فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
56

هجرة المقامة إلى الأندلس: «مقامة العيد» بين القالب الكلاسيكي الوافد والمحتوى الشعبي المحلي

العدد 56 - أدب شعبي
هجرة المقامة إلى الأندلس: «مقامة العيد» بين القالب الكلاسيكي الوافد والمحتوى الشعبي المحلي
المملكة المغربية

مقدمة:

لقد كرست المقامات سلطة النموذج: جل المقامات التي ظهرت في تاريخ الأدب العربي عبارة عن نسخ مطابقة للأصل؛ الذي ظهر في القرن الرابع الهجري مع الهمذاني(ت398ه)، واتخذ صورته النهائية مع الحريري(ت 516ه). الجديد الذي نزعم تقديمه هنا هو عرض وتحليل مقامة تنزاح عن سلطة النموذج: فهي –مبدئيا- تحافظ على القالب العام للمقامة الكلاسيكية. لكن، تشحنه بمضامين مستوحاة من البيئة الشعبية لمدينة غرناطة على مستويين:

- مستوى الأحداث المرتبطة ببعض العادات والتقاليد الغرناطية.

- مستوى اللغة، المستمدة من اللهجة الغرناطية؛ التي وصفت منذ القديم بأنها كثيرة الانحراف عما تقتضيه أوضاع اللغة العربية.

يتعلق الأمر بمقامة العيد لابن مرابع الأزدي؛ الذي يقدمه أحد المترجمين له بأنه نموذج لـ«الصعلوك الساخر».

لبيان مظاهر الخروج عن سلطة النموذج سنبدأ بتمهيد نتتبع من خلاله قنوات انتقال المقامة من المشرق إلى الأندلس (الرواية، والشرح، والمعارضة). وهي قنوات كرست سلطة النموذج الأصلي. لننتقل –بعد ذلك- إلى تحليل مقامة العيد؛ من خلال التركيز على مظاهر استيحاء الثقافة الشعبية الغرناطية.

تمهيد:

المقامة في الأندلس بين الرواية والشرح والمعارضة:

استعملت المقامة لغة بمعنى «المجلس»؛ ودليله قول زهير بن أبي سلمى(1):

وفيهم مقامات حسان وجوههم

وأندية ينتابها القول والفعـل

كما تأتي أحيانا بمعنى «الجماعة التي يضمها المجلس أو النادي»؛ كما في قول لبيد بن أبي ربيعة(2):

ومقامة غلب الرقاب كأنهـم

جن لدى باب الحصــير قيام

وقد تطور هذا المعنى -عبر العصور– ليصبح دالا على «الأحدوثة من الكلام». وهذا ما أشار إليه القلقشندي(ت821ه) بقوله: «وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها»(3).

أما المعنى الاصطلاحي للمقامة فسيظهر مع بديع الزمان الهمذاني (ت398ه). يشير بعض الدارسين إلى تأثره بالقصص والأخبار التي كانت متداولة في مجالس العرب. كما تأثر بروايات ابن دريد (223ه)؛ التي أولع فيها بالألفاظ الصعبة، والكلمات والتراكيب الغريبة. وهذا ما يؤكده أبو إسحاق علي الحصري (ت413ه) في كتابه «زهر الآداب وثمر الألباب» بقوله: إن بديع الزمان «لما رأى أبا بكر محمد بن الحسين بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها للأفكار والضمائر، في معارض عجمية، وألفاظ حوشية..عارضه بأربعمائة مقامة في الكدية، تذوب ظرفاً، وتقطر حسناً»(4).

لقد تميزت المقامة –عند الهمذاني- بوظيفتها التعليمية، وقيمتها البيانية اللغوية: فقد جاءت في قالب قصصي قصير، واستخدمت لإظهار البراعة اللغوية والأدبية، وأشكال التزويق والتنميق في علمي البيان والبديع. وكانت تختزل -بصورة جزئية- الحياة السائدة في عصره، وتقوم على إظهار مآزق الحياة، وكيفية التخلص منها.

بعد بديع الزمان الهمذاني ظهرت مقامات أخرى، مثل «مقامات ابن نباتة المصري» (ت405ه)، ثم «مقامات ابن ناقيا» (ت485ه). وسيتشكل فن المقامة في صورته النهائية مع أبي القاسم الحريري (ت 516 ه). ومنذ ذلك الوقت كتب في هذا الفن كثير من أدباء العالم الإسلامي. لكن، مقامات الحريري اكتست صورة النموذج الذي أرخى بظلاله على ما سواه، مما أُلف من قبل أو من بعد.

وكان طبيعيا أن ينتقل هذا الفن إلى اسبانيا منذ ظهوره بالمشرق، إذ رحل –في وقت متقدم- الكثير من الأندلسيين إلى المشرق طلبا للعلم. هناك تعرفوا إلى هذا الفن الأدبي، ونقلوه إلى بلادهم بعد عودتهم. وكان هذا النقل عبر ثلاث قنوات: الرواية، والشرح، والمعارضة:

1) الرواية:

تعرف الأندلسيون إلى فن المقامة في وقت متقدم من تاريخ الإسلام في الأندلس. وكانت البداية مع مقامات بديع الزمان الهمذاني. لكن، سرعان ما انصرفوا عنها إلى مقامات الحريري. يمكن تفسير ذلك بعاملين: أولهما تاريخي: «راجع إلى الصلة بين بعض الأندلسيين والحريري، فقد وجد منهم من سمع منه مقاماته»(5). ويتعلق ثانيهما بما حظيت به مقامات الحريري من شهرة؛ جعلت منها «كتابا لا يحتاج إلى تعريف لشهرته»(6). بل إن الزمخشري يقسم «بالله وآياته ومشعر الحج وميقاته أن الحريري حريٌّ بأن نَكتُبَ بالتبر مقاماته»(7).

من الراجح أن مقامات الحريري قد وصلت إلى الأندلس والمغرب منذ بداية تداولها. ما يؤكد ذلك هو ما رواه أحد رُوي عن القاضي عياض (476ه - 544ه):

«لما وصل إلى بلادنا كتاب المقامات للحريري (ت485ه) -وكنت لم أرها قبل- لم أنم ليلة طالعتها حتى أكملت جميعها بالمطالعة»(8) وقد وردت في كتاب «التكملة لكتاب الصلة»(9)إشارات عدة إلى الأندلسيين الذين سمعوا «مقامات الحريري» مباشرة منه، ثم رجعوا إلى الأندلس لرواية ما سمعوه:

- فهو يذكر -حين يترجم لأحمد بن محمد بن خلف بن محرز بن محمد الأنصاري- أنه «سمع مقامات الحريري منه مع أبي القاسم بن جهور في جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة»(10).

- كما يذكر علماء آخرين أمثال: الحسن بن علي بن الحسن بن عمر الأنصاري البطليوسي؛ الذي سمع من «أبي محمد الحريري .. مقاماته ببستانه ببغداد»(11).

- في ترجمته ليحيى بن أحمد بن يحيى بن سيد بونه القضاعي يقول: «لقي بالمرية أبا الحجاج القضاعي، فسمع منه مقامات الحريري»(12).

- قال عن عبد الجبار بن محمد بن علي المعافري أنه «سمع من أبي محمد عبد الله بن أبي محمد القاسم بن علي الحريري مقامات أبيه. روى عنه أبو محمد بن أبي بكر الجذامي السبتي، سمع منه المقامات بمصر سنة 552»(13).

- يذكر محمد بن عبد الله بن ظفر أنه اخذ مقامات الحريري من أبي العباس أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني؛ الذي أقر بأنه أخذها «قراءة عن الإمام أبي محمد أبي القاسم بن علي الحريري رحمه االله»(14).

- أشار الشريشي في مقدمة شرحه لمقامات الحريري أنه أخذها رواية عن مجموعة من العلماء؛ يذكر منهم: الفقيه المقرئ أبو بكر بن زهر الحجري، وأبو بكر بن مالك الفهري، والفقيه أبو الحجاج الأبَّذي القضاعي، والشيخ الفقيه أبو محمد عبد الله بن عبد الله الحجري، والكاتب أبو الحسين بن جبير(15).

