فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
46

أغاني «جيل جيلالة » بين تشخيص واقع أليم وإعادة طرح نزال فكري قديم

العدد 46 - موسيقى وأداء حركي
أغاني «جيل جيلالة » بين تشخيص واقع أليم  وإعادة طرح نزال فكري قديم
كاتب من الجزائر

أتذكر ليومي أني مدين لطالبة كانت بصفي سنة اجتيازي لامتحان البكالوريا، في صيف 1986 أهدتني كتابا لازلت أذكره عنوانه للتو «صائمون والله أعلم»، وشريطا سمعيا قلب لي ظهر تذوق الأغاني كان لفرقة موسيقية شعبية مغربية اسمها «لمشاهب». فرغم ارتباط المراهقين آنذاك بأغاني الراي الجزائرية وهنا أقصد المراهقين من أترابي وبمنطقتي، إلا أن أداء هذه الفرقة ومواضيع غنائها هز مشاعري العميقة لدرجة إنني كنت أعيد تكرارها بالمنزل مرات ومرا ت دون أن أمل أو أكل، ولما انتقلت للجامعة وأتيحت لي زيارة المغرب لما فتحت الحدود بين البلدين كنت أول ما اشتريته اسطوانات لفرق مغربية على شاكلة «لمشاهب»مثل «ناس الغيوان» و«جيل جيلالة».

كانت بداية الاهتمام ولما تخصصت بالثقافة الشعبية تشكل لدي هوس البحث بالأغنية الشعبية المغربية بآلاتها الجامعة بين الطبوع العربية والإفريقية والغربية، وموضوع أغانيها المرتبط بعمق الحضارة المغربية جملا وكلمات تراثية التصوف وفي نفس ألان تحاكي الواقع الأليم الذي تعيشه أغلب فئات المجتمع، وكأنه النوسطالجي أو الحنين إلى الماضي أو بلغة السيكولوجية النكوص، ولعل موضوعي الموسوم مواضيع أغاني فرقة «جيل جيلالة» بين تشخيص واقع أليم وإعادة طرح نزال فكري قديم غيض من فيض تلك الرمزية في توظيف الموروث الشعبي لقراءة الواقع المجتمعي بكل تجلياته الظاهرة والباطنة واستنطاق للاشعور الجمعي، والذاكرة الجماعية لمجتمع مغربي أو قل عربي يرقص على نغمات فرقة موسيقية كلماتها تصوير لواقعه البائس.

في مستهل الكلام أود الإشارة إلى مباحث مضمون البحث حصرتها في ثلاثة مباحث المبحث الأول وأجزم معتقدا أنه لابد من التأطير النظري لمفهوم الأغنية الشعبية وتميزها ونشأتها، ثم في المبحث الثاني أستطرد للحديث عن الظاهرة الغيوانية بالأغنية الشعبية المغربية وبالأخص فرقة «جيل جيلالة» وأخلص في المبحث الثالث إلى قراءة النص الغنائي للفرقة من خلال كلمات الأغاني اخترتها عينة للدراسة، وهنا لابد أن أوضح أن القراءة فنية تحليلية ليس إلا.

 

 

المبحث الأول

مفهوم الأغنية الشعبية

تدخل ظاهرة الأغنية الشعبية في مفهوم معرفة أشكال التراث الشعبي وتحديده في الدراسة العلمية من ضمن العلوم الإنسانية كتاريخ واقعي يحفظ في الذاكرة الجماعية، تتناقل من جيل لآخر ومن منطقة لأخرى ومن شعب لشعب آخر، بعيدة عن طريق المأثور الشعبي الشفهي أو المادي، وبسمات واضحة ملموسة منبثقة من أعماقه مبرزة القسمات المادية لكل وجه من وجوه الحياة الاجتماعية والبيئية والسلوكية في الحركة والكلام الذي يألفها مجتمع من المجتمعات في الحضارة الثقافية والفكرية والفنية والدينية1.

