فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
44

الزخرفة في الزرابي التونسية على المستوى الشكلي

العدد 44 - ثقافة مادية
الزخرفة في الزرابي التونسية  على المستوى الشكلي
كاتبة من تونس

تُعتبر صناعة الزربية ذات النسيج المحفوف أو الزربية ذات الوبْر القائم من أهمّ الفنون التطبيقية فهي عمل يدوي ناتج عن خيوط متشابكة تفرز بالتقائها زخرفا وألوانا مجسّدة لأغلب العناصر المادية واللاماديّة المحيطة بالإنسان. ويتجسد هذا الزخرف حسب مفردات تشكيلية تتكرر وتتماثل وهي ذات تنوع وانسجام بين الألوان فتتوازن مع مفردات أخرى مطابقة لها أو مناقضة لـتؤسس وحدة كاملة تزين شريطا أو تؤثث ركنية أو إطارا. وتعتبر الزخرفة من أهمّ الفنون التشكيلية التي تكتسب من خلالها وعبرها معظم المنتجات الحرفية قيماً جمالية ونفعية، و«الوحدة الزخرفية هي الأساس المكون للتصميم ويمكن تعريفها بالفراغ المحصور بين خط متلاق أو أكثر، تبعاً لنوعها وكل الأشكال التي يصلح استخدامها في الزخرفة ويمكن تقسيمها إلى نوعين: وحدات زخرفية هندسية ووحدات زخرفية طبيعية»1. لا يمكن الجزم بعدد أنواع الزخارف أو المدارس المنتمية إليها ولكن سوف نحاول التطرق لتاريخ الزخرفة والتأثيرات الحضارية والثقافية والإيديولوجية التي مرّت بها في البلاد التونسية ومدى تفاعلها مع محيطها المحلّي والمتوسّطي والعالمي.

لقد حاولنا الاطلاع على أكثر ما يمكن من الكتب والمراجع التي تطرّقت لمواضيع الزخرفة وما يتعلق بها من الناحية التاريخية، ولأسس بنائها وتطوّرها، وسوف نذكر أهمّها: كتاب «قواعد الزخرف»لوين جونز، كتاب «الزخرفة المتعددة الألوان» لراسينيه، كتاب «الزخرفة عبر التاريخ» لو.ج أودزلي، وكتاب «المشهور في فنون الزخرفة عبر العصور» لمحي الدين طالو.

و بما أنّ البلاد التونسية قد شهدت مرور العديد من الحضارات الكبرى والعريقة مند القدم بدءا من القبصيّين والقرطاجيين ثم الرومان والوندال والبيزنطيين ووصولا إلى الحضارة الإسلامية التي نشأت بتونس (إفريقيّة) خاصة مع الدولة الأغلبية وتواصلت إلى الحكم العثماني بل هي تتواصل إلى اليوم. حينئذ، وضعت كلّ هذه الأمم بصماتها من فن وشعر وعمارة الخ. ولو أنّه كان من الصعب الحكم القطعي على أحداث العصر القديم وتأريخه، فإنّ الحفريّات وظهور علم الآثار قد بدأ يساعد في فكّ رموز الإنسان القديم واستخراج كلّ ما يتعلق به من التوقعات والنظريات إلى الجزم ليس بصفة قاطعة ولا رجوع فيها ولكن بعض قطع. الحياة القديمة بدأت في التلاحم والتشكل لتعطي مشهدا وإن لم يكن مكتملا لكنّه يساعد في فهم التراكمات الحضارية وتفسير تداخلها وتلاقيها مع حضارات إنسانية أخرى في أصقاع العالم البعيد.

وقد كانت الزخرفة شاهدا على الحضارات وركيزة من ركائز الفن لتنوع المحامل التي تتجول فيها باختلاف الأرضيّة التي تتشكل فوقها سواء كانت بناءا أو نسيجا أو خزفا أو معدنا أي سواء كانت محملا صلبا أو ليّنا أو رخوا فقد كانت تخضع لمبادئ فنية وأسس بنائية تشكلت وانصهرت منذ القدم لتظهر داخل تيارات ومدارس فنية حديثا. فالرسم والبناء التشكيلي ظهرا على الكهوف مع الإنسان الأول. أمّا في البلاد التونسية فقد ذكر الدكتور محمد حسين فنطر في كتابه الحرف والصورة في عالم قرطاج أنّ الإنسان التونسي قد اكتسب المهارات الفنية مند القديم حيث «بيّنت الأبحاث أنّ للرسم وجودا في مختلف بقاع العالم البوني. فكان البونيّون يولون الصورة واللون عناية واعتبارا. فعلى سبيل المثال، تمّت معاينة رسوم في أوشاز كانت تُهيّأ قبورا عند اللوبيين وتُعرف تلك القبور المنقورة في الجرف وفي أضلع بعض الهضاب»2.

يعرّف ابن منظور الزخرف كما يلي: «الزينة. ابن سيده: الزخرف الذهب هذا الأصل، ثم سميت كل زينة زخرفا. وبيت مزخرف وزخرف البيت زخرفة: زيّنه وأكمله وكلّ ما زوّق وزيّن فقد زخرف. والزخرف في اللغة الزينة وكمال حسن الشيء. والمزخرف: المزيّن والتزخرف التزيّن. والزخارف ما زيّن من السفن والزخرف: زينة النبات»3. أمّا المعجم الوسيط فيعرّف الزخرفة لغويّاً بقوله: «الزُخْرُف: الذهب. والزينة وكمال حُسن الشيء. وزُخرف الأرض: ألوان نباتها. وزخرف البيت: متاعه. وزُخرف القول: حُسْنُه بتزيين الكذب. الزخرفة: فنّ تزيين الأشياء بالنقش أو التطريز أو التطعيم وغير ذلك»4.

وتعتبر الطبيعة وما فيها من مرئيات أساساً لكل زخرفة صحيحة، فهي وحي الفنان ومصدر إلهامه وخياله، ومنها يستمد أسسها ونظمها وعناصر تكويناته.

ويعرّفه عاصم محمد رزق في معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية كما يلي: «زخرف الشيء زيّنه ونمّقه، وزخرف القول: حسّنه بالكذب، والزخرف -جمع زخارف- الذهب، وتمام الحسن، وكل مموّه مزوّر، و الزخرف من الأرض: ألوان نباتها، ومن الكلام: المرقش بالكذب، ومن الحشرات: جنس من نصفيات الأجنحة تعلو فوق الماء، ومن البيت: متاعه... والزخرفة: فن تزيين الأشياء بالنقش أو التطريز أو التطعيم ونحو ذلك. أمّا الزخارف في المصطلح الأثري الفنّي فهي النقوش التي يجمل بها البناء سواء كان في جص أو حجر أو رخام أو غيره، وقد حظيت هذه الزخارف في العمارة والفنون الإسلامية بعناية خاصة ومستمرة حتى بلغت شأوا كبيرا من الجودة والاتقان والتنوع»5.