2) الشرح:

لم يكتف الأندلسيون برواية المقامات فحسب، بل تناولوها بالشرح. من المناسب التذكير هنا أن شروح المقامات ليست جديدة؛ بل هي ظاهرة لازمت المقامات منذ ظهورها: ذلك لأن لغة المقامات لم تكن سهلة المنال؛ فهي بعيدة عن الحياة اليومية. لذلك فهي في حاجة إلى شرح «ومن ثم تأتي ضرورة الشارح، الذي تقوم وظيفته على جعل النص في متناول الذين لا يمتلكون، أو لا يمتلكون بالقدر الكافي، اصطلاح الأدب ومواضعاته»(16).

في ما يتعلق بشروح الأندلسيين نشير هنا إلى مؤلفات؛ مثل:

- التنقيب على ما في المقامات من الغريب شرح مقامات الحريري» لمحمد بن عبد الله بن ظفر الصقلي المكي(576ه)(17).

- شرح مشكل ألفاظ مقامات الحريري» لأبي الطيب المعافري (565ه)(18).

- لعل أشهر الشروح وأهمها «شرح مقامات الحـريـري» لأبـي العبـاس أحمـد الشريشي(19) (ت219ه):

وقد عرض الشريشي في مقدمة كتابه للهدف من تأليف الكتاب، وكذا طبيعة المنهج الذي اعتمده في التأليف بقوله: «فاستخرت الله تعالى في ضم ما انتشر من فوائدها، ونظم ما انتثر من فرائدها، والاعتناء بتأليفٍ في المقامات يُغني عن كل شرح تقدم فيها، ولا يحوج إلى سواه في لفظ من ألفاظها ولا معنى من معانيها، فتم من ذلك مجموع جامع، وموضوع بارع أودعته من اللغات أصحها وأوضحها، وأسلسها قياد لفظ وأسمحها؛ وأولاها بالصواب في مظان الاختلاف وأرجحها؛ ونسبت المشكل منها إلى قائله من جهابذة العلماء، وجمعت بين مشهور اللغات ومشهور الأسماء، وسكبت العبارة عن المعاني يدل على الإلغاء والإصغاء»(20).

3) المعارضة:

كما سيعمل بعض الأندلسيين على معارضة المقامات المشرقية؛ إذ كان من الطبيعي أن يظهر تيار من المحاكاة في ميدان كتابة المقامات؛ حتى غدا الكثير من الأدباء يؤلفون في هذا الصنف من الأدب. لكن، الملاحظ على ما وصلنا - في المصادر والمراجع القديمة والحديثة- أن أغلبها معارضات لمقامات الحريري، ولا نستطيع أن نتعرف من خلالها على معارضات لمقامات الهمذاني:

لقد أطنب ابن بسام (450ه) في مدح مقامات الهمذاني؛ في مثل قوله: «كلامه غض المكاسر، أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفا، والهوا يعشقه ظرفا.. في معان تضحك الحزين، وتحرك الرصين يطالع منها كل طريقة، ويوقف منها كل لطيفة»(21). لكننا لا نستطيع أن نتعرف من خلال الكتاب على نماذج لمعارضات الهمذاني.

تصدق الملاحظة نفسها على أبي القاسم الكلاعي؛ الذي أعجب بمقامات الهمذاني؛ إلى حد الاستشهاد بمقاطع منها(22)؛ ولا يحدثنا عن امتداداتها عند الأندلسيين.

لقد أورد الدكتور إحسان عباس ثبتا بأهم ما قدمه الأندلسيون في فن المقامة(23). لكن، الملاحظ أن أغلب هذه المقامات لم يصلنا. وسنكتفي هنا بذكر ما تم تحقيقه، ونشره بصورة مستقلة أو جمعه مع غيره:

- «مسائل الانتقاد» لمحمد بن شرف القيرواني(24).

- «المقامات السرقسطية»؛ المعروفة ب «اللزومية» لأبي طاهر محمد التميمي السرقسطي(25).

- «معيار الاختيار في أحوال المعاهد والديار»(26)، و«خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف» للسان الدين بن الخطيب(27).

- «المقامة القرطبية»، وعنوانها: «ميزان الأعيان بحكم الزمان إنشاء فلان بن فلان»؛ تنسب إلى أبي عبد الله بن أبي الخصال(28).

- «رسالة الانتصار في الرد على صاحب المقامة القرطبية»، كتبها أبو جعفر بن أحمد(29).

- «المقامة الدوحية» لمحمد بن عياض(30).

- «مقامة الوباء» للفقيه عمر المالقي(31).

لقد كان الغالب على هذه النصوص هو محاكاة النموذج المشرقي؛ المتمثل في ما كتبه الحريري. ففي المقامة السرقسطية –مثلا- تقليد للحريري: بحيث جعلها المؤلف في خمسين مقامة بعدد مقامات الحريري. كما اختار لمقامته راويا أطلق عليه اسم السائب بن همام، وبطلا أسماه أبا حبيب السدوسي(32)؛ على غرار الحريري.

لقد شكلت مقامات الحريري ما يمكن أن نسميه «النموذج الأصلي» أو«الشاهد الأمثل»(33). فعل إسناد صلاحية الاتباع إلى بعض النصوص دون أخرى لتصبح نصا أو شرعة، هو فعل انتقائي واختياري، يخضع لنوع الرؤية العامة للعالم والوجود»(34).

لكن، سنقف من خلال البحث عند مقامة تتجاوز القالب الكلاسيكي الذي أرسته كتابات الحريري؛ لتستوحي البيئة المحلية الشعبية التي عاش فيها مؤلفها. يتعلق الأمر بمقامة العيد لابن مرابع الأزدي؛ الذي يقدم هنا نموذج «الصعلوك الساخر»(35)، كما وصفه بعض من ترجم له.

نص مقامة العيد لابن مرابع الأزدي:

يقول شاكر الأيادي وذاكر فخر كل نادي وناشر غرر الغرر للعاكف والبادي والرايح والغادي اسمعوا مني حديثًا تلذُّه الأسماع ويستطرفه الاستماع. ويشهد بحسه الإجماع. ويجب عليه الاجتماع. وهو من الأحاديث التي لم تتفق إلا لمثلي لا ذكرت عن أحد قبلي. وذلك يا معشر الألبا والخلصاء الأحبا. أني دخلت في هذه الأيام داري. في بعض أدواري لأقضي من أخذ الغذاء أوطاري. على حسب أطواري. فقالت لي ربة البيت لم جئت. وبما أتيت. قلت جيت لكذا كذا فهات الغدا فقالت لا غذا لك عندي اليوم. ولأودى بك الصوم. حتى تسل الاستخارة وتفعل كما فعل زوج الجارة طيب الله نجاره. وملأ بالأرزاق وجاره. قلت وما فعل قريني. وأرني من العلامة ما أحببت أن تريني. قالت إنه فكر في العيد. ونظر في أسباب التعييد‏. وفعل في ذلك ولم تنظر إليه نظرة بعين اهتبالك. وعيد الأضحى في اليد. والنظر في شراء الأضحية اليوم أوفق من الغد. قلت دقت وبالحق نطقت بارك الله فيك وشكر جميل تحفيك. فلقد نبهت بعلك لإقامة السنة ورفعت عنه من الغفلة منة. والآن أسير لأبحث عما ذكرت. وأنظر في إحضار ما إليه أشرت ويتأتى ذلك إن شاء الله بسعدك. وتنالين فيه من بلوغ الأمر غاية قصدك. والجد ليس من الهزل والأضحية للمرأة وللرجل الغزل. قالت دعني من الخرافات. والأخبار الزرافات. فإنك حلو اللسان قليل الإحسان. اتخذت الغربة صحبتك إلى ساسان. فتهاونت بالنسا وأسأت في من أسا. وعودت أكل خبزك في غير منديل. وإيقاد الفتيل دون قنديل. وسكنى الخان وعدم ارتفاع الدخان. فما تقيم موسما ولا تعرف له ميسما. وأخذت معي في ذلك بطويل وعريض وكلانا في طرفي نقيض إلى أن قلت لها إزارك ردائي. فقد تفاقم بك أمر دائي وما أظنك إلا بعض أعدائي قالت مالك والإزار شط بك المزار لعلك تريد إهانه في الأضحية والأبزار أخرج عني بلا مقيت لا عمرت معك ولا بقيت أو عدمت الدين وأخذ الورق بالعين. يلزمني صوم سنة لا أغفيت معك سنة إلا إن رجعت بمثل ما رجع به زوج جارتي ورأى لك الربح في تجارتي. فقمت عنها وقد لوت رأسها وولولت وابتدرت وهرولت وجالت في العتاب وصولت وضمت بنتها وولدها وقامت باللجج والانتصار بالحجج أودها فلم يسعني إلا أن عدوت أطوف السكك والشوارع وأبادر لما غدوت بسبيله وأسارع وأجوب الآفاق وأسأل الرفاق وأخترق الأسواق وأقتحم زريبة بعد زريبة وأختبر منها البعيدة والقريبة فما استرخصته استنقصته وما استغليته استعليته وما وافق غرضي اعترضني دونه عدم عرضي حتى انقضى ثلثا يومي وقد عييت بدوراني وهمومي وأنا لم أتحصل من الابتياع على فايدة ولا عادت علي فيه من قضاء الأرب عايدة فأومأت الإياب وأنا أجد من خوفها ما يجد صغار الغنم من الذئاب إلى أن مررت بقصاب يقصب في مجزره قد شد في وسطه مئزره وقصر أثوابه حتى كشف عن ساقيه وشمر عن ساعديه حتى أبدى مرفقيه وبين يديه عنز قد شد يديه في رقبته وهو يجذبه فيبرك ويجره فما يتحرك ويروم سيره فيرجع القهقرى ويعود إلى ورا والقصاب يشد على إزاره خيفة من فراره وهو يقول: اقتله من جان باغ وشيطان طاغ ما أشده وما ألذه وما أصده وما أجده وما أكثره بشحم وما أطيبه بلحم الطلاق يلزمه إن كان عاين تيسًا مثله أو أضحية تشبهه قبله أضحية حفيلة ومنحة جليلة. هنأ الله من رزقها وأخلف عليه رزقها. فاقتحمت المزدحم أنظر مع من نظر وأختبر في من اختبر. وأنا والله لا أعرف في التقليب والتخمين. ولا أفرق بين العجف والسمين غير أني رأيت صورة دون البغل وفوق الحمار وهيكلا يخبرك عن صورة العمار فقلت للقصاب كم طلبك فيه على أن تمهل الثمن حتى أوفيه فقال ابغني فيه أجيرا وكن له الآن من الذبح مجيرا وخذه بما يرضى لأول التقضي. قلت استمع الصوت ولا تخف الفوت. قال ابتعه مني نسيه وخذه هدية قلت نعم فشق لي الضمير وعاكسني فيه بالنقير والقطمير. قال تضمن لي فيه عشرين دينارًا أقبضها منك لانقضاء الحول دنيرًا دنيرًا. قلت إن هذا لكثير فاسمح منه بإحاطة اليسير. قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا أنقصك من هذا وما قلت لك سمسمة اللهم إن شئت السعة في الأجل فأقضي لك ذلك دون أجل فجلبني للابتياع منه الإنساء في الأمد. وغلبني بذلك فلم أفتقر منه لرأى والد ولا ولد ولا أحوجت نفسي في ذلك لمشورة أحد وقلت قد اشتريته منك فضع البركة ليصح النجح في الحركة. فقال فقيه بارك الله فيه قد بعته لك فاقبض متاعك وثبت ابتياعك. وها هو في قبضك فاشدد وثاقه وهلم لنعقد عليك الوثاقة. فانحدرت معه لدكان التوثيق وابتدرت من السعة إلى الضيق وأوثقني بالشادة تحت عقد وثيق وحملني من ركوب الدين ولحاق الشين في أوعر طريق. ثم قال لي هذا تيسك فشأنك وإياه وما أظنك إلا تعصياه وأت بحمالين أربعة فإنك لا تقدر أن ترفعه ولا يتأتى لك أن يتبعك ولا أن تتبعه ولم يبق لك من الكلفة إلا أن يحصل في محلك فيكمل سرور أهلك. وانطلقت للحمال وقلت هلم إلي وقم الآن بين يدي حتى انتهينا إلى مجزرة القصاب والعنز يطلب فلا يصاب فقلت أين التيس يا أبا أويس. قال إنه قد فر ولا أعلم حيث استقر. قلت أتضيع علي مالي لتخيب آمالي والله لأحزنك بالعصا كمن عصا ولرفعتك إلى الحكام تجري عليك منهم الأحكام. قال مالي علم به ولا بمنقلبه لعله فر لأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فعليك بالبريح. فاتجهت أنادي بالأسواق وجيران الزقاق من ثقف لي تيسًا فله البشارة بعد ما أتى بالأمارة وإذا برجل قد خرج من دهليز وله هدير هزيز وهو يقول من صاحب العنز المشوم لا عدم به الشوم إن وقعت عليه عيني يرتفع الكلام بينه وبيني. قلت أنا صاحبه فما الذي دهاك مني أو بلغك عني. قال إن عنزك حين شرد خرج مثل الأسد وأوقع الرهج في البلد وأضر بكل أحد ودخل في دهليز الفخارة فقام فيه وقعد وكان العمل فيه مطبوخًا ونيا فلم يترك منه شيا ومنه كانت معيشتي وبه استقامت عيشتي وأنت ضامن مالي فارتفع معي إلى الوالي والعنز مع هذا يدور وسط الجمهور ويكر كرة العفريت المزجور ويأتي بالكسر على ما بقي في الدهليز من الطواجن والقدور والخلق قد انحسروا للضجيج وكثر العياط والعجيج وأنت تعرف عفرطة الباعة وما يحوون من الوضاعة وأنا أحاول من أخذه ما أستطيع وأروم الإطاعة من غير مطيع والباعة قد أكسبته من الحماقة ما لم يكن لي به طاقة. ورجل يقول المحتسب وأعرف ما تكتسب وإلى من تنتسب فقد كثر عنده بك التشكي وصاحب الدهليز قبالته يبكي وقد وجد عنده عليك وجد الشكوى وأيقن أنك كسرت الدعوى وأمر بإحضارك وهو في انتظارك فشد وسطك واحفظ إبطك وإنك تقوم على من فتح باعه للحكم على البقعة ونصب لأرباب البراهين على أرباب الشواهين ورفع على طبقة ليملأ طبقة ثم أمسكني باليمين حتى أوصلني للأمين فقال لي أرسلت التيس للفساد كأنك في نعم الله من الحساد. قلت إنه شرد ولم أدر حيث ورج قال ولم لا أخذت ميثاقه ولم تشدد وثاقه يا شرطي طرده واطرح يدك فيه وجرده. قلت أتجردني الساعة ولست من الباعة قال لا بد من ذاك أو تضمن ما أفسده هناك. قلت الضمان الضمان الأمان الأمان. قال قد أمنت إن ضمنت وعليك الثقاف حتى يقع الإنصاف أو ضامن كاف فابتدر أحد إخواني بعض جيراني فأدى عني ما ظهر بالتقدير وآلت الحال للتكدير. ثم أردت الانصراف بالتيس لا كان كيانه ولا كون مكانه وإذا بالشرطي قد دار حولي وقال لي كلف فعلي بأداء جعلي فقد عطلت من أجلك شغلي فلم يك عندي بما تكسر سورته ولا بما تطفي جمرته فاسترهن مئزري في بيته ليأخذ مايته. وتوجهت لداري وقد تقدمت أخباري وقدمت بغباري وتغير صغاري وكباري والتيس على كاهل الحمال يرغو كالبعير ويزأر كالأسد إذا فصلت العير فقلت للحمال أنزله على مهل فهلال العيد قد استهل فحين طرحه في الأسطوان. كر إلى العدوان وصرخ كالشيطان وهم أن يقفز الحيطان وعلا فوق الجدار وأقام الرهجة في الدار ولم تبق في الزقاق عجوز إلا وصلت لتراه وتسل عما اعتراه وتقول بكم اشتراه والأولاد قد دارت به وأرهقهم لهفه ودخل قلوبهم خوفه فابتدرت ربة البيت وقالت كيت وكيت لا خل ولا زيت ولا حي ولا ميت ولا موسم ولا عيد ولا قريب ولا بعيد سقت العفريت إلى المنزل ورجعت بمعزل ومن قال لك اشتره ما لم تره ومن قال لك سقه حتى توثقه ومتى تفرح زوجتك والعنز أضحيتك ومتى تطبخ القدور وولدك منه معذور وبأي قلب تأكل الشوية ولم تخلص لك فيه النية واقلة سعدها وأخلف وعدها والله لو كان العنز يخرج الكنز ما عمر لي دارًا ولا قرب لي جوارًا أخرج عني يا لكع فعل الله بك وصنع وما حبسك عن الكباش السمان والضأن الرفيعة الأثمان يا قليل التحصيل يا من لا يعرف الخياطة ولا التفصيل أدلك على كبش سمين واسع الصدر والجبين أكحل عجيب أقرن مثل كبش الخطيب يعبق من أوداكه كل طيب يغلب شحمه على لحمه ويسيل الودك من عظمه قد علف بالشعير ودبر عليه أحسن تدبير لا بالصغير ولا بالكبير تصلح منه الألوان ويستطرف شواه في كل أوان ويستحسن ثريده وقديده في سائر الأحيان. قلت بيني لي قولك. لأتعرف فعلك. وأين توجد هذه الصفة يا قليلة المعرفة. قالت عند مولانا وكهفنا ومأوانا الرييس الأعلى الشهاب الأجلى القمر الزاهر. الملك الظاهر الذي أعز المسلمين بنعمته وأذل المشركين بنقمته‏.‏