تعتبر الأغنية الشعبية فولكلورا إنسانيا منبعثا من أعماق المشاعر الدفينة فهي ذات أبعاد إثنولوجية، إثنوغرافية، أنتروبولوجية، سوسيولوجية، سيكولوجية وغيرها.

تتعدد أنواع الأشكال الفنية التي يعبر بها المجتمع الشعبي عن أفكاره، ومعتقداته وآماله وآلامه بتعدد الوظائف التي يؤديها كل صنف من ا لأغنية الشعبية2، ولها تعار يف عدة فقد عرفها بوليكافسكي بأنها الأغنية التي أنشأها الشعب وليست الأغنية التي تعيش في جو شعبي3.

أما جورج هارتسوغ أطلق عليها صفة الأغنية الشائعة في المجتمع الشعبي تشمل شعر وموسيقى الجماعات والمجتمعات الريفية التي تتناقلها عن طريق الشفهية دون حاجة إلى تدوين4.

1)نشأة الأغنية الشعبية:

نشأت الأغنية الشعبية في أحضان المعتقدات الدينية لتهدئة القوة الغامضة التي تتجلى في الأرواح أثناء النوم، في أرواح الأسلاف، من هنا نشأ الفن للتقرب والعبادة إلى تلك المظاهر التي يشاهدها في الطبيعة، ومع تطور الإنسان بدأ يعبر عن نفسه وعن أفكاره ومعتقداته وآماله بشتى الأساليب. ومن جملتها الأغنية الشعبية المرتبطة بحياته اليومية بمعتقداتها ولهوها، أفراحها، وأحزانها، ووسيلة من وسائل الترويح عن النفس5.

2) تمييز الأغنية الشعبية:

تحظى الأغنية الشعبية بمكانة مرموقة في حياة الناس، إذ ترتبط بعاداتهم ونمط عيشهم فتتعدد بتعدد مناسباتها وتختلف أشكالها باختلاف الإطار الذي تعيش فيه، كما تختلف خصائصها باختلاف عناصرها فرديا أم جماعيا، ولعل أقدم أصناف الأغنية الشعبية هي الأغاني الدينية، والعاطفية، وأغاني العمال والأفراح والأتراح الخ... فهي تأتي عفوية مرتجلة منبعثة من الذات الشعبية دافقة بالأحاسيس والمشاعر.

تكون لهجتها عامية مرتجلة مرتبطة بحياة الإنسان اليومية وبسلوكه الذي يعبر به عن معتقداته وأعماله وأوقات فراغه وحزنه وفرحه، فهي تقوم بوظيفة تأمين الأمن للناس في حالة الضيق وإحدى الوسائل المهمة في إيجاد المرح والبهجة التي تعينهم على إنجاز عمل صعب ومتنفسا لعواطفهم6.

نميز الأغنية الشعبية عن غيرها من الأغاني حينما لا يوجد لها نص شعري ولحني مدونا تكون أسماء الذين لحنوا وكتبوا كلماتها مجهولة تماما،تنتقل عن طريق الحفظ الشفهي من جيل لآخر، فالأغنية الشعبية يبدعها فرد ثم يتبنى الشعب إبداعه، قد يعدل فيه أو يغير، حينما ينسى المبدع الأصلي.

 

 

المبحث الثاني

لا يعتقد كثير من العاملين بحقل الأغنية الشعبية المغربية على أن ظهور المجموعات الغنائية ارتبط بنشأة ناس الغيوان يقينا يقر به، بل ظلت مجرد فرضية تاريخية انجذب إليها البعض، وبالنسبة لفرقة جيل جيلالة فبعد ستة أشهر من ظهور ناس الغيوان ترى الفرقة النور، ويكلف «حميد الزوغي» بإدارتها ويرى بعض من أعمدة الفرقة أمثال «مولاي الطاهر» أن الدعاية الإذاعية والتلفزية التي قام بها الزوغي للمجموعة هي التي أعطتها إشعاعها قبل ظهورها على خشبة المسرح، ففي 7 أكتوبر 1972، سيكون أول لقاء للمجموعة مع الجمهور، بمسرح محمد الخامس بالرباط بمعية مجموعة من الفنانين الكبار6.