وأخيرا، يعرّف سليمان محمود حسن الزخرفة بقوله: « من خلال المفردة الزخرفية وهي التي يعبّر عنها «بالموتيف» وهي كلمة شائعة الاستخدام في الفنون التشكيلية. وقد أطلق عليها البعض كلمة تعبير أو عنصر أو صيغة. ولعلّ أنسب التعريفات لهذه الدراسة هو الحركة الزخرفية التي يكون قوامها مفردة زخرفية محددة وهذه المفردة الزخرفية هي الخلية الأولى التي يتألف منها الكيان الزخرفي، وهذا الكيان الزخرفي يتأثر بطبيعة البنية أو التركيب الذي تتألف منه المنظومة الزخرفية. وهذا التركيب يخضع لنظام تكراري له ملامح محددة وله دلالة رمزية خاصة وقد يحافظ النظام التكراري على الدلالة أثناء عمليات الصياغة والزخرفة أو تختفي هذه الدلالة بفعل عمليات الاختزال والتقسيم والمجاورة»6.

لقد اعتمدنا في بحثنا عن تاريخ الزخرفة على عدة مراجع من أهمها «المشهور في فنون الزخرفة عبر العصور» لمحي الدين طالو،«الزخرفة في الفنون الاسلامية» لخالد حسين، «تاريخ الفن وأشهر الصور» لسلامة موسى، «الزخرفة عبر التاريخ» لو.ج أودزلي، «تراث الاسلام في الفنون الفرعية والتصوير والعمارة» لزكي محمد حسن.

يقول محي الدين طالو: «عندما ألحّت على الإنسان الأوّل حاجته إلى التجميل والزخرفة والتزيين، كان البديهي أن تكون الطبيعة مصدر وحيه وإلهامه، فاستوحى من بعض ما يحيط به من مشاهدها عناصره الزخرفية وزين بها كهفه ووشم جسمه، ولم يخطئ الفن طريقه حتى إلى الشعوب البدائية التي قطن أهلها المغاور والكهوف في كل قارة من قارات العالم، هذه الشعوب التي خلعت على سلعها وأدواتها وملابسها ومختلف حاجياتها شتّى ضروب الزخرفة والتزيين وقد قصدوا بها التجميل والتزويق. وتعاقبت على مرّ العصور حضارات مختلفة في معظم أرجاء العالم، واتخذت لها مظاهر متميزة ومتعددة، وتنوعت فنونها الزخرفية تبعا لبيئتها ومقوّماتها. فمنها ما نشأ هذا الفن عندها وليدا ابتكرته أذهانها وخلقته بيئتها، ومنها ما نشأ عندها ربيبا اقتبسته من جارات لها واحتضنته ورعته ليتماشى مع ذوقها وشعورها. واليوم فإن أظهر ما يميّز الأمم بعضها عن بعض فنونها الزخرفية التي دفعتها إليها حاجتها الاجتماعية ومستلزمات كيانها، فهي الوسيلة التي تنطق بحياة الأفراد وحياة المجتمع، لأنها تشمل كل دواعي الحياة، وتضفي معالمها على كل شيء. ففي كل بيت لها أثر، وفي كل غرض عليه منها مسحة، وحياة الإنسان كثيرة المطالب متشعبة الأهداف، والفنون الزخرفية تتغلغل في كل مطلب وتسري مع كل هدف مما يضفي على حياتنا الشعور بالراحة والبهجة والسرور، وتبعث في نفوسنا النشوة والغبطة والرغبة في تذوق الجمال»7. أما سلامة موسى فيعتقد بأنّ الفن الإسلامي قد سار في ثلاثة اتجاهات: الأول، الزخارف الهندسية المتقابلة من أقواس وخطوط تتقابل فترتاح العين إلى شكلها الهندسي. والثاني، الزخارف التي تعود في الأصل إلى «باعث» من رسم حيوان أو نبات يعمد الرسام إليه فيطيل في بعض أعضائه. ثم يجعله يتقابل مع شكل آخر لا يختلف معه فيحصل على شكل هندسي يمتاز عن الزخارف الهندسية المحضة. أما النوع الثالث، لمّا رأى المسلمون ضيق الميدان الذي يمكنهم أن يستخدموا فيه مواهبهم الفنية اضطرّوا إلى أن يجعلوا من الخط العربي فنّا، فزيّنوه وزخرفوه حتى صار له جمال خاص8.

مكونات الزخرفة

«إنّ جدار البناء ونسيج النسّاج، وهما من أقدم الصناعات التي عرفتها الإنسانية، يخضعان دائما إلى مفهوم المفردة بما توحي للصانع بمبدأ عمله والمنطلق الذي يطبقه في فسيفسائه وإبداعاته الفنية بأشكالها وألوانها. فالنسيج ليس الخيط بل هو الخيط مكرّرا بطريقة «مفرديّة» التركيب، وحتى التغيّر طارئ في مستوى أجزائه محدّد بالتغايير في تطوّر مختلف أقسامه»9. إذن تعتمد الزخرفة في المنسوجات عامة في تركيبها وتشكّلها على «الشبكيّة» وذلك بالتقاء الخطوط الطوليّة مع الخطوط العرضيّة. إذا تٌوّج هذا الالتقاء بعقدة (في الزربية ذات الوبر القائم) فيمكن تأويله إلى نقطة أو «مفردة» وإذا تٌوّج بخيط صوفي على طول المنسج (في الزربية ذات النسيج المحفوف) فيمكن تأويله إلى خط.

1 - الشكل الزخرفي البسيط:

النقطة:

تشكل النقطة أبسط اختزال للوحدة الزخرفية، ويمكن تمثيلها في المنسوج بالعقدة. كما يمكن تطويعها وتشكيلها هندسيّا لتفرز تعبيرا كدوائر أو مربعات.

الخط:

يُعتبر تنوّع الخطوط من أبرز الخصائص التشكيليّة للمنسوج التونسي بصفة عامة، فتجده بشتّى أنواعه وتغيّراته يستقيم ويميل مع خيوط السداة وينحني ويتمايل مع خيوط اللحمة ليتواشج مع الخيوط المتجاورة له ويتنافر في تعامله مع الألوان. وهكذا، تبدأ حكايته مع منسوجة لينتهي بنهايته. ويمكن اعتبار منطلق الزخرفة عامة متمثّلا في أشكال هندسية مختلفة «وتتكوّن الزخارف الهندسية عامة من الخطوط بأنواعها المستقيمة والمائلة والمجدولة والمتكسرة والمتموجة والحلزونية والمتعرجة، ومن المربع والمستطيل والمعيّن والمثلّث والدائرة، ومن الأشكال السداسية والثمانية والمتعددة الأضلاع والأطباق النجميّة وغيرها»10.