تحليل مقامة العيد:

1) التأطير:

- النص: «مقامة العيد» مأخوذ من كتاب «الإحاطة في أخبار غرناطة»(36)، لذي الوزارتين ودفين الباب المحروق لسان الدين بن الخطيب(37).

- المؤلف: هو عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي(ت750ه). و هو من أهل مدينة بلّيش؛ المجاورة لمالقة. وقد أفرد له لسان الدين بن الخطيب ترجمة يذكر فيها ابن مرابع الأزدي كان من نبهاء أدباء البادية، وعلى قدر متوسط في النظم والنثر. وكان سيال القريحة، مرهوب الهجاء، يعيش من الخدم المخزنية: فقد استطاع –في وقت ما- أن يحظ بحماية أحد الملوك؛ الذي مكنه منصبا ما في الدولة. لكنه، لم يستمر فيها أمدا طويلا، فالقيد لا يتفق وطبيعته. وقد ذكر لسان الدين بن الخطيب أن الأزدي كان ممثلا حقيقيا للطريقة الأدبية الساسانية؛ بما تقوم عليه من امتهان للكدية، واستعمال المكر والخداع للوصول إلى المال(38).

2) الأحداث:

تتكون أغلب المقامات من جزئين: أولهما طويل نسبيا، وهو نص نثري مسجع. وثانيهما عبارة عن قصيدة، تظهر في نهاية المقامة بشكل عام. لهذه القصيدة أدوار مختلفة، تتراوح بين تجميل النص المسجع، أو توضيح غامضه، أو نقضه.

لقد أدرج الأزدي في آخر مقامته قصيدة في مدح أبا سعيد بن نصر الرئيس، الذي طلب منه الأضحية. لكن لسان الدين بن الخطيب حذفها لأنه: «أطال وفي ما ثبت كفاية» على حد تعبيره.

تبدأ المقامة بخطاب موجه إلى المتلقي، قصد شد انتباهه لمتابعة الأحداث، في أطوارها المثيرة. تنتقل المقامة بعدها إلى عتاب الزوجة لزوجها بعد دخوله المنزل؛ بدعوى عدم قيامه بواجباته. وتطلب منه الخروج للبحث عن أضحية العيد، كما فعل الجيران. يخرج الزوج للبحث عن كبش العيد. وبعد كد وتعب ونصب سيظفر بتيس عند قصاب. لكن، العثور على تيس لن يكون هو النهاية، بل سيكون هو بداية المشاكل: إذ لا يستطيع «القصاب»، ولا الراوي، ولا أي إنسان السيطرة على هذا التيس. بعد شرائه سيتمكن التيس من الفرار، فدخل دهليز فخار، وألحق به دمارا كبيرا. واضطر الراوي إلى تقديم كفالة أمام المحتسب، وسيحمل الراوي التيس إلى الدار مباشرة. وسيفرح الأولاد، وسيتطلع الجيران. لكن في المقابل ستبدأ لواذع الزوجة، التي لم ترض بهذه الأضحية. ستنتهي المقامة نهاية؛ نستشف من خلالها أن البطل سيتوجه بإيعاز من الزوجة إلى حاكم مالقة الرئيس أبي سعيد فرج بن نصر؛ يطلب منه أضحية العيد.

إذا كانت موضوعات مقامات الهمذاني والحريري قد تراوحت بين الكدية، والتسول، والانتحال، والغش.. فإن لموضوع مقامة العيد علاقة بسنة من السنن الإسلامية: أضحية العيد. علما أن أضحية العيد من شعائر الإسلام؛ حيث يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بذبح الذبائح من الأنعام، ويكون ذلك من أول أيام عيد الإضحى، إلى آخر أيام التشريق(39). وهي سنة مؤكدة لدى جميع مذاهب السنة والجماعة. أضحية العيد هي الثيمة المركزية في النص؛ سواء من خلال هذه القصة الخيالية التي تبين عنت الراوي في الوصول إلى خروف العيد، أم من خلال الطلب المباشر الذي تتوجه به الزوجة -في آخر النص- إلى الرئيس أبى سعيد بن نصر لتوفير أضحية العيد.

لكن هذا الموضوع ذا الخصوصية العربية الإسلامية يصطبغ بصبغة ذات طابع محلي، مرتبط بتقاليد احتفالية شعبية خاصة عند الإسبان؛ تندرج ضمن ما يصطلح عليه بالإسبانية ب (corrida de toros)، أي مصارع الثيران. تشير بعض الدراسات إلى أن هذا الاحتفال الشعبي كان موجودا في أواخر العهد الإسلامي في الأندلس(40)؛ وهي المرحلة التي كُتبت فيها المقامة.

فالأضحية هنا ليست «كبشا أملحا أقرنا»، كما في السنة النبوية(41)، بل هي قريبة من الثور الذي يتقدم للمصارعة:

- إن الحيوان هنا عبارة عن تيس «دون البغل وفوق الحمار وهيكلا يخبرك عن صورة العمار».

- بل إن القصاب يقوم بعمليات، هي قريب إلى ما يقوم به «المصارع» في الحلبة: «قد شد في وسطه مئزره وقصر أثوابه حتى كشف عن ساقيه وشمر عن ساعديه حتى أبدى مرفقيه وبين يديه عنز قد شد يديه في رقبته وهو يجذبه فيبرك...اقتله من جان باغ وشيطان طاغ ما أشده وما ألذه وما أصده وما أجده وما أكثره بشحم وما أطيبه بلحم الطلاق يلزمه إن كان عاين».

- يحدث التيس هرجا ومرجا كبيرين، ويحطم كل ما يصادفه في طريقه؛ تماما مثل ثيران المصارعة التي يُخلى سبيلها في الطرقات: يصفه صاحب الفخارة بقوله: «خرج مثل الأسد وأوقع الرهج في البلد وأضر بكل أحد ودخل في دهليز الفخارة فقام فيه وقعد فلم يترك منه شيا.. والعنز مع هذا يدور وسط الجمهور ويكر كرة العفريت المزجور ويأتي بالكسر على ما بقي في الدهليز من الطواجن والقدور والخلق قد انحسروا للضجيج وكثر العياط».

- بقدر ما خلقت هذه الحركات رعبا وخوفا لدى المشاهدين، من هذا العنز الذي «كر إلى العدوان وصرخ كالشيطان وهم أن يقفز الحيطان وعلا فوق الجدار وأقام الرهجة في الدار»، فإنها أيضا خلقت أجواء من الفرجة والاحتفالية، التي تكون عادة، في ساحات المصارعة: «فاقتحمت المزدحم أنظر مع من نظر وأختبر في من اختبر».

