قضاء البدو الأردني والبشتختة السعودية والحكايات التونسية
العدد 46 - جديد النشر
نعرض في هذا المقال لثلاث دراسات كبرى من حيث ناحية الحجم والمحتوى العلمي، ثلاث دراسات حملت الكثير من القيم العربية الأصيلة، نشرت في ثلاث دول الأولى بمنطقة الشام بدولة الأردن حول عالم القضاء البدوي وما يحويه من أعراف وعادات وتقاليد وإجراءات، وما يتضمنه من صرامة وحسم ومراعاة للإعلاء من القيم العليا للمجتمع عامة، والبيئات البدوية خاصة. أما الكتاب الثاني فقد نشر بمنطقة الخليج العربي بالسعودية ويعالج أحد موضوعات التاريخ الرومانسي للجماعة الشعبية وهو توثيق الفن الشعبي الحساوي في المملكة وكيف بدأت أولى مراحل المحافظة على إبداعاتها الشعبية من خلال الاسطوانات الصوتية التقليدية وصولاً إلى التكنولوجيا الحديثة، أما الكتاب الثالث فقد انطلق من المغرب العربي بتونس لنتعرف على مائة وإحدى وثلاثين حكاية تنوعت بين سحر حكايات الحيوان، وغرابة الحكايات الخرافية، ولطافة الحكاية الفكهة، ويتضمن مشروع توثيق الحكايات بتصنيف طومسون، ويعد خطوة مهمة في توثيق الحكايات الشعبية العربية.
وقد بادرت البحرين منذ عدة أشهر من خلال جامعة البحرين بتدشين موسوعة «الحكايات الشعبية البحرينية: ألف حكاية وحكاية»، والتي أسسها علي عبد الله خليفة رئيس المنظمة الدولية للفن الشعبي بمشروع قدمة عام 2007، وخرجت في موسوعة ضخمة من خمسة مجلدات لتكون أول موسوعة للحكايات الشعبية البحرينية، بمشاركة جامعة البحرين بالتعاون مع «الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر» و«المنظمة الدولية للفن الشعبي»، وسوف نقوم بتخصيص مقال مستقل لها إن شاء الله.
تراث البدو القضائي
صدر عام 2017 الطبعة الخامسة لكتاب «تراث البدو القضائي: نظريًا وعمليًا» لمؤلفه محمد أبو حسان عن وزارة الثقافة الأردنية، صدر في مجلد ضخم بلغ 872 صفحة من القطع المتوسط. ويقع في عشرة فصول شملت الملاحق والوثائق الرسمية والشعبية المتعلقة بالقضاء البدوي. والكتاب قد نشر في طبعات سابقة أعوام 1974 - 1987 - 2005 - 2009، ومع ذلك فقد نفذت جميع طبعاته، ويشير المؤلف في مقدمة هذه الطبعة إلى أنه قد حاول أن يبسط لغة الكتاب لتتمكن الأجيال الجديدة من قراءته وفهمه، لتدرك أهمية الجهود التي بذلها الجدود في صياغة هذه الأعراف وإرساء تلك التقاليد وتطويرها لتساير التغيرات التي حدثت في المجتمع، وتحتوي الطبعة الجديدة على إضافات نوعية تعمق فهم هذا التراث العريق وتنير الطريق أمام الدارسين لمعرفة الكيفية التي أدار بها هذا التراث عجلة الحياة في أعماق البادية وأطرافها، في وقت لم يكن للدولة أي وجود حقيقي بين العشائر البدوية، وفي زمن غابت فيه سلطة الدولة ومؤسساتها، حيث نهضت بهذه المهمة أعراف البدو وتقاليدهم التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ، إذ حافظت هذه الأعراف على إيجاد التوازن بين تحقيق العدالة من ناحية مع ضمان الأمن والاستقرار من ناحية أخرى، كما حافظت على التوفيق بين حرية الفرد وتصرفاته وسلوكه من ناحية مع قيم المجتمع وأخلاقياته من ناحية أخرى. ويشير هاني العمد في تقديمه إلى أن هذا الكتاب يتخصص في عادات وتقاليد القضاء البدوي الأردني، ويغطى بالمنهج الوظيفي، الذي تفتقر إليه دراساتنا الاجتماعية والأنثروبولوجية، الميادين القضائية البدوية وتفرعاتها الواسعة، في الوقت الذي يرى فيه المؤلف ضرورة إخضاع هذا المنهج في بعض الحالات إلى منهج فولكلوري سوسيولوجي. وليس هذا فحسب، فإن الباحث قد أخذ بالمنهج المقارن عندما تكونت لديه القناعة بأن البدو لا يعترفون بوجود حدود سياسية بينهم وبين إخوانهم. وعلى هذا الأساس، فقد أثبت لنا نظائر للقوانين التي درسها في مضارب البدو غير الأردنيين الأمر الذي يدخل الكتاب في عداد الأبحاث التي عنيت بالدراسة للتراث البدوي.
