صالح باي الظاهرة
العدد 35 - أدب شعبي
لم يكن صالح باي(1) شخصا عاديا ولا كان حاكما لجهة من الجهات المتواضعة(2) وما كان كذلك بايا ورث الملك عن سلفه في غير كفاءة ولا اقتدار ولا استحقاق(3) بل مثّل هذا الرجل في حياته وسيرته(4) وخاصّة في ميتته(5) وبعد وفاته(6) ظاهرة من الطراز الأوّل إذ اخترقت شخصيته وما أحاط بها من هالة الحقب المتتالية والأزمنة المتعاقبة على تطاولها وامتدادها وتباعدها.
غادر الشابّ صالح بن مصطفى موطنه الأصلي إزمير(7) على إثر حادثة أليمة أودت بحياة أحد أصدقائه غرقا وقد هوى إلى البحر من أعلى تلّة من التلال(8). وماهي إلاّ أن غادر شابّ الستّ عشرة سنة موطنه(9) وترك عائلته وركب البحر شقّا له في رحلة طويلة تتقاذفه الظروف المتقلّبة إلى أن قرّ به القرار بإحدى ضواحي الجزائر حيث عمل نادلا بمقهى من المقاهي التي كان يرتادها عسكريو الامبراطورية العثمانية(10) ويبدو أنّ الشابّ قد لفت إليه الأنظار لما كان يتّصف به من فطنة ويتحلّى به من نباهة حتّى إنّ بعضهم نصحه بالالتحاق بأحد أوجاق(11) الجيش الانكشاري(12) العثماني.
ففعل وانخرط في الانكشارية وتدرّب وسطها ما لا يقلّ عن خمس سنوات، وبدأ منذ ذلك الحين في صعود المراتب العسكرية درجة بعد درجة خاصّة وقد أظهر قدرة ملحوظة في الفنّ العسكري وأبدى كفاءة مشهودة في مجال التنظيم الإداري فكان أن وثق به آنذاك أحمد القلّي(13) باي قسنطينة(14) فعيّنه قائدا للحراكتة(15). ولم يلبث الباي أن زوّجه ابنته وأصبح ينوبه في تحمّل المسؤولية، هذه الخطّة التي باشرها بعزم صارم ورباطة جأش وتدبير محكم.
وفي ما بعد عيّنه باشا الجزائر بايا على عاصمة بايلك الشرق(16) حيث أظهر مضاء وبراعة في التدبير العسكري وحذقا ومهارة في إدارة الشؤون العامّة، وقد برز خاصّة في بسط السلطة العثمانية على الجهة الشرقية للجزائر وإعادة النظام إليها، وإلى ذلك كلّه تألّق صالح باي التألّق الذي لا مزيد عليه في التصدّي للهجوم الإسباني سنة 1775م وكذلك هجومهم سنة 1783م. وقد شهد بايلك الشرق في عهد صالح باي ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا ونهضة عمرانية معتبرة حتّى وثق به الأهالي وازداد نفوذه وتأثيره وعظم شأنه وأضحت له شهرة واسعة وسمعة ألقة. من هنا صار صالح باي محطّ الأنظار وانشغل به المنشغلون بين منافس على خطّة ومتخوّف على مركز وحاقد موتور(17) حتّى إنّ باشا الجزائر بدأ يخطّط لعزله وقتله، وكان له ذلك في نهاية المطاف.
والذي يعنينا بعد هذه اللمحة الموجزة التي لا بدّ منها لجلو صورة صالح باي التاريخية وتسليط بعض الأضواء على شخصيّته المتميّزة هو أنّ صالحا يُعدّ بحقّ ظاهرة من الظواهر البارزة التي اخترقت بطبيعتها المخصوصة حقولا معرفية عدّة من تاريخ وسياسة وانتروبولوجيا وعبرت فنونا عديدة كالأدب والموسيقى والمسرح.
والعجيب في الأمر أنّ شخصية صالح باي علقت بــأذهــان النـــاس وسكنت وجدانهم وشغلتهم شغل الهاجس النابض وتعطّفوا على ذكرها بالقلب وباللسان إلى درجة أنّ النساء بالشرق الجزائري لبسن على إثر وفاة صالح باي المأسوية الملاءات السوداء حزنا عليه(18) ومازلن على ذلك السنن إلى يوم الناس هذا.
ومن عجب أيضا أنّ صورة صالح باي قد وقرت في ذاكرة الناس الجماعية وكأنّها أضحت هاجسا من الهواجس الساكنة لضميرهم الجماعي في تحدّ بيّن لعاديات الدهر وعافيات الزمان(19).
لا نـــدري عـــلـــى وجـــه التــحــديـــد مـــا إذا كـــانـت قد نُظمـــت القـصـــائد الشــعـريـــة في «بـــاي الــبــايــــات» وهــو متربّع على عرش الحكم وإن كان هذا الأمر لا يعنينا كثيرا اللهم إذا كان من باب المقارنة(20)، ولكنّنا نعرف أنّه أنشئت في الأحداث الأليمة التي ألمّت به في آخر حـيــاتــه قصيدة مـــن الشعـــر الشــعـــبي لا نـــعـــرف الشــيء الكثير عــمّـــن نــظــمــهـــا(21).
ليست لنا عن ظروف هذه القصيدة وحيثياتها صورة دقيقة، لكن لنا فكرة عن فنّاني المالوف(22) الذين احتفوا بالقصيدة ترنّما متردّدا وغناء متواصلا. نذكر من هؤلاء عبد الملك ايمنصورن وبرمكي حسّان ورضا بودباغ وتوفيق تواتي والسقني محمد وشريف بن راشي وعباس ريغي ومحمد العربي بن صاري(23) وعبد المؤمن بن طوبال ونبيل طوبال وكمال عزيز ومريم بن علال والحاج محمد العنقاء(24) وحسن العنابي(25) وسلفين غارناسيا(26) وسليم فرقاني(27) والحاج محمد الطاهر الفرقاني(28) ومحمد الكرد(29) وريمون ليريس(30)، هذا فضلا عن الفرق الموسيقية(31) العديدة.
احتفى بالقصيدة شيوخ عنابة(32) وقسنطينة(33) - وهـــذا أمـر طبيعي إلى حدّ ما باعتبار الرجل جزءا من التاريخ الثقافي لتلك الجهة - لكنّ الذي يسترعي الانتباه هو أنّ من بين من رثاه غناء شيوخ الجزائر العاصمة(34) ووهران(35) وتلمسان(36) كما تغنّى به المسلمون(37) واليهود(38) على حدّ سواء. ومازال شيوخ المالوف ينشدون المرثية إلى يوم الناس هذا داخل القطر الجزائري أو خارجه فضلا عن أنّه تغنّى به الرجال والنساء(39).
وممّا يزيد الأمر أهمّية أن من أنشأ القصيدة لم يكن يصدر- في ما فعل- عن اعتبارات تتّصل بالأدب الرسمي الذي كانت تزخر به البلاطات وتعقد له المجالس سواء على سبيل التطوّع أو التقرّب والطمع في النوال والحظوة. ولو كان الشأن كذلك لانقطعت الإشادة بصالح باي بمجرّد أن زال حكمه وحلّت به وبأسرته النكبة الكبرى على إثر نهاية مأسوية نلفي ظلالها القاتمة وصداها الحزين في المرثية المذكورة.
وليس غريبا أن يكون هذا الباي شعبيا في حياته نظرا إلى أعماله الجليلة ومآثره الباقية، لكن العجيب أن يظلّ شعبيا بعد وفاته. نحن أمام باي شعبي وأمام آثار له شعبية خلّدته في ذاكرة الأجيال، وهي لهذا الاعتبار جديرة - في ما نرى - بأن تتبوّأ مبوّأها اللائق بها ضمن الثقافة الشعبية، وبهذا المقياس أيضا مثّل صالح باي ظاهرة ذات بعد أفقي يخترق أنسجة الأزمنة المختلفة اختراقه للحقول المعرفية والفنون الجميلة(40).
أمّا اطار القصيدة الزماني فهو آخر القرن الثامن عشر(41)، وأمّا اطارهما المكاني فهو مدينة قسنطينة باعتبارها مصرا من الأمصار أو عاصمة من العواصم، وهي - على الأقلّ من وجهة نظر أهلها - «أمّ الحواضر وزهرة المدائن ومدينة الحُسن ونبع الثقافات ومهد الحضارات وتاريخ تتغنّى به الأجيال لا تسعه أوراق كتاب»(42).
ولعلّه من المفيد في هذا الصدد أن نثبت القصيدة بنصّها بصفتها مدار الموضوع، ومن الجدير بالاعتبار أن نقدّم لها نوعا من الشرح لعباراتها ومجازاتها ودلالاتها بقدر ما تيسّر من إلمام وأتيح من اجتهاد.
والقصــيدة مـــن حـــيث النــوع عبـــارة عـــن مــرثـــية تتداخل فيها معاني التفجّع ومعاني التأبين - وإن بتفاوت بين العنصرين - وتتخلّلها أصوات مختلفة حسب الشخوص التي تصدر عنها.
