حجاجية المثل الشّعبي في تشكيل الخِطابِ الرّوائي رواية «سيّداتُ القمر» لجُوخَة الحارثي أُنمُوذجًا
العدد 59 - أدب شعبي
المهاد النّظري:
يمكننا القول أنّ الأمثال الشعبية تمتاز بثلاث خصائص أساسيّة هي: الطابع الحكمي، والطابع التّعليمي، والاختصار والتّركيز، فالمثل يساعد المستمع له على استيعابه وحفظه لحظة استماعه؛ لأنّه يعرض نتائج خبرات مرّت بها أجيال كثيرة، ويضع المثل أمام سامعيه نتائج تلك الخبرات حتى يستضيؤوا بها فيما يعترضهم في حياتهم، ذلك أنّ الأمثال الشّعبية تعبّر عن النّفس البشرية في جميع حالاتها.
وسنحاول جاهدين في هذا البحث الإجابة عن إشكالية مفادها: هل يمكن أن يكون في المثل الشّعبي حجاج بلاغي؟ وكيف تسهم الآليات البلاغية في المثل الشعبي في الإقناع والإمتاع؟
من أجل البرهان على أنّ في المثل الشّعبي بلاغة بامتياز، وأنّه يقوم على ميكانيزمات بلاغيّة وحجاجيّة من أجل إقناع المتلقي بالمعنى المقصود من وراء الخطاب. وقد ارتأينا لبلوغ هذا الهدف أن نستعين بالمنهج التداولي1 بصفته الأنسب لهذه الدّراسة.
تعريف الحجاج:
1) لغةَ:
عرفه ابن منظور في لسان العرب فقال في مادة( ح ج ج): الحُجّة هي البُرْهان، وقيل الحُجّة: نهي ما دُوفِعَ به الخصم... وقال الأزهري: الحُجّة الوجه الذي يكون به الظَّفَرُ عند الخصومة. وهو رجل مُحجاجٌ أي جَدِلٌ. والتّحاجُ: التّخاصُم، وجمع الحُجّةِ: حُجَجٌ وحِجاجٌ، وحاجّه مُحاجّة وحِجاجًا: نازعه الحُجّة. وحَجّه يَحًجّه حَجًّا: غَلَبَه بالحُجّه.
وفي الحديث: «فحَجَّ آدمُ موسى أي غَلَبَه بالحُجَّة. والحَجّة: الدليل والبرهان»2.
وتناول ابن فارس في مقاييسه الحجاج:« يقال حاججت فلانًا فحاججته أي غلبته بالحجة،«وذلك الظفر يكون عند الخصومة» والجمع: حجج والمصدر: حجاج»3.
وأورد الزمخشري في «أساس البلاغة» قوله: «حجج: احتّج على خصمه بحجة شهباء، والجمع شهب، وحاج خصمه فحجه، وفلان خصمه محجوج وكانت بينهما محاجّة وملاجة»4.
وفي قاموس «روبر» تشير كلمة الحجاج إلى عدة معاني متقاربة أبرزها القيام باستعمال الحجج، وكذلك هو مجموعة من الحجج التي تستهدف تحقيق نتيجة واحدة، وكذلك هو فن استعمال الحجج أو الاعتراض عليها في مناقشة معينة»5.
وأمّا في قاموس «كامبرج» فنجد الحجاج: هو الحجة التي تعلّل أو تبرر مساندتك أو معارضتك لفكرة ما»6.
وخلاصة القول من هذه التعريفات لمصطلح الحجاج لغةً هو التركيز على الدليل لإثبات قضية معينة، أو بناء موقف معين، وقد أشارت أغلب التعريفات العربية والغربية إلى أنّ الحجاج يكون بين مخاطبين( مرسل ومتلقي)، يريد الأوّل إثبات قضية معينة، أو بيان موقف باستعمال الحجج، والثاني له الحق الاعتراض أو الانصياع لهذا الموقف، وكذلك يأتي الحجاج للجدل، وأحيانا للدفاع عن اعتراض.
1-2 ) اصطلاحًا:
لقد تعددت مفهومات الحجاج عند الغرب والعرب قديمًا وحديثًا على حدّ سواء:
الحجاج عند الغرب قديمًا وحديثًا:
لعل أبرز تعريف للحجاج قديمًا كان في العصر اليوناني وهو تعريف أرسطو الذي يرى «أن الحجاج يتناول من زاويتين: بلاغية وجدلية، فمن الناحية البلاغية يربط الحجاج بالجوانب المتعلقة بالإقناع، ومن الزاوية الجدلية يعتبر الحجاج عمليّة تفكير تتمّ في بنية حوارية وتنطلق من مقدّمات لتصل إلى نتائج ترتبط بها بالضرورة»7.
أمّا في الدّراسات الحديثة المعاصرة فقد برزت ثلة من الباحثين الذين استندوا إلى الحجاج الأرسطي وأسهموا بشكل كبير في تقديم نظرة جديدة للدرس الحجاجي من أمثال «برلمان» وتيتيكا عند حديثهما عن البلاغة الجديدة وكذلك «ديكرو» «وأنسكومبر» في التّدوليات المدمجة، و«ميشال ماير» في نظرية المساءلة، و«تولمين» ومشروعه الحجاجي.
فقد عرّف برلمان وتيتيكا الحجاج تعريفات عدّة في مواضع مختلفة من كتابيهما أهمّها قولهما: «موضوع نظرية الحجاج هو درس تقنيات الخِطاب التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن يزيد درجة التّسليم»8.
أورد ديكرو وصاحبه في كتابيهما «الحجاج واللّغة»: «إنّ الحجاج يكون بتقديم المتكلم قولًا ( ق1) (أو مجموعة أقوال) تفضي إلى التسليم بقول آخر (ق2) (أو مجموعة أقوال أخرى). إنّ (ق1) يمثل حجة ينبغي أن تؤدي إلى ظهور ( ق2)، ويكون هذا الأخير قولا صريحًا أو ضمنيًا، إذن الحجاج عند ديكرو وصاحبه « إنجاز لعمليتين هما التصريح بالحجة من ناحية وعمل الاستنتاج من ناحية أخرى، سواء كانت النتيجة مصرحا بها أو مفهومة من (ق1)»9.