ويشير المؤلف إلى العقبات التي واجهته في جمع مادته، وأهمها الحصول على ثقة البدو موضوع الدراسة، فضلاً عن مدى توفر إمكانية النقل والإقامة بينهم. كما يسرد لعقبات أخرى تتمثل في قلة المصادر المرجعية المباشرة في الموضوع، وكذا إحلال القوانين والأنظمة الحديثة محل الأعراف والعادات القضائية عند البدو، حتى أخذ الكثير من قضاة البدو يخلط بين مفاهيم القوانين الحديثة والسوادي القديمة، مما جعل المؤلفين المتأخرين يعتمدون على ما كتبه الذين سبقوهم في هذا المجال على علاته دون مناقشة. ومن بين الصعوبات أيضًا لهجات البدو واختلافها حيث أفرد العديد من الأمثلة التي تبين أهمية إتقان الباحث لهجات البدو حتى يستطيع فهم وتسجيل أية واقعة أو حادثة بدقة وأمانة. ومن الواضح أن المؤلف قد تخطى معظم هذه الصعوبات عند جمع مادته وتسجيلها، وقد ساعده في ذلك تخصصه القانوني وعمله في المحاكم على مختلف درجاتها من البداية إلى الاستئناف إلى التمييز والعدل العليا، فضلاً عن دراسته للأنثروبولوجيا وإتقانه للغات البدو المتعددة. ويشير أبو حسان لبعض الملاحظات المنهجية في خطة عمله الميداني والتحليلي على النحو التالي:
إن سوادي البدو القضائية العريقة تنتشر بين سكان البادية التي تشكل دائرة تمتد بين أربع دول عربية هي: السعودية والأردن وسوريا والعراق، وكلما اتجهنا إلى مركز هذه الدائرة نلاحظ صفاء العادات والأعراف القديمة وهي تمارس في الحياة اليومية بشكل واضح، وكلما ابتعدنا عن مركز الدائرة نلاحظ التشويه يدخل على تلك العادات والأعراف حتى تظهر بصورة غامضة تصل إلى مرحلة التلاشي، وهنا يصعب التمييز بين العادات المتوارثة من العادات الدخيلة نظرًا لاختلاط المفاهيم الحضارية الحديثة مع المفاهيم البدوية.
لقد تناولت الدراسة بشكل رئيسي العوايد البدوية المنتشرة بين سكان مركز تلك الدائرة، فضلاً عن سوادي العشائر البدوية وحتى نصف الرحل المنتشرة في الدائرة بكاملها، مع المقارنة ورصد عناصر الاختلاف بينهما. وقد استعمل المؤلف اصطاحات البدو القضائية للتعبير عن مفاهيمهم، كما أورد تعاريف الاصطلاحات كما يعرفونها هم، ومن ثم لم يلجأ إلى الاستعانة بالمراجع اللغوية أو القانونية أو السياسية أو غيرها. واهتم أخيرًا بتوضيح كل زاوية من زوايا القضاء البدوي مراعيًا في ذلك الوضوح والأصالة والمرجع القضائي الذي يلقى احترام مجتمع البادية، كما اهتم بالعنصر الزمني للنماذج المقدمة على فترات مختلفة، ولم يغفل مقارنة مفاهيم البدو القضائية مع المفاهيم القانونية الحديثة.
أما فصول الكتاب فقد بدأها المؤلف بتمهيد لموضوع الكتاب استعرض فيه جماعة البدو في الأردن من زاوية المصطلح والأنثروبولوجيا القانونية، والبدو بين التراث والتجديد، مشيرًا إلى دراسة تأصيلية مقارنة لتراث البدو القانوني من رصد عملية الضبط الاجتماعي، ومحاكم الدولة ومحاكم البدو، والأعراف البدوية والمستقبل العربي، ثم ناقش نظرية العقوبة في نظام البدو القضائي من خلال تصنيف العقوبات في هذا النظام إلى ثلاث فئات:
- العقوبات القضائية التي يفرضها القاضي البدوي وتشمل: العقوبات البدنية- العقوبات البدلية- العقوبات التبعية- العقوبات المادية (الدية - التعويض)- العقوبات التأديبية- الرزقة (رسوم المحاكمة).
- وتشمل التدابير الاجتماعية، وهي التي يفرضها المجتمع البدوي على من يخالف قيمه كالتدابير الأمنية والعقابية كتجنب السكن مع الجاني والمعاملة السيئة معه.
- العقوبات الانتقامية كالطرد والثأر ونهب الممتلكات والغزو.
ثم يعرض المؤلف للمرحلة الانتقالية في القضاء البدوي، والتفريق بين الحق العام والحق الخاص، والمبادىء الأساسية في النظام القانوني البدوي، والعدالة القضائية ومستقبل الدراسات البدوية. ثم ينتقل المؤلف لبحث موضوع «قضاة البدو» ووحدة المبادىء القضائية واختلاف التفرعات القضائية لدى البدو، وتصنيف القضاة لدى العشائر البدوية، فنجدهم عند عشائر بني صخر -على سبيل المثال- يصنفون إلى أربعة أصناف من القضاة هي: قاضي القلطة الذي ينظر القضايا التي تهم الرأي العام، ثم قضاة الحاملة، ومنهم منقع الدم أو (قاضي الرقاب) الذي ينظر في قضايا القتل وما شابهها، وقاضي العرض، ومبيض الوجوه الذي ينظر في قضايا تقطيع الوجه وما شابهها. أما النوع الثالث فهم قضاة العارفة الذين ينظرون قضايا الأراضي والمراعي والخيول والديون..إلخ. وأخيرًا قضاة التمهيد الذين يحلون الإشكال حول تعيين القاضي المختص أو نوع القضية. ثم يعرض لتنظيم الجهاز القضائي والاختصاص القضائي بين العشائر.
