فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
53

المرأة في المصادر الشعبية بين المصدر المجهول و المصدر المعلوم قراءة في كتاب الدكتورة العاصمي: «صورة المرأة في الموروث الشعبي المغربي»

العدد 53 - فضاء النشر
المرأة في المصادر الشعبية بين المصدر المجهول و المصدر المعلوم قراءة في كتاب الدكتورة العاصمي: «صورة المرأة في الموروث الشعبي المغربي»

حظيت المرأة بنصيب الأسد في الموروث الشعبي عامة والمغربي خاصة، فقد ضربت الأمثال وحُكيت الحكايات وأُلفت القصص في المرأة في كل حالاتها الإجتماعية حتى أنها تناولت المرأة من جوانب عدة سواء أكانت زوجة أو بكرا أو عانسا أو أمًا أو مطلقة أو أرملة...

وإذا ما تتبعنا صورة المرأة في الأمثال الشعبية وحتى في الحكايات الشعبية نجدها مأخوذة من واقع الحياة اليومية واقع المرأة ومكانتَها داخل الجماعة، ونستطيع من خلال هذا الموقف استشفاف واقع المرأة في المجتمع المغربي ككل، بحكم أن هذه الأمثال تعبر عن التفكير الجماعي للشعب بأكمله.

وقد سلط بعض الباحثين الضوء على جانب مهم من هذه النظرة النمطية للمرأة في مجتمع يهيمن عليه الجانب الذكوري في فترة من الفترات، وكُتبت دراسات وأبحاث عديدة في هذا الموضوع ومن بين هذه الدارسات نجد الكتاب القيم للدكتورة مليكة العاصمي المعنون «بصورة المرأة في الموروث الشعبي»الذي نشر عن دار الثقافة سنة 2010 يتكون من 139 صفحة من الحجم المتوسط افتتحته بمدخل معنون «بالموروث الشعبي وصيغه صورة المرأة ومرجعياتها» عرفت فيه الموروث الشعبي ثم اختارت نسقين ثقافيين كبيرين يلخصان الصورة التي يقدمها الموروث الشعبي عن المرأة، أدرجتهما تحت عنوانين كبيرين الأول: خطاب اجتماعي عام حول المرأة ويمثله المثل الشعبي، أما الثاني فهو خطاب خاص للمرأة ذاتَها عن نفسها وتمثله الحجايات.

لتتحدث بعدها عن صورة المرأة في الموروث الشعبي والتي تتراوح بين الصورة السلبية المعادية للمرأة والصورة الإيجابية المناصرة لها وكذا الصورة المتوازنة التي تعتمد على المنطق دون الانحياز إلى جانب معين، كما اعتمدت الدكتورة العاصمي على مصدرين أساسيين لتقربنا من هذه الصورة وهما: مصدر معلوم متمثل في رباعيات عبد الرحمان المجذوب ومصدر مجهول متمثل في المثل الشعبي والحكاية الشعبية.

أولا المصدر المعلوم: اعتمدت الدكتورة العاصمي في هذا الصدد على أقوال عبد الرحمان المجذوب المعروفة المصدر والتي جمعت في ديوان صغير معنون ب «ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب»هذه الأقوال تطرقت إلى جانب مهم من علاقة الرجل بالمرأة حيث انصبت كلها ودون استثناء على السلبية والحط من قيمة المرأة ومكانَتها داخل المجتمع، وقد شكلت المرأة مادة دسمة في رباعياته، بجعلها تلبس ثوب المكيدة والغدر والخديعة... حتى أضحت أقواله عن النساء صورا نمطية يستدل على مصداقيتها من بعض الوقائع التي تحدث في الحياة اليومية خاصة علاقة المرأة بالرجل، لتصبح بذلك قواعد ذهبية مترسخة في أذهان العديد من الأشخاص سواء من الرجال أو النساء خصوصا وأن قائلها معروف.

وقد عمدت الدكتورة العاصمي إلى إدراج كل أشعار المجذوب النسائية بحكم أنها تتراوح بين الخطاب السلبي الطاغي على فكر المجذوب والخطاب الذي أسمته الناقدة بالمتوازن نوعا ما و المتراوح بين الإيجابية والسلبية غير أنها عموما لا تحمل في طياتها أي خير للمرأة.