يشار كذلك إلى أنّ الكلمات تختلف أحيانا بين فنّان وآخر، وهذا الطابع غير السكوني للقصيدة أمر طبيعي مألوف في الأدب الشعبي خاصّة إذا طغى عليه جانب الروايات الشفوية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يتعيّن كذلك أن نعتبر أنّ المؤدّي يتصرّف أحيانا في ما بين يديه من كلمات ويُضفي عليها من مهجته ويُفرغ عليها من قريحته ما يعنّ له وهو في أوْج الطرب(43) وغاية السلطنة(44)، هذه الحالة الشعورية التي تعتري الفنّان عند الأريحية والانطلاق والجذل أو ما يعبّر عنه بالتخمّر(45) بما هو انتشاء يجعل المُنشد يسترسل مع طبعه وينقاد لقريحته وانفعالاته الفنّية وما يجود به خياله فيتصرّف في الألحان قرارا وجوابا وفي الكلمات ينوّعها بالتحوير والتغيير. وإذا كان للشعراء جوازاتهم الشعرية فإنّ لفنّاني المالوف جوازاتهم اللحنية ولا سيّما إذا كانوا يتغنّون بمحبّة شخصية شغفت وجدانهم جاذبية وفتنة وسحرا. يقول مقصّد القصيدة الشعبية:
قالوا العرب(46) قالوا
لا نعطِيوْا(47) صالح ولا مالو
و لـو نُقتَلوا(48)
ويطِيحوا(49) الأرْقاب(50) على الأرقاب
همّلتني(51) يا رقيق الناب(52)
عن جال(53) المخنتر(54) سِيد القومان(55)
يا ليعتي(56) خيالو(57) ما عاد يبانْ(58)
روحي(59) يا الدنيا(60) ما فيك أمان
قالوا العرب هيهات
سيدي صالح باي البايات(61)
هذي(62) من الله جات(63)
الله يرحم لبدان(64) عزاره(65)
روحوا لدارو يا زيّاره(66)
يا بابا الحاج ارفع رأسك(67)
وشوف ما جرى في ناسك(68)
عن جال المخنتر سيد القومان
يا ليعتي خيالو ما عاد يبان
روحي يا دنيا ما فيك أمان
قال العربي قال
سيدي صالح لاش هو يُقتال(69)
نفديوه(70) بالمال
قليبو ما جاب أخباره(71)
روحوا لداره يا زيّاره(72)
كِي(73) خرجوا ضيق عشية(74)
والخلق(75) دائرة مسبيّة(76)
برّاح(77) ينادي على الأربع أركان(78)
يا ليعتي خيالو ما عاد يبانْ
روحي يا دنيا ما فيك أمان
آه يا سرّاجيـن(79)
الدمع يسكب(80) والقلب حزين
بيبان(81) مغلوقين(82)
قليبو ما جاب أخباره(83)
روحوا لداره يا زيّاره
برّاح ينادي على الأربعة أركان
روحي يا الدنيا ما فيك أمان
كي ركّبوه على الزرزوره(84)
ولبس قمجّتو(85) المحصورة(87)
دنقت(87) لتدزاير(88)
ما عرف قليبي وآش اللي صاير(89)
بايات تتغايـر(90)
باي إبراهيم(91) جاي حزّاره(92)
روحوا لدارو يا زيّاره
أمّ الحنينة(93) ماذا عملـت(94)
بين القبور ناحت وبكات(54)
بدموعها تشالي(96) نعت(97) الموجات
حيّرت دليلي(98) والحال يشيان(99)
روحي يا دنيا ما فيك أمان
خرجت متهنّي(100)
وعطاوني الأمان(101) وخدعوني
هياولي(102) كفنــي
ضربة ربّي جات مقدّرة
روحوا لدارو يا زيّاره
أمّه هابلة وهبيلة(103)
وأختُه طاليه بالنيلة(104)
برّاح ينادي على الأربعة أركان
يا ليعتي خيالو ماعاد يبانْ
روحي يا الدنيا ما فيك أمان
تحاصـرت المـدينـة
وتغـلقوا الـبـيـبـان
وهـرب صالـح على مجرّح(105)
ودماغـه(106) عـريان(107)
مخنوق بمحرمه(108) شعّاله(109)
ودموعه ويدان(110)
كي حكمو(111) الشاوش(112)
دار له(113) زوج حديدات(114)
قالو توضّا(115) أه يا صالح
واخرج للميدان(116)
خليوني(117) نوادع(118) أولادي
مانيشي هربان(119)
يا حمّودة(120) يا وليدي
اتهلّ(121) في الدار(122)
والدنيا راهي(123) غدّاره(124)
عادت(125) بتأخّار(126)
ماتلوموشي عليّ اكبادي(127)
عادة بابا نار
لـو عرفت هكذا يجرى لي
ما نسكن البلـدان(128)
نبنـي خيمـة علـى أولادي
ونعــاشـروا العـــربـان(129)
كي دخلوا لداره
هي وبـيت المال
ذهب و جوهر يا صالح
وخدم مع الوصفان
قـــالــــــوا صــالـــــــح راح(130)
ورّيو لـي(131) قـبــرُه يا أسيادي(132)
نشوفوا نــرتــــــاح
ويهبّوا الأرياح(133)
واش من بـــاي(134) في عـــــوض صالح
فـي مدينة قـسنطينة
حـَـزْنـوا(135) عـلـيــــه آه يــا أولاده
يا عـــرب الـــمــديــنـة(136)
ولعلّ من مقتضيات الإلمام بقصيدة الحال أن نورد عددا من الروايات المختلفة، هذه الروايات التي تضيف إلى ما أثبتنا نُتفا شعرية أخرى على الصور التي جاءت عليها ومنها قول الشاعر:
راحوا(137) عند صالح باي
خلّى(138) سبعة أولاد صبري للّه
الله يرحم من كان حضّاره(139)
روحوا لداره يا زيّاره
وقوله أيضا:
ادفعت الديّة(140) ولا عارف
قلبي زاهي(141) ماجاب أخبارهْ(142)
وقوله كذلك:
كي مشيت لبلادي
ساعة سعيدة حيث شفت(143) أولادي
كيفاش اتعادي
وتقول جات فازعهْ
يا ربّي بيها ظهرت
حديثي ساعهْ
ويقول الشاعر أيضا:
مانيش هربان هذا شيء
مكتوب في جبيني(144) قبل ما نرجع باي(145)
أمّه تبكي وتنوح
وتقول صالح راح
ما راد ربّي(146) يا صالح
مكتوب الرحمان
ومن المقاطع الشعرية كذلك قول من قال:
يا أمّه فين(147) هو بابا
رايح وإلاّ هربان
ومن المقاطع كذلك قول الشاعر حين قال:
حمّودة يا وليدي(148)
دنق(149) مع الديوان(150)
حين اعطاولوا التسبيح
وعطاولوا الأمان
قالوا له لا تخاف يا صالح
هذا أمر السلطان
تلك هي المقطّعات الشعرية التي يجدها المرء هنا وهناك حسب ما تباين من روايات، وقد رأينا إيرادها مفيدا حتّى تكتمل الصورة ولا يقع الباحث في ما يمكن اعتباره تجزئة أو انتقاء. يقودنا ذلك إلى سَوْق أطول نسخة للقصيدة وهذا نصّها كما جاء في بعض الروايات(151):
على أنّ المطربين لم يكونوا يؤدّون القصيدة إلاّ بعد إيراد أشعار أخرى قد تقصر وقد تطول حسب أذواق المؤدّين، لكنّها أشعار ذات وظيفة تمهيدية يسوقها الفنّان من خلال صياغة غنائية يعبّر عنها بـ«العروبي» وهو أداء مرتجل خال من الإيقاع الموسيقي منسجم مع نغمة(152) الأغنية وتتراوح هذه المقدّمة الشعرية الغنائية بين بيتين وعدّة أبيات حسب اختيار المؤدّي، فالمطرب محمّد الكرد مثلا يقدّم لأغنية «كي تحاصرت المدينة» ببيتين هما:
يا لنْدرى(153) يتقاطروا(154) الأيّام
ونرجعو كيف كنّا(155)
يبراوا(156) عيوني من الداء
ونقول قليبي تهنّا(157)
وكذلك فعل المطرب حسن العنّابي حين اعتمد في «عروبيّه» على بيتين اثنين أيضا وهما:
يا ابن آدم لا تيت القرح
والنكد ماهو شي دائم
مكتوب في سورة الشرح(158)
يرجع من كان هائم(159)
وربّما افتتح المؤدّي إنشاده بثلاثة أبيات، على غرار ما فعله منشد من منشدي فرقة «نسيم الأندلس» إذ استهلّ الأغنية بقول الشاعر:
فراق الحياة(160) مرّ وصعيب
خلاّو دموعي تتقاطر(161)
فنيت ولاجبرت(162) طبيب
يبري على الجرح شاطر(163)
فراق بلا مواجع صعيب
ما يتنساش من خواطر
وقد يمهّد المغنّي للقصيدة الأصلية بأبيات عديدة تتجاوز ما ورد بالمقاطع المتقدّمة، ومن الأمثلة على ذلك الأبيات التي أنشدها عبد العزيز بن زينة حين ردّد على ارتجال قول الشاعر:
يا ويح من ضاق صدره
بالمواجع إذا طال داهم(164)
يرمي برجله البرا
يا أهل القبر يراهم
كانوا سلاطين ووزرا
ماتوا قبلوا عزاهم(165)
يكسبو من المال كثْرا
لا عزّهم(166) لا فداهم(167)
الأيّام تمرض وتبرا(168)
والصبر هو دواهمْ(169)
وعلى غرار ما تقدّم فعل الشيخ محمّد العنقاء(170) والشيخ ريمون ليريس، غير أنّنا لم نتمكّن من تبيّن أشعارهما التمهيدية لتحديدها وضبطها. وعلى وجه العموم فإنّ تلك الأشعار ذات وظيفة تمهيدية من شأنها أن تهيّء السامع للولوج إلى أجواء الرثاء ومعانيه وإيحاءاته، فمن باك على ما فات إلى متحسّر على أيّام مضت ومن متمنّ لعودة الزمن السعيد الذي يغمر الحياة طمأنينة ودعة وهناء إلى شاك ألم الفراق ولوعة البين وعذاب التمزّق والانشطار ومن متألم متوجّع على من ضاق صدره بالأوجاع المطردّة إلى متأمّل شأن الحياة وتقلّباتها التي تصيب أهل السلطان والمال والجاه من الأعيان وغيرهم. ولا يلبث المتأمّل في أمور الحياة وتقلّباتها حتّى يحاول تهدئة النفس وتوطينها على تحمّل المكاره والأزمات ولا يجد إلى ذلك سبيلا سوى الصبر باعتباره دواء شافيا ومرهما عافيا.
والواقع أنّ تلك الأشعار التمهيدية بمضامينها المتميّزة وبأنغامها المخصوصة باعتبارها لا تخضع لميزان موسيقي تعتبر مستقلّة - إلى حدّ ما - بذاتها من ناحية، لكنّها من ناحية أخرى مرتبطة بالمرثية ارتباطا وظيفيا لأنّها تثير الأشجان وتهيج العواطف هزّا للنفوس وحوكا في الوجدان.
وتوجد صيغة أخرى للتمهيد تبدو أكثر تقدّما وأوثق اندماجا، ذلك أنّها غير مرتجلة من المؤدّي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تشارك المرثية في الوزن وفي النغمة. ولئن جاء غرضها غزليّا فإنّه يشارك المرثية في معنيي الشكوى والحزن على حدّ سواء، وهذا ما يجعلها أكثر قربا وأوثق وشيجة، وفي ما يلي نورد المقطوعة التمهيدية بنصّها وقد ردّدها أغلب فنّاني المالوف.
يقول الشاعر:
كمّمت سرّي جاحدَه(171)
لا نرقد نومي متهنّي
غزالي كنت معاهدَه
ما خنتُو وما خانو سعدي
فراقك ماني طائقه(172)
بالله واش يصبّرني
يا صبري ما أقواني
صابر على كثرة المواجع
همّ الدنيا فانيه
همّ الأوخيه(173) راهو راجع
ضاموني(174)الأدراك(175)
حتّى قلبي زاد(176) عليّ
نتوسّل برضاك
وتجيني ضيق العشيّة(177)
راني نترجّاك
يا للاّ(178) يا عائشة البيّة
وهذه المقدّمة الشعرية المنغّمة كما يبدو عبارة عن إعداد نفسي للمستمع ولا سيّما أنّ المقطوعة كلمة ختامها هي اسم «عائشة البيّة»(179) ويمكن للمرء - بعد كلّ ما تقدّم من عناصر ومعطيات - أن يتلبّث بعض التلبّث متوقّفا عند مقوّمات التأثير المحتملة التي أكسبت المرثية كلّ هذا الذيوع وهذه السيرورة، سيرورة «كي تحاصرت المدينة» أو «قالوا العرب قالوا» أو «رائعة صالح باي»(180).
يحسن أن نشير إلى مجمل ما أحاط بالقصيدة من حيثيات حافّة وعناصر مصاحبة، فصالح باي حكـــم اثنتــين وعــشــريـــن ســـنة، وهـــذه المـــدّة قيــاسـية بالنسبة إلى كلّ البايات الذين توالوا على مدينة قسنطينة، وهو - زيادة على ما حقّقه من ازدهار اقتصادي واجتماعي وجسّمه من نهضة عمرانية - يعتبر بمثابة «البطل القومي» و«الحامي لحمى الدين»(181). . ، ثمّ إنّ موته حدث في شهر من الأشهر الحرم وهو محرّم (سنة 1207 هـ) بعد أن أعطاه من اوئوه الأمان(182) وحصل على عهود مؤكدة(183) ومواثيق غليظ(184). يضاف إلى ذلك القِتْلة التي قُتِلَها، فقد كتموا أنفاسه خنقا بـ«محرمة شعّالة» وهذه الميتة معدودة من أفظع الميتات وأشنعها شأنها شأن الحرق أو الغرق(185). غير أنّ هذه المعطيات - على وجاهتها وتأثيرها - لا تفسّر جوس «رائعة صالح باي» في الديار وتجوالها في الآفاق، لذا يتعيّن التوجّه إلى القصيدة في ذاتها استقراء لها لجلو ما أمكن من مقوّمات التأثير.
تـــلــك هـــي الــقــصـــيدة في ظـــروفـــهـــا المحــيــطـــة بـــها وحيثيـــاتـهـــا المصاحبة لـها. أمّا في ذاتها فيمكن تناولها من عديد الجوانب، ولعلّ أقرب مستوى يمكن أن يبدأ به المرء بنيتها الصوتية(186) وهي تمثّل لأوّل وهلة ميزة ظاهرة ظهورا بيّنا يسترعي الانتباه، ذلك أنّ المقاطع القصيرة ضامرة ضمورا جعلها لا تكاد تذكر احتشاما وضآلة. فنسبتها إلى المقاطع الطويلة في حــدود خمسة بالمائة وهي ذاهبة مذهبا بعيدا في مفارقتها للمعدّل في الشعر عامّة(187) بما يعني أنّ المقاطع الطويلة غالبة مهيمنة(188). وإلى ذلك يلاحظ الباحث في هذا الصدد أنّ السيطرة هي للمقاطع الطويلة المنفتحة، فهي غالبة على المقاطع الطويلة المنغلقة(189) وهاتان الميزتان تبيّنان بجلاء بعد البنية المقطعية العامّة في هذه القصيدة من البنية العامّة التي ينتظم فيها كلام العرب إجمالا(190) فقد أدركت المقاطع الطويلة المنفتحة نسبة تقارب ثلاثة أرباع بالقياس إلى المقاطع الطويلة المنغلقة بما يظهر بوضوح أنّ القصيدة غنائية الطابع من الطراز الأوّل لما صيغت فيه من صياغة ليّنة رقيقة.