وأمّا ميشال ماير فقد عرّف الحجاج بقوله: «هو دراسة العلاقة القائمة بين ظاهر الكلام وضمنه»10. ويقول: «إنّ ظاهر الكلام هو الجواب وضمنه هو السؤال»11. فماير يرى أنّ الحجاج هو إثارة الأسئلة وعلى هذا الأساس يبنى الخِطاب الحِجاجي.
الحجاج عند العرب قديمَا وحديثًا:
نجد الحجاج حاضرًا بقوة عند العرب قديمًا وحديثًا منذ العصر الإسلامي ولا سيما في القرآن الكريم، والسّنة النّبوية الشّريفة، ولم يتوقف عند هذا الحدّ بل شمل شتّى العلوم الأخرى كالعلوم اللّغوية والفلسفية والمناظرات والمسامرات والنّقاشات التي كانت تعقد بين العلماءوغيرهم.
وورد الحِجاج في القرآن الكريم بلفظ حِجاج وجدل وبرهان، وفسّر ابن عاشور في «تحريره وتنويره» قوله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾12بقوله: « المجادلة مفاعلة من الجدل، وهو القدرة على الخصام والحجّة فيه، وهي منازعةٌ بالقول لإقناع الغير برأيك»13.
ونجد الحجاج ضاربًا بجذوره في الخِطاب العربي، فلقد اهتم الجاحظ بالفعل اللّغوي واعتبره الأساس لكلّ عملية بيانيّة حجاجيّة: «فالكلام في نظره لا يمكن تميزه عن البلاغة، فهو يضطلع في حياة الفرد بوظيفتين أساسيتين هما:
1. الوظيفة الخطابية وما يتّصل بها من إلقاء وإقناع واحتجاج ومنازعة ومناورة.
2. الوظيفة البيانية: البيان والتّبيين أو الفهم والإفهام»14. وهذا عبد القاهر الجرجاني في «إعجاز القرآن» يقنع المتلقي بنظريّة النّظم الأمر الذي طبع دلائله بطبيعة حجاجّية بامتياز.
وعرّف حازم القرطاجني الحجاج بقوله: «لما كان كلّ كلامٍ يحتمل الصدق والكذب، وإمّا أنّ يراد على جهة الإخبار والاقتصاص، وإمّا أن يرد على جهة الاحتجاج والاستدلال»15.
وتناول معظم العلماء العرب الأوائل الحجاج بمعنى الجدل وهو ما أكّده عبدالله صولة بقوله: «ومهما يكن من أمر، فإنّ الحجاج والجدل يكثر ورودهما مترادفين، في اصطلاح القدماء من ذلك أن أبا الوليد الباجي أسمى كتابه وهو من علم أصول الفقه بسبيل المنهاج في ترتيب الحجج، مستخدمًا في العنوان لفظة حجاجًا كما نرى، ولكنه في المقدمة ينعته بكونه كتابًا في الجدل»16.
أمّا الحجاج عند العرب المعاصرين فقد عرّفه طه عبد الرّحمن بقوله: «كلّ منطوق به موجّه إلى الغير لإفهامه دعوى مخصوصة يحقّ الاعتراض عليها»17.
وأمّا عبدالهادي الشّهري فقد عرّف الحجاج وربطه بالإقناع، فقال: «الحجاج هو الآليّة الأبرز التي يستعمل المرسل اللغة فيها وتتجسّد عبرها استراتيجية الإقناع»18.
وأمّا محمّد العمري فيرى أنّ الحِجاج طابعٌ إقناعيُّ إذا يقول: «لقد حمل إفلاطون في محاوراته على الخطابة لاهتمامها بالإقناع بدل البحث على الحقيقة»19. وقد اعتمد على المرتكزات الأرسطيّة لبلاغة الخِطاب وربطها بالإقناع، يقول في ذلك: «وبدأ الحنين من جديد إلى ريطورية أرسطو الذي تتوسّل إلى الإقناع في كلّ حالة على حدة بوسائل متنوعة حسب الأحوال» 20. وقد «ركّز على « المقام» خصوصًا الخطابة السياسية، وهي محاورة بين الأنداد، ويكثر فيها النصح والمشاورات. وتعتمد على الحجج المقنعة والأسلوب الجميل المؤثر»21.
وسنحاول في هذا البحث أن نبيّن كيف تمنح البلاغة الخِطاب الحِجاجي بعدًا إقناعيًّا؟، وذلك أنّ معظم الأساليب البلاغية تتوافر فيها خاصية التّحول لأداء أغراض تواصلّية ولإنجاز مقاصد حجاجيّة، ومدوّنة البحث «نصوص المثل الشّعبي في رواية» سيدات القمر «وجدناها خطابًا حجاجيًّا بامتياز فقد استحوذت الصّيغ والأساليب البلاغية عليها بكثرة، سواء أكانت صورًا بيانية أم محسنات بديعيّة.
2) الصور البيانيّة:
تعدّ الصور البيانية من أقوى الآليات البلاغيّة الحجاجيّة التي يستعملها المتكلّم لغاية الإقناع والتأثير، وسنسوق نموذجًا أو نموذجين؛ وذلك لاستحالة ذكرها جميعًا في هذا البحث.
2-1) الاستعارة التمثيلية:
لقد لعبت الاستعارات التمثيليّة في رواية «سيّدات القمر» دورًا بارزًا في تحديد مقصديّة المثل الشّعبي إذ اكتسب النّص دلالات واسعة كان لها تأثير لغويّ في إبلاغ المتلقي مقصديّة المتكلم/ جُوخة الحارثي بطريقة موجزة ومقتصدة في اللّغة، واستطاع الإبداع في المثل الشعبي أن يقول ما عجز عن قوله في غياب اللّغة من جهة، وفجّر الحدود الدلاليّة بين فضاءات مختلفة من جهة أخرى.. فالإبداع الشعبي عبر المثل قد اخترق بتوظيفه الاستعارة التمثيليّة الحدود اللّغويّة والبلاغيّة الخاصّة بكلّ فضاء، وبكلّ شيء، وبكلّ موضوع، اخترقها ليشكّل منها كلًا واحدًا متناقضًا في لغته، بيد أنّه متجانس فيما توحي إليه دلالته: فما الاستعارة التمثيليّة، وما أبرز الاستعارات التّمثيليّة التي جاءت في « سيدات القمر»؟ ومفهوم الاستعارة التّمثيليّة- كما ورد في كتب البلاغة- هو: «تركيب استعمل في غير ما وضع له؛ لعلاقة المشابهة»22.
