فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
34

أعمال رائدة يعاد نشرها.. ومولود جديد بين مجلات التراث الشعبي ودراسات جديدة من سوريا وقطر واليمن

العدد 34 - جديد النشر
أعمال رائدة يعاد نشرها..  ومولود جديد بين مجلات التراث الشعبي ودراسات جديدة من سوريا وقطر واليمن
كاتبة من مصر

يحفل هذا العدد بعرض لدراسات رائدة في حركة بحث التراث الشعبي العربي تم إعادة نشرها من جديد، ومن ثم فقد أصبحت متاحة للأجيال الجديدة من الباحثين الذين يجدون صعوبة في الحصول عليها، كما أنها فرصة لجيل الأساتذة للحصول على نسخ منها في طباعة جديدة، ومن بين هذه الأعمال أدلة العمل الميداني التي أشرف عليها محمد الجوهري، والمصنف الكبير المعنون «أمثال الجزائر والمغرب» لمحمد بن شنب، وهذه أعمال صدرت خلال القرن الماضي، وعادت للظهور من جديد خلال السنوات القليلة الماضية.

 

كما يشهد هذا العدد مولد دورية جديدة في التراث الشعبي العربي في بقعة جديدة من عالمنا العربي، وهي مجلة «الموروث» التي صدرت عن معهد الشارقة للتراث بدولة الإمارت العربية المتحدة. ونتابع في هذا العدد جديد النشر لنقرأ حول أغنيات من سوريا، وحزاوي من اليمن، ونتعرف على رؤية بعض المتخصصين في الحماية القانونية للفولكلور القطري.

1. إعادة نشر أدلة العمل الميداني:

أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية نشر أدلة العمل الميداني لجامعي التراث الشعبي ضمن سلسلة الدراسات الشعبية التي تصدرها الهيئة، وهذه الأدلة أعدها وأشرف عليها العلامة الرائد محمد الجوهري، منذ نهاية عقد الستينات حتى عهد قريب، وقد صدر منها أدلة: عادات دورة الحياة (محمد الجوهري، علياء شكري وعبد الحميد حواس) - المعتقدات والمعارف الشعبية (محمد الجوهري) - عادات الطعام (علياء شكري) - الموسيقى الشعبية (محمد عمران) - الثقافة المادية (رجب عفيفي). أما ما تم إعادة نشره فهو الأدلة الثلاثة الأولى التي جاءت في مجلدين اشتمل الأول على «المعتقدات والمعارف الشعبية»، واشتمل الثاني على «عادات دورة الحياة، وعادات الطعام». وقد صدر المجلدان تحت عنوان واحد هو «دليل العمل الميداني لجامعي التراث الشعبي: الدراسة العلمية للعادات والتقاليد الشعبية» تحرير وإشراف محمد الجوهري، ضمن سلسلة الدراسات الشعبية رقمي 166 و167 عام 2015. ونتصور أن العنوان الجديد الموحد قد أحدث بعض الالتباس للعارفين بهذه الأدلة، حيث أن الطبعات السابقة كانت تحمل عنوان الفرع الفولكلوري المرتبط بالدليل، أما الطبعة الجديدة فلم تهتم بهذا التحديد.

وقد عرض الجوهري ملخصًا لمضمون هذه الأدلة ضمن مشروع ببليوجرافيا الفولكلور العربي المشروحة تحت عنوان «الفولكلور العربي: بحوث ودراسات» حيث استخدمت في جمع مادة ميدانية لرسائل علمية وبحوث رفيعة المستوى داخل مصر وخارج مصر، وأغلب تلك البحوث قد قدم لنيل درجات علمية (ماجستير، ودكتوراه) أو للترقية إلى مناصب جامعية (أستاذ مساعد، وأستاذ). وتتخذ الأدلة عامة شكل الأسئلة التـــي تتطـــرق إلـــى كـــل عنـــصر مــن عـنــاصـر الـثــقـافـــة الشعبية. ومن ثم فهي الأداة الرئيسية لجمع المادة في علم الفولكلور، إلى جانب المصادر التاريخية، والوثائق وغيرها. وتتركز أهميتها في كونها أداة رئيسية لضبط وإحكام عمليات الجمع العشوائي غير المنظم التي كانت تميز محاولات الدراسات الشعبية في مراحلها الأولى. وتتيح تنظيماً قياسياً موحداً بالنسبة للمادة المجموعة مما يسهل دراسة أي موضوع أوفقرة، وذلك بتجميع كل الأرقام بسهولة. كما أنها تخدم النظرة الجغرافية إلى عناصر التراث الشعبي، التي تستهدف تبــايـــن الـمـنـاطــق الثــقــافــية التـي ينقســم إليــها هــذا المجتمع. والدليل يعفي الباحث من ضرورة الإحاطة بكل دقائق الموضوع الذى يريد بحثه قبل النزول إلى الميدان، وهو ما لا يتيسر لكل باحث. وكل سؤال وكل مثال ورد على صفحات هذا الدليل يمثل عنصراً من عناصر التراث الشعبي المصري. ومن هنا يمكن أن يكون الدليل في نفس الوقت عوناً لكل من يريد أخذ فكرة عن مختلف عناصر التراث الشعبي المصري في خطوطها العريضة. والدليل موجه ليخدم بالدرجة الأولى العاملين في جمع التراث الشعبي، وجمهرة الهواة والمهتمين بذلك التراث الذين لازال اهتمامهم سلــبياً حتــى الآن، أويبذلـــون محــاولات مضـــنية لإنجاز شيء مفيد في هذا الميدان، لكن لا يحالفهم النجاح بسبب افتقار عملهم هذا إلــى أساس وتــوجــه عــلــمــي ســـلـــيــم.

ويعتمد تقسيم مشروع هذا الدليل على التقسيم الرباعى لعناصر التراث الشعبي الذى اقترحه محمد الجوهري، واتخذ أساساً في تصنيف ببليوجرافيات الــفــــــولــكـلــــور الـــعــربي الأولـــــى (1972 ونـــشـــرت 1978)، والثانية (2000). ويستعرض بعض الأسس النظرية والتــوجيهــات الـــعــامـــة المتــصـــلــة بمـــيدان المـــعــتـــقدات الشعبية. ثـــم يســـتــعــرض مـــلامـــح الــتــطــويـــر الـــتي استجدت على تقسيم هذا الجزء الخاص بالمعتقدات الشعبية بعد الصورة التي نشرت بها لأول مرة عام 1969. وتأتي أخيراً توجيهات فنية لمستخدم الدليل تتصل بنقاط: الإجابة على الأسئلة، وحدة الظواهر المــــدروســــة، ضــــرورة مــــراعــــاة ســــياق الظــواهــر، أهمية الأبعاد المختلفة للإجابة ، والطبيعة الخاصة لموضوع الــمــعـتـقــدات، وقــضــية الســــؤال عــــن التفســير، والســــؤال عن المعتقدات والظواهر التي اختفت، والرجوع إلى المدونات، وتحليل مضمون الأعمال الأدبية الشعبية، والإعداد الببليوجرافي للعمل بالدليل.

