فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
33

إنتاج الخزف التقليدي في جبال النوبة السودانية الملاح و المميزات

العدد 33 - ثقافة مادية
إنتاج الخزف التقليدي في جبال النوبة السودانية الملاح و المميزات
كاتبة من السودان

 الفنان البدائي مرتبط ببيئته ومحاط بتقاليد وموروثات حضارية فأفكاره نسيج من معتقدات وغايات وقيم مجتمعه وقيمه الخاصة كطريقة رسم الرموز التي يعبر بها عن أفكاره لمعارفه الفنية والجمالية لتخرج أعماله معبرة عن معتقدات ذلك المجتمع وتعكس مصادره الحضارية والمؤثرات التي تأثر بها سواء في الشكل أو المضمون أو من النواحي الوظيفية.


الاختلاط بين الوطنيين و القبائل المهاجرة من غرب افريقيا والاستقرار الذي حدث لهذه المجموعات أدى إلى المشاركة في اسلوب العمل فى المناشط المختلفة الاقتصادية والرعوية والزراعية خير مثال لذلك مدينة لقاوة التي ضمت مجموعات البقارة والفور والنوبة والداجو والفلاته وأمبررو و هم في الأصل ينتمون إلى قبائل البربر بشمال أفريقيا.
تسكن مناطق جبال النوبة مجموعات مختلفة تضم النوبة و هم السكان الأصليون، ومجموعات أخرى توافدت إلى المنطقة مثل البقارة، الفلاته، والداجو والفونج وحدث التزاوج بين هذه المجموعات ونتج منه التأثير فى لون البشرة. ودخول ثقافات أخرى جديدة أوجدت ثقافات لمقاييس التعامل التي يلاحظ اختلاف بعض أوجهها عما كان في الماضي، علماً بأن النوبة هم الأكثر تأثيراً فى كثير من اوجه الحياة بحكم انهم النسبة الغالبة لسكان المنطقة والتي تقدر بحوالي، 78من السكان.
الحديث عن الخزف في جبال النوبة ليس أمراً سهلاً ولكن يمكن الوقوف عند بعض الملاحظات التي كتبها «ج.ديبلو. كروفوت عام 1925م» عن الخزف في تقلي ورشاد وقدير وأبوجبيهة في جنوب كردفان وأيضاً في وادي النيل، وعجينة طينات الفخار تتكون من الطين الذي يمزج من بعض المواد العضوية بنسبة 75 ٪ طين و 25 ٪ روث الحيوانات» (تاور آدم كوكو. رسالة دكتوراة غير منشورة.2014م).

1. مراكز انتاج الخزف في جبال النوبة:
1. 1. منطقة الدلنج:
في مناطق الجبال الشرقية في منطقة الدلنج تحديدا  يستعمل روث الأبقار في إنتاج الخزف المتميز بخفة الوزن وبمنطقة الدلنج ينتج الخزف الأسود الذي جاء نتيجة استخدام طريقة الحرق باستخدام طرق تختلف عن غيرها للحصول على هذه الألوان وفي منطقة الريكة والبرام جنوب كادقلي حيث فرضت الظروف الطبيعية في فصل الصيف حيث يصعب الوصول إلى موارد المياه فرضت نوعاً من التقنية في صناعة الخزف لإنتاج أنواع كبيرة الأحجام لحفظ المياه ولإنتاج هذه الأحجام تتبع طريقة بناء المنازل في بنائها.
في منطقة غرب الدلنج: نجد السكان يهتمون بالفخار لوجود الطين الأحمر (المغر) الزي يستعمل في طلاء الخزف من الخارج وأيضاً نجد منطقة سلارا إحدى المناطق التي يهتم أهلها بالفخار والخزف القديم ذات الطابع التقليدي من أواني كبيرة ومتوسطة وأقداح الطين المزخرفة الحواف والأواني الصغيرة. بجانب هذا توجد مجموعة الداجو الذين استقروا واختلطوا مع النوبة ويتميز فخارهم باللون الأسود لاستخدامهم طريقة تدخين الفخار الذي يترك أثراً جميلا إلى جانب إهتمامهم بتجويد الفخار وصقله، وفخار الداجو اللذين يتواجدون في منطقة لقاوة والذين لهم المقدرة العالية في تجويد وتشطيب الفخار معتمدين على موروثاتهم في عمل التصاميم.
تميز فخارهم بالسواد الذي يحدث نتيجة حرق الفخار باستخدم أوراق الشجر الأخضر بوضعه داخل الاواني و أيضا تغطى به الأواني فى داخل موقع الحرق و تشعل النار و تكتسب الاواني اللون الأسود.
الأجانج من قبائل الدلنج التي عرفت الفخار منذ القدم واستعملوه في حياتهم اليومية لأغراض الطبخ وجلب الماء والطعام والتخزين، وهى من الأدوات الهامة في حياتهم.
«و قد عرف الأجانج نوعين من الفخار نوع تصنعه النساء محليا و آخر يشترونه من قبيلة الداجو التي برعت في هذه الحرفة وأجادتها واشتهرت بها حتى اليوم كما برعت و تفردت بتقنية الزخارف المنتظمة في فخارهم إلى جانب الصقل في المنطقة). (يوسف فضل. 2002م. ص178).