ونستدل على الخطاب العدواني الوارد في كتاب الدكتورة العاصمي والمستمد من ديوان عبد الرحمان المجذوب بعدة أبيات منها:

بهـوت النسـا بهــتايــن

ومن بهوتهم جيت هـارب

مـحـزمـــين بـاللـفـــاع

ومخللـين بــالـعـقــارب

سوق النسا سوق مطـيار

يــا الـداخـل رد بــالـك

يوريوك من الربح قنطار

ويخسروك فراس مالك

أما الخطاب المجذوبي المتوازن فاستشهدت عليه بالأبيات الآتية:

لا تعـشـق زيــن الـدفـلة

فــالأرض دايــر ظــلايــل

لا تعـشـق زيــن الطفـلة

حـتى تشــوف الـفعـايــل

نوصيك يا حارث لفديم

بلاك من دخانها ليعميك

لا تـديشـي لمـرا المعفـونـة

اتعـاون هي والزمان عليك

وإذا عدنا إلى دلالة هذه الأبيات نجدها تدعو بشكل صريح وواضح إلى أخذ الحيطة والحذر قبل الدخول في مشروع الزواج من أي امرأة قبل الإطلاع على حسن سلوكها ودماثة أخلاقها، لأن الشكل الخارجي للفتاة ليس معيارا على استقامتها بل يدعو المجذوب إلى ضرورة التعمق والبحث في أخلاق وخصال المرأة مشبها إياها بشجرة الدفلة المعروفة ذات الغصون المزهرة الطرية تسر الناظرين غير أن هذه الشجرة في الواقع لا فائدة منها لأن جذورها شديدة المرارة.

ثم انتقل في تحذيراته إلى المرأة المعفونة أي المرأة التي لا تهتم بنظافتها ونظافة بيتها مما يسبب في فوضى منزلية بحكم أن المرأة تساعد الرجل في أمور حياته من خلال الاهتمام به، وبأطفاله.. من خلال القيام بمجموعة من الاشغال كالطبخ و الكنس وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى الترتيب والعناية وكلها تقوم على النظافة.

هذه الأبيات فيها قدح صريح للمرأة إلا أنها في العمق تحمل دلالات إيجابية لا يصرح بها المجذوب وربما لم يكن يرمي إليها أساسا في خطابه، هذه الأبيات فيها دلالات كثيرة منها أن أمور الرجل لا تستقيم بدون المرأة وان صلاح المرأة يصلح حاله وفسادها يفسده، وهذا يوحي ضمنيا بخضوع الرجل للمرأة مما يبرر نوعا ما هذا الحرص المبالغ فيه.

ثم انتقلت العاصمي إلى الخطاب الثاني وهو الخطاب المجهول المصدر والمتمثل في المثل الشعبي والحكاية الشعبية.

المثل الشعبي:

لا يعتبر المثل الشعبي فقط لونا من ألوان الفنون الشعبية ولكن له تأثيره على سلوكيات الأفراد داخل مجتمع معين، فأحيانا يكون التأثير إيجابيا وفي بعض الأحيان يكون أثر المثل الشعبي سلبيا يضر بالفرد و بالتالي يضر بالمجتمع الذي نعيش فيه، وكما هو معلوم فالأمثال الشعبية تساهم بشكل غير مباشر في تشكيل أنماط واتجاهات المجتمع مما جعلها محور اهتمام عدد كبير من العلماء والباحثين، فهي تحمل ملامح شعب كامل كأسلوب معيشته أو معاييره الأخلاقية ومعتقداته الدينية وغيرها.

تعددت صورة المرأة في المثل الشعبي وتنوعت غير أننا نلاحظ أن الدكتورة العاصمي ركزت بالدرجة الأولى على الأمثال التي تقدم صورة متوازنة عن المرأة هذا إن لم تكن إيجابية مناصرة لها وهذه الصورة مناقضة تماما عن الصورة الأولى صورة عبد الرحمان المجذوب التي تقدم ما هو سلبي محض عن المرأة، وقد استشهدت الدكتورة العاصمي على ذلك بعدة نماذج من الأمثال المناصرة للمرأة: «لي ماعندو بنات معرفوا حد باش مات»، دلالة على أن الفتاة تبكي وتحزن لموت أبيها أكثر من الولد.