و«يحدّ العرب الاستعارة بالتّركيب يستعمل في غير ما يوضع له في الأصل لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة معناه الأصلي»23. وإنّ الأمثلة التي أدرجت في باب الاستعارة التمثيليّة أكثرها قامت على أمثال عربية معروفة24.
فمن الاستعارات التي قامت على التمّثيل قولها: «تمشي الرّيول تخبّ مين الفؤاد محبّ، ومين ما أشتهي علي كود وتعب»25.
الشاهد قوله: «تمشي الرّيول تخبّ مين الفؤاد محبّ».
لقد صوّرت جُوخة الحارثي عبر مثلها الشعبي هذا مشي الأرجل مسرعة حيث معشوق الفؤاد، وحيث لا يحبّ لا يشتهي فتشعر النّفس بالتثاقل والتّعب، وحمّلها قيمة عالية تجاه المحبوب وقيمة منحطّة تجاه المكروه الذي لا تحبّه النّفس، وذلك من أجل التّعبير عن طبيعة النّفس البشرية عند النّاس، فبتوظيف الألفاظ( المشي- الأرجل- تحبّ- الفؤاد- الحبّ- لا أشتهي- كود- تعب) تحمل بين طياتها أشدّ حالات الحبّ نحو الشخص المحبوب، وأشد حالات الكره نحو الشّخص المكروه.
فاعل الموضوع (المفعول به) | فاعل الذّات | المدلول المجازي | المدلول الحقيقي | الدال |
أنا | هي | عشق المحبوب | عملية الحبّ- مشي الريول- الفؤاد. | صورة المحبوب |
هي | أنا | الكره- التثاقل- التعب النفسي. | ما أشتهي- كود- وتعب. | صورة المكروه |
ذات قيمة عليا- المشي | عضو مهم من أعضاء الإنسان | الريول | ||
هي + أنا | أنا + هي | قيمة روحية عليا | علاقة بين اثنين | المحبّة |
هي + أنا | أنا + هي | لا أحبّه ( أكره) | شيء معنوي | ما أشتهي( الكره) |
لجأ المتكلمّ/ جُوخة الحارثي في هذا المثل الشّعبي إلى استعمال الاستعارة التّمثيليّة، وعزفت عن القول العادي؛ لانّه أقوى حجاجيًا منه، فقد حاولت أن تبلغ مقاصدها الحجاجية التي تمثله في إقناع المتلقي بأنّ الأرجل تسير مسرعةً نحو المحبوب حاملة معها الفؤاد العاشق، بينما لا تشتهي النّفس المسير للشخص المكروه فتنهض متثاقلة متعبة، وهذه هي النّتيجة التي توصّلت إليها جُوخة الحارثي من خلال خطابها الاستعاري التّمثيلي الموجود في المثل الشعبي هذا. فالاستعارة التمثيلية الحجاجية في هذا المثل الشعبي كانت أقوى حجةً من أيّ كلامٍ عادي لذا توسلت الكاتبة به بقصد توجيه خطابها وبقصد تحقيق أهدافها الحجاجية التي تهدف إلى الإقناع والتأثير في المتلقي.
2-2) الكناية:
الكناية صورةٌ بلاغيّةٌ قائمةٌ على تداعي المدلولات، وقد أورد النّقاد والأدباء والفلاسفة تعريفات كثيرة قديمة وحديثة نذكر منها على سبيل المثال ما أورده عبدالقادر الجرجاني فيقول: «المراد بالكناية هنا، أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ المذكور له في اللّغة، ولكن يجىء إلى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود فيومىء إليه ويجعله دليلًا عليه»26.
ومفهوم الكناية عند البلاغيين العرب هو: «لفظ أريد به ملزوم معناه الوضعي من حيث هو كذلك، فإن لم يكن اللازم ملزومًا، احتاج العقل فيها إلى تصرف، وبذلك التصرف يصير اللازم ملزومًا»27.
وتعريف الكناية عند «جورج لايكوف» هي أن: «نستعمل كيانًا معينًا للإحالة على كيان آخر مرتبط به»28.
ويقول إبراهيم النّظام مفصلًا ميزات المثل: «يجتمع في المثل أربع لا تجتمع في غيره من الكلام، إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التّشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة»29.
فبين المثل الشعبي والكناية علاقة وطيدة الأمر الذي ألهم جُوخة الحارثي القوة الإبداعيّة الفنّيّة للقول، وما لا تريد قوله صراحةً وعلانيةً لأسباب أخلاقية أوعقدية أو أيديولوجية، فالمجال أصبح واسعًا بتبنّي هذه الطريقة للمثل الشعبي إذ اقتحم الفضاءات الممنوعة، فقد تحدّث عن الممنوع والملفوظ، بلغةٍ سهلةٍ تاركًا المجال للمتلقي ليؤّول ما يقدر على تأويله، فالكناية تساعد المتلقي في الكشف عن الدّلالة المسكوت عنها، وبالتالي تربطه مع المتكلم عقودًا ذاتية وأخلاقيّة ونفسيّة وأيدلوجيّة، بحيث أنّهما يتكلّمان اللّغة الرّمزية نفسها وينهلان من المنهل المرجعي نفسه، وهذا الفعل يؤهّلهما للتّحليق بالنّص بين الحقيقة والمجاز.
ونلاحظ كيف تكون للكناية قوّة حجاجية من خلال الأمثال الشعبية:
- قوله: «الحمار لمّا يشبع يرفس»30.