1. 2. منطقة كادقلي:
تفردت بعض الأسر بصناعة الفخار نسبة للحركة التجارية آنذاك في توزيع منتجاتها في الأسواق المجاورة. أما في مناطق برام والريكة يعتبر العمل موسميا إذ  يتم إنتاج الخزف بالقرب من مناطق تواجد الطين لتسهيل عملية النقل.
لقد ارتبط إنتاج الخزف في جبال النوبة بالطابع الروحي للسكان و بعض الممارسات المرتبطة بطقوس الأسبار «الكجور» وأن الفخار له دور مهم جداً في هذه الطقوس.
(يخلط الطين مع مخلفات الحيوانات و الحشائش تفادياً لحدوث تشققات وهذا الفخار يشبه فخار الكنغو في طريقة الصنع و الحريق و ما ينتج بعد الحريق من بقع سوداء وألوان حمراء.

1. 3. منطقة تقلي:
هنالك طرق مختلفة لإنتاج الفخار في منطقة تقلي نجد أن المرآة عموماً هى التي تنتج الفخار كما هو الحال في البلدان الأفريقية المتاخمة لخط العرض الذي تقع فيه منطقة جبال النوبةحيث يشكل الطين في شكل كرات ووضعها في حفرة نصف كروية أو أي سطح مقعر تشكل عليه الطينة لتأخذ الشكل الكروي كما هو الحال في مناطق رشاد والليري وتلودي.
وقد عممت طريقة الإنتاج هذه في معظم جبال النوبة وخاصة المنطقة الغربية في لقاوة والنيمانج، الكادرو وهذه من الطرق المستخدمة في نيجيريا عند قبائل اليوربا.
و لوحظ مطابقة الاسلوب العلمي في إنتاج الخزف و الفخار  منذ القدم في جبال النوبة بالتوارث (James Miliart,1925,page 125).
 «وفي تقلي تخلط الحشائش المطحونة أو قشور الذرة وتخلط مع الطين. ويعتقد الخزافون في تلك المناطق أن الحشائش المخلوطة مع الطين تساعد على تماسك (w.w.crowfoot.1925.126)خليط الطينل».

1. 4. منطقة رشاد:
 هنالك طرق مختلفة لإنتاج الفخار في منطقة تقلي نجد أن المرآة عموماً هى التي تنتج الفخار كما هو الحال في البلدان الأفريقية المتاخمة لخط العرض الذي تقع فيه منطقة جبال النوبةحيث يشكل الطين في شكل كرات ووضعها في حفرة نصف كروية أو أي سطح مقعر تشكل عليه الطينة لتأخذ الشكل الكروي كما هو الحال في مناطق رشاد و الليري وتلودي .
 المناطق التي تنتج الفخار في رشاد:
1. منطقة لولا في الجزء الشرقي من رشاد على بعد 2كيلو متر من المدينة. حيث يهتمون بإنتاج فناجين القهوة.
2. منطـــقة خـــــور طــورطـــاج جنـــوب شـــرق المــدينة وتنــتج الجبـــنات بكمــيات كبــيرة.
3. منطقة خور رملة تخصصت في أواني الطعام والشراب وأواني الزينة والمزهريات.
4. منطقة جبل فلاته التي تقع شمال المدينة وتنتج أواني الطعام كالصحون والصواني إضافة للمزهريات.
5. منطقة فاندك في جنوب المدينة و تنتج المباخر «إناء لوضع البخور» وبعض أواني الطعام.
مشكلة الدراسة:
بالرغم من توفر خامات الطين ووفرة المياه وحطب الحريق إلا أن إنتاج الخزف في جبال النوبة ظل موسيمياً ومقيