فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
44

دراسة حول مؤرخ العصر وموضوعات حول توثيق التراث الشعبي العربي

العدد 44 - جديد النشر
دراسة حول مؤرخ العصر  وموضوعات حول توثيق التراث الشعبي العربي
كاتبة من مصر

نعرض في هذا العدد لبعض الدراسات العربية المتنوعة والتي صدرت بكل من الإمارات والسعودية والكويت ومصر والجزائر، تناولت موضوعات تشترك عامة في توثيق التاريخ والتراث الشعبي، جيث تطالعنا موسوعة كبرى حول الكائنات الخرافية، فضلاً عن مجموعة من الحكايات الشعبية التي يغلب عليها طابع الخرافة، ثم دراسة متعمقة لمفهوم الموتيف في الأدب الشعبي والفردي، وقاموس عابر للهجة والمفردات الشعبية، لينتهي بنا المطاف إلى بحث موسيقي خالص حول أغنية البحر. غير أن محطتنا الأولى في هذا الملف ستبدأ بالوقوف عند دراسة متعمقة حول مؤرخ العصر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة.

مؤرخ العصر

صدر عام 2016 كتاب «مؤرخ العصر: مقاربة في مرتكزات الكتابة التاريخية عند صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي» لمؤلفه الباحث الأكاديمي الموريتاني مِنّي بونعامة، والكتاب يقع في 264 صفحة من الحجم المتوسط، وصدر عن معهد الشارقة للتراث، ويكشف الكتاب بوضوح عن مكانة الحاكم العالم والمفكر والمبدع في آن، إذ أن مفهوم الحاكم في التاريخ قد ارتبط بالنواحي السياسية عامة، غير أن الشيخ القاسمي قد اتخذ مكانة مغايرة لهذا التصور، إذ ارتبطت شخصيته بالحاكم المثقف الذي يدعم حركة الثقافة العربية في جميع المجالات، ومن هنا فإننا أمام نموذج استثنائي يحتاج للعديد من الدراسات التي تكشف عن عبقريته، ومن ثم تفسر لنا بوضوح سر نجاح هذا الرجل على جميع المستويات وفي مقدمتها حب الملايين لشخصيته ذات الحضور المتألق. ويكشف الكتاب الذي بين أيدينا عدة حقائق من بينها توثيق أعمال الشيخ القاسمي وتصنيفها من ناحية، وكشف اهتمامه بتسجيل ذاكرة الأمة من ناحية ثانية، وتقديم دراسة تحليلية لمنهجه في البحث من ناحية ثالثة. وقد سجل الكتاب مؤلفاته التاريخية المعروفة والتي تعكس منهجه العلمي وهي: سيرة مدينة 2015- اقتصاد إمارات الساحل العربي في القرن التاسع عشر 2015- تحت راية الاحتلال 2014- حديث الذاكرة 3ج (2011-2013)- زنوبيا ملكة تدمر 2013- مراسلات سلاطين زنجبار 2012- القواسم والعدوان البريطاني 2012- حصاد السنين 2011- سرد الذات 2009- وصف قلعة مسقط وقلاع أخرى على ساحل خليج عجمان 2009- محطة الشارقة الجوية بين الشرق والغرب 2009- التذكرة بالأرحام 2008- نشأة الحركة الكشفية في الشارقة 2008- الحقد الدفين 2004- بيان الكويت: سيرة حياة الشيخ مبارك الصباح 2004- بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد- صراعات القوة والتجارة في الخليج 1999- الخليج في الخرائط التاريخية 2ج 1999- رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي 1996- جون مالكوم والقاعدة التجارية البريطانية في الخليج 1994- يوميات ديفيد سيتون في الخليج 1994- الوثائق العربية العُمانية في مراكز الأرشيف الفرنسية 1993- العلاقات العُمانية الفرنسية 1993- الاحتلال البريطاني لعدن 1991- تقسيم الامبراطورية العُمانية 1989- أسطورة القرصنة العربية في الخليج 1986.

وقد تناول المؤلف في المقدّمة الحدود الزمانية والمكانية للدراسة، وما تطرحه من قضايا محورية في سياقها المحلي والخليجي والعربي، ويشير بونعامة إلى أن مؤرخنا قد كرس حياته وجهده ونشاطه خدمة لمشروعه التاريخي، الهادف إلى كتابة تاريخ منطقة الخليج بشكل عام، وإمارات الساحل العربي (دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً) بشكل خاص، وتنقيته من الشوائب، وتنقيحه ممّا علق به من دسائس.. وقد اتبع المنهج التاريخي من أجل بيان أهمية مساهمات صاحب السمو في كتابة تاريخ المنطقة كونها علامة فارقة في سياقها المحلي والخليجي والعربي، ويشمل الإطار الجغرافي للدراسة أو «المدونة التاريخية» كما يصف الباحث أعمال مؤرخنا فقد اتسعت لتشمل الإمارات العربية التي شكلت في نظامها الداخلي ما يشبه مدن الدولة. ويحيل مؤرخنا في مدونته التاريخية إلى ذلك الفضاء ببعض تسمياته مثل: ساحل عُمان- إمارات الساحل العربي وتُعد التسمية الأخيرة هي الأكثر انتشارًا. أما الإطار التاريخي فيبدأ مع بواكير الحضور الأوروبي على الشواطئ الخليجية مع مطلع القرن الخامس عشر الميلادي حتى المرحلة الراهنة. كما يعرض المؤلف في مدخل الدراسة لبعض المفاهيم العلمية في البحث التاريخي عامة والكتابة التاريخية في إمارة الساحل العربي خاصة، مشيرًا إلى مفهوم الكتابة التاريخية، وإشكالية التدوين، ومرحلة التأسيس في تاريخ الثقافة العربية، والمساهمات الأولى في الكتابة التاريخية في الإمارات، ثم قدم إطلالة من الخارج على الكتابات الاستعمارية.