الخط المستقيم:

الخط المستقيم نوعان خط مستقيم أفقي وخط مستقيم عمودي، ونجده خاصة في الزربية ذات النسيج المحفوف ويكون مستقيما بشكل أفقي أو عمودي ونجده سميكا ورفيعا فيكون في شكل شريط، كما يمكن أن يكون هو الحاضر الوحيد في المنسوج. أمّا في الزربيّة ذات الوبر القائم فيمكن أن يشكّلا بالتقائهما معا إطارا.

الخط المنكسر:

نجده في تكوين «الشكل الزخرف» في جميع أنواع الزرابي عامة و هو خط معوج يغير مسار تنّقله من نقطة إلى أخرى بشكل منتظم و مكرّر بشكل أفقي أو عمودي.

الخَطّ المُنْحَني:

نجد هذا النوع من الخطوط في الزرابي ذات الوبر القائم ويتجّلى بصفة واضحة في زخرف «إيدو في إيد خوه».

2 - الشكل الزخرفي المركّب:

هو عمليّة تركيب لأكثر من شكل زخرفي بسيط ليتحوّل إلى شكل زخرفي مركّب ومعقّد، وهو مجموعة وحدات زخرفيّة. وتُعدّ عمليّة حصرها مستحيلة. إذا ما اعتمدنا نقطة الالتقاء بين الخطوط الطوليّة والعرضيّة كنقطة انطلاق تكوين المفردة الزخرفيّة البسيطة (مربع) مثلا وعملية تقسيمه في كل الاتجاهات يمكن أن يكون إطلاقا الى عملية بناء «الزخرف المركّب» (أُنظر الرسم البياني رقم (2).

 

فالمثلّث، مثلا كمفردة أوّلية بسيطة، يصبح معيّنات ومسّدسا متوازي الأضلاع، أما إذا قمنا بتكرار عملية بنائه تشكيليا بالتدرج العددي مع تغيير اتجاهه يصبح «مفردة تشكيلية مركبة».

و«المفردة التشكيلية شكل بسيط يُنتج تكراره شبكةً من المفردات ويكون هذا التكرار حسب اتجاه أو اتجاهين أو عدة اتجاهات»11. وقد تتولّد وتتنوع التركيبات لتتشكّل في وحدة زخرفية مركّبة (انظر الرسم عدد7). ولكن، يبدو أنّه مع تطوّر الفن عند الإنسان وتأطيره داخل معاهد وجامعات وظهور مدارس وتيارات فنية مختلفة، أثّر ذلك في الشكل العام للزخرف الذي أصبح مركّبا ومعقّدا أكثر، فقد يتجاوز عدد الأشكال المكوّنة للزخرف الواحد ال 30 عنصرا (انظر الرسم عدد4).

ونجد في المعجم الزخرفي للزربية التونسية عددا كبيرا من نماذج الزخرف المرّكب والمعقّد وذلك في جميع أنواع الزرابي، ولكن يبقى شكل «الحضرة» وهو زخرف رئيسي لوسط الحقل «الجامة» في الزربية الكلاسيكية القيروانية هو الأكثر تركيبا و تعقيدا.

3 -مبادئ الزخرفة:

لعلّ الناظر لأيّ قطعة منسوج عامّة يستنتج عدّة خصائص في عملية بنائها مثل مبادئ «التكرار» و»التناظر» و «التطابق» و «التضاد» لرسم الشكل الزخرفي الواحد أو للوحدة بأكملها، وأخيرا لجزء يمثل ربع المنسوج أو نصفه. وتشغل النسّاجة منسوجها بثنائيّات الكتلة والفراغ من خلال سيطرة الخط والتشابكات الزخرفية التي تتوالى وتتكرّر ضمن إيقاع متناسق ومتناغم في مساحة معيّنة. وبالمقابل، نجد سيطرة فراغية صامتة في مجال آخر، مثال: شريط كليم مصمّت وشريط آخر مزخرف. فعبر التواشج بين خيوط النسيج، تنبجس المفردات بتنوّعها ضمن امتلاك التوازن والتركيب. وتحيلنا هذه الحالة الإيقاعية المتناسقة والمتتابعة إلى ما لا نهاية له في تواصل للوحدات الزخرفيّة إلى استخلاص دلالات الوجود السرمدي الإلهي في الحضارات الإنسانية بعمومها، ذلك «أنّ المفردة على صفتها المفردة لا تتفق مع ما يمكن أن تولّده من توافقات وتفاعلات بالفعل الممارس عليها واللون المصبغ على تنسيقاتها: تكرار منتظم، تكرار غير منتظم، توافق، تماثل شكلي وتناقض لونيّ، تغّير، تتابع، تواتر، إيقاع وإمكانات تحوّل شكليّ ولونيّ لا متناه. حقائق انكشفت لنا لندرك بالذوق متعتها وتنفذ المفردة إلى الإبداع وتسجل حضورها المتجدد بعد أن سجلته عبر الحضارات المتعاقبة وكانت حقلا خصبا نهل منه العالم والفنان نهلا»12.

أ - التكرار:

تعتمد عملية بناء الفضاء المنسوج في مجملها على التكرار حيث يُكرَّر نسج الشكل عدة مرات لتكوين شريط أفقي أو عمودي أو لتأثيث ركن. ويعتبر الأستاذ محي الدين طالو التكرار «من أهم قواعد الزخرفة ويوجد بكثرة في الطبيعة. انظر مثلا إلى غصن شجرة ترى فيه الأوراق مصطفّة على جانبيه بنظام بديع تارة متبادلة وتارة متعاكسة»13. و تتعدد أنواع التكرار تبعا للتشكيل النسقي للوحدات الزخرفية في تجاورها وتعاقبها، ويقسّمها طالو إلى ثلاثة أنواع:

التكرار العادي: وفيه تتجاور الوحدات الزخرفية في وضع ثابت واحد متناوب.

وفيما يلي مثالين لهذا التكرار العادي أخذا من الزربية القيروانية:

تفصيل لزخرف الوردة.

تفصيل لزخرف المقروض.

التكرار المتعاكس: وفيه تتجاور الوحدات الزخرفية في أوضاع متعاكسة تارة إلى الأعلى وتارة إلى الأسفل وإلى اليمين وإلى الشمال في تقابل متعاكس.

التكرار المتبادل: وهو استخدام وحدتين زخرفيّتين مختلفتين واشتراكهما مع تجاورهما وتعاقبهما، الواحدة تلو الأخرى، ويسمّى هذا النوع من التكرار أيضا التعاقب أو التناوب: alternance.

