فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
56

بنية السَّرد وخصائصه الفنية في الأدبِ الشَّعبيِّ للخَليجِ العَرَبيِّ

العدد 56 - أدب شعبي
بنية السَّرد وخصائصه الفنية  في الأدبِ الشَّعبيِّ للخَليجِ العَرَبيِّ

مدخل:

يعاني دارسو الأدب الشَّعبي، مثلما هو الحال في معظم حقول الدراسات البحثية والنقدية في الوطن العربي، من «ظاهرة التشويش السلبي في تداول المصطلحات الواصفة لمختلف أنواع السرد الشعبي، حيث يجد الباحث في هذا المجال نفسَه في مواجهة ما يشبه فوضى المصطلح، بسبب ما يلقاه من بلبلة واضطراب في توظيفه لدى معظم الباحثين العرب في الأدب الشعبي»(1)، ومن أبرز مظاهر التشويش تلك محاولة اختزال كلِّ الأنواع القصصية الشعبية في مصطلح واحد ألا وهو (الحكاية الشعبية) أو (القصص الشعبي)، دونما تمييز بينها من حيث البنية والأسلوب، بل إننا نجد التشويش حتى في محاولات التمييز تلك إذ إنها استندت إلى رؤى ذاتية، ولم تحاول أن تؤطِّرَ نفسها وفق أسس علمية ونظريات نقدية؛ لذا سنحاول الوقوف على تعريف الأدب الشعبي، والتمييز بين أنواعه معتمدين على أحد أبرز المناهج النقدية التي تناولت الآداب الشعبية وهو منهج العالم الفولكلوري الروسي فلاديمير بروب المعروف بالمنهج المورفولوجي.

ويقوم المنهج المورفولوجي على اعتبار العناصر الثابتة والدائمة في الحكاية الخرافية إنما هي -في الحقيقة- وظائف الشخصيات ذاتها، كيفما كانت هذه الشخصيات داخل الحكاية الخارقة، وكيفما كانت الكيفية التي يتم بمقتضاها القيام بهذه الوظائف، فالوظائف التي تقوم بها تلك الشخصيات هي الأجزاء المشكِّلةُ أساساً لحكاية الخوارق.

إذن، فما يُعبَّر عنه بالحكاية الشَّعبية هو في الحقيقة أدبٌ سرديٌّ شعبيٌّ، وليست الحكاية الشعبية إلا نوعاً واحداً من أنواعه المتعدِّدة، لكنّ جميع أنواع هذا الأدب السرديّ الشَّعبيّ تشتركُ بالحكاية الخارقة، سواء بأحداثها أو بشخصياتها، أو بهما معاً.

والحكاية الخارقة بأحداثها أو شخوصها هي ما أنتجهه شعبٌ ما لتفسير ظاهرة ميتافيزيقية، أو لخلق الانتماء إلى الأرض والعشيرة، أو للتغني بالأمجاد والبطولات، أو للتسلية فحسب، ومن ثمَّ تناقلها أبناؤه شفهياً مرحلة من الدَّهر، مما أدى إلى أن تلحقها بعض التغيرات الطفيفة عبر العصور.

ومن المعلوم أنَّ الصَّحراءَ منبعٌ خصبٌ لنشوء الأساطير والخرافات ونموّها. إذ إنَّ الصحراء تتحوَّل في الليل إلى عالم يجهله حتَّى أهلُهُ، فتحوَّلَ زفيفُ الرِّيحِ إلى صريفِ جنٍّ، والمساحاتِ الخالية تمسي موطنَ أشباحٍ وعفاريتَ وسعالي..

الخراريف الشعبية في الخليج العربي:

انتشرتْ في المجتمع الخليجيِّ الخروفةُ/ الحزاية للتَّعبيرِ عن الأدب السَّرديِّ الشَّعبيِّ. والخرُّوفةُ جمعها خراريف؛ وأصلها خُرافة، «والخرافة-كما جاء في لسان العرب - الحديث المستملح من الكذب. وقالوا حديث خرافة، ذكر ابن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنَّ خرافة من بني عذرة أو من جهينة، وقد اختطفه الجن ثم رجع إلى قومه وأخذ يحدثهم بأحاديث يعجب منها الناس، فكذبوه، فجرى على ألسن الناس»(2).

والحزاية التي هي مشتقة من الفعل حزا، وهو بمعنى تكهن أي أن تلك الحكايات ليست سوى تكهن الفكر أو توقعه حول الظاهرة التي تتناولها تلك الحكاية/ الحزاية.

بيد أنَّ الخروفةُ وعلى الرغم من كونها تحويراً لاسم خرافة إلا أنها أشمل في الدلالة؛ فهي لا تعني، فقط، الحكايات التي تشتمل على ما لا يصدقه العقل فحسب، بل إنها تعني الحكاية مطلقاً، ومن هنا كان لفظ الخروفة يعني الحكاية أيَّاً كان نوعها ومضمونها ما دامت تُروَى في إطار شعبي، وقد تتبعنا الخراريف/ الحزاوي الخليجية فوجدنا أنها تتمحور في إطارين شعبيين، أو طقسين تُروى فيهما الخروفة:

- خراريف للأطفال التي ترويها الأمهات أو الجدات.

- خراريف المجالس التي يرويها الرجال للرجال عادة.

1) خراريف الأطفال:

أمَّا خراريفُ الأطفالِ فقد كانت الجدَّاتُ والأمهات يمزجْنَها بالواقع؛ ذلك أن الأطفال يفضلون دمج الخيال بالواقع المعيش، كما أن هذا الدمج يسهل عليهم حفظ الخروفة او تذكر أحداثها، مما يؤدي إلى تحقيق الراويات الجدات أو الأمهات ما يوددن أن يدسسن بها من عظات ونصائح.

ومع اختلاف البيئات والخلفيات الاجتماعية يختلف مضمون الحكاية الشعبية ولهجتها إذ نجد لكلٍّ من الجبل والبحر تأثيرهما المختلف عن الآخر في الحكايات والخراريف، وقد شملت هذه الحكايات الشعبية مواضيع مختلفة كالحديث عن البطولات، والشجاعة، والجن، ومغامرات الخير والشر، وقصص الأمانة والشرف، وكانت تحمل رسائلَ وأهدافاً عديدة: كالوعظ والتعليم والنصح والإرشاد وحتى المتعة في زمن لم تتوفر لدى أهله الكثير من وسائل الترفيه والإمتاع.

ولا بد للخروفة من أن تبدأ بمقدمة شعرية؛ ترددها الجدة على مسامع الأطفال وربما تطلب منهم ترديد تلك المقطوعة معها؛ ولأن هذه المقدمات الشعرية مما يستهوي الأطفال فقد كثرت وتنوعت تلك المقدمات؛ ومنها:

«خريريفة مجيريفة، سبع قطيوات، معلقات في التنور، والتنور يبغي حطب، والحطب في السمرة، والسمرة تبغي جدوم، والجدوم عند الحداد، والحداد يبغي افلوس، والفلوس عند العروس، والعروس يابت ولد، والولد سموه سند» (3).

وما إن تنتهي الجدة من إنشاد هذه الكلمات حتى تطلب من الأحفاد أن يصلّوا على النبي محمد ﷺ فيصلون عليه، ثم تبدأ بسرد الحكاية.

1. تعمل الخروفة على تقريب الصورة للذهن، وإيصال الفكرة، أو القيمة التربوية، أو الأخلاقية بطريقة سلسة وسهلة لعقل المتلقي وقلبه، إذ تربيه على التركيز والاهتمام بأدقِّ التفاصيل الهادفة، والممتعة في الوقت ذاته.

2. تساعد الخروفة أيضًا على تنمية الخيال لدى الأطفال؛ فقد نراهم يتسابقون في تخمين نهاية القصة، أو يبتكرون نهاية جديدة غير التي ترويها الجدة، بافتراض أحداث أخرى، وفي كل الأحوال فهي توصل للطفل القيم والأخلاق المراد غرسها فيه بأسلوب شائق وغير جامد.

3. إذن، فقد كانت الخروفة وسيلة من وسائل تناقل المعارف والتجارب الإنسانية بين الأجيال، في إطار من التعليم والترفيه.

2) خراريف الرجال:

أما بالنسبة لخراريف الرجال فإنها - وإن كانت تروى للتسلية - تركز على الجانب الثقافي والمعرفي، فقد كانت تُروى، غالباً، للفخر بالبطولات والأمجاد التي يحققها أبناء القبيلة؛ فهي وعاء يحافظ فيه على التاريخ من حيث الأشخاص والأحداث البطولية، لذا فقد كثرت في هذه المجالس حكايات السير والمغازي. كما كثر القصص الديني على حساب الحكاية الخرافية التي كانت - وما زالت - تستهوي الأطفال والكبار على حدٍّ سواء.

ولأن الحياة في الصحراء تتوقف خارج الخيام مع أفول الشمس مما يجعل الليل طويلاً وبخاصة في أمسيات الشتاء؛ فقد كان لزاماً على البدوي أن يخترع من أساليب العيش ما يبدِّد به سويعات من الزمن كل يوم حتى يتمكن من تمضية جزء من الليل الطويل بالدرجة الأولى، وحتى يتمكن من الانتصار على العالم خارج الخيمة الذي يزرع الخوف والوحشة في نفسه..

لذا فقد كانت الحكاية الملاذ الذي يأوي إليه الناس، والسلاح الذي قاوموا به بؤس الحياة وتحدَّوا من خلاله المظاهر الغريبة؛ لذا لم يعد مدهشاً كمُّ الحكايات الهائل الذي خلَّفه رواة البدو للأجيال اللاحقة إلا أنَّ هذه الحكاياتِ لا تندرجُ تحتَ مسمَّىً واحدٍ؛ فهي تتنوَّع ما بين حكايات حيكت لتقدّمَ تفسيراً للمظاهر الغريبة التي تصادفهم في حياتهم، وثمة حكايات رويت لتزجية الوقت فحسب، وحكايات أخرى تمجِّدُ انتصارات الإنسان على مظاهر الطبيعة وبخاصة البحر والصحراء.

هذا من حيث أسباب نشأتها، أما أسباب السَّردِ أو الروي، فعلى الرغم من أن تزجية الوقت هي السبب الرئيس لكلِّ الحكايات على العموم إلا أنه يمكننا أنْ نجدَ لها بعض الأغراض الأخرى. فبعض هذه الحكايات كانت تروى للفكاهة، وأخرى للموعظة، وثمة حكايات كانت تروى للتوجيه والإرشاد، وأخرى للفخر ببطولات أبناء القبيلة مما يعني تكريس بعض الصفات الحميدة في نفوس الجيل الناشئ كالكرم والشجاعة..

وبسبب تنوِّع أسباب نشوء الحكاية، وأسباب رويها، فإنه يمكننا أن نميِّز في الحكاية الشعبية الخليجية عدَّةَ أنواعٍ، وسنحاول أن نفصلها عما اختلط بها من حكايات لا تنتمي إلى الأدب الشعبي، فليس كل ما يُحكى أدباً شعبياً فقصص القرآن، والمعتقدات لا تندرج ضمن الأدب الشعبي لأيِّ شعبٍ لأنَّه ليس من إنتاجه، بل نتاجٌ إلهيٌّ، أما من لا يؤمن به فسيتحول بالنسبة إليه إلى أساطير، وبالطبع لم يكن الراوي الشعبي الذي يروي مثل هذه الحكايات منكراً لطابعها الديني وبالتالي لا تشكل تلك الحكايات أساطير، بل نصاً دينياً. فمن شروط الأسطورة أن تتحول من نص ديني في وقت ما إلى نص تراثي أدبي.

وكذلك الأمر بالنسبة للقصص الديني الذي يصور حياة الصحابة والتابعين وغيرهم، فهذه النصوص لا تشكل أدباً شعبياً لأي مجتمع حتى لو رويت بلهجاته المحلية، وذلك لأنها قصص أخذت عن نصوص مدونة وليست تأليف مجتمع تناقلها شفاهيةً مستثنين من ذلك القصص الديني التي لا تنتمي إلى نص ثابت؛ بل إلى ذاكرة جمعية ساهمت في تكوينها ككرامات بعض الأولياء والصالحين، وهذه الحكايات بمجملها تشكل ما يسمى في علم تناول الأدب الشعبي أو الشفاهي باسم ليجندات وهي تندرج، بلا ريب، تحت ما يسمى بالحكاية البطولية.

إذاً سنقوم باستبعاد القصص الديني (باستثناء الليجندات) لأنه رغم أنه كان يُروى في مجالس الأطفال والكبار إلا أنه ليس من الأدب الشعبي الإماراتي، فالأدب الشعبي لأي مجتمع إنما هو نتاج تجربة وتفكير ذلك المجتمع.

كما سنقوم بدمج قصص الحيوان بالحكاية الشعبية؛ لأنها في الواقع نوع من أنواعها بيد أنه يجدر التنبيه هنا إلى أن قصص الحيوان ليست رمزاً لإنسان بالضرورة، فهي ليست تقليداً لـ «كليلة ودمنة». إذ إنها ليست حكاية - كما هو واضح من مضمونها - أُلِّفَتْ على لسان الحيوان للالتفاف على السلطة، بل هي معتقدات تفسر أموراً غيبية، أو حكايات نُسجت للتسلية والفكاهة فحسب.

أما بالنسبة لسير الحوادث اليومية، فهي ليست من الأدب الشعبي لأن الأدب الشعبي لأي مجتمع هو ما توارثه الأبناء عن الأجداد من حكايات على مر الزمان، فالحوادث اليومية من هذا المنطلق وإن كانت تشكل حكاية إلا أنها لا تدخل ضمن مفهوم الأدب الشعبي ما لم تتحول بفعل الزمن إلى أحداث تاريخية تتناوب الأجيال على سردها.

لكن ما صنَّفه بعض دارسي الأدب الشعبي من هذا الباب هو، في الواقع، من باب الحكايات البطولية بأحد فرعيها: الملحمة، والليجندا.

لهذه الأسباب وغيرها سنعتمد على التقسيم الأكاديمي (المعتمد في مجمل الدراسات التي تناولت الأدب الشعبي، أو الشفاهي لشعوب العالم) من خلال تناولنا للسرد في الأدب الشعبي الخليجي؛ وهو: (الحكاية الخرافية، الحكاية البطولية / الليجندة، الحكاية الشعبية).

الحكاية الخرافية:

في كثير من الأحيان يحدث خلط ما بين الخرافة والأسطورة، فنجد من يتحدث عن أسطورة شعبية في مجتمع الإمارات، وحقيقة الأمر أنه لا يوجد أساطير في المجتمع الإماراتي، كما لا يوجد أساطير شعبية لأي مجتمع من المجتمعات، فالأساطير ليست شعبية البتة فهي حكاية مقدسة ترتبط بالمعتقدات الدينية لذا فإن أبطالها آلهة أو أنصاف آلهة وهي تناقش المسائل الغيبية الكبرى كأصول العالم والخلق، «ولأن الأسطورة مقدسة فإنه تمتنع روايتها أو تعلمها إلا على البالغين ممن وصلوا السن والمكانة التي تخولهم استلام أسرار دينهم، حيث يقوم الشيوخ بنقلها إلى أولئك الشباب كجزء من الطقوس الخاصة بإعدادهم لاستلام الأسرار»(4).

أما الخرافة؛ ورغم شبهها الكبير بالأسطورة إلا أن العين الفاحصة ما تلبث أن تتبين فروقاً واضحة بين النوعين؛ فالخرافة تقوم على الإدهاش، وتمتلئ بالمبالغات والتهويلات، وتجري أحداثها بعيداً عن الواقع حيث تتحرك شخصياتها بسهولة بين المستوى الطبيعاني المنظور، والمستوى فوق الطبيعاني، وتتشابك علاقاتها مع كائنات ما ورائية كالجنِّ والعفاريت والأرواح الهائمة، وقد يظهر الآلهة في أحداث الخرافة، لكنهم يظهرون أشبه بالبشر المتفوقين وليس كآلهة سامية متعالية كما هو شأنهم في الأسطورة؛ لذا فإنَّ التشابه قد يصبح كبيراً ما بين الأسطورة والخرافة، ولن نستطيع التمييز إلا عن طريق المعيار الأساسي وهو القداسة؛ فالأسطورة هي حكاية مقدسة يؤمن منتجوها بصدق روايتها ويرون في مضمونها رسالة سرمدية موجهة لبني البشر تبيِّنُ حقائق خالدة، وتؤسِّسُ لصلة بين الدنيوي والعوالم القدسية.

أما الخرافة فإن راويها ومستمعها على حد سواء يعرفان أنها تقصُّ أحداثاً لا تلزم أحداً بتصديقها، أو الإيمان برسالتها؛ لذا فإن ما نجده في الأدب الشعبي الخليجي - رغم تحدث البعض عن أساطير - ليس سوى خرافات. فالمجتمع الخليجي مجتمع متدين رفض نشوء الأسطورة؛ لأن ما تطرحه الأسطورة يناقض الدين من حيث تعدد الآلهة، ومن حيث الإجابة عن أصل العالم، وقصص الخلق التي قدم لنا القرآن تفسيراً وافياً لها، أما الغيبيات فهي مما يرفض المسلمون الخوض فيه لأن علمها عند ربي.

أما ما قبل الإسلام فإنَّ المجتمع الخليجي (وهو جزء من المجتمع العربي البدوي) فإنه لم يكن متوفراً لدى العرب التدوين الذي هو أساس ما تحفظ به الأسطورة كونها لا تنتقل على نطاق واسع مشافهة لأنَّها حكاية مقدسة لا تُعطى إلا لمن هم أهلٌ لها (أي لفئة قليلة) ما لبث حاملوها أن تلاشوا بقدوم الإسلام الذي يعد الأسطورة ومضامينها كفراً برسالته؛ لذا فالخرافة لا الأسطورة هي ما نجده في القصص الشعبي الخليجي، ومن تلك الخرافات: (أم دويس، السعلوة، أم السعف والليف، حمارة القايلة...).

1) أم الدويس:

وهي جنية تظهر على شكل امرأة فائقة الجمال طويلة القامة ناعمة الصوت، شعرها طويل، ريحتها مسك وعنبر وعود تفوح عن بعد منها، ثيابها جميلة مغرية، تقوم بملاحقة الرجال فقط وبعد أن تغويهم تظهر صورتها الحقيقية؛ وهي عجوز قبيحة مخيفة المنظر وتقوم بقتلهم.

2) الخبابة:

يقال إنها امرأة طويلة متشحة بـالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها. تختطف الجهال، وتغوي الرجال..

وتعرف أيضاً بأنها تظهر في المزارع الكثيفة والغابات.

ويبدو من صفاتها كونها امرأة فائقة الجمال، ومن مهامها التي تتمحور حول الإغواء، ثم تظهر حقيقتها بعد أن تتمكن من الرجال فتقتلهم، أنها هي ذاتها السعلوة والخبابة.

3) السعلوة:

يقال إنها امرأة ذات شعر طويل وقوام ممشوق كانت تظهر للرجال ليلا فتغويهم، وتسحرهم، فيتبعونها حتى تصل بهم لمكان منعزل فتقتلهم. وهناك من يزعم أنها ليست أكثر من غوريلا صورتها الحكايات على إنها تلك المرأة التي تظهر للرجال وتغويهم.

4) أم السعف والليف:

أم السعف والليف ومن أسمائها أيضاً سارة أم الصراصر وهي تظهر على شكل امرأة عجوز قبيحة المنظر؛ شعرها منفوش، تتكلم كثيرا في الليل.

كانت تسكن أعالي أشجار النخيل، وبين سعفها وعند هبوب الرياح كانت الأغصان تهتز بشدة فيظن الناس أن أم السعف متواجدة في الأعلى..

ويُعتقد أنَّ شخصية أم السعف اُبتدعت لإخافة الأطفال ومنعهم من الخروج من المنزل وخاصة عند هبوط الظلال، أو عند هطول الأمطار حتى لا يصابوا بالبرد إذ إنها كانت تخطف الأطفال وتشويهم على النار.

5) حمار القايلة:

تصورها الحكايات الشعبية على إنها امرأة لها وجه إنسان ورجلي حمار وهناك من يزعم إنها تظهر على شكل رجل أيضاً، وبالمواصفات نفسها، إذ تصطحب الناس إلى العين ليلاً فتغرقهم . وتسمى أيضاً حمار القايلة؛ فهي لا تظهر إلا وقت القيلولة / القايلة؛ أي وقت اشتداد حرارة الشمس، وتقوم بدهس كل ما تراه أمامها من أطفال، ثم تأكلهم. ونرجح أنَّ الأمهات اخترعن هذه الخرافة لمنع أطفالهن من الخروج وقت الشمس خوفاً عليهم من اشتداد الحرارة.

6) الجاثوم:

هو جانٌّ يقال إنه يجلس على صدر الإنسان ويسحب لسانه بأحد يديه، وبالأخرى يخنقه، فيجلس الإنسان ولا حول ولا قوة له؛ فلسانه معقود، ونفَسُه مخنوق، وربما قتل الإنسان. ولجلوسه على الصدر تدعوه بعض المناطق بأبي ركيب ويفسر السيكولوجيون أن الجاثوم ليس من الجن، وإنما هو مجرد كابوس يراود النائمين بسبب الإكثار من الأكل قبل النوم. وحيثما ينام الإنسان يوجد (عثيون) فقد يكون في البيت أو في البستان أو في المركب أو في العراء. إذ يندر ان يوجد إنسان ليس له حكاية مع (عثيون)، أو ياثوم؛ فالكوابيس شرٌّ لابدَّ منه في حياتنا.

7) أبو مغوي:

هو جنٌّ يظهر لأهل البحر من السماكين الذين يصطادون ليلا فيناديهم بأصوات زملائهم لكي يتبعوه زاعماً أن الصيد عنده وفير حتى يدخلهم الغبة، أو الأماكن الغزيرة لكي يغرقهم، ومن هنا أخد اسمه (أبو مغوي) من إغواء البحارة وإضاعتهم.

8) الدعيدع:

يقال: إنه جان يظهر على شكل رجل في المقابر أو النخيل. وهو كثيرا ما يطلع للفلاحين عند حلول الليل، وربما تشكل لهم بعدة صور وقلد بعض الأصوات لكي يغوي أو يخدع الناس.

9) بو درياه:

من الخرافات المنتشرة في المجتمع الخليجي بعامة، وعند أهل البحر منهم بشكل خاص، وهي كلمة فارسية من شقين بابا وتعني أبو، ودرياه وتعني البحر. وترجع أقدم أصول لهذه الخرافة إلى البحرين حيث نجد لها في البحرين روايتين؛ أولهما: أن بابا درياه، وهو من الجن، كان يتسلل إلى مراكبهم في الفترة ما بين صلاة العشاء، وأذان الفجر، ويختطف أحد البحارة ليأكله، ويعبث في السفينة ليتلفها فتغرق؛ لذا فإنهم يجعلون في كلِّ سفينة نوبة للحراسة بها اثنان أو أكثر.

وأما الرواية الأخرى: فتخبر أنه - بودرياه- كائن خرافي يعيش في البحر، قيل إنه كان يظهر على شكل إنسان مخيف الشكل، يسمعون صياحه في البحر وكأنه غريق، فإذا أنقذوه سرق طعامهم، وربما أتلف شيئاً في السفينة. «ويبدو أن الأهالي استخدموا هذه الحكاية لتخويف أولادهم خصوصاً الشباب، وذلك لمنعهم من الذهاب ليلاً إلى البحر»(5).

10) خطاف رفاي:

وهو خاطف النساء البحري، يظهر على هيئة زورق له عدة أشرعة، أطرافه طويلة تلحق ضحاياه من البحر إلى البرِّ، فيختطف النساء اللواتي يخرجن ليلاً من بيوتهن.

- تعليق على الخرافة:

نلاحظ أن الخرافات الخليجية عبارة عن شخصيات وليست قصصاً أو حكايات محددة، وربما صيغت عن إحدى هذه الشخصيات أو أكثر الكثير من الحكايات المختلفة تؤكد وجود هذه الشخصية، لكنها في الحقيقة ليست حكاية محددة، كما سنجد في الحكايات الشعبية والحكايات البطولية، إذن، فالخرافة في المجتمع الخليجي خرافة شخصية وليست خرافة حكاية.

كما نجد أن هذه الشخصيات الخرافية إنما وجدت لتخويف الأطفال، أو الرجال أو ردعهم عن عمل ما، ولم نجد شخصيات خرافية لتخويف النساء سوى خطاف رفاي..

ونلاحظ أيضاً أن الشخصيات الخرافية التي ابتدعت لتخويف الأطفال كلها مؤنثة مما يوحي بأنَّ الأمهات هن من اختلقن هذه الروايات، فالحديث عن المرأة وصفاتها أقرب إلى روح المرأة من الحديث عن الرجل.

بينما لو ابتدع الرجل شخصيات غايتها بث الرعب والخوف لابتدعها ذكورية ذلك بسبب إيمانه المطلق بأن الرجل أقوى من المرأة؛ لذا فإنه الأقدر على الإخافة..

لكن المرأة التي تدرك بفطرتها أن الطفل لا يحتاج إلى القوة حتى يخاف، يجعلها تبتدع شخصيات أنثوية للتخويف لأنها تعتقد أن نزع صفات الحنان والعطف والرقة هي أكثر تخويفاً للطفل لأنه الأكثر حاجة إليها، إذن فلسفة كل من المرأة والرجل عن الخوف والطفل تجعلنا نعتقد أن المراة هي من ابتدعت تلك الشخصيات الخرافية..

ليس هذا فحسب بل إن افتقاد شخصية خرافية لتخويف المرأة إذا ما استثنينا خطاف رفاي تجعلنا نعتقد أنها ابتدعت أغلب تلك الشخصيات الخرافية إن لم يكن كلها ونقصد حتى تلك التي ابتدعت لتخويف الرجل، فثمة ثلاث شخصيات أنثوية خرافية ابتدعت لمنع إغواء الرجل؛ وهي: (أم الدويس، السعلوة، الخبابة)..

ونلاحظ أن هذه الشخصيات تظهر بمظهر المرأة الجميلة حتى تغوي الرجل، فتظهر حقيقتها من الكبر في السن والقبح والبشاعة.. وكأنها تحذر الرجل من أن جمال المرأة هو جوهرها وليس شكلها.

أما الشخصيات الخرافية الأخرى كالجاثوم وأبو مغوي والدعيدع؛ فإن الجاثوم شخصية تظهر في تراث أغلب المجتمعات؛ لذا سنتوقف عند الدعيدع وأبو مغوي لأنهما من تراث مجتمع الخليج العربي؛ فأبو مغوي والدعيدع يظهران كما قلنا للسماكين في البحر والفلاحين ليلاً وهذا أمر طبيعي فليل البحر، والغابات، والصحراء مخوف إذ يسمع المرء أصواتاً هي في الحقيقة بسبب مظاهر الطبيعة..

وإن هذه الأصوات التي لم يكن يسمعها نهاراً بسبب انشغاله أو الضجة من حوله تجعل المرء يبتدع كائنات تبرر وجود تلك الأصوات أما ما قيل عن أنَّ أبا مغوي ينادي بأصوات الزملاء مشيراً إلى مكانٍ ما فيه الصيد الوفير حتى يغوي السماكين فيبتلعهم البحر، فإننا لا ننكر أنَّ الصوت في الليل ينتشر، وبخاصة في المناطق المفتوحة كالبحر والصحراء مما يجعل من الصعوبة تحديد اتجاهه، فلربما نادى أحد الأصدقاء شخصاً ما إلى مكان ما، لكن ذلك السماك اتبع الاتجاه الخاطئ للصوت بسبب ظاهرة انتشار الصوت، فوقع فريسة للبحر، وبخاصة أنه يصعب على المرء إن لم نقل يعجز عن تحديد المسافة التي غاصها في البحر مما يؤدي إلى حوادث قد لا تحمد عقباها يقوم البعض بتفسيرها بوجود طرف آخر هو تلك الشخصية الخرافية..

أي أن الشخصيات الخرافية التي ابتدعها الرجال إنما ابتدعوها لتفسير ظاهرة ما موجودة بالفعل، لكن الشخصيات الخرافية التي ابتدعتها النسوة إنما ابتدعنها للردع سواء لردع الأطفال عن الخروج ليلاً أو ظهراً، أو لردع الرجال عن النساء.

ومن الفروق، أيضاً، بين ما ابتدعته النسوة وما ابتدعه الرجال من شخصيات خرافية نجد أن لشخصيات النساء أشكالاً محددة؛ فأم الدويس جميلة شعرها طويل قدها رشيق... إلخ، بينما نجد أن الشخصيات التي ابتدعها الرجال لا شكل لها، أي أنها مجرد فكرة، وذلك أن الرجال حين ابتدعوا تلك الشخصيات لم يكونوا يعرفون أنهم يبتدعون شخصيات خرافية، بل كانوا يفسرون ظواهر موجودة بالفعل، ولأنهم لم يروا تلك الشخصيات فلم يعطوها أشكالاً، بينما النسوة كنَّ يدركن أنهن يبدعن شخصيات خرافية لذلك فلم يتورعوا عن إعطائها أشكالاً وهيئات محددة.

كما أنه للسبب نفسه لم يمنح الرجال شخصياتهم أسماء، بل هي ألقاب أطلقوها على شخصياتهم من خلال ما تقوم به هذه الشخصيات من أعمال، أو من خلال أماكن وجودها؛ فأبو مغوي لأنه يغوي، والدعيدع اسم يشير معناه إلى أماكن وجوده ما بين النخل، والأمر نفسه نجده عند اسم بودرياه المأخوذ عن الفارسية والذي يعني أبو البحر، وخطاف رفاي جاء من الوظيفة التي يؤديها وهي خطف النسوة. بينما منحت النسوة شخصياتهن أسماء: « الخبابة، سارة أم الصراصر، أم الدويس...».

إضافة إلى ذلك فإن كلاً من بودرياه وخطاف رفاي لا يحتمل أن يكونا من اختلاق النسوة، نظراً لأن الأول حتى إن كان قد وجد لتخويف الأطفال حتى لا يلحُّوا على مرافقة الآباء في رحلات الصيد يحمل مبتدعه مخزوناً كبيراً من حالة القلق التي تنجم عن ركوب البحر والبعد عن البر والأهل. كما توحي صفاته وأعماله بأنَّ مختلقه على علاقة مباشرة بالبحر وما تحدث فيه من أهوال؛ لذا فإننا نرجح أن في اختلاق هذه الشخصية الخرافية دعوة للرجال للتكاتف في رحلة البحر ليتمكنوا من القضاء على الشر عامة والذي يمثله بودرياه في هذه الخرافة.

أما الثاني فقد وجد، أصلاً، لتخويف النساء كي لا يخرجن في الليل وحيدات مما يوحي بأنَّ مبتدعه رجل يوجه من خلال هذه الشخصية الخرافية رسالة وتحذيراً للنساء.

الحكاية البطولية في أدب مجتمع الخليج العربي الشعبي:

تختلف الحكاية البطولية عن الخرافة في أمرين؛ أولهما أن أحداثها تقترب من الواقع رغم المبالغة والتهويل، وثانيهما أن البطل فيها يشكل صورة مثالية عن الإنسان، وعما هو إنساني، وهي تستثير الرغبة في السامع إلى تحقيق هذه الصورة المثالية، فالأبطال رغم المبالغات التي تحيط بهم إلا أنهم بشر عاديون يتحركون في جوٍّ إنساني، وأعمالهم هي نموذج سامٍ ومتفوق لما يمكن للأفراد أن يطمحوا إليه.

أما صورة البطل في الخرافة فإنها تطرح نموذجاً متخيلاً بعيداً عن الواقع؛ فهو ليس نموذجاً إنسانياً، بل شخصيات مختلقة حُكِمَ عليها منذ البداية أن تبقى حبيسة في حبكة القصة، وخيال السامع، ودون تفاعل حقيقي مع النفس الإنسانية.

إذاً، فالحكاية البطولية هي حكاية واقعية لشخص حقيقي، تعتمد على سرد أحداث تاريخية أو شبه تاريخية، لكنها تتضمن الكثير من التهويلات والمبالغات حتى يضيع الواقعي في ضباب الخيال. يظهر هذا البطل بصورة المتفوق الذي لا يمكن تكرار أنموذجه بسهولة.

وتنقسم الحكايات البطولية إلى صنفين؛ أولهما الحكاية البطولية التاريخية، وثانيهما الليجندة. وتختلف الحكاية البطولية التاريخية عن الليجندة في أنَّ البطل في الأولى يواجه الكثير من المتاعب والمصاعب في رحلة ما، لكنه يتمكن، بفضل قوته أو ذكائه، من الانتصار عليها وبلوغ مآربه، أما البطل في الليجندة، فإنه يتميز بعمل خارق للطبيعة عمل محدد يتميز به ويشتهر.

1) الحكاية البطولية التاريخية:

نتيف نتيفان:

« كان في مرة فگيرة، ما تجيب أولاد.. ومن حسرتها عليهم گامت أخذت ليها سبعة أگراص خبز، واشترت ليهم فراش، وأخذت ليهم منز، وأخذت الگراص وحطتهم في المنزن وظلّت تنز تنز تنز، ليل ونهار، عشية وإبكار، ما تگوم إلا حزّة الصلاة حتى غذا رجلها يجيب ليها بارز.

وكت الصلاة تگوم تصلي وترد لشغلتها، تنز تنز في هذاك المنز.. نامت أياديها مسكينة من كفر المنز ويبسوا..ألحين گامت داك اليوم، ما شافت إلا مرة طلّابة دخلت بيتهم وتگول: يا الله من مال الله، رزگونا من ما رزگكم الله..

الحين هي گالت في خاطرها جيفة أگوم عن أولادي وردت گالت الطلّابة: يا الله من مال الله، رزگونا من ما رزگكم الله، إلا تگول ليها: چيفة أگوم أعطيش وأني أمبي أنيّم ولدي؟! إلا تگول ليها الطلّابة: صوبة عاد ولدش بجودش عن لا تعطيني المكتوب؟! روحي جيبي المكتوب وأني بانوزه لش.

گالت ليها: أني أمباه ينام، وأني ما سويت خمّتي، أمبي أصلي، الحين گريب بأدن الادان. إلا تگول ليها: يالله گومي عطيني... وگامت تروح تجيب ليها المكتوب... وهذيك الطلّابة گعدت صوب المنز.. گالت في خاطرها: أني باشوف هالولد.. وفتحت الفراش ما شافتهم إلا هم سبعة أگراص! إلا تگول: يووووووووو! ها ولادها؟! استغفر الله ربي العظيم.. گامت نتفت الگرص وإلا هم مستويين سبعة أولاد.. ستة أولاد والسابع صار بليّه أدون، عنده أدون وحدة.

الحين جت هديك بالمكتوب، إلا تشوف العريش مشحون أولاد.. إلا تگول: يووووووو! من وين جبتين ليي هالأولاد؟! إلا تگول ليها: أني فتحت الفراش إلا هو خبز.. گرصت هالگرص وطلعوا هالأولاد. وگالت للفكيرة سالفتها... وگالت ليها: هذا خير من الله، من حسرتي على الجهال اشتريت هالمنز وهالخبز وظليت أنوز حتى أياديي باغية من كفر النز، من كرم الله.. الله ما يعسره شي واستانست.

الحين كبروا واستانسوا، ويوم كبروا گالوا ليها: ما عندنا خالة؟! ما عندنا عمة؟! ما عندنا أحد نروح له؟! كسروا خاطرها.. گالت ليهم: عندكم خالة في بلد الواق واق. لبستهم الفياب الجدد واشتروا ليهم حصنة إلا هذاك إلا ما عنده أدون اشتروا له تيس .

حمل تيسه گدام وتمشوا.. گدامهم هو، وهم في وراه. گال ليهم: أنا باصير گدام وإنتون في ورايي عشان نروح لخالتنا.. گالت ليهم أمهم: ودعتكم السميع العليم، ودعتكم الله، يلا تيسروا.. الله ييسر عليكم.. وسلموا على خالتكم.

وراحوا.. هذاك يمشي بتيسه.. وهذلاك بحصنتهم... وتمشوا ووصلوا، ما شافوا إلا بچودة جبل أرفع من هالبيت، وهذاك تگدمهم.. دار وراه ما شافهم.. ما عرفوا يطوفون.. ترحرحوا وما جوا. گاموا يزعگون:

- يابونة يا خونة، الحگنا.. يا خونة يا بونة، الحگنا يا نتيف نتيفان.. الحگنا يا نتيف نتيفان...

جه ليهم نتيف نتيفان گال ليهم: لا نا بوكم لا نا خوكم لا نا شارب من درة أمكم. جه.. گال: تيسي يگزّم وأنا أگزّم.. لااااا گام وهدم هذاك الجبل وسواه شارع وطافوا عليه..

وردوا يمشون، هو گدام وهم في وراه، ردوا شافوا جبل كله أبر.. ما عرفوا يطوفون.. ترحرحوا.. گاموا يزعگون: يابونة يا خونة، الحگنا.. يا خونة يا بونة، الحگنا يا نتيف نتيفان.. الحگنا يا نتيف نتيفان... جه ليهم نتيف نتيفان گال ليهم: لا نا بوكم لا نا خوكم لا نا شارب من درة أمكم.. جه.. گال: تيسي يگزم وأنا أگزم ...لااااا گام وهدم هذاك الجبل وسواه رصيف وطافوا عليه.

وكملوا، كلما ما تعوّگوا نادوا نتيف نتيفان وحل ليهم المسألة.. وعگب مسير طويل وصلوا السِيف.. وصوبه شجر واجد.. وصوبه عريش.. گاموا دخلوا العريش وگالوا للمرة إلا هناك: إنتين خالتنا؟ گالت ليهم: أي.. واستكبلتهم وحببتهم وحضنتهم.. وشمّت نتيف نتيفان وحبته وحضنته.. وگالت ليهم ربطوا حصنتكم في الشجر.. وگام كل واحد ربط حصانه في شجرة حتى نتيف نتيفان ربط تيسه.

وهو من أول ما شافها عرف إنهي ساحرة «وهو نتيف نتيفان أسحر منها.. لكنه خيّر ما يسوي شيء. گامت گالت ليهم: اليوم الغذا في بيتنا عدل. گالوا ليها: أي... وگعدتهم في المجلس وراحت سنّت أسنانها وسوّتهم مفل الجفر.. لكن ما گالت ليهم إنهي تبي تاكلهم.. صكت عليهم باب الحجرة وگفلته.. وراحت جابت ليهم عيوش: برياني ومحموص ومندي ومچبوس وبحّاري عشان يسمنون.. وراحت تكمل سنان أسنانها..

لكن نتيف نتيفان فهم ليها.. وگام سوه حفرة في الباب رنگة الباب الصغير.. وطلّع أخوانه منها.. وگام حفر حفيرة عودة چان لين طاحت ما تطلع منها.. وحط عليها أعواد أسكريم وألواح ضعاف چان تتغبّى الحفرة.. وتهاربوا.

جت الساحرة تبي تآكلهم ما شافت إلا الريش... گالت: هذا أكيد نتيف نتيفان إلا گال ليهم.. وشافت الفتحة إلا نفس الباب وگالت في خاطرها بلحگ وراهم وباكلهم... وما طلعت إلا بطيحتها.. وتعفرتت وماتت..

رجعوا الأولاد لأمهم وگالوا ليها: هذي خالتنا إلا گلتين لينا بها؟ طلعت ساحرة وتبي تاكلنا.. گالت ليهم سامحوني يا ولادي.. أني ما عندي خوات لكن ما أحب أكسر بخاطركم من جدي گلت ليكم: عندي خت في بلد الواق واق»(6) .

- التعليق على الحكاية:

تختلف الروايات حول قصة «انتيف انتيفان» فتارة يذكر في رحلة إلى بلاد الواق واق للقاء عمته، أو خالته في روايات أخرى، وتارة هو في رحلة إلى الصحراء للعودة بالكنز، لكن تلك الروايات جميعاً تتفق في الخطوط الرئيسة للحكاية من أن نتيف نتيفان كان شديد القصر وبأذن واحدة، وبأنه يمتطي تيساً لا خيلاً، وبأن إخوته الذين كانوا يستخفون به كانوا يطلبون عونه في الأزمات التي تمر بهم، فكان هو المنقذ الأوحد.

إذاً فقد كان إخوته يستخفون به لقِصَرِه، وبالرغم من أنه لم يكن يمتطي الخيل، بل التيس إلا أنه أثبت بأنه أقوى أخوته وأذكاهم، فبسبب حيلته ودهائه وفطنته تمكنوا من القضاء على الثور والكلب والضبع، وفي رواية أخرى السعلاوات والحصول على الكنز المنشود.

إنها رحلة بطولية لنتيف نتيفان أظهر فيها شجاعة وذكاءً فريدين في أكثر من مرة وكان هو سبب إنقاذ إخوته ووصولهم سالمين إلى ديارهم.

وبالرغم من أن هذا البطل كان يعاني عيباً خلقياً «شدة قصره، وبأذن واحدة» إلا أنه قد عوّض هذا العيب بميزاته الأخرى، وبالرغم من أن هذه الميزات قد تبدو خارقة أو سحرية إلا أن هذا الأمر لا يخرج بالحكاية من صنف الحكاية البطولية إلى الخرافة، ذلك لأن ما يبدو خارقاً أو سحرياً هو التأويل الحكائي لا الفعل القصصي نفسه، فالفعل السحري/غير الطبيعي الأول في القصة هو تحول الأرغفة إلى أولاد، لكن لو دققنا في تفاصيل الحكاية لوجدنا أن أرغفة الخبز لم تتحول إلى أولاد إلا بعد أن قررت أن تفعل أمهم خيراً رغم فقرها مع عابرة السبيل، ودعاء تلك العابرة لها، بالتالي فإن تأويل الحدث هو أن الله يرزق الإنسان مطلبه إذا ساعد الآخرين ( الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ) ويبدو أن قصة ابن الفرات ورغيف الخبز كان لها أثر في بناء الحدث هنا.

أما بالنسبة لهدم الجبل أو شق طريق فيه، فإنه رمز يعني، دينياً، نيل المكانة العالية الرفيعة، أما الرواية الأخرى التي تقول بسحب الجبل فتفسيرها هو حمل مؤونة ثقيلة، وبالتأكيد يعد هذا الرمز تفسيراً للصيد الوفير الذي كان يحصل عليه.

وتبقى السعلوة ذلك الكائن الخرافي المستخدم بأشكال شتى في معظم الحكايات والخرافات الشعبية رمزاً للمخاوف من المجهول.

فقد تحلى نتيف نتيفان إذاً بالشجاعة والقوة والذكاء في أثناء رحلته إلى بلاد الواق واق، أو في رحلته إلى الكنز في الصحراء بحسب الروايات المختلفة للحكاية.

هذا ما أرادت أن تقوله تلك الحكاية البطولية، لكنها لم تستغنِ عن المبالغة والتهويل وهذا شأن جميع الحكايات البطولية في كل المجتمعات. إذ إن المبالغة والتهويل هما ما يجعلان البطل نادراً، ونموذجاً غير قابل للتكرار.

2) الليجندة:

هي قصة غير مُتحقق من صحتها تاريخياً، رغم الاعتقاد الشعبي بصحتها، ويطغى عليها الخيال وتمتلئ بالمبالغات، وهي تدور غالباً حول حياة أحد الأشخاص المتميزين والمحبوبين شعبياً؛ منها أعمال وكرامات القديسين.

والفرق بين الليجندة، والحكاية البطولية أنَّ الشخص في الليجندة موجود بالفعل، لكنه في الحكاية البطولية قد يكون غير موجود تاريخياً، لكن الحدث التاريخي هو الموجود، لكنه روي أو فُسِّر أو مُلئ بالمبالغات، أما الحدث التاريخي في الليجندة فهو المشكوك به إذ إنه حدث لا معقول وغير متحقق من صحته.

إذن فما هو خيالي أو لا معقول في الحكاية البطولية هو جزء من أحداثها، أما في الليجنده فهو الحدث برمته.

وكذلك يظهر الفرق عند التلقي فالحكاية البطولية لا تجبر المتلقي على التصديق، أما الليجندة فهي تجبره على التصديق كون بطلها من القديسين والصالحين الذين أكرمهم الله بالمعجزات والكرامات التي تكوِّن الحدثَ الرَّئيسَ في الليجندة.

وثمة فرق بين الليجندة والخرافة رغم اشتراكهما في لا معقولية الحدث إلا أن الليجندة تنطلق من قدسية الحدث؛ ككرامات الأولياء والصالحين وغيرهم، أما الخرافة فعادة ما تكون لتفسير أحد مظاهر الطبيعة، أو لتبرير الخوف منها ومن المجهول عامة.

فالخرافة، إذاً، تنطلق من حاجة نفسية بينما تنطلق الليجندة من رغبة. كما أن شخصيات الخرافة شريرة وجدت لتوقع بالناس عامة وبالأطفال بشكل خاص وإيذائهم، بينما شخصيات الليجندة محبوبة وصالحة وخيرة. وعلى هذا الأساس فإن شخصيات الليجندة موجودة بالفعل، أما شخصيات الخرافة فلا وجود لها إلا في أذهان بعض الناس. على الرغم مما يروى عن رؤيتها من بعض الناس بيد أنه ما يؤكد عدم مصداقية هذا الوجود هو اختلاف الروايات حولها وتناقضها في كثير من الأحيان.

الحكاية الشعبية:

إنَّ ما يميز الحكاية الشعبية عن الحكاية الخرافية والحكاية البطولية بشكل رئيس هو هاجسها الاجتماعي، فموضوعاتها تكاد تقتصر على مسائل العلاقات الاجتماعية والأسرية منها خاصة كحقد زوجة الأب «بديح بديحوه»، وغيرة الأخوة من أخيهم الأصغر الذي تجتمع له صفات الشجاعة والنبالة في مقابل الخسة والحسد والغيرة لدى أخوته «نيف نتيفان».

والحكاية الشعبية واقعية إلى أبعد الحدود وتخلو من التأملات الفلسفية والميتافيزيقة، مركزة على أدق التفاصيل وهموم الحياة اليومية. وهي رغم استخدامها لعناصر التشويق، إلا انها لا تقصد إلى إبهار السامع بالأجواء الغريبة او الأعمال المستحيلة، لكن ذلك لا يعني أن الأحداث الغريبة والمستحيلة غير موجودة في الحكاية الشعبية، لكن ما نعنيه أن غير الطبيعي ليس عنصراً أساسيا في مضمون الحكاية، كما في الحكاية البطولية، أو ينفي سمة الواقعية عن الحكاية كما في الحكاية الخرافية، إنما وجوده متمم لسير الاحداث.

ومن حيث أسلوب الصياغة، فإن بنية الحكاية الشعبية بنية بسيطة تسير في اتجاه خطي واحد، وتحافظ على تسلسل منطقي ينساب في زمان ومكان حقيقيين، على عكس الحكاية الخرافية ذات البنية المعقدة التي تسير في اتجاهات متداخلة، ولا تتقيد بزمان حقيقي أو مكان حقيقي.

وأخيراً فإن الحكاية الشعبية تتميز برسالتها التهذيبية، فمعظمها يحمل في طياته درساً أخلاقياً ما، وذلك مثل جزاء الخيانة، وفضل الإحسان، ومضار الحسد.

ومن النماذج المعروفة للحكايات الشعبية «بديح بديحوه، وغاية والحنيش، ونتيف نتيفان»:

1) بديح بديحوه:

وهذا نصها باللهجة المحلية الإماراتية:

« كانت وحدة بنت السماك، أبوها يظهر البحر وأمها متوفية من زمان، وعندها مرت أبو عمة، والعمة عندها بنت من هذا الريال أبو البنت، ومرة وحدة الأبو صاد بياحة، وسمك وايد فقالت مرت العم للبنت :

أخذي السمك وغسليه في البحر، خذت المسكينة السمك وسارت على سيف البحر، ولما جلست تغسل السمك، شافت بين السمك بياحة إنسية (جنية) فقالت لبياحة للبنت:

هدينيه وبغنيش

خافت البنت، لكنها قامت وهدت البياحة وسارت هيه إلى البيت، وأخذت مرت الأبو العمة السمك وعدتهن، سمكة سمكة فقالت للبنت اليتيمة :

جية وين لبياحة

فقالت إلها البنت وهي خايفة تنتفض:

ــ انهدت عنيه في البحر

فحرجت العمة وخذت العصا وضربت اليتيمة، وقالت إلها:

- من غداش من ريوكش من عشاش ما بنعطيش أكل موليه.

وكانت البياحة قالت للبنت وهيه على البحر إذا ضربوش تعالي ليه، سارت البنت وحليلها إلى سيف البحر، وزجرت على البياحة.

- بياحو بياحو ... لا ريقونيه ولا غدونيه ولا عشونيه.

سمعتها البياحة، ويتها على البحر تلبط، يابت لها الخبز والحلوى، كلت البنت وشبعت وإللي زاد من الحلوى خذته وياها وعكته في جفير الطعام، وعندما ردت البيت يتها أختها من أبوها، وقالت لها:

ــ عدنا أكل ما بنعطيش.

فردت البنت:

- أنا ما أبغي شي.

ويوم أدا هاك اليوم، يا للبنت اليتيمة خطيب بيخطبها، وقامت مرت أبوها ودخلتها في التنور ويلست بنتها فوق السرير.. ويوم دخلوا الحريم من طرف الخطيب .. كام الديك يصكع.

- ككو كو .. كوكو، عمتيه الزينة في التنور، وعمتيه الشينة فوق السرير، عمتيه الشلكة والبلكة فوق السرير، وعمتيه الحلوة في التنور ... ككوكو .. ككوكو.

استغربن الحريم، وجالن: خلونا نسمع الديك شو يكول، والعمة كل ما صاح الديك ردت عليه:

- كش .. كش مناك زول. وتقوم بتروغه حتى ما يصقع.

ولكن قامت وحدة من الحريم وسارت وكشفت عن التنور وشافوا البنت الحلوة داخل التنور، والبنت المب زينة فوق السرير.

وسارت الأيام ويو الرياييل يطلبون لبناوة، البنت اليتيمة، وطلبت مرت الأبو العمة مهر لبناوتها بيب مالح ويونية بصل.

وردت البنت وسارت على سيف البحر وزكرت البياحة:

ــ بديحوه بديحوه، ويوم يتها البياحة علمتها وقالت :

ــ أنا خطبونيه ...

وكالت له البياحة:

- ما عليه يوم بيأديش ليلة العرس تعالي وزكري عليه.

وسارت الايام، وعندما حزت ليلة العرس، سارت البنت على سيف البحر وزكرت، ويتها البياحة وخذتها الغبة وطرت بطنها ومزرته. مشاخص وجناية.

وقالت لها يوم بيدخلونش على الريال، قولي بطنيه يعورنيه .. ويوم بيكول سيري الحمام قولي افرش لي معصمك.

ودخلوها ويوم قاللها سيري الحمام.. قالت:

- لا ... افرش لي معصمك، وعكت اللي في بطنها مشاخص وجناية جل الريال المشاخص ولجناية وغنته.

وسارت الأيام، ويو الخطاب بيخطبون البنت الثانية، يتحسبون مثل أختها بتغني الريال، وطلبت الأم مهر لبنتها يونية بصل وبيب مالح.

ويوم الدخلة قالت بطنيه يعورنيه، وفرش إلها معصمه، وعقت الأوساخ فطلقها وشرد، ويينا نحن عنهم، وهم تموا يالسين». (7)

- تعليق على الحكاية:

تؤكد هذه الحكاية الشعبية أن الله يحمي حق اليتيم وينصره ويرحمه من شرور الآخرين، وأنه يكافئ الخير بأحسن الجزاء، ويعاقب المسيء.

وهي لا تختلف كثيراً عن قصة «غاية والحنيش» إذ كانت غاية «اليتيمة» تعاني، أيضاً، من قسوة زوجة أبيها، وذات مرة وهي تجمع الحطب عرض عليها حنيش المساعدة بأن يلتف حول حزمة الحطب بدل الحبل الذي أضاعته ولم تجد ما تربط به حملها، فوافقت واتضح فيما بعد أن هذا الحنيش ما هو إلا أمير مسحور، فتزوج بغاية وقدم لها الذهب والمجوهرات وعاشت بهناء، فأغرى ذلك زوجة الأب فزوجت ابنتها من حنيش آخر، لكنه كان ثعباناً حقيقياً فعضَّ ابنتها وماتت.

إذاً، من خلال هذه الحكايات الشعبية وغيرها، نجد أن الحكاية تُخْتَتَمُ دائماً بالفرح والسعادة وبانتصار الشخص المُسْتَضْعَف المظلوم، كما نجد أنَّ هذا الانتصار يكون بسبب الطيبة كما في حكايتي «غالية والحنيش، وبديح بديحوه» الشعبيتين، لكنه في حكاية «انتيف انتيفان» البطولية فقد كان الانتصار بسبب الحيلة والدهاء.