«لي يتزوج مرا صغيرة يحوز الخير والذخيرة»، أي أن المرأة الصغيرة في السن تكون أكثر نشاطا وقوة لمساعدة الرجل في الحياة اليومية.

«إلى مات البو توسد الركبة ويلا ماتت الأم توسد العتبة»،أي بموت الأب تناضل المرأة وتضحي بكل شيء من أجل أطفالها، لكن بعد موت الأم فالأب يتزوج من امرأة أخرى مما يتسبب في ضياع الأطفال وغيرها من المشاكل.

عند تتبعنا لمعظم الأمثال الشعبية الواردة في كتاب الدكتورة العاصمي نجد أنها اختيرت بعناية وقد استقت منها الناقدة ما هو إيجابي مناصر للمرأة، وكذلك ما هو سلبي معارض لها، لكن إذا قمنا بجرد دقيق و مفصل للأمثال المغربية سنجد أغلبها يحمل من المعاني التي تحط من قيمة المرأة وتصورها في أبشع صورها على غرار ما جاء في أشعار المجذوب، حتى أنها تصرح في بعض الأحيان بضرورة موت الفتاة على الطريقة الجاهلية في وأد البنات.

وقد اخترت لكم جملة من الأمثال التي لازالت روح وأد البنات قائمة في كثير من معانيها والتي تصرح في دعوتها الخطيرة إلى ذلك قائلة :موت البنات من المكرمات، تكبرالحية و لا تكبر البنية، بالإضافة إلى معان أخرى يروج لها المثل الشعبي من قبيل حمقة وقالولها زغرتي، وجه الشارفة ما يخفى ولو تحكو بالحلفة، لا لا زينة وزادها نور الحمام، ما عند القرعة ما ترعى غير مشيط راسها وغيرها.

ومن الأمثال المعادية للمرأة في كتاب العاصمي نجد:

- طاعة النسا ندامة.

- كل بلية سبابها ولية.

- النسا هم لا يتنسى.

- كيد النسا قوي، وكيد الشيطان ضعيف.

- الله ينجيك من الساكتة يلى دوات، ومن الحاجبة يلى طلات.

هذه الأمثال تقدم نظرة دونية تحط من قيمة المرأة، باعتبارها شر لا بد منه، هي مركز البلية طاعتها ندامة، لأنها لا تفكر جيدا وهذا القول ربما يشير إلى الحديث الشريف « النساء ناقصات عقل ودين» رغم أن معنى الحديث واضح.

الحكاية الشعبية:

الحكاية الشعبية هي تلك الحكاية التي تناقلها الناس عن طريق الرواية الشفهية منذ القدم، ويلعب الخيال الشعبي دورا كبيرا في صياغتها، وفي تأطير بعض الأحداث التاريخية والشخصيات، بالمبالغة و الغرائبية، وتقف الحكاية الشعبية عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية، ذلك كمكر النساء ومكائد زوجات الرجل الواحد، وقسوة زوجة الأب على الطفلة المسكينة التي تتدخل العناية الإلهية لإنقاذها وغيرها من الحكايات المتعلقة أساسا بالنساء.

ونعرف أن الحكاية الشعبية هي عمل أدبي يتم نقله من جيل إلى جيل شفهياً وبذلكً فإنّها تتغير نتيجة هذا التناقل وهذا سبب تغير الحكاية من جيل إلى آخر، كنتيجة طبيعية لهذا التناقل الشفوي الدائم وهي إبداع فردي لراوٍ لا نعرفه، ولا نستطيع تحديد هويته، لكنها تصبح بعد تواتر الرواة اعتمادا على الذاكرة عمل كل من اشتركوا في النقل أو الرواية، وهكذا يحوَّل الإبداع الفردي إلى أدب جماعي يؤثر فيه الشعب.

