فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
46

«دبة الحليب» ونظام «رواتب الحليب» قديماً

العدد 46 - لوحة الغلاف
«دبة الحليب» ونظام «رواتب الحليب» قديماً
كاتب من البحرين

الدبة، والجمع دِباب، من الآنية المعروفة قديماً، وقد كانت تصنع من جلود الإبل، وكانت تستخدم لحفظ السمن، واللفظة فصيحة (جنيدل 1427 هـ، ص 96). غير أن هذه اللفظة تطورت دلالياً في عدة مناطق عربية، وأصبحت تطلق على آنية أخرى. في البحرين، أطلق مسمى «دبة» على إناء معدني إسطواني الشكل أستخدم لحفظ الدهن والسمن والحليب، وهذا الإناء كان يأتي بأحجام مختلفة، وكان منه «دبة الدهن»، و«دبة الحليب» الصغيرة، وكذلك «دبة الحليب» الكبيرة التي يحفظ بائع الحليب فيها الحليب. ولاحقاً، أصبحت لفظة «دبة» تطلق على الوعاء البلاستيكي الذي يباع فيه الحليب والعصير بصورة تجارية.

وقديماً، كان مربي الأبقار يقوم بحلب البقر مرتين في اليوم، في الصباح والمساء، ويجمع الحليب في دِباب معدنية كبيرة، ويكون حينها جاهزاً للبيع، وفي الغالب، كان النظام المتبع في بيع الحليب هو نظام «الرواتب»، أي أن لكل مربي أبقار عدد معلوم من الزبائن، فيأتي الزبائن كل يوم ومع كل زبون «دبة الحليب» الخاصة به، ويتم بيع الحليب بالوزن. وكانت الأوزان المستخدمة هي الرطل (قرابة نصف كيلوجرام)، والرُبعة (أربعة أرطال)، ونصف الرُبعة. وفي الغالب كان لكل بائع حليب مكيال معدني خاص، يسع وزناً معلوماً من الحليب، وكان حساب الحليب يدفع، في الغالب، شهرياً. وكل زبون يسمى «صاحب راتب»، ويقال «فلان يمشي له راتب من الحليب»، أي أن له قسم معلوم من الحليب الذي يأخذه كل يوم.

هذا، وقد كان هناك نوعان من الرواتب، رواتب صباحية ورواتب مسائية بحسب مواعيد حلاب البقر. وبالإضافة لنظام «الرواتب»، وخصوصاً في بعض المناطق التي بها سوق صغيرة خاصة بالمنطقة، فإن بعض بائعي الحليب يبيع الحليب في هذه السوق، فيحمل «دبة حليب» كبيرة، ومكياله الخاص ليبيع الحليب في هذه السوق.

وفي الغالب، وخصوصاً في المساء، كان يتزامن وقت شراء الحليب، أو أخذ راتب الحليب، مع وقت شراء الخبز، وهكذا، فقد كان منظراً مألوفاً في المساء عودة البعض للمنازل مع دبة الحليب والخبز؛ فقد كانت وجبتي الأفطار والعشاء لا تخلو من الخبز والحليب، وقد كان العديد من الناس يكتفي «بتغميس» الخبز بالحليب. ومنذ نهاية الثمانينات تقريباً، ما عاد هذا المنظر مألوفاً، فقد تقلص نظام «رواتب الحليب»، وما عادت الدبة تستخدم، بل أستبدلت بأكياس خاصة يباع فيها الحليب. وأصبح بائع الحليب يوزع الرواتب بنفسه على البيوت. وفي مطلع الألفين بدأ نظام الرواتب بالإختفاء، وأصبح بائع الحليب يبيع الحليب عن طريق المحلات التجارية التي تشتريه بالجملة وتبيعه على الناس.

المرجع: جنيدل، سعد بن عبدالله. معجم التراث، الكتاب الثالث: بيت السكن. دارة الملك عبد العزيز، الرياض، 1427 هـ.

أعداد المجلة