وفيما يلي بعض الأمثلة لهذا التكرار المتبادل من المدونة:

كما نلاحظ مبدأ التكرار أيضا في البناء المورفولوجي للشكل الزخرفي بعينه وذلك بتغيير الاتجاه.

 

ب-التناظر أو التماثل:

لقد اعتمدنا على نظرية عالمة الرياضيات الأمريكية «مارسيا أشير» (Marcia Ascher) حول مبدأ التناظر (symétrie) والتي قامت بترجمتها إلى الفرنسية «فيرونيك باردو» (Véronique Pardo) وتطبيقها مستعملة حرف «P»باللغة الفرنسية. سوف يتجلى عملنا في مرحلة أولى في ترجمة المصطلحات للغة العربية ثم في محاولة تطبيقها باستعمال الشكل الزخرفي «خُطّيفة» في مرحلة ثانية (انظر جدول رقم 1).

  

كما طبقنا نفس النظرية مع زخرف «المشموم» وذلك لتوضيح الجانب التطبيقي لمبدأ التناظر والتأثيرات التي تطرأ على الشكل الزخرفي عامة إذا ما تغير الاتجاه في عملية تكراره وعلى عملية البناء التشكيلي العام للوحدة الزخرفية خاصة

 

 

 

 

 

أمّا محي الدين طالو فيعتبر التناظر من أهمّ الأسس التي تقوم عليها التكوينات الزخرفية التي ينطبق أحد نصفيها على النصف الثاني بواسطة «محور التناظر». وهو يقسّم التناظر إلى نوعين: «التناظر النصفي: ويضمّ العناصر التي تكمّل أحد نصفيها النصف الآخر في اتجاه مقابل، وأبرز الأمثلة عليه الطبيعة. والتناظر الكلّي: وفيه يكتمل التكوين من عنصرين متشابهين تماما في اتجاه متقابل أو متعاكس، ويستخدم هذا النوع في زخرفة المساحات والحشوات»15.

جـ-التضادّ:

نجد بكثرة الزخرف المبني على التضاد في المنسوج التونسي بصفة عامة، حيث يكون الشكل مقسوما إلى نصفين متضادّين: اليمين يقابل اليسار، والأعلى يقابل الأسفل، وفي أغلب الأحيان يكون التطابق للأجزاء الأربعة. «ويُعدُّ مبدأ التضادّ من خصائص الفنّ الإسلامي»16. لذلك، فهو لا يقتصر على الزربية التونسية فقط وإنّما يمتدّ إلى السجّاد في كلّ أنحاء العالم الإسلامي. مثال ذلك زرابي قبيلة الشاهصفان17 الإيرانية ومنسوجاتها التي قام بدراستها الباحث «بارفيز تانفولي».

د-السالب والموجب:

عند عملية نسج الزربية تُقرَّر مساحتُها نتيجةَ بُعديها أي العرض والارتفاع ثم تتوالى الخيوط في حركتها برسم الأشكال داخلها. وتُعرَف هذه الأشكال المرسومة أي التكوينات التشكيلية نتيجة الخط أو اللون بالتكوينات الإيجابيّة، في حين يُعرف ما يتبقّى من المساحة غير المزخرفة بالمساحة السلبية. ففي العمل المنسوج يوجد شكلان يملآن فراغ الأشكال المرسومة يسمّيان الشكلين الموجبين. أمّا المساحة الفارغة فهي تسمّى بالمساحة السالبة. ونجد هذه النظرية بصفة كبيرة في الأكلمة الطرابلسية وزربية قفصة.

أنواع الوحدات الزخرفية

تُعتبر التصاميم الزخرفية في الزرابي التونسية تواصلا للموروث الثقافي والبعد الحضاري لفلسفات الحضارات المتعاقبة على البلاد عامة منذ آلاف السنين وجمالياتها. فقد تمازجت الإبداعات وانصهرت مع بعضها البعض وتفرد ت لتفرز كمّا هائلا من الأشكال والرموز سوف نحاول تبويبها في أربعة سجلات: نباتية، حيوانية، هندسية وأخيرا منمنمة.

1 -الوحدات الزخرفية الهندسيّة:

لقد تفنّن المسلمون في هذا النوع من الزخرفة وابتكروا فيه الكثير من الضروب. نجد على سبيل المثال في الكتاب الصادر عن مؤسسة «متحف بلا حدود» التوصيف التالي: « لا شك في أنّ البلاد المختلفة، التي حلّ فيها الإسلام منذ القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، قد استخدمت في زخارفها رسوما هندسية، كتلك التي تثير إعجابنا في بعض قطع الفسيفساء الرومانية في سورية، وتلك التي نجدها في الفنون البربر(ية) المعمارية في أفريقية، وفي فنون المفروشات القبطية في مصر. لكن ما من أسلوب فني استخدم هذا النمط من الزخارف بالوفرة التي نجدها في الفن الإسلامي، ممّا أدّى لأن تصير الزخارف الهندسية في نهاية الأمر، علامة فارقة تدلّ على الخصوصية ورابطة جمالية تجمع المجالات الفنية بأكملها، وعلى المستويات كافة. ومع ذلك، فإنّ هذا التوجه للزخارف الهندسية لم ينتشر في هذه البلاد في بداية تحولها إلى الإسلام فقط، فالزخارف الهندسية ظهرت بشكل خجول في العصور الأموية في الإطارات الحجرية للنوافذ في فترات معينة. بعد ذلك بدأنا نجدها في أطر اللوحات التي تحتوي على تزيينات زهرية في سامراء»18.

2 -الوحدات الزخرفية الحيوانية:

هي أشكال زخرفية تجريدية للكائنات الحية، تطوّعها النسّاجة حسب تقنية الحياكة المستعملة وتبرز خاصة في الغرز المنسوجة وتكون إمّا لكامل الهيئة أو لجزئيّات تفصيليّة فيها. كما نجدها خاصة في زرابي الجنوب التونسي، مثلا، نجد الجمل والأسد والغزال في منسوجات مدينتي قفصه وقابس19، وهي شهادة حيّة ونقل للواقع، ذلك أنّ هذه الحيوانات كانت موجودة في البيئة المحيطة بالحرفيّات والحرفيّين. حينئذ، «يستوحي الصانع المزخرف نماذجه وأفكاره من محيطه المباشر، فتراه يتوجه خاصة إلى الطبيعة يقتبس منها بعض العناصر مثل الجمل والنخلة إذا كان أصيل المناطق الريفية أو أزهار القرنفل الفاخرة إذا كان ربيب الحواضر. لكنّ التماثل بين الكائن أو الشيء الحقيقي والصورة المتمثّلة له ليس دوما بيّنا أو بديهيّا، لأنّنا إذا قبلنا بأنّ الاختلافات الكمّية بين الصورة وما تمثّله من الأمور الممكنة بل والتي لا سبيل إلى تجانسها وبأنّ إدراك التماثل يختلف من ثقافة إلى أخرى»20.