وتناول المؤلف في الفصل الأوّل الذي حمل عنوان «الكتابة التاريخية عند سلطان القاسمي: بوادر الوعي وبواكير الإنتاج»، مقدمًا رصدًا بيوجرافيًا لصاحب السمو، ومستعرضًا محتويات مدوّنته التاريخية وما تضمّنته من معلومات قيّمة عن الإنسان والمكان في الخليج العربي والإمارات، مركّزاً على مضمون الكتابات التاريخية، حيث قام بتقسيمها انطلاقاً من محتوياتها، إلى ثلاثة محاور: التاريخ الوطني، تاريخ منطقة الخليج العربي، التاريخ العربي. ويشير بونعامة إلى أننا إذا ألقينا نظرة فاحصة على محتويات تلك الكتابات التاريخية، وتمعنا في الموضوعات المطروقة فيها، فإننا سنلاحظ من الوهلة الأولى حضور الهوية بمعناها العام والخاص، إذ تحيل تلك الموضوعات إلى همّ تاريخي لازم مؤرخنا وشغله حينًا من الدهر، وما حديثه في «سرد الذات» عن بعض القضايا» الخارجة عن السياق المحلي ظاهريًا كالعدوان الثلاثي على مصر، وحزب البعث إلا أكبر دليل على التعبير الشمولي لنظرة «سلطان» لمفهوم الهوية والانتماء إلى الفضاء العربي العام والتفاعل بما يدور في فلكه من قضايا. وتطرق المؤلف في الفصل الثاني من كتابه للقضايا التي تطرحها المدوّنة التاريخية للشيخ القاسمي، وعلاقتها بالسياق المحلي، وذلك بالتركيز على مرحلة الاستعمار الأوروبي: البداية والنهاية، ومسيرة المؤلف، وميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيرة مدينة الشارقة، والأوضاع الاقتصادية في إمارات الساحل العربي في القرن التاسع عشر الميلادي، وملامح المشهد الثقافي في الشارقة. كما تطرق للجوانب الحضارية والتراثية في كتابات سمو الحاكم انطلاقًا من وصفه مدينة الشارقة القديمة ومعالمها التاريخية، مثل: حصن الشارقة، بيوتها، شجرة الرولة، سوق العرصة

ولعل أبرز ما يسجله منهج «القاسمي» هو اعتماده في تسجيل التاريخ على الروايات الشفهية كمصدر أصيل في توثيقه للأحداث من ناحية، والحياة الشعبية والاجتماعية للشارقة من ناحية أخرى. وهو المنهج نفسه المعروف في علم الفولكلور. يقول في كتابه «تحت راية الاحتلال»: يروي هذا الكتاب مجموعة من روايات تاريخ الشارقة، التي أخذت في تصنيفها ونشرها بين أهل هذا الزمان، لأبسط فيها أهم حوادث تاريخ الشارقة الموثقة، وأصف الهيئة الاجتماعية وآدابها، وعادات الناس وأخلاقهم، كما قمت بوصف مدينة الشارقة، وأحيائها، وبيوتها، وسكانها، وتجارتها، في صورة روايات تاريخية. ومن ثم فإننا نلمح في كتابات الشيخ القاسمي وصفًا فولكلوريًا من الطراز الأول للعادات والتقاليد الشعبية بالشارقة. فيكتب حول «شجرة الرولة» وارتباطها في الذاكرة الشعبية بالأعياد والاحتفالات فيقول: في مساء ذلك اليوم (العيد) يتوافد إلى شجرة الرولة، وارفة الظل، الرجال والفتية والفتيات والأطفال، وتعلق الحبال على الأغصان الكبيرة من شجرة الرولة، وتجلس الفتيات في صفين على الحبال، وتُشبك فتاة أصابع رجليها بالحبال التي تجلس عليها الفتاة التي تقابلها، فتتكون «المرجيحة» من ثماني فتيات، أما الفتيان فيقومون بـ «شط المرجيحة» أي إبعادها إلى أعلى بكل عفة. وتباع تحت الشجرة الحلويات والمكسرات. أما شيخ الشارقة، فيجلس على الكرسي الكبير، وحوله أقرباؤه وأعيان البلد، لتلقي التهاني بالعيد، وإلى جانبهم تُقام رقصة العيالة. ومن المفردات التراثية المرتبطة بالتراث الشعبي في مختلف المناسبات يرصد مؤرخنا «الفوالة» و»العيدية»، و»الفوالة» هي ما يقدم للضيف من حلوى ومنقوش وبشمك ويُصنع من الطحينة التي تُستخرج من هرس السمسم، يُقال لها «هردة». أما العيدية فهي النقود التي يتلقاها الأولاد في يوم العيد..إلخ.

أما سوق العرصة فيصفه الشيخ القاسمي وصفُا دقيقُا كعنصر محوري من عناصر التراث الشعبي بالشارقة، فهو: مجموعة من الدكاكين، تحيط بساحة مسقوفة، ولها أبواب تغلق ليلاً، وكذلك السوق المسقوف. وفي تلك المنطقة يسكن التجار من الهندوس، ومن التجار المسلمين الذين وردوا من الهند منطقة «حيدر آباد» وهم شيعة، ليس لهم شأن بتلك الدعوة السلفية. كما أن بتلك المنطقة جماعة الصاغة «الصواغ»، وهم مجموعة من عرب «البريمي» شيعيو المذهب، وقد هربوا من تسلط «السديري» عليهم ومضايقتهم، فلجأوا مع شيخهم «حميد الصايغ» إلى الشيخ «محمد بن صقر» في الشارقة، وأدخلوا حرفة الصياغة في الشارقة، والتي كانت تُزين بها الأسلحة والخناجر وخاصة بالذهب والفضة.

كما تشير الدراسة إلى أنه في الأعوام الثلاثين التي رصد مؤرخنا أحداثها وبرامجها، تطورت الأنشطة الثقافية في الشارقة، من ثلاثة أنشطة إلى ألف وستمائة نشاط في العام. وتناول بونعامة في الفصل الثالث منهج الكتابة التاريخية وخصائصها عند صاحب السمو، من خلال رؤيته في كتابة التاريخ، والمنهج التاريخي الذي اعتمده في الكتابة، وارتكازه على الوثائق، وطرائق نقله، والتزامه التسلسل الزمني والموضوعي للأحداث، ثمّ المصادر التي اتكأ عليها بما ضمّته من أنواع، تمثّل الوثائق الأجنبية السواد الأعظم منها، وبخاصّة الموجودة في الأرشيفات الفرنسية والبريطانية والبرتغالية والهندية والتركية، وكذلك العربية، كما عرّج على نقد المؤلف للمصادر الأجنبية، وكيفية النقد والانتقال من نقد الوثيقة والمعلومة التاريخية الخطأ، إلى نقدها ونفيها ودحضها بالحجة والبرهان.