ويغطي هذا الجزء القسم الخاص بالمعتقدات والــمعارف الشعــبية 2388 ســـؤالاً احتـــوت الــموضــوعـــات التالية:

1.  الأنطولوجيا الشعبية، وتشمل: مقدمة، التكوين، (الخلـــق)، الطــوفـــان، القيــامـــة، الســمـــاء، الأرض، العناصر الطبيعية (النجوم والكواكب وتأثيرها السحـــري في الإنســــان، والظواهر الجوية) وأخيراً ظواهر متنوعة.

2.  المعتقدات والمعارف المتصلة بالحيوان وتشمل: خصــائـــص الحيــــوان المميـــزة وقـــدراته، خصـــائـــص الحيوان السحرية والطبية، تشكل الكائنات فوق الطبيعية في صورته، حيوانات خاصة.

3.  المعتقـــدات والمعـــارف المتصـــلة بــــالنبات وتغطي: مــعـتقدات مـتــصلة بــزراعــة الــنبــاتـــات ورعـــايــتهــا وحفظها، نباتات ذات قوى وصفات سحرية خاصة، استخدام النباتات أو أجــزاء منهــا، لغـــير الأغـــراض النفعــية المبـــاشـــرة، الاستــخــدام الطـــبي للــنـبـاتــات.

4.  الـــزمــن فـــي المعـتـقــــد الشـعــــبي. وتـــغــطـــي، خــصــائــص توقيتات معينة، خصائص أيام معينة، خصائص الشهور (أوائلها، أواسطها، أواخرها).

5.  المعتقدات المتصلة بالأحجار والمعادن.

6. المعتقدات المتصلة بالأماكن.

7. المعتقدات والمعارف المتصلة بالإنسان وتغطي معارف حول الإنسان، عن الفروق بين البشر، في تفسير بعض الخصائص الجسمية والخلقية للإنسان، ارتباط بعض أجزاء الجسم بصفات وخصائص معينة، دلالة بعض الأعراض الجسمية، معتقدات مرتبطة باتجاهات الجسم الإنساني وأجزائه، استخدام أجزاء من جسد الإنسان لأغراض طبية وسحرية، مثل: الشعر والأظافر، لبن المرأة، الدم، مخلفات الإنسان، استخدام أجزاء من جسم الميت لأغراض طبية وسحرية، معتقدات مرتبطة بذوي العاهات.

8.  الطب الشعبي، ويغطي، أمراض وحالات، عقاقير ومواد، وصفات دينية وسحرية، القائمون بالعلاج، الوقاية والمعارف الشعبية عن المرض، أدبيات الطب الشعبي.

9. الأحلام، ويغطي، طبيعة الأحلام في المعتقد الشعبي، الحالم، المفسر، صدق الرؤيا، دلالات رؤية بعض الأشياء في الحلم.

10.  السحر، ويغطي أسئلة عامة، ثم أركان العملية السحرية، تأثير الكلمة، المواد والأشياء ذات القوى السحـريـــة الخــاصــة، تــأثـــير الأشــكـــال، الحــمــائـــل السحــريــة، عملــيات سحــرية خــاصــة، كــما تغـــطي المـــظـــاهــر الســحـــريـــة وتــشـــمل، التــفــاؤل والـتــشـــاؤم، الـبركـة، العـين، المشــاهــرة، استــطلاع الغــيـب، تـحــول الكائنات والأشياء، إبطال السحر ، فوائد عملية .

11.  الكائنات فوق الطبيعية وتغطي: الملائكة، الجن، الشيطـــان، إبليــس، العفــاريـــت، الأســيـاد، القــريـــن، العمار، جنية البحر، السلعوة، أم الشعور، المزيرة، الغول، المارد، الصل، الأمن دجر، النداهة، أبو رجل مسلوخه وتوابعه، الطنطل، الأرواح، أرواح الموتى، بغلـــة الــعــشـر، ســقــا العــشر، إنســان الـمـاء، الـمسـيخ الدجال، البراق، البشر الممسوسين .

12.  الأوليـاء، وتغطي، سيرة الولي، الممارسات المتعلقة بــــالــولــــي، مثـــــل: الـــزيـــارة، المـــولـــد، النــذر، وقــــدرات الــولــي، مــثل: القـــدرات العـــامـــة والقـــدرات السحـــرية والعلاجـية والكرامات، كما تغطي خصائص أشياء تتعلق بالولي، وأخلاق الولي، والصوفية، وتتطرق إلى: الأولياء والطرق الصوفية، القطب، الأنبياء، تبادل الاعتقاد في الأولياء والقديسين.

-  كما يغطي الدليل من القسم الثالث عشر حتى التاسع عشر موضوعات، الألوان، الأعداد، الروح، الـــطهــارة، والــنــجاســـة، أوائـــل الأشــيـاء وأواخــرهـــا، الاتجــاهــات، النظــرة إلــى العـالـم.