و هي منتشرة بين عامة الناس مجهولة المصدر يبدو أنها في كتاب الدكتورة العاصمي تأبى إلاَّ أن ترد للمرأة اعتبارها من خلال نماذج استقتها الناقدة بعناية وقد اختارت لنا حكاية شعبية نسائية شهيرة عنوانها: كلشي من لعيالات. دارت بين السلطان وزوجتِه، و حطاب المدينة وزوجتِه، وكيف أن المرأة أرادت أن تثبت لزوجها الحاكم أن لها فضلا عليه وعلى تدبير أموره وتنظيمها وكيف أنها تساهم بشكل غير مباشر في نجاحاته، غير أن الحاكم لم يقتنع بكلامِها وطردها من القصر لتذهب عند حطاب المدينة وتدير شؤونه بحنكتها وذكائها ليصبح من تجار المدينة و أعيانِها، في المقابل تدهور حال السلطان الذي فقد السيطرة على زمام الأمور وأصبح يعاني من الفشل والفساد والخراب. وقد حُكيت هذه الحكاية باللغة العربية ثم بالدارجة المغربية وبتوجهات مختلفة، غير أنها تصب في نهاية واحدة هي إبراز مكانة المرأة ودورها الكبير في حياة الرجل الذي لا يستقيم له أمر إلا من خلال وجود امرأة مدبرة و حكيمة في حياته، كل الحكايات الشعبية سواء كتبت باللغة العربية أو بالعامية تنتهي نهاية واحدة هي انتصار المرأة وندم السلطان على إنكاره لمجهودات زوجته.

هذه الحكاية تبرز بوضوح أن حيل المرأة ليس دائما لها وقع سلبي، إنما المتأمل في وقائع وأحداث التاريخ والحياة سيجد أن ذلك مما يعد من الدهاء والأساليب المبررة لدى المرأة لتحقيق المصالح أو درء المفاسد، وإن اختلف أسلوب استخدامِها من امرأة لأخرى.

كما أن كيد النساء ليس دائما شراً محضاً، فمنه الكيد الطيب الذي خص به الله تعالى المرأة من استطاعة على استعمال الحيلة لأخذ ما تريد من الرجل أو من غيره دون أن تسبب له أذى، لكن هذا قد يفهم الفهم الخاطئ خصوصا مع أولئك الذين اعتادوا فرض سلطتهم المُطلقة في اتخاذ القرارات.

غير أن النبش في الحكايات الشعبية يحيلنا على الحكايات التي تجري مجرى المثل في الإساءة للمرأة حيث قدمتها في أبشع صورها وخير مثال على ذلك حكاية زوجة الأب الشريرة التي تعذب أبناء زوجها، وحكاية العجوز الساحرة التي تنتقم من الأميرة وتحولها إلى غراب. وغيرها من الحكايات التي لا يسعنا الوقت لسردها في هذا المقام.

استنتاجات لا بد منها:

يظهر جليا من خلال دراستنا لكتاب الدكتورة العاصمي أن الأقوال المعروفة المصدر والموثقة كأقوال عبد الرحمان المجذوب جاءت في مجملها غير منصفة للمرأة، و كأن المرأة ليس لها شيء رسمي وموثق تستند إليه في تبرئة نفسها من كل التهم التي ألصقتها الذاكرة الجمعية بها، من كونها مصدر الشر ومصدر الصراع والإفلاس وتغيير حال الرجل إلى الأسوأ.

أما ماهو منصف للمرأة في كتاب الدكتورة العاصمي أو المتوازن لم يستند إلا على ماهو غير معروف المصدر و المنشأ كالأمثال والحكايات الشعبية التي لا نجد لها راويا واحدا معروفا حتى أننا لا نستطيع الجزم بصحة ما جاء فيها وبذلك تبقى غير منصفة للمرأة بالمعنى الصحيح .

ورغـم اعتـراف المجتمـع بالدور الإيجابي و الهام للمرأة فيه إلى جانب الرجل فإن الأمثال التي تحدثت عن إيجابيات المرأة لا تعتبر إلا نزرا قليلا أمام الأمثـال التي تحدثت عن سلبياتها، وقد صورتها بنصف عقل وماكرة وشريرة ومتقلبة الأهواء ولا أمان لها. كل هذه المفاهيم الخاطئة تظهر بجلاء النظرة القاصرة للمجتمع العربي الذي مافتئ يتخبط في مشكل السيطرة وحب التملك من قبل الرجل ومكر ودهاء المرأة للإنفلات من هذا التملك.

ويبقى الاعتراف بأن المرأة تشكل نصف المجتمع ولها دورٌ هام في الحياة إلى جانب أخِيها الرجل ضرورة لا بد منها.

الصور

1. https://anfaspress.com/manager/photos/shares/FIH.jpg

2. https://m.ahdath.info/content/uploads/2019/05/CBENIMELLLLLapture-484x418.jpg

أعداد المجلة