- أما حين حمل التيس إلى الحي، فإنه «لم تبق في الزقاق عجوز إلا وصلت لتراه..وقد دارت به وأرهقهم لهفه ودخل قلوبهم خوفه».

3) الفضاء المكاني:

يمتلك النص السردي عموما أكثر من مكان: هناك مكان البداية؛ الذي هو بمثابة العتبة التي تقذف بنا في رحابة النص. توجد كذلك أفضية أخرى يمكن القول في حقها إنها ثانوية(42).

وقد جاء المكان في المقامات على صورتين: تتمثل أولاها في المكان العام، أو الكلي؛ متمثلا في عناوين أغلب المقامات التي تَسمّتْ بأسماء المدن. وتتمثل ثانيتها في المكان الجزئي أو الخاص، وقد ورد في ثنايا سياق المقامة(43).

وقد تصدرت أغلب المقامات عناوين أمكنة عامة: كالمقامة الصنعانية، والحلوانية، والدمياطية، والكوفية، والمعرية، والإسكندرية، والدمشقية، والغوطية، والبغدادية، عند الحريري. كما أن هناك أمكنة جزئية؛ تأتي كأدوات سردية تنمي الأحداث، وتكثفها من خلال اللغة والشخوص. مثال ذلك أن الحارث بن همام قد ولج مكانا عاما وهو مدينة الكوفة -عنوان المقامة- ثم استخلص منها مكانا خاصا هو بيته؛ الذي تجري فيه أحداث لقائه ببطل المقامة أبي زيد السروجي. وفي المقامة النصيبية يتكرر الأمر نفسه، إذ تجري أحداث الحكاية في بيت البطل «الذي غدا محط الأنظار، وفي الصفوة الأخيار، وصار له جماعة لا يصبرون على فراقه ساعة، ولمرض أصابه وحل به مما ألزمه بيته ذهب إليه أصدقاؤه عوادا، واجتمعوا مع بعضهم في بيته»(44).

مكان البداية في مقامة العيد هو «البيت»: يقول شاكر الأيادي: «اسمعوا مني حديثا..أني دخلت في هذه الأيام داري. في بعض أدواري لأقضي من أخذ الغذاء أوطاري..». لكن النص سينفتح –في ما بعد- على فضاء آخر هو السوق. هكذا يستغل الأزدي مكانا للشعب؛ هذا الوجه الشعبي كان بينا خصوصا في الأعياد، حيث يلتقي الجميع ويتعاملون ويتكلمون(45). إذ تعكس المقامة حياة السوق العام؛ وكما قال باختين «السوق في العصور الوسطى والنهضة الأوروبية كان عالما في نفسه..كان مركز كل شيء غير رسمي..»(46).

4) الشخصيات:

- الراوي:

تبدأ مقامات الهمذاني والحريري بإسناد قصير يشبه الإسناد في الحديث النبوي. يقدم فيه الكاتب راويا مسمى: «حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ» في مقامات الأول، و«حدث الحارث بن همام» في مقامات الثاني. أما الأزدي فيسند «مقامة العيد» إلى راو بدون ذكر اسمه. بل يصفه وصفا مبالغا فيه: «يقول شاكر الأيادي، وذاكر كل فخر ونادي، وناشر غرر الغرر للعاكف والبادي، والرايح والغادي».

تنتهي مقامات الهمذاني والحريري بتعرف الراوي إلى البطل؛ الذي لا يكون غير أبي الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان، وأبي زيد السروجي في مقامات الحريري: فهما يحتالان، ويكديان، ويصولان، ويجولان، ويقومان بكل ما من شأنه أن يكسبهما المال بطرق ملتوية.

لكن، مقامة العيد تخرق هذا التقليد: إن البطل/الراوي غير قادر على القيام بمسؤوليته الأساسية، والتزاماته العائلية في العيد؛ فهو يتهرب من مسؤولياته العائلية والثقافية. ولا يستطيع اختيار الكبش الصحيح، ويقر بضعفه وعجزه، وقلة خبرته: «وأنا والله لا أعرف في التقليب والتخمين ولا أفرق بين العجف والسمين..أروم الإطاعة من غير مطيع». وعندما يختاره لا يعرف ماذا يعمل معه. كما يقر بخوفه من زوجته: «وأنا أجد من خوفها ما يجد صغار الغنم من الذئاب إلى أن مررت بقصاب». وفوق هذا كله في نهاية المقامة، تقدم الزوجة المديح إلى أبي سعيد، وليس للراوي/البطل! الذي يسأل زوجته -التي تبالغ في وصف «خروف العيد المطلوب»- بقوله: «وأين توجد هذه الصفة يا قليلة المعرفة». تجيبه: «قالت عند مولانا وكهفنا ومأوانا الرييس الأعلى الشهاب الأجلى القمر الزاهر. الملك الظاهر الذي أعز المسلمين بنعمته وأذل المشركين بنقمته».

- الزوجة:

لا نجد في مقامات الهمذاني والحريري شخصيات ثانوية كثيرة. لكن، تبقى شخصية الزوجة في «مقامة العيد» ذات دور في تفعيل أحداث المقامة: لها حضور قوي في بداية النص، وهي تستقبل زوجها باللوم، والتعنيف اللفظي على تقصيره: «لا غذا لك عندي اليوم. ولأودى بك.. دعني من الخرافات. والأخبار الزرافات. فإنك حلو السان قليل الإحسان. اتخذت الغربة صحبتك إلى ساسان. فتهاونت بالنسا وأسأت في من أسا».

كما تنتهي المقامة باعتراض الزوجة على «العنز»، الذي جاء به الراوي، وتقول: «وقالت كيت وكيت لا خل ولا زيت ولا حي ولا ميت ولا موسم ولا عيد ولا قريب ولا بعيد سقت العفريت إلى المنزل ورجعت بمعزل». هكذا تبدو الزوجة كثيرة الكلام، وتشتكي وتطلب أشياء وهديا من زوجها باستمرار.

ومع ذلك، كان لها دور إيجابي في تفعيل الأحداث؛ فهي شخصية لا غنى عنها في النص. كلامها في بداية ونهاية المقامة هو إطار للنص، ولواذعها تركز اهتمامنا على الفشل الهزلي للراوي.

- شخصيات عرضية:

بالإضافة إلى الشخصيتين الرئيستين نصادف في المقامة شخصيات عرضية تعطي لنا صورة عن البيئة الشعبية الغرناطية. إذ للمقامة قيمتها التاريخية من حيث كونها صورة جزئية للمجتمع الغرناطي الذي كتبت فيه. وهو مجتمع لا نعرف عنه إلا الشيء القليل؛ إذ في هذه المقامة نجد أشكالا من الناس بمميزاتهم النفسية والاجتماعية: البائع ووضاعته، والقصاب بزيه التقليدي المتميز، والموثق المكلف بتسجيل عقود البيع والشراء بالتقسيط، والمحتسب الذي يتولى مهمة الحسبة في الأسواق، والأمين الذي هو أشبه بنقيب يمثل أصحاب المهن التجارية والصناعية في السوق، ويسأل أمام المحتسب عن مشاكلهم، والشرطي الذي يحافظ على الأمن والنظام فيطرد الباعة المذنبين، وذلك بأمر من المحتسب أو الأمين، هذا عدا الإشارة إلى صناعة الفخار، وهو الفخار المالقى المشهور. إن المقامة تعطينا صورة عن الحياة الشعبية الغرناطية التي لا زلنا –حاليا- نتلمس بعض مظاهرها في حياتنا(47).

5) اللغة:

تتقاطع في المقامة لغتان: لغة شعبية، ولغة كلاسيكية. وهذا خلافا للمقامة المشرقية الكلاسيكية، التي تميزت بلغتها الرصينة، المثقلة بألوان البديع والبيان.