أمــا الـجــزء الثــانــي والــذي اشتــمل مــوضـوعــي دورة الحياة وعـادات الـطـعـام، فقــد احـــتوى أســئلة دلـــيل دورة الحياة ثلاثـــة فصــول هــــي: من الميلاد إلـــى الــــزواج - الزواج - الموت، وتتفرع كل مرحلة من العام إلى الخاص إلى الأكثر خصوصية مثال: الزواج يتفرع عنه الخطوبة التي يتفرع عنها حفل الخطوبة، وأسفل كل فرع الأسئلة المرتبطة به. أما الجزء الخاص بدليل عادات الطعام وآداب المائدة فقد اشتمل ثلاثة أقسام، يغطي القسم الأول الأسس النظرية والمنهجية، فيؤكد على التداخل بين هذا الميدان وسائر ميادين التراث الشعبي. كالأدب، والمعتقدات الشعبية والدين. وتكشف دراسة عادات الطعام وآداب المائدة عن خطوط الاتصال الثقافي أو الاحتكاك بين ثقافتنا والثقافات الأخرى، وكذلك اتصال عادات الطعام وآداب المائدة بالظواهر الاجتماعية الأخرى، كما تكشف عن الفروق البدوية الحضرية من ناحية، والريفية الحضرية من ناحية أخرى، وهي مؤشر هام قادر على إلقاء الضوء على تطور مكانة المرأة في المجتمع. وذيلت المقدمة بمجموعة من الملاحظات الموجهة للباحث الذي يجمع مادة علمية بواسطة هذا الدليل، توضح أن أسئلة الدليل قد تركز في بعض جوانبها على العناصر المادية أو على الأشياء، وأن موضوع الخبز يحظى باهتمام أسئلة الدليل، إذ يعد موضوع الخبز من موضوعات عادات الطعام التي حظيت بأكبر قدر من اهتمام الدارسين الأنثروبولوجيين الأجانب للمجتمعات العربية، كما توضح أهمية دراسة ميزانية الأسرة وسياسة الإنفاق، وكثرة تردد مصطلحات معينة مثل أكلات المناسبات، ودوائــــر انتشـــار أطــعـمــة ومشــروبـــات معــينة، كـــالشاي والقهــوة مثـــلاً. وأنـــه في بعــض الــمنــاســـبات والقــطاعــــات يتــم الارتـــداد إلـــى التـــراث مخــالـــفاً بـــذلك الاتجاه العام لنســـيان جـــوانب كثــيـرة منـــه وتـجــاهلهــا بفـعـــل ظـروف التغير الاجتماعي العام. وهناك بعض أصناف الأطعمة والمأكولات التي تبدلت مكانتها الاجتماعية، وعلاقة الأسرة الممتدة المعدلة وأكلات المناسبات والإجازات. كما توضح الملاحظات العقبات التي يمكن أن تصادف جامع بيانات دراسة عادات الطعام وآداب المائدة. وتناقش استعانة الباحث بكتب الطهي الموجودة لتتبع دورها وتأثيرها على ثقافات الطعام في البيئات التي تعيش فيها.  وأهمية مراعاة الأبعاد الزمنية أو التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية للبيانات التي يــجمــعـــها. وتـــوضـــح أن تـــعبيــر «مــائـــدة الطعــــام» تعــني جلسة الطعام وليس المنضدة أو الطاولة التي يوضع عليها الأكل. وتوضح البيانات التي يجب على الباحث أن يستوفيها في صدر البحث. ويغطي القسم الثاني أسئلة الدليل التي تتكون من 343 سؤالاً، تغطي الــمـوضــوعــات الـتـالــية: الـوجـبات ومـواعــيدها، أكــلات المناسبات، الخبز، الحبوب والبقول، اللحوم، الطيور، الأسمــــاك، الخضــــراوات، طـــرق إعـــداد الطعـــام، طـــرق حفــظ الطعــام، الأوانـي والأدوات، الفطائر، الحلويات، صناعة الألبان، المشروبات، معتقدات حول الطعام، آداب المائدة، الاتجار في المواد الغذائية، التجديدات في عادات الطعام وآداب المائدة.

وتجدر الإشارة في ختام عرض هذه الأدلة أن كل مجلــد يحــوي مــلاحـظات للــباحـــث الــذي يجمــع مــادة عـلميــة بــواسطة الدليل، فضلاً عـن الملاحق المتضمنة بطــاقـة صــاحب المــادة - بطـاقــة تسجــيل مــقــتنـيــات - بطــاقـــة الصــورة.

2. أمثال الجزائر والمغرب:

صدر عام 2013 عن دار فليتس للنشر بالجزائر مجلد ضخم بلغ أكثر من سبعمائة صفحة حمل عنوان «أمثال الجزائر والمغرب» للعلامة الرائد محمد بن أبي شنب، وهو من أعلام التراث الشعبي الجزائري، وقدم له عبد الحميد بورايو أستاذ الأدب الشعبي. ويُعد من الأعمال المهمة في حركة توثيق الأمثال الشعبية العربية، والتي حرص صاحبها على جمعها من عدة مصادر فضلاً عما قام بجمعه ميدانيًا خاصة من منطقتي الجزائر العاصمة والمدية مسقط رأسه، ثم قام بترجمتها إلى اللغة الفرنسية. ويمثل أقدم مصنف مغاربي جمع فيه صاحبه الأمثال الشعبية الــجـزائرية والـمغربية، حـيث نُشر في مستهـل القرن العشرين، وتعود قيمة الكتاب التوثيقية إلى اطلاع صاحبه على التراث العالمي في مجال الأمثال واشكال التعبير القريبة منها، مثل الأمثال الشعبية الفصيحة والحكمة والمثل السائر وأمثال القرآن، وأمثال اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والتركية، وكذلك أمثال اللهجات العربية في مصر والشام والجزيرة العربية وحتى من البلاد الإسلامية كبيزنطة. ومن ثم فقد اهتم المؤلف بالاطلاع على كتب الأمثال التي سبقته، ومقارنتها بالأمثال التي عكف على جمعها، فضلاً عما ورد بأمهات الكتب التراثية القديمة، إلى جانب كتب الأمثال التي ألفها معاصروه من المؤلفين العـــرب في الــقــرن الـتــــاســـــع عشـــر وفي مســتــهــل الــقـــرن العشرين. ويشير بن شنب في مقدمته لهذا العمل إلــى أنـــه لا يهـــدف فـــقــط إلـــى جـــمـــع الأمـــثال الموزعة في عدد من الأعمال وإضافة بضع مئات منها. فالمؤلف لم يكتف بتصنيفها وفقًا للحروف الأبجدية لتسهيل البحث، بل قام بترجمتها مرفوقة بالشروح بغرض بيان استعمالاتها، والبحث بالنسبة لبعضها عما يعادلها بالفرنسية. كما سجل الأماكن التي سمعها فيها مستعملة، وأشار إلى ما يوازيها في الأمثال التي توجد في مصر وسوريا وبيزنطة والجزيرة العربية، وما هو مستعار مباشرة أو بصفة غير مباشرة من القرآن ومن الحديث، ومن المجاميع الشهيرة للأمثال الأدبية للميداني والعسكري. وقد احتوى مصنف بن شنب على 3121 مادة مثلية، أُضيفت إليها في هذه الطبعة ما ألحقه بها صاحبها من رباعيات وأقوال حكمية بلغت السبعين قولاً تم تسجيلها في لغتها الأصلية، وفي تنوعاتها التعبيرية المتوفرة، مرتبة وفق التسلسل الأبجدي لحروفها الأولى، مترجمة إلى اللغة الفرنسية، وموثقة من حيث مصادرها، مشروحة من طرف المصنف ومعلق عليها، وقد تناول التعليق السياقات التي وردت رويت فيها بعض الأمثال كما سمعها بن شنب، والحالات المتعددة التي يمكن أن ينطبق عليها المثل، وهي مسألة تندرج - كما يشير بورايو- في نطاق الجهد التأويلي المبذول من طرف الجامع والمدون، وهو جهد مسنود بمعرفة عميقة باللهجات التي تم التعبير من خلالها.