أما عمليات التقاضي وإجراءاتها فتتخذ العديد من الطرق والعادات، منها طرق تسوية المنازعات، والوصول إلى القضاة وأهمية التقاضي، ثم الصيغ القضائية ممثلة في صيغ الإيجاب والقبول، وصيغ الحجج القضائية، ثم شروط القاضي ومصادر معرفته، وصلاحياته وطريقة اختياره، أما فرض القاضي فتتضمن عدة عناصر منها الغرامة والتعويض والقصاص والتشهير. ثم يعرض المؤلف للمواعيد القضائية وإجراءات المحاكمة، ثم الكبارة (التمثيل أمام القضاء البدوي)، والرزقة (الرسوم القضائية). وقد تناول المؤلف موضوع الأدلة القضائية عند البدو في فصل مستقل قسمه إلى تسعة مباحث هي: الاعتراف- اليمين- الشهود (الورود)- قص الأثر- البشعة- القيافة- المناداة- طريقة النقد- طريقة التوسيد. كما تتخذ إجراءات الأمن والتنفيذ والصلح عند البدو عدة طرق هي: الجاهة- الوجه- الدخالة- الكفالة- العطوة، مشيرًا إلى أن الصلح العشائري هو عملية شعبية غير رسمية تهدف إلى إنهاء النزاع وقطع دابر الخصومة بين الأطراف المتنازعة، ويتم بالتراضي من خلال شيوخ العشائر ووجهاء المجتمع، وهو ملزم لكفلاء الصلح. ثم ينتقل المؤلف لبحث موضوع «المسؤولية» وهي في المجتمع البدوي تنشأ مجرد وقوع الاعتداء تطبيقًا للقاعدة المعمول بها عند البدو وهي أن (هواة اليد ما منها سلامة) سواء وقع الاعتداء عن قصد أو غير قصد، وتشمل هواة اليد هنا استعمال جميع الأدوات والأسلحة..إلخ. ومن ثم فهناك المسؤولية الجزائية وطريقة العد والطلوع (تحديد المسوؤلية)، ثم العقوبات التي تشمل الطرد أو الجلاء (الهجرة من دير العشيرة) أو التأدية ومنها الدية المرتبطة بجرائم القتل، والتعويض الذي يشمل قضايا العاهات والجروح. ثم يبحث المؤلف في فصل مستقل موضوع «المهلكات من قضايا البدو» يعرض فيه لخصائص المجتمع البدوي الأردني، وتصنيف القضايا عند البدو، التي تشمل: المقصورات وهي القضايا المستعجلة، ثم القضايا غير المقصورة وتشمل جميع القضايا الأخري. وهناك تصنيف آخر حسب خطورة القضايا أو ما يطلق عليها القضايا المهلكة وهي المرتبطة بالعرض والدم وتقطيع الوجه. وهناك تصنيف ثالث قسم القضايا إلى: المحيفات أي القضايا المخجلة والدنيئة كالزنا والسرقة وما في حكمهما، أما القضايا الأخرى فهي غير المحيفات. ويعرض المؤلف في هذا الفصل لبحث وتحليل هذه النماذج بنوع من التفصيل والنماذج الميدانية وهي: قضايا الدم وتتبعها قضايا الجروح والتهديد، وقضايا العرض، وقضايا الوجه، وقضايا الاعتداء على الضيف، وقضايا صيانة البيت، وقضايا القصيروالجار. أما القضايا غير المهلكة التي بحثها المؤلف فتتمثل في: قضايا الغزو- قضايا السرقة- قضايا المعيار واللغو، وهي المرتبطة بجرائم القدح والذم والتحقير، وهو نوع يعالجه القضاة بكل حزم لقطع دابر الفتنة -قضايا الأراضي والمراعي- قضايا الرعاة، وقد فرق القضاء البدوي هنا بين راعي الإبل من ناحية، وراعي الغنم والماعز من ناحية أخرى- قضايا الوساقة، وفيها يقوم المدعي أو أحد أقاربه بحجز مواشي وأموال المدعى عليه أو أحد أقاربه حتى يسترد حقوقه- قضايا العداية، وتعني قيام صاحب البيت بأخذ خروف أو ماعز أو أي ماشية لإكرام ضيفه من أول قطيع يقابله في طريقه، دون استئذان صاحب القطيع، وهي عادة تعارف عليها البدو- قضايا البدة أو التفويل، أي حق الاعتراض الذي تمنحه أعراف البدو لأشخاص معينين من أجل إيقاف تنفيذ الإجراءات القانونية- قضايا الحِسنى، والتي تقوم على قاعدة (الوعد بتقديم المساعدة)، ومنها حِسنى العرض، وحِسنى الحي، وحِسنى الدم، وحِسنى الميت.. ولها شروط في القضاء البدوي- قضايا تغيير جنسية العشيرة (الحش أو الدخول بالدم) وهي حالات نادرة يقابلها القضاء البدوي- قضايا الخيول، حيث وجدت عند قضاة البدو قواعد دقيقة واضحة تنظم عمليات بيع الخيول، وتحدد الحقوق والواجبات وحل جميع الخلافات المتعلقة بالخيول- قضايا العائلة البدوية، وقد أفرد لها المؤلف العديد من النماذج المرتبطة بالزواج وأنواعه وتربية الأطفال وعادات الطعام..إلخ- قضايا العدولة، أي شركة المواشي، وقد تنشأ لسببين إما للمساعدة أو في حالات الضرورة.
