"ألف ليلة وليلة" في الفنون البصرية شرقا وغربا
العدد 36 - أدب شعبي
لحكايات “ألف ليلة وليلة” أصول فنية وأساليب تعبيرية وفنون تشكيلية، لطالما استلهمها الفنانون في معالجاتهم وصياغاتهم لعلاقات الواقع بالخيال، وللحالات الشعورية التي تعكسها تعبيراتهم ورسوماتهم وتشكيلاتهم المختلفة، وعلاقة تلك التعبيرات والصياغات بالمعايير الفنية النوعية التي تتفرد بها “ألف ليلة وليلة” إضافة للغتها التصويرية، وقيمها التشكيلية وخيال مبدعيها الجامح يقول د/ مصطفى الرزاز: “لعلنا نتصور حال مؤلفي الليالي على اختلافهم، وموقفهم من فنون الرسم والنحت والتصوير التي كانت محاصرة في تلك الفترة ومخفية عن الأنظار، تعاني نوعا من الحظر خوفا من شبهة الشرك”. الأمر الذي أدى معه ذلك القمع والكبت، إلى ظهور تلك الفنون وتعبير المبدع عنها نثرا، من خلال نصوص حكاياته، مختزلا بتقنياته كل الفنون والتشكيلات والمنحوتات والجداريات المصورة والملونة، مثل: “قصور خربة المفجر وعميرة بوادي الأردن؛ وكل مرئياته لهياكل الفراعنة والساسانيين والروم، وجيوش الفخار التي حرست القصر الذي دفن فيه القيصر «كين شي هو تغدى» منذ 3 ق.م، وهي جند على خيول وعربات بأحجام حقيقية، دفنت تحت الأرض بأمر القيصر، عددها سبعة آلاف فارس مدججين بالأسلحة البرونزية». مما ألهب الخيال التصويري لمبدعي «ألف ليلة وليلة»، وزودهم بأفكار هامة وتقنيات لازمة لتصور الأنصاب المتحركة، كالفارس المطلسم حارس المدن، الذي يصيح إذا ما إقترب عدو من أسوارها، وغيرها من السير والفنون والمرئيات المتعددة بالغة الطرافة والإستغراق في الخيال، حيث يتداخل الفيزيقي بالميتا فيزيقي تماما؛ فوظفوا المنحوتات، كالجيش الفخاري السالف، ومدن النحاس، ومبالغات وصف الأحجام والأعداد، كالحوت أو (الجزيرة الطافية) في رحلة السندباد الأولى، وفي الرخ الذى يلقم أفراخه الأفيال، والحية البلورية التي تتوسط طبق الذهب بوجهها الآدمي. و«لم يكن إنعكاس تلك المرئيات على تصوراتهم، مجرد إفتراض شارد، بل تؤيده كتابات الرحالة والجغرافيين التي إمتلأت بالعديد من مرئيات وفنون البلدان التي وصفها ياقوت الحموي والقزويني وإبن بطوطة والإدريسي وغيرهم من الرحالة والحجاج والجغرافيين والمؤرخين والعلماء والتجار» (الفنان الإسلامي وخيالات ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، العدد 2، ابريل 1994م).
هكذا امتلكوا من الوعي التشكيلي - من منطلق وحدة الفنون - ما وسع وعمق وأثرى نصوصهم الأدبية، رغم أنهم لم يعبروا فنيا سوى بالكلمة، عما أرادوا توصيله شفاهة أو تدوينا، فلم تكن مجرد آداة تقريرية مباشرة، بل كانت تشكيلية في المقام الأول، مما يدل على مدى خصب مخيلتهم وعمق تركيبتهم الإبداعية، وثراء نصوصهم بمعظم تقنيات وآفاق التعبير الفني. وبعد استيعاب الفنان التشكيلي العربي المسلم، إبداعات سابقيه بالحضارات المجاورة، قام بصهرها والإضافة إليها العديد من صيغ إبداعاته الشعبية، حتى تبلور منهجه في فنون التشكيل، ومثل بأسلوبه في التصوير الدرامي، أسلوبا تعبيريا متميزا عن التصوير الدرامي الغربي، بشكل استعار معه الفنان الإيراني أساليب تصوير أجواء الفروسية والمعارك، من السير الشعبية العربية، وحكايات «ألف ليلة وليلة»، يؤكد ذلك ما وجده النقاد من محاكاة وترجمة حرفية لأجواء ومعارك وأبطال وفرسان السير الشعبية العربية، ومشاهد القصاص من الأعداء في «ألف ليلة وليلة»، في لوحات المخطوطات الفارسية التي أكد فيها الفنان الإيراني استعاراته لها من السير والحكايات العربية وما شاع فيها من مشاهد وتقنيات وتكنيكات فنية، ومن خلال رسوماته لكتاب «الشاهنامة» للفردوسي مثلا، وتصويره لأجواء تلاحم الخيول والدروع والسيوف وتطاير الأشلاء ووجوه المقاتلين وتعبيرات الألم والشراسة وخيولهم وأفيالهم وإبلهم. عام 1430م صور أيضا «بهزاد» المقاتلين على ظهور إبلهم، يحكمون دائرة ويتصادمون في قوسين متلاحمين بالسيوف والرماح والدروع والتروس، تتساقط الأشلاء وتتطاير السيوف والدروع وتتجندل الإبل في دراما صاخبة. كما صورت المخطوطات الفارسية مناظر مصارعة الأسود وصيد النمور والوحوش والكواسر في خضم المعارك الطاحنة، لتعبر هذه اللوحات بدقة عن نصوص المعارك والانتصارات الملحمية الواردة في «ألف ليلة وليلة» وغيرها، والتي لم يغفل فيها مبدعوها، حتى عن رسم رافعي الرايات ونافخي الأبواق والناقرين على الطبول والبصاصين يرقبون سير المعارك من خلف الجبال.