بعد النجاح الذي حققتها الفرقة في السنة ذاتها ، وبعد جولات عديدة في ربوع المغرب ستصبح الفرقة مثار انتباه المنتجين خارج المملكة. وهكذا ستنخرط المجموعة في عدد من الأعمال بأوربا والدول العربية، ومن بين البلدان العربية التي دأبت على دعوة «جيل جيلالة» للمساهمة في السهرات الفنية على خشبات مسارحها، دولة الجزائر، التي احتضنت هذه المجموعة وناس الغيوان بشكل كبير لأنهم خلقوا جمهورا بهذا البلد7.

عن أصل التسمية يقول عبد الكريم القسبجي وهو أحد أعضاء الفرقة الفاعلين « جيل» فهى واضحة أما كلمة «جيلالة» فهى فرقة صوفية متواجدة بالمغرب مثل فرقة «قناوا» وفرقة «عيساوا» وعدة فرق أخرى ولكل فرقة خصوصيتها، ونحن أخذنا من هذه الفرقة التسمية وأضفنا إليها كلمة «جيل» وذلك حتى نوائم بين الأصالة والمعاصرة، ونحن نحاول أن نصوغ موروثنا فى رؤية جديدة لأجيال اليوم وبشكل معاصر حتى يستطيع أن يتقبله بسهولة وأما تاريخيا فتعود تسمية فرقة «جيلالة» إلى الشيخ سيدى عبد القادر الجيلاني8.

مابين 1974 و1975 ستدخل جيل جيلالة تجربة جديدة، أعطتها الإشعاع الذي تستحق؛ في تلك الفترة كان عبد الكريم القسبجي قد التحق بالفرقة، وكان قدومه قيمة فنية انضافت إلى المجموعة، فبصوته الحاد والرائع سيتمكن من أن يصبح عنصرا أساسيا داخل الفرقة ومن المنشدين الضرورين، وسيضيف نكهة ونفسا جديدا للفرقة، كان قبل التحاقه بجيل جيلالة، يعمل بفرقة «نورس الحمراء» المراكشية وهي من الفرق التي تأسست في مراكش قبل ظهور فرقة جيل جيلالة، ولها موقع خاص يعرفه المتتبعون للمجموعات وفور وصوله سجل معهم «بابا مكتوبي» و«ريح البارح»، حيث أضحى صوت عبد الكريم من أروع أصوات المجموعة9.

وعن التجربة الكتابية لجيل الجيلالة فـ« مولاي عبد العزيز الطاهري»، المساهم في تأسيس أشهر فرقة في تاريخ المغرب ا لعربي «ناس الغيوان» سيكون أحد كتاب أغانيها بعد التحاقه بها سنة 1974، وهو من أولئك الذين لهم باع في الكتابة الغنائية للمجموعات الشعبية فقد ألف أجمل أغاني مجموعتي ناس الغيوان وأحمد السنوسي ونجاة عتابو وغيرهم، وبالنسبة لجيل جيلالة فالعمل كان ينسب للمجموعة وليس للفرد، ويعتبر مولاي الطاهر أن الأغاني علامة مسجلة باسم ريبرطوار المجموعة وعمل جماعي ولا يمكن التصريح بأن هذا هو من كتب هذا العمل أو ذاك، لأننا اتفقنا أن يكون العمل جماعيا منذ البداية، لكن المقربين يعرفون من يكتب فإن كان «فلان» غير مشهور بالغناء فإن نشاطه ولغته وأعماله مع الآخرين تبين نوعية إسهامه في المجموعة، ومع فرقة جيل جيلالة استطاع أن يحقق معهم التجربة الأكيدة بأشكال فنية أخرى، وأنماط غنائية أخرى والتي كانت هامة في حياته أي تجربة الملحون10.