ومن بين الأمثال التي وردت بالمصنف:

الغريب لازم يكون أديب  A.M

il faut que l’étranger soit poli

se dit a un étranger qui manque de politesse

ثم يورد المصادر التي أوردت هذا المثل على هذا النحو أو ببعض التغييرات. ويشير المؤلف إلى أن لغة الأمثال تقترب كثيرًا من اللغة الفصحى، وكثيرًا ما تسمع أميًا يذكر مثلاً بعربية خالصة. تختفي في بعض الأحيان بعض علامات الإعراب فقط، وتستخدم دائمًا «لا» الناهية الفصيحة أكثر من «ما» الناهية في لغة الحديث اليومي. ونعثر في الأمثال على بعض الأدوات مثل عن، إلى، أن، والتي تم هجرها في المحادثة. والعمل رغم أهميته التوثيقية لم يصنف الأمثال موضوعيًا حتى ييسر على الباحثين دراسة موضوع بعينه من هذه الأمثال، إذ لا يتيح الترتيب الهجائي ذلك بطبيعة الحال. غير أن المؤلف أعد بعض الرموز التوثيقية أمام كل مثل لتكشف لنا عن مصدره على النحو التالي:

L  =  مستعمل من طرف الأدباء.

M=  جُمع وسُمع بالمدية.

A =  جُمع وسُمع بالجزائر العاصمة.

C  =  مستعمل بقسنطينة وضواحيها.

O =  مستعمل بوهران وضواحيها.

S  =  مستعمل بالهضاب العليا والجنوب الجزائري.

F  =  يشير إلى أن المثل مستعمل في الوسط النسائي.

كما قدم المؤلف جدولاً آخر لنظام النسخ المنتهج بالكتاب.

والعمل على هذا النحو يعد واحدًا من ملامح حركة البحث والتوثيق للتراث الشعبي العربي كانت مبكرة جدًا، ومن ثم تكشف عن عمق الاهتمام العربي بهذا المجال.

3. أغنيات مؤلفة للأطفال:

يقـــدم لــنـــــا مـحــمـــود مـفلــح البــكر كتــاب «أغنـيات للأطفال» من القطع الصغير 78ص، في طبعته الأولى عام 2000، وترجع أهميته لندرة الكتب التربوية التي تؤلف للأطفال فهو عبارة عن مجموعة شعرية غنائية ذات مضامين تربوية تُلحّن وتُغنى في مرحلة ما قبل المدرسة. بدءً من مرحلة رياض الأطفال ثم السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية. إضافة إلى بعض النصوص التي يمكن أن تناسب السنتين اللاحقتين، وذلك بلغة سهلة وأوزان مناسبة تساعد على التلحين والغناء لمختلف الأعمار. وتهدف هذه النصوص إلى توجيه الأطفال، وتوعيتهم ببعض القضايا الهامة في حياة الطفولة خاصة، والمجتمع عامة، من خلال مواقف وحالات سلوكية صحية يمكن أن يستوعبها الطفل ويتمثلها وترسخ في ذهنه وسلوكه بترديد الأغنية، حيث ركز البكر على الصحة البدنية: كالمحافظة على نظافة الأسنان، واليدين، والجسم عــامــة، فضــلاً عــن السلامــة العامــة، والـوعي ببعــض الحقـــائـــق العلمـــية الأولــية، والعــلاقات الاجتمــاعـــية، وقيم العمل وتعزيز الروح الإنسانية، والرفق بالحيوان ورعـــــايته..إلـــخ. وبمــا أن هـــذه النصوص معـــدة للغناء بألحان سهلة، وبعضها معد للغناء المصاحب للألعاب، ورقصـــات، أو حـــركــــات راقصـــة في الصــــف، أو الـــبــاحـــة أو الحديقة، بهدف تنمية المهارات اللغوية والحركية معًا، وتنمية الحس الفني، والانسجام الإيقاعي والذهني، فإن بعض هذه النصوص كان طويلاً نسبيًا لتحقيق التكامل لدى الأطفال الأنضج، أما في حالة الأطفال الأصغر - يضيف البكر -  والأقل خبرة ومهارة، فيمكن اجتزاء مقاطع مناسبة لهم في المراحل الأولى.

وقــد حـــرص الـمــــؤلف أن تــكتـســب عنـاوين الأغاني بعض الجمل البسيطة والتي لا تتعدى كلمتين وفي الوقــــت ذاته تكتسب دلالة المضمون المــراد توصــيله، وقــد بــلــغت إحــدى وثــلاثين أغــنية جـاءت على النحو التالي: حَبُّ اللؤلؤ - الطفل المحبوب - عُمال النظافة - لَيلى والنَّملَة - رقصة الحجل - ربيع بلادي - في مدرستي - الجدة - شارة المرور - شدُّ الحبل - دميتي - يوم العيد - يدي - بائع نظيف - أم سعيد - صداقة - سخلة - فراشة - الصغيرة المهذبة - قطرة ماء - لعبة الأصوات - أغنية البلبل - نهر القرية - البرق - الأشجار المحبوبة - ألواني - أمي - بيت الصداقة - الكهرباء - صديقتي المياه - الأرض أمنا. ونعرض هنا لنموذج من هذه الأغنيات بعنوان «ألواني»:

مـــــا أجــمــــلـك يــــــا ألـــوانـــــي

طـــاقـــــة زهـــر في بـــســتـــانـــــي

أخضـر.. أخـضـر مثل المرج

مــــــرج واســـــــع بـــــــــين تـــــــلال

أبيـــــض أبيــض مـثل الثلج

ثلـــــج نـــــاصــــع فــــوق جـــــبال

أصـــفـر أصـــــفر كــالليــمـــون

تـــفــــــــرح فـــــــيه كــــــــل عـــــــيون

أحــمـــــر.. أحــمـر مـــثل الورد

في نيـــــــســان أزهــــــــر عنـــــدي

أزرق أزرق مـــــثــــــل الــبـــــــحـر

يدعو شمسي عند العصر

أرســـم شمــسي أرســم دربــي

أشـــــدو فـــــيه لــــحــن الــــحب

ويــحســب للــمؤلـــف مــراعــاتــه للــضـوابــط الـــتربـــويــة والسلوكــية التــي تتـناســب وفــكر الأطفــال الــفـطــري وسلـوكـيـاتـهــم الـعـفـويــة، مـعـ قـلــة إدراكـــهـم لــلأمــور الحياتية التي تثقلها الخبرات عند الكبار، فنجده قد تجنب الأوامر والنواهي التي تنفر الطفل، وركز على المواقف السلوكية، والقيم الضمنية.

