فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
4

من التراث الشعبي الفراتي - مختارات من أعمال الباحث عبد القادر عياش

العدد 4 - جديد النشر
من التراث الشعبي الفراتي - مختارات من أعمال الباحث عبد القادر عياش
كاتب من سوريا

 

ضمن منشورات مديرية التراث الشعبي التابعة لوزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية وفي إطار مشروع «جمع وحفظ التراث الشعبي» صدرت عام 2007 ثلاثة مجلدات تحتوي على ما يزيد عن 1400 صفحة من أعمال الباحث الفولكلوري السوري المرحوم المحامي عبد القادر عياش1 تتناول مختلف جوانب الحياة الشعبية والتراث المادي وغير المادي في مدينة دير الزور السورية الواقعة على نهر الفرات والمناطق المحيطة بها.2

ورغم أن المؤلف كان يعمل في المحاماة إلا أن صيته ذاع على المستوى الوطني والقومي، وأكاد أقول الدولي، من خلال الرحالة والباحثين الأجانب الذين بحثوا في فولكلور وتراث المنطقة العربية، وبخاصة منطقة الجزيرة السورية الواقعة بين نهري دجلة والفرات، سيما وأن المهتمين المحليين في التراث الشعبي كانوا شبه معدومين.

انطلق عبد القادر عياش في مشروعه لتدوين وتسجيل مظاهر الحياة الشعبية في منطقته، سواء المادي منها أو الأدبي والفني، من فكرة إن عجلة الزمان تدور بلا توقف، وأن ما نشهده اليوم سيتغير كلياً، وأن المسلّمات التي تبدو ثابتة ظاهرياً ليست مستقرة بل هي في حركة دائمة وتغير مستمر. وما نراه اليوم سيصبح من غرائب المستقبل. قام بجمع التراث من أفواه حامليه من حكم وأمثال وعادات وتقاليد وأغانٍ وحكايات. وجمع التراث المادي، إما من بيته أو عن طريق الإهداء والشراء وغير ذلك، حتى تحول منزله إلى متحف للتقاليد الشعبية يضم الأزياء الشعبية وأدوات الزينة والحلي والأسلحة التقليدية وأدوات العمل والإنارة وكل ما يمت إلى الحياة التقليدية في منطقته بصلة. بالإضافة إلى مكتبة عامرة.3

تحتوي المختارات التي أعادت مديرية التراث الشعبي طبعها على مجموعة كبيرة من الدراسات المتعلقة بالناحية الفولكلورية تاركين بقية الدراسات التاريخية وغيرها لجهات أخرى معنية. وبما أن اهتمام الباحث كان ينصب بالدرجة الأولى على تسجيل المادة التي يجمعها ميدانياً فلم يكن يهتم بمنهجية البحث المتبعة حالياً في مثل هذه الدراسات، ولم يكن علم الفولكلور أو المأثورات الشعبية قد لقيت الاهتمام الذي تلقاه الآن في المعاهد الأكاديمية والجامعات العربية، رغم تقصيرها في ذلك حتى ساعة كتابة هذه الأسطر. ولم تكن وسائل البحث والتسجيل آنذاك متاحة، خاصة لباحث فرد يعتمد على إمكاناته الذاتية. فقد سجل ما جمعه من تراث غير مادي بالكلمة وقلما استخدم الصورة، ولم تكن تقنية التسجيل بالصوت والصورة قد وُجدت بعد، على الأقل في منطقتنا العربية. ولذلك كانت هناك بعض الصعوبات في فهم نصوص بعض الأمثال والعبارات الشعبية وكذلك الأغاني الشعبية بكافة أشكالها ومواضيعها لأنها مكتوبة باللغة المحكية (وهذا ما يجب أن يكون من أجل الأمانة العلمية والتوثيقية) لذلك قمنا بعملية اختيار وإعداد للنصوص الأصلية دون التدخل في المضمون، إلا إذا اقتضت الضرورة لتصحيح بعض الهنات اللغوية أو الأخطاء الطباعية، وكذلك بشرح المفردات والتعابير المحلية في أسفل الصفحات لتكون مفهومة من قبل القارئ أو الباحث الذي يمكن أن يعتمد على هذه الدراسات كمراجع بحثية.4

في عرض سريع لما تتضمنه هذه المجلدات الثلاث لن نستطيع أن نفي الموضوع حقه، لكن يمكن أن نلقي الضوء على ما تحتويه من عناوين، قد تكون مرجعاً هاماً لمن أراد الاستزادة من الاطلاع على تراث هذه المنطقة التي لا تختلف في الإطار العام عن مناطق أخرى في العالم العربي، تتداخل فيها مظاهر الحياة البدوية والحضرية في مرحلة انتقالية من نمط اقتصادي تقليدي له بنية تحتية معينة إلى نمط آخر وما يرافق ذلك من بنى فوقية تتمثل في الأدب والثقافة والعادات والتقاليد التي تشمل مختلف نواحي حياة الإنسان ومراحلها من المهد إلى اللحد.