 

 

المبحث الثالث

تطرح فرقة «جيل جيلالة»التراث الموسيقى المغربى برؤية جديدة وبنسق جمالي يعانق مكنونات الروح، فالإيقاعات تخوض بالسامع إلى عالم يموج بين الأرض والسماء تنطلق به فى ارتحال شكوى إلى الخالق، فى سموّ صوفي ساحر يغيب فيه عن دنياه ليعيش فى عالم يكتشف فيه الموسيقى والكلمات والإيقاعات الجاذبة التي تتكرر وتتلاحق لتعبر عن أمواج الأزمان المتوالية التى يقطعها المسافر المنتشي بهمّ الوصول، فأغانيها متسمة بنفس صوفي قوي مأخوذ من التراث المغربي المعروف بزواياه الزاخرة بالتقاليد والطقوس الصوفية، إلى جانب تلك الحالات الوجدانية الدينية التي يعيشها ويقدمها أعضاء الفرقة على الركح عبر الكثير من المفاتيح خصوصا فى أغاني مثل «السلام عليكم» و«نبينا طه» و«الله يا مولانا»ولعل مرد ذلك إلى العادات والتقاليد والأجواء الصوفية ،و بهذا لا يمكن إلا أن تدرج أغاني جيل جيلالة سوى في إطار يتميز بنفس صوفي قوى ومصالحة مع القيم والتراث، وما كثرة الآلات الإيقاعية المندرجة في هذا المنهج والاندماج على الركح و«التخمر» إلا برهان قاطع إلى ما أشرنا إليه آنفا. وما تفرضه الأجواء الحميمية من اندماج الجمهور مع الأغاني الصوفية الممزوجة بواقع المواطن البسيط ومشاكله اليومية11.

أنتجت الفرقة ما يفوق الخمسة عشر شريطا ولعل سبب إشعاعها المغاربي والعربي تميّز أغانيها بعلاقتها الوطيدة بالواقع المعاش، حاملة البعد الرمزي مبتعدة عن المباشرتية في الكلام عازفة لموسيقى صوفية تقليدية بآلات حديثة، وهذا التوظيف للموروث المغربى الصوفي والتراث الأندلسي يتم وفق رؤية خاصة وتهذيب كل ما هو تراث صوفي في محاولة للقراءة الواعية للتاريخ، وهنا نؤكد اختيار فرقة جيل جيلالة طريقة انتقائية وقراءة خاصة للموروث المغربى والأندلسي ثمّ تقديمه فى شكل جديد وجيد يسهل فهمه واستساغته وربما هذا مرده للتجربة التى مرّ بها أعضاؤها فى البداية أي تجربة المسرح مما كون لديهم وعيا كبيرا بقيمة الموروث، فتجد الكثير من الأعمال المقتبسة منه مثل أغنية «الشمعة» وأغنية «الله يا مولانا» التى غنتها بآلات مثل «السنتير» و«الغمبري» الإفريقية و«البزق» و«البطري» الغربية و«البندير» و«التعريجة» المغربية فهذا الاختلاف فى النص والفكرة واللحن والآلات، هو عنصر إثراء يشترط معه معرفة طريقة إحداث التجانس، وهو ما وفقت فيه الفرقة باقتدار فلكل آلة دورها الذي توظف من أجله ويبقى الأهم بالنسبة لهم المضمون12.

وعن مضمون أو موضوع الأغاني فهي تعالج بعضا من القضايا الاجتماعية تتابع هموم الحياة اليومية للمواطن المغربي، وأيضا تسرد جزءا من الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الوطن العربي ،هذا فضلا عن كونها تحمل بعدا إنسانيا ووجوديا وروحيا يخاطب الإنسان أينما وجد، ففرقة جيل جيلالة من تلك الفرق التي حملت همّ الأغنية السياسية في المغرب والعالم العربي بسبب ما يحدث فيه الأحداث المؤلمة ومحن وإحن الأمر الذي زاد الفرقة إصرارا على المضي قدما فى النهج الذي اختارته وهو الأغنية الملتزمة ومحاربة الظلم أينما وجد إيمانا منها بأن الفن هو رسالة قبل كل شيء، وإعلاء لراية الكلمة الهادفة والفن النبيل فالفرقة لا تؤمن بالأغاني الموسمية فى الفن13.