إلهامات شهرزاد
في مطلع القرن الماضي كانت شهرزاد مثالاً للمرأة المتمردة على علاقات قصور الحريم ونظمها وقوانينها وضوابطها، ومثالاً للمرأة المثيرة التي تفضح وتعري بنات جنسها وتصف أدق خصوصياتهن في علاقاتهن مع الرجل، فسحرت شهريار وخلبت لبه بحكاياتها وكانت قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك وأخبار الأمم، وقيل أنها جمعت ألف كتاب من كتب تاريخ الأمم السابقة والملوك الخالية والشعراء، ففتنت المبدعين من الأدباء والموسيقيين والرسامين وألهمتهم أعمالاً رائعة أثرت تراث الإنسانية، وفي الوقت نفسه ظلت مثالاً للجمال الشرقي والمعرفة والحكمة والذكاء، بعد أن بدت لهم شهرزاد أسطورة، فاستوحوا من شخصيتها أجمل اللوحات، وحتى الآن لم تزل منبعا للإلهام والإبداع، خاصة أن حكاياتها الملغومة بالكثير من القيم التشكيلية والتعبيرية والرمزية، لم تفصح سوى عن اليسير منها، مما دفع الفنان - شرقا وغربا - إلى استلهامها؛ أما الدكتور الفنان / هاني جابر - يرحمه الله - فوجد فيها مجموعة من اللوحات التشكيلية المصورة، التي تشبه الأحلام التي تنتهي مع بزوغ شمس الرؤيا والحقيقة الواقعة، فكانت - في رؤيته - دعوة نوعية الى المغامرة حيث الغموض والألوان والعوالم المثيرة الأكثر طربا وسحرا، لإمتلاكها كل دوائر الجذب الحسية، وإلتفاف الرياح الحارة بها، فوق رمال من ذهب وسجادات عربية، وتوقها لعوالم خاصة ملونة بصبح شرقي، والتي لم تعرف حتى اليوم حكاياتها الأضخم فى تاريخ الأدب الشعبي، حدود زمانية أو مكانية، لتعبر نصوصها القوية والمؤثرة، ببساطة السحر، كل الحضارات والثقافات والمسافات المتفاوتة للعقل البشري، بل وتتوارثها الأجيال منذ الحكاءة الموسوعية شهرزاد، وخطتها السنون على رقاق عربية، تجسيدا لحب الأرض وانعكاسا لحكايات الأزمنة والأمكنة العتيقة، بنكهتها الخاصة ومتعتها المختلفة وجمالياتها المعتقة. ويرى الدكتور / عمر عبد العزيز في دراسته «التعابير الفنية المتوارية» أن من يتأمل لوحات ألف ليلة وليلة سيدرك أهمية توظيف نصوصها المكتوبة بسخاء عند كبار الفنانين التشكيليين في الحركة التشكيلية العالمية والعربية المعاصرة، فليس من الغريب أن يطوروا أعمالاً عبر فقه نصوصها الثرية بأفكارها وعوالمها العربية والشرقية، وليس من الغريبً أيضاً أن تتسع لها فنون التشكيل والرسم والكاريكاتير وغيرها، بل ونتبين أن القيمتين، التشكيلية والأدبية الأساسيتين والثوريتين فيها، لم يكن ليتسنى إبداعهما لولا التكوين الخاص للقدرات الواعية واللاواعية التى ميزت مبدعيها، في سبقهم ومزجهم الفريد للخيال الأدبي بالقيم التشكيلية، والذي تبلور بعدهم بقرون عديدة في نظرية وحدة الفنونً، بعد أن أشعلت الحضارة العربية السمحة - منذ أكثر من 16 قرن - خيال الأدباء والفنانين، الذي تبدو معه بغداد - مثلاً - في قصصهم، لوحات متتابعة من الفن التشكيلي الموصوف بالكلمة، الذي أوحى للمستشرقين والتشكيليين والرسامين، بتحويل الوصف المكتوب وما تخيلوه وفهموه، فيما بين السطور، إلى أعمال ومنحوتات وصور مرئية، ولعل النقد السوسيولوجي لألف ليلة يوضح لنا، من خلال الصور الأدبية، تحليلات للمجتمع العباسي فى ذروة حضارته وأبهته وجماله، تحولت معه الأدبيات إلى أعمال تشكيلية، فهناك نهر دجلة الذي يبدو في ضوء القمر كنهر من فضة، والأشجار التي تتمايل عليه، والحدائق التي وصفت بدقة لا مثيل لها في أماكن أو بيئات أخرى، وكذلك القصور التي وضحت تفاصيل تشكيلاتها بدقة، سواء من خلال حكاياتها الثرية أو من خلال الصور الموحية التي أبدعتها مخيلة الفنانين بعد الإطلاع على ترجماتها فى معظم اللغات، فكثرت أولا الرسوم التزيينية والتوضيحية التي رافقت معظم طبعاتها لمئات الفنانين بكل تخصصاتهم. وفى محفوظات المكتبة الوطنية بباريس عدة رسوم تمثل نماذج من «ألف ليلة وليلة»، منها «الجارية» و«إمرأة من الحريم»، كما ازدهرت المدرسة الرومانسية بفروعها: الأدبية والتشكيلية والموسيقية منذ بدايات ق19، قرن الاستكشافات الجغرافية والتوسعات الاستعمارية، التي كان للشرق نصيبه منها، فقام كثير من الفنانين والأدباء الرومانسيين، برحلات إلى ذلك «الشرق العجيب» موطن السحر الأغرب الذى أنتج حكايات «ألف ليلة وليلة» بعوالمها التى أججت فضولهم وأشعلت نيران عبقريتهم، فألهمتهم فنونهم؛ من ناحية أخرى نجد لوحات عديدة لفنانين، مثل: دي لاكروا - روبنز - جيروم وغيرهم، صوروا البدو والعرب في معارك قبائل الطوارق ولوحات صيد الأسود والنمور بالصحراء، حيث عبروا عن التلاحم الدرامي بين عناصر القتال بلغة تشكيلية غربية قوامها التجسيم، وإعمال المنظور الفوتوغرافي وتأكيد الملامح التشريحية، توافقت موجة رسم المظاهر الشرقية - طبقا للدكتور الرزاز - «في اللوحات الاستشراقية الغربية في ق 19م، مع ظهور الأطماع السياسية والعسكرية الغربية في المنطقة»، فلم يكن الموضوع مجرد هوس فني أو اكتفاء بالانبهار والغرابة، بل الترويج لاستعمار الشرق والدعاية والتمهيد لمشروعيته، بتصوير وإبراز الشرق الإسلامي متدنيا، شهوانيا، كسولا، جامدا، مخدرا، عنصريا، شرسا، والتركيز على صور أسواق العبيد والجواري والحمامات التركية وحروب الإستحلال والجواري البيض». إضافة لتصويرهم أجواء المعارك وصراعات الوحوش والضوارى والسحر والخوارق والطلاسم والمعجزات والكائنات الخرافية، وسير البحارة والنوتية، وتصوراتهم لشهريار وشهرزاد، والأجواء الباذخة المحيطة بهما. إضافة لإستلهامات الفنانين الغربيين لموتيفات «ألف ليلة وليلة» في العديد من فنون وتصميمات الأزياء والأثاث والأواني والعمارة والزخرفة الداخلية وتنسيق الحدائق والحلي والآلات الموسيقية والشمعدانات، واحتفائهم بأدق تفاصيل وحوارات ومواقف ومشاهد حكاياتها التى خلبت خيالهم وترجموها إلى لغة الواقعية الرومانتيكية، إستلهمت العناصر نفسها في السجاجيد والزرابي والجدران التى زينت بالقيشاني المزوق والمشربيات الدقيقة والبوابات المطعمة المصفحة برقائق المعدن، وأسرفوا في إبراز مفاتن حريم السلطان ودلالهن الأنثوي ومراوح الريش وما إلى ذلك من مظاهر.