جاء هذا المثل على لسان «ظريفة» وهي عبدة تولّت خدمة أسرة «التاجر سليمان» كما إنّها مربية «عبدالله» وهي العبدة الوحيدة التي حظيت بمكانة مقبولة بين أفراد الأسرة، إذ يمكنها أن تشارك السيدات الأكل في الصينية نفسها، أعطت لنفسها هذا الامتياز ولم يٌناقشها فيه أحد، وهذا ما تجلّى بشكل واضح أثناء زيارتها ل( ميا) بعد ولادتها لطفلتها «لندن»، فالمقصديّة التي يريد النّص عبر هذا المثل الشعبي البوح بها تتمثل في الحديث عن مرحلة ما بعد الشّبع حيث يبدأ الحمار بالرّفس، والمقصود زوجة «سنجر» ولد «ظريفة» كانت فقيرة معدمة فلما تزوّجها «سنجر» أصبحت لا تأكل إلا أفخر الطعام واللحم والدّجاج.. فحالها حال الحمار بعد الشّبع قام يرفس.
ويمكننا رسم الخطاطة الآتية:
(الحمار لما يشبع يرفس)
إنّ استعمال المثل الشّعبي/ الكناية في تحديد المقصديّة الحجاجيّة له ما يسوغه على مستوى القول وقابله ومتلقيّه ومناسبته، فجُوخة الحارثي على لسان «ظريفة» أرادت بالمثل الشعبي هذا أن تقول عن زوجة «سنجر» أنّها كانت تطبخ لها وتعمل كلّ شيء وتعطيها «الدّشاديش» والملابس قبل الزّواج فقد كانت فقيرة جدًّا فلما تزوّجت من ولدها سنجر وشبعت نسيت كلّ ذلك وما عادت تأكل من يدها ولا تأخذ منها دشداشات ولا شيء، فأرسلت « ظريفة» المثل «الحمار لما يشبع يرفس».
وكأنّ بين هذه الأقطاب الأربعة اتفّاق معرفي وعرفي وثقافي، فقد استعانت الكاتبة بشخصية «ظريفة» لتلقي المثل الشعبي في هذ الموقف الذي شابه الحالة التي قيل فيها هذا المثل، وذلك لتعكس طبيعة الفضاء الإجتماعي، وما ينتج عنه من علاقات اجتماعية عُمانية قوية.
فالكناية لها دورٌ مهمٌ في الحجاج، إذ هي بمثابة الدليل الذي يلجأ إليه المتكلم لإثبات معانيه وإقناع قارئه، قال الزركشي: «وهي عند أهل البيان أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجىء إلى معنى هو تاليه، ورديفه في الوجود، فيومىء به إليه، فيدل على المعنى المراد من طريق أولى»31.
فالمتكلم/ جُوخة الحارثي أطلقت هذا المثل في صفة كناية لتصل إلى هدفها الحجاجي، وتقريب المتلقي إلى أطروحتها بهدف إقناعه وحتى تجعله يكتشف ذلك بتأويله ومتى اكتشف ذلك أقرّ بصحة الأطروحة، وهذا ما تطمح إليه الكاتبة.
فعبارة( الحمار لما يشبع يرفس) هي حجة في صفة كناية، ونتيجة المؤوّلة الضمنيّة، من قبيل(إهمال الأحباب الذين كانوا ينفقون الوقت والجهد في محبتك وسعادتك فبعد شبعك تتركهم فحالك حال الحمار الذي كان صاحبه يطعمه ويسقيه فلما شبع رفسه وقتله).
2-3) الإيجاز:
لقد أشار «ربول» إلى أهميّة الإيجاز ودوره الفعّال في العملية الحجاجية، فهو وسيلة للتأثير في المتلقي، إذ أن القصير الموجز أنفذ إلى الأسماع، وأحسن موقعًا في القلوب، إذ يقول: «الإيجاز هام من زاوية تُعنى بالحجاج، لأنّه يشكل سلاحًا يواجه به العدو بين القائلين، النسيان وعدم الانتباه ولا يحتفظ من القول إلا بأقله، وحتى هذا القليل معرض للنّسيان لبعده عن الإيجاز»32.
وإذا ما جئنا إلى الإبداع الشعبي نجد أنّ هذه الآلية البلاغية موجودة بكثرة، إذ تعد خاصية من خصائصه، وكأنّ المبدع أقام نصه على الإيجاز بما فيه من الأهميّة في انتباه المتلقّي.
ومثال ذلك: «آه، صدق المتوصّف»: «الوالد شقي»33.
هنا يتجسد الإيجاز في الحجج التي قدمتها الكاتبة لتدعيم الطرح، ويكون ترتيب الحجج كالآتي:
النتيجة: الوالد دائمًا في شقاء وتعب.
ح1: الوالد
ح2: شقي
وهذا المثل يضرب بالخصوص للوالد/ الأب الذي يعاني ويكابد الآلآم والجوع والفقر والعطش ومرارة الأيام من أجل هذا الولد، فهو يموت شقاءً من أجله.
فكلّ حجة استعملتها راوية المثل الشعبي هي اختصار لجمل كثيرة، وهذا الاختصار والإيجاز، لكي لا يدفع بالمتلقي إلى الملل من جهة وإلى إقناعه من جهة أخرى، ويفسح له المجال لتتوسع في التأويل، وشرح هذه الحجج ليقنع نفسه بنفسه.
3) المحسّنات البديعيّة:
المحسّنات البديعيّة يمكنها أن تؤدّي الوظيفة الحجاجّية، ووجدنا المثل الشعبي يمتلك تللك المحسنات البديعية بكثرة، وذلك راجعٌ إلى بلاغة نصّ المثل، ولمقصدية المبدع في الإقناع والتأثير في المتلقي.
3-1) الطباق:
يتميّز الطّباق أو التّضاد بحضور قوي في الأمثال الشّعبية، وإنّ لهذا الحضور ما يسوّغه على المستوى الإبداعي والثقافي والاجتماعي، والطباق أو التضاد كما عرّفه راجي الأسمر: «هو الجمع بين متضادين، وقد يكون هذان المتضادان اسمين، نحو:«كريم بخيل» وفعلين نحو: «فرح حزن» وحرفين: «لنا علينا»» 34.