ويقول عفيف بهنسي في نفس السياق: «أما الأشكال التي كانت موضوع السجّاد، فهي إمّا حيوانيّة وهي نادرة جدا أو نباتية وبعضها أشكال هندسيّة محضة لتأطير الموضوعات أو لزخرفة الحواشي والأطراف. ومن المواضيع الحيوانيّة العقرب والعرتلة وهي أشبه بالعنكبوت الغليظ، وهي من المواضيع التي ترسم للسيطرة عليها نظرا لمضارّها، أما الحيوانات الأخرى المكرّمة عند العربي كالغزال والجمل والكلب والديك واليمام والطاووس، فإنّها تحتلّ المكان الأرحب في صناعة السجّاد العربي ثم الفارسي والتركي. ولقد أخذت هذه الحيوانات أشكالا هندسية محوّرة لكي تتماشى مع طريقة صناعة السجاد وتسهل مهمة الصانع»21.

3 -الوحدات الزخرفيّة النباتيّة:

إذا أردنا تحديد السمات العامة التي ميّزت الفنون الإسلامية عن غيرها من الفنون فسوف نجد أنّ الموضوعات العامة والمشتركة للفن الإسلامي كانت «أشكال النبات وصوره، ثم أنواع الخطوط، وتجسدات الزخرفة. ومن الملاحظ أنّ كلّ أشكال الفنون الاسلامية تحتوي الزخرفة وتتزيّن بها، سواء في العمارة، أو في النقوش على الزجاج والأواني، أو على السجاد والنسيج والأثاث والخشب، أو على سطح المعادن بشكل عام»22. ولقد كان للزخارف النباتية دور هام في تزيين الآثار الإسلامية الثابتة والمنقولة حيث يعتقد أنّ الفنّان المسلم اعتمد كثيرا على هذا النوع الزخرفي أكثر من سواه نظرا إلى تحريم الإسلام رسم الأشكال الآدمية والحيوانية وغيرها من الكائنات الحية وتجسيمها، فأدّى ذلك إلى «شيوع الزخارف النباتية ذات العناصر المتداخلة والمتشابكة من أوراق العنب والأكنثس وسعف النخيل ونحوها ممّا كان التعبير عنه مجرّدا»23.

وتتمثل الوحدة الزخرفية النباتية أساسا في زخرف تجريدي تحويري مستوحى من أشكال النباتات المنتشرة في الطبيعة من ورود وأزهار وأشجار أوراق، وهي التي أطلق عليها عبد الرحمن أيوب السجلّ الزهوري «وهو مجموع الزخارف التي تعتمد الزهور والورود. حيث تلجأ يد الناسجة إلى تخليص الزهرة على أشكال جدّ مجرّدة»، لكنّها أحيانا كثيرة تبدو قريبة من الواقع (خاصة في زرابي إيران). ونجد هذا النوع من الزخرف خاصة في الزرابي ذات الوبر القائم كزريبة القيروان وبنزرت وكذلك المرقوم الوذرفي حيث تزيّن بأشكال مستوحاة من الزهور لكنّها ذهبت شوطا في التجريد حتى كاد الزخرف أن يتحوّل إلى أشكال هندسية مبهمة. ولكنّنا نجدها بشكل أكثر دقّة وحرفيّة في الزرابي الحريريّة ذات الوبر القائم لما توفّره عُقدها المتراصّة من فنّيات عالية. وتصنع هذه الزرابي في منطقة القلعة الصغرى بالساحل.

وفي هذا، يقول بشر فارس: «إن أردنا أن نحدّد السمات العامة التي تميّزت بها الفنون الإسلامية عن غيرها فسنذكر أنّ الموضوعات العامة والمشتركة للفن الإسلامي كانت: أشكال النبات وصوره، ثم أنواع الخطوط، وتجسيديات الزخرفة. ومن الملاحظ أن كل اشكال الفنون الاسلامية تحتوي الزخرفة وتتزين بها، سواء في العمارة، أو في النقوش على الزجاج والأواني، أو على السجاد والنسيج والأثاث والخشب، أو على سطح المعادن بشكل عام»24.

كما يذكر عفيف بهنسي في هذا السياق: «أمّا المواضيع النباتية فمن أهمها شجرة الحياة وهي على أشكال منوّعة. فإمّا أن تكون بشكل عنقودي أو بفروع هرميّة أو بتفريعات زهريّة وشجرة الحياة هي رمز الأبديّة والخلود ورمز الآلهة العليا، وكانت معروفة منذ عهد الرافدين وانتشرت مع الأديان السماوية في الإسلام. ومن النباتات شجرة السرو التي ترمز إلى الكشف عن المجهول والرمّان المزهر الذي يمثل الخصب والثروة وسعف النخل الذي تطور عند الفرس لكي يأخذ شكل الكشمير والذي يفيد في طرد الحسد. على أنّ الأشكال الغالبة في السجّاد العربي والمصري والسوري والمغربي والأندلسي هي الأشكال الهندسية، وفيها بعض الإشارات والرموز وبعض الصيغ النباتية المحورة جدا. وثمّة مواضيع رمزية كالمشط ذي الأسنان الخمسة والذي يطلق عليه اسم «يد فاطمة» أو «مشط حمزة» ويفيد في طرد الحسد كما هو معروف»25.

تقسيم فضاء الزربية

1 - النموذج (التنقيلة):

تستعمل «التنقيلة» في حياكة الزربية فتكون مصدر إلهام النسّاجة التي تتبع التصميم المدوّن عليها. أما الكليم والمرقوم فينسجان من مخيّلتها. ويبدع الرقّ ام زخرف القطيف دون التعويل على نموذج وإنما خيالُه الخصب وخبرتُه كفيلان بإتمام المهمّة. وتدوَّن «التنقيلة» عادة فوق ورق مكوّن من مربّعات صغيرة متساوية لها أهمّية كبيرة في تكوين الزخرفة حيث أنّ كلّ مربع منها يمثّل عقدة في الزربية، لذلك فهي تساعد على ضبط أبعادها ومعرفة شكلها قبل التنفيذ، سواء من حيث الرسم أو الألوان. وعند حياكتها على النول اليدوي تبدأ النسّاجة بنقل أول صفّ من نموذج ورق المربعات بنفس الألوان، ثم تنقل الصفّ الثاني ثم الثالث حتى تنتهي من نقل جميع صفوف النموذج، وتنفّذ النسّاجة التصميم من اليمين إلى الوسط ومن اليسار إلى الوسط. لكن مع تدوين نماذج المنسوج التونسي في النصف الأوّل من القرن العشرين، شملت التنقيلة القطيف أيضا نظرا إلى ثراء زخرفه، واستعملت هذه النماذج كذلك لتصميم الزرابي والأكلمة والمراقم.