وهذا المنزع الظاهر لا يزداد إلاّ تأكّدا وبروزا، وذلك بتردّد مثل هذه المقاطع المديدة في مواطن معيّنة من القصيدة. وعلى هذا النحو تنهض المقاطع الطويلة المـنـفـتـحــة في تــلك المــــواقــع المخــصــوصــة وفي عمــوم القصيدة بوظيفة بالغة الأهمّية دقيقة التعبير وهي فـــكّ لـــزق مـجـمـوعة الحــروف المتــراصّـــة - على الرغم من قلّتها - والتخفيف من لزقها الثقيل وإكسابها إيقاع الكلام سلاسة وانسيابا معتبرين(191).
وممّا يذكر كذلك أنّ المقطع الطويل المنفتح من نوع (يا) فيه تهيّؤ للاستطالة وقابلية للامتداد يمكنّان المغنّي من أن يستند عليهما في حرّية كبيرة فيتيسّر له أن يدخل على المقطع من نوع (يا) كلّ ما يوحيه اللحن من زيادة في طول المدى(192).
والملحوظ كذلك - فضلا عمّا تقدّم - هو أنّ البيت بصفة عامّة يبدأ بمقطع طويل منفتح أو بمقطعين طويلين منفتحين أو ثلاثة مقاطع طويلة منفتحة(193) وينتهي بمثل ذلك غالبا وبأكثر من ذلك أحيانا، فيذكّر في عموم هيكله ببنية الندبة(194). وهذه الميزة تجعل المضمون ملائما للمبنى لأنّ «المتفجّع عليه»(195) هو الشخصية المفارقة للأهل والجماعة ولأنّ «المتوجّع منه»(196) هو الفراق بما يستدعيه من نداء وبكاء وما يقتضيه من بوح ونوح خاصّة أنّ القصيدة تتردّد فيها معاني البين وتتواتر بها معازي الحين بما يدعو المستمعين إلى الاكتئاب والتحزّن لما يطرق أسماعهم من مقاطع الأنين وترجيعات الحنين.
على هذه الشاكلة جاءت البنية المقطعية للقصيدة في متنـهـا أو عــلـى الصــورة المســمــوعــة التــي أدّاهـــا بهــــا المطربون على اختلافهم إذ يضيفون عددا من المقاطع والعبارات ذات المقاطع المعلومة المكمّلة للوظائف التأثيرية الأخرى.
ويمكن على سبيل المثال سياق ياءات النداء(197) بما هي محمل من المحامل لدعوات الاحتياج والاستصراخ والاستغاثة والاستنجاد كما يمكن إيراد آهات(198) الألم والأسى والتوجّع والتحسّر والتفجّع، ويظهر ذلك بصفة خاصّة في أداء فنّاني المالوف وما يضيفونه إلى المتن من مؤثّرات أخرى(199) ولعلّه يجدر التوقّف كذلك عند قوافي الأبيات وهي ترتكز في خواتيمها على أصوات بأعيانها تؤدّيها حروف اللام والراء والنون وهي تقوّي درجة الجهر مقارنة بغيرها من الحروف المجهورة، وهذه الأصوات تصنّف ضمن الوقفيات نصف الرنّانة(200) التي تُحدث رنينا قابلا لتأدية أصوات الأنين والحنين بمعناه العاطفي(201) وبمعناه الأصلي(202)، ومثل هذه الأصوات تكتسي أهمّية في ذاتها لطبيعتها المذكورة كما تكتسب قيمة إضافية بالنظر إلى أنّها آخر ما يقرع أسماع المستمعين في نهاية الأبيات أو المصاريع أو «الغصون»(203) كما يعبّر عنه في مصطلح الشعر الشعبي.
ولا شكّ في أنّ الخصائص المستقراة من متن القصيدة ومن إجرائها غناء إلى جانب غيرها من المميّزات تمثّل محملا وظيفيا من محامل غرض معيّن تُطلق عليه في اللغة الشعبية عبارة «التمحزين» الذي يؤدّى بتضافر العبارات من ناحية والألحان من ناحية أخرى حين تتداخل وتتكامل لتخرج في آخر المطاف وحدة فنّية متماسكة منسجمة قويّة التعبير بالغة التأثير عبر إرنان الأصوات وتحنان العواطف.
ومن المؤكد أنّ عبارة «التمحزين» تعود في أصلها إلى الجذر الثلاثي ح ز ن، ولا شكّ في أنّها تستظلّ بمظلّة تلك المادّة الدلالية. وهذه العبارة تجري من حيث الاستعمال مجرى المصدر ولو أنّ هذه صيغتها الصرفية لا تخضع لوزن المصادر القياسية باعتبارها منحدرة من فعل غير مجرّد(203) على أنّ العبارة ليست غريبة تماما عن الاستعمال الفصيح إذ يمكن تقريبها من ألفاظ معيّنة من قبيل تحزّن وحزنان ومحزان(204). ويمكن للباحث الانتقال من المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي من خلال فعل حزّن ومصدره. يقال فلان: يقرأ بالتحزين إذا أرقّ صوته(205) وهو يفيد إدخال الحزن على القراءة، وهنا ينضاف إلى البعد المضموني بعد صوتي يتّصل بالأداء. ويمكن للمرء - انطلاقا من هذا المستوى - أن يحيط ببعدي التمحزين كليهما سواء الأغراضي أو الأدائي.
والحاصل أنّ كلمة «التمحزين» التي ربّما جاءت مع بني هلال في تغريبتهم كلمة متداولة في القطر التونسي وعامّة بلاد الجزائر. ولا ندري على وجه التحديد ما إذا كان هذا المصطلح مستعملا في غير ما أشرنا إليه من المواطن والأوطان(206) ويغلب استعمال الكلمة المشار إليها في الأوساط البدوية والريفية، وهي في مضمونها شقيقة لغرض الرثاء في الشعر الفصيح. إلاّ أنّ الرثاء كما هو معلوم في دراسات الأدب العربي القديم مرتكزه الأساس هو التأبين بما هو ذكر مستفيض لمناقب المرثي إعلانا لشأنه وكأنّه في مقام المدح للحيّ.
ويتميّز «التمحزين» عن ذلك السياق الرثائي في الفصحى بإظهار بعد وجداني بارز متّصل بالفاعل وهو المُتمحزِن(207). وفي حين يقتصر الرثاء على الشخص المتوفّى يتجاوز التمحزين الشخص سواء كان متوفّى أو في حكم المتوفّى ليمتدّ إلى غيره من المواطن والأماكن فيقترب - إن قليلا وإن كثيرا - من الوقوف على الأطلال وما يتبعه من استيقاف الصحب والاستعبار(208) وربّما اقترب كذلك من غرض آخر من الأغراض المتأخّرة من الحنين إلى البلدان ورثاء الأوطان.
ويمكن للتمثيل على ما تقدّم لتقريب المفهوم وتوضيح الفكرة أن نسوق مثالين اثنين أحدهما مُتداول في القطر الليبي ومطلعه:
أمّ الضفايــر ويــــن خلّيتوهــــــا(209).
وثانيهما سائر في القطر التونسي سيرورة الأغاني الأصيلة كلمات(210) وألحانا عتيقة(211) ومطلعها:
يــا خيل ســالم بـــاش روّحتولـــــي
بــانا وجوه تقابلــــوا قولــولــي
والحاصل أنّ التمحزين عبارة عن كلمات كئيبة سُكبت في ألحان حزينة، فهو إن شئنا غناء باك وإن أردنا بكاء مغنّى حملته رائعة صالح باي.
وإذا أقبل المرء على طبيعة السجلّ المعجمي للألفاظ - بما هي مادّة أوّلية جارية مجرى الاستعمال ألفاها في أغلبها الأعمّ مصطبغة بصبغة معيّنة سيأتي ذكرها. وقد رأينا من الأنسب أن لا نوردها دفعة واحدة لأنّ ذلك قد لا يفي حينئذ بالحاجة المرجوّة. من هنا تعيّن أن نسوقها نجوما منجّمة على عدد من الجوانب والمظاهر سواء كانت مناظر أو مشاهد أو ألوانا أو أصواتا أو أحاسيس أو أحوالا ذهنية أو أفعالا أو أخلاقا عسى أن يكون هذا النوع من التقسيط ناطقا معبّرا يساعد على الفهم والتحليل والاستقراء والاستنتاج.
تنفتح القصيدة على قول للسكان موّحد وهذا القول عبارة عن عهد قطعه الأهالي على أنفسهم بأن لا يسلّموا صالحا إلى أحد ولا أن يسلّموا أمواله إلى غيره مهما تكن الظروف وتطرأ الطوارئ ولو في أسوإ حالاتها وأكثرها قسوة وأشدّها إيلاما. وهذا المعطى - فضلا عن أهميّته التاريخية ودلالته الساطعة على وفاء المجتمع التامّ لصالح باي - له وظيفة دلالية ربمّا لمسها اللامس في آخر القصيدة، وهي إبراز قيمة الرجل الشعبية الراسخة في ذاكرة الجميع الثابتة في وجدانهم. ومن شأن هذا التكفيف المعنوي أن يوجّه مشاعر الأهالي خاصّة والمتلقّين عامّة وجهة زمانية معلومة يبرّر بها خطّته الخطابية ودعوته سكان قسنطينة إلى الحداد العامّ.
ينطوي الاستهلال على إرادة وعزم وتصميم وعلى استعداد للصمود والجِلاد والقتال والفداء بما يضفي على القصيدة طابعا ملحميا ملحوظا، لكنّ احتمال وصول العمليات القتالية إلى ازهاق الأرواح بالجملة وسقوط الضحايا أكداسا مكدّسة بعضها على بعض لا يلبث أن يصبغ الأحداث بصبغة المأساة.
ذلك هو المنطلق، أمّا المآل الذي تنغلق عليه القصيدة فهو الكآبة تتوّج بدعوة إلى الحزن والحداد العامّ. وعلى هذا النحو تُحكم القصيدة من طرفيها كليهما بالاغتمام والضنى والاهتمام والأسى وأمّا باقي المدوّنة فقوامه مدينة محاصرة أبوابها مغلقة وأكفان مهيّأة وقبور شاخصة وألوان زرقاء زرقة لباس أخت صالح وقد طلت ثوبها بالنيلة وأخرى سوداء سواد القميص الذي ألبسه صالح، وأمّا العيون فدموعها أنهار جارية وأمواج هادرة، وأمّا الأصوات المسموعة فتتراوح بين النداء والبكاء من جهة والصياح والنواح من أخرى إلى درجة أنّ مظاهر التوجّع لم تنحصر في الأشخاص الآدميين بل تعدّتهم إلى شخوص الجمادات التي أصبحت - لتجهّم الأجواء واكفهرارها ولحلول الكرب العظيم - تصيح صياح الشكوى على غرار ذلك الطبل الذي خرج عن طوره وتنكّر لوظيفته من أداء مواقف النصر والبهجة إلى التعبير عن الآسى والحزن، وأمّا الحركة فأساسها سعي محموم يتردّد فاعلوه جيئة وذهابا بين القبور وإشارات هيستيرية في كلّ الاتّجاهات. والحاصل أنّ الأحوال العامّة - لجثوم البلاء المبين - قد بلغت من السوء ما بلغت حتّى تحيّرت الألباب وتولّهت العقول، هذه العقول وتلك الألباب التي لم تعد تتّجه إلى سبيل أو تهتدي إلى صواب.
عندما حوصرت المدينة وأقفلت الأبواب وجاء ما يشبه الفزع الأكبر خرج صالح باي عاري الرأس مدبرا على ظهر حصان. أمّا عراء الرأس فهو كناية عـــن الهــلاك المحـقّــق، وأمّا إدبار الفارس فهو رمز لإدبار الدنيا وإعراضها عن الباي وعن عهده، هذه الدنيا بمعناها الاشتقاقي الأصلي المشبع انحدارا وانحطاطا ووضاعة، فقد نكصت على عقبيها وكشفت عن وجهها القبيح بما يعكس أخلاق المناوئين من أهل الخديعة الذين لا عهد لهم ولا ميثاق ولا يرعون إلاّ ولا ذمّة، وهكذا الدنيا شيمتها كثرة الغدر وأخلاق أهلها من الشانئين الخديعة على الرغم من عهودهم المؤكّدة ومواثيقهم المغلّظة. هذا الأمر المفارق هو الذي حمل الشاعر - فيما يبدو - على أن يقف من الدنيا موقفا سلبيا فيه زجر ونهر وفيه امتهان وإزراء لما اتّصف به هذا العالم السفلي من دناءة وقلّة أمان.