«إنّ الواقع الثقافي والاجتماعي الذي احتضن نصّ المثل الشعبي إبداعًا واستثمارًا ليس واقعًا منسجمًا، بل مملوءا بالمتناقضات، وبالتالي أصبح لزامًا على الفرد أن يكيّف حياته المعاشية( المادية والمعنوية) وفق قانون هذه المتناقضات التي يعيشها ويعايشها يوميًا، فهي صورة حية وناطقة على هذه التناقضات التي تواجه الفرد والمجتمع في آن واحد»35.
ومثال ذلك:
« أفتي معرفتي، راحتي ما أعرف شيء»36.
فبين«معرفتي» و«وما أعرف شيء» علاقة تضادية إنفعالية، ظهرت بشكل جلي على المستوى اللغوي.
فالعناصر اللّغوية لا تنفي بعضها البعض، ولا تتصارع فيما بينها، فهي تتكامل فيما بينها بالرغم من الطابع التناقضي الذي يميزّها لأنّ العلاقة التي تجمعها هي علاقة سلوكية أخلاقية اجتماعية، مؤدّاها أنّ الذي يعيش بالمعرفة يعيش متعبا من النّاس وإن راحته في أن يقول لا أعرف شيئًا، فالعلاقة التّطابقية هي بالأحرى علاقة تحويليّة تكامليّة.
فجُوخة الحارثي جاءت بهذه الأضداد من أجل تدعيم الطرح ويمكن أن نعدّ كلّ ثنائية بمثابة حجّة.
3-2) المقابلة:
ظهرت المقابلات في نصوص المثل الشعبي متنوعة ومتعددة، حيث منها البسيط القصير، ومنها المعقّد الطويل، وذلك يظهر جليًّا حسب مقام الكلام ومقصديّة الحديث.
وعرّف ابن رشيق القيرواني المقابلة بقوله: «هي ترتيب الكلام على ما يجب، فيعطي أوّل الكلام ما يليق به أولا، وآخره ما يليق به لآخره، ويؤتى في الموقف بما يوافقه، وفي المخالف بما يخالفه، وأكثر ما تجيء المقابلة في الأضداد، فإذا تجاوز الطباق ضدين كان مقابلة»37.
ومن أمثلة المقابلة: مقابلة عنصرين بعنصرين.
يقول المتوصّف «المحبوب محبوب: جاء ضحى وجاء غروب، والرامد رامد: جاء حاش وسامد»38.
ومعنى المثل: المحبوب يظلّ محبوبًّا مهما كان الوقت الذي يأتي فيه: سواء أكان ضحى أو عند الغروب، وغير المحبوب يظلّ غير مرضي عنه مهما اجتهد في الحصاد والسماد.
المحبوب ≠ الرامد (غير المحبوب)
محبوب ≠ رامد ( غير محبوب)
جاء ضحى وجاء غروب ≠ جاء حاش وسامد (غير مرضي عنه مهما اجتهد في الحصاد والسماد).
اكتسبت المقابلة نصّ المثل الشعبي بنية أدبية وجماليّة شاعرية وإيقاعيّة محكمة، من جهة، ومن جهة أخرى أكسبت النص بنية دلالية موسعة ومزدوجة الإيقاع، وكما يقول محمّد سعيدي: «تتّحد أبعادها وعلاقاتها بالمبدع والمتلقي وتأويلهما للحياة وموقعهما من القضايا الاجتماعية والنفسية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعقائدية»39.
3-3) السّجع
عرّف محمّد إبراهيم شادي السجع بقوله: «هو توافق نهايات الجمل، والأسجاع في النثر كالقوافي في الشعر. وقد جاء في كلام العرب قديمًا بالطبع والسليقة وكان له حسنه وأثره»40.
يعدّ المثل الشعبي خطابًا إيقاعيًّا بالدرّجة الأولى، وقد أكسبته هذه الإيقاعية اللّغة الشّعرية، التي قام بنيانه على حركيّتها من جهة، وممّا زاد في قوة هذه الإيقاعية تلك البنية البلاغيّة المتعدّدة ومتنوّعة الرّوافد من تكرار وجناس وتضادّ ومقابلة وتشبيه وغيرها من جهة أخرى، وأنّ البنية الإيقاعية المحركّة لنصوص الأمثال الشّعبيّة، خلقت موسيقى خاصة ومميّزة، سواء على مستوى التلفّظ لدى القائل، أو على مستوى التلقّي، حيث يستسلم المتلقّي بحواسّه لتلك اللذّة التي قد يحدثها النّص والتي تحرّك الوجدان الدّاخلي فيحتضن نصّ المثل الذي استقرّ في الأذن، ثم في باطن الذات، ليتجاوب مع الاستيعاب والمساءلة41.
مثال على ذلك:
يقول المتوصّف «المحبوب محبوب: جاء ضحى وجاء غروب، والرّامد رامد: جاء حاش وسامد»42.
هذه البنية الإيقاعية القائمة على السّجع وهو انتهاء آخر كلمة من كلّ جزء من هذا النّص بحرف (الباء) في القسم الأوّل، وحرف (الراء) في القسم الثاني، ويعمل الحرفان على استمالة المتلقي حسيًا، فيعطيان موسيقى خاصة، تجعل من المتلقي ينتبه، ومن ثم يقتنع ويتأثر.
وإنّ المبدع الشعبي قد استعمل هذه الصّورة البلاغية «السّجع» ليس لغاية جمالية، وإنّما لغاية حجاجية، ففي الموسيقى حجاج. فالذات المتلقيّة تتأثر بالإيقاع أو قل السّجع في المثال فتحدث موسيقاهما، حركة انفعالية لدى المتلقي الذي يتأثر عند سماعه لهذا النص أو ذاك بذلك الواقع الموسيقي الذي يحدثه السجع، فإيقاع نص المثل الشعبي المزدوج( اللذّة/ الانفعال) ومن ثم الإقناع والحجاج.
ولعلّ ما يؤهّل نصّ المثل الشعبي إلى مرتبة أدبية وجمالية هي تلك الإيقاعيّة التي تحرّكه على مستوى اللذّة وعلى مستوى الانفعال( الحِجاج).