فإذا كان الانتصار طبيعياً في حكاية «انتيف انتيفان» البطولية، فإنه انتصار بسبب تدخل إلهي في الحكايتين الشعبيتين . إذ إن القدر هو الذي كافأ البطل: «غالية والحنيش، وبديح بديحوه»، لكن لماذا تدخل القدر هنا؟ لا يمكننا من خلال تفاصيل الحكايتين إلا أن نجزم أن اليتم هو السبب فقد كان القدر حليف المظلومين واليتامى، أي أن الله مع اليتامى هذا ما أرادت أن تخبرنا به الحكاية. أما لماذا لم يكن القدر هو من تدخل لنصرة انتيف انتيفان؟ فلأن انتيف مشكلته في ذاته « قصره» فلابدّ أن يكون الحلُّ أيضاً من ذاته، فكان ذكاؤه هو سبب انتصاره، وليس بسبب تدخل الإرادة الإلهية في سير الأحداث.

خاتمة:

رأينا أن الأدب الشعبي في الخليج أدب ثري بالحكايا والشخوص، ذلك أن الصحراء مكان خلاق لابتداع الحكايا والخراريف، ولأنَّ البدوي ميَّالٌ إلى جلسات السَّمر ليلاً متحلِّقاً حول النيران يجود بما فاضت به ذاكرته وقريحته من حكايا.

ولقد تمايزت الحكايا التي أنتجتها الصحراء عن الأدب الشعبي عامة بسمات من حيث الشخوص والمضمون، فهي من حيث الشخوص شخصيات يحمل قسم منها أسماء او ألقاباً أو كنًى تدلُّ على الوظيفة المختلَقَة من أجلها تلك الشخصية؛ أي إنها شخصيات أسطورية وظيفية لها مهمات من دون أن تكون لها قصة أو حكاية واضحة كأبي درياه، والجاثوم، أبو مغوي، والديدع.

أما من حيث المضمون فقد وجدنا أن معظم حكايات وخراريف الخليج العربي تتمحور حول ردع الاطفال أو النساء أو الرجال، أي ردع الآخر عن القيام بفعل ما، كما لاحظنا مشاركة النساء بابتداع الحكايا والخراريف الشعبية الخليجية.

أما الحكايات البطولية والشعبية والليجندات، فقد تمحورت حول تمجيد قيم الخير والحق والجمال؛ من مثل حكاية نتيف نتيفان وغيرها.

كما لاحظنا، من خلال ما تقدم، أن القصص الشعبي في الخليج العربي غني جداً برموزه وحكمته وشموليته، فقد تطرَّق إلى جميع مناحي الحياة؛ وبسبب غناه وتعدد أنواعه وفروعه؛ لذا فإن عملية الحفاظ عليه واجب وطني تتطلب تظافر جهود الأفراد والمؤسسات، كما حدث في تضافر الجهود المخلصة في «موسوعة الحكايات الشعبية البحرينية ألف حكاية وحكاية» من إعداد وتنسيق وتحرير الدكتورة ضياء الكعبي. وهو وليد فكرة الشاعر الشاعر البحريني علي عبد الله خليفة عام 2007 حيث لفت نظر الدكتورة الكعبي المهتمة بالسرديات إلى عدم وجود تدوين متسع للحكايات الشعبة البحرينية رغم ثرائها وتنوعها الخلاق، مؤكداً على ضرورة تدوين الحكاية الشعبية البحرينية باللهجات الشعبية المحلية دون تحويلها إلى الفصحى؛ سعياً إلى الحفاظ على صورة المروية الشفاهية الشعبية كما قِيلت»(8) .

وقد أثمرت فكرة الشاعر علي عبد الله خليفة وجهود الدكتورة الكعبي وبتعاون مؤسسة «الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر»، و«المنظمة الدولية للفن الشعبي» مع جامعة البحرين، أكبر مجموع حكائي شعبي على مستوى الوطن العربي وقد تظافرت لإنجاز هذا العمل جهود «عدد كبير من الأساتذة والطلبة والمثقفين والمهتمين بالتراث والفلكلور الشعبي، واستغرق إنجاز هذا العمل الضخم عشرة أعوام، وعمل 100 طالب وطالبة، على إجراء عمليات مسح وتدوين وتحقيق الحكايات الشعبية من 1200 راوٍ وراوية يتوزعون بين قرى ومدن البحرين، تتراوح أعمارهم بين 50 و82 سنة» (9).

بلا ريب أنَّه في مقدمة المؤسسات التي يجب أن تعنى بالأدب الشعبي تأتي المدرسة حيث من الضرورة بمكان أن يضم المنهج الدراسي العديد من نصوص الأدب الشعبي. إذ إنَّ الأدب الشَّعبي يعمل على الحفاظ على الهوية الوطنية ويعزز القيم التراثية لدى الأبناء، كما أن الأبناء يتقبَّلون الوصايا والمواعظ من خلال الأدب وبخاصة الشعر والأمثال والقصة أكثر مما يتقبلونه على شكل أوامر ووصايا جاهزة، بالإضافة إلى أنَّ من أهمِّ مميزات الأدب الشعبي أنه أدب ممتع؛ لذا فمن الطبيعي أن يتقبله الأبناء في طفولتهم أكثر من الأدب الجاد لقربه من أساليبهم اللغوية اليومية، وصوره الفنية الأثيرة إلى نفوسهم؛ لذا يمكننا الاعتماد عليه لتأسيس ركيزة فنية ورؤية شمولية للعالم ينطلق منها الأبناء نحو الإبداع.

إضافة إلى أن التراث الأدبي الشعبي يعد هوية وطنية وقومية يجب الحفاظ عليها فإن الأدب الشعبي وبخاصة الحكاية الشعبية يمكن توظيفها كمحفزات لتجاوز الصعاب، وكأدوات تطهير في المجتمعات وبخاصة لدى الأطفال لما تتمتع به من إعلاء قيم الحق والنبل ورسم معالم طريق الفوز والظفر.

الهوامش

1. مصطفى يعلى: إشكال المصطلح في القصص الشعبي، مجلة ديوان العرب الإلكترونية، تاريخ العدد 18/3/2010.

2. ابن منظور الأفريقي: لسان العرب، دار صادر- بيروت، ج5، ط6، 2008، ص52.

3. مصطفى بدر: حقائق مذهلة عن دولة الإمارات، مركز الراية للنشر والإعلام- القاهرة، 2010، ص135-136.

4. مرسيا إلياد: الأسطورة والمعنى، ترجمة نهاد خياطة، دار كنعان - دمشق 1990. ص12-13.

5. الديري، جعفر: «بودرياه» يستنجد البحارة. الوطن (صحيفة بحرينية يومية). تاريخ النشر: 13 ديسمبر 2014:

- https://tii.ai/DVB4tO

6. أحمد راشد ثاني: حصاة الصبر، ج1، منشورات المجمع الثقافي- أبوظبي 2002، ص91.

7. حقائق مذهلة عن دولة الإمارات: ص138.

8. تدشين موسوعة (الحكايات الشعبية البحرينية: ألف حكاية وحكاية) أكبر مجموع حكائي شعبي على مستوى الوطن العربي. وكالة أنباء البحرين. تاريخ النشر: 21 فبراير 2019: https://www.bna.bh/.aspx?cms=q8FmFJgiscL2fwIzON1%2BDlXatnbkptD7mULgMUALAtQ%3D

9. المرجع السابق.

الصور

- من الكاتب.

1. من أرشيف الثقافة الشعبية.

2. https://www.emaratalyoum.com/life/four-sides/2010-08-16-1.27 9506

3. https://dota127.blogspot.com/2018/10/blog-post_95.html-

4. https://pbs.twimg.com/media/DWLMuB3WAAIRdEG.jpg

5. https://www.pngwing.com/ar/free-png-yhenl

6. اللوحة للفنان أنس النعيمي. الإمارات اليوم (موقع إلكتروني). تاريخ النشر:

7. http://pngimg.com/uploads/mermaid/mermaid_PNG83.png

أعداد المجلة