على أنّ صالحا - على الرغم من تقييد الحاجب ليديه وإلباسه «القمجّة» السوداء وإركابه على «الزرزورة» لمجرورة ودعوته إيّاه إلى الوضوء ليصلّي صلواته الأخيرة ويخرج إلى الساحة العامّة استعدادا لملاقاة مصيره المحتوم - أبى إلاّ أن يسير على عادته المألوفة وسنّته المعروفة في المحافظة على رباطة جأشه ويُنكر أن يكون من المعرّدين الفارّين ولا يلبث أن يُقبل على أهله يودّعهم ويوصيهم وصاياه الأخيرة حفاظا على العائلة ورفقا بمن في الدار واعتذارا لفلذات كبده، يقول على سبيل التمنّي إنّه لو كان يعرف المصير الذي آل إليه لاختار لهم حياة البادية ولبنى على أولاده خيمة ولا عاشر الأعراب «فهم أقرب إلى الفطرة الأولى وأبعد عمّا ينطبع في النفس من سوء الملكات»(211) وقد تبيّن له كما تبيّن لغيره من قبل «أنّ أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر»(212) وحياتهم فيها من البساطة والعفوية والصفاء والتلقائية والكرم ومحامد الأخلاق ما يبعث على الارتياح والطمأنينة والهناء والسعادة خلافا للوثة المدن وما تعجّ بها أجواؤها من إحن وأحقاد وما يحاك بداخلها من دسائس ومؤامرات.
ومثلما افتتحت القصيدة بالقول:
قالوا العرب قالوا
لا نعطِيوْ صالح ولا مالو
اختتمت بالقول أيضا:
قالوا صالح راح
فــالأوّل مقال ملحمة والثاني مقال مأساة، فصالح ذهب ورحل واختفى وضاع وتوقّف عن الحياة ولم يعد للناس من هاجس سوى السؤال عن مدفن الرجل عسى أن يهتدوا إلى قبره ويرتاحوا راحة اليأس ويبردوا برد اليقين ويُلقوا عليه نظرة الوداع قبل أن يُقبّلوا ركنه الأيمن تعبيرا عن المودّة والعرفان والوفاء.
ولا شك في أنّ الأقدر على ترجمة هذه المعاني إنّما هو الأسلوب الإنشائي الذي ينهض بالوظيفة التأثيرية على حدّ ما ذهب إليه عالم اللغة الروسي «رومان ياكوبسونس»، وتكون بالطلب أمرا ونهيا بالنداء والدعاء وبالاستفهام والسؤال وبتأوّهات التحسّر على ما فات وانقضى بما يوافق حركة النفس المنكوءة الجراح المهيضة الجناح في بطئها وتأوّدها وترنّحها. ويمكن - من باب التمثيل على ذلك أن نذكر «اللاّزمات»(209) المتردّدة على امتداد القصيدة من قبيل قول الشاعر:
يا لِيعتي خيالوا ما عاد يبان
أو قوله:
روحوا لداره يا زيّاره
أو قوله:
روحي يا الدنيا ما فيك أمان
وفي حين طغى الأسلوب الإنشائي الحامل لخلجات المشاعر وخفقان الأحاسيس ضمر الأسلوب الخبري وقد ضاق حيّزه واكتفى بذكر صفات جملية خالية من التفصيل والتوسّع، فصالح باي هو «المخنتر» حينا وهو «سيّد القومان» حينا آخر وهو «باي البايات» تارة و«سيدي صالح» طورا آخر ممّا جعل عنصر التأبين لم تترك له لواعج النفس المكلومة مكانا للبروز والانتشار. وهكذا هيمن عنصر التفجّع بصفته أظهر ركن من أركان الرثاء، هذا الغرض الذي ائتلفت في أدائه العبارات المؤثّرة والنغمات الشجيّة التي سيأتي ذكرها.
ولئن سلّم الشاعر برواح صالح وذهاب شخصه وغياب «خياله» فإنّه لم يسلّم التسليم السياسي إذ ينتفض مرتمضا في سؤال إنكاري رافضا أن يتصوّر بايا آخر يمكن أن يعوّض صالحا. والشاعر يرفض - زيادة على ذلك أن يستسلم وجدانه لقبول الواقع فيختم إنشاءه بالدعوة إلى حزن خاصّة وعامّة، حزن الذرّية وحزن السكّان الذين ذهبت أنفسهم حسرات على بايهم الشعبي وما يترتّب على ذلك الموقف من حداد عامّ لا عهد للمدينة بمثله، هذه المدينة التي لم تحتضن قطّ حاكما بمثل ذلك النِجار وتلك القيمة.
ومن عجب أنّ الجميع استجابوا لدعوة الشاعر السرمدية، هذه الدعوة التي حملت النساء على لباس السواد ملاءات منتشرة في أرجاء بايلك الشرق ودفعت الرجال والنساء إلى ذكر صالح باي بالأذكار والألسنة وبالعبارات والجنان وبالأصوات والألحان، هذه الألحان التي تستدعي التوقّف عندها ولو بإيجاز. لقد وضعت هذه القصيدة في نغمة تسمّى الحجاز بالمشرق العربي وتسمّى الإصبعين بتونس وتسمّى في الجزائر محزون زيدان. وهذا المقام - مثلما تدّل عليه التسمية الجزائرية الحصيفة يؤدّي بطبيعته المخصوصة المضامين الشاكية والمشاعر الموغلة في الحزن شأنه شأن مقام الصبا مثلا. يرتكز هذا «الطبع» على درجة «ري» وهي درجة قريبة من الطبيعة مطلقة في الآلات الوترية. تنتقل الأغنية الباكية من مقام محزون زيدان إلى مقام الحسين الشائع في مختلف أقطار المغرب العربي الكبير، هذا المقام الذي يسمّى في المشرق العربي «البيّات» أو «البيّاتي»، و«طبع الحسين» يرتكز بدوره على درجة «ري» وهو عبارة عن نغمة رقيقة شجيّة محبّبة إلى النفس تؤدّي الأحاسيس المرهفة وتترجم مضامين التعطّف والتودّد والتحبّب والتحنّن. وأمّا الوزن الموسيقي فهو من نوع 6/4 بما يقابل «دُمْ س دُمْ/ تاك س تاك» ويسمّى في تونس «المدوّر حوزي» وهو عبارة عن إيقاع بسيط رتيب يدهده نبض المشاعر ويوائم الحركة المتباطئة للنفس الثكلى المتأوّدة المترنّحة المثقلة بالأحزان والأشجان.
ولا يمكن للباحث أن يهمل دور التوزيع الموسيقي، فالنغم غناء وعزف تؤدّيه - فضلا عن الإيقاع الخافت الذي لا يكاد يظهر هنا - آلات وترية وأخرى نفخية. على أنّ الذي يسترعي الانتباه في نشيد صالح باي هو أنّ الشبّابة أو الناي أو «الفحل» كما يقال في اللغة المحلّية قد اختفى وترك مكانه لآلة «الزرنة»(213) وهي آلة النفخ ذات الصوت الجهير الصافي الصدّاح التي تستعمل خاصّة في المناسبات الرسمية التي تتكفّل عادة بتأثيثها الفرق النظامية بآلاتها المخصوصة، وتستعمل «الزرنة» كذلك في المناسبات الاجتماعية المشهودة المفتوحة للعموم كــ«دخلة العريس» على غرار «الدخلة القسنطينة» الذائعة الصيت بصفتها أهمّ فقرة من فقرات الاحتفال.
و «الزرنة» - على خلاف غيرها من آلات النفخ التي تستعمل في المجالس والصالونات والفضاءات المغلقة عموما - هي الصالحة أكثر من غيرها لأداء معزوفات الهواء الطلق والساحات العامّة والفضاءات المفتوحة على وجه العموم. وهذا هو مقام الحال مقام الموسيقى الرسمية وهي ترافق في جلال بطلا قوميا بارزا وتشيّع في مهابة شهيدا حقيقيا عسى أن يزفّ إلى جنّة الخلد لاعتقاد الناس الكمال فيه.
ذلك هو الرجل وذلك بعض شأنه، ولئن قال فيه الشاعر نافيا مستنكرا:
واش من باي في عوض صالح؟
فإنّه يمكن لغيره أن يقول: أّيّ إنسان يمكن له أن يعوّض صالحا وأن يشغل الناس إلى تلك الدرجة ويسيطر على جوارحهم ونفوسهم وألبابهم وضمائرهم وذاكرتهم ووجدانهم سيطرته على مختلف الحقول والفضاءات مادّيها ومعنويها؟
الهوامش:
1. صالح باي هو من حكم بايلك الشرق من سنة 177م إلى سنة 1792م.
2. حكم صالح باي الجهة الشرقية لبلاد الجزائر وكانت عاصمتها مدينة قسنطينة وهي جهة واسعة الأرجاء.
3. لم يرث صالح باي الحكم عن غيره بل تولاه بعد أن ارتقى شيئا فشيئا في سلّم الجيش والإدارة.
4. بسط الرجل النفوذ العثماني ببايلك الشرق بعد موجة من التمرد والاضطراب كان يقودها رجال القبائل أو من كانوا يعتبرون أنفسهم أولياء مثلما كان شأن الخطيب، سيدي محمّد الزواوي، وقد سمّي بعد موته بسيدي محمد الغراب.
5. يبدو أنّ صالح باي مات خنقا. ويعتبر الخنق ميتة شنيعة شأنه شأن الحرق والغرق.
6. يُقال أنّ موجة من الحزن العميق عمّت بايلك الشرق إذ تأثر الأهالي لذلك المصير المؤلم الذي لم يكن ليناسب إلاّ مناسبة عكسيّة ما قام به صالح باي من إنجازات عسكرية واقتصادية واجتماعية وعمرانية وما بلغه من ذروة المجد.
7. ازمير باللغة التركية Izmir وتنطق «ايز - مير» مع التشديد على المقطع الأوّل وباليونانية. Σμύρνη هي الميناء الرئيسي لدولة تركيا في جزئها الآسيوي. كانت إزمير تحظى بمكانة عاصمة Büyükşehir (المدينة الكبيرة)، وهي مدينة مجاورة لشاطئ خليج إزمير الذي هو امتداد لبحر إيجة.
كانت تسمية إزمير بالاسم اليوناني «سميرناه» . وهي تعدّ من المدن القديمة في آسيا الصغرى. قام اليونانيون ببناء الآكروبولين - قلعة تحتوي على عدّة مقدسات على قمّة جبل باقوس الذي تمّ بناء المدينة عليه، ولكن مع كلّ هذا لم يبق لها أيّ أثر تقريبا. أصبحت المدينة منذ سنة 1424 جزءا من الامبراطورية العثمانية.
8. يبدو أنّ الشاب صالح بن مصطفى هو الذي تسبّب - على وجه الخطإ - في سقوط صديقه وغرقه في البحر.
9. يبدو كذلك أنّ الشاب صالحا خشي أن يُتّهم بالقتل العمد وخاف من الانتقام.
10. الدولة العثمانية أو الخلافة العثمانية، امبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأوّل بن ارطغول، واستمرت لما يقرب ستمائة سنة، وبالتحديد من 27 يوليو 1299 م حتّى 29 أكتوبر 1923م.
بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم أروبا وآسيا وإفريقيا.
11. أوجاق: بالتركية الحديثة Ocak، ومعناها الأصلي الموقد، ثمّ عرّبت إلى وجاق وتعني الوحدة العسكرية العثمانية وكانت تتألّف من أفراد يطلق عليهم لفظ «الوجاقيلة» والواحد منهم وجاقلي.
12. الإنكشارية (من التركية العثمانية): «يكيجري» وتعني «الجنود الجدد» أو «الجيش الجديد» طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين شكلّوا تنظيما خاصّا، لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم. وكانوا من أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذا.
13. أحمد باي بن علي القلّي هو باي قسنطينة وحاكم بايلك الشرق ضمن إيّالة الجزائر في العهد العثماني، امتدّ حكمه بين سنتي 1756م و1771م ليخلفه في ما بعد صالح بن مصطفى باي.