4. الحماية القانونية للمأثورات الشعبية القطرية:   

صـــدر عـــــام 2014 عـــــن إدارة البحـــوث والـــدراســــات الثقافـية بـوزارة الثقافــة والفنــون والتــراث القطـــريــة الطبعة الأولى لكتاب «الحماية القانونية للمأثورات الشعبية القطرية»: دراسة مقارنة في ضوء التشريع القطري والاتفاقيات الدولية لمؤلفه حسن حسين البراوي، قدم للكتاب حمد بن عبد العزيز الكواري، وأحمد مرسي بدراسة حملت عنوان «حول الملكية الفكرية والمأثورات الشعبية: الفولكلور - التراث الثقافي غير المادي». وتبدو أهمية هذه الدراسة كما يشير صاحبها إلى كون دولة قطر قد انضمت للعديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالتراث الثقافي والفني كاتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي عام 1985، واتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي عام 2008، واتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكـــال التعــبير الــثـقــافي، فــضـلاً عـن تقـريـر المُشَـرّْع القطري حماية قانونية للفولكلور الوطني بمقتضى قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة عام 2002. ويُعد هذا الموضوع من موضوعات الملكية الفكرية المستجدة، ويثير الكثير من التساؤلات على المستوى الدولي، لذلك فإن دراسة هذا الموضوع الجديد وبيان كيفية استخدام نظام الملكية الفكرية لتقرير حماية قانونية له، ومدى كفاية هذا النظام من عدمه لا يخلو من فائدة.

ويشير المؤلف حسن البراوي في منهجه العلمي لهـــذا الــــكـــتــاب، أنـــه ســوف يــقـــوم بـــدراســـة الـــحـــمــايــــة القانونية للمأثورات الشعبية القطرية من خلال المنهج التحليلي المقارن، فيتم تحليل النصوص القانونية القطرية الواردة في قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، إضافة إلى نصوص الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة قطر، وأصبحت من ضمن قوانين الدولة بمقتضى مراسيم التصديق والانـــضمــام لـــهــذه الاتــفــاقــيــات، وبــيان مــا لــهــــا ومــــا عليها، ومقارنتها مع غيرها من التشريعات العربية والأجنبية والاتفاقيات الدولية للــوقــوف على مدى كفاية هذه النصوص التي وضعها المُشَرّْع القطري لتحقيق الحماية القانونية للتراث الوطني القطري. وقـــد حــــدد الــمــؤلـــف في خــطـة الــدراسة الحــدود بــين المصطلحات المستخدمة، فمصطلح المأثورات الشعبية يضم مصطلح الفولكلور والمعارف التقليدية، ولما كان مصطلح المعارف التقليدية أعم وأشمل من مصطلح الفولكلور، فالترتيب يقتضي - كما يشير المؤلف - أن نبدأ بدراسة المعارف التقليدية أولاً ثم الفولكلور ثانيًا، لكن المُشَرّْع القطري استخدم في قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة مصطلح الفولكلور الوطني، وعلى المستوى الدولي تعد محاولات حماية التعبيرات الفولكلورية أقدم من محاولات حماية الـمعــارف التــقلـيديـــة، لــذلــك ســيبدأ الـمــؤلف بدراسة الفولكلور أولاً، ثم المعارف التقليدية ثانيًا.

وقد قسم البراوي كتابه إلى بابين، الأول بعنوان «الحماية القانونية للفولكلور» تناول فيه المقصود بالفولكلور وأسباب حمايته، والتعريف به وأسباب تقرير الحماية القانونية للفولكلور. ثم تناول في الفصل الأول الحماية القانونية للفولكلور في التشريعات الوطنية، شارحًا الحماية القانونية للفولكلور في الدول التي تنص صراحة على حماية الفولكلور، والحماية القـــانـــونية للفــولكــلـــور فـي الـــدول الــتــي لاتــتـضـمـن تشريعاتها الداخلية نصوصًا قانونية صريحة تحمي الفولكلور. أما الفصل الثاني فقد خصصه لمناقشة حماية الفولكلور على المستوى الدولي، متناولاً دور اليونسكو في المحافظة على الفولكلور وحمايته، والنموذج الذي وضعته الويبو بالتعاون مع اليونسكو، وأخيراً محاولة إنشاء نظام دولي لحماية التعبيرات الفولكلورية. أما الباب الثاني فقد خصصه للحماية القانونـــية للمعـــارف الـــتقلـيـديــة، تنــاول الـفـصــل الأول تـــعــريـــف المــعــارف التــقـليـديـة، والــتـمــييـز بـــين المــعــــارف الـــتقــليــديـــة والمــصطــلــحــات الأخـــرى، وأســباب حـمـايــة المعــارف الـتــقــلـيديــة. أمـــا الــفــصــل الثاني فقد خصصه المؤلف لمناقشة الحماية القانونية للمعارف التقليدية من خلال بحث حماية المعارف التقليدية استنادًا إلى قواعد الملكية الفكرية، وحماية المعارف التقليدية على مستوى التشريع الداخلي، والحماية القانونية للمعارف التقليدية على المستوى الدولي.

وقد لخص المؤلف لبعض النتائج والتوصيات المهمة في موضوع الحمـايــة القانونية للمأثورات القطرية، جاءت على النحو التالي:

1. تمثل المأثورات الشعبية ميراثًا ثقافيًا وحضاريًا للشعوب والأمم يعكس ذاتيتها ويظهر تميزها، ويحتاج هذا الميراث إلى حماية قانونية ضد كـــل صـــــور الاستـــغلال غــيــر المـــرخـــص وأعــمـــــال القرصنة المستمـرة ومحاولات التحريف والتشويه والتغيير. ويستوعب مصطلح المأثورات الشعبية مصطلحي: الفولكلور والمعارف التقليدية، وهو مرادف لمصطلح التراث الثقافي غير المادي الذي استخدمته منظمة الـــيــونــســكـــو فـــي اتفـاقية صـــون التـــراث الثقـافـــي غــير المادي.