ويرى د/ محمود شاهين أن «الإستشراق في الفن التشكيلي ظاهرة لم تتوقف بعد»، وأن الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون لطالما ردد أن «ألف ليلة وليلة» كانت أول الطريق إلى الاستشراق، ومن ثم انتشاره، وأن أوطاننا العربية لم تزل محط اهتمام التشكيليين العالميين، وملاذًا آمنًا لأرواحهم، ومعينًا لا ينضب لإلهاماتهم وإبداعاتهم، منذ ديلاكروا، وبول كلي، وكاندينسكي، وماتيس وغيرهم إلى الآن. أبدع «دي لا كروا» لوحات كثيرة تأثر فيها بحكايات «ألف ليلة وليلة» مثل : «المهرج العربى» - «معركة عربية» - «فارس عربى يلعب على جواده» - «نساء الجزائر»، والأخيرة استهوت كثيرا الفنان بابلو بيكاسو، فقدم عنها أربع عشرة دراسة تكعيبية، واعتبرها رينوار أجمل اللوحات العالمية، وشبهها جوستاف بلانش بالقصيدة، كما أثارت إعجاب كثيرين فقاموا بدراستها ونقدها وتحليلها؛ ولبيكاسو لوحته الشهيرة «الديك الشرقى»، وفيها يبدو الديك منتفشا متحفزا وهو يطلق صياحه رمزا للصحوة من حلم شهر زاد، وهي من اللوحات المبهمة في جوها العام وقيمها الجمالية في رؤية الشاعر أحمد سويلم في كتابه «استلهامات ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب» الصادر العام 2016م. و ل «دي لاكروا» لوحات عديدة محفوظة في متحف اللوفر وغيره، أشهرها «الحرية تقود الشعب» التي رسمها عام 1830م، و«سلطان المغرب» عام 1845م.
ومن أجواء ألف ليلة وليلة استوحى أوجست رينوار (1841 - 1919م) رائد المدرسة الانطباعية، وهنري ماتيس (1869 - 1954م) أكبر أساتذة المدرسة الوحشية، ودي كامب، أجمل لوحاتهم فرسموا الجواري والجميلات، كما استوحى فان دونجن لوحته المعروفة «راقصة شرقية» وشكل إنج تيسييه من شخصية شهرزاد لوحات زيتية مشعة بالجمال والأنوثة، أما الرسام والنحات جيروم (1824م - 1904م) فأشهر مستشرقي ق19 الذين استلهموا «ألف ليلة وليلة»، خاصة في لوحاته «سوق الرقيق» - «حمام الحريم» - «إمرأة شرقية». وطبقاً للباحث إبراهيم كامل أحمد تأثر الرسام الأمريكي روبرت سوين جيفورد (1840م - 1905م) بحكاية السندباد البحري عن حادثة كسر التجار بيضة طائر الرخ الخرافي، فأبدع لوحته «بيضة الرخ» بالألوان المائية على الورق، وهي معروضة في متحف فرانس وورث للفن بمدينة روكلاند بولاية (مين)، أهدت اللوحة للمتحف السيدة دوروثي هيس عام 1959م؛ وقام الرسام (ج. فورد) بإبداع لوحته «التاجر والعفريت» عام 1898م ضمن لوحات أخرى توضح الحكايات بأسلوب الحفر، مستلهما «حكاية التاجر والعفريت»، بصفحات الليلة الأولى. يذكر د/ عفيف بهنسي أن الفنان السويسري التجريدي بول كلي (1879م - 1940م) تمسك بأسلوب فردي تتفاعل فيه تأثيرات الفن العربي، خاصة بعد مطالعته لإبداعات جوته في «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» الذي حفل بصوره الصوفية، كما زار تونس والمغرب وكانت زيارته بمثابة الحلم المعرفي للتعرف عن كثب على الحضارة الإسلامية وللتعرف على الضوء في بلاد الشمس التي انعكست في أعماله، وعلى حد تعبير الفنانة التشكيلية اللبنانية سوزان شكرون في مقالتها بمجلة العربي العدد 622 بعنوان «الفنون الحديثة ومصادرها القديمة»: «تسنى لبول كلي حضور أحد الأعراس العربية التي رأى فيها بعض صور تجسد الليالي، حيث كانت زيارته للمشرق العربي أشبه بالقصص الخرافية» والخيالية، خاصة بعد أن كشفت مذكراته عمق ارتباطه بحضارة وسحر الشرق وقصص ألف ليلة، وتسجيلها وتوثيقها فى إبداعاته، بعد أن عثر على مبتغاه؛ وكانت رحلات السندباد البحري السبعة، بعوالمها الغرائبية والسحرية معيناً لا ينضب فى إبداع المزيدً من اللوحات.