اخترت من أغاني «جيل جيلالة عينة ومرد هذا الاختيار هو عنوان البحث المشار إليه سابقا تشخيص واقع أليم وإعادة طرح نزال فكر قديم فبقدر ما يرى أغلب الفاعلين في الفرقة وروادها أنهم لا يميلون الى اللغة التصريح مستعملين الرمزية، اعتقد انه من خلال كلمات الأغاني التي ستذكر لاحقا والمصطفاة بحذر ولا عن عشوائية تدفعنا قصرا أن نضيف أن الفرقة ربما في كثير من الأغاني استعملت مواجهة مرآة الوضع المزري الذي يعيشه المجتمع المغربي والعربي من فقر وغلاء وانتكاسات اقتصادية وسياسية واجتماعية.

ولنبدأ بكلمات الأغنية الأولى: هذا وعدك يا مسكين

بحقوقك نادينا

وشحال من صيحة صحنا

ومشا الصياح معا الريح

بهمومك غنينا

حسبوه جد بة وشطيح

هذا وعدك يا مسكين

كان الله ليك العوين

الحاجة في صدرك سكين

ولارضيتي تمد ليدين

لي دركتيه بعرك الجبين

أكثر منو يبذروه أخرين

حب الفلس أعمى القوم وفي حالك نساهم

في الخمر والزنا والميسير هامو

ظنوها دنيا تدوم والحظ راد وأعطاهم

كيف ظنها قارون في أياموا

لا تركن ليهم لا تطوع

لا تخطاك مقاومة

لا تخضع لمساومة

خلي راسك مرفوع

زيد قاوم وكافح

علام الظالم طايح

زيد قاوم وكافح

ارفع صوتك بلسان الحق وطالب

سرج عودك معاك الحق وأنت الغالب

المتأمل لمضمون الأغنية يرى بعين اليقين تلك اللغة الصريحة التي تخاطب بها الفرقة الآخر مؤكدة على أنها المدافع عن همومه وأعني هنا المواطن الكادح وفي ثنايا الكلام تلمح إلى أن غنائها ليس أصوات ترفع ولا حركات تؤدي إنما لأغانيها رسالة مؤداها:

- أخلقة المجتمع الحث على حب العمل وإتقانه (لي دركتيه بعرك الجبين ) التعفف (الحاجة في صدرك سكين ولارضيتي تمد ليدين ).

- تصوير المجتمع بظواهره الفاسدة من حب للمال وانتشار للموبقات واهتمام بالدنيا مع التأكيد التذكير بنماذج حياتية موجودة بالتراث الإسلامي في شاكلة قارون الذي ذكر بالقرآن الكريم فهذه الأوضاع الفاسدة هي من جعلت علية المجتمع لا يهتمون بالمواطن الذي بدا غريبا في زمن الرداءة (حب الفلس أعمى القوم وفي حالك نساهم في الخمر والزنا والميسير هامو ظنوها دنيا تدوم والحظ راد وأعطاهم كيف ظنها قارون في أياموا) .

- الحث على مقاومة أشكال الفساد والطغيان أمام هذه الحالة تطرح كلمات الأغنية بديلا للإنسان الكادح المتشبع بالفضائل إلى عدم الركون لنماذج الرويبضات سواء أغروه أو ساوموه وإنما مقاومته حتى يسقط ولو كان ذلك بقول الحق (لا تركن ليهم لا تطوع لا تخطاك مقاومة لا تخضع لمساومة خلي راسك مرفوع زيد قاوم وكافح علام الظالم طايح زيد قاوم وكافح ارفع صوتك بلسان الحق وطالب سرج عودك معاك الحق وأنت الغالب).