14. قسنطينة: مدينة قسنطينة (بالفرنسيةConstantine) وتسمّى مدينة الجسور وعاصمة الشرق الجزائري، وتعتبر من كبريات مدن الجزائر تعدادا. تتميّز المدينة القديمة بكونها مبنية على صخرة من الكلس القاسي. ممّا أعطاها منظرا فريدا لا يوجد مثله عبر العالم في أيّ مدينة للعبور من ضفة إلى أخرى. شيّد عبر العصور عدّة جسور فأصبحت قسنطينة تضمّ ثمانية جسور بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها مازال يصارع الزمن. لذا سمّيت قسنطينة مدينة الجسور المعلّقة، يمرّ وادي الرمال على مدينة قسنطينة القديمة وتعلو الجسسور على ارتفاعات تفوق مائتي متر.
15. الحراكتة في الأصل قبيلة بالشرق الجزائري والغرب التونسي، تنسب حينا إلى بني هلال وتنسب حينا آخر إلى الشاوية، لكنّ عبارة الحراكتة ترد في هذا السياق وكأنّها جسم شبه نظامي تابع للإدارة العثمانية وتسمّى المخزن أو المخازنية.
16. بايلك الشرق هو أكبر بايلكات إيّالة الجزائر مساحة ومكانة، عاصمتها قسنطينة، يمتد جغرافيا من الحدود التونسية شرقا إلى بلاد القبائل غربا ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا، يضمّ عدّة مدن استراتيجية مثل سطيف وقالمة وإمارة كوكو بالإضافة إلى مدن ساحلية كبيرة وموانئ كعنّابة والقلّ وجيجل وبجاية.
دخل بايلك الشرق تحت الحكم العثماني إثر وقعة القطن بين ميلة وقسنطينة حيث إنّ أتراك دولة تونس احتلوا قسنطينة سنة 1555م والحال أنّهم وُجدوا بها منذ 1535م ولكن لا يُعلم صفة ذلك وكيفية الغزو أو نوعية الفتح والاحتلال.
كان يحكم بايلك الشرق من قسنطينة باي يعيّنه داي الجزائر وأولهم رمضان تشولاك باي ليتعاقب بعده ثلاثة وأربعون بايا أشهرهم صالح باي وحسين باي بن صالح باي وعلي باي بن بابا علي وأحمد باي بن عبد الله المملوك وإبراهيم باي القرتلي ومحمد محمدي باي بن خان.
تميّز بايلك الشرق - قياسا ببقية البايلكات - بقلّة النفوذ العثماني بعد سقوط مدينة الجزائر وإبرام معاهدة باتنة مع الأمير عبد القادر. ركّز الفرنسيون جهودهم لاحتلال بايلك الشرق (قسنطينة) الذي كان يحكمه أحمد باي بن محمد الشريف، وحدث ذلك بعد معركة قسنطينة الثانية سنة 1837 م.
17. من أولئك زوجة حسين الخزناجي داي الجزائر وقد حُكم بالإعدام على والدها سنة 1764 م وكان صالح بن مصطفى قائد حامية قُلْ شاهد إدانة في تلك المحاكمة.
18. H’sen Derdour ; Annaba ; 25 siècles de vie quotidienne et de luttes ;2 :81.
19. يطلق اسم صالح باي على عدد من المنشآت الرسمية والأماكن والبلدان والمؤسسات الاجتماعية والرياضية والجسور والمدارس الثانوية والإكماليات والجمعيات الخيرية وفرق الإنشاد وغير ذلك.
20. أسس صالح باي مسجدا بمدينة عنّابة حمل اسمه سنة 1206 للهجرة الموافق لسنة 1791 م وقد نقشت على رخام لوحته التذكارية أبيات شعرية باللغة العربية الفصحى تُشيد بصالح باي وبعمله الصالح. يقول صاحب الأبيات [الطويل] :
لعمرك بيت الله للسرّ جامع
به أركان به النور ساطع
بدت دونه زهر الكواكب رفعَة
شيد بونة للسعد منها مطالع
به جاء تاج الدين والمجد صالح
إلى درج العلياء واف وطالع
أمير البرايا زاد ظفرا ونصرة
مؤيّد دين الله الحق للشرع نافع
فمن أسّس البيت الرفيع على الهدى
أرخّه للخير سنة غرو (1206) جامع
ولَمقارنة بسيطة بين مدى ذيوع هذه الأبيات وقيمتها الزمانية من حيث السيرورة وحقيقة السيرورة التي لقيتها القصيدة المشار إليها وقد سُكبت في لغة شعبية ولهجة تفجّع صادرة عن شعور مرهف وإحساس صادق، تُثبت أنّه لا نسبة ولا مناسبة بين الأثرين. ولعلّ الشعر المنقوش على لوحة الرخام التذكارية ظلّ إلى حدّ بعيد حبيس اللوحة لا يكاد يغادرها لا من حيث المكان ولا من جهة الزمان بينما سارت القصيدة في الآفاق وظلّت تجري على ألسنة الفنانين تصدع بها حناجرهم على مدى أربعة قرون ومازالت تجري على ذلك السنن، والأغلب على الظنّ أنّها ستظلّ كذلك مادام المالوف خاصّة والفنّ العربي الأندلسي عامّة.
21. قيل إنّ صاحبها هو أعرابي من الأعراب، وقيل أيضا إنّ من نظمّها هو بعض اليهود المقيمين بقسنطينة خاصّة أنّ صالح باي كان يعامل أولئك السكان معاملة حسنة إضافة إلى أنّه أحلّهم بمركز المدينة محال لائقة.
22. فنّ المالوف نوع غنائي كلاسيكي منتشر خاصّة بالشرق الجزائري وبتونس. من أشهر فرقها الموسيقية بتونس فرقة الرشيدية ومن أبرز شيوخها الشيخ خميّس التّرنان وتلميذه الطاهر غرسة وابنه وتلميذه زياد غرسة. هذا فضلا عن الأستاذ محمّد التريكي الذي حفظ تراث المالوف وذلك بتدوينه بــ«النوتة» أو ما يعبّر عنه بــ«السلفاج» بعد أن كان يُتناقل بطريقة شفوية من شأنها أن تعرّضه للتلاشي خاصّة بعد تناقص الحفّاظ. وقد انتقل المرحوم محمد التريكي إلى الجزائر واشتغل بالمسرح الغنائي.
23. شيخ المالوف بمدينة تلمسان ولد سنة 1867 م وتوفي سنة 1964 م.
24. اسمه الحقيقي آيت أوراب محمّد إيسير هالو، ولد في العاصمة بالقصبة في 20 ماي 1907م وتوفي في 23 نوفمبر 1978 م.
25. اسمه الحقيقي حسن أوشال، ولد في 20 نوفمبر 1925م بالكسور (مدينة بجاية) وتوفي في 30 سبتمبر 1919م.
26. ولد بعزّابة (سكيكدة) سنة 1914م وتوفي ببانتان فرنسا سنة 2004م.
27. سليم فرقاني من مواليد 1951م بمدينة قسنطينة وهو ابن الحاج محمد الطاهر الفرقاني الذائع الصيت والذي اشتهر بعزفه البارع على آلة الكمنجة وعُرف خاصّة بصوته الجهوري.
28. الحاج محمد الطاهر الفرقاني الحافظ للتراث الغنائي والمبدع في هذا المجال، مكتبته الغنائية لا تكاد تُضاهى تنوّعا وثراء.
29. اسمه الأصلي محمّد بن عمّار، ولد في 02 أوت 1895م وتوفي في 19 أكتوبر 1951م بعنّابة.
30. ريمون ليريس من مدينة قسنطينة ولد في 27 جويلية 1912م وتوفي في 22 جوان 1961م.
31. فرقة نسيم الأندلس للمالوف ومكانها مدينة تلمسان وفرقة مقام قسنطينة.
32. منهم حسن العنابي ومحمد الكرد.
33. منهم خاصّة سليم الفرقاني والحاج محمد الطاهر الفرقاني.
34. منهم الحاج محمد العنقاء.
35. وهران تنطق باللهجة المحلية: وهرن الملقبّة بالباهية، هي ثاني أكبر مدن الجزائر بعد العاصمة وإحدى أهمّ مدن المغرب العربي، تقع في شمال غرب الجزائر على بعد 432 كيلومترا عن الجزائر العاصمة.
36. منهم الشيخ محمد العربي بن صاري.
37. وهم الأغلبيّة كما تقدّم.
38. منهم سلفين غارناسيا والشيخ ريمون ليريس.
39. يشدو الفنّانون الجزائريون عامّة بالقصيدة المذكورة في مختلف المهرجانات التي تُقام خارج القطر الجزائري.
- ومن النساء اللاتي غنّين القصيدة الفنّانة مريم بن علال وذلك فضلا عن النساء اللاتي يشملهن الكورال (المجموعة الصوتية).
40. لعلّ آخر من ألّف في موضوع صالح باي مسرحية صالح باي وقد كتب نصّها سعيد بوالمرقة وأخرجها محمد العربي الدهيمي. وقد عرضت بالمسرح الجهوي بقسنطينة سنة 2015 بمناسبة اعتماد المدينة عاصمة للثقافة العربية.
41. سنة 1791.
42. هذا النصّ عبارة عن وثيقة، وهي لوحة كتابية مصوّرة أوردها صاحبها بمثابة التقديم لأغنية “ صالح باي “ بصوت الفنّان عبد العزيز بن زينة.
43. يطرب الإنسان فرحا ويطرب حزنا.
44. السلطنة عبارة شائعة تنطبق على الفنّانين الجديرين بهذه التسمية، وهي عبارة عن حالة شعورية وجدانية تنتاب مؤدّي الأغنية وهو يؤدّيها حتّى لكأنّه سلطان ذلك المقام يتصرّف في الألحان كيفما يشاء خروجا عن النصّ المعتاد واللحن المعهود.
45. “ التخمّر» عبارة شعبية تدّل على حالة الانتشاء القصوى التي تغمر مؤدّي الأغنية أثناء الأداء حتّى ليُخيّل إلى الناظر أنّه أشرب خمرا من فرط التأثّر والطرب.
46. المقصود بالعرب الأهالي أو السكان، يقال عرب ذلك المكان بمعنى سكانه وعرب تلك المنطقة بمعنى أهلها.
47. لا نعطيوْا : بمعنى لا نعطي أي لا نُسلّم صالح باي ولا نتخلّى عن الدفاع عنه.
هذا الاستعمال منتشر في مجال البحث وهو الشرق الجزائري، وهو سائد كذلك في القطرين التونسي والليبي. ولعلّه منتشر في غير هذه المواطن.
48. نستميت من أجل ذلك كلّه ولو قُتلنا.
49. يطيحوا : وهي من طاح يطيح. بمعنى يسقط، أي تسقط الرقاب وتكثر الضحايا، والذي يدلّ على الكثرة هو حرف الجرّ « على « المؤدّي لمعنى المراكمة.
50. الأرقاب بمعنى الرقاب وهي جمع رقبة، بمعنى الشخص أو النفس.
51. همّلتني بمعنى أهملتني، أي تخلّيت عنّي وتركتني للتيه وأسلمتني للضياع.
52. في عبارة « رقيق الناب « إشارة إلى انتظام الأسنان وهو ما يمكن اعتباره مقياسا من مقاييس الجمال. وهذا الشطر من البيت وهو ما يسمّى بـ»الغصن» في مجال الشعر الشعبي يبدو أنّ هذا الشطر يندرج في غرض الغزل أكثر ممّا هو داخل في غرض الرثاء وهو غرض هذه المرثيّة. ونقدّر أنّ إقحامه في هذا الحيّز ربّما عاد إلى تصرّف الرواة أو تصرّف المطربين.
53. عن جال: أصلها على جال بمعنى من أجل.
54. المُخنْتَر : بمعنى المختار المحبّب إلى النفس، ولعلّ هذا المعنى هو الذي ذهب إليه الوزير السابق والجامعي بوجمعة هيشور من خلال نقله لهذه المرثية للغة الفرنسية.
55. سِيد القومان: سيّد الأقوام، والقومان جمع لمفرد هو قوم.
56. يا ليعتي: بمعنى يا لوعتي، وعوض الفعل الثلاثي الأجوف الواوي، استُعمل عوض ذلك حرف العلّة اليائي.