كما تتبع خصائص الكتابة التاريخية وسماتها عند القاسمي، ومن أبرزها: الموسوعية- التنوع والشمول- الموضوعية والحياد- الدقة والتمحيص- التسلسل الزمني والموضوعي. وقد سجل المؤلف في نتائج دراسته المهمة أن الرؤية الثقافية الواعية لمؤرخنا، بما تحمله من دلالات وإبداع في صوغ التاريخ الحضاري، المنبثقة من حسه التاريخي العميق وفهمه للفلسفة والفكر الإنساني، دليل على إدراكه أن الأمة العربية بحاجة إلى استشراف الحاضر من الماضي، بالعودة إلى التاريخ المحلي والإقليمي، ونفض الغبار عن مصادره ووثائقه، وتقديمها للقارئ العربي، بل للعالم أجمع، لبيان الظلم والحيف اللذين مورسا على سكان هذه المنطقة بخاصة والعرب المسلمين بعامة.

ونرى أن هذا الكتاب قد يفتح المجال لمزيد من الدراسات التحليلية والنقدية حول الإنتاج الفكري للشيخ القاسمي، خاصة ما يرتبط بالموضوعية في رصد التاريخ، والتي لا تعتمد فقط على المصادر المدونة، بل وضعت المصادر الشفاهية في مكانتها اللائقة من الكتابة التاريخية. كما يفتح الكتاب أيضُا المجال نحو أهمية بحث الأعمال الإبداعية في الأدب والمسرح لسمو الشيخ القاسمي والتي تُرجمت للعديد من اللغات، وتكشف أيضُا عن اهتمامه بتوظيف الموروث في كشف الواقع المعاش للمنطقة العربية.

موسوعة الكائنات الخرافية

صدرت عام 2017 الطبعة الأولى لموسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي: دراسة في المخيلة الشعبية لعبد العزيز المُسَلّم عن معهد الشارقة للتراث في560 صفحة من الحجم المتوسط. والموسوعة مترجمة في المجلد نفسه إلى اللغة الإنجليزية. ويُعد هذا الموضوع من المشاريع العلمية التي استحوذت على اهتمام المُسَلّم منذ سنوات، حيث عكف على جمع وتوثيق الروايات الشفهية والمدونة حول هذه الكائنات الخرافية، وقام بتسجيلها وتحليلها في دراسة سابقة له عام 2007، ثم انتهى به المطاف لعمل هذه الموسوعة الأولى من نوعها في حدود علمنا. كتب المقدمة العلمية للموسوعة مصطفى جاد، كما ذُيلت بمجموعة دراسات عن الموسوعة بدأت بدراسة باسم عبود الياسري بعنوان «الخرافة فعل إنساني لمواجهة الخير»، ثم دراسة دلال جويد بعنوان «الخراريف خيال يبني قيم الواقع»، وأخيرًا دراسة رسول محمد رسول بعنوان «قراءة في بنية الموروث الحكائي الشعبي في الإمارات».

ويسجل المؤلف حكايته مع الكائنات الخرافية مشيرًا لارتباطه بمنطقة خورفكان التي تتألف من مجموعة من القرى المتقاربة تحتضنها سلسلة من الجبال، ومن ثم حفلت بالعديد من المعتقدات الشعبية المرتبطة بالكائنات الخرافية، والتي كان يُعتقد أنها تزور منزل العائلة مما دعا الأم للبحث عن الوصفات الشعبية لإبعادهم كالملح والعتم وتركة صالح وغيرها من الوصفات التي كان يجب وجودها في البيت لإبعاد زوار الغفلة. كما يسجل المُسَلّم اهتمامه بتسجيل المأثورات الشفاهية عن والدته وهو في مرحلة الإعدادية، ثم انضمامة للدورات التدريبية بمركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي، ثم تجربة دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ثم قصة ترميم المدينة القديمة بالشارقة التي واكبها العديد من الروايات والمحاضرات حول الكائنات الخرافية لدى الإماراتيين، وينتهي المُسَلّم بقوله: أكاد أجزم أن كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، وكتاب «بدائع الزهور في وقائع الدهور» لابن إياس، كانت محفزة لي على أن أتابع في هذا الباب.

تضم الموسوعة التي بين أيدينا جميع ما عكف على جمعه المؤلف من روايات حول 33 كائنًا خرافيًا، صُنفت حسب الترتيب الهجائي. وقد استطاع عبد العزيز المُسَلّم أن يقدم مادته الميدانية بمنهج رصين من خلال لقائه بمجموعة من الرواة الثقاة الذين جلس يسمع منهم ويدون أحاديثهم حول الموضوع، وقد اتبع سياقا موحدا في جمع مادته واستخلاص المعلومات، فقدم في بداية كل مادة أصل تسمية الكائن الخرافي، ثم التفسير اللغوي للإسم لنتعرف على ملامحه، ثم أماكن انتشاره في الإمارات، ثم شرع يبحر فى كتب التراث العربي للوقوف على تأصيل عربي للكائنات الخرافية التي جمعها. وينتهي بالرواية الشفهية التي جمعها.

وقد التزم المؤلف أيضاً بالبعد الجغرافي والمناطق الثقافية بدولة الإمارات، فنجد مواد ممثلة للبيئات الساحلية والصحراوية والجبلية. كما عرض لكائنات يمكن أن تندرج تحت ما يُعرف بالبشر وأنصاف البشر، مثل: أم الدّوّيس (ذات المنجل)- أم الهيلان (العجوز الشمطاء)- غريب (النحيل الجبار)- روعان (مزدوج الشخصية). كما عرض لكائنات خرافية اتخذت هيئة النباتات والحيوانات والطيور مثل: أم الصبيان (دجاجة و فراخها)- أم كربه وليفه (النخلة)- بعير بلا راس (الجمل المنحور)- بعير بو خريطه (الجمل ذو الكيس)- بو سولع (المفترس)- سدرة الصنم (سدرة وادي الحلو)- أم رخيش (طائر الرخم)- حمارة و كلاب القايلة. كما تضمن الموسوعة كائنات خرافية من الجمادات والجن والشياطين مثل: بو راس (يد أسد ورجل حمار)- خطّاف رفّاي (بو شريع)- شنق بن عنق- كهف الدّابه- جني المريجه- حصه وعيالها- فتّوح (عفريت القرم)- جني الرقّاص- عثيون (الياثوم)- سويدا خصف (سلة التمر)

أدخلنا عبد العزيز المُسَلّم بموسوعته إلى عالم ساحر بحق.. كائنات خرافية تتعارك مع البشر، أو تبادلهم الغناء الجميل..أو تفترسهم، وكائنات تظهر فى البر والبحر، وتظهر فى اليقظة أناء الليل ووضح النهار. وقد تظهر في الأحلام مثل عثيون الذي يعبث بمنامات الناس. وقد تتخصص فى خطف الأطفال كأم الصبيان وبعير بو خريطة والهامّة وبو سولع. نقرأ فى الموسوعة عن كائنات تظهر في البحر مثل شنق بن عنق، أو تعترض السفن مثل خطاف رفاي الذي يظهر في شكل شراع. وقد تتشكل فى صورة امرأة جميلة تغوي الرجال كأم الدويس. وقد تتطفل على البيوت وتحسد الناس كأم الهيلان العجوز الحاسدة قبيحة الخلقة. وقد نشاهد كائنات تخصصت فى اللعب بالناس واللهو بمشاعرهم كجني المريجة. أو تؤذي البشر مثل روعان الذى كان بحاراً ماهراً ثم أخذ يعترض الناس دون إرادة منه.. كائنات قد تظهر عندما يكون القمر بدراً مثل «بو راس» المستذئب الذى يصارع من يقابله فى خفة لا تتناسب مع حجمه. ومنها ما يظهر فى جميع الأوقات وفى الأماكن الآهلة بالسكان. كائنات قد تظهر مبتورة اليدين مثل بابا درياه الذي يخيف البحارة.. وقد تتشكل الكائنات فى صورة حيوان كالبعير الذي ذبح ولم تخرج روحه مع رأسه المقطوعة فظل هكذا. وقد تكون نخلة «كأم كربة وليفة» النخلة القبيحة التي تلبسها الجن لتؤذي بها الناس وتعذبهم. وقد يكون طائرا كأم رخيش الطائر الضخم الذي ينذر وجوده بالخراب والدمار. وهناك كائنات خرافية لطيفة تصاحب الناس مثل «جني الرقاص» الذي لا يعمل إلا إذا أقيمت له الاحتفالات والأغاني. و«سويدا خصف» التي تظهر في شكل تمرة سوداء محفوظة في خصف. وقد ترتبط الكائنات الخرافية ارتباطًا وثيقًا بالبشر «كحصة وعيالها» الجنية التي يعرف سرها عبد الله الرجل الغريب الغامض صاحب العلم الباطني. يقدم المؤلف بلغته المميزة هذه الكائنات الخرافية، وكأنه يوجه دعوة مباشرة للمبدعين فى الأدب والفن والسينما لأن يستلهموا منها ما يشاءون من موضوعات. وقدمت الموسوعة تصورًا تشكيليًا للكائنات الخرافية من خلال تنفيذ الكتاب على الرسم، إذ استعان المؤلف بأربعة رسامين اعتمدوا على قراءة المأثورات حول هذه الكائنات وأطلقوا العنان في رسمها بالألوان، وهو جهد يُضاف للموسوعة. كما قدم المؤلف ببليوجرافيا عربية مختارة حول الكائنات الخرافية. غير أن هناك العديد من الكائنات الخرافية التي كتب عنها المؤلف لم تُدرج بالموسوعة مثل: النعّايه (نادبة الموت)- العبد المزنجل (بو السلا سل)- الهامّه- سلامه و بناتها (غبة سلامه)- النغّاقه (البوم)- الضبّاحه (النمس)..إلخ. ولعل المؤلف مطالب بجهد مضاعف لجمع كل ما كتبه حول هذه الكائنات الخرافية لتشملها الموسوعة في الطبعة الثانية.

نماذج من الحكايات الشعبية الجزائرية

صدر عن دار موفم للنشر عام 2015 كتاب عبد الحميد بورايو المعنون «امحمد بن السلطان وقصص أخرى: نماذج من الحكايات الشعبية الجزائرية» في 154 صفحة في الحجم المتوسط، ويشير المؤلف إلى أنه حاول أن يقدم صورة أمينة لما يتداول بالمجتمع الجزائري التقليدي من روايات قصصية كانت تمثل زادًا يوميًا يتلقاه الصغار والكبار ويؤدونه بشغف، فما تزال الذاكرة الشعبية تحتفظ بذكرى الجلسات المسائية في الأحواش أيام الصيف، وحول كوانين النار في ليالي الشتاء الباردة، يوم أن كانت رواية الحكايات والأحاجي تمثل مؤسسة ثقافية، تقوم بوظيفة تلبية الاحتياجات النفسية لأفراد المجتمع، وتزودهم بالمعارف والقيم الخلقية والاجتماعية، وبفلسفة الحياة، وتحكم سدى التماسك الجمعي، وتهبهم المتعة وحرية الانطلاق في عوالم الخيال. وقد تمت صياغة جزء من هذه المجموعة بالعربية المبسطة، مع الاحتفاظ ببعض المفردات والعبارات والصيغ النمطية، التي تمثل ملمحًا ثابتًا في رواياتها الأصلية بالعربية الدارجة، كما تمت ترجمة نصوص رويت باللغة الأمازيغية، في اللهجة القبلية، نظرًا لسعة استخدام هذه اللهجة في مناطق الوسط الجزائري الشمالي ذات الكثافة السكانية العالية.

ويشكو بورايو من عدم وجود أرشيف وطني للماثورات الشعبية الجزائرية حتى يتمكن من الاستعانة بمجموعة من الحكايات تكون أكثر تمثيلاً لمختلف الأوساط واللهجات، مما اضطره إلى الاكتفاء بما جمعه ميدانيًا، فضلاً عما تحصل عليه من طلبته في جامعة تيزي وزو الذين أهدى لهم كتابه. ومن ثم فإن مجموعة الحكايات بالكتاب هي نصوص أصلية لم يسبق نشرها، وقد غلب عليها النوع الخرافي، لما يتمتع به هذا اللون من القصص من سعة الخيال وإحكام البناء والتقاليد الفنية الراسخة، سواء في طقوس الأداء أو في أساليب الإنشاء والصيغ. ويسمي المجتمع الجزائري الحكاية الشعبية التي يغلب عليها الطابع الخرافي: «حُجاية» و«مْحجاية» و«خُرافة» و«خريفية» و«حكاية» وبالأمازيغية «أما شَهُوس»، يحرم تداولها نهارًا، ويُعتقد أن من يفعل ذلك يتعرض للأذى في نفسه أو في أولاده أو في أحفاده. يصحب أداءها صيغ افتتاح واختتام معينة، ومواقف حوارية بين الراوي والمستمعين وتنغيمات لبعض مقاطعها، وتحمل طابعا طقوسيًا، ويحظى حملتها بالاحترام والتبجيل.