2 -تقسيم فضاء الزربية ذات النسيج المحفوف:

تخضع زخارف جميع أنواع الزرابي منسوجة كانت أم معقودة، ما عدا القطيف، وهندسية كانت أم نباتية، إلى توزيع تناظري حسب محورين أو أربعة محاور أو أكثر. ويتميّز الكليم عن سائر الزرابي بانقسامه إلى عدّة أشرطة عرضيّة متوازية متعددة الألوان ولا زخرف فيها فالتقسيم الكلاسيكي للكليم «جعب»(مثلا: طرفي الكليم/ وسط الكليم/ شريط خارجي/ شريط داخلي). لكن، شيئا فشيئا بدأ فضاء هذا المنسوج يتأثر بالمنسوجات الأخرى وبدأ الزخرف يغزو أشرطته ودخلت الخانات إلى تقسيم فضائه.

شيئا فشيئا بدأ فضاء هذا المنسوج يتأثر بالمنسوجات الأخرى وبدأ الزخرف يغزو أشرطته ودخلت الخانات إلى تقسيم فضائه. غير أنه منذ سنة 1860 بدأ تقسيم فضاء الزربية يؤثّر في بقيّة أنواع النسيج بصفة عامة والمرقوم بصفة خاصة. واختصّت الزرابي ذات الغرز المنسوجة والمرقومة كالكليم التقليدي «كليم جعب» والمرقوم بتقسيمها إلى أشرطة متتالية بصفة أفقية أو عمودية تتفاوت مقاساتها من منسوج إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى. ويرى ناصر البقلوطي «أنّ جميع المنسوجات الملطاء تتميّز بثوابت هي الشرائط الأفقيّة أو العموديّة ذات الزخارف الهندسيّة»26.

ولقد تطور تقسيم فضاء الكليم بصفة عامة من خلال تأثّره بالزربية ذات الوبر القائم والقطيف، ذلك ما فسح المجال الى النساجات باستعارة بعض الخصائص التشكيلية كالخانة والحقل والركنيات وتطويعها في فضائها الجديد في الأكلمة ويبدو هذا جليا بصفة خاصة في الكليم الطرابلسي.

3 -تقسيم فضاء الزربية ذات الوبر القائم:

يشبه تقسيم فضاء الزربية القيروانية التقسيم الكلاسيكي سواء للزرابي الأناظولية أو الإيرانية فتتميز بإطار رئيسي/ إطار ثانوي خارجي/ إطار ثانوي داخلي/ حقل يتوسطه شكل محراب مع أربع ركنيّات). أما فضاء الزربيّة27 ذات الغرز المعقودة فيقسّم إلى حاشية تتكوّن من أشرطة متوازية يختلف عددها من تصميم إلى آخر تنشر فيها زخارف. وتتوسّط هذه الحاشية مساحة مستطيلة ذات ركنيّات بداخلها حقل مسدّس معيّن الشكل يطلق عليه «محراب».

كما نجد تقسيمات أخرى لفضاء الزربية ذات الوبر القائم سوف نذكر أهمها:

زربية ذات جامه: Tapis de plein champs

زربية صلاة ذات محراب:

Tapis à niche de prière

زربية ذات حقل: Tapis à médaillon

زربية ذات ركنيات: Tapis à écoinçons

زربية ذات ركنيات وجامه:

Tapis à médaillon et écoinçons

زربية ذات أشرطة : Tapis à bandes

زربية ذات شبكية: Tapis à treillis

زربية ذات مربعات: Tapis à quadrillage

لقد قمنا باستخراج أهم نماذج تقسيم الزرابي الكلاسيكية القيروانية الموجودة بمخازن قصر السعيد و التي تعود ملكيتها للمتاحف التونسية وأعدنا رسم أهم خصائصها التشكيلية عبر برمجية مخصوصة على الحاسوب. (Illustrator CS) ذلك ما خولنا للتعرف على اهم مكوناتها (الحقل/ المحراب/ الركنيات/ الإطارات) و الزخرف الذي يشغلها. وسوف نقوم باستعراض أهمها في العنصر الموالي.

أ-زخرف الحقل:

يشغل في معظم الأحيان زخرف «الحضرة» وسط الحقل ويطلق عليه اسم «الجامة» Médaillon وهو شكل معقّد ومركّب يتراوح عدد الأشكال التي تكوّنه من 12 شكلا وقد يصل إلى 27 شكلا أو أكثر في بعض الأحيان. ويقع استخدامه في المنسوج الواحد من مرّة واحدة إلى ثلاث مرّات في أقصى الحالات نظرا إلى كبره من جهة وإلى صعوبة وطول مدة نسجه.

كما نجد زخرف القماري بأنواعها في المرتبة الثانية، والقمرة زخرف مركّب ولكنّه يُعدّ أقلّ تعقيدا في بنيته الشكلية من الشكل السابق. ونجده يتكرّر بصفة كبيرة تصل إلى عشرين مرّة فأكثر نظرا إلى صغر حجمه من جهة وإلى إمكانيّة تركيبه مع بعضه البعض أو مع أشكال أخرى.

وتجدر الإشارة إلى وجود بعض الزخارف الصغيرة مبعثرة حول الشكل الرئيسيّ سواء كان زخرف «الحضرة» أو «القمرة»، وتكون زخارف ذات دلالة وقائيّة «كالحوت» و «المشط» أو «الكفّ». كما نجد «الإبريق» و«المحالل».

 

ب-زخرف الركنيّات:

نجد «زخرف الركنيات» في الزرابي القيروانية ذات التقسيم الكلاسيكي التي يتوسطها المحراب السداسي الشكل فتكون ذات أربعة ركنيات إثنين منها في الأسفل والإثنين في الأعلى، فيما تقتصر زرابي الصلاة على ركنيتين أعلى المحراب. كما لا تفوتنا الإشارة هنا الى وجود قطعتين من القطيف نجد فيهما زخرف الركنيات ويعد ذلك نادرا وربما يرجع لـتأثر تقسيم فضاء القطيف بالزربية.