ويخصص المؤلف آخر فصلين في كتابه لعرض علمي للوثائق الرسمية للقضاء البدوي والتي تضمنت: قانون محاكم العشائر لعامي 1924 - 1936، قانون الإشراف على البدو لعامي 1929 - 1936، قانون تأسيس محكمة الاستئناف العشائرية لسنة 1936 قانون إلغاء القوانين العشائرية لسنة 1976. أما الوثائق الشعبية فقد تضمنت: الوثيقة الصادرة عن شيوخ وقضاة محافظة معان لسنة 1972، الوثيقة الصادرة عن شيوخ وقضاة محافظة إربد لسنة 1972، الوثيقة الصادرة عن بعض عشائر البلقاوية لسنة 1972، الوثيقة الصادرة عن القاضي البدوي جدوت العودات الجازي من عشائر الحويطات- وثيقة العشائر الأردنية لسنة 1987، فضلاً عن بعض الوثائق الأخرى التي حصل عليها المؤلف منها الصلح العشائري بين السوريين في مخيم الزعتري في الأردن، وووثيقة تفيد لجوء مواطن أمريكي للقضاء العشائري لإنهاء مشاجرة. كما أورد المؤلف بعض الموضوعات المهمة لملاحق الكتاب والمعروفة لدى البدو مثل عادات القهوة وأثرها في حياة البدو الاجتماعية، كما يتضمن كشفًا بأسماء قضاة العشائر البدوية ومناطق هذه العشائر، فضلاً عن المصطلحات القضائية عند البدو، ودراسة حول ملامح الحياة في المجتمع الأردني التقليدي.
البشتختة الحساوية
صدر عن مركز وسم للدراسات الثقافية عام 2015 الطبعة الأولى لكتاب سمير الضامر بعنوان: البشتختة: بحث توثيقي للفن الشعبي الحساوي في المملكة العربية السعودية وأهم أعلامه: جيل التأسيس 1880 - 1980، والكتاب يقع في 417 من القطع المتوسط. ويلخص المؤلف قصة «البشتختة» بأنها علبة خشبية عجيبةأو صندوق خشبي له بوق، ابتكرها رجل لا يسمع!، ولكنه أسس بها لثقافة السماع، وتلقي الأصوات الموسيقية العذبة. ابتكر توماس أديسون «الجرامافون» ليقوم الفنان بتوثيق ثقافته الشفاهية من خلال الصوت، ولتكون الاسطوانات ذاكرة للفنون والموسيقى، ولكنه لم يكن يعلم أنه سيخلق مشكلة ثقافية في مجتمعاتنا، تلك المجتمعات الشعبية التي تنتج ثقافتها وفنونها وأصواتها في المنظومة الشفاهية، ولم يكن يعلم أن الشعبيين سيكونون أكثر وعيًا من المتسلطين الذين حاربوا البشتختة ورأوا فيها صندوق إبليس الرجيم، فرجموها وكسروها وأحالوا جمالها ونظامها سبة وجريمة لا تغتفر. وعلى هذا النحو توثق البشتختة بعضًا من تاريخ الهامش والمهمشين في الثقافة الشعبية، حيث نجد فيها أصوات المعاناة الإنسانية التي صنعت الجمال والذوق والإيقاع والبهجة في أزمنة الألم والفقر وضياع الأمان.. والبشتختة هي صوت الأجداد وتاريخ اللاتاريخ، وأنس المتعبين.
ومجال البحث لهذا الكتاب هو توثيق الفن الشعبي الحساوي في المملكة العربية السعودية، وأهم أعلامه خلال قرن من الزمان (1880 - 1980) وهي فترة مهمة من فترات الثقافة الفنية الغنائية والشعرية التي غذَّت الخليج والجزيرة العربية منذ أكثر من ثلاثة قرون بأجمل وأعذب الفنون. وقد ظل الباحث مهمومًا لعدة سنوات بفكرة توثيق الفن الحساوي، متسائلاً: لماذا لم يوثق الفن الشعبي في الإحساء؟ ولماذا ظل أعلامه ومؤسسوه رهينة الثقافة الشفاهية؟ وما هو السبب الذي جعل من عالم الطرب والمطربين عالمًا غير أخلاقي؟ وما الذي اجترفه أولئك المطربون المصدرون للجمال والأحاسيس الإنسانية ليكونوا مهمشين وغير معترف بهم اجتماعيًا وأدبيًا؟.. ويستطرد المؤلف في شرح رحلته مع قصة توثيق الفن الحساوي عبر رحلاته من المملكة إلى الأردن إلى الكويت.. والتخطيط للشروع في البحث الميداني الذي اعتمد على روايات الثقاة بمنطقة البحث من الفنانين الذين لا يزالون على قيد الحياة، كما استعان بالشخصيات التي عاصرت الفنانين المتوفين، وما نقل عن سيرتهم وإبداعاتهم. إلى جانب المادة العلمية المنشورة ببعض المراجع والتسجيلات بمختلف أنواعها. فاستطاع أن يحصد مادة علمية شديدة الأهمية عن هذه الفترة التي كادت أن تمحى من تاريخ الجماعة الشعبية صاحبة هذا الإبداع.