يذكر المقري أن كلام أهل الأندلس الشائع عند الخواص والعوام كثير الانحراف عما تقتضيه أوضاع العربية(48). لذلك يفترض لو أن شخصا من العرب سمع كلام الشلوبيني أبى علي -الذي غرّبت تصانيفه وشرقت- وهو يُقرِىء درسه لضحك بملء فيه من شدة التحريف الذي في لسانه؛ والخاص منهم إذا تكلم بالإعراب وأخذ يجري على قوانين النحو استثقلوه واستدبروه، ولكن ذلك مراعى عندهم في القراءات والمخاطبات بالرسائل(49). كما يذكر في موضع آخر أن أبا حيّان الغرناطي الذي هاجر إلى مصر واستوطن بها كان ينطق القاف قريبة من الكاف على عادة أهل غَرناطة، على أنه كان لا ينطق بها فى القرآن إلا صحيحة(50). كما ذكر لسان الدين بن الخطيب أن ألسنة أهل غرناطة فصيحة، ولغتهم عربية، لكن، «يتخللها عرف كثير وتغلب عليها الإمالة»(51).

وقد فسر ابن خلدون هذا التحول عند الأندلسيين بعامل الاختلاط مع العجم:

«فلأن البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجمة فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد.. فعلى مقدار ما يسمعونه من العجم ويربون عليه يبعدون عن الملكة الأولى.. فلأن البعد عن اللسان العربي نما هو بمخالطة العجمة فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد»(52).

يمكن رصد مظاهر الأداء اللغوي الشعبي في المقامة في الآتي:

- حذف الهمزة في الأسماء التي تنتهي بالألف والهمزة؛ في مثل قوله: الألبا (الألباء)، الأحبا (الأحباء)، النسا (النساء)، الغذا (الغذاء).. وقد أجازه بعض اللغويون هذه الظاهرة في كلام العرب؛ فقد ورد في كتاب المحيط قوله عن الهمزة: «إذا تطرفت بعد الألف حذفت، مثل: «يشاء» تصبح «يشا»(53).

- تحويل الهمزة إلى ياء؛ كما في بعض الأسماء، مثل: عايدة (عائدة)، وفايدة (فائدة)، الرييس (الرئيس) رايح (رائح).. وكذا في بعض الأفعال مثل: جيت (جئت)..إلخ. ويسمي اللغويون هذه الظاهرة الوقف بالقلب «وهو أن تقلب آخر صوت من أصوات الكلمة المراد الوقوف عليها إلى صوت آخر»(54). إذ يقلب آخر صوت من أصوات الكلمة المراد الوقوف عليها إلى صوت آخر. وهذه الطريقة لا زالت شائعة في كلام العاميين؛ إذ إنهم -في الغالب- لا ينطقون الهمزة كلية إذا تطرفت في نهاية الكلمة بعد الألف.

- كما تنفرد المقامة بـ«تصغير الأسماء»؛ وقد أشار صاحب كتاب «الجمانة في إزالة الرطانة في لغة التخاطب في الأندلس وتونس» إلى أن الأندلسيين كانوا يقومون بتصغير الأسماء من وزن «فعل»، لتتحول إلى «فعيل»: ومن ذلك قولهم «جميل» بدلا من «جمل»، و«كليب» بدلا من كلب، و«فليس» بدلا من «فلس»، و«فريس» بدلا من فرس(55). من أمثلة ذلك في النص الذي بين أيدينا؛ قوله: «تضمن لي فيه عشرين دينارًا أقبضها منك لانقضاء الحول دنيرًا دنيرًا».

- من مظاهر التحريفات اللغوية في الأسلوب اللغوي للمقامة كثرة الصيغ التي تأتي في وزن «التفعيل»، من قبيل: «التعييد»، و«التحصيل»، و«التفصيل»...إلخ. وقد أشار مصطفى الغلياني إلى أن هذا الوزن كان مستعملا قديما، ثم أميت بإهماله، فورثه «تفعال» بفتح التاء. وقد ورد منه ألفاظ: كالتطواف والتجوال والتكرار والترداد والتذكار والتحلاق. ثم أميت هذا الوزن أيضا، فورثه (تفعيل). وقد بقي هذا قياسا شاذا لمصدر (فعَّل) فالفعل أصل للتفعال، وهذا أصل للتفعيل، حذفوا من الفعال زائده، (وهو إحدى العينين)؛ وعوضوه من المحذوف التاء المفتوحة في أوله، فقالوا: «فعَّل تفعالا»، و«طوف تطوافا»، ثم قلبوا ألف (التفعال) ياء فقالوا: «فعَّل تفعيلا». مثل: «سلم تسليما»، فالتسليم أصله «التّسلام» بفتح التاء. وهذا أصله «السلام» بكسر السين وتشديد اللام، بوزن «فعال»(56).

- تزخر لغة الأندلسيين بــ«المسكوكات اللغوية»، التي كانت تجري مجرى الأمثال. وقد أفرد الدكتور محمد بن شريفة كتابا خاصا بالموضوع(57). كما وقف محمد شريفة في مقدمة تحقيقه لكتاب «أمثال العوام في الأندلس» عند أصول الأمثال العامية في الأندلس ومصادرها. وذكر من الأصول التي اشتركت في تكوينها: الأمثال العربية القديمة، والأمثال المولدة. وبين أن الثانية كانت أقوى من الأولى تأثيرا في الأمثال الأندلسية، ولعل ذلك راجع إلى ملاءمتها للمزاج الحضاري في الأندلس وتشابه الأوضاع الحضرية بين المجتمع الأندلسي وبين المجتمعات العباسية حيث ظهرت الأمثال المولدة، وأشار إلى طرق دخول الأمثال المولدة إلى الأندلس وتعددها، وقال إن انتقال هذه الأمثال من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب دليل على أنها كانت عملة متداولة في الأمصار العربية(58).

تتميز هذه المسكوكات بقدرتها على اختزال المعاني في لفظ وجيز. ولها جمالية واستدلالية متميزة. وهي كلمات تُكَوِّن بمجموعها دلالةً غير الدلالة المعجمية لها مفردة ومركبة، وهذه الدلالةُ تأتيها من اتفاق جماعة لغوية على مفهومٍ تحمله لهذا التجمع اللفظي(59).

نصادف في النص العديد من هذه المسكوكات. نكتفي بهذه المقاطع من كلام الزوجة: «دعني من الخرافات. والأخبار الزرافات. فإنك حلو اللسان قليل الإحسان. اتخذت الغربة صحبتك إلى ساسان. فتهاونت بالنسا وأسأت في من أسا. وعودت أكل خبزك في غير منديل. وإيقاد الفتيل دون قنديل. وسكنى الخان وعدم ارتفاع الدخان. فما تقيم موسما ولا تعرف له ميسما. وأخذت معي في ذلك بطويل وعريض وكلانا في طرفي نقيض إلى أن قلت لها إزارك ردائي». أيضا: «كيت وكيت لا خل ولا زيت ولا حي ولا ميت ولا موسم ولا عيد ولا قريب ولا بعيد سقت»، و« يا من لا يعرف الخياطة ولا التفصيل». أيضا: «والله لو كان العنز يخرج الكنز ما عمر لي دارًا ولا قرب لي جوارًا أخرج عني يا لكع يا قليل التحصيل يا من لا يعرف الخياطة ولا التفصيل».

نصادف في النص بعض الألفاظ من الدارجة، وذلك غير معتاد في المقامات الكلاسيكية؛ المعروفة بلغتها القوية، وأسلوبها المعقد. إذ تبدو لغة مقامة العيد -بشكل عام- مسجعة، ولكن المفردات سهلة، والتراكيب بسيطة. لذلك يمكن قراءة المقامة بسهولة. وإذا كان من الصعب إظهار بساطة الأسلوب هنا، فإنه يمكن التمثيل لاستخدام العامية. علما أن النص غير مكتوب بالعامية، ولكن هناك بعض الكلمات العامية؛ في مثل قوله: «فاسترهن مئزري في بيته ليأخذ مايته‏». أيضا: «كيت وكيت لا خل ولا زيت ولا حي ولا ميت ولا موسم ولا عيد ولا قريب ولا بعيد». «يا لكع» أي يا لئيم. و«أين التيس يا أبا أويس إن وقعت عليه عيني يرتفع الكلام بينه وبيني». وبذلك يتبين الطابع الشعبي للمقامة، التي يريد الأزدي أن تعكس الحياة الشعبية، بعيدا عن الثقافة الرسمية.