استمرت الصور الشعبية المستلهمة، التي نشرت في الكثير من روايات الرحالة وأعمال الأدباء وقصص المغامرات عن نساء وأطفال ألف ليلة طبقاً للباحث علي النويشي، أما اللوحة الشهيرة «الحمام التركي» للفنان الفرنسى أنجر فهي في رؤية مهند عبدالحميد في قراءته لكتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب» إصدار المركز الثقافي العربي بيروت 2007م والمنشورة على الإنترنت بتاريخ 2/10/2008م - هي رسم لوصيفات عاريات يكشفن بواطن جمالهن ونظافتهن أثناء استحمامهن، قبلها أبدعت لوحة «الوصيفة الكبرى» التي تصور إمرأة مسترخية يحفها الحرير والريش والفرو، وتنتمي لوحة «الوصيفة ذات السروال الأحمر» للفنان ماتيس لذات المنطق. كان الفنان الأمريكي ماكس فيلد باريش أحد ثلاثة الأكثر شعبية في العالم اعتماداً على مبيعاتهم، بعد فان جوخ وبول سيزان، بحلول عام 1925م انتشرت لوحاته في ربع بيوت أمريكا تقريبا، فقد كانت سماواته الزرقاء اللامعة وطبيعته القشية وشخصياته الحالمة علامة فارقة أثارت المخيلة لزمن طويل وتكررت في لوحاته المناظر الرعوية والنساء الحالمات والغروب الأرجواني، وعندما كانت إحدى لوحاته تعرض كان الجمهور يتقاطر بالآلاف لمشاهدتها، كانت موهبته غير عادية في إستخدام الألوان وخلق عوالم فانتازية، برع على وجه الخصوص في توظيف اللون الأزرق الذي يميز لوحاته بظلالها المختلفة والمتدرجة من اللازوردي والنيلي، أهم لوحاته «الغجر» الأكثر شعبية - حينها - من لوحات ليوناردو دافنشي، تميز باريش فى لوحات مثل «ملك الجزر السوداء» و»النجوم» و»عازف العود» و»حدائق الله»، كما ظهرت رسوماته الإيضاحية في كثير من الروايات أشهرها «ألف ليلة وليلة» و»سندريلا» واجتذبت لوحاته ومازالت كبار الموسيقيين الذين وظفوها في تزيين أعمالهم الموسيقية مثل إينيا ومايكل جاكسون وإلتون جون وغيرهم. من الرسامين الذين وقعوا فى غرام شهرزاد أيضاً الرسام الدانماركي كيي راسموس نيلسن (1886م-1857م) الذي خصها بلوحة وهي تحكي حكاياتها الآسرة لشهريار، كما رسم عشرين لوحة بألوان الجواش مستوحاة من الليالي في الفترة من 1918م – 1922م لتزيين كتاب «ألف ليلة وليلة» الذي ترجمه آرثر كريستنسن، لكن المشروع توقف نتيجة لإرتفاع تكلفة النشر في الدانمارك في أعقاب الحرب العالمية الأولى ولم تطبع تلك اللوحات إلا بعد عشرين عاماً من وفاة الرسام فطبعت في أمريكا عام 1977م بعنوان «اللوحات المجهولة لكيي نيلسن»؛ كما أصدر لين ثورنتون كتاب «النساء في لوحات المستشرقين» درس خلاله أبرز لوحاتهم التي تعكس تفاصيل الشرق بداية من ظهور «ألف ليلة وليلة» ولعل من أشهر اللوحات التي جسدت المرأة لوحة «بعد الشروق في مصر» للمستشرق ويليام هولمان هنت، كذلك ركزوا على النساء اللاتي حملن على الهودج الأبيض في مصر أو صحراء سيناء، ولم يغفلوا عن مسألة النظافة الجسدية لديهن وذكروا بمزايا الشرق والمسلمين ودعوة الإسلام إلى النظافة، فتطرقوا إلى الحمامات العامة واهتمام نساء الشرق به وكيف أنهن كن يذهبن إليه لتنظيف أجسادهن وغسلها ونقشها بالحناء. رسم إيتان ليوتارد عام 1742م إحدى اللوحات المبكرة التي تصور إمرأة في الحمام عنوانها «إمرأة ألمانية في ثوب تركي وخادمتها».
لوحات الكتب
من الطبعات النادرة المرسومة لليالي، طبعة دار المعارف بأجزائها الإثنى عشر التي رسمتها الفنانة النمساوية استيلا بونكز حيث يمثل غلاف كل جزء لوحة متميزة بأسلوب غربي مستعرب. أما طبعة دار الشعب التي أعدها أحمد رشدي صالح فرسم أغلفتها ورسومها الداخلية حسين بيكار بأسلوبه الرومانسي؛ وقام جمال قطب برسم طبعة دار الهلال؛ والفنان مصطفى حسين لطبعة دار الشروق التي أعدها الشاعر أحمد سويلم. عام 2008م شهدت العاصمة السلوفاكية برتسلافا احتفال الأوساط الثقافية بنشر الترجمة الكاملة لألف ليلة وليلة في طبعة مذهبة فاخرة بحضور وزير الثقافة ولفيف من أبرز السياسيين والمثقفين والإعلاميين ومترجم الكتاب البروفيسير يان ياوليني أستاذ الأدب العربي بكلية الفلسفة بجامعة كومنيوس، نشرت الترجمة في سبع مجلدات مذهبة استخدم فيها لأول مرة، نوع خاص من الحرير المزخرف بأشكال شرقية مصنوعة في ألمانيا، يحتوي كل مجلد على العديد من اللوحات القيمة قام برسمها سبعة من أشهر الرسامين بعد أن قرأ كل منهم مجلداً كاملاً، فجاءت الرسومات معبرة عن تفاعلاتهم الفنية مع النص. فى أواخر عام 2014م صدر كتاب يضم 50 لوحة زيتية من مجمل 100 لوحة أبدعها الفنان الإسباني الشهير سلفادور دالي منذ نصف قرن، كان قد رسمها لشخصيات وأحداث ألف ليلة وليلة لمعالجة موضوعات كالجنسانية والحسية والأيروتيكية، وكل الهواجس الدالية، وربما لهذا لم تنشر في ستينيات القرن الماضي، فالمحتوي الجنسى كان جريئا في إيطاليا تلك الفترة، أما اللوحات الخمسين الباقية فبيعت متفرقة.