57. خيالو أو خياله بمعنى قوامه أو ظلّه أو شخصه.
58. لم يعد يظهر أو يُلمح.
59. روحي: فعل أمر من فعل راح، ويعني اذهبي أيّتها الدنيا، لا شأن لي بك، لأنّه لا ثقة لأحد بك.
60. الدنيا: عالم المعاش خلافا لعالم المعاد ويترجمه الفرنسيون بعبارة Le monde d’ici bàs ويعني هذا العالم غير المتعالي أو المتّصل بالحياة الدنيا أيّ الحياة السفلى.
61. باي البايات: صفة كانت تطلق على صالح باي وتعني «سيّد البايات».
62. هذي أو هذه اسم إشارة يدلّ على الضربة أو المصيبة أو النائبة أو بنت الدهر.
63. جات: أصلها جاءت.
64. لبدان: جمع بدن أي الأبدان، وقد فسّرها الأستاذ بوجمعة هيشور باعتبارها تدلّ على الحضور.
65. لعلّ أصلها حزّاره أو حضّاره بمعنى الحاضرين بالمجلس.
66. زيّاره: جمع زائر وتعني مجموع الزوّار.
67. رفع الرأس المطلوب هنا لا يعني الاعتداد بالنفس والإحساس بالنخوة بل بمعنى انظر نظرة إجمالية فاحصة لترى واقع المشهد وحقيقته.
68. ناسك: أناسك بمعنى أهلك. جرى فيهم أي جرى لهم.
69. لاش هو يُقتال: أتبع حرف التاء بألف ممدودة حتّى يُمدَ حرف التاء وذلك لإقامة الوزن الشعري. وأصلها لماذا يُقتل أي بأيّ حقّ يُقتل أو بأيّ ذنب يُقتل؟
70. نفديوْا: بمعنى نفدوه أي نفديه. وهذا النوع من التصريف شائع في المدن التونسية. أمّا خارج المدن فيقول الناس: نفدوه. وأصل هذه الصيغة أنّ الفعل المضارع يبقى كما هو ويدخل عليه الضمير بدون أن يقع التفاعل الصوتي والصرفي بين الفعل والضمير، ونجد هذه الحالة عند الأشقاء العراقيين عندما يتعلّق الأمر بالفعل الماضي فلا يقع التفاعل لا صوتيا ولا صرفيا بين الفعل والضمير فيبقى الفعل على حاله ونضيف إليه الضمير فيقولون مثلا ذَهَبَوْا عوض قولنا ذَهَبُوا ويقولون كذلك ضَرَبَوْا عوض ضَرَبُوا. ومثل هذه الحالات ظواهر طبيعية تابعة للّهجات ولا تحتمل مقاييس معيارية كالتفضيل أو الحطّ من الشأن أو غيرها إذ أنّ كلّ اللهجات متساوية مبدئيا ويتعيّن احترامها الاحترام الكامل.
71. هو جاب الشيء بمعنى أتى به. ولعلّ أصل جاب الشيء هو جاء به.
72. رُويت زيّارة أحيانا « سيّارة « بمعنى السائرين، والعبارتان كما يبدو غير متباعدين من حيث المعنى: زاره أو سار إليه.
73. كِي: أصلها كيف بمعنى عندما. كِي خرجوا بمعنى عندما خرجوا.
74. ضيق عشيّة: في وقت ضيّق ويعني آخر العشيّة.
75. الخلق: بمعنى الناس.
76. مسبيّة: اسم مفعول من سبى يسبي، وهذه الصفة لا تنطبق على النساء فقط. ولعلّ المعنى الأقرب هو مسبيّة العقول أي مسلوبته من فرط الصدمة وهول الحدث.
77. البرّاح: على وزن فعّال وهي صيغة مبالغة من فعل برّح يبرّح بمعنى نادى لإعلام العموم. ويتمثّل عمل البرّاح في أن ينادي الجميع لإعلامهم بأمر من الأمور، ويكون ذلك العمل عادة في الأسواق وفي الساحات العامّة.
78. على الأربع أركان: ينادي في كلّ الاتّجاهات ليعمّ نداؤه كافّة الأماكن إعلاما.
79. سرّاجين: جمع مفرده سرّاج على وزن فعّال وهي من الناحية الصرفية صيغة مبالغة تدلّ على المهنة والسرّاج هو صانع السروج. ويبدو أنّ هذا المكان من السوق قد وقع فيه قتال شديد بين طرفي المعركة.
80. الدمع يسكب بمعنى يجري
81. بيبان: جمع باب، بمعنى أبواب.
82. مغلوقين تعني مغلقة.
83. ما جاب أخباره: لم ينتبه لما حدث.
84. الزرزوره: نوع من الطير، وربّما شُبّهت به الفرس لسرعتها. غير أنّ الأستاذ بوجمعة هيشور ذهب في ترجمته لعبارة الزرزوره إلى أنّها تدلّ على العربة التي تجرّها الخيول، هذه المركبة التي يستعملها الأعيان والشخصيات الرسمية. زال الاستعمال القديم ولم تزل عربات الخيول وأصبحت تُستعمل في بعض الأنشطة السياحية هنا وهناك.
85. القمجّة: عبارة تستعمل في بلاد الجزائر وفي المغرب الأقصى. واللفظة تنويع لعبارة قميص المستعملة في اللغة الإسبانية.
86. محصورة: غير متّسعة ولا فضفاضة، ويضيف الدكتور بوجمعة هيشور أنّ لون القمجّة أسود وأنّه ينذر بالحداد.
87. دنق: بمعنى دنا وقرب ( لسان العرب، مادّة دنق).
88. تزاير أو دزاير تعني الجزائر، وهذا النوع من النطق راجع على الأرجح إلى نوع من الإدغام خاصّة أنّ حرف الجيم ينطق في منطقة البحث مسبوقا بحرف الدال. فكلمة الجزائر تنطق دجزائر وجزيرة جربة بتونس تنطق دجربة، وهذا هو النطق الذي اعتمده الفرنسيون في تسمية المدن التي تبدأ بحرف الجيم.
89. صاير: أصلها صائر وتعني ما يجري من أحداث.
90. تتغاير: تتغيّر والمعنى هو بايات يتبدّلون.
91. يبدو أنّ المقصود ببراهم أو ابراهيم هو إبراهيم بوسبع وهو الذي عيّنه داي الجزائر بايا على قسنطينة بعد خلعه لصالح باي.
92. يفهم من السياق أنّ دور إبراهيم سلبي ولعلّه يفيد القتل.
93. الحنينة:االأمّ العطوف على ولدها.
94. يقال عملت أو عملت حالة، كأنّما أقامت الدنيا وأقعدتها بكاء ونواحا.
95. بكات: بمعنى بكت، وهذه الطريقة في تصريف الأفعال منتشرة في مدن تونس والجزائر والمغرب الأقصى. ولعلّ هذا دليل على أنّ سكان هذه المناطق يمثّلون نوعا من الوحدة اللغوية المحلّية عنوانا للوحدة الثقافية المخصوصة زيادة على الوحدة العامّة.
96. تشالي: تشير بالحركات السريعة المتلاحقة في كلّ الاتّجاهات. ويستعمل هذا الفعل ليصف حركة البرق وهو يشير إلى جهات عدّة.
97. نعْت بمعنى صفة أو شبه أي أنّ دموعها في غزارتها وتدفّقها تشبه الأمواج المتلاطمة.
98. دليلي بمعنى عقلي وصوابي حتّى أصبحت لا أهتدي.
99. والحال يشيان أي يسوء والفعل على وزن افعالّ يفعالّ من الجذر الثلاثي شين وهو خلاف زين. ويشيان ضدّ يزيان.
100. متهنّي من الجذر الثلاثي هنأ وتعني مطمئن البال.
101. اعطاوني الأمان: أمّنوني على حياتي ومصيري.
102. هيّاولي: هيؤوا لي كفني وأعدّوه.
103. هابلة وهبيلة: صفتان مشبّهتان من فعل هبل، الأولى مشبّهة باسم الفاعل، والثانية مشبّهة باسم المفعول. وقد جاء هذا الاستعمال للتأكيد والتكثيف المعنوي.
104. طلت بطلاء الإحليل: والإحليل هو الويل والثبور. وهذا هو المعنى الذي ذهب إليه الأستاذ بوجمعة هيشور. ولعلّ ما يناسب معنى الطلاء هو «النيلة» عوض «لحليلة». والنيلة صبغ أزرق. والمعلوم أنّ اللون الأزرق في منطقة البحث يفيد السواد والدليل على ذلك قولهم «نهار أزرق» أي «نهار أسود» بمعنى يوم أسود أو يوم مشؤوم.
105. وفي رواية أخرى: بجراحه بمعنى على حصان فتّي قويّ البنية.
106. دماغه بمعنى رأسه أو على رأسه.
107. عريان: عار. وعبارة دماغه عريان تفيد حسب المقامات العراء المعنوي والخيبة والخسران. يقال مثلا هذا التاجر تعرّى رأسه بمعنى أفلس وانكشفت أموره سلبيا.
108. المحرمة هي في الأصل البُخنق الذي تضعه المرأة على رأسها وتفيد المحرمة أيضا المنديل الذي يضعه الرجل لأنفه عند الاقتضاء، وليس هذا هو المعنى الوارد في المقام.
109. شعّالة على وزن فعّال، وهي صيغة مبالغة، وتفيد معنى ساطعة جدّا إلى درجة أنّها تبدو مشتعلة ملتهبة.
110. ويدان ويقال أيضا وديان جمع مفرده واد. والمقصود في منطقة البحث هو الأنهار الجارية ماء دلالة على غزارة الدموع وتدفّقها.
111. حكمه أو شدّه : أي ألقى عليه القبض.
112. الشاوش: بمعنى الحاجب أو الآذن بالعربية الكلاسيكية، يقال في البلاد المصرية الشاويش وأصلها الجاويش باللغة التركية.
113. دار له : جعل له.
114. حديدات: من مادّة الحديد وتدلّ على الأغلال تغلّ بها الأيدي عند الإيقاف وتعرف في المشرق العربي بالكلبجة.
115. توضّأ: صيغة مخفّفة من توضّأ، وفي هذه الحال أيضا يستعمل المدّ بدلا من الهمز.
116. الميدان: الساحة العامّة.
117. خلِّيوني بمعنى خلّوني أي أتركوني أو دعوني.
118. نُوادع بمعنى أودّع. ولعلّ صيغة أوادع تفيد معنى المشاركة أي أن يكون التوديع من هذا الطرف و ذاك.
119. هربان: هارب أو فارّ.
120. حمّودة: هو الابن الأكبر لصالح باي واسمه الأصلي محمّد وشقيقه الأصغر اسمه حسين وقد أصبح بايا في ما بعد.
121. اتهلّ: اعتن. وتستعمل كذلك في المعنى نفسه عبارة استهلّ أو اصتطهلّ بمعنى أوْلِ عنايتك لهذا الأمر أو ذاك. ولعلّ عبارة «اتهلّ» هي نوع من النحت المختصر لعبارتي «اتّق الله».
122. الدار: بمعنى العائلة. وتستعمل عبارة «الدار» أحيانا للدلالة على الزوجة، فعوض أن يقول الرجل «زوجتي» يقول «داري» وربّما قال قائلهم «خلّيت الدار في الدار» أي تركت زوجتي في المنزل.
123. راهو أو راهي: تعني أنّه أو أنّها لتلك الصفة ولعلّها كذلك «نوع من النحت متأتّ من عبارتين هما «رأى أنّه» أو «أرى أنّها».
124. غدّاره على وزن فعّال وهي صيغة مبالغة تفيد كثرة الغدر.
125. عادت: رجعت وبدّلت سيرتها نكوصا.
126. وأصلها بتأخار وأصلها بتأخّر وقد نكصت على عقبيها ومدّت الخاء لإقامة الوزن.
127. لا تلوموني يا أكبادي: بمعنى يا فلذات أكبادي أي يا قطعا من فؤادي.
128. البلدان: جمع بلد أو بلاد وتعني المدينة.
129. العربان ليس المقصود بها العرب بل الأعراب من أهل البادية.
130. راح: راح من الرواح وهو خلاف الغدوّ. ذهب واختفى وضاع. وتفيد كذلك معنى مات.
131. ورِّيولي : أروني.
132. أسياد جمع مفرده سيّد، بمعنى يا سادتي.