تبدو اللغة هنا أقرب إلى عامية أهل الأندلس؛ بما عرفته من تعدد لهجي من جهة، واختلاف في الأصول من جهة أخرى. وكان ذلك سببا في ظهور الأزجال والموشحات الأندلسية.

من المفيد الإشارة هنا إلى صلة ابن المرابع الأزدي بالشاعر ابن قزمان صاحب ديوان «إصابة الأغراض في ذكر الأعراض»(60). وهو ديوان في الزجل يحقق التمازج بين الحضارتين العربية والإيبيرية. يقول ابن خلدون: «ولما شاع التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته، وتنميق كلامه، وتصريع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيه إعرابا، واستحدثوا فنا سمّوه الزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد، فجاءوا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة »(61).

لذلك فإن لغة الراوي هي أقرب إلى لغة الأسواق، فهي ليست لغة عيسى بن هشام للهمذاني، أو الحارث بن همام للحريري: فالراوي يبدأ كلامه بخطاب لا يخلو من إثارة، تجعل القارئ يتفاعل مع هذه القصة العجيبة كأنه يراها عوض أن يقرأها: «اسمعوا مني حديثًا تلذُّه الأسماع ويستطرفه الاستماع.‏ ويشهد بحسه الإجماع. ويجب عليه الاجتماع. وهو من الأحاديث التي لم تتفق إلا لمثلي لا ذكرت عن أحد قبلي. وذلك يا معشر الألبا والخلصاء الأحبا‏...».

أما الجانب الكلاسيكي في لغة المقامة فيتجلى في اعتماد أساليب البديع، والمحسنات البلاغية. نذكر نماذج من هذه الأساليب كالآتي:

- السجع: هو ظاهرة بلاغية بديعية غالبة على المقامات، ويأتي السجع في شكل قافية غير موزونة في الفواصل الكلامية. يحضر السجع بقوة في مقامة العيد؛ في مثل قوله: «حديثًا تلذه الأسماع ويستطرفه الاستماع ويشهد بحسه الإجماع». أيضا قوله: «قد شد في وسطه مئزره وقصر أثوابه حتى كشف عن ساقيه وشمر عن ساعديه حتى أبدى مرفقيه وبين يديه عنز قد شد يديه في رقبته وهو يجذبه فيبرك.

- الجناس: ويعني عند البلاغيين اتفاق الكلمتين في كل الحروف، أو بعضها مع اختلاف في المعنى. ونمثل له ها هنا بـ: «يا معشر الألبا والخلصاء الأحبا»، «قلت دقت وبالحق نطقت بارك الله فيك وشكر جميل تحفيك». وقوله: «فما استرخصته استنقصته وما استغليته استعليته وما وافق غرضي اعترضني دونه عدم عرضي».

- الطباق: الذي يفيد التضاد، وهو ظاهرة بديعية أيضا. في مثل قوله: «والجد ليس من الهزل والأضحية للمرأة وللرجل الغزل»

- التشبيه: وهو ظاهرة بيانية تقوم على علاقة المشابهة والحضور. مثاله: «يرغو كالبعير، ويزأر كالأسد».

- الكناية لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي، لعدم وجود قرينة. وتقوم على ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم. وقد أكثر الكاتب من استعمال التعبير الكنائي في مثل قوله: «عودت أكل خبزك في غير منديل. وإيقاد الفتيل دون قنديل. وسكنى الخان وعدم ارتفاع الدخان. فما تقيم موسما ولا تعرف له ميسما. ولا تعرف له ميسما‏ وأخذت معي في ذلك بطويل وعريض وكلانا في طرفي نقيض إلى أن قلت لها إزارك ردائي».

خاتمة:

لقد كرست مقامات الهمذاني والحريري سلطة النموذج؛ الذي ظل حاضرا في مجموع المقامات التي ظهرت في تاريخ الأدب العربي؛ وهو النموذج الذي يجعل من «الكدية» موضوعا، ومن الحذلقة والتنميق في علمي البيان والبديع أداة لإظهار البراعة اللغوية والأدبية في الشكل. تكاد تشكل مقامة العيد لابن مرابع الأزدي استثناء يخرج عن فكرة «وحدة المقامة في الموضوع والشكل»؛ وذلك من خلال استيحاء البيئة الشعبية لمدينة غرناطة؛ التي عاش فيها الكاتب، وتمثل خصوصياتها الثقافية والاجتماعية. ويمكن عرض مظاهر الخروج عن البناء الكلاسيكي للمقامة المشرقية في الآتي:

- تصطبغ أحداث المقامة بصبغة محلية؛ مرتبطة بتقاليد احتفالية شعبية إسبانية؛ تندرج ضمن ما يسميه الإسبان (corrida de toros)، أي مصارع الثيران. علما أن بعض الدراسات التاريخية تشير إلى أن هذا الاحتفال الشعبي كان موجودا في القرن الثامن الهجري؛ ثم تطور ليصبح لونا خاصا من ألوان مصارعة الثيران في الوقت الحاضر.

- نصادف في مقامة العيد شخصيات مستوحاة من البيئة الشعبية الغرناطية؛ ممثلة في: الموثق، والمحتسب، والأمين، والشرطي..وغيرها من الشخصيات غير المعهودة في السرد المقامي الكلاسيكي؛ الذي كانت أدوار الشخصيات فيه نمطية. كما يغيب دور الراوي التقليدي الذي يقدم الأحداث في المقامة الكلاسيكية بإسناد قصير يشبه الإسناد في الحديث النبوي. دور الراوي في مقامة العيد أقرب إلى «المنادي»؛ الذي يضطلع بمهمة التبليغ والإخبار في الأسواق: «يقول شاكر الأيادي وذاكر فخر كل نادي .. اسمعوا مني حديثًا تلذُّه الأسماع ويستطرفه الاستماع..».

- تزخر مقامة العيد بالمسكوكات اللغوية، التي تجري مجرى الأمثال. وتتميز هذه المسكوكات بجماليتها واستدلاليتها الخاصة، وبقدرتها على اختزال المعاني في لفظ وجيز. لقد كان الأزدي يستوحي هذه المسكوكات من البيئة المحلية؛ التي جعلت من الأمثال «عملة متداولة»؛ وهو موضوع كان محل اهتمام دارسين في القديم والحديث؛ حيث أفردوا للموضوع كتب خاصة على غرار «أمثال العوام في الأندلس»، و«تاريخ الأمثال والأزجال في الأندلس والمغرب»..إلخ.

- تكرس اللغة الطابع الشعبي للمقامة بامتياز؛ وذلك بسبب مخالطة العجمة؛ فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد، حسب رأي ابن خلدون. يمكن رصد مظاهر الابتعاد عن اللسان الأصلي في جملة من المظاهر؛ نذكر منها الآتي: (حذف الهمزة في الأسماء التي تنتهي بالألف والهمزة، وتحويل الهمزة إلى ياء في بعضها. وتصغير الأسماء. كثرة الصيغ التي تأتي في وزن «التفعيل». كما نصادف في المقامة بعض الألفاظ من الدارجة، وهو أمر غير معتاد في المقامات الكلاسيكية؛ المعروفة بلغتها القوية، وأسلوبها المعقد).

الهوامش

1. زهير بن أبي سلمى، تحقيق: فخر الدين قباوة، بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1980م، ص: 44.

2. ديوان لبيد بن ربيعة العامري، دار صادر، بيروت: (ب-ت)، ص: 161

3. القلقشندي، صبح الأعشى، طبعة القاهرة، 1340هـ، ج: 11، ص:110.

4. أبو إسحاق بن علي الحصري القيرواني، زهر الأدب وثمر الألباب تحقيق: د. زكي مبارك، بيروت: دار الجيل، 1472، ج: 1، ص: 305.

- للمزيد من التفاصيل حول علاقة ابن دريد بالهمذاني، يمكن الرجوع إلى: أحمد إبراهيم درويش محمد، ابن دريد رائد فن القصة العربية، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، 2004.

5. د. إحسان عباس، تاريخ الأدب والأندلس، عصر الطوائف والمرابطين، بيروت: دار الثقافة، ص: 303.