ثم بدأ الضامر كتابه بمدخل حول الأدب الطبيعي والسياق الثقافي تناول فيه منطقة الإحساء جغرافيًا وتاريخيًا فضلاً عن اشتهارها بالنخيل وما حوله من ثقافة ليصل إلى الهوية الثقافية للمنطقة، مشيرًا إلى أن الأدب الطبيعي- ربما يقصد الشعبي- الذي كانت عليه منطقة الإحساء لم يحظ بالتدوين، ولم يقم أحد بتوثيق أعلامه وفنونه. ثم قدم لنا بعضًا من هذه الفنون ومن بينها «الطقاقات» وهن فرق شعبية نسائية يقمن بتأدية الفنون الشعبية النسائية الخاصة بالزواج ويستخدمن الطار والدف، ومن أشهر فنونهن: السامري والخماري والدزة والطرارة. كما يستعرض بعض البيانات حول الأسماء الشعبية القديمة في الفنون الحساوية مثل: عبد العزيز الهويشل- صالح سبعان- علي البريكان- عيسى الدوخي- محمد البوص. ثم يخصص الضامر فصلاً حول الفنون والإيقاعات الحساوية مشيرًا إلى إيقاعات القلن والقواطي والكباريت وأهم من اشتهر بصناعة الجيد منها الفنان ابراهيم العويصي في المبرز، وعبد الرحمن الفريدة في الهفوف. ثم يعرض لفن الحصاد وهو فن يؤدى عند جني السنابل حيث يقوم المزارعون بجمع المحصول في مكان على الأرض، ويقومون بالدوران حوله والضرب بالعصيان مع ألحان الغناء المصاحبة، وأشعار الابتهال والشكر لله.
ثم يعرض لفنون مختلفة أخرى مثل: فن الدّزة وفن الطرارة الذي تؤديه الطقاقات في الأفراح، فن حداديحساوي وهو مواويل يؤديها النهام، فن حساوي وهو غناء بين مطرب ومجموعة تشاركه ردود المذهب، فن دقة الحَبّ الذي كان يمارس أثناء موسم الحصاد، فن التشبّح وهو أهازيج تؤديها البنات، فن الهيدا من فنون النصر بعد العودة من الحرب، فن المالد وهو فن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. ثم يعرض لبعض الإيقاعات مثل الخماري، والإيقاع الحساوي. أما الشعر والشعراء لهذه الفترة فقد خصصه المؤلف للشعر المغنى وأشهر المؤدين مثل سليم بن عبد الحي وعبد الرحمن المريخي. ثم يخصص فصولاً متفرقة لهؤلاء الشعراء والمغنين وأهم أعمالهم الفنية خلال مائة عام، وهم: حمد بن مغلوث- مبارك العقيلي- حمدان بن ناصر- سلطان الملحم- راضي بن سبت- عبد الوهاب المتيعب- محمد المسفر- محمد الجنوبي.. والأمر نفسه بالنسبة للمغنين الشعبيين مثل أحمد الفارسي وابراهيم العويصي وأحمد الرشيد ومبارك الشملان.. مستعرضًا بعض النصوص المغناه لهؤلاء الرواد، على نحو ما عرضه للشاعر حمدان بن ناصر الذي يقول في مطلع قصيدة له (قال المولع):
قال المولع بحب الغيد
القلب هايم برعبوبه
هذاك يوم أراه سعيد
يحصل القلب مطلوبه
أما مبارك العقيلي فقد اهتم في أشعاره بالبحث عن الحرية التي نجدها مفردة أساسية في إبداعاته:
حر أنا وأحرار كل العبادي
والحق شرع الله لا سوط نمرودي
أما الشاعر راضي بن سبت (1922 - 1976) فقد اشتهر بكونه شاعر الغزل المعجب بالقومية العربية، فيقول:
يقول بن سبت
راضي يا فريد ارحم
ارحم محب
يودك دوم ولهاني
أرسلت قلبي
وروحي والجسم والدم
حتى الحشى مع
فؤادي منك تلفاني
ويقدم المؤلف في نهاية كتابه فصلاً بعنوان «شارع الاسطوانات» ويقصد هنا «شارع المدير» الذي عرفه بأنه شارع الفن والاسطوانات وملتقى الموسيقى الشعبية، مستعرضًا لتاريخ أهم شركات الاسطوانات التي اعتمت بتوثيق هذه الفنون، بدأها بشركة «هجرفون» الذي ظل يسجل نجاحات جيدة على مستوى البيع والإنتاج، وعرف واشتهر في داخل منطقة الإحساء وخارجها، وكان من ضمن مقتنيات المحل «عود مصري» يُضرب به المثل في جودة الصنع، مكتوب عليه «عبدالله العماني» وهذا العود يعزف عليه المطربون أثناء التسجيل. إلا أن مشروع هجرفون لم يدم طويلاً وذلك بسبب اختلاف الشركاء في التعامل مع المطربين. وقد تميزت أغلفة اسطوانات هجرفون بإظهار هوية التراث الحساوي للفنان أحمد التركي. أما شركة «خليفة فون» لمؤسسها خليفة العبندي الذي سجل لعدد من الفنانين من الأحساء ومناطق مختلفة من المملكة والبحرين ومنهم: حارب حسن- عيسى الأحسائي- مطلق دخيل- عبدالله العماني- خلف بن هذال- عبد الرحمن الفهيد..