وتمثل غالبية القصص المقدمة شكل الحكاية الخرافية ذات البناء التقليدي القائم على مسار سردي خطي شبه ثابت، فيكشف في البداية عن ضرر ما أو إساءة لحقت بأحد أفراد الأسرة أو بالأسرة جمعاء، أو عن رغبة في الحصول على شيء ما. يخرج البطل من نفسه أو مُكلفًا من طرف الأب، وتبدأ المغامرة إذ يلتقي بالمانح الذي يختبره ويقدم له الأداة السحرية والمعلومات اللازمة لمتابعة الطريق واجتياز الموانع. تسمح له هذه المساعدة بولوج العوالم المجهولة والحصول على الشيء المرغوب، والقضاء على المعتدي والتربص به. تاتي بعد ذلك مرحلة العودة، حيث يظهر الصراع الثنائي بين البطل ومن يتابعه من الخصوم والحساد، الذين يضعون في طريق عودته شتى العقبات ويتمكن من اجتيازها. ويؤدي جميع المهمات المعروضة عليه، وينجح في الاختبارات ويعود متنكرًا أو في هيئة لا تسمح لأهله بالتعرف عليه، وتنتهي الحكاية بواقعة التعرف على البطل من خلال اختباره والتأكد من قدراته البطولية، ويتجلى في أبهى صوره وينال المكافأة والزوجة الحسناء وتاج الملك.

ويؤكد بورايو على أنه قد يتضاعف المسار نفسه في حكاية واحدة، وقد يتم اختزال بعض المراحل والاكتفاء بإشارة خفيفة إليها بدون تفصيل، ويميز في هذا الشكل من الحكايات نوعين من البطولة، الأول: البطل الفاعل المتسم بالإيجابية والذي يخوض المغامرة ويعبر إلى المجهول من أجل اكتساب المعرفة والخبرة، ويتميز هذا البطل بروح المبادرة والتحلي بالقوة المعنوية، وقد وصفها المؤلف بعبارة «انبجاسات: انبثاق البطولة الخارقة»، ونجد مثل هذا البطل في حكايات: امحمد بن السلطان- الملقى بدينار- الأخوان علي وعلي- امحند ادخوخني- محذوق وحروش مع الغولة- الطفل العجيب و«واغزن».

أما النوع الثاني من البطولة فيمثلها «البطل الضحية» وهو عادة امرأة تتعرض في بداية القصة للطرد أو للتشويه السحري، وتحكي القصة معاناتها، وتنتهي باكتشاف حقيقتها بعد أن تتدخل قوة بشرية أو خارقة لإنقاذها، وتتميز البطلة في مثل هذه الحكايات بالحسن وبالصفات المعنوية الخارقة للعادة والباعثة على الدهشة، وكذلك بالقدرة على الصبر وتحمل الآلام وبالامتلاء الأخلاقي. ويضعها المؤلف تحت عنوان: «تحولات: تجليات الأنوثة المغتصبة»، ونعثر على أمثلة هذا النوع من البطولات في حكايات: بقرة اليتامى- دلالة- لونجة بنت أمي- عشية خضّار- الطفلة المسحورة- طرنجه- حب سليمان- حبحب رمان وأمه عيشة- الفتاة فائقة الجمال.

وتعتمد حكايات أخرى مثل: سلاك الحرير من السدراية- سكري يا سكرة وافتحي يا سكرة- بو كريشة- الفليق والزيتوني- محب السلطان قباض الغزلان في الصحاري- آعمر الآتان- مفسرة الألغاز- وحش الجبال وحور العين بلالة. على عرض سلسلة من المغامرات الفردية التي يقوم بها البطل في مواجهة قوة شريرة ذات طبيعة بشرية أو حيوانية أو من العالم الخرافي، يتمتع هنا البطل بذكاء خاص ومرونة كبيرة في مواجهة المواقف الصعبة، ويعتمد أساسًا على قدراته الذاتية، العقلية أو الجسمية ذات الطبيعة الحيوانية. وهذه الحكايات تبدو أكثر واقعية رغم اعتمادها على العناصر الخرافية، كما تبدو أكثر احتفالاً بالقدرات الإنسانية والفردية، وترمي إلى تمجيد الإنسان، وقد عنونها المؤلف في فصل مستقل باسم: «إنجازات: انتصارات البطولة البشرية». وقد ضمن المؤلف كتابه نماذج مفردة للقصص التفسيري والقصص الوعظي، أطلق عليها عنوان «مصائر: قدر الإنسان» وشملت حكايتين فقط الأولى بعنوان «سلف العجائز أو برد العجوزة» والتي تمت بصلة وثيقة للأسطورة التفسيرية، يتداولها سكان المناطق الجبلية للأطلس التلى الأوسط، يفسرون من خلالها تفسيرًا ميثولوجيًا ظاهرة عودة البرد القارص في بداية شهر مارس، بعد أن تكون برودة الشتاء قد بدأت تخف في نهاية شهر فبراير، وبدأ المناخ يعتدل تمهيدًا لدخول فصل الربيع. أما الحكاية الثانية فحملت عنوان «راشدة» وهي ذات غرض ديني وعظي تقوم على تصوير فكرة قوانين خفية تحكم الكون، وتتجاوز إدراك الإنسان، ولا يستطيع فهمها إلا عن طريق الاعتراف بمحدودية إدراكه، وردها إلى إعجاز القدرة الماورائية. وعلى هذا النحو استطاع بورايو تقديم مجموعة من الحكايات الخرافية بالمجتمع الجزائري بلغت خمس وعشرين حكاية، قام بتوثيقها زمنيًا ومكانيًا مع تسجيل بيانات راوي الحكاية والجامع وكذا مترجم النص من الأمازيغية للعربية، فضلاً عن شرحه للمفردات المستغلقة على القارئ، وهو عمل يعد خطوة مهمة في بحث الحكاية الشعبية العربية.