التشكيل العربي المعاصر
يتمثل مشروع الفنان السوري سعد يكن في مجموعة تتكون من ثلاثين لوحة مأخوذة عن «ألف ليلة وليلة» تعيد صياغة القصص والحكايات، بشكل لا تعتبر معه، وسائل إيضاح، بل إبداعات غير مسبوقة، يبتعد فيها عن مفهوم الاستشراق، لم يستخدم فيها زخارف أو عناصر تفصيلية، وعلى نحو خاص أخذ الحدث واعتبره حدثاً درامياً من خلال القصص المهمة وحاول تركيب صياغات جديدة لها من خلال اللوحات من جهة ومن جهة أخرى من خلال النصوص العشرة التي كتبها عن ألف ليلة برؤية مختلفة عن الحدث المباشر للحكايات، وهو يهتم بالإنسان وقام ببعض التحويرات عليه ليعطي قوة انفعالية للمشاهد، ففي اللوحات جانب درامي ينسجم مع تجربته الفنية استطاع من خلالها الاقتراب أكثر من التعبيرية، أضف لذلك أيضاً ما يقارب العشرين دراسة بالأبيض والأسود عن العمل ذاته وعموماً حاول تقديم حياة متكاملة من خلال مشروعه من حيث اللون والخط والكتلة، كما تناول الحدث مجرداً عن مباشرته وربط العمل الواحد بمجموعة أحداث مختلفة، ففي كل لوحة أكثر من حدث درامي ولأكثر من قصة، مما يعطي قوة للعمل الفني واستمرارية، لم يكن له هدف مباشر أو حكمة معينة أو وسائل إيضاح إنما غاية إبداعاته تناول أو طرح مجرد لمشروع ألف ليلة وليلة الثقافي بكل علاقاته التاريخية بالمنطقة وبالقصة العربية.
ويسرد الفنان العراقي حسن عبد علوان من خلال لوحاته حكايات من ألف ليلة وليلة وتقوم لوحاته على الخيال المحلق بما لا يمكن تصديقه إلا في الأساطير، فشخوصه أو نساؤه ذات تناسب لا يتماشى مع القواعد الأكاديمية، بشكل يؤكد الأسطورة الغرائبية وبصمته المتميزة، مستخدما اللون الزيتي بشفافية فائقة كما لو كانت ألواناً مائية، تاركا لألوانه أن تتبقع، لا تغطي كامل المساحة، وهو يرى أن أنبوبة اللون المحبب لديه - البني الغامق - تكفيه لإنجاز عشرات اللوحات، مستلهما الأجواء البغدادية في زمن الإزدهار الحضاري العالمي بطريقة مختلفة عن زملائه ودون اللجوء إلى مفردات الخط العربي. ويعتبر الفنان فؤاد جهاد أيضاً من التشكيليين العراقيين الذين قدموا فناً يعتمد على الحكايات والأساطير على غرار فن علوان مع الإختلاف الواضح في الأسلوب الفني. التكوين لدى فؤاد جهاد أكثر تفصيلاً وتعقيداً مقابل التركيز والبساطة لدى علوان، استخدم فؤاد إضافات زخرفية وتفاصيل تخدم جو اللوحة وهدفها في نقل المشاهد إلى أجواء الحضارات الإسلامية الوسيطة والطرز المعمارية السائدة آنذاك، مستخدما بمهارة رقائق الذهب لتعزيز الشعور بالفخامة يوم أن كانت بغداد مركز إشعاع حضاري عالمي، أما الفنان العراقي فاروق حسن فتخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1960م وأكمل دراسته الأكاديمية للفنون في روما عام 1980م، بعدها توالت إبداعاته فأعاد رسم بعض حكايات شهرزاد وراح يثمن بالروح والقلب والفرشاة ملامح من الليالي وأبطالها في تواليات وتدفقات شاعرية. أبدعت وداد الأورفلي لوحات تروي قصة ألف ليلة وليلة وتميزت بأسلوب خاص لم يفصلها عن بيئتها البغدادية التي تتواجد في كل إبداعاتها فكأنك تقرأ ألف ليلة وليلة، شاركت في معرض نادي المنصور وفي معظم معارض جمعية الفنانين العراقيين التي تشهد بتطور أفكارها فنياً، عام 1996م قدمت معرضها (ألف ليلة وليلة) بقاعة الأورفلي بعمان في الأردن كما أقامت عدة معارض في ألمانيا ونيويورك وأبوظبي ودبي والدوحة ولندن، وافتتحت عام 1983م أول قاعة خاصة في العراق (قاعة الأورفلي للفنون) بمعرضها الشخصي «تهاويل تراثية»، عام 2002م افتتحت (قاعة الأورفلي للفنون الجديدة) ليكون مجموع معارضها ثمانية عشر معرضاً، امتازت الأورفلي بتعدد مواهبها وإبداعاتها فى الموسيقى والرسم والتلوين، وسعة الخيال في الموضوعات والتشكيلات اللا متناهية وإمكانياتها في العزف على آلات البيانو والكمان والعود، والتلحين والتأليف الموسيقى خاصة «البشرف عجم» المعقد. وللفنان القطري عبد العزيز يوسف أكثر من 20 لوحة تحكي ليالي من ألف ليلة، ولوحات أخرى تعرض قصة السندباد البحري، وهو يرى أن ألف ليلة وليلة قريبة من أخيلة الناس لبساطتها التعبيرية وسلاستها السردية والوصفية، كأهم العوامل التي خلدتها وكونت لها قاعدة عريضة من الإقبال الجماهيري، داعيا إلى كشف المزيد من أسرارها الفنية. في الكويت أبدع الفنان/ خالد نمش النمش مجموعته التشكيلية «الإبحار على خطى أبناء السندباد» الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الكويتية، ممتطيا صهوة خياله مبحرا الى عوالم سندباد، مثلما نقل سندباد إبداعات العرب الى العالم يوما، ومكنونات خياله المبدع عبر حكاياته الى الأجيال التى جاءت بعده، حاول الفنان نقل ذلك إلينا عبر ألوانه وريشته في عملية استحضار لعالم مركب من الحكايات الخيالية والمغامرات، مجسدا بلوحاته لحظات هامة وجميلة من تاريخ الكويت يستلهم فيها رحلات السندباد البحري وسفينته «صحار». وللفنانة الفلسطينية منال ديب مجموعة لوحات بعنوان «عودة شهرزاد» التي لم تقدم فيها المرأة كجنس، بل كموقف عاطفي جمالي فني سردي شعري، مختزلة أنواع البوح والتعبيرات الفنية، إذن إن هناك حكاية ما تدور أحداثها، من خلال شكل العين وقوة النظرة واسترخاء الشفتين أو انكماشهما، وهذه الحكاية تحملها الفنانة فى ثقافتها الأنثوية والمجتمعية، تعود من خلالها إلى حكايات شهرزاد في قوالب متجددة، يكاد يكون الوجه القاسم المشترك بين إبداعاتها، وبما أنها ليست رسامة كلاسيكية، ولا ترسم البورتريهات يرى الشاعر والناقد الفلسطينى أنور الخطيب في مقالته «منال ديب عودة شهرزاد» بجريدة الفنون الكويتية، العدد 162، أنها تلجأ إلى التركيز على عنصر من عناصر الوجه فى كل لوحة : العينان - الشفتان - الحاجبان - الأنف، ولكل عنصر لغة، فللعينين لغة التأمل والحب والغضب والتعب والاسترخاء والتحفز، وللشفتين لغة الرغبة والجمال، وللأنف لغة الصمود، وللحاجبين لغة الرفض والقبول والدهشة؛ والوجه في لوحاتها كالراوي الحكاء، تسرد من خلاله ملامح القصص بنهايات مفتوحة، وكمفاتيح تفتح كوة النفس فتدخلنا إلى عوالم الروح لتنطلق إلى حيث تريد، غير مقيدة بما أوحت به الفنانة، إذ يكفي لعناصرها أن تفتح شهية الإنسان المعاصر للتعمق في ذاته ومحاورتها، لحاجته الماسة إلى وجوه تذكره بوجهه الحقيقى الذي نسيه في غمار الصخب الفارغ، والإيقاعات اليومية المشوهة. وفي الآونة الأخيرة تسود الساحة التشكيلية المصرية، الواقعية السحرية التي يأتي في مقدمة ممثليها، الفنان إبراهيم الدسوقي (1969م - ...) الذي اعتمد على دائرة متناهية الصغر تقع بين الواقعي والخيالي استثماراً لمفردات ألف ليلة، مثل الجسدين الإنساني والحيواني. أما الفنان الراحل عدلي رزق الله فقد ترك إبداعات غزيرة، مثلت مشروعه الضخم لرسم قصص ألف ليلة، فضلاً عن رسم مشروع «المائيات».
