدينية تعكس الانتماء الديني لحاملها.

كما يعتمد على أشكال قديمة من الزخرفة كالمثلث ويرمز للنار، والدائرة وتكون مزخرفة من الخارج أو الداخل فمن الخارج تكون مزخرفة بخطوط منكسرة، قد نجد أيضا خطوطا على شكل تموجات أو خطوط منكسرة تشبه أسنان المنشار حول الدائرة ترمز للماء، أما داخل الدائرة نجد أشكالا على صورة أغصان وأوراق ترمز للفترة الزمنية أين كان الإنسان مرتبطا بالطبيعة، وتستخدم الفراغات المختلفة في القيام بتعبيرات رمزية ومعان خفية متعددة، أبسط التشكيلات التي يمكن الحصول عليها هو عمل تدرج متناقض في الارتفاع إلى أعلى  فهذا التشكيل له تأثيره الروحي والرمزي (Ghislaine Mathieu,p11).

والسمكة ترمز للخصوبة والتكاثر لكثرة بيضها أيضا للوقاية الصحية، كما تجد أشكال الطيور غالبا ما تعتبر رمزا للتسامي الروحي، ففي المعتقدات التركية القديمة كانت الأرواح قبل الولادة طيورية والعصافير هي رسل ووسطية وإن منحها الطيران يمكنها من الوصول إلى السماء (سينجر فيليب، ص 173).

الخاتمة :

في الأخير يمكن القول إن المنتوج التلمساني الخاص بالحلي التقليدية يعبر بصدق عن وجود ثقافي جماعي من خلاله يمكن التعرف على عادات وتقاليد البلد الذي تؤدي فيها ممارسته، فالحلي التقليدية أبرز الأشكال الفنية التي تعبر لنا بصدق عن أصالة أي بلد يكمن فيها والصورة الحقيقية التي تجسد لنا واقع الثراث الشعبي، وهذه الحلي التقليدية تحمل رموز الفنية لها معان جمالية في العمل الفني، وتعد لغة الفنان للتواصل مع غيره والتأثير فيه، وهذه الأشكال الزخرفية تأثرت بالحضارات التي مرت بها، وهذا ما جعلها تأخذ طابعا مميزا  يتميز  بالطابع الأندلسي التركي والإسلامي بالإضافة للمسة التلمسانية التي أضافها الحرفيون والحرفيات والتي تعكس عادات وتقاليد وقيم المجتمع التلمساني والتي زادتها جمالا وتميزا.

 

 

 المراجع :

1.    زيدي فريال، (2004)الحلي لسان المرأة الخفي، بحث وصفي سيميولوجي للحلي الجزائرية،منشورات جمعية المرأة في إتصال، فنون وثقافة.

2.    إبن منظور، (1994)لسان العرب، دار الصادر، المجلد الثامن

3.    هربرت ريد، (1974) الفن والصناعة وأسس التصميم الصناعي، ترجمة فتح الباب عبد الحميد، عالم الكتب القاهرة

4.    زكريا هيمي، (2002) الذهب أمير المعادن،نشأته وتاري، تقديم محمد عز الدين حلمي مكتبة مدبولي، عربية للطباعة والنشر

5.    حنان عبد الفتاح، مطاوع، (1974)الفنون الأسلامية حتى نهاية العصر الفاطمي، القاهرة

6.    عز الدين نجيب، (2005) موسوعة في الحرف التقليدية بمدينة القاهرة التاريخية والمعاصرة، الجزء الأول، جمعية أصالة لرعاية الفنون الأثرية والمعاصرة

7.    نفس المرجع،ص138

8.    الصناعات التقليدية في الجزائر،(1998)المؤسسة الوطنية للإتصال والنشر والأشهار،الجزائر

9.    نفس المرجع،ص25

10.    بن الشيخ حكيم، (2013)مدينة الجزائر، الأوضاع الإجتماعية والأنتروبولوجية 1945-1954، دار هومة للطباعة والنشر، الجزائر

11.    نفس المرجع،ص 205

12.    هيكل محمد حسين (1998) عرائس بلادي، وزارة الإعلام، الجزائر

13.    فريدة بن ونيش (1976) المجوهرات والحلي في الجزائر،سلسلة الفن والثقافة وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر.

14.    نصيرة قشيوش، (2009 - 2010)، الزفاف في تلمسان، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه، 

15.    نفس المرجع،ص 88

16.    نفس المرجع،ص 99

17.    نعيمة مختيش،( 2011) حلي المرأة وزينتها في المغرب الأسلامي،دراسة أثرية فنية ،جامعة الجزائر

18.    سهل قاشا،(1978ا) ألحلي في وادي الرافدين، مجلة التراث الشعبي، العدد الثالث، وزارة الثقافة، بغداد

19.    فريدة بن ونيش(1976) المجوهرات والحلي في الجزائر، سلسلة الفن والثقافة وزارة الأعلام والثقافة الجزائر

20.    حافظ الأسود، (2002)، الأنتروبولوجيا الرمزية، دراسة نقدية مقارنة للإتجاهات الحديثة في فهم الثقافة وتأويلها،منشأة المعارف، الإسكندرية

21.    شون شوفاليه (2013) مقدمة لمعجم الرموز (الأساطير، الأحلام، الألوان، الأعداد والإيماءات) دراسات وأبحاث، ترجمة فيصل سعد، باريس

22.    نفس المرجع،ص 13

23.    جيلبار دوران، الأنتروبولوجيا رموزها أساطيرها، ترجمة مصباح صمد، المؤسسة الجامعية لدراسة،بيروث

24.    عماد عبد الغني(2006) سوسيولوجيا الثقافة المفاهيم والإشكاليات...من الحداثة إلى العولمة،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروث

25.    عوض حنفي(2010) علم الإنسان، دراسة وبحوث في ثقافة الشعوب والمجتمعات، المكتب الجامعي الحديث

26.    عبير قريطم(2010) الأنتروبولوجيا والفنون التشكيلية الشعبية،المجلس الأعلى للثقافة ،القاهرة

27.     نفس المرجع،ص 98

28.    GhislaineMathieu(1970), le bijou en AlgerieDossiers documentaires,ministaire de l’inormation numero 08 

29.    فيليب سينجر،(1992)الرموز في الفن الأديان والحياة،ترجمة عبد الهادي عباس،داردمشق،سوريا

 

 

الصور:

    -    الصور من الكاتبة.

4.1.    مساهمة الحلي التقليدية في التنمية بمنطقة تلمسان- قدور فريدة- ماجستير- الجزائر

    http://dspace.univ-tlemcen.dz/.../1/Kadoure%20farida.pdf

2.    chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://mama-dz.com/media/files/publication/les-parures-et-bijoux-algeriens-a-travers-lhistoire.pdf

3.    https://i.pinimg.com/originals/58/bc/62/58bc629d44ffaeddf38142a975c5850b.jpg

5.    https://www.pinterest.fr/pin/ 498984833708576234/

6.    https://i.pinimg.com/originals/20/a6/d1/20a6d1b672133503d185c765e76d0826.jpg

7.    https://www.janareinhardt.com/products/fish-necklace

 

أعداد المجلة