وحسب المعطيات التي توفرت لدينا وبالرجوع سواء إلى مجموعة الزرابي الموجودة بالمخازن الوطنية بقصر السعيد أو مجموعة الديوان الوطني للصناعات التقليدية المعروضة بدار الطابع، أو في نشرياته المطبوعة. فإن زخرف الركنيات في الزرابي الحضرية ذات الوبر القائم وتحديدا بمدينة القيروان، اقتصر على ثمانية زخارف وهي زخرف «الإباقل»، زخرف «التركي الصغير»، زخرف «شبشوبة الخضرة»، زخرف «الخطيفة»، زخرف «عفسة القطوسة»، زخرف «المشموم» وأخيرا زخرف «الهوايش». ويقع نسجها في الركنية التي تكون على شكل مستطيل مقسوم بمثلث من الأسفل، بصفة متكررة من ثمان مرات وتصل أحيانا الى عشرين مرة و ذلك يرجع الى أبعاد الزربية من جهة و إلى حجم الزخرف المنسوج من جهة أخرى.

ج-زخرف الإطارات:

الإطارات نوعان:

الإطارات الرئيسيّة وتكون عريضة وتأتي على الأغلب محاذية للحقل الذي يمكن أن يتوسط الإطارات الموجودة في الزربية عامة. ويمكن أن نجد إطارين رئيسيّين أو أكثر في الزربية الواحدة

بعض الزخارف التي نجدها بكثرة في الإطارات الرئيسية:

الإطارات الثانوية: تكون رفيعة وأقلّ عرضا من الإطارات الرئيسية ويتراوح عددها من 4 إلى 11 في الزربية الواحدة.

4 -تقسيم فضاء زربية الصلاة:

لقد اعترضتنا منسوجات عديدة ترجع إلى مناطق مختلفة من بلدان شمال إفريقيا لكن تبقى الحصّة الأهمّ للزرابي والأكلمة التركيّة. ولم تشذّ زرابي الصلاة عن هذه القاعدة وهو ما قد يفسر وجود العديد من الزخارف التركية في زرابي مدينة القيروان على وجه الخصوص. يتميز فضاء زربية الصلاة عن تقسيم فضاء الزربية الكلاسيكية بانفراده بركنيتين فقط عوض عن أربعة ركنيات ويلتقيان في: الإطارات والمحراب الذي وقعت استعارته من معجم العمارة وهو فجوة في جدار قبلة المسجد يقف فيها الإمام في الصلاة. وتتوسّط هذه الحاشية مساحة مستطيلة ذات ركنيّات بداخلها حقل مسدّس معيّن الشكل يطلق عليه «محراب». و» لعلّ هذا التوزيع العام هو الذي يوحي بانتماء سجّاد القيروان إلى أسلوب زرابي الشرق، ويحمل هذا المسدّس ذو الأضلع المدرّجة أحيانا زخرفا نباتيّا محوّرا أو ربما تذكّرنا زاويتاه الحادّتان بشكل محاريب المساجد وتكشف عن علاقة وطيدة بين العمارة الدينية الإسلامية وفنّ النسيج التقليدي. وليس من الغريب أن يقترن السجّاد بالسجود»28.

وتتميز زرابي الصلاة بزخارف ذات سجل زهوري بحت فنجد «المشموم» أو «القرنفل» يزين تدرجات المحراب وتتوسط «شجرة الحياة» حقل المحراب خاصة في الزرابي التركية، التي دأبت النساجة التونسية على اعتبارها مصدر إلهامها الأول.

5 -تقسيم فضاء زربية بنزرت والساحل:

ولكنّ خيال النسّاجة التونسيّة لم يقف عند حدّ التقليد وإنّما استوعب هذا التقسيم الكلاسيكي المأخوذ عن الزرابي التركية فشكّلته كلّ حائكة حسب تصوّر خاصّ بها، متأثّرة بطبقات المخزون الفني الكبير التي توالت على البلاد. وقد اختصت زربية بنزرت والساحل وكذلك مدينة قابس، جنوب البلاد، بتقسيم مخالف تماما يعتمد على تتالي إطارين أو أكثر تتوسطهما أرضيّة خالية من المحراب لتترك المكان إلى زخرف مرصوف في شكل أسطر متتالية كالزهرة أو القمرة.

6 - تقسيم فضاء زربيّة مدينة قفصة:

أمّا في مدينة قفصة، فإنّ تشكيل فضاء منسوجاتها عامة - ولا نقصد الزرابي وحدها- فقد اختصّ بالشبكيّة المربّعة أو المستطيلة، إذ انفرد بتقسيم هندسيّ يتمحور حول تتالي شكل مربّعات إن كان المنسوج مربّعا أو مستطيلات إذا كان المنسوج بشكل مستطيل، وبعد تقسيمها إلى معيّن أوسط كما هو الحال في زربية البطاقة رقم (106) استثنائيا. كما تقسّم بعض الزرابي إلى أشرطة يطلق عليها «صفوف» يحيط بها إطار أو أكثر قد يصل عددها إلى أربعة إطارات.

وتتميز زربية قفصة حتى في تسمية أجزاء الزربية فيطلق على المربّعات أو المستطيلات «بيوت» وعلى الشريط «صفّ» ويبقى الإطار إطارا.

لقد حاولنا جمع عيّنة عن تقسيم فضاء زرابي مدينة قفصة وذلك بالاعتماد عما وجدنا في المجموعات المتحفية بمخازن قصر السعيد وبالرجوع الى بعض البحوث التي تعرضت لزربية هذه المنطقة ومن أهّمها الذي قام به الباحث الفرنسي «جاك روفو».و لقد استخلصنا ان انفراد زربية مدينة قفصة عن مثيلاتها بالبلاد التونسية بتقسيم فضائها، فرض تسميات مغايرة لهذه التقسيمات سوف نتعرض لأهم نماذجها، لصفوف والبيوت. ولكن سوف نبدأ عملنا بزخرف الإطارات:

أ-زخرف الإطارات:

ب-زخرف الصفوف:

ج-زخرف البيوت:

7 - تقسيم فضاء القطيف:

يتميز القطيف بتقسيم فضائه بصورة خاصّة به، مكّن ثراء المعجم الزخرفي للقطيف وتميزه من تشكيل تركيبات مختلفة فيتنوّع من قبيلة إلى أخرى لكن في النهاية يعتمد نفس المبدأ وهو كالآتي29:

أرضيّة مستطيلة تنقسم إلى خانات أو بيوت عددها يتراوح من ثلاثة إلى خمسة، تفصل فيما بينها أسطر أو حملات. وإطار يحيط بالمستطيل ويربط بين كلّ أجزائه. ويتكوّن هذا الإطار من جزء رئيسيّ أي «الحميلات الرانية»، وتُرفق بجزء ثان أو ثالث، كما تُحاط أطراف القطيف من الخارج على امتداد طوله «بالدورة» التي تكون مشدودة بشعر العنز وتسمى حاشية، وتنتهي أطراف العرض بذؤابات من الصوف.