فن الكاريكاتير
يعتبر الفنان الراحل حسين بيكار (1913 – 2002م) أول من أبدع رسوم صحفية للطفل وللكتاب، وظف فيهما «ألف ليلة وليلة»، فاتحا آفاقا غير مسبوقة فى الفن العربي، خاصة أن التشكيليين لطالما اعتقدوا أن ملامسة الريشة لغير اللوحة امتهان للفن وإهدار لكرامتهم وجهودهم؛ وبتعاونه مع كامل الكيلانى رائد الكتابة للطفل، قدم أول كتبه الملونة من حكايات «ألف ليلة وليلة» و«على بابا» و«أبو صير وأبو قير»؛ و«فيروز شاه» عام 1946م. وحين أصدرت دار المعارف مجلة «سندباد» كتجربة رائدة غير مسبوقة، ابتكر معظم شخصياتها، ومنها «سندباد» الذى اشتهرت صورته بوجهه الصبوح الممتلئ بالدهشة والتعبيرات المتباينة التي تقتضيها المواقف المتوالية في القصة، بملابسه العربية ومنظاره الذي يضعه على إحدى عينيه، فكانت رسوم جذابة وممتعة ببساطتها، اجتذبت الأطفال والناشئة ويسرت لهم قراءة وفهم القصص وفتحت أعينهم على تراث الثقافة المادية العربية، كالملابس الشعبية، وفنون المعمار والتشكيل في الفراغ والعمارة الداخلية بأثاثها وأدواتها، وحببت إليهم البحار والرحلات والمغامرات. ليصل بيكار إلى ذروة إبداعاته برسم حكايات «ألف ليلة وليلة» المجموعة الكاملة المنقحة التي أعدها العالم الفولكلوري الراحل أحمد رشدي صالح، إصدار دار الشعب؛ معبرا في رؤية الفنان صلاح بيصار من خلال أكثر من 100 لوحة عن «تميزها وقوة شخصيتها التعبيرية بالأبيض والأسود مع لون إضافي كالأخضر أو الأزرق أو الأحمر أو البرتقالي بدرجاته، مضفيا عليها سحرا فوق سحرها بتلك البساطة والغنائية في الخطوط والمساحات، ولينقلنا بخطوطه البسيطة الموحية إلى الزمن العربي الجميل، من خلال عناصر ومفردات التراث، كالملابس الشرقية الفضفاضة والبسط والمفارش والعمائم المطرزة والمدائن والبوابات ذات الأقواس والستائر والحدائق والنوافير، بإحساسه الشاعري وروحه الطليقة التي تنقلنا من عمق التاريخ إلى نبض العصر بتجليات من الإشراق، عامدا ومتوسلا باستطالة الشخوص وقوة ورشاقة الفرسان والنبلاء، مدققا في تفاصيل طيات الثياب والإكسسوار والورود والزهور، دون إغراق في زخم الزخارف» (ألف ليلة وليلة وبيكار، مجلة الخيال، العدد 52).