في ترتيبنا للموضوعات التي أعدنا طباعتها من مؤلفات عبد القادر عياش حاولنا أن تكون متناسبة إلى حد ما. ففي الجزء الأول نشرنا الموضوعات غير المادية من تراث دير الزور ومنطقتها بدءاً من مدلول كلمة الزور المسبوقة بعبارة «دير» في اسم المدينة مروراً باللهجة الخاصة وطريقة نطق بعض الأحرف في هذه المنطقة وبعض الألفاظ والمصطلحات الخاصة بأهلها التي بمجرد أن سمعتها عرفت أن قائلها من منطقة دير الزور مثل عبارة: «أنت ما تعرف شكون السالفة» أي أنك لا تدري ما هو الأمر أو الموضوع.

بعدها عرضنا لموضوع الكنايات في لغة أهل المنطقة وعبارات السلوك اليومي مثل إلقاء التحية وعبارات الوداع، والاجتماعي مثل العبارات التي تقال بعد حلاقة الشعر أو بعد الاستحمام وشرب الماء أو عيادة مريض أو عند السفر أو العودة بعد غياب والمعايدة والدعوة إلى تناول الطعام أو بعض العبارات المتعلقة بالتشاؤم والتفاؤل وغير ذلك...

ثم الأدعية الشعبية الإيجابية منها والسلبية، كأن ندعو لفلان من الناس بالخير واليمن والبركة والصحة وطول العمر والذرية الصالحة، أو ندعو عليه بعكس ذلك. لينتقل منها إلى موضوع الأيمان الشعبية، أي بماذا يحلف أو يُقسم الناس. ومن المعروف أن الحلف أو القسم يتم في أحاديثنا اليومية بمناسبة وبغير مناسبة، ولكل منطقة طريقتها في القسم واليمين مثل الحلف بالله وأسمائه وصفاته والقرآن الكريم وسوره وآياته أو بالكعبة المشرفة والأنبياء والصحابة والصالحين والأولياء والكواكب والنجوم وبالأيام والليالي والأوقات. وكذلك الحلف بالأهل والذات والأماكن والأشياء وغيرها...

ثم يتطرق إلى الأدب الشعبي في وادي الفرات مثل اللغز والأحاجي والغناء الشعبي بمختلف أنواعه وتسمياته ومناسباته مثل العتابا والموليا والميمر وغيرها. وبعدها يتحدث عن المصيبة في التراث الشعبي والتعامل معها من خلال العبارات والأمثال والأغاني وفيها يتعرض لتقاليد الوفاة والرثاء والندب ونعي الميت وتشييعه والتعزية فيه والحزن عليه. وينتهي الجزء الأول بنصوص بعض الحكايات الشعبية المتداولة في المنطقة المذكورة كتبها باللغة الفصحى وليس بالأصل المتداول.

أما الجزء الثاني فقد خصصناه بالدرجة الأولى لموضوعات الثقافة المادية وغير المادية المتعلقة بالأثاث والمؤونة واللباس والحلي والوشم والتبرّج والخرز والإصابة بالعين وبعض التقاليد المتعلقة بالفروسية والقنص والسلاح والغزو وتقاليد الحماسة والنخوة والألعاب الشعبية، ثم أمثال ومصطلحات وتربية الأطفال وتسميتهم، وغير ذلك من أمور تتعلق بالحياة من المهد إلى اللحد، التي ربما تم التطرق إليها قليلاً أو كثيراً في الجزء الأول. ثم مواضيع أخرى مثل الكتاتيب والدواوين والمقاهي والحمامات في دير الزور.

بالنسبة للأمثال والعبارات الشعبية المتداولة في منطقة البحث كانت مقسمة حسب المواضيع: فمثلاً هناك أمثلة حول الإنسان أو بعض أعضاء جسم الإنسان وحواسه مثل: الأذن والسمع – اليد- الأصابع – القلب والبطن ثم أمثال في الرجل والمرأة والأطفال والتربية والزواج والطلاق والأقارب. ثم أمثال في الطبيعة والمزروعات والطعام والشراب، وأخرى تتعلق بالصفات الإنسانية مثل الكرم والبخل والحياء والخجل والحزن والفرح. ثم أمثال في الأيام والفصول والأشهر والطقس. أي كل ما يتعلق بالإنسان وأحاسيسه ومحيطه والمواد التي يتعامل معها والعلاقات التي يقيمها مع الناس والبيئة في كل مراحل حياته. وهو في كل ذلك يسمي الأمور بمسمياتها كما تجري على ألسنة العامة بالتصريح وليس بالتلميح.