الموتيف في الأدب الشعبي والفردي

في إطار إصدارات الأدب الشعبي يطالعنا كتاب مهم بعنوان «الموتيف في الأدب الشعبي والفردي» لمؤلفه سليمان العطار، الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2012 في 264 صفحة في الحجم المتوسط. وتعود أهمية هذا الكتاب كونه لا يقتصر على النواحي النظرية في شرح مفهوم «الموتيف» بل إنه قدم لنا المفهوم في إطار تطبيقاته العملية في الفنون عامة والأدب العربي والشعبي بصفة خاصة. إذ يقدم العطار في القسم الأول من كتابه توثيقُا نظريُا حول الموتيف وتعريفه وتجلياته في عدد من الأجناس الأدبية. أما الدرس التطبيقي فإنه يتسم بالتنوع، بمعنى أنه يسعى إلى إمكانية توسيع دائرة استخدام هذا المنهج المقترح، لكي يشمل إلى جانب تطبيقه في مجال الأدب الشعبي- ذلك المجال الأساس الذي ارتبط به الموتيف- إمكانية تطبيقه في عدد من الأجناس الأدبية وغير الأدبية الأخرى.

والموتيف Motif مصطلح له أهمية في مجال دراسة الأدب الشعبي وكان أول من استخدمه عالم الفولكلور الأمريكي ستيف طومسون في بدايات القرن العشرين في معجم الموتيفات في الأدب الشعبي «1932» ثم في كتابه الحكاية الشعبية «1946» وكان طومسون يستهدف من خلال الموتيف - إيجاد محاولة- لتصنيف الحكايات الشعبية العالمية وهي محاولة تعد بمثابة استكمال أو تطوير لما انتهي إليه عالم الفولكلور الفنلندي آنتي آرني في تصنيفه المشهور الذي ارتبط باسمه والذي مثّله الكتاب الذي يحمل عنوانه The Type Index of Folktales 1910 الذي يقوم علي تصنيف الحكايات علي أساس النمط .Type أما طومسون فانه أقام كل تصنيفه على أساس الموتيف وتتبع تكراراته في الحكايات الشعبية.

ويشير العطار إلى أن مصطلح الموتيف موقف نمطي مكثف في بنية السطحية يترجم في العمل إلي عدد كبير من العناصر السردية تتعالق رأسياً وأفقياً لتشكيل بنية عميقة، فهي تتحول خطياً، وهذا الموقف النمطي له ملامح خارجية وداخلية محدودة تتميز بقدر كبير من الثبات ولفهمها جيداً يمكن اعتبار الموتيف دالاً وبينه لتحقيق مدلول. ومن ثم فقد انتقل «الموتيف» إلى التصوير والموسيقى والمعمار والزخرفة، إذ إنه في التصوير، يقصد بكلمة «موتيفة» اللون أو الرسم المفرد أو المتكرر، ويقصد بها القطع المتكررة في المعمار والزخرفة، كما تستخدم في المناظر الطبيعية، ويقصد بها القطاع من المنظر الذي تدركه العين في لقطة من عملية الإبصار. كما تمثل الموتيفة في الموسيقى، الموضوع الرئيسي للعمل الموسيقي أو ما يمكن أن نحدّده بأنه تتابع مميز للأصوات. ويرى المؤلف مصطلح «الحرّيك» لمقابلة «موتيف» في العربية؛ لأن الحريك كلمة ترمز إلى إمكانية التشكل والحركة، وهو ما يحدث للموتيفة إذا انصرفت عن تجردها بانتمائها إلى عمل تتشكل فيه وتتحرك. وتشير الدراسات المتقدمة في الأساطير والحكايات عند الشعوب المختلفة، أن التشابهات بين هذه المنتجات الأدبية الشعبية، لا تقف عند حد الملامح المحدودة المشتركة، وإنما تتجاوز ذلك إلى تشابه في المواقف والشخوص والأطر العامة. وكذلك في الأدب الحديث، يمكن البحث عن الموتيفة التي تبرز عند الكاتب المعين أو الكتاب المعينين، وذلك لمعرفة جذورها وتجلياتها المختلفة في تطورات تصب في الحاضر. أما «الشعر» فإن الموتيفة قد لا تكون واضحة شأن الأجناس الأدبية الأخرى، ويعود ذلك- كما يشير العطار إلى تقاعص الدارسين عن تقصي التجليات الشعرية.

وفي الجانب التطبيقي للكتاب يقدم المؤلف نماذج تطبيقية بحثًا عن الموتيفة في مجموعة من الأعمال الأدبية وهي: أوبريت «العشرة الطيبة» الممصر على يد محمد تيمور، حيث يرى أن الموتيفة المركزية في هذا العمل هي الزواج من ابنة الأمير. إذ يصبح أسلوب تنفيذ موتيفة الزواج من ابنة الأمير هو أسلوب الحكاية الشعبية في تمصير عمل فرنسي، وهذا هو الواقع الفني الذي ينبثق عن الواقع الثقافي أمام تيمور في «العشرة الطيبة». ثم يبحث العطار عن الموتيفة في مسرحية «إجازة» لفيليب باري التي قام بترجمتها عبد السلام شحاتة ضمن سلسلة المسرح العلمي عام 1966، حيث تبرز أمام الكاتب أيضُا موتيفة الزواج من ابنة الأمير، والأمير في المجتمع الأمريكي هو الرأسمالي الشاسع الثراء والاستغلال، والشاب الصغير الذي يملأ قلب الفتاة الشابة حبًا هو محام يقع على المحيط البعيد للطبقة البرجوازية. وفي سيرة الزير سالم يشير العطار إلى أن الملحمة تشترك مع الحكاية الشعبية في ضرورة وجود الراوي وجمهور المتلقين ولكنها تختلف في طبيعة الأداء والتلقي، ان الراوي في الملحمة لا يعتمد علي امكانيات النص بقدر ما يعتمد علي قدراته التمثيلية أثناء الأداء وهي قدرات مكملة للنص ويعد النص بدونها ناقصاً الحدث الرئيسي الذي يبدأ متأخراً في الملحمة ثم لا يلبث أن يدخل في حلقة مفرغة ينتهي دورانها بموت البطل- على الأقل في السير الشعبية العربية وفي معظم الملاحم دون أن تنتهي الملحمة إلا بجيل يمثل صورة باهتة للحلقة المفرغة السابقة ومن ثم تحتاج الملحمة إلى استقلال لمراحلها ثم إلي استقلال المشاهد كل مرحلة حتى يصبح عمل المؤدي ممكناً في تقديم الملحمة في حلقات كل حلقة تمثل كياناً يمكن أن يقدم بنفسه في الوقت الذي تعددت فيه دور الوصلة تبين حلقة سابقة وأخري لاحقة، وبذلك تؤدي كل حلقة بهذا الشكل وظيفة الموتيفة داخل الحكاية الشعبية، كما أنها في حد ذاتها حدث أو أحدوثة صغيرة تحتاج لشيء من التمثيل في أدائها وهو تمثيل لايقرب الملحمة من المسرح ولكن يحل محل الوصف في الرواية. وفي رواية مائة عام من الوحدة، تكشف رحلة البحث عن الموتيف تجليات مختلفة لإطار موتيفي واحد يشير إلي دورة الحياة البيولوجية وما دام الإنسان كائناً بيولوجياً متميزاً فان هذه الدورة تتغير اجتماعيًا وتاريخيًا. ويختم العطار كتابه بالإشارة إلى أن جماع هذه الدراسة حول «الموتيفة» يقدم بدايات محاولة جادة نحو منهج نقدي جديد يحاول أن يحل إشكالاً ويستثمر تقدم النقد.