فن الكرافيكي
قدم الفنان الجرافيكي عوض الشيمي تجربة مهمة في التعامل مع فولكلور ألف ليلة مستلهماً مفرداتها فكانت مجموعته الأكبر «الجواري» بأجوائها الإستشراقية وصورها الخيالية، حيث شكلت غرابة الشرق صورة العالم الرومانسي المنشود طبقا للباحثة أمل نصر في مقالها «تلاحم الآفاق مع التراث المصري الفني» بمجلة بورتريه العدد 43 ديسمبر 2009م. وفي الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس معهد العالم العربي، أقيمت بباريس في الفترة من بداية يناير الى نهاية مارس 2013م ثلاثة معارض بانورامية موسوعية بالغة التوثيق الجرافيكي والإخراج (السينوغرافية) الأقرب الى مشاريع تظاهرات كبرى، أعد لها منذ سنوات بتكاليف وميزانية غير مسبوقة؛ وضمن حشد توثيقي خصب كان المحور الثالث للمعرض، الأشد حميمية ومنهجية واحترافية في عرض «ألف ليلة وليلة» بشقيها الإبداعيين، العربي والأوروبي، معتمدا في توثيقها على الجانب البصري والجانب الروحي كاشفا باستعاراته المعقدة من أشهر المتاحف والمجموعات، ماخفي من تراث رسوم المخطوطات العربية الاسلامية، وما خفي من روائع التصوير والأدب الغربي - خاصة الفرنسي - بدأ إعداد التقنيات الإبداعية للمعرض منذ عام 2008م بالتعاون مع أكبر الباحثين المتخصصين مثل أندريه ميكيل الأستاذ في «كوليدج دو فرانس» من خلال مؤلفاته المنهجية وترجماته، لخمسة عشر ليلة من ألف ليلة إلى اللغة الفرنسية، إخراج التونسي ناصر خمير، قامت بحكيها إمرأة تمثل «شهرزاد»، تخلل الحكايات بعض الأشعار بلهجة عربية؛ كشفت شواهد وإبداعات المعرض سعة وشمولية وثراء خريطة ألف ليلة وليلة، خاصة في اختيار الإعلان العملاق للمعرض بالغ الأصالة، المنتشر في معظم أرجاء العاصمة العالمية، إضافة لأروقة المترو، كما أبدعت صورة ضخمة بالألوان المائية تمثل مشهد خيانة زوجة شهريار الأولى مع العبد مسعود الشهير الوارد بصفحات «ألف ليلة وليلة» الأولى، رسمت بحيث تستلهم القصة وتوظف «باليه شهرزاد» للمبدع الأشهر عالميا (فاسلاف نيجنيسكي)، الصورة - طبقا للفنان أسعد عرابي - لا تقدر بثمن، وتأتي ضمن أسباب نجاح المعرض. في الرياض أقيم معرض لشخصيات «ألف ليلة وليلة» فى آرت جاليرى، من خلال عدد من اللوحات، العملاقة في محتواها ومضامينها الفنية الدقيقة، التي تحكي أساطير وشخصيات شهرزاد وشهريار وعلاء الدين والمصباح السحرى والسندباد البحري وغيرها، وتجسدها بالفرشاة والألوان، اختزن الفنان (أندريه دوجين) مضامينها الحكائية، لتؤثر ليس في فنه فحسب، بل في إبداعات مريديه العالمية، كالفنان الروسي الشهير (روتسيلاف برتو) وطالبته التي تزوجها، فنالت لوحتهما المشتركة «الخياط الصغير الشجاع»، الميدالية الذهبية من جمعية مجتمع الرسامين بالولايات المتحدة الأميريكية، ووصلا إلى قمة العالمية بالعديد من الأعمال التي استلهمت حكايات ألف ليلة وغيرها.
تأثرت الأديبة والتشكيلية السعودية هلا بنت خالد بن فهد بأعمالهما، فاستضافتهما بالسعودية ليحظى بها متذوقو روائع الفن المعاصر والمهتمين بالاستلهامات الفنية الأسطورية والأدبية العربية، التى استخدمت فيها أحدث تقنيات خلط الألوان، وبرامج الكمبيوتر؛ استغرق العمل الواحد أكثر من ست سنوات لإنجازه، من تحضير للفكرة ومراجعة تفاصيل موضوع اللوحة، من خلال المصادر والمراجع، ومن ثم تخيل الشخصيات والكائنات والاستعانة إما بأفراد العائلة أو أشخاص لتصويرهم في الطبيعة، ومن ثم رسم عدة رسومات أولية بمنظورات مختلفة الزوايا، لاختيار الدائرة اللونية قبل تنفيذ الفكرة النهائية للوحة.
في الجزائر افتتحت الفنانة التشكيلية (حياة كنونة) أول معارضها الاحترافية «ألف لون ولون» فى 22 مارس 2013م الذي اتكأت في إبداع لوحاته على حكايات ألف ليلة الساحرة، مستمدة منها تراثا جماليا ومعنويا متجذرا في الذاكرة العربية والجزائرية، وظفته بأناقة من خلال تناسق الألوان والموضوعات التي اختارتها بعناية من خلال 23 لوحة مختلفة الأحجام والموضوعات، عكست من خلالها بصمتها التشكيلية الخاصة وتقنياتها الفنية باستخدام وتشكيل مادة الفينيل وتطويعها وتأثيث إبداعاتها عليها، خاصة ذات الخلفيات الزجاجية السوداء، فذلك سر اختيارها المتميز اللون الأسود، كدلالة على الليل أو الفترة الزمنية التي كانت شهرزاد تحكي خلالها حكايتها وأساطيرها؛ لذلك طعمت أعمالها بسحر القصص وأجواء وأبطال «ألف ليلة وليلة» لتمنح المشاهد فسحة للحلم، راحلا مع فنها إلى جماليات التراث والتاريخ.
النصب التذكارية
فى منتصف سبعينيات ق20 أقام النحات محمد غني حكمت في بغداد نصب «شهرزاد وشهريار» الناهض كشاهد أبدي على شهوة الفن للحياة وشهوة الحكاية للتجدد، حيث تقف شهرزاد قبالة شهريار شامخة كنخلة بغدادية، ملكة تمسك صولجان الكلمة بيدها وتقبض على سر الحرف الوهاج وتعلمنا أسرار ألف ليلة وليلة فى مقاومة شهوة القتل لشهريار، متجددة كل يوم كما أرادها النحات الألمعي، واقفة غير راكعة أمامه، متكئا على أريكته، ظهره الى النهر وعيناه عليها، بينما تنظر تجاه النهر، يركض الموج بخيالها من دهشات لا تنتهي. يقوم النصب التذكاري في حدائق دجلة بقلب شارع أبو نواس، وهو أحد الأسباب التي ألهمت الأديبة التونسية (حياة الرايس) روايتها «عشتار». في البصرة يوجد نصب «السندباد البحري»، إبداع الفنان العراقي/ قيس عبد الرزاق العمر، هذا النصب التذكاري يعد الأشهر والأهم والأكثر تأثيرا، أبدع من الأسمنت والحديد، بثلاث مستويات، الأول : يمثل ثلاثة أسماك تلتف كل واحدة ليشكل جسدها ما يشبه هلالا أو قاربا؛ نهاية جسدها أمام قاعدة العمل، أما