وأخيراً تخصيص الجزء الثالث من المختارات للحديث عن البيت والسكن مثل: الدار في المعتقدات الشعبية – الدار في العادات والتقاليد – البيت في المثل العربي القديم وفي المثل الشعبي الفراتي وفي الغناء الشعبي – ثم أشكال السكن مثل بيوت البادية والريف والمدينة، أسماؤها المحلية وتقسيماتها وأشكالها وطرق بنائها ومواد البناء وتقسيماتها وتوابعها، مثل المخبز الريفي. وهنا يتناول أيضاً الفولكلور المتعلق بالخبز: أنواعه وطريقة صنعه، ثم يتناول الملح في المعتقد الشعبي والأمثال المتداولة وكذلك في الغناء والحكايات الشعبية. ومن الملح ينتقل إلى التبغ والتدخين في العبارات والمصطلحات والأمثال وغيرها...

مواضيع أخرى شيقة في موضوع الفولكلور التي ربما لم تلقَ اهتماماً من قبل الفولكلوريين العرب وكرس لها عبد القادر عياش أبحاثاً خاصة نذكر منها موضوع اليد، فهناك بحث خاص تحت عنوان «اليد في حياتنا وتراثنا»، مثل عادة تقبيل اليد، وضع اليد أثناء أداء القسم، اليد في الأمثال الشعبية. اليد في الغناء الفراتي وغير ذلك من مدلولات تراثية نستخدم اليد في أدائها أو التعبير عنها بدءاً من إلقاء التحية والتسليم.

كما يفرد الباحث دراسات خاصة حول الحصى في التراث الشعبي، في التسبيح ودعاء الاستسقاء، والألعاب الشعبية ثم في موضوع الأمثال والشعر الشعبي والمعتقدات الشعبية وهذا موضوع طريف بحد ذاته لم أعلم فيما سبق أن تطرق باحث فولكلوري لمثل هذا الموضوع.

بحث آخر لا يقل أهمية عن هذا الأخير يحمل عنوان «العصا في حياتنا وتراثنا»، يتناول أسماء ومواصفات العصي وورودها في الأمثال العربية القديمة، والأمثال الشعبية المتداولة ودورها في ألعاب الصبيان، ثم العصا في الأغاني الشعبية.

 وفي بحث مستقل بعنوان «القمر في حياة أبناء وادي الفرات وتراثهم» يتناول دور القمر في كل مراحل تطوره في المعتقدات الشعبية، ثم القمر في الأهازيج. الأمثال والغناء وترنيم الأطفال.

وتحت عنوان «الماء في حياتنا وتراثنا» يتطرق الباحث إلى الماء في لغة أبناء الفرات ومعتقداتهم وممارساتهم الشعبية وحكاياتهم وغنائهم وأمثالهم الشعبية وأهازيج الأطفال.

ولفلكلور الحيوان نصيب وافر في دراسات أعمال الباحث عياش. خاصة الحيوانات التي لها صلة مباشرة بحياة سكان البادية وتخومها حيث له ثلاثة أبحاث تحمل العناوين: «الطير في المعتقدات الشعبية في وادي الفرات». «الذئب في المعتقدات الشعبية في وادي الفرات» ثم «الحية في معتقدات أبناء الفرات» وكل واحدة من هذه الدراسات تتناول الموضوع من حيث العادات والتقاليد والخرافات والمعتقدات وورودها في الأغاني والأمثال الشعبية والحكايات.

بعد هذا العرض الموجز للموضوعات التي وردت في مختارات التراث الشعبي الفراتي نود أن نقول إن ما من عمل يمكن أن يدعي صفة الكمال، بل هو لبنة في صرح ضخم لا بد من تظافر جهود كبيرة ومضنية ومؤمنة بالعمل وأهدافه من أجل النهوض به. يكفي عبد القادر عياش أنه بادر منذ منتصف أربعينات القرن العشرين في وقت لقيت مبادرته من الاستهزاء والإهمال أكثر مما لقيت من الاهتمام والدعم والتشجيع.

مراجع وهوامش

1.    ولد عام 1911 وتوفي عام 1974. نال إجازة الحقوق من جامعة دمشق عام 1935. عمل في القضاء والإدارة ثم في المحاماة وكتب في التاريخ والتراث الشعبي.
2.    بلغت دراساته ومؤلفاته في مجال الفولكلور والتاريخ أكثر من 150 عملاً نشر معظمها في مجلة خاصة أطلق عليها اسم “صوت الفرات” التي كان مؤسسها ومحررها وممولها وموزعها في آن واحد. كان ذلك في منتصف أربعينات القرن الماضي واستمر صدورها حتى وفاته.
3.    مقتنيات متحفه المنزلي هذه تبرع بها ورثته الكرام بعد وفاته إلى بلدية محافظة دير الزور لتكون نواة لمتحف المدينة الحالي. أما المكتبة فقد قدمها الورثة هدية إلى مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.
4.    قام كاتب هذه السطور باختيار وإعداد النصوص وكتابة المقدمة، وقام السيد عباس الطبال (وهو باحث من أبناء مدينة دير الزور) بتدقيق وتحقيق هذه النصوص.

أعداد المجلة