الأغنية الثانية: ناديتك فالغنة 

يا أهل التنوير والهداية

مني ليكوم ألف صرخة ماتخيب رجاي

ناديتك فالغنة على زمـانا كيف يسير

وجيلنا دايخ فالتخدير

ناديتك فالغنة كيف تزيـان ايانا

وشرار العديان بينا جوال

يا أهل التنوير والهداية 

ناديتك فالغنة على قصد أيام الخير والأفراح

اشمن نهار تفجا لكدار تنشد لخلود

لحزان الدوب

ناديتك فالغنة على قصد أيام الخير والفراح

مليت شقا وعنا مليت بكـا ونواح

وعيت نشكي بالمحنة وعيت بالصبر نداوي لجراح

ناديتك فالغنة

على للداقت بيه الحالة مالقا يبوح بسرو محروم يقول مقالة فيها للناس الخير

ناديتك فالغنة على قصد أيام الخير والفـراح

جول وتشوف مدا من عديم ومكفوف

مدى من شيوخ وصبيان للسعاي مدو لكفوف

ناديتك فالغنة على قصد أيام الخير والفـراح

يا هل التدبير والعناية

من خلا ل كلمات الأغنية الثانية بحث عن عالم من المثل قل ما يجد مثيله في الواقع إلا في فكر أفلاطون أو الفارابي عالم خال من الأحزان يعمه الخير هذه الأمنية موجهة إلى الحكماء والفضلاء عن البحث عن العالم الذي قلناه وهو سرمدي قولها:

يا أهل التنوير والهداية 

ناديتك فالغنة على قصد أيام الخير والأفراح 

اشمن نهار تفجا لكدار تنشد لخلود

لحزان الدوب

البحث عن عالم المثل يصطدم بواقع صادم مزر تنتشر فيه المخدرات والتسول وانتشار للبطالة

ومنها قولهم بالاغنية :

و جيلنا دايخ فالتخدير

جول وتشوف مدا من عديم ومكفوف مدى من شيوخ وصبيان للسعاي مدو لكفوف

وترى الأغنية أن مرد هذه المحن والإحن هم أولئك الأشخاص الذين من بني جلدتهم وأسباب انتكاساتهم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها قولهم:

ناديتك فالغنة كيف تزيان ايانا

وشرار العديان بينا جوال 

الأغنية الثالثة: الليمين

ا دوك الليمين رفقو من حالي

علاش تعيبو فقولي وفعالي 

شدرت انا شدرت في ما يجرالي 

ماناش الي خترت لعيوب ديالي

علاه انا يومصبت راصي فالدنيا جيت بالشوار 

علاه انا يوم زلقوني رجلي كن لي خبار

ياك هناحليت عينيا 

وهنا لاغيت مع من رباني 

حبيت فالارض على ركابية 

و قريت ليقريت بحال قراني

ا دوك الليمين رفقو من حالي 

علاش تعيبو فقولي وفعالي 

شدرت انا شدرت في ما يجرالي 

ماناش الي خترت لعيوب ديالي

طلقوني نرعاماليا وسط الزنقا نصيبها غابة مخفية 

نصيبها غابة مخفية ضعيفها عادم الحمية 

تبعت الواد للي حمل بيا حملة وحدة مشيت فيها وداني 

هاني فين الواد رماني 

ا دوك الليمين رفقو من حالي 

علاش تعيبو فقولي وفعالي 

شدرت انا شدرت فيما يجرالي 

ماناش الي خترت لعيوبديالي

مسألة أفعال العباد كانت، ولا زالت مثار اهتمام الباحثين من أرباب الديانات السـابقة والفلسفات القديمة، كما كانت موضع خلاف كبير بين جميع الفرق الإسلامية، وخاصة الجبرية والمعتزلة، وأهل السنة من الأشاعرة والسلف، بل وما زالت هذه المسألة حية ومعاصرة، تشغل العقل الإنساني، وتؤرقه، فمنهم من ينكر على العـبد حريته وإرادته، فيجعله مسيراً لا شأن له في خلق أفعاله التي حددت له مسبقاً ولا سبيل إلى تعديلها أويثبت أن الإنسان قادر على أفعاله، ويرى أن من العدل أن يثاب أو يعاقب بناء على ما قدمت يداه، وفي المقطع الأتي من أغنية اللايمين وهنا لا بد من الإشارة أن الفرق الكلامية أفعال ذهبت إلى تقسيم أفعال العباد كلها إلى قسمين هما14:

-أفعال لا إرادية:

كضربات القلب، وحركة الدم في الشريان، وحركة المرتعش ... الخ وهذه مردها إلى االله تعالى لا دخل للعبد في إيجادها والنص الغنائي يوضح ذلك:

علاش تعيبو فقولي وفعالي 

شدرت انا شدرت في ما يجرالي 

ماناش الي خترت لعيوب ديالي

علاه أنا يوم صبت راصي فالدنيا جيت بالشوار 

علاه أنا يوم زلقوني رجلي كن لي خبار

ياك هناحليت عينيا 

وهنا لاغيت مع من رباني 

حبيت فالارض على ركابية 

وقريت ليقريت بحال قراني

ا دوك الليمين رفقو من حالي 

علاش تعيبو فقولي وفعالي 

شدرت انا شدرت في ما يجرالي 

ماناش الي خترت لعيوب دياليله

- أفعال اختيـارية إراديـة:

وهي الأفعال التي يقصد العبد إليها بقدرته وإرادته وقد وقع فيها الخلاف بين مفاهيم الجبر والاختيار والكسب واعتقد أن المقطع الثاني من أغنية اللايمين الذي سيذكر لاحقا يبيّن بجلاء لا لبس فيه ظاهرة الجبر فلا قدرة للإنسان ولا قصد ولا اختيار، الإنسان مجبور مجبور على فعله:

بينطلقوني نرعا ماليا وسط الزنقا نصيبها غابة مخفية

نصيبها غابة مخفية ضعيفها عادم الحمية 

تبعت الواد للي حمل بيا

حملة وحدة مشيت فيها وداني 

هاني فين الواد رماني

 

الهوامش

1. أحمد صبحاين،التحليل الاثنولوجي للأغنية الشعبية التيطوانيةً،ص1.

2. نفسه ، ص2.

3. نفسه، ص3.

4. نفسه، ص3.

5. نفسه، ص4.

6. نفسه، ص6.

7. مصطفى الحراق،ظاهرة جيل جيلالة،جريدة طنجة، الثاني من فبراير 2015.

8. نفسه.

9. نفسه.

10. نفسه.

11. محمد بلوش «نبش في تاريخ و بدايات أشهر مجموعة غنائية أمازيغية» جريدة «المساء»، عدد 292، الاثنين 27-08 - 2007.

12. عن موقع العرب أنلاين، مقابلة مع عبد الكريم القصبجي قائد فرقة جيل جيلالة، تحميل يوم 30 اكتوبر 2015

13. نفسه

14. سعد عبد االله عاشور موقف الفرق الإسلامية من أفعال العباد مجلة الجامعة الإسلامية المجلد التاسع العدد الثاني، ص 253.

الصور

1. https://i.ytimg.com/vi/n7pg_A5EEs0/hqdefault.jpg

2. https://www.hibamusic.com/ajouter2/files_uploded/photos_artiste/full_size/jil-jilala-393-9186-7476881.jpg

3. https://i.ytimg.com/vi/_pjL6M2pIb8/maxresdefault.jpg

4. https://resources.wimpmusic.com/images/ca66890f/a5bc/4e53/b896/77b1ab02c743/640x428.jpg

أعداد المجلة