2. يقصد بالفولكلور كل الإبداعات التي تبدعها جماعة معينة، أو أفراد غير معلومين في مجتمع معين، وتعكس ذاتية هذه الجماعة، وتشكل الميراث الثقافي لها، ويتم التعبير عنها بأي وسيلة ممكنة، ويتم الحفاظ عليها بنقلها من جيل إلى جيل، وتشمل الإبداعات المادية والمعنوية.

3. لم يتفق المتخصصون في علم الفولكلور - حتى الآن - على تحديد دقيق للمواد الفولكلورية، فهم يدخلون جميع التراث الثقافي للأمة ضمن الفولكلور، وهذا التراث يضم مواد مغايرة ومتباينة، فنية وأدبية وموسيقية ودينية وعادات وغير ذلك من المواد التراثية.

4.  جميع  الوسائل التي استخدمت في التشريعات الوطنية التي اعتمدت أساسًا على نظام الملكية الفكرية، لم تحقق الحماية الكاملة للفولكلور، فهـــذه الــوســائـــل تــحــمـي بـعــض صــور الـتـعـبـيـر الفولكلوري وتمنح حماية محددة من حيث الزمن، ولم يقدم نظام الملكية الفكرية حماية قانونية كاملة للمعارف التقليدية.

5. يعتقد المؤلف أن السبب الحقيقي في عدم كفاية الوسائل المتاحة حاليًا في نظام الملكية الفكرية لتحقيق حماية فعالة وأكيدة للمأثورات الشعبية، يرجع في المقام الأول إلى طبيعة المأثورات ذاتها، فهي إبداعات غير شخصية، فضلًا عن الصعوبات الفنية المتمثلة في صعوبة تحديد التعبيرات والمواد التي تستحق الحماية.

6. قصور نظام الملكية الفكرية عن تحقيق حماية قانــونــية كــامــلــة للــمــأثــورات الشـعـبـيـة لا يـجـب أن يقعدنا عن السعي في سبيل توفير حماية قانونية خاصة لهذه المأثورات التي تعكس هويتنا وثقافتنا الخاصة التي ينبغي المحافظة عليها إلى أقصى درجة ممكنة، خاصة مع تزايد تيار العولمة وبزوغ نجم فكرة الدولة الواحدة.

7.  يحمي المُشَرّْع القطري المأثورات الشعبية القطرية بعدة نصوص متناثرة في قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة رقم 7 لسنة 2002، وقانون العلامات والأسماء التجارية والمؤشرات الجغرافية رقم 9 لسنة 20002، وقانون حماية براءات الاختراع رقم 30 لسنة 2006، فضلًا عن العديد من الاتفاقيات الدولية المنضمة إليها دولة قطر.

ويقترح المؤلف حسن البراوي على المُشَرّْع القطري أن يسن قانونًا جامعًا للملكية الفكرية يجمع فيه شتات هذه النصوص المتناثرة ويتوافق به مع الاتفاقيات الدولية المنضمة إليها الدولة.

8.  يعتقد المؤلف أن الحماية الحقيقية للمأثورات الشعبية في التشريع الوطني تكون عن طريق أن يفرد المُشَرّْع الوطني نظامًا فريدًا خاصًا فذًا sui generis لحمايتها. وقبل إنشاء هذا النظام الخاص يرى أنه يتعين على المجتمع والدولة الحفاظ أولًا على التعبيرات والمواد التي تتكون منها هذه المأثورات الشعبية قبل المطالبة بحمايتها، ويتحقق ذلك عن طريق الاتفاق أولًا على تحديد دقيق للمواد التي تستحق الحماية القانونية، وثانيًا توثيق المأثورات الشعبية (التراث الثقافي غير المادي) عن طريق إنشاء أرشيف متخصص يهتم بجمع وتحقيق وتوثيق جميع التعبيرات والمواد التي يتكون منها هذا التراث بما يحفظها من الاندثار.

ويتعين على المُشَرّْع أن يراعي في هذا النظام الخاص المقترح الطبيعة الخاصة للتعبيرات والمواد التي يتكون منها هذا التراث الثقافي غير المادي، وكونها إبداعات غير شخصية، ومستمرة تحتاج لحماية تفوق في مدتها المدد الممنوحة وفقًا لقواعد حق المؤلف والحقوق المجاورة.

وتتمثل عناصر هذا النظام الخاص المقترح في النقاط التالية:

- تحديد دقيق للتعبيرات والمواد التي يتكون منها ها التراث الثقافي غير المادي التي تستحق الحماية القانونية، ويكون ذلك باللجوء إلى المتخصصين في الفولكلور الوطني والتراث بصفة عامة ليحددوا لنا على وجه اليقين ما يُعد من المأثورات الشعبية ومن ثم يستحق الحماية القانونية، وما يخرج منها فيظل بعيدًا عن مظلة الحماية القانونية. ويعتقد المؤلف أن هذا في غاية الأهمية؛ ذلك لأنه قبل الحديث عن توفير حماية قانونية للمأثورات الشعبية علينا أن نتفق ونحدد محل هذه الحماية.

- تأكيد نسبة هذه المأثورات الشعبية (التراث الثقافي غير المادي) للجماعة التي أبدعته، عن طريق توثيق هذه التعبيرات والمواد، ولن يتحقق هذا إلا عن طريق إنشاء أرشيف وطني مهمته تجميع وتبويب وتوثيق جميع التعبيرات والمواد التي تتكون منها المأثورات الشعبية القطرية.

- وضع الطبيعة الخاصة للمأثورات الشعبية في الاعتبار، وكونها تعبيرات مستمرة والبعد عن تقرير حماية محددة من حيث الزمن، فهذا لا يتفق وطبيعتها.

- تحديد صاحب الحق في حماية المأثورات الشعبية، وهل يثبت هذا الحق للدولة، أو للجماعة التي أبدعت هذه التعبيرات، أو للشخص الذي يؤدي هذه التعبيرات، وتحديد لمن تكون ملكية هذه المأثورات.

- توزيع عوائد استغلال المأثورات الشعبية على كل من يساهم في تطويرها وتنميتها كجامع للفولكلور، والمؤدي، والجهات التي تتولى عملية المحافظة عليها.

- تحديد الحالات التي يجوز فيها استعمال المأثورات الشعبية بغير نية الربح داخل دولة قطر.

- فرض جزاءات محددة ضد أي عمل من شـأنــه أن يعرض المأثورات الشعبية للتحريف أو التشويه أو التعديل، وكذلك على كل من يستغل  المأثورات الشعبية بغير ترخيص من الجهة المختصة.