إلخ. وكانت طريقة تسجيل الاسطوانات تعتمد على جهاز خاص ذو بكرات موصل به مايكروفون، ثم تطبع باليونان أو الهند.. ويمر المؤلف سريعًا على بعض التجارب الأخرى في تسجيل الاسطوانات للفنانين الشعبيين بالإحساء مثل ابراهيم العتيق الذي عاصر الفترة الذهبية لإنتاج الاسطوانات في شارع المدير، وهو شاهد عيان للتاريخ الفني والثقافي لهذا الشارع، ويعد العتيق مصدرًا مهمًا في الرواية عن الفنانين الشعبيين، كما كان واحدًا من أهم من دعموا المؤلف في إخراج هذا الكتاب. أما صالح المحسن فقد أنشأ محلاً للاسطوانات حمل اسم «توزيعات الكواكب» واسم «زهور الإحساء» وهو منتج مؤسس في هجرفون قبل فض الشراكة وله بعض الكتابات في الشعر الغنائي. كما استعرض المؤلف تجربة السدراني فون ومؤسسها فهد بن عبد اللطيف بن صالح السدراني الذي توفي 1999 الذي كان متابعًا للحركة الفنية في شارع المدير، وكان يعمل في مهنة غسيل الثياب، وكان يراقب كثرة الذبائن الذين يتوافدون على محلات الاسطوانات، فراقت له فكرة تحويل دكانه إلى مكان لإنتاج التسجيلات وبيعها، واستخدم مسجلاً من نوع (جرندول) ليسجل عليه للمطربين المغمورين، ونجح في إظهار عشرات الأصوات الفنية مثل: محمد عيسى بوقيته- أحمد الحلو- بوصالح القطيفي- حسين المري. وكانت تسجيلات السدراني مختلفة عن التسجيلات الأخرى للاسطوانات، حيث كان يسجل الأغاني والفنون الشعبية كفنون السامري ودق العسق، وكان يسجل تمثيليات حوارية تتخللها أغاني للمطربين: عبدالله بوخوه، وعبد اللطيف الحمدان. وسجل منولوجات ساخرة للفنان أحمد الدعي. أما آخر التجارب مع تاريخ الاسطوانات والتسجيلات فقد خصصها المؤلف للمطرب الإماراتي محمد سهيل الذي أسس شركة «سهيل فون» الذي سجل اسطوانات لعدد من مطربي الخليج العربي والإحساء، وكان من أبرزهم: طاهر الإحسائي- عايد عبدالله- أحمد الرشيد وغيرهم. وقد أسهم سهيل في توصيل الصوت الفني لمطربي الإحساء على مستوى المملكة والبحرين.
واختتم المؤلف كتابه بشكر الرواة والفنانين والمهتمين والذين قاربوا المائة راو اعتمد عليهم في توثيق مادته العلمية بالكتاب من أخبار وصور ووثائق واسطوانات وأشرطة. كما اهتم بتوثيق المواد المصورة والخرائط بالكتاب التي اشتملت على عرض لرحلة الفن الحساوي منذ تسجيلات جيل الفن الشفاهي من اسطوانات القار ثم جيل الاسطوانات البلاستيك مرورًا بجيل الحفلات والجلسات ثم جيل تسجيلات الكاسيت ونهاية بجيل القنوات الفضائية والإنترنيت. كما وثق الكتاب لخريطة ألمانية للإحساء وصور بعض الحرف والفرق النسائية وبعض الفنون الحساوية بالمصادر العربية..إلخ.
الحكاية الخرافية والشعبية
صدر بتونس عام 2016 كتاب سالم ونيس حول الحكاية الخرافية والشعبية عن دار سحنون للنشر والتوزيع. والكتاب يقع في 724 صفحة من الحجم المتوسط. ويشمل مائة وإحدى وثلاثين حكاية تونسية صنفها المؤلف إلى أربعة أصناف كبرى وفقًا للتصنيف العالمي للحكايات الشعبية (آرني/ طومسونAT)، وهذه الأقسام هي: أولاً:حكايات الحيوان الخرافية: (أ/ ط: 1 - 99.. 100 - 219) وهي حكايات يلعب فيها الحيوان دورًا رئيسيًا، وتتميز بقصرها إذ يجب أن تُفهم بسهولة لتحفظ بسهولة، وغالبًا ما يكون موضوعها «الحيلة» ويكون بناؤها على أساس ثنائية المحتال/ المحتال عليه.. أي أن بنيتها عادة ما تكون بسيطة يلتقي فيها اثنان من الحيوانات في وضعية صراعية. ويبلغ عددها بتنويعاتها، إحدى وعشرين حكاية قد استغرق سردها ساعة واحدة ونصفًا، أي بمعدل خمس دقائق ونصف لكل حكاية، مثلت نسبتها 16 % من مجموع الحكايات التي تم جمعها.
ثانيًا: الحكايات الخرافية وصيغها: وتتميز بأن الكائنات الخرافية تلعب فيها دورًا رئيسيًا محددًا لمسارها، وذلك بوضع عناصر عجائبية غير معروفة لخلق جو الاغترابللمتلقي، كما تشمل عناصر إنسانية معروفة حتى يتحقق الفهم والتأويل. ويشمل هذا النوع: حكايات خوارقية عجائبية أو خوارقية عقائدية؛ أي الغريم الخوارقي (أ/ط: 300 - 399). والزوج/ الزوجة الخوارقي (أ/ط: 400 - 459)، والمساعد الخوارقي (أ/ط: 500 - 559)، بلغت جميعها ثلاثًا وسبعين حكاية سُجلت في سبع عشرة ساعة ونصفًا، بمتوسط خمس عشرة دقيقة للحكاية الواحدة، مثلت نسبتها 56 % من مجموع الحكايات التي تم جمعها.