133. هبّت الرياح أيّ رياح التغيّر أو التغيير كناية عن تقلّبات الدهر.
134. واش: كأنّه نوع من النحت لكلمتين هما: وأيّ شي، استفهام إنكاري مؤدّاه وأيّ باي يمكن أن يعوّض صالحا؟
135. حِزْنُوا عليه: فعل أمر من حزن أي أنّ الشاعر يدعو أولاده إلى الحزن على والدهم. وأصله احْزَنُوا، غير أنّ هذه اللهجة المستعملة في الجنوب التونسي وفي مواطن من القطر الليبي والمشرق العربي تجعل السكون فتحة والفتحة سكونا حَزْنُوا عوض احْزَنُوا.
136. يا عرب المدينة: بمعنى يا سكان المدينة أو يا أهلها.
137. راحوا عند: ذهبوا إلى وهو من الرواح خلاف الغدّو.
138. خَلِّى: فعل ماض من خلّى يُخلّي ومعناه ترك أو خلّف أو أودع.
139. الحضّاره: بمعنى الحُضّار ويعني الحاضرين.
140. الديّة: من ودى يدي ديّة (لسان العرب، مادّة ودى) والديّة هي المقابل المالي الذي يدفع لأهل القتيل على سبيل التعويض المادي.
141. زاهي أصلها زاه من زها يزهو زهوا (لسان العرب، مادّة زهو) وتفيد في هذا المقام معنى الارتياح والانشراح وهو ضدّ الحزن والاكتئاب.
142. ما جاب أخباره: لم يأت بخبر ولم يتفطّن لواقع الأحداث.
143. من شاف يشوف (لسان العرب، مادّة شوف) بمعنى رأى.
144. مكتوب في الجبين أو على الجبين وذلك من الاعتقاد السائد الذي يقول بأنّ مصير الإنسان قدر مقدور على الجبين مسطور، من ذلك قول الشاعر الشعبي:
إللي انكتب على الجبين لازم تشوفُه العين
145. قبل ما نرجع باي: قبل أن أصبح بايا.
146. ما رادو ربّي: ما أراده الله.
147. فِينْ أو وِينْ بمعنى أين. وفي مثل هذه المواضع كثيرا ما تُعوّض الهمزة بحرف الهاء أو الواو أو الياء، ذلك أنّ العرب يستثقلون نطق الهمزة، وقد أثبتت الدراسات الصوتية الحديثة أنّ الهمزة هي أعمق حرف حلقي وواقع الحال أنّ العرب كانوا ومازالوا يتحاشونه على الفطرة.
148. وليدي: تصغير ولدي، وهذا التصغير صيغة صرفية دالّة على التعطّف والتحدّب تعبيرا على المودّة والمحبّة.
149. دنق: معناها امض واذهب مع الديوان.
150. الديوان: مصطلح يستعمل في التنظيم الإداري للحكم ويدلّ على المكتب سواء كان لوزير أو رئيس.
151. حين حُصرت المدينة وانغلقوا البيبان
هرب المجرّح باي صالح برأسه عريان
يمّاه تبكي وتنوح وتقول صالح راحْ
من راد ربّي يا صالح من راد ربّي يا صالح
مكتوب الرحمان
خلّيوني نشوف أولادي مانيشي هربان
ذا الشي مكتوب في جبيني قبل ما نرجع باي
يمّا تهلاّي في أولادي واتهلاّي في الدار
لا تخدوش عليّ اولادي عادت بابلار
حين ادخل لداره فيه وبـيت المال
ذهب و جوهر يا صالح وخدم مع الوصفان
يمّا فين هو بابا رايح ولاّ هربان
حمّودة آه يا وليدي امشي مع الديوان
حين اعطاوله التسبيح واعطاوله الأمان
قالوا يا صالح لا تخاف هذا أمر السلطان
حين حكمه الشاوش دار له زوج حديدات
توضّأ وصلّي يا صالح واخرج للميدان
قالوا صالح راح ورّيو لي قبره نرحّم نرتاح
صالح مخنوق بمحرمه و دموعه ويدان
هيّا نزوروا قبره ونقبّل خدّ ليمين
يا من درى شكون ايجي باي في قسنطينة
على باينا فصّل كساوي على العيد ناوي
يوم الجمعة يا ناس في قبره مساوي
الله يرحمه ويجعل موته موته حميده في عام السنا
على باينا حطّوا المنشية في بكرة وعشية
عينك يا صالح زادوني كيّة جات من الله
آي راني برّاني غريب في عام السنا
على باينا حطّوا السيالا في بكرة ولاله
عينك يا صالح دمعة هطّاله جات من الله
آي راني غريب في عام السنا
على باينا حطّوا للسواحل في بكره و راحل
عينك يا صالح بزوج مكاحل
جات من الله آه راني غريب في عام السنا
قالوا العرب قالوا لا انعطيو صالح ولا مالو
ولو نُقتَلوا ويطيحوا الأرقاب على الأرقاب
نُوحوا على صالح خلّى سبع أولاد
يا كبدي صبري لله
قالوا العرب هيهات لا نعطيوا صالح باي البايات
هذي من الله جات كتبة ربّي مقدّره
روحوا لداره يا خيّالة يا كبدي صبري لله
خدّك قمرة ضاوية في ليلة أربعتاش ليلة
قدّك سرول مايلة إذا هبّ الريح تميله آه
فراقك ماني طايقه ولد صغير ما نعرف حيله
صبري لله
قالوا العرب هيقال واعطونا صالح نفدوه بالمال
و علاش ان يقتال الله لايرحم من كان له قتّالا
روحوا لداره يا خيّالا يا كبدي صبري لله
أنا غادي نزور يا ربّ عجّل بالزياره
قليبي مقهور غابوا رجالة النغّاره آه
مقدّر مقدور في دار الدنيا الغرّاره
صبري لله
دنشت للجزاير ولا عرفت قليبي كيف راه داير
البايات تتغاير قالوا صالح دنّش ولا لا
روحوا لداره يا الخيّالا يا كبدي صبري لله
دفعت اللزمه ولا عرف قليبي واش اللي ثمّا
يبكي بالدمعه قدّام الباشا دمعته سيّاله
روحوا لداره يا الخيّالا يا كبدي صبري لله
يا غريبة قوليلي ولا من عرضك
عن لبّاس الحولي زوج قطاطي
صاحوا لله
منّك حار دليلي سعدو يا نكدة الأعداء
ما شاء الله
دفعت الديّة ولا عرفت قليبي وآش اللي بيّا
البايات لعبوا بيّا وقليبي ساهي ما جاب أخبار
أنا غادي الساقما لقاني عمّي وضربني
وحلف لي باللازمة أرسل الزيرة بغى يقتلني
طالب حسن الخاتمة والإله هو يرحمني
صبري لله
خرجت متهنّي واعطاوني العمامه
اللي خدعتني واترن هي كفني
و قليبي حاير ما جاب أخبار
روحوا لداره يا الخيّالا يا كبدي صبري لله
جيت نودّعكم يا الآحباب إنتم ضو اعياني
ما ننسى جلستكم غير إذا جات غمّة الأكفاني آه
من همّ فرقتكم وزهو الدنيا فاني
ما شاء الله
مشيت لبلادي ساعة سعيدة حين شفت أولادي
كيفاش تعادي والقوم ليّ جات فزّاعه
يا ربّي حضرت هذا الساعة يا كبدي صبري لله
152. يقال «نغمة» ويقال أيضا «طبع» ويقال «مقاما» مثل مقام الأصبعين ونغمة الصبا وطبع الحسين.
153. يا لندرى: يبدو أنّ أصلها يا هل ترى وهذه العبارة ذات الأسلوب الإنشائي تدلّ على التمنّي، ويبدو أنّ هذا المعنى الشعري متداول في الأدب الشعبي لا في القطر الجزائري فقط ولا في القطر التونسي فحسب بل في غيرهما أيضا، من ذلك قول «قائد النّجع» عمّار بن امحمّد الغانمي وكان يرأس «عرش البدور» إذ يقول:
يا لندرى تبروش يا عينيّ ونرجّع الديون الغابرة بيدايّ
154. يتقاطروا: تتقاطر، تتتابع وتتوالى وتمتدّ وتتطاول.
155. كيف كنّا: كما كنّا.
156. يَبْراوْا: تبرأُ أي تصحّ العينان وتستعيدان عافيتهما، وهي من برىء يبرأ: يشفى.
157. تهنّا: تهنأ أي هنىء باله. وهنا أيضا يُنطق الفعل بالتخفيف فتعوّض الهمزة بألف المدّ على عادة العرب المألوفة.
158. مكتوب في سورة الشرح: مقدور في سورة الشرح مسطور، والمعنى المقصود هو مغزى الآيتين الكريمتين: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ الآيتان 5 و6 من السورة.
159. هايم: أصلها هائم (على وجهه) بمعنى تائه متولّه.
160. فراق الحياة أي الفراق بالحياة لا بالموت.قال ابن حزم الأندلسي: «سمع بعض الحكماء قائلا يقول: الفراق أخو الموت. قال: بل الموت أخو الفراق». فجعل الفراق أصلا والموت فرعا. (طوق الحمامة في الألفة والألاّف، 143).
161. لا جبرت: لم أجبر بمعنى لم أجد ولم أعثرعلى (طبيب).
162. شاطر: ماهر.
163. خواطر: جمع خاطر، وهو ما يخطر بالبال ويبقى في الذاكرة. وهذه الأبيات الثلاثة أدّتها الفنّانة التونسية المرحومة صليحة في إطار أغنية «من فراق غزالي» هذه الأغنية المشتركة عبارة عن تراث مشترك بين تونس والجزائر.
164. داهم : بمعنى داؤهم.
165. قبلوا عزاهمْ: تلّقى أهلهم التعازي بشأنهم، وعزاهم أي عزاءهم.
166. لا عزّهم: لم يعزِّهم ولم يرفع من شأنهم.
167. ولا فداهم: ولم يَفدهم ممّا آلوا إليه من نوبات الدهر ومن المهالك.
168. تبرا: تبرأ بمعنى تصحّ وتشفى. وهنا أيضا خفّف النطق وأبدلت الهمزة ألفا ممدودة.
169. دواهم : أي دواؤهم.
170. تتبّعنا التسجيلات، لكن قدمها حال دون تبيّنها تبيّنا لا يترك مجالا لاحتمالات أخرى.
171. جاحدة: اسم فاعل من جحد بمعنى أنكر علاقة الحبّ كتما للسرّ ووفاء بالعهد.
172. طائقة: اسم فاعل من طاق يطيق بمعنى أطاق وتحمّل.
173. الأوخيّة: هكذا تنطق في أصلها لكن أصلها تصغير لأخت، يقال أخيّة، وهذه العبارة لا تدّل على القرابة الدموية بل تعني المحبّة. وصيغة التصغيرهذه تفيد معاني التودّد والتقرّب و « التربيج «.
174. ضاموني: ساموني من العذاب ما لا يطاق، وأصلها من الضيم (لسان العرب، مادّة ضيم).
175. الأدراك: جمع مفرده درك. والدركة هي الدرجة في السلّم السفلي للأمور والمقادير وهي ضدّ كلمة درجة التي تدلّ على السلم العلوي للأشياء والظواهر. والمقصود درجات العذاب المضنية وكذلك الأتعاب والمشاقّ.
176. زاد عليّ أي زادني أوجاعا إلى أوجاعي.
177. ضيق العشيّة: آخر العشيّة، وكأنّه وقت غير مطلوب لأنّه لا يناسب ولا يفي بالحاجة.
178. للاّ: عبارة تقدير تستعمل في المغرب العربي تنادى بها المرأة البرزة أوالمرأة المحترمة لسنّها أو لمكانتها وخصالها. وهي عبارة تدلّ على السيادة في أيّ مجال كان. أمّا كلمة «الللّاّ» إذا جاءت بالتعريف فتعني المرأة التي تسمّى «فاطمة الزهراء ».
179. وهذا الاسم الشائع في الشرق الجزائري خاصّة هو في الأصل لعائشة بنت حسين الملقّب بــ«زرق عيونه» (1754م-1756م)، وهذه السيّدة التي أهدت صالح باي أجمل حدائق الواحة المسمّاة في ما بعد «منتزه الحامّة» وقد تسلّم صالح باي سنة 1873 م هذا البستان الرائع الذي أصبح في ما بعد «حوش الغراب» أو «الغراب» مثلما سمّته الأسطورة نسبة إلي سيدي محمّد الغراب وقد أضحى بدوره أسطورة من الأساطير المتداولة هناك.
