فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
54

التراث الشعبي اليمني العادات والمعتقدات وفنون الأداء الشعبي

العدد 54 - فضاء النشر
التراث الشعبي اليمني  العادات والمعتقدات وفنون الأداء الشعبي
كاتبة من مصر

عرضنا في العدد 52 لمجموعة متنوعة من الدراسات التي تناول أصحابها فنون الأدب الشعبي اليمني والتي اعتمدت كتاباتهم على العمل الميداني والدراية الواعية بتحليل النصوص الشعبية.. وفي هذا العدد نكمل ملف الدراسات الشعبية التي توفرت لدينا من اليمن، حيث تنوعت هذه الدراسات بين موضوعات العادات والتقاليد سواء المرتبطة بدورة الحياة أو العادات المرتبطة بالأسواق، وبعض الدراسات المتعمقة في العادات والمعتقدات الشعبية، فضلاً عن فنون الرقص الشعبي وما يرتبط بها من أداء غنائي وموسيقي. ويتنوع الإطار الجغرافي لهذه الدراسات ليتسع لعموم اليمن أو يتصل بمحافظات بعينها مثل بلاد يافع وحُجة وصنعاء.

معتقدات وعادات شعبية من بلاد يافع

صدر عام 2019 كتاب معتقدات وعادات شعبية من بلاد يافع وشذرات من تاريخها: دراسة ميثولوجية- اجتماعية- أدبية عن مؤسسة الموسوعة اليافعية للثقافة والإعلام لمؤلفه ناصر الكلادي، ويقع الكتاب في 543 صفحة في الحجم المتوسط. ويقوم الكتاب على توثيق الكثير من العادات والمعتقدات الشعبية اليمنية في منطقة يافع كالزواج والحمل والولادة، والشعر، والمعارف المرتبطة بالزراعة، والحياة المنزلية، ومعتقدات الأحلام، وعادات ومعتقدات الموت. وتقع بلاد يافع شمال شرق مدينة عدن جنوب اليمن، وتنقسم إلى المنطقة الساحلية وهي في سهل أبين الساحلي، وفيها أراض زراعية خصبة، ومن بلداتها: جعار، والحصن، والروا، والرميلة، وباتيس، ويطلق عليها قبليًا اسم: يافع الساحل. والمنطقة الجبلية وتمثل معظم البلاد اليافعية، وفيها جبال شاهقة وأودية عميقة، وتتخللها هضبتان عاليتان إحداهما في مديرية لعبوس، والأخرى في مديرية الحد. وتتألف يافع من عشرة تجمعات قبلية خمسة منها تسمى مكاتب يافع بن قاصد، والأخرى تسمى مكاتب يافع بني مالك. وتتوزع مناطق يافع حاليًا بين عشر مديريات في ثلاث محافظات، وهي محافظة لحج، ومحافظة أبين، ومحافظة الضالع. ويبدأ الكتاب بتمهيد حول المعتقدات والعادات في بلاد يافع مشيرًا إلى ارتباطها بالأقطاب الصوفية، والتطير الذي يتأثر به البعض سواء استجابة له أو خشية من وقوعه، كما يعرض لمزارات الأولياء ومقاماتهم وأضرحتهم، والحضرات الصوفية، ونماذج مما قاله شعراء يافع الشعبيين عن الأولياء. ثم يبدأ الكلدي بالحديث عن المعتقدات والعادات المتعلقة بمرحلة الزواج الذي كان يبدأ في سن مبكرة قبل بلوغ العشرين سواء للولد أو البنت، وكانت هناك «القُصة» والنقطة التي كانت توضع أعلى الوجه مقابل الأنف لتميز المرأة المتزوجة عن غير المتزوجة، مما يسهل اختيار الشاب لشريكة حياته.. ثم يسرد المؤلف مراحل الزواج بداية من الموافقة على العريس، ومرورًا بالدعوة للعُرس واحتفالية الزفاف حتى ولائم الزفاف ووصول العروسين إلى بيت الزوجية، حيث تستمر الاحتفالات- سواء في بيت العروس أو العريس- سبعة أيام. ثم ينتقل لوصف هيئة المرأة ولباسها بعد الزواج خاصة طريقة تجديل شعرها، وتفننها في لبس الفضة على أغطية الرأس وحزام الوسط والخلاخيل، خاصة في المناسبات والزيارات الأسرية. أما الرقصات التي تؤدى في مناطق يافع في احتفالية الزواج فهناك أكثر من عشرين رقصة سواء رجالية أو نسائية أو مشتركة، ومنها: رقصة الشوبلية، رقصة السفيخ، الرقصة القاصدية.. وتسجل معتقدات الزواج بعض الظواهر كذبح كبش عند مقام الولي، والتشاؤم من بعض النجوم، كما يسرد المؤلف خصائص كل برج من الأبراج.. ويحفل الكتاب بالكثير من الممارسات على هذا النحو، منها إذا حدث وتزوج اثنان من أسرة واحدة في الوقت نفسه، وكانت دخلة العروستين في يوم واحد وساعة واحدة، فعلى العروستين الدخول من عتبة الباب بخطوة مشتركة، وفي يوم دخلة العروسة تحمص أنواع من الحبوب ثم ترمى من على رؤوس العروسين يمنة ويسرًا تبركًا. وقبل الزواج بأيام قلائل تعقد النسوة احتفالات توديع في بيت العروسة لمدة أربعة أو خمسة أيام بعد صلاة العشاء مباشرة حتى الحادية عشر ليلاً، وتسمى ليالي الهداني، وفيها تتسامر النساء مع العروسة بالنكات والضحك بالأشعار الخفيفة التي ربما تُرتجل مباشرة من قبل شاعر أو شاعرة من النسوة أنفسهن، وإذا لم يوجد شعراء لا من النساء ولا من الرجال، فقصائد التراث المعتادة كفيلة أن تقوم بهذه المهمة، وخاصة أنها تلبي مراحل احتفالية الزواج كالاحتفاء بالعروسين واستقبالهما والحناء وتوديع الأهل ومن بينها:

وا هـداني ألا بسمـلــت أول وثـانــي... ألا هوديني

وا هداني ألا جيت اخـدمش وا بناتـي... ألا هوديني

وا هداني ألا جيت اخدمـش وا هلـيه... ألا هوديني

وا هداني ألا جيت اخدمش من عيوني... ألا هوديني

وا هداني ألا وا زهـــرة العــوبـلـــية... ألا هوديني

وا هداني ألا جهشه ومـا بـع سُـقــيه... ألا هوديني

وا هداني ألا وا علـب مثــمـر ودانــي... ألا هوديني

وا هداني وا مــن نـطــق لـسـانـــي... هدان وهداني

ثم ينتقل المؤلف إلى استعراض بعضًا من معتقدات وعادات الحمل والولادة والطفولة، فعندما تظهر علامات الحمل الأولى على المرأة فإنه كان من العادة في بعض المناطق أن تذهب إلى الولي التابع لأمها وليس لأبيها، وعادة ما تزور الحامل هذا الولي في الحمل الأول فقط، وتحمل معها شيئًا من الزيت تنير به مسرجة داخل الضريح ثم تترك بعض النقود عند قبر الولي.. ويشير المعتقد الشعبي اليمني إلى أن المرأة الحامل يجب أن تتجنب بعض الممارسات منها ألا تظهر أمام موكب جنازة، وألا تخرج من البيت إذا سمعت أن القمر في حالة خسوف أو أن الشمس في حالة كسوف، اعتقادًا بأن ذلك سيحدث ندبات سوداء في جسم الطفل أو يصاب بالكساح. وإذا ركزت المرأة الحامل النظر إلى شخص معين لمدة طويلة فقد تأتي بولد له مواصفات ذلك الشخص، لذلك تتجنب النساء الحوامل إطالة النظر فيمن لديهم عاهات أو عيوب خلقية أو دمامة كالحول في النظر أو ما شابه ذلك. وإذا خرج الرجل من بيته وكانت زوجته حاملاً وأول ما يجد في طريقه ثعبان، فهذا فأل ودليل على أن الذي في بطن زوجته هو ولد وليس بنتًا. وإذا أرادت المرأة الحامل أن تعرف ما في بطنها أهو ذكر أم أنثى، فعليها أن تدخل مكانًا مظلمًا، ثم تمس بيدها الأرض، فإذا وجدت (وطفة) وهي حجر رقيقة بحجم كف اليد، فهذا دليل على أنها ستنجب بنتًا، أما إذا وقعت يدها على حجر متطاول اسطواني ويقال له (عالي)، مثل الذي تدق به الأشياء في المطبخ، فهذا دليل على أنها ستنجب ذكرًا. أما المرأة التي لا تحمل فيأتون لها بماء من بئر سقط إليها شخص فمات، وتغتسل من هذا الماء مدة شهر، بشرط أن يأتوا لها بالماء دون علم أحد. ومن الممارسات أيضًا أن المرأة التي لا تحبل يأتون لها بحزام من جلد الضبع وتحتزم به لمدة أسبوع. وعندما تشعر المرأة الحامل بقرب موعد ولادتها، فإنها تتكتم على ذلك ولا تخبر إلا نساء معينات في البيت من كبيرات السن مثل العمة أو غيرها، فيتم التهيئة لعملية الولادة في سرية تامة لا يشعر بها الولاد أو البنات أو حتى الرجال مثل العم وغيره، وعادة ما تتم الولادة في بيت الزوجية، إلا أنه من المستحب حضور أم الزوجة في أوقات الولادة لا سيما في ولادة المولود الأول، فيصبح الأمر هنا أكثر أهمية. ويعرض المؤلف أيضًا للكثير من عادات ومعتقدات الولادة في بلاد يافع منها المحار الذي يوضع في فم الطفل قبل الولادة، وأغطية رأس المولود والحلي التي توضع في معصم يده، فضلاً عن المواد العطرية والطبية والبخور التي تجهز للمولود. ويتم الإلقاء بسرة المولود في بئر لا يستخدم ماءها ومن ثم يصبح السر في مكان آمن لا تصله يد. وإذا استمر الطفل مدة وهم يبحثون له عن إسم، ولم يتناسب معه أي إسم، فيسمونه (محمد) إذا كان ولدًا أو (فاطمة) إذا كان بنتًا، وهذا مؤقتًا حتى يستقروا على الإسم المناسب، وعندما تسقط أسنان الطفل اللبنية فلابد أن يرميها بنفسه في اتجاه الشمس، ويقول: «يا عين الشمس هاتي لي بدل سني سن أبيض مثلش». أما «الوحامة» فهي هدية ترسلها أم الزوجة عندما تكون ابنتها حاملاً في الشهر الرابع أو الخامس، وهي جلجل وسيط وسمن وعسل وأشياء أخرى خفيفة حسب الاستطاعة. وكان الناس في بعض مناطق يافع لا سيما المتاخمة لشمال اليمن يعتقدون أن مولود يوم الجمعة يعد سيدًا، حتى أن بعض تسميات السادة أتت على هذه الكيفية. وفي المعتقدات المرتبطة بالحيوان فإن ربط الثعبان (الحنش) على خصر الطفل الذي يتبول لا إراديًا في فراشه يقطع تلك العادة. وهناك بعض الأهازيج التي تردد للطفل كي يسكت عن البكاء، منها:

هـيدبلــه وا صــبي سيره أمك تستقي

وا تصلــي وا تـجـي وا تــزور الهــاشمـي

وا تروح لـك طـلي من أنـم جدك علـي

مـن علـى قـبر الـنبي والبنادق ديف ديف

من جبأ جدك علي لا جبأ جدك صلاح

وا هديه لك هَدى وا هديه لك هَدى

ثم يستعرض المؤلف بعض المعتقدات المتعلقة بهتوف الشعر وبعض المواقف المرتبطة به، ثم بعض المعتقدات والعادات المتعلقة بالزراعة والأمطار، منها أوقات وضع السماد، وشق التربة، والبذر، والحصاد والأغاني والأهازيج المرتبطة بذلك. ومن العادت ما يعرف بـ «الدبآن» وهو ما يعطى من حبوب للأطفال الذين يحضرون في نهاية عملية «اللبيج»، وهذه عادة تحدث في كل القرى، وهو أن يترقب أطفال القرية الوقت المناسب الذي يذهبون فيه لإعطائهم تلك الهبة من باب إسعاد الأطفال، وإذا لم يحضر الأطفال فإن «الدبآن» يعطي لأي مسكين أو عدة مساكين. ومن المعتقدات إذا كثرت أعشاش الطيور فذلك دليل على أن تلك السنة كثيرة البركات والثمار والأمطار، ونقيق الضفادع بكثرة يبشر بقدوم المطر بعد انقطاع طويل. ويستعرض المؤلف أسماء المواسم الزراعية وخصائصها، وبعض الأمثال الشعبية المرتبطة بالزراعة (من ذرأ بغير موسم صرب لا غير وصر)، وكذا بعض المصطلحات الخاصة بالزراعة والأدوات المستخدمة فيها. ثم ينتقل إلى المعتقدات والعادات المرتبطة بالبيوت والأطعمة والحيوانات الأليفة، ومنها عندما يبدأ اليافعي البناء يستحب أن تطرح أول حجر يوم الأحد للاعتقاد بأن الله بدأ بناء السماوات والأرض يوم الأحد واختتمها يوم الجمعة.، كما يحرص على وضع مسامير من الحديد في أركان البيوت للاعتقاد بأنها تصد الجن والشياطين، كما يتشاءم من الكنس بعد أن يغادر المسافر البيت كون ذلك دعاء بعدم العودة، وفي بعض المناطق إذا ذبح أحدهم في المناسبات أو الأعياد، يصب قليلاً من الدم في أي ركن من أركان البيت كاستعاذة من الجن. ومن المعتقدات استخدام مسحوق أحجار المرو كعلاج لأي من الحيوانات المنزلية إذا رُجمت في مكان خطير، فيعطون تلك الماشية من مخلوط مسحوق المرو مع الماء لتشربها.

ويستطرد الكلدي في سرد هذه المعلومات الموسوعية حول المعتقدات والعادات الشعبية في بلاد يافع ليقدم فصلاً متخصصًا في الرؤى والأحلام وما يرتبط بجسم الإنسان، منها أن الشخص إذا حلم بأنه يأكل اللحم، فهذا يعني أنه سيمرض أو تقابله أشياء سيئة، أما رؤيا الماء فيعد بشير رزق. وفيما يتعلق بجسم الإنسان يعتقد أنه إذا مرت العنكبوت على يد شخص أو رجله أو أي مكان في جسمه مرورًا سريعًا، فذلك يعني أنها أنقذته من شيء سيئ كان سيحدث له. كما خصص فصلاً عن المعتقدات والعادات المتعلقة بالمرض والموت وقدم كشافًا بأسماء الأمراض والأعراض التي تسببها، كما سجل الكثير من المعتقدات والعادات المتنوعة، مثل: البشعة والإيماءات والتعبيرات الحركية، وبعض الخواطر المتفرقة في الشعر الشعبي واللهجة اليافعية وبعض العادات المتنوعة.

العادات والتقاليد في حجة

ومن جنوب اليمن إلى شمالها الغربي، حيث صدر عام 2015 الطبعة الأولى من كتاب العادات والتقاليد في «حُجة» لمؤلفه يحيى جحاف عن مركز عدن للبحوث والدراسات الاستراتيجية، والكتاب يقع في 161 صفحة في الحجم المتوسط. ويقدم المؤلف في البداية تعريفًا لمحافظة «حُجة» التي تعود إلى حجور الهمدانية، وتقع المحافظة في الشمال الغربي من الجمهورية اليمنية، وتبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة 125كم شارحًا بنية المحافظة بأقسامها الغربية والشرقية والوسطى، وسلسلة الجبال التي تحيط بها، فضلاً عن التكوين الاجتماعي للسكان، وطبقة السادة التي اشتهرت بالعلم والمعرفة والتدين والثقافة وتنتمي إلى آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم طبقة القضاة والفقهاء الذين يقومون بالإفتاء ومسائل الزواج والتدريس وأعمال القضاء، ثم طبقة القبائل حيث تمثل كل قبيلة وحدة اجتماعية وتمثل مجموعة من الناس يعيشون في منطقة واحدة تربطهم صلات النسب والقرابة والمصالح المشتركة ويرأس كل قبيلة «شيخ» يساعده مجموعة من الأشخاص يطلق عليهم «عرايف»، ثم يستعرض المزاينة (بني الخمس) التي تمثل وحدة اجتماعية تربطهم صلة النسب، ولهم عدة منح ويتكونون من عدة شرائح. ثم يستطرد جحاف في شرح مفهوم العادات والتقاليد، متناولاً عادات الزواج والممارسات المرتبطة به ومراحله في منطقة «حُجة»، فيبدأ بكيفية اختيار الشريك، وسن الزواج الذي يبدأ بمرحلة البلوغ، ثم مرحلة الخطبة ووسيط الخطبة، وتحديد موعد الخطبة بناء على رغبة العروسين. ثم الاتفاق على «المهر» أو الصداق الذي تضاعفت قيمته على مر الزمن، كما يعرض للحقوق المرتبطة بالزوجين منذ الجاهلية حتى الآن. وقد اشتهرت اليمن بزينة النساء الفضية المطعمة بالفصوص الكريمة التي توضع على الرأس والصدر والأيدي، ومنها: الدقة- الحرز- المشاقر- السلس (سلسلة من الفضة تسمى «العنابش» تعلق منها قطعة فضية مشغولة)- اللبة- العصبة- الشملات- الأوضاح- الحجول- الأخراص- عقد الكرب (الكهرب)- عقد المرجان- الجدايل- أحذية الفضة- الخواتم.. كما يستعرض الممارسات المرتبطة بتجهيز الحريو (العريس) وتجهيز الحريوة (العروسة)، ثم احتفالية الزفاف التي تتم بعد موسم الحصاد مباشرة، وبعض المعتقدات المرتبطة بالزفاف ومنها عند دخول العروسة من باب دار الزوج تكسر حبات من البيض مع ملح وحبة سوداء لصرف الحسد وطرد الشياطين، كما يذبح رأس غنم وتدعس عليه وتتجاوزه ولا يدخل بعدها أحد حتى يغسل الدم بالماء.. وتشتهر المحافظة ببعض الرقصات منها رقصة البرع، ورقصة السيفي، ورقصة الرزفة، ورقصة المخدمي، ورقصة العرضة، ورقصة الزحفة، ورقصة الجحال. أما فنون الغناء الشعبي في حُجة فقد قسمها المؤلف إلى ستة أنواع على النحو التالي:

1. أغاني الأفراح والزراعة والعمل.

2. أغاني المهد والطفولة.

3. أغاني السناوة عند نزع الماء.

4. أغاني الهجلة عند رعي الأغنام، وحمل الأثقال على الجمال.

5. أغاني الصيادين.

6. الموشحات الدينية (المهاجل، والأهازيج، والزوامل، والترانيم، والأناشيد، والمغارد، والمهايد).

أما ما يرتبط بالعادات الخاصة بالولادة ومراحلها، فقد استعرضها المؤلف بداية من الوحم والأشخاص الذين يقومون بتحضير الولادة، حيث ينحصر الأمر على الأم الحامل وأخواتها وجاراتها المقربات لمساعدتها وتشجيعها على عملية «الطلق»، وتتم الولادة عادة في بيت الزوجية أو في بيت الأم.. ثم تستكمل الممارسات بداية من استقبال المولود ورعايته وتسميته وطعامه الذي يبدأ بالرضاعة الطبيعية، ثم نظافة المولود واستحمامه وقص أظافره، حتى إكمال المرأة فترة النفاس وعودتها للاتصال بزوجها.. كما يستعرض المؤلف طالع المولود وارتباط مولده بأبراج معينة: نارية، أو ترابية، أو هوائية، أو مائية. ثم العادات المرتبطة بختان الأطفال وأدوات الختان والعقيقة.. مختتمًا هذا الجزء بحديث مختصر عن العادات المرتبطة بالوفاة. أما العادات المرتبطة بالأعياد والمناسبات فقد بدأها المؤلف بشرح المظاهر المرتبطة بعادات شهر رمضان وليلة الرؤية، وعيد الفطر وخروج الناس للصلاة وزيارة القبور في العيد وزيارة الأقارب، ثم عيد الأضحى والفنون المرتبطة به من تكبيرات وذبائح وأغان.. ثم عادات المعايدة وصلة الأرحام في العيدين، و»العيدية» التي يتلقاها الأطفال، والتعويدة التي تمثل بعض الأبيات الشعرية الفكاهية التي تُقال في أصحاب الأضاحي. كما يستعرض المؤلف العادات المرتبطة بأعياد أخرى منها: عيد الغدير، وعاشوراء، وجمعة رجب، وعيد رأس السنة الهجرية، والمولد النبوي، والإسراء والمعراج. كما خصص المؤلف جانبًا من كتابه لاستعراض العادات المرتبطة بالأزياء الشعبية سواء للرجال أو النساء وأسمائها ووظائفها، فضلاً عن أدوات التجميل، وأخيرًا العادات المرتبطة بالحج والطب الشعبي. ويقدم الكتاب موضوعات أخرى في سياق العادات والتقاليد في محافظة «حُجة» فيتحدث عن التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتكاتفهم في مواجهة الكوارث، وكيفية التقاضي وحل النزاعات الفردية والجماعية، واستقبال الغرباء، وفنون العمارة المرتبطة بالبيئة وطرق البناء، ثم استعرض الأدوات المنزلية التقليدية وأشهرها: المطحن، والرحى، والملحة، والموقد، والمسحقة، والمقلى، وكذا الأثاث المنزلي مثل القعائد، والحصير، والفرائق (المفارش). كما استعرض الزراعة ومراحل تسمياتها في المنطقة، وأدوات العمل الزراعي مثل: الضماد، والشريم، والفأس، والمخرش، مشيرًا إلى أعمال الرجل وأعمال المرأة اليومية وطرق التعامل التجاري والنقدي. وقد خصص جحاف نهاية الكتاب للحديث عن الحكاية الشعبية والأمثال الشعبية وبعض المأثورات المرتبطة بالتحية ولغة التخاطب.

الأعراس الشعبية اليمنية

وحول فولكلور صنعاء صدر عام 2020 كتاب «الفولكلور اليمني: الأعراس والتقاليد الشعبية: الإنشاد ومتطلباته، والبرع، أشخاصه وآلاته، والزامل والحال» عن دار نور حوران للدراسات والنشر والتراث دمشق في 204 صفحة في قطع متوسط. ويشرح المؤلف طريقته ومنهجه في تأليف الكتاب الذي اقتصر في العادات على الإنشاد والبرع والزامل والحال، وهي في مجموعها تتعلق بالعُرس، وقد تشترك بعض هذه العادات مع غير العُرس، ولكن المؤلف يرى أن يعتمد الحديث عنها في إطار العُرس فقط.. وقد اعتمد المؤلف في كتابه أسلوب ضرب الأمثلة الكثيرة والنوادر، وأغلب الأمثلة من تراث صنعاء، فيستحضر بعض القصص والنوادر والحكايات، وعليه فإن طريقة الكتاب ترتسم في سيرها تأليف كتب الفقه، ولذلك- يضيف المؤلف- فإن تعبيرات مثل: أقول، وقلت، والراجح عندي، ونحو ذلك من هذه التعبيرات، هي تعبيرات مستعارة وطريقة تأليف أو نمط كتابة.. ويقدم الكتاب فكرة وعبرة وضحكة، فهو يقدم فكرة عن العادات، وما طرأ عليها، ويقدم عبرة من خلال رصد التحولات سلبًا أو إيجابًا، ويقدم ضحكة بما يبثه من نكت وطرائف، وهو يؤدي النوادر بحسب ورودها، فالنكتة العامية تموت إذا رويت بالعربية الفصحى، وكذلك النادرة المروية بالعربية الفصحى تفقد أَلقها وبريقها إذا رويت بالعامية.. ويبدأ المؤلف كتابه بمدخل ذاتي يروي فيه كيف واتته فكرة الكتاب حيث قام بترتيب موضوعاته وفق مراحل احتفالية العرس حيث عنوان الكتاب. واستهل الفصل الأول باستعراض الإنشاد ومتطلباته، مشيرًا إلى شروط المنشد وصفاته ومنها المرح وانبساط الوجه، وحسن الخلق، والحيوية والنشاط، وقوة التحمل على الإنشاد وقت طويل، وعدم التسرع بالمدح والذم. فضلاً عن أقسام الإنشاد متوقفًا عند كلمات الأناشيد التراثية، ومهندس الصوت الذي يباشر أداء الإنشاد مشيرًا إلى دوره المهم في ضبط الصوت وإصلاح الخلل ومنع الضجيج الذي تحدثه الميكروفونات وأزيز تقارب المايكات وتوقف الصوت المفاجىء، ثم ينتقل إلى الشخص القائم بعملية التصوير ومهاراته في هذا الإطار باستخدام التقنيات الخاصة بذلك لإخراج احتفالية الفرح على الوجه الأكمل. وعلى مستوى الأداء هناك شروط عدة يجب أن تتوفر في المنشد هي الصوت الحسن، وتمكنه من اللحن، وجودة التلاوة، وحفظ الأدعية المأثورة والمناسبة لكل حالة من حالات الفرح وأحسنها- كما يشير المؤلف- أداء أدعية أئمة الحرم المكي وما يناسب منها للأعراس.

ثم يتصدى الحاوري للحديث عن البرع وأشخاصه وآلاته، ثم يتناول الطاسة والمرفع وصفات ضاربي الطاسة والمرفع، وصفات المبرعي، وعناصر البرعة، والجنبية والعسيب، ويتعرض في ثنايا ذلك لأحسن أنواع البرع، وأجود آلات الطيسان والمرافع، وأفضل أنواع العيدان للمقارع. والبرعة من الفنون الحركية، ولغة مأخوذة من البراعة والتفوق والجمال وحسن الأداء، حيث يؤديها الرجال والنساء في الأعراس، والبرعة بهذا المعنى انتظام والتزام وانضباط وثقافة، فهي انتظام ينتظم فيها الناس بحسب تقبلها لعدد المبارعة، فبعض البرع كالحاشدية تقوم على اثنين من المبارعة لا تقبل سواهم، وقد تقبل ثلاثة، وقد تقبل الأربعة المتقنين، ولا تزيد عن ذلك، وهي بهذا تتطلب مهارات فائقة جدًا، كما أنها لا تقبل الأخطاء أبدًا، وتمثل قدرة الانسجام بين طرفيها والتناغم بين عنصريها في صورة مدهشة ورائعة. وهناك أيضًا البرعة الحارثية والبرعة الهمدانية وكل منها تعكس سلوك كل قبيلة وأعرافها، ومن ثم فإن فن البرعة يمارسه جميع أفراد المجتمع من مشايخ القبائل والعلم، وركائز الناس، ووجهاء المجتمع، وقادة السياسة. ومن الآلات المستخدمة فيها «الطاسة» وهي آلة معدنية من إناء نحاسي مدور ومجوف ومسطح من الأسفل، يشد بجلد ماعز رقيق يغطي وجه الطاسة، أما «المرفع» فهو آلة معدنية من النحاس كذلك، ويغطي سماه جلد أغلظ، جلد ثور أو جمل كبير السن، تشد سماه، ويقرع بمقاريع غلاظ ويضرب بقوة ولكن ليس بسرعة.. وهناك فنانون محترفون في الأداء على هذه الآلات بمصاحبة الرقص في مناسبات الأفراح. ثم يعرض المؤلف في الفصل الأخير من الكتاب لفنون الزامل مستعرضًا تعريف الزامل وهيئة أدائه ونماذج من الزامل، وفنون «الحال» وفيه تعريف «الحال» وهيئة أدائه ونماذج منه. ويشير المعنى اللغوي للزامل إلى رفع الصوت مع الاختلاط وأن يتبع غيره، ويؤدى أداء جماعيًا تختلط فيه الأصوات، ويقدم في صفوف متتابعة، ويعرف المؤلف الزامل بأنه فن قول حركي يؤديه مجموعة من الرجال في صورة جماعية، يرفعون أصواتهم بلحن مخصوص، وهيئة مخصوصة، ومقدار من الكلام مخصوص، عادة تكون بيتين من الشعر فقط، وعادة تكون أشطار الأبيات بروي واحد وقافية واحدة، وتحمل في طياتها مناسبة الزامل، ومن ثم فهو فن حركي له حد ورسم وهيئة تميزه عما سواه من الفنون التي تختص بالعرس.. ويقدم المؤلف بعض النماذج من شعر الزامل ويقوم بشرحه وعرض السياق الاحتفالي المرتبط به. أما فن «الحال» فهو فن شعري قولي، يلقيه رجل من الواصلين بالزامل على مسامع مستقبليهم في شكل قصيدة شعرية تتضمن أخبار الواصلين أو المناسبة التي جاءوا من أجلها، وعادة يقف الجميع لاستماعه على شكل هلال أو حلقة دائرية، ويؤدى «الحال» في صورة أبيات شعرية قليلة العدد غزيرة المعنى، وبعد فراغه يتقدم شاعر من المستقبلين فيرد عليه، وربما خاطب أصحابه قائلاً: حاولوهم يا أصحابي، فيردون عليه: كفيت، وفي بعض المناطق يرد بنفس القافية والرد على الكلام. ويقدم المؤلف لنموذج واحد لفن «الحال» للشاعر علي بن علي عوضه المعمري على النحو التالي:

حيا بمن حالهم يفوح شذى بذكر الله

جزاكم الله من خيره وتفضيله

أهلاً وسهلاً ضيوف واحبابنا في الله

بانسمر باله وأنشودة وتمثيله

ويكون عملنا عمل خالص لوجه الله

وأي منكر علينا الكل تبديله

فكلكم راع ومسئول أمام الله

كلا على قدر ما استرعاه ومديله

ومن يقر فيه مرض بانسأله بالله

يأخذ علاجات مبذوله عنديله

من صيدلية محمد ابن عبد الله

له خمس جرعات في اليوم والليلة

وجزء قرآن شفاء نافع بإذن الله

ويزيد حمده مع شكره وتهليله

ويكمل الباقيات يشفى بإذن الله

ويقنع بالحلال والله عيديله

ويختم المؤلف كتابه بمقترح إضافة مادة عن التراث الشعبي والفولكلور الوطني يتعلق بتعلم فنون الرجولة ومظاهر الفروسية، وإيجاد منظمة مدنية ترفع شعار «لا لوأد البنات المتمثل في حرمانهن من الزواج» وأن تُشرع قوانين تجرم هذا الفعل، وتعاقب عليه.

الأسواق الشعبية في اليمن

صدرت الطبعة الأولى لكتاب الأسواق الشعبية في اليمن عام 2019 تأليف يحيى محمد جحاف، ويقع الكتاب في 159 من الحجم المتوسط. ويقدم له محمد القعود الذي أشار إلى أن الكتاب يعرف ويوثق للأسواق الشعبية في اليمن، ويرسم لها صورة دقيقة وشاملة في كافة جوانبها ومجالاتها ومراحلها المختلفة، ويتتبع أدوارها الهامة في حياة المجتمع اليمني، ويرصد معالمها التاريخية والجغرافية والاقتصادية، ويسلط الضوء على أماكنها وقوانينها ونظمها الخاصة، وتعاملاتها وخدماتها وأنواعها وتخصصاتها وسلعها، ويعرض جوانب متعددة لمسارات هذه الأسواق وارتباطها بما حولها من مجتمعات بشرية ومدن بيئية.

ويبدأ جحاف الفصل الأول من كتابه بالتعريف اللغوي للسوق وهو: موضع البيع والشراء، ومكان يجتمع فيه أهل البلاد والقرى، ويقال للمحل الذي يباع ويشترى فيه «سوق»، وسُميت سوقًا لأن البضائع تساق نحوها وتجتمع فيها. أما الأهمية العلمية في دراسة الأسواق الشعبية في اليمن، فالدراسة تشير إلى الأهمية التجارية والثقافية والدور الفاعل في الحفاظ على ازدهار ونمو الجانب الاقتصادي والاجتماعي والحيوي والفكري للبلاد، باعتبار هذه الأسواق المركز التجاري الرئيسي الذي يلتقي فيه التجار والحرفيين، ومنه يحصل الناس على حاجاتهم المطلوبة، وعرض منتجاتهم وبيعها فيها. وأشار في هذا السياق إلى الأسواق الدائمة التي تقام في عواصم المدن أو بالقرب منها مثل أسواق صنعاء، وعدن، والحديدة والمكلاء، وصعدة، وتعز، وحجة، وعمران..إلخ. وتوقف عند تاريخ الأسواق عند العرب في الجاهلية والإسلام وعلاقة هذه الأسواق بالتجارة ومكانة هذه الأسواق عند العرب، والضوابط الحاكمة لها وأخلاقياتها عند العرب، فلا قتل ولا اقتتال حتى ينتهي موسمها، وفيها يخطب الناس خطباؤهم، ويفتخر شعراؤهم، وتعقد المسابقات والندوات، ومن أشهرها سوق حباشة، وسوق صحار، وسوق حضرموت، وعكاز..إلخ. وكانت هذه الأسواق عندهم محرمة في شهور معينة من السنة وهي الأشهر الحرم، لذلك كانت أكبر وأشهر أسواقهم يقام في الأشهر الحرم، مثل سوق صحار وحباشة في تهامة القديمة الذي يقام موسمه في شهر رجب الحرام، وسوق حضرموت الذي يقام في شهر ذي القعدة، وسوق عكاظ وذي المجاز في شهر ذي الحجة. ولكل منها خصائص وعادات وتقاليد وأماكن محددة تعارف عليها الجميع.

ويتابع المؤلف في كتابه قصة الأسواق الشعبية في اليمن فيفرد لنا القوانين والتشريعات التجارية اليمنية في العصور القديمة، ومنها قانون مملكة (قتبان) التجاري، ونظام العقوبات والمحاكمة، ودور الملك وغاية المشرع، وقانون سبأ التجاري. ثم يعرض في فصل مستقل لأسواق اليمن التاريخية وجغرافيتها مثل سوق الجريب الذي كان مقر الأمراء من آل أبي الحفاظ الحجوري الهمداني وأنجب هذا السوق أدباء، وسوق الاهنوم، وسوق عيان في غرب مدينة حُجة، وسوق أدران أو ما يسمی الآن دروان، وسوق حقيل ونجرة وبني العصري في حُجة. أما أسواق اليمن المشهورة فيسجل المؤلف أسواق: سوق عدن، وسوق صنعاء الذي يُعد من أقدم الأسواق في الجزيرة العربية ويقام موسمه من منتصف رمضان إلی آخره، وسوق حضرموت والذي يقام مع سوق عكاظ في يوم واحد ويسمی سوق حضرموت سوق الرابية  وسوق الشحر وسوق الجند وسوق سقطری..

ثم يفرد جحاف لخصائص الأسواق الشعبية باليمن والتي عرفت ضبط الأسعار والأوزان والمقاييس، مشيرًا لأهمية الأسواق الأسبوعية في الحياة العامة، حيث ارتبطت الأسواق الأسبوعية اليمنية بأيام الأسبوع لتبدأ بيوم السبت وتنتهي بيوم الجمعة لتشمل معظم المديريات بالجمهورية، وذاع بعض الأسواق فيها مثل: سوق الجريب، وسوق الصلبة،  حيث كان يعتبر مركز تصدير البُن القادم من المناطق الجبلية إلی ميناء اللحية ومركز استيراد للبضائع العالمية القادمة من شرق آسيا والهند، كما عرض المؤلف لاقتصاديات التداول النقدي في السوق، مشيرًا إلى المكاييل بأنواعها ورموزها وأسماء الأسواق ووقتها الزمني، وضوابط الأمن فيها وآدابها وعاداتها، والموانئ اليمنية، ومنها ميناء ميدي، وميناء الحديدة،  ومجموعة الجزر اليمنية، حيث استخلص علاقة الأسواق اليمينة بالتطور المدني. وقد وثق في جداول مصنفة أسماء الأسواق اليمنية ومكانها الجغرافي، وموعدها الأسبوعي، والمنطقة التي يقام فيها السوق. فالأسواق التي تقام في أمانة العاصمة (صنعاء) على سبيل المثال تقام طوال أيام الأسبوع، وهي: سوق الملح- سوق العنب- سوق الحب- سوق المعطارة- سوق الحلقة- سوق النحاس- سوق الختم (المصاحف)- سوق الجنابي- سوق النظارة- سوق البر (القماش)- سوق الفتلة- سوق الحتارش- سوق مدينة الروضة- سوق بيت زاهر- سوق قرية القابل- سوق اليبت- سوق جحانة- سوق الاثنين- سوق الخميس- سوق الأحد. هذا فضلاً عن الأسواق الموجودة في أماكن أخرى في مختلف المحافظات اليمنية، منها عدن، وتعز، وحضرموت، والحديدة، ومأرب، والبيضاء، وشبوة، والضالع، وحجة حيث سوق مبين ويقام في يوم الأربعاء، وسوق الطور الذي يقام في يوم الجمعة، وسوق بكيل الميل..إلخ. ويختم جحاف كتابه بالحديث عن الأسواق في العُرف القبلي، والأمثال اليمنية، ومنها: خير مالك ما نفعك- الحمد مغنم والذم مغرم- خير المال عين ساهرة لعين نائمة-  البضاعة تيسر الحاجة، فضلاً عن بعض الأشعار في الحث علی السفر وطلب المال. والكتاب مزود بمجموعة مهمة من الملاحق التي تحوي بعض الوثائق والصور حول الأسواق باليمن عبر تاريخها العريق. 

الرقصات الشعبية اليمنية

صدر عن وزارة الثقافة اليمنية عام 2015 كتاب «الرقصات الشعبية اليمنية» لمؤلفيّه علي المحمدي وياسمين الشلال، والكتاب يقع في 277 صفحة في الحجم الكبير. وترتبط أهمية هذا العمل كونه يقوم على توثيق 35 رقصة شعبية في 13 محافظة يمنية، توثيقاً علميًا مصورًا ومدونًا، ومسجلاً للأبعاد الجغرافية والتاريخية، والتأثير البيئي لكل رقصة، فضلاً عن الضروب الإيقاعية والآلات الموسيقية والأزياء والحُلي المستخدمة في هذه الرقصات. وقد ارتبط توثيق الرقصات بمنهج علمي موحد بداية من المعنى اللفظي للتسمية ودلالاته اللغوية. حيث يبدأ الكتاب بمقدمة المؤلفين حول فنون الرقص وتطوره عبر التاريخ، والتعريف بفن الباليه الكلاسيكي، ثم الرقص الشعبي الذي يقسمه المؤلفان إلى قسمين: الرقص الشعبي الذي يؤديه عامة الناس، والرقص الشعبي المسرحي. ولا تخلو منطقة في اليمن من وجود أكثر من رقصة لأكثر من مناسبة، منها موسم الزراعة، وموسم الحصاد، وموسم الصيد، والمناسبات المرتبطة بالأعراس التي تشارك معها أهازيج الغناء الفرائحي لهذه المناسبات العامة ولكل منها طابعها وحلتها الخاصة التي تنفرد بها عن الأخرى سواء في الأزياء أو العادات والتقاليد أو اللهجة..إلخ.

والكتاب مصنف جعرافيًا، حيث قسمه المؤلفان الشلال والمحمدي إلى محافظات وفي كل محافظة نبذة عن الإطار الجغرافي لها ثم الرقصات الموجودة بها، ويبدأ المؤلفان رحلة توثيق الرقصات الشعبية اليمنية بمحافظة «أبين» الموجودة بجنوب اليمن وتذخر بالكثير من المعالم الأثرية، وتشتهر بمجموعة من الرقصات الشعبية منها «رقصة الدحيف» وهي رقصة تعبيرية مشتركة بين النساء والرجال تحاكي العادات والتقاليد المرتبطة بصيادي السمك، وكانت تؤدى في ليال مقمرة في مواسم الصيد ومناسبات الزواج. و»الدحيف» لغة أي التحرك إلى الأمام بحركة متزنة لا هي سريعة ولا هي بطيئة، بل تحمل في عمومها مرونة وسلاسة الحركة التي ينقلها الراقص في أدائه للمشاهد خلال عملية الرقص. وتُستهل الرقصة بجلسة «الدان» التي يشهدها المعازيم من الجيران والأهل والأصدقاء الذين يحضرون السمر حتى ساعات الصباح الأولى لتبادل الشعر والمساجلات العفوية، وللغناء دور بارز في استهلال رقصة «الدحيف» التي تبدأ في صفين متوازيين من الرجال والنساء، ومن المشاهد حركة الأيادي الموضوعة بعضها على بعض بشكل مبسط تتحرك مع الإيقاع الموسيقي بالتمايل يمينًا ويسارًا بشكل منتظم مع الزمن الإيقاعي، حيث تحاكي هذه الحركات الإيمائية حركة مجدافين لقارب يبحر في عرض البحر، وتصاحب حركة اليدين هذه ضربًا بالأقدام على الأرض بصورة متتابعة، وعلى هذا النحو تكون بداية الرقصة للراقصين الواقفين وجهًا لوجه بمسافة مناسبة على أن يتم خروج فرد واحد من صف الرجال متقدمًا صوب صف النساء، ويقوم بسحب إحدى الراقصات ليأخذها معه ليقوما بأداء الدويتو وهو رقص مشترك بينهما، إذ يعمل كلاهما بنفس الحركة السابقة إلى أن يقوم الراقص بالحوم حول الراقصة كدوران دائري عليها، وكأنه يعمل على رمي الشباك عليها، ويتخلل هذا الدوران تحريك يد الراقص من على رأس الراقصة عاليًا وكأنه يقوم بلملمة الشباك، وهو تشبيه جلي يوحي بشكل بالغ الأثر بأن الراقصة هي دلالة واضحة على الخير الوفير الذي يسعى إليه الصياد في موسم الصيد.

ومن خلال التدوين الموسيقي يقدم الكتاب توثيقًا لإيقاع رقصة الدحيف، والآلات الموسيقية المستخدمة وهي: طبل الهاجر والمرفع، والميزان الموسيقي لها (4/4 أي أربعة على أربعة)، وتستكمل عملية التوثيق بتسجيل ملابس الرقصة، فالرجال يلبسون: مقطب- مشدة (يؤبط على الرأس)- كمر (حزام)- شميز (قميص). أما النساء فيلبسن: درع- فوطة نسائية- مقرمة (توضع على الرأس)- إكسسوارات توضع على الصدر والخصر والرأس، وهي عبارة عن حلي من الفضة الخالصة.

ومن خلال المنهج نفسه يسجل الكتاب توثيق رقصة «الرزحة»، بمحافظة أبين، ثم ينتقل إلى باقي المحافظات حيث يتناول الرقصات التي تميزها، ففي محافظة البيضاء تشتهر رقصة البيضاء، وفي محافظة الحديدة: رقصة الحقفة- رقصة الجل- رقصة الفرساني، وفي محافظة المحويت: رقصة الكوكباني- رقصة التسييف المحويتي، وفي محافظة المهرة: رقصة البرع المهري- رقصة البدينة- رقصة العُري، وفي محافظة تعز: رقصة الرزين والخفيف- رقصة الزبيرية- رقصة البرع الحجري، وفي محافظة حضرموت: رقصة الزربادي- رقصة غيل بني يمين- رقصة الهبيش- رقصة الغية- رقصة القطني- رقصة العدة- رقصة بني مغراة، وفي محافظة سقطرى: رقصة الزامل- رقصة- قليل مزمار- رقصة السيبح، وفي محافظة شبوة: رقصة بير علي- رقصة نصاب، وفي محافظة صعدة: رقصة النسر- رقصة سحار، وفي محافظة صنعاء: رقصة الربع الصنعاني- رقصة المزمار- رقصة الشعوبية، وفي محافظة عدن: رقصة الليوة- رقصة الركله، وفي محافظة لحج: رقصة الشرح- رقصة المركح، وفي محافظة مأرب: رقصة مأرب. وينهي المؤلفان كتابهما القيم بمجموعة من الملاحق توثق صور الآلات الموسيقية والأزياء الشعبية والحلي الشعبية المستخدمة في الرقصات التي تم تناولها، فضلاً عن ملحق بأنواع الجنابي اليمنية من مختلف المحافظات، وكذا بعض أنواع الأحزمة النسائية والرجالية متعددة الأشكال، وبعض صور أنواع العقود الفضية الخالصة والمطعمة بالعقيق، وأشكال الأساور، إلى جانب بعض الربطات النسائية التي تلبس فوق الرأس، والإكسسوارات التي كانت تستخدم قديمًا في بعض المناطق اليمنية.. وتعكس المادة المصورة في الكتاب مهارة ياسمين الشلال التي تشير سيرتها الذاتية إلى حصولها على دورات في التصوير الفوتوغرافي الفني منها والتوثيقي، وهو ما أسهم في إبراز الكثير من المادة العلمية بالكتاب على نحو علمي تقني.

أعداد المجلة