- إسناد مهمة المحافظة على المأثورات وتنميتها إلى وزارة الثقافة والفنون والتراث بدلًا من وزارة الاقتصاد والتجارة كما ينص قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة القطري   رقم 7 لسنة 2002.

وحتى تكتمل عناصر الحماية المطلوبة، يقترح البراوي إنشاء جهاز أو مؤسسة أو أي كيان قانوني داخل وزارة الثقافة، مهمته الحفاظ على المأثورات الشعبية القطرية، وأن ترصد له الإمكانيات المادية والبشرية التي تمكنه من أداء مهمته.

5. الحزاوي اليمنية:

صدر عام 2010 عن بيت الموروث الشعبي اليمني الجزء الثالث من كتاب «حزاوي وريقات الحناء: حكايات شعبية يمنية» للباحثة اليمنية أروى عثمان، والكتاب يحمل رقم (8) ضمن هذه السلسلة، من الحجم المتوسط تبلغ صفحاته 264 ص. وهذا الكتاب يُعد الثاني من سلسلة الحكايات الشعبية اليمنية للمؤلفة، وقد قدمت جهدًا علميًا توثيقيًا يُعد استكمالاً لريادة الطريق الذي بدأه رواد الأدب الشعبي في هذا المجال. وقد جمعت المؤلفة هذه الحكايات منذ بداية التسعينات وحتى العام 2008 من مناطق: صنعاء، تعز، إب، تهامة، شبوة، مأرب، ذمار، وقد بلغ مجموع الحكايات التي تم توثيقها في هذا الكتاب اثنتي وأربعين حكاية. وتُعرف الحكايات الشعبية في أوساط العامة باليمن باسم «الحزاوي»، وهو أحد أجناس الأدب الشعبي الذي يتعرض في زمن الأفلام والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية للانقراض. وقد قدم لهذا الكتاب عبد العزيز المقالح وهو واحد من رواد الأدب الشعبي العربي، والذي أشاد بالمؤلفة لكونها تذكرنا بالرائدات العربيات اللائي عرفهن الوطن العربي في مطلع القرن العشرين، وفي مصر والشام بخاصة بما تركن من أثر باق في الحياة الثقافية والفكرية. ويشير المقالح إلى أن هذه الحكايات التي جمعتها المؤلفة بما تحمله من معان ورموز ومواقف إنسانية، يلعب فيها الخيال الشعبي دورًا لا يقل إثارة وأهمية ومؤانسة عن ذلك النوع من الأساطير اليونانية والأساطير القديمة، التي شغلت وجدان البشرية وما تزال. وأَزْعَم أن أهمية هذا النوع من (الحزاوي) الحكايات لن يتأكد إلاّ بعد أن تتم ترجمتة إلى عشرات اللغات الحية في العالم، عندما يهتدي إليه الباحثون المنصفون. وعندئذ فقط، ندرك نحن الأهمية والقيمة لما استطاعت هذه الباحثة الجادة أن تجمعه من نماذج بديعة منه، قبل أن يطويها الصمت الابدي؛ كما طوى كثيرًا من الإبداعات الشعبية في هذا البلد الذي شغلته الحروب والمنازعات القبلية عبر مئات السنين.

ومن خلال متابعتي لحكايات أروى أجد نفسي حقًا أمام عمل إبداعي جدي ومتمكن، وأمام لغة، وخطاب، وكتابة، لا تتعالى على الواقع، ولكنها لا تنزل إلى قعر مفراداته، لغة، وخطابًا، يدخلان إلى الحكي ويجسدان قضاياه وإشكالاته، كما طرحتها الحياة أمام الناس في (حزاوي) وحكايات، وأساطير، وإنك تجد نفسك مع حزاوي أروى المنتزعة من شفاه الجدات والمتناثرة في ثنايا الكلام، التي جمعتها وأعادت صياغتها، وتدوينها، في حضرة حكايات تجسد تاريخ الوعي، والكلام، وتاريخ الناس في ذات الوقت، مما يبرز معه عمل أروى توثيقًا، وتدوينًا، في مواجهة النسيان، وكما أرادته ملحمة صراع من أجل الحياة والبقاء، بقاء الوعي المتجدد في التاريخ، والحكايات إصرار على تأكيد البقاء الفاعل والمنتج في تاريخ الوعي والكتابة، فهي باختصار إعادة قراءة لصفحات من التاريخ والوعي، والكلام والناس.      

واكتسبت عناوين الحكايات إشارات لمضمونها فـــالحـكــايـــات الــخــام أعـــادت أروى عثـــمان صــــياغـتـهـا، واستــخــلــصـت معـظـم عنـاويـنـها من قـلــب الـمـوضــوع والأحداث، فقلما تجد الرواة يعرفون عنوان الحكاية، وإن كانوا يعرفون تفاصيلها، كأن تقول إحداهن: أحكي لك حكاية الرجل الذي عمل كذا وكذا، أو المرأة التي قالت كذا، أو الجني الذي قام بفعل كذا وكذا..إلخ من الأحداث المرتبطة بالشخصية / البطل. وهذه الظاهرة موجودة لدى معظم الرواة في المنطقة العربية وربما في العالم، باستثناء بعض الحكايات القليلة جدًا والمحفوظة على نطاق واسع كحكاية ست الحسن والجمال، أو سندريلا، أو الشاطر حسن، أو أمنا الغولة..إلخ. وقد جاءت عناوين الحكايات كما صاغتها المؤلفة على النحو التالي: عبد الله يدور ربه - الحنش الأبيض والبحث عن صاحبة الداحقة - قملة بنت القامول - سعيد الحطاب وابنه ضاع الإنصاف - أكنن بجاه المصطفي ، أكنن بجاه المرتضى - فتنة - ابن الرعوي - الوصايا الثلاثاء - حلف الذئب والكشف - بنت الموبل - دهن ميو.. مدينة ميو - يوم أمطرت السماء نشوف - لا تحلف.. حلم أول الدهر.. أم آخره - الكريم والشجاع والشاعر - ظبية السلطان - تنك السليط - عهد ووفاء - ابن الحطاب ومقسم الأرزاق - العجماء - قميص فضة.. قميص ذهب - سابور وعروسة الحلاوة - كلني الحنش.. كلني الحنش- أربع فوق أربع صارت ثمان - تضاربوا العميان - الأسد صاحب الأودية السبعة - أحمد المعطري - الغريب والصائغ - المرأة التي لا يراها طير ولا عبد - بيت شعفل ذي تحت بيت نهشل- الأعمى المتسلبط - مهري الصوران - إن لم تكفي.. فعفي - القرش بقرش والمنش بسبعة - أمانة تقولوا لنعمان - جرف التماني.. محقق كل الأماني - ألف ريال فرنصي لا يزيد ولا ينقص - عنصة مبروك - مرفع دجن .. دجن - حظية التي خرمت المسبغ - تبيع بقرشين - علي عيشة - قصر من زناقيب الطيور.