رأسها فأمام العمل الفني وتلتقي نهايتيها بخط بنهاية الخط العمودي، موجودة بحوض سداسي الشكل، يمثل النافورة حيث يخرج الماء من أفواهها، مكونا الشكل التزيينى. الثاني: تتجسد فيه هيئة فتاتين – حوريتين متدابرتين، الأولى يمين مركز العمل والأخرى خلفه، جالستين على قاعدة دائرية الشكل، من ثلاث طبقات وطبقة تعلوهن تمثل شكل محارة مائلة، نفذت الفتاتين الحوريتين بأسلوب شبه واقعي من حيث تفاصيل الجسم العلوية، أما السفلية عمد الفنان لتنفيذها كذنب سمكة ليؤلف شكلا خرافيا كحورية البحر. الثالث : يتكون من هيئة واحدة تمثل رجلاً قوي البنية ينتصب مستندا على ساقه اليمنى المنثنية على صندوق كنز حافظ عليه بعد تحطم سفينته، ملوحا بيديه. نفذ الشكل بأسلوب أكاديمي ضمن إتجاه الواقعية التعبيرية، وهيئة النصب الفني عامة ذات اتجاه أمامي يبرز الموضوع الفني من خلال توزيع السمكات الأربعة وإحدى الحوريات والرجل الواقف، ومركز السيادة في نقطة النظر هو مركز العمل الفني المتمثل في شخصية الرجل – السندباد؛ أما أشكال الأسماك الثلاثة والحوريتان وصندوق الكنز وأجزاء من تحطم السفينة جاءت بمثابة دلالات حوارية تعبيرية تدعم قيم المضمون الفني. البناء التكوينى للعمل هرمي الشكل قاعدته دائرية ونهايته فنية جمالية، افترض الفنان أن تحوي رموز و إشارات رحلات السندباد البحري السبعة. ويرى الباحث حسين عباسي في دراسته «أهمية الشكل والدلالة في النصب الفنية، نصب السندباد أنموذجا» أن للمكان دلالة مهمة في رؤية الفنان، فاختار مفترق طرق تؤدي الى منطقة أبي الخصيب الساحلية، لوضوح رؤيته من كل الإتجاهات، مستخدما الخطوط المتموجة والمنحنية في بنائية العمل إشارة الى موجات البحر، وبنيت حركة الأجساد على أساس التوفيق بين الشكل الواقعي والأسطوري والرمزي، توظيفا في الخطاب الفني، وتأسيسا لمفردات جمالية تعبيرية، ومحاولة لجعل الشكل يوجه ويحدد إدراك المتلقي ويرشده الى الدلالة الفنية التي تأسس من أجلها، فنجح في تنظيمه بأسلوب جمالي رفيع المستوى، يدفع بالمتلقي الى التواصل بين مفرداته، والغوص في بنائية الموضوع، وسهولة تأمله، وأسهمت طبيعة المكان فى كثافة مشاهديه، وتشكيله بأكبر تأثير فني. في مسقط يوجد وجه هام من وجوه ألف ليلة وليلة يمتزج فيه اهتمام الشرق والغرب، وضع بميدان رئيسي على شاطئ خليج عمان، يحمل النصب التذكاري إسم «السفينة صحار سفينة السندباد» الذي تكمن في أصول صناعتها العربية نفس مواصفات سفينة السندباد، التي بنيت خصيصا من نفس أخشاب السفن آنذاك، خالية من المسامير والحديد، تتداخل أجزاؤها على الطريقة القديمة من خلال التعشيق والحبال ودهون الأسماك، ليس بها أجهزة ملاحة حديثة؛ صنعت بمدينة صور، بعد الحصول على الأخشاب اللازمة من غابات الهند وتم إعدادها وفقا لإرشادات السندباد، وكتابات الجغرافيين والملاحين العرب، ليقوم المستشرق والباحث الأيرلندى تيم سيفرن برحلته من ميناء صحار العماني إلى ميناء كانتون الصيني، بمساعدة السلطات العمانية، وتمويل شخصي من السلطان قابوس مارا بنفس الأماكن التي أشار إليها السندباد البحري في رحلاته السبع، راصدا كل جوانب رحلته، خلال تسعة أشهر في الفترة من منتصف نوفمبر 1980م إلى منتصف يوليو 1981م، في كتاب كبير صدر بثلاث لغات : العربية والانجليزية والفرنسية؛ للإجابة عما افترضه من تساؤلات وبحوث، تحقق من خلالها أن 90 ٪ مما ورد في رحلات السندباد، كان حقيقيا وليس من نسج الخيال، فأضاف بتلك الجهود الإبداعية بعدا غير مسبوق الى حكايات «ألف ليلة وليلة» يدعو الى التأمل الجاد في جوانبها الحضارية من جديد.
الصور النحت الرملي
تنشيطا للسياحة الكويتية افتتحت قرية الرمال في يناير 2014م التي تجسد حكايات وشخصيات ألف ليلة وتترجم أحداثها إلى منحوتات تعتمد على تقنيات فن النحت بالرمال على مساحة 30 ألف متر مربع باستخدام 35 ألف طن من رمال الكويت المتميزة، قام بتصميمها 73 نحاتا عالميا من 20 دولة، منهم 11 نحاتا من ألمع المبدعين العالميين توظيفا لتقنيات النحت بالرمال؛ على غرارها أقيمت دورات وورش لتعليم فن النحت بالرمال الكويتية التي أجريت عليها العديد من الفحوصات والتجارب التي تؤكد أفضليتها، طبقا للمعايير القياسية العالمية. تتكون المنحوتة الرئيسية من قلعة كبيرة بإرتفاع 15م، من ثلاثة طوابق، مستوحاة من ألف ليلة وليلة، يشاهد الزوار من فوقها، القرية بالكامل، تتخللها نافورة مائية تخرج منها «مؤثرات نارية» أثناء حكي القصص، تجمع المنحوتة عناصر الطبيعة الأساسية: الرمال - الهواء - الماء - النار. أما اللوحات التعريفية والتوضيحية الخاصة بعرض حكايات ألف ليلة، فتمكن من التعرف على أدق التفاصيل المرتبطة بحكاية كل مجسم بشكل سلس وأبعاد جمالية. تحتوي القرية على أكثر من 70 منحوتة مستلهمة، تعيد سرد ألف ليلة عبر تجسيد أحداثها وشخوصها، والدمج بينهما وبين المؤثرات الصوتية والضوئية؛ إضافة إلى مجموعة من العروض المثيرة، كالعرض الساحر لحكاية علاء الدين والمصباح السحري، و«الفيلة» الذي تقدمه أشهر الفرق الألمانية، و«الأفاعي» الهندي، و«الأقزام» الخارقين حراس السلطان والبلاد والعباد، أما «فرسان النار» فيعيد أروع مغامرات السندباد البحري وأشهر رحلاته العالمية حول البحار السبع؛ بجانب إستلهام الأجواء الموسيقية والغنائية لحكايات شهرزاد التي لطالما علمت شهريار من خلالها؛ ومن أجواء حكاية علي بابا والأربعين حراميا، استلهم تشكيلا فنيا لمغارة كتلك التى وردت بالحكاية على نفس النمط بماكيتات ونماذج تحاكي ذهبها وياقوتها ومرجانها.
الصور
الصور من الكاتب.