خاتمة البحث
لقد عالجنا في هذا البحث حجاجّية المثل الشّعبي في رواية « سيّدات القمر» للأديبة العُمانية جُوخة الحاراثي، وتتبّعنا نصوص المثل الشعبي المبثوثة على خارطتها الجغرافية، وحللنّاها تحليلًا حجاجيًّا . ويمكننا الوقوف على جملةٍ من الاستنتاجات التي خلصنا إليها بعد هذا البحث ونجملها في الآتي:
1. أنّ المثل الشعبي يحمل طابعًا حجاجيًّا بامتياز، فالمتكلّم/ جُوخة الحارثي تريد من خلاله الوصول إلى أغراضها من جهة التأثير، وإقناع المتلقي من جهة أخرى، وقد تنوّعت هذه الأغراض الحجاجية في رواية» سيدات القمر».
2. أنّ المثل الشّعبي لعب دورًا مهمًا في رواية» سيدات القمر» فقد عبّر بصدق من خلال منهجه التّجريبي عن الأفكار الحقيقة والفلسفية لها، ومثّل أنموذجًا ذا قيمة حجاجيّة عالية جدًّا لا بدّ من احتوائها في السّلوك الإنساني، وكان الهدف الأسمى من الحِجاج بالمثل الشّعبي هو إيصال رسالة البيئة المحلية العُمانية القديمة المحافظة على تقاليدها وعاداتها للقارئ بغية حصول الإقناع والاقتناع.
3. إنّ الأمثال الشّعبية التي أوردتها الرّوائيّة جُوخة الحارثي كلّها مستقاة من الواقع المحلي للبيئة العُمانية بهدف توثيقها للأجيال القادمة.
4. شكّلت بعض المواقف خلفيّة رئيسة للعمل الرّوائي الذي قدّمته الكاتبة، وكانت قرية العوافي هي المركز الذي تدور عليه الأحداث في رواية«سيدات القمر». فهي مكان التّكوين والذّكريات الجميلة، وهي مكانٌ لأحضان العائلة الدّافئة، ومكانٌ لما سيأتي لاحقًا من أحداث متنوّعة تتّصل بالشّخصيات النّامية، منها خرجت الشّخصيات وإليها تعود.
5. لقد اشتغلت الرّوائية جُوخة الحارثي على المثل الشّعبي المحلّي في الرواية العُمانية الأمر الذي أضفى جمالية على النّص الرّوائي وإقناعية بحميمية الالتحام بالواقع والتّاريخ على حدٍّ سواء، والرّوائية وهي تشتغل على المثل الشّعبي المحلّي في « سيدات القمر» تكون قد أصّلت لهذا الجنس الجديد الوافد على منطقة الخليج العربي.
6. نجحت الرّوائية جُوخة الحارثي في إبراز الأسلوب الفنّي والإبداعي المُساهم في تنامي أحداث روايتها معتمدةً في ذلك على كمٍّ كبيرٍ من الثّقافة والفكر ومُستعينة بقوة الأمثال الشّعبية العُمانية المنسجمة تمامًا وروح الخِطاب الرّوائي وتوجيه خِطاب الرّواية توجيهًا حجاجيًّا.
7. جاء المثل الشّعبي حاملًا صورًا بلاغيّة كالاستعارة والكناية والإيجاز والتمثيل والمقابلة والطباق والسّجع...، وهي عناصر تكسب القول درجة عالية من الإقناع والتأثير، ويمكن النظر إلى هذه الوسائل نظرة جمالية، بالإضافة إلى النظرة الحجاجّية التي تؤدّي الدّور الأساس في نصوص الأمثال الشّعبية المحلية.
8. أنّ العلاقة الوطيدة بين المثل والكناية قد ألهمت الكاتبة القوة الإبداعيّة الفنّية للقول، وما لا تريد قوله صراحة وعلانية لأسباب أخلاقّية أو عقدّية أو إيديولوجية، فالمجال أصبح واسعًا بتبني هذه الطريقة للمثل إذ اقتحم الفضاءات الممنوعة، فقد تحدّث عن الممنوع والملفوظ، بلغة سهلة تاركًا المجال للمتلقي ليؤول ما يقدر على تأويله، فالكناية تساعد المتلقي في الكشف عن الدلالة المسكوت عنها، وبالتالي تربطه مع المتكلّم عقودًا ذاتية وأخلاقيّة ونفسّية وأيدلوجية، بحيث أنّهما يتكلّمان اللّغة الرّمزيّة نفسها وينهلان من المنهل المرجعي نفسه، وهذا الفعل يؤهّلهما للتحليق بالنّص بين الحقيقة والمجاز.
9. لقد لعبت الاستعارة التّمثيلية دورًا بارزًا في تحديد مقصديّة المثل الشّعبي إذ اكتسب النّص دلالات واسعة كان لها تأثير لغوي في إبلاغ المتلقي مقصدية المتكلم/ جُوخة الحارثي بطريقة موجزة ومقتصدة في اللّغة، واستطاعت الإبداع في المثل الشعبي أن يقول ما عجز عن قوله في غياب اللّغة من جهة، وفجّر الحدود الدلاليّة بين فضاءات مختلفة من جهة أخرى.. فالإبداع الشّعبي عبر المثل قد اخترق بتوظيفه الاستعارة التمثيلية الحدود اللّغوية والبلاغية الخاصة بكلّ فضاء، وبكلّ شيء، وبكلّ موضوع، اخترقها ليشكّل منها كلًا واحدًا متناقضًا في لغته، بيد أنّه متجانس فيما توحي إليه دلالته.
10. أنّ الكناية في المثل الشّعبي في «سيدات القمر» كان لها دورٌ مهمٌ في الحجاج، إذ هي بمثابة الدليل الذي يلجأ إليه المتكلم لإثبات معانيه وإقناع قارئه، فالمتكلم/ جُوخة الحارثي أطلقت هذه الأمثال الشّعبية في صفة كناية لتصل إلى هدفها الحجاجي، وهو تقريب المتلقي إلى أطروحتها بهدف إقناعه وحتى تجعله يكتشف ذلك بتأويله ومتى اكتشف ذلك أقرّ بصحة الأطروحة، وهذا ما تطمح إليه الكاتبة.