ثالثًا: الحكايات الشعبية: وهذا النوع يتخذ في تصنيف أرني طومسون رقم (أ/ط: 1200 - 1349) ولايتضمن عنصر الحيوان الناطق أو الخرافي أو العجائبي، وتخلو منمحدد للزمان أو المكان وتتسم بالواقع المعاش، ويبلغ عددها ست وعشرين حكاية استغرقت مدد سردها أربع ساعات وخمسًا وثلاثين دقيقة بمتوسط إحدى عشرة دقيقة للحكاية الواحدة، مثلت نسبة هذا النوع 20 % من مجموع الحكايات التي تم جمعها.
رابعًا: الحكايات الخرافية الفكاهية، التي تأسست على التفكه والانشراح ورقمها هو (أ/ط: 1525 - 1949) ولم يتجاوز عددها إحدى عشرة حكاية، ومدد سردها ساعة واحدة وعشرين دقيقة، بمتوسط سبع دقائق ونصف للحكاية الواحدة، بنسبة حوالي 8 %. ويؤكد المؤلف على أن لهذا التفاوت المددي، طولاً وقصرًا، شأنًا في توزيع الأصناف الحكائية، إذ القصر لصنفي حكايات الحيوان ثم الحكايات الفكهة، والطول لغيرهما، حيث يقل عدد الفواعل، وتنبسط الأحداث ماهية وفضاء في الصنفين الأولين، وتغزر وتتشابك في صنفي الخوارقي والشعبي منها. وقد جمعت هذه الحكايات من أربعين راويًا وست وخمسين راوية من معظم البيئات التونسيةتراوحت أعمارهم بين الثلاثين والثمانين، بمتوسط أعمار عند الستين عامًا. وعلى هذا النحو فقد التزم المؤلف بالأسس المنهجية الرصينة في عمليات الجمع الميداني لمادة الكتاب.
ومجموعة تلك الحكايات تشكل جهد المؤلف الميداني منذ مطلع العقد السابع من القرن الماضي حتى الآن، حيث عمليات الجمع والتصنيف والإيداع والتوثيق ثم إتاحة هذه الحكايات من خلال هذا العمل الضخم، وهنا يشير المؤلف إلى أنه قد اعتمد العمل المباشر دون غيره؛ كالاستبيان، والاستجواب والوسائط... والجماعي دون الفردي الذي فيه تُصنع لحظات الحكي وتتكلف وتُعزل عن مكانها الطبيعي العادي.. ولم ينتهج من المقابلات إلا ما كانت حينية، وفيها يتجالس الجامع والراوي ولا يتوسطهما دليل أو مرشد أو غيرهما ممن يستعين بهم الباحثون الغرباء عن بيئة الميدان، رغم ما يتطلبه ذلك من مشقة وصبر لاقتناص لحظات الأداء، والتنبه إلى ملابساته المشحونة فكرًا وعطافة وجمالاً.ولم يلتزم ونيس الطريقة التقليدية التي تتمثل في تدوين الباحث لمذكراته طيلة أطوار البحث الميداني، حيث اكتفى بذكر اسم الراوي والعمر ومكان التسجيل وتاريخه، والمدة التي استغرقتها الحكاية وهي تسرد، وبعد عزل ما قد يطرأ، اثناءها، من تقطع أو تردد أو توقف، أحيانًا، من استرجاع أو استدراك أو تكرار أو تعاليق المتداخلين. كما اعتمد في عمليات تفريغ الأشرطة الصوتية للحكايات وتدوينها على الحرف العربي ونظم رسمه خطًا وتنقيطًا، كما اهتم يتدوين طرق النطق للصوت الواحد واختلافها. ثم عمد المؤلف إلى إدراج تصدير كل «نص» بتلخيص معبر عن تسدية الحبك وتعاقب مرقم للمتتاليات السبكية، ولم يُضمن شروحًا مدلولية معجمية أو غيرها للعبارات أو المفردات واضعًا في اعتباره حجم الكتاب الذي قد يتضخم أضعافًا، حيث أن هذه المفردات ليست غريبة عن الجماعة الشعبية التونسية، ويرى أن هذا الإجراء مرتبط بالدراسات المرتبطة بعلوم المأثور أو الإناسة أو الاجتماع.
ويعي المؤلف جيدًا أن لكل نمط حكائي صيغًا عديدة مختلفة، وروايات متعددة، هي، في أغلبها، ناتجة عن قدرة الراوي على التصرف العمدي بحسب جمهور المستمعين، وعن معرفته التامة بالتقنيات الخاصة بالحكي، أو متأتية من اختلاف المواقع الجغرافية والبيئات الاجتماعية والثقافية، ومن ثم فقد اقتصر اختيار المؤلف لنصوص الحكايات على إثبات إنجاز حكائي واحد لكل نمط.. إلا إذا اقتضت الضرورة ثبت البعض المتكرر منه، وهي صيغ يمكن أن تكون مادة لعمل يعتمد المنهج المقارن أو غيره. وعلى هذا النحو يفرد المؤلف في وصف وتحليل أنواع الحكايات التي قام بجمعها، وطبيعة كل نوع عند أدائه من قبل الرواة،فالحكاية الخرافية تتميز بكونها ذات عناصر معقدة وبنية ثابتة بشيء من الصرامة، لايمكن قطعها أو تدخل المتلقين أثناء سردها، إذ عادة ما يكون فيها الراوي، أثناء عرضها، عبارة عن مخاطب وحيد مسيطر على مستمعيه لا يقبل منهم تدخلاً، تعديلاً أو تغييرًا، استباقًا للأحداث أو تعليقًا عليها.. وإن فعلوا ولم يلتزموا الصمت المعبر انتباهًا، يتحول الحوار إلى كلام فوضوي حتى يقرر الجميع العودة إلى الحكاية إلى حيث توقف الراوي الذي يتولى لحم ما ورد من أحداث وربط متتالياتها بباقي نسيج الحكاية. أما السرد في حكايات الحيوان فإن المستمعين قد يضيفون للراوي بعد انتهائه من حكايته، عنصرًا جديدًا أو حكاية مشابهة البنية. أما الحكايات الفكهة فتتاسس على القصر والقدرة على التسرب إلى الخطاب العادي وبالتالي على التكيف زمانًا ومكانًا، إذ يبقى جوهرها قائمًا وتتغير ظروفها الزمانية والمكانية كما تتغير فواعلها إما شخصيات محلية أو نمطية، مثلما هو شأن حكايات جحا.