180. جاء هذا الوصف المكتوب بمثابة التقديم لأداء الفنّان عبد العزيز بن زينة.
181. انتصر صالح باي على الإسبان عندما هجموا على الجزائر في مناسبيتن وذلك في سنة 1775م وسنة 1783م عندها عمّت بايلك الشرق فرحة عارمة واحتفل أهل قسنطينة بذلك النصر ثلاثة أيّام وثلاث ليال بلا انقطاع خاصّة أنّ جزءا منهم كان يخشى عودة محاكم التفتيش التي عانى منها سكان الأندلس القدامى من المسلمين واليهود.
182. الدليل على ذلك قول الشاعر على لسان صالح :
خرجت متهنّي وعطاوني الأمان وخدعوني
183. تعرّضت عديد الآيات القرآنية لموضوع العهود وأكّدت على ضرورة الوفاء بها ونهت عن نقضها، نذكر منها قوله تعالى:﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ سورة الاسراء الآية 34.
184. وردت آيات قرانية عدّة في موضوع المواثيق ونهت عن نقضها ومنها قوله عزّ وجلّ ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ سورة الرعد الآية 20.
185. من أدعية الناس «الله لا تموتنا محروقين ولا مشروقين».
186. سبق أن أشرنا إلى هذا المعطى الأسلوبي في بحث من بحوثنا المتّصلة بمقوّمات التأثير في بعض الأشعار من الأدب العربي القديم، وقد رأينا أن نستأنس هنا ببعض النتائج على سبيل المقارنة بين خصائص الشعر العربي القديم من جهة والشعر الشعبي من جهة ثانية ولا سيّما بالنظر إلى ما يجمع بينهما من وشائج في البنى الهيكلية والصيغ التعبيرية فضلا عن التشابه في المضامين والأغراض.
187. تمثّل المقاطع القصيرة في ما سبق درسه من أشعار من الأدب العربي القديم حوالي 34 % وتمثّل المقاطع الطويلة حوالي 66 %.
188. يزداد التفاوت ازديادا عظيما في القصيدة التي بين أيدينا إذ تصل نسبة المقاطع القصيرة ما قدره نصف العشر في حين تستأثر المقاطع الطويلة منغلقها ومنفتحها نحو 95 %.
189. في ما درسناه من بعض القصائد تتجاوز نسبة المقاطع الطويلة المنغلقة نسبة المقاطع الطويلة المنفتحة بحوالي 59 % مقابل ما يقرب 41 %. أمّا في قصيدة الحال فقد حصل العكس وانقلبت النسب بما يقارب ثلاثة أرباع للمنفتحة أمام ربع واحد للمنغلقة وهذه الخصوصية الفريدة من نوعها من شأنها أن تزيد الرخاوة رخاوة والانسياب انسيابا ممّا يؤكد طابع القصيدة الموغل في الغنائية، وهي صيغة تناسب مشاعر الأسى والانشغال والاهتمام والحزن.
190. المتداول هو أنّ كلام العرب ينتظم عادة في بنية صوتية مقدارها 45 % للمقاطع الطويلة مقابل 45 % (جان كانتينو، دراسات في لسانيات العربية، 198).
191. محمود المسعدي، الإيقاع في السّجع العربي، 141.
192. محمود المسعدي، الإيقاع في السّجع العربي، 141.
193. من الأمثلة على ذلك البيت الأوّل في القصيدة إذ يقول الشاعر:
قالوا العرب قالوا لا نعطِيوْا صالح ولا مالو
والأمثلة في القصيدة كثيرة، وربّما تجاوزت المقاطع الطويلة المنفتحة في آخر المصراع الثاني من البيت عدد ثلاثة لتصل إلى سبعة على غرار قول الشاعر:
يا ليعتي خيالو ما عاد يبان
194. الندب أن تدعو النادبة الميّت بحسن الثناء في قولها: وافلاناه! واهناه! واسم ذلك الفعل الندبة، كلّ شيء في ندائه وا فهو من باب الندبة (لسان العرب ، مادّة ندب).
195. ابن هشام الأنصاري، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك3: 64، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك،2: 258.
196. ابن هشام الأنصاري، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك3: 64، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك،2: 258.
197. تعمر ياءات النداء رداها القصيدة، وقد تتردّد عبارة النداء هذه خمس عشرة مرّة مثلما جاء بذلك صوت الفنّان رضا بودباغ.
198. تواترت آهات الأسى واللوعة في القصيدة خاصّة عند الغناء، وقد فاقت ثلاثين مرّة عند كلّ من الشيخ ريمون ليريس والحاج محمّد الطاهر الفرقاني، وكثيرا ما تقترن ياء النداء بآه اللوعة عند سائر الفنّانين، وربّما تكرّرت عبارة آه ستّ مرّات متتالية كما جاء بصوت رضا بودباغ.
200. يحدث أن يتصرّف مؤدّي الأغنية في متنها فيضيف بعض العبارات من نوع «يا وعدي» التي تفيد معنى «يا قدري الموعود» وقد آن أوانه.
201. يقول سعد مصلوح في الوقفيات نصف الرنّانة: « يتّسع مصطلح الوقفيات عند بعض الدارسين ليشمل الأصوات الأنفية مثل الميم والنون والجانبية نصف الرنّانة مثل اللام واللمسية نصف الرنّانة مثل الراء المتحرّكة ( سعد مصلوح، دراسة السمع والكلام، 204).
202. «الحنين: الشوق وتوقان النفس» (لسان العرب، مادّة حنن).
203. الغصن في مصطلح الشعر الشعبي هو يقابل المصراع أو نصف البيت في الأدب القديم.
203. «والحنين: الشديد من البكاء أو الطرب، (لسان العرب، مادّة حنن) وقيل أيضا «حنين الناقة على معنيين: حنينها صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها، وحنينها نزاعها إلى ولدها من غير صوت» (لسان العرب، مادّة حنن).
204. كأنّ هذا المصدر المفترض – وهو على وزن «تمفعيل» إن صحّ التعبير- كأنّه مشتقّ بدوره من فعل مستند إلى مصدر، لكنّه غير قائم في اللغة الفصحى. وفعل تمحزن يظلّ وجوده نظريا لأنّه غير مستعمل في منطقة البحث، وغاية ما نعثر عليه في مجرى الاستعمال فعل «محزن». يقال «فلانة تُمحزن على روحها» بمعنى أنّها تبكي ذاتها. وأكثر حالات التمحزين لدى المرأة عندما ترحي الحبوب خاصّة بالليل فتراها – وهي تدير فكّ الرحى العلوي – تشكو تعبها ونصبها أو حظّها الذي ساقها إلى الوضعية التي هي فيها من زواج أو اغتراب.
205. لسان العرب، مادّة حزن.
وربّما جاز للمرء أن يقرّبها من صيغة اسم المكان على وزن مفعلة فتصبح كلمة «محزنة» دالّة على كثرة الحزن مثل قول العرب مَأْسَدَة للمكان كثير الأسود ومَرنبة للمكان كثير الأرانب.
206. «وقال سيبويه أحزنه جعله حزينا وحزّنه جعل فيه حزنا» (لسان العرب، مادّة حزن).
207. يمكن أن يمثّل هذا الجانب غير المعروف على وجه التدقيق مجالا لبحث ميداني لملء هذا الفراغ البحثي حتّى نصل إلى نتيجة سواء في هذا الاتّجاه أو ذاك، وما يترتّب عليها من استنتاجات أعمّ وأشمل.
208. المتمحزِن إن صحّ القول بكسر الزاي على صيغة اسم الفاعل من فعل «تمحزن».
209. عنوان الأغنية هو «أمّ الضفاير»:
وهذا نصّها:
وين درّقتوها أمّ الضفاير وين
وين خلّيتوها يا بنات قولوا وين
كانت معاكم ريتــها ع البير وعلاش رَوِحْـــتوا وسيّبتوها
أم الضـــــفاير ويــــن
أمّ الضفاير بانت وتملى في جرّتها حذاكم كانت
أنا ريتها والــــعين ليها مالت وخوفي عليها
في يوم لا تنــســوها آه ويــــن درّقــــتوها
210. كانت هذه الكلمات تُنسب في أوّل أمرها إلى الشاعر التونسي الحاج عثمان الغربي، وقد شكّك بعضهم في نسبتها. قال لنا ذات مرّة أستاذنا في الموسيقى فنّان المالوف المرحوم الطاهر غرسة إنّه كان يُعرف من القصيدة الأبيات المغنّاة فقط، وبعد ذلك عُثر على القصيدة كاملة وهي تعدّ حوالي تسعين بيتا.
211. دأب التونسيون على استعمال عبارتي «من العتيق» ليطلقوها على الألحان التي لا يُعرف أصحابها فكأنّها من التراث المشترك المُشاع بين الناس.
بقيّة القصيدة وتغنّيها الفنّانة التونسية الشهيرة المرحومة صليحة هي كما يلي:
باشْ ليّ جيتو
وآش قولكم في الّذي خلّيتو
سالم ع العقاب شايع صيته
يوم البراز مُصَفّن ع الحولي
ماذا ركب من عوده
وماذا لحق من شابّه خندوده
تِتْزعوط الأعراس من باروده
كوّاي في الفرسان بالمفتولي
يا خيل سالم باش روّحتولي
بانا وجوه تقابلو قولولي
ما أصعب فراقك يا عزيزي حنّي
مقابيس نارك ما بغوا يطفولي
يا خيل سالم باش روّحتولي
بانا وجوه تقابلو قولولي
ماذا ركب من ساسه
يوم البراز ماذا يبيع براسه
إذا زغرتت مكحول هذب نعاسه
تعيّط تنادي وينهو مخلولي
فيكمشي من هو يركب
فيكمشي منه يخفي السرّ ناوي
فيكمشي من هوعلى الصبر يلاوي
تصدق عليه محبّتي ووصولي
ما غاظنيش حالي
ما غاظنيش فتنو نهار مشالي
لو كان قتله حرّ دمه غالي
نصدق عليه محبّتي ووصولي
212. جاء هذا الوصف المكتوب بمثابة التقديم لأداء الفنّان عبد العزيز بن زينة.
213. الصرناية أو الزرنة آلة موسيقية هوائية تعمل بالنفخ تتألف من قصبتين وجسمها خشبي حيث يتمّ النفخ في القصبتين بواسطة الفم.
ملاحظة: لقد كان الأستاذ الفاضل والشاعر الأصيل أبو القاسم الثليجاني لنا خير عون على بلورة مفهوم «التمحزين»، وزاد على ذلك بأن جاد بالأمثلة التي زادت الفكرة تجسيما ووضوحا، ويُذكر أنّ للأستاذ الثليجاني ديوانا شعريا معتبرا أسلوبا ورؤيا نشرته بتونس سنة 2007 مطبعة دار الاتّحاد العامّ التونسي للشغل.
المصادر والمراجع:
. ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة بين الألفة والألاّف، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، طبعة 2012.
. ابن هشام الأنصاري أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، منشورات المكتبة العصرية، بيروت- صيدا تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر للنشر والطباعة والتوزيع،
. ابن خلدون مقدمة ابن خلدون، تحقيق خليل شحادة، طبعة دار المكتبة العلمية لبنان، الطبعة الأولى (1998 م/ 1419 هـ).
. محمود المسعدي، الإيقاع في السّجع العربي، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله تونس،1996 .
. سعد مصلوح، دراسة السمع والكلام، عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، 2000.
. جان كانتينو، دروس في علم أصوات العربية، ترحمة صالح القرمادي، نشريات مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، الجامعة التونسية، سنة 1996 م.
. H’sen Derdour ; Annaba ; 25 siècles de vie quotidienne et de luttes ; 2 v; Alger : SNED, 1982- 1983.
. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B 2%D8%B1%D9%86%D8%A9
. https://fr.wikipedia.org/wiki/Salah_Bey
. http://insaniyat.revues.org/11616
. http://quintessences.unblogfr/2012/08/ 31/l%E2%80%99histoire-de-salah-bey/
. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B2% D8%B1%D9%86%D8%A9
. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D 8%B2%D9%85%D9%8A%D8%B1
. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88 %D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86
. http://www.hukam.net/family.php?fam=301