أ-زخرف إطارات القطيف:

ب-زخرف الخانات:

تجدر الإشارة إذن، أنه رغم التنوعات والاختلافات التي شهدها تقسيم فضاء الزربية التقليدية سواء كانت ذات وبر قائم أو ذات نسيج محفوف، فإنّ هذا الفضاء قد ظلّ مقتصرا على شكلين كلاسيكيّين: هما المستطيل خاصة والمربع بصورة أقلّ.

ولكن بظهور تقنيات ومواد جديدة في هذه الحرفة، شهد الشكل العام لهذا المنسوج تطورا كبيرا، فأصبحت الإمكانيّات مفتوحة لتحديد الشكل العام للزربية حسب ما يتطلّبه الفضاء المتاح والتزويق الداخلي لهذا الفضاء وهو ما أخذ اهتماما أكثر حتى من الزخرف. وهذا ما أثار قلقنا من تلاشي هذا الموروث الثقافي المهم والثري من المعجم الزخرفي ومحاولتنا البسيطة في توثيق ولو القليل منه

الهوامش

1 -حمودة (حسن علي)، فن الزخرفة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1972، ص 23.

2 -فنطر (محمد حسين): الحرف والصورة في عالم قرطاج، م.م.، ص248.

3 - ابن منظور، لسان العرب، المجلد الخامس، ص 356.

4 – المعجم الوسيط، القاهرة، مجمع اللغة العربية، 2004 (ط 4)، ص 391.

5 - رزق (عاصم محمد)، معجم مصطلحات العمارة والفنون الاسلامية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2000، مادة "زخارف"، ص 130-131.

6 - حسن (سليمان محمود)،"الزخارف الجصية على البيوت التقليدية بالمخلاف السليماني"، مجلة الموروثات الشعبية، العدد 63، الدوحة (قطر)، 2001، ص 22.

7 - طالو (محي الدين)، المشهور في فنون الزخرفة عبر العصور، دار دمشق، دمشق، 2000، ص11.

8 - موسى (سلامة)، تاريخ الفنون وأشهر الصور، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012، ص24.

9 - بيدة (الحبيب)، الفخفاخ (رشيد)، الهاني (نورالدين)، المفردة في الفنون التشكيلية، وزارة الشؤون الثقافية،تونس،1988، ص13 و14.

10 - رزق (عاصم محمد)، معجم مصطلحات العمارة والفنون الاسلامية، م.م.، مادة "زخارف هندسية"، ص 133.

11 - بيدة (الحبيب)، الفخفاخ (رشيد)، الهاني (نورالدين)، المفردة في الفنون التشكيلية، ص 13.

12 - ن.م.، ن.ص.

13 - طالو (محي الدين): المشهور في فنون الزخرفة عبر العصور، م.م.، ص 17.

14 - أخذنا الجدول من أطروحة الدكتوراه للفرنسية فيرونيك باردو:

* Pardo (Véronique), « Tisser les relations sociales dans les rites et la matière. Représentation de l’ordre social, des valeurs et de l’appartenance à Douiret, village berbérophone du sud-est tunisien », p. 292.

15 - طالو (محي الدين)، المشهور في فنون الزخرفة عبر العصور، ص 16.

16 - Tanavoli (Parviz), SHAHSAVAN. Tapis et tissus des nomades persans, Office du Livre, Fribourg, Editions Vilo, Paris, 1985, p. 62 : "Les motifs opposés, très courants dans le tissage, sont typiques de l’art islamique. Les deux moitiés sont identiques mais inversées, la droite correspondant à la gauche, le haut au bas, et parfois les quatre cotés sont identiques, ce qui est considéré comme le summum de la symétrie".

17 - قبيلة معروفة بمنسوجاتها في شمال غرب إيران.

18 - اكتشف الفن الإسلامي في حوض المتوسط، كتاب صادر عن متحف بلا حدود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بروكسال، 2007، ص 142.

19 - Bairam (Alya): "Signes et symboles dans l’art populaire tunisien, thèmes animaux", in : Gargouri- Sethoum (Samira); et alii : Signes et symboles dans l’art populaire tunisien, Tunis, C.I.L.- S.T .D, 1976, p. 27: "Le chameau représente essentiellement dans le sud tunisien, sur les célèbres couvertures de Gafsa et de Gabés, par excellence le motif qui illustre les réalités environnantes et exprime la nature du milieu qui l’a créé. De toutes les régions du pays, le sud semble avoir été le plus sensible au charme décoratif de cet animal".

20 -روائع الفن التونسي، م.م.، ص7.

21 - بهنسي (عفيف): جمالية الفن العربي، سلسلة عالم المعرفة (14)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1979، ص 167-168.

22 - فارس (بشر)، دراسات شرقية، م.م.، ص 7.

23 - عاصم محمد (رزق)، معجم مصطلحات العمارة الفنون الإسلامية، م.م.، ص 131.

24 - فارس (بشر)، «سرّ الزخرفة العربية»، في دراسات شرقية، ص7.

25 - بهنسي ( عفيف): جماليّة الفن العربي، م.م.، ص 167.

26 - روائع الفن التونسي، م.م.

27 - Gargouri-Sethom (S.) : Les Arts Populaires en Tunisie, op.cit., p. 29 : « Le décor des tapis à points noués de Kairouan (zarbiya) s’inspirait fortement de celui des tapis orientaux. On y retrouve les bandes d’encadrement général, le champ rectangulaire, souvent par un hexagone à médaillon central ou à semis de motifs floraux, les écoinçons dont la couleur de fond s’oppose à celle du centre ».

28 - قرقوري ستهم (سميرة) وآخرون: تقاليد وحرف فنية من تونس، م.م.، ص 100.

29 - Poinssot (L.) ; Revault (J.) : Tapis tunisiens, -II : "Tapis bédouins à haute laine", op.cit., p. 19 : Les tapis qu’il nous a été donné d’examiner chez les Hamâma, les Mhadba et les Zlass comportent le plus souvent :

* Un champ rectangulaire divisé en trois, quatre ou cinq registres (biût) séparés entre eux par des listels unis (hamilat)

* Un encadrement qui entoure et relie entre elles les diverses parties du champ. Plus rarement ils offriront soit comme les klim une succession de bandes transversales ou comme les mergûm une composition longitudinale, soit la simple répartition en losanges communs à tant de tapis de l’Afrique du Nord.

* L’encadrement présente toujours une bande principale (farš ou hamỉla barranîya); celle-ci est flanquée ou non d’une ou deux bandes secondaires séparées par des listels. Une bordure extérieure (dûra), doublée de lisières en poil de chèvre (hašiya, amrass) le long du gtîf et de chefs en laine à chaque extrémité, limite l’ensemble de la composition .

الصور

* الصور من الكاتبة.

أعداد المجلة