11. برزت أهمّية الإيجاز في المثل الشّعبي في هذه الرّواية ودوره الفعّال في العملية الحجاجية، فهو وسيلة للتأثير في المتلقي، إذ أن القصير الموجز أنفذ إلى الأسماع، وأحسن موقعًا في القلوب، وإذا ما جئنا إلى الإبداع الشعبي نجد أنّ هذه آلية الإيجاز البلاغية موجودة بكثرة، إذ تعد خاصية من خصائصه، وكأنّ المبدع أقام نصّه على الإيجاز بما فيه من الأهمية في انتباه المتلقي.
12. لقد لعب المحسّن البديعي دورًا حجاجيًّا، بالإضافة إلى وظيفتة الجمالية: فلقد اكتسبت المقابلة نصّ المثل الشعبي بنية أدبية وجمالية شاعرية وإيقاعية محكمة، من جهة، ومن جهة أخرى أكسبت النّص بنية دلالية موسعة ومزدوجة الإيقاع.
13. أنّ الطّباق تميّز بحضور قوي في الأمثال الشّعبية في «سيدات القمر»، وإنّ لهذا الحضور ما يسوّغه على المستوى الإبداعي والثقافي والاجتماعي، وإنّ الواقع الثّقافي والاجتماعي الذي احتضن نصّ المثل الشّعبي المحلي في البيئة العُمانية إبداعًا واستثمارًا ليس واقعًا منسجمًا، بل مملوءًا بالمتناقضات.
14. أنّ استعمال المبدعة جُوخة لهذه الّصورة البلاغية «السّجع» في المثل الشّعبي ليس لغاية جمالية، وإنّما لغاية حجاجّية، ففي الموسيقى حِجاج. فالذّات المتلقّية تتأثّر بالإيقاع أو قل السّجع في المثال فتحدث موسيقاهما، حركة انفعاليّة لدى المتلقي الذي يتأثّر عند سماعه لهذا النّص بذلك الواقع الموسيقي الذي يحدثه السّجع، فإيقاع نصّ المثل الشّعبي المزدوج (اللذّة/ الانفعال) ومن ثم الإقناع والحجاج. .
الهوامش
1. " فالتداولية: تختص بدراسة دلالة المعنى كما يوصله المتكلم ويفسره المستمع، ولذلك فهي تهتم بتحليل ما يعنيه النّاس بألفاظهم (...) ويدرس هذا المنهج أيضًا الكيفية التي يصوغ من خلالها المستمعون استدلالات حول ما يقال للوصول إلى تفسير المعنى المقصود من المتكلم.." انظر: جورج يول، التداولية، ترجمة قصي العتابي، ط1، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الرباط: دار الأمان، 2010، 19.
2. ابن منظور، لسان العرب، ط1، بيروت: دار صادر، مج 2، ص228.
3. أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، مقاييس اللّغة، ط1، بيروت: دار الجيل، مج2، 1991، ص30.
4. أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري، أساس البلاغة، ط، بيروت: دار صادر، 1992، ص113.
5. The grand Robert dictionnaire of langue Francis, 1st radiation, Paris,1989,p535-
6. Cambridge Advanced Learns, diction. Cambridge university, press 2nd pud 2004,p56-
7. محمّد طروس، النظرية الحجاجية من خلال الدراسات البلاغية والمنطقية واللسانية، ط1، المغرب: دار الثقافة، 2005، ص11.
8. Perlman and Tytica, Trait of The argumentation pci t.p5 . -
9. نقلًا عن عبدالله صولة، الحجاج في القرآن الكريم من خلال أهم خصائصه الأسلوبية، ط1، دار الفارابي، 2000، ص8.Decrot and Ansconbre , Largementation dans the langue, Op cit, p5,-
10. مرجع سابق، ص37. عبد الله صولة،-
11. عبدالله صولة، مرجع سابق، ص 39.
12. سورة النساء، الآية 107. -
13. محمّد بن عاشور، التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، ط1، بيروت: مؤسسة التاريخ، مج4، ص 248 -
14. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت: دار الفكر،ج1، ص220.
15. حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمّد الحبيب بن خوجه، تونس: دار الكتب الشرقية، 1966، ص63.
16. عبدالله صولة، مرجع سابق، ص12.
17. طه عبد الرحمن، اللسان والميزانأو التكوثر العقلي، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1987، ص226.
18. عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية، ط2، بيروت: دار الكتاب، 2004، ص456.
19. محمّد العمري، في بلاغة الخطاب الإقناعي، مدخل نظري وتطبيقي لدراسة الخطابة العربية، ط1، الدار البيضاء: دار الثقافة، 1986، ص09.
20. المرجع نفسه، ص10.
21. المرجع نفسه، ص 59.
22. علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة ، تحقيق علي زينو وأحمد القادري،ط1، سورية: دار قباء، 2015،ص127.
23. محمّد الهادي الطرابلسي، خصائص الأسلوب في الشوقيات، ط منشورات الجامعة التونسية ، 1981، ص167.
24. السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، ط دار الكتب العلمية، بيروت، ص 258.
25. جُوخة الحارثي، سيدات القمر، ط8، بيروت: دار الآداب للنشر والتوزيع، 2019، ص22.
26. عبدالقادر الجَرجَاني، دلائل الإعجاز، تحقيق الشّيخ محمّد عبده ومحمّد محمود التركزي الشّنقيطي، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية 1988. ص52-
27. ركن الدِّين محمّد الجرجاني، الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، علق عليه إبراهيم شمس الدين، ط1، دار الكتب العلمية،2002،ص189.
28. جورج لايكوف ومارك جونسن، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة، ط1، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 1996.ص64.
29. أبو الفضل أحمد بن إبراهيم الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، د.ط، بيروت: المكتبة العصرية، 1992، ص5.
30. الرواية، مصدر سابق، ص22.
31. بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط2، ج2، ص301.