لهجتنا حاضر وماضي

وقع بين أيدينا كتاب يحمل عنوان «لهجتنا حاضر وماضي» إصدار 2004 في طبعته الأولى بالرياض للكاتبة مشاعل عبد الله العيسى. والكتاب 173 صفحة من القطع المتوسط، مرتب هجائيًا، دون مقدمة تشرح المنهج أو الإطار الموضوعي له، غير أن هناك فقرة في البداية سجلتها المؤلفة تشير إلى أن الكتاب اشتمل على شرح وتفسير لمعاني بعض الكلمات الشائعة في لهجة المملكة العربية السعودية، من أجل توضيح معانيها المستغلقة على الجمهور العام، وتُضيف مشاعل بأن اللهجة كنز لا يجب أن نفرط فيه ولا نتركه لعوامل الزمن تخفي بعضه أو تغير الآخر. والكتاب على هذا النحو يحتوي ما يقرب من 1200 مفردة، تم عرضها بكلمات قليلة وشديدة البساطة، بدأ بمفردة «إحفالة» وهي تسمية لما يُقدم من الهدايا للعروس. وانتهى بمادة «يبزى» أي يحتفظ بالشيئ. وما بين المفردتين مئات المفردات التي عُرضت بنفس الطريقة: فكلمة «أطخم» تُطلق على الشخص الجميل والمرأة الجميلة يُقال لها أطخما، و«بردحة» تُطلق على طريقة تثبيت مادة الزري على المشالح الرجالية، و«تنور» حفرة صغيرة في المنزل لصنع الخبز، و«جنبية» هي الخنجر الذي يستعمله بعض سكان جنوب الجزيرة واليمن وعمان، و«حنده» أي رقص وتمايل في رقصه وتشتهر الكلمة في نجد، و«الحصير» يُصنع يدويًا من سعف النخيل ويُستخدم مثل السجاد حاليًا، و«روشن» غرفة صغيرة في سطح المنزل، و«سحارة» صندوق من الخشب تُعبأ فيها الخضروات والفاكهة، و«ضعن» تسمية تُطلق على الإبل التي تُستخدم في السفر والترحال، و«قنازع» تُسمى عميبة أو جديلة وهي ظفائر شعر المرأة، و«مسيله» أكلة قديمة تُصنع من الدقيق وتشتهر بها أهل الجنوب.. وهكذا تم عرض جميع مفردات الكتاب بكلمات شديدة البساطة. ويبدو أن المؤلفة كان لديها الرغبة في تسجيل بعض الأمثال الشعبية وشرحها، غير أنها قدمت بعض الأمثلة (12 مثلاً فقط) وشرحها تحت عنوان «أمثلة متنوعة» بدأت بالمثل الشعبي «من باعنا بعناه لوكان غالي.. ومن باعنا بالرخص بعناه ببلاش»، ويُقال عندما يتكبر شخص على آخر، أو يبتعد عنه بدون سبب، ويتنازل عنه بسهولة. ومثل آخر: «الزين زين لو قام من النوم.. والشين شين لو كحل عيون»، وتشرح مشاعل المثل مشيرة إلى أنه يُقال للمقارنة بين الجمال الطبيعي والجمال المصطنع، فالجميل أو الجميلة لا يتغير حتى لو كان مستيقظًا من النوم، والقبيح حتى لو وضع جميع أنواع الزينة فإنه لا يتغير.. والكتاب بهذه المعلومات من نوع الإصدارات المقدمة للجمهور العام، دون تفاصيل البحث الأكاديميي المعتاد، وهو أمر مهم في تقديم تراثنا الشعبي بأسلوب مبسط للجمهور.

الخصائص الفنية لأغنية البحر

في إطار بحثنا عن دراسات حول الموسيقى الشعبية، وهي قليلة جدًا مقارنة بمجالات التراث الشعبي الأخرى، نعرض هنا لكتاب «الخصائص الفنية لأغنية البحر في الكويت» لمؤلفه خالد علي القلاف، وقد صدر الكتاب بالكويت في 261 صفحة عام 2009 دون بيانات للناشر. ويشير المؤلف إلى أن سبب اختياره لهذا الموضوع هو إلقاء الضوء على الفنون البحرية في التراث الكويتي الممتزج بالحضارات المجاورة المطلة على الخليج العربي والمتصل بحضارة أفريقية والهند، لما يمثل موقع الكويت الجغرافي من أهمية تجارية واقتصادية بين تلك الحضارات والدول. فالتراث الغنائي بالكويت ممتزج بهذه الحضارات التي ارتادها الكويتيون في رحلات السفر الشراعي إلى الهند وأفريقيا. وهذا يتطلب توثيق عناصر هذا التراث الفني، والمحافظة على الأغاني المتصلة به لتصبح هذه الفنون من خلال تحقيقها ودراستها في متناول الكويتيين عامة والموسيقيين منهم خاصة. كما أن ندرة الدراسات حول أغاني البحر وأهمية توثيقها يأتي أيضًا في مقدمة اهتمام المؤلف الذي يرى أن الأبحاث السابقة تناولت أغاني البحر في إطارها الوصفي والتاريخي، ولم تتناول الجانب الموسيقي الفني الغنائي والإيقاعي بالدراسة والتحليل، على أن التناول نفسه لا يكاد يعدو صفحات في مجلات، أو فصولاً قصيرة في بعض الدراسات الأكاديمية، حيث يُعد هذا النوع من الدراسات- مع قيمته العلمية التي أفاد منها الباحث- غير مستوف جوانب الموضوع. ومن ثم فقد كان من أهداف البحث جمع أغاني البحر وتوثيقها، وتصنيف عناصرها الموسيقية وتقديمها تقديمُا علميُا للبحث المعاصر.