وقد أبقت المؤلفة على بعض الحكايات كما هي بلهجتها المحلية الخاصة بها. وقد دعتها الضرورة في معظم الحكايات، إلى صياغتها بلغة سهلة تجمع بين اللهجة العامية واللغة العربية السهلة والبعيدة عن التعقيد، لتخرج بصيغة وسطى يتسنى للقارئ قراءتها بيسر. وقد أرفقت بالحواشي معاني المفردات البسيطة. وتبقى الإشارة في النهاية لجهد الفنانة منة النصيري التي عكست مضمون نصوص الحكايات بلوحات مبهجة كان لها تأثيرها المبدع في مدخل كل حكاية.

6. مجلة جديدة من الشارقة:

صــدر في مــــارس 2016 العــدد الأول مــن مـجـــلــة «الموروث» وهي مجلة إماراتية فصلية محكمة تعنى بالتراث الثقافي، وتصدر عن معهد الشارقة للتراث. وقـــد احـتـــفل بـــصــدور العـــدد الأول ضـــمن فعــالـــيات الاحـتــفــال الســنـوي للــشــارقــة بــأيـــام الشــارقــة التـراثية التي تقام في شهر أبريل من كل عام، وبحضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، وسعادة عبد العزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، وتعنى المجلة بالثقافة التراثية والفولكلور بفروعه كافة. وتشرف عليها هيئة تحكيم عربية متخصصة. وقد جاءت استجابة لرغبة رئيس معهد الشارقة عبد العزيز المسلم الذي رأس تحريرها، وتحقيقًا لحلمه في إصدار مجلة ترعى شؤون الموروث الخليجي والعربي، وتتدارسه وفق اتجاهات علمية متقدمة. وقد جاءت المجلة مميزة شكلًا ومحتوى، فـي حــين أُسـنــدت إدارة التـحـرير للــناقد والأكــاديمي صالح هويدي، وكان الإخراج والتصميم للشاب سَلَم التمّي. وقد ضم العدد الأول 244 صفحة، توزعت على خمسة أبواب، مع ترجمة موجزة بالانكليزية والـفــرنســية، للتـعـريــف بــالــدراســات والـمـواد الـمــنشورة. واشتملت الأبواب على: الدراسات، المقالات، الترجمة، الندوات، وعروض الكتب، وشارك فيها كتاب من: الإمارات، والمغرب، ومصر، والعراق، وتونس، والجزائر، وسوريــــا. ومــن بيــن مــواد العــدد: الافـتـتاحــية رسالة الموروث كتبها عبد العزيز المسلَّم، أعقبها دراسة حول «سيميائية الأحلام في سيرة بني هلال» لـمحمد حــسن حافظ، المدير الأكاديمي بمعهد الشارقة للتراث، وكتب  الـزبــير مهداد وهو كاتــب وبــاحث من المغرب دراسة حول «طقوس الغزل  في الثقافة الأمــازيـغــية»، كما كتب علي حداد من مركز إحياء التراث العربي بجامعة بغداد دراسة بعنوان «الفـابــيولا اليـمـنـية: تأملات في طبائع النوع الحكائي وأمثلته». وفي إطار موضوع الحكي أيضًا كتب إبراهيم الحجري من المغرب حول «البعد البيكاريسكي في الحكاية الشعبية المغربية»، ومن المغرب أيضًا كتب عبد الرحيم جيران حول موضوع «الفرجة». ومن المعهد الوطني للتراث بجامعة تونس الأولى كتب عماد بن صولة دراسة حول «المتخيّل الشعبي للأعداد»، ومن المغرب كتب مصطفي يعلى - باحث وقصاص من المغرب - حول رواية «الخيميائي» لباولو كويليو ساحر الصحراء: رحلة افتتان بالموروث الثقافي العربي. ومن دولة الإمارات العربية كتب أحمد محمد عبيد وهو باحث في التاريخ الشفاهي حول «الثقافة الشعبية الإماراتية، في جهود أبنائها، أحمد راشد ثاني أنموذجًا». ومن المغرب كتبت العالية ماء العينين من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء دراسة حول «تمثلات الرجل في شعر «التبراع». وفي إطار الدراسات المترجمة قام محمد الجرطي وهو باحث ومترجم من المغرب بترجمة دراسة لدومينيك باسكيه بعنوان «الترجمة: الثقافة الشعبية في محك الجدل السوسيولوجي». كما استعرض عبد الحميد بورايو أستاذ التعليم العالي بالجزائر وقائع الطاولة المستديرة (يونيو 1979م) حول الأدب الشفوي الجزائري. وضم العدد عرضين لكتابين الأول بعنوان «حكايات شعبية من الخليج» الصادر عام 2001 عن مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، وقد قام بتحريره فايز صياغ وعبد القادر عقيل، وقام بعرضه محمد قاسم نعمة، والكتاب الثاني بعنوان «الضحك الشعبي بين رابليه وباختين» قام بعرضه إبراهيم محمود الباحث من دولة سوريا.

وقــد تـــمــيز الــعــدد بـتـصــديـــر كــل مـقــال لـــتـرجــمة بالإنجليزية أو الفرنسية في فقرة قصيرة، وهو ما يتيح للغرب التعرف على محتويات العدد، وقد كنا نأمل أن تقدم المجلة في أعدادها القادمة ملخصًا عامًا لمحتويات العدد، ولا تغفل اسم المؤلف في فهرس المجلة لأنه يقدم في النهاية معلومة متكاملة عن مستوى المادة المنشورة وصاحبها.

وبصدور مجلة «الموروث»، فإن حركة الفولكلور العربي خلال السنوات الثماني الماضية قد شهدت ظهور ثلاث دوريات جديدة في التراث الشعبي العربي وهي مجلة الثقافة الشعبية البحرينية، ومجلة التراث الشعبي السورية، ومجلة موروث الإماراتية، فضلاً عن إعادة ظهور مجلة المأثورات الشعبية القطرية، ومجلة فنون شعبية الأردنية.

 

أعداد المجلة