32. أوليفي ربول، الحجاج مفهومه ومجالاته( نصوص مترجمة) الأردن: عالم الكتاب الجديد، 2010، ج3، ص34. -
33. 105. الرواية، ص-
34. راجي الأسمر، علوم البلاغة، إشراف إميل يعقوب، ط1، بيروت: دار الجيل، 1999، ص111.
35. محمود سعيدي، التّشاكل الإيقاعي والدّلالي في نصّ المثل الشّعبي، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون لجزائر،2009، ص،42-
36. الرواية، ص 71.
37. ابن رشيق القيرواني، العمدة، تحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد، بيروت: دار الجيل، 1984، ص216. -
38. الرواية، ص 24.
39. محمّد سعيدي، مرجع سابق، ص 42.
40. محمّد إبراهيم شادي، علوم البلاغة وتجلي القيمة الوظيفية في قصص العرب: المعاني والبيان والبديع، ط1، المنصورة: دار اليقين للنشر والتوزيع، 2011، ص528.
41. محمود سعيدي، مرجع سابق، ص 5-6.
42. الرواية، ص 24.
المصادر والمراجع من أمّهات الكتب:
- - القرآن الكريم، منقحًا على الرسم العُثماني، ط. دار الصفوة، بيروت، د.ت.
- -ابن مظور، أبو الفضل جمال الدِّين محمّد بن مكرم(ت711ه)، لسان العرب، ط1، دار صادر، بيروت، 15جزءًا، 1990.
المصادر
المصدر المعتمد في البحث (رواية سيدات القمر):
- جُوخة الحارثي، سيدات القمر، ط8، بيروت: دار الآداب للنشر والتوزيع، 2019.
المصادر العامة:
- (كتب الأدب والموسوعات والشروح والمختارات والتفاسير والمعاجم)
- أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، مقاييس اللّغة، ط1، بيروت: دار الجيل، مج2، 1991.
- أبو الفضل أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، د.ط، بيروت: المكتبة العصرية، 1992.
- أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري، أساس البلاغة، ط، بيروت: دار صادر، 1992.
- أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت: دار الفكر،ج1، 1966.
- أبو عليّ الحسين بن رشيق القيرواني، العمدة، تحقيق محمّد محي الدّين عبد الحميد، بيروت: دار الجيل، 1984.
- بدر الدّين الزّركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط2، بيروت: دار التراث،2008.
- حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمّد الحبيب بن خوجه، تونس: دار الكتب الشّرقية، 1966.
- ركن الدِّين محمّد بن علي بن محمّد الجرجاني، الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، علق عليه إبراهيم شمس الدين، ط1، دار الكتب العلمية،2002،ص189.
- عبدالقادر الجَرجَاني، دلائل الإعجاز، تحقيق الشّيخ محمّد عبده ومحمّد محمود التركزي الشّنقيطي، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1988.
- محمّد بن عاشور، التّحرير والتّنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، ط1، بيروت: مؤسسة التّاريخ.لا.ت.
المراجع العربية:
- راجي الأسمر، علوم البلاغة، إشراف إميل يعقوب، ط1، بيروت: دار الجيل، 1999.
- السّيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، ضبط وتدقيق وتوثيق يوسف الصميلي، ط دار المكتبة العصرية، بيروت،2016.
- عبدالله صولة، الحجاج في القرآن الكريم من خلال أهم خصائصه الأسلوبية، ط1، دار الفارابي، 2000.
- عبد الهادي بن ظافر الشّهري، استراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية، ط2، بيروت: دار الكتاب، .2004
- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة: البيان والمعاني والبديع، تحقيق علي زينو وأحمد القادري،ط1، سورية: دار قباء، 2015
- محمّد إبراهيم شادي، علوم البلاغة وتجلي القيمة الوظيفية في قصص العرب: المعاني والبيان والبديع، ط1، المنصورة: دار اليقين للنشر والتوزيع، 2011
- محمّد طروس، النّظرية الحجاجية من خلال الدّراسات البلاغية والمنطقية واللسانية، ط1، المغرب: دار الثقافة، 2005.
- محمّد العمري، في بلاغة الخطاب الإقناعي، مدخل نظري وتطبيقي لدراسة الخطابة العربية، ط1، الدار البيضاء: دار الثقافة، 1986.
- محمّد الهادي الطّرابلسي، خصائص الأسلوب في الشّوقيات، ط منشورات الجامعة التّونسية ، 1981.
- محمود سعيدي، التّشاكل الإيقاعي والدّلالي في نصّ المثل الشّعبي، د ط، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون لجزائر، 2009.
- طه عبد الرّحمن، اللسان والميزان أو التّكوثر العقلي، الدّار البيضاء: المركز الثّقافي العربي، 1987.
المراجع الأجنبية والمترجمة للعربية:
- - Ansconbre , Largementation dans the langue, Op cit, p5.
- -Cambridge Advanced Learns, diction. Cambridge university, press 2nd pud 2004.
- - The grand Robert dictionnaire of langue Francis, 1st radiation, Paris,1989.
- - Decrot and Perlman and Tytica, Trait of The argumentation pci t.p5 .
- - أوليفي ربول، الحجاج مفهومه ومجالاته( نصوص مترجمة) الأردن: عالم الكتاب الجديد، 2010.
- - جورج لايكوف ومارك جونسن، الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة عبد المجيد جحفة، ط1، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 1996.
- - جورج يول، التّداولية، ترجمة قصي العتابي، ط1، بيروت: الدّار العربية للعلوم ناشرون، الرّباط: دار الأمان، 2010.
الصور
1. https://3.bp.blogspot.com/-OIMyIGJVGO4/UugX-uvH25I/AAAAAAADFeE/ChGZZ_4I9Ps/s1600/Holly+Sierra+%252B+Tutt%2527Art%2540+%252816%2529.jpg
2. https://i.pinimg.com/564x/13/2e/37/132e370d4e679e47832bfa4ee190a7f1.jpg
3. https://i.pinimg.com/564x/a1/7d/b8/a17db86bc7a53e0322731a5861ac1164.jpg