6. نقلا من المقدمة التي وضعها محقق مقامات الحريري عزت زينهم: أنظر مقامات الحريري، تحقيق: عزت زينهم، دار الغد للجديد للطباعة والنشر والتوزيع، 2016، ص: 4

7. المصدر نفسه.

8. محمد بن القاضي عياض، التعريف بالقاضي عياض، تحقيق: محمد بنشريفة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1982، ص: 109.

9. محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي ابن الأبار، التكملة لكتاب الصلة، تحقيق: عبد السلام الهراس، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1994م

10. المصدر نفسه، ج: 1، ص: 33

11. المصدر نفسه، ج: 1، ص: 187

12. المصدر نفسه، ص: 251

13. المصدر نفسه، ج: 3، ص: 103.

14. نقلا عن: د. عبد الكريم الفيلالي، تلقي المقامات الحريري بالمغرب والأندلس، ، مطبعة نجمة الشرق، 2015، ص: 117.

15. أبو العباس أحمد الشريشي، شرح مقامات الحريري، تحقيق: محمد أبو الفضل، بيروت: المكتبة العصرية، ص: 5 و6.

16. عبد الفتاح كيليطو، المقامات السر د والأنساق الثقافية، ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر، 2001، ص: 163-164.

17. وقد حققتها الباحثة لمياء شفيق في أطروحة بعنوان: "التنقيب على ما في المقامات من الغريب شرح مقامات الحريري" لمحمد بن عبد الله بن ظفر الصقلي المكي، أطروحة مرقونة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس، إعداد: لمياء شفيق. الموسم الدراسي: 2013-2014، نقلا عن: د. الفيلالي عبد الكريم، تلقي مقامات الحريري بالمغرب والأندلس، مطبعة نجمة الشرق، 2015، ص: 117.

18. أبو طالب عبد الجبار محمد بن علي المغافري القرطبي، شرح مشكل ألفاظ مقامات الحريري ومعه نبذ من شرح غريب مقامات الحريري، تقديم وتحقيق: حياة قارة، مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، 2005ه.

19. أبو العباس أحمد الشريشي، شرح مقامات الحريري، تحقيق: محمد أبو الفضل، بيروت: المكتبة العصرية،

20. أبو العباس أحمد الشريشي، شرح مقامات الحريري، ص: 8

21. أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة،تحقيق: د. إحسان عباس، بيروت: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع ج: 4، 1979، ص: 585.

22. أبو القاسم الكَلاعي، إحكام صنعة الكلام ص: 208

23. د. إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي

24. محمد بن شرف القيرواني، مسائل الانتقاد، تحقيق: النوبي عبد الواحد الشعلان، مؤسسة علياء للنشر والتوزيع، (ب-ت).

25. أبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطي، المقامات اللزومية، تحقيق: حسن الوراكلي، عمان: دار الكتاب الجامعي، 2006.

26. لسان الدين بن الخطيب، معيار الاختيار في أحوال المعاهد والديار، تحقيق: محمد كمال شبانة، مكتبة الثقافة الدينية، 2002.

27. لسان الدين بن الخطيب، خطرة الطيف: رحلات في المغرب والأندلس، تحقيق: أحمد مختار العبادي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2003.

28. رسائل ومقامات أندلسية، تحقيق: د. فوزي سعد عيسى، الإسكندرية: منشأة المعارف، ص: 139

29. المرجع نفسه، ص: 157

30. فرناندو لاكرانخا، مقامات ورسائل أندلسية، نصوص ودراسات، ترجمة: عبد اللطيف عبد الحليم، دار الثقافة العربية، 1985، ص: 83.

31. المرجع نفسه، ص: 125.

32. د. الفيلالي عبد الكريم، تلقي مقامات الحريري بالمغرب والأندلس، ص: 51.

33. د. محمد مفتاح، التلقي والتأويل، مقاربة نسقية، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1994، ص: 101

34. أحمد بوحسن، التقليد وتاريخ الأدب العربي، ضمن كتاب التحقيب، منشورات كلية الآداب، الرباط، 1997، ص : 70

35. فرناندو دي لاجرانجا، مقامات ورسائل أندلسية، ص: 116.

36. لسان الدين ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، شرحه وضبطه وقدم له الدكتور يوسف علي طويل الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، (ب-ت). يتمحور موضوع الكتاب حول غرناطة؛ آخر معقل إسلامي سقط في الصليبيين. وهو عبارة عن موسوعة يغطي من خلالها جميع الجوانب المتعلقة بغراناطة؛ سواء من الجانب الجغرافي أو التاريخي، أو الاجتماعي. وما يتعلق بأخبار ومعالم، في مقدمتها قصر الحمراء.

37. ينتمي لسان الدين بن الخطيب إلى إحدى القبائل العربية القحطانية التي وفدت إلى الأندلس. وقد نشأ في غرناطة، وتأدّب على شيوخها، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب. وقضّى معظم حياته في خدمة بلاط بني نصر وعرف بذي الوزارتين: الأدب والسيف. نـُقِشت أشعاره على حوائط قصر الحمراء بغرناطة. وكان لسان الدين بن الخطيب شاعرا، وكاتبا، وفقيها مالكيا، ومؤرخا، وفيلسوفا، وطبيبا وسياسيا. توفي سنة 776ه.

38. لسان الدين ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، ص: 70.

39. الحديث النبوي: "يوم عرفةَ ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلامِ، وهي أيام أكل وشرب". أنظر: سن أبي داوود، كتاب الصيام، باب: أيام التشريق، حديث رقم 2419.

40. أنظر: د. أحمد الكامون، التأثير الموريسكي في المغرب، مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية بوجدة 2010، ص: 178.

41. "ضحى النبي صلى الله عاليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين وذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما" أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الأضاحي.

42. صدوق نور الدين، البداية في النص الروائي، سورية: دار الحوار للنشر والتوزيع، 1994، ص: 17.

43. محمد عواودة، الفضاء المكاني في مقامات الحريري، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مج: 43، عدد: 2، 2016، ص: 851- 865.

44. المرجع نفسه.

45. أليكس الينسون، أسواق على هوامش التبادل الأدبي في مقامة العيد لابن المرابع الأزدي، ص: 73

46. المرجع نفسه.

47. أحمد مختار العبادي، مقامة العيد لأبي محمد عبد الله الأزدي، صورة من صور الحياة الشعبية في غرناطة، مجلة المعد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، مج: 2، عدد: 1-2، 1954، ص: 167.

48. أحمد بن محمد المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، 1968م، ج: 1، ص: 222

49. المصدر نفسه.

50. نفح الطيب ج3 ص295

51. لسان الدين بن الخطيب، اللمحة البدرية في الدولة النصرية، القاهرة: المطبعة السلفية، تحقيق: محب الدين الخطيب، 1348، ج: 1، ص: 27.

52. ابن خلدون، المقدمة ص558 و559.

53. محمد الأنطاكي: المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها، بيروت: دار الشروق العربي، (ب-ت)،. ج 1 ص: 80

54. محمد الأنطاكي، المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها، ج1، ص: 62.

55. حسن حسني عبد الوهاب، الجمانة في إزالة الرطانة في لغة التخاطب فى الأندلس وتونس، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، 1953، ص28

56. مصطفى الغلياني، جامع اللغة العربية، بيروت: دار الكتب العلمية، ج: 1، ص: 128.

57. محمد بنشريفة، تاريخ الأمثال والأزجال في الأندلس والمغرب، منشورات وزارة الثقافة، 2006.

58. أبو يحيى عبيد الله بن أحمد الزجالي القرطبي، أمثال العوام في الأندلس، تحقيق: د. محمد بن شريفة، وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصلي، 1975م، ج: 1، ص: ح.

59. انظر: د. محمود إسماعيل صيني، المعجم السياقي للتعبيرات الاصطلاحية، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996، ص. ح.

60. ابن قزمان، إصابة الأغراض في ذكر الأعراض، المعهد العربي الإسباني للثقافة، مدريد، 1980.

61. مقدمة ابن خلدون، ج: 3، ص: 404.

الصور

- من الكاتب.

أعداد المجلة