ولعل التزام المؤلف بالمنهج العلمي في الجمع والتصنيف والتوثيق قد انعكس في منهجيته في تصنيف عناصر الحكايات التي جمعها وفقًا لتصنيف أرني طومسون الذي أشرنا إليه، إذا استطاع أن يضع كل عنصر في مكانه من التصنيف وفقًا للترقيم المعمول به عالميًا على النحو التالي:
القسم الأول: حكايات الحيوان
الترقيم | التصنيف |
الحيوانات الوحشية | 1 - 99 |
الحيوانات الوحشية والحيوانات الأليفة | 100 - 149 |
الإنسان والحيوانات الوحشية | 150 - 199 |
الحيوانات الأليفة | 200 - 219 |
الطيور | 220 - 249 |
الأسماك | 250 - 274 |
حيوانات وأشياء أخرى | 275 - 299 |
القسم الثاني: الحكايات المأثورية العادية
الترقيم | التصنيف |
أ. حكايات السحر | 300 - 749 |
الغريم الخوارقي | 300 - 399 |
الزوج (او الزوجة) الخوارقي أو المسحور | 400 - 459 |
الأعمال الخوارقية | 460 - 499 |
المساعد الخوارقي | 500 - 559 |
الأشياء الخوارقية | 560 - 649 |
القوة أو المعرفة الخوارقية | 650 - 699 |
حكايات خوارقية أخرى | 700 - 749 |
ب. الحكايات العقائدية والدينية | 750 - 849 |
ج. القصص | 850 - 999 |
د. حكايات الغول الأبله | 1000 - 1119 |
القسم الثالث: الحكايات الفكهة والملح
الترقيم | التصنيف |
حكايات الهيكل العظمي | 1200 - 1349 |
حكايات حول الأزواج | 1350 - 1439 |
حكايات حول المرأة (أو الفتاة) | 1440 - 1524 |
حكايات حول الرجل (أو الفتى) | 1525 - 1874 |
الرجل الذكي | 1525 - 1639 |
الصدف السعيدة | 1640 - 1674 |
الرجل الغبي | 1675 - 1724 |
حكايات فكهة حول رجال الدين | 1725 - 1874 |
حكايات الكذب | 1875 - 1999 |
الحكايات الحِكَمية أو ذات المغزى | 2000 - 2399 |
الحكايات غير المصنفة | 2400 - 2499 |
ونرد هنا لنموذج من هذه الحكايات (أكذب الكذب) من قسم الحكايات الفكهة، حيث يسجل الباحث ملخصًا للحكاية في عناصر، ثم يقوم بتوثيقها بلهجة الراوي على هذا النحو:
- هردش بن مردش يشتري لزوجته لحمًا.
- عند إعداد الطعام تلتهمه زاعمة أن القدر تبتلع اللحم.
- يخرج إلى السوق ويقايض ما تبقى من اللحم (قطعة صغيرة) بحكاية كذب.
- يولد الإبن قبل أبيه.
- يخرج الديك من البيضة.
- تقع حبة زيتون في أذن الديك.
- فيعصر الزيت.
- ويباع.
- يصبح صاحبه الكاذب غنيًا. يتبع ذلك نص الحكاية كما يسردها الراوي.
وفي تقديرنا أن هذا العمل الموسوعي الممنهج يقع ضمن الجهود العربية المبذولة في الحكايات الشعبية بأصنافها المختلفة، ومن ثم فهو خطوة مهمة في سبيل عمل موسوعي عربي ضخم يوثق لحكاياتنا الشعبية العربية مصنفة، ومن قبل كانت هناك جهود من البحرين- كما أشرنا بالمقدمة- فضلاً عن جهود خليجية أخرى ومصرية ومغاربية وشامية، غير أنها تحتاج لمنهج موحد في التوثيق والإتاحة حتى نقف على إبداع المجتمع العربي الغزير في هذا المجال.
وينهي المؤلف كتابه بعبارات الاعتراف والتقدير والشكر إلى جميع الرواة الواردة أسمائهم في هذا العمل، وهم أصحاب الفضل الأول في إبداع هذه الحكايات، فالراوي الشعبي- كما وصفه المؤلف- يبدو وكأنه ينتظر من يطلب منه أن يروي حكاية بعيدة عن الحياة اليومية المعاشة.. وكأنه يصف جميع الرواة الشعبيين على مدى الوطن العربي الكبير.