وارتبط منهج المؤلف باستخدم أساليب الجمع الميداني للتراث الشعبي من مقابلات للإخباريين سواء «النهامين» أي المغنين على السفينة، أو العازفين أو الدارسين، وقد واجه المؤلف العديد من الصعوبات في هذا الإطار. أما التحديد الزمني للدراسة فقد بدأ من النصف الأول للقرن التاسع عشر حتى نهاية القرن العشرين، أما التحديد المكاني فهو دولة الكويت. ويقوم البحث هنا على المنهج الوصفي التحليلي، وذلك من خلال الاعتماد على مسجلات صوتية لأغاني الفنون البحرية المستخدمة في البحث، ثم القيام بتحليلها ودراستها من المنظور الأكاديمي للموسيقى والأغاني، كما لم يغفل المؤلف إبداء الرأي تجاه ما تتناوله من قضايا ومعالجات.

تناول القلاف في البداية موضوع «القوالب الغنائية الشعبية» وخصائصها وسيطرة اللهجة العامية التي يعدها المؤلف من خصائص الغناء الشعبي حيث هيمنة اللهجة المحلية التي تعكس الطابع البيئي الذي نبعت منه الأغنية، ثم يستعرض شفاهية انتقال الغناء الشعبي من جيل إلى جيل، ومجهولية المؤلف والتاريخ. كما أشار إلى تعبير الغناء الشعبي عن فلسفة الناس وطباعهم، وعملية الإبداع في قوالب الغناء الشعبي، واهتمام دولة الكويت بالتراث الشعبي من خلال فرقة التليفزيون التي أصبحت رمزًا للأداء التراثي، وكذا إنشاء المعاهد الفنية الموسيقية لتأهيل جيل أكاديمي يتفهم تراثه الشعبي ويحافظ عليه ويطوره بأسلوب علمي متقن. ثم يخصص المؤلف مبحثًا من كتابه لدراسة الخاصية الأدبية في نصوص الأغاني الشعبية التي قام بجمعها، حيث قام بتسجيل النص الغنائي كاملاً مستعرضًا لمعاني المفردات غير المفهومة، ثم تناول كل بيت أو مجموعة أبيات على حدة، مع وقوفه على ما تحمله الأبيات من تصوير وأفكار والموسيقى الشعرية متمثلة في الوزن والقافية، مع التعليل قدر الإمكان لسبب اختيار كل منهما. وقد وقع اختيار المؤلف على ستة عشر أغنية معروفة في البيئات الشعبية منها:

دع بالسلام.

دن البلم.

غزال الروم.

راعي الزميل.

مقوى على الفرقة.

يا الله.

مدوا السواعد.

أنا الآتي

حلمك على حملك.

امسكت مغلقة المحار.

يا زين روض الوفا.

أول ما نبدي.

نظر الوجه الحسين.

عيني على اللي.

يادينك دنيا.

صلوا على النبي.

ومن الأغاني هذا النص «غزال الروم» الذي يقول:

ألا يا غزال الروم

ألا روفوا بحالي

ألا والغريب مالوم

يا مسافر بلادي

ألا بيتها يا خال

ألا من ورا الشخال

جد حملوا الأبغال

ألا وابعدو عني

ثم ينتقل القلاف لبحث الخاصية الإيقاعية لأغنية البحر الكويتية، مؤكدًا على بروز اهتمام علماء الحضارة الإسلامية بالخاصية الإيقاعية، في تدوين التراث الموسيقي العربي وتبيان أصوله وتدوينه، في إطار منهجية اعتمدت على رموز التقطيع اللفظي وقياس أطوال الألفاظ النغمية وأبعادها، كما فعل الفارابي وغيره من العلماء. فيعرض للخاصية الإيقاعية المرتبطة باللسان عند ابن سينا، والخاصية الإيقاعية عند الأرموي، ثم ينتقل بنا إلى مفاهيم الغناء الشعبي في دولة الكويت من حيث الكلمة والإيقاع واللحن والأداء. وكذا خصائص أوزان الشعر الشعبي الكويتي والغناء العاطفي، من خلال التحليل الموسيقي باستخدام النوتة الموسيقية. ثم يعرج المؤلف لبحث الآلات والأشكال الإيقاعية والضروب للفنون الكويتية، والتي قسمها إلى آلات إيقاعية ذات غشاء مصوت، ومنها: آلات الطرق المنغمة وآلات الطرق الموقعة، والآلات الإيقاعية. ثم الآلات الإيقاعية المستخدمة في أغاني البحر كالطبل البحري الكبير وأنواعه، وآلات: المرواس- الجحلة- الهاون- الطار- الطويسات. وقد وثقها الباحث بالكلمة والصورة والشكل الإيقاعي. ثم ينتقل بنا إلى الأشكال الإيقاعية المصاحبة لفنون البحر الكويتية، ومنها: إيقاع الحدادي- إيقاع الياملي- إيقاع الدواري- إيقاع العدساني- إيقاع الحدادي الحساوي- إيقاع الحدادي المخالف- إيقاع الشبيشي.

ثم يصل المؤلف لمحطته قبل الأخيرة ليبحث في الألوان المختلفة لأغاني البحر الكويتية وقوالبها كأغاني العمل وأغاني الترفيه والسمر، لينتهي بتقديم نماذج تحليلية للأغاني البحرية الكويتية، من خلال كتابة بطاقة تعريفية لكل أغنية، والنص الشعري مصحوبًا بشروحات، ثم التدوين الموسيقي لكل نص مع تقطيع الكلمات على النوتة الموسيقية، وأخيرًا تحليل الأغنية تحليلاً موسيقيًا كاملاً. وهو جهد توثيقي يحسب للقلاف في هذا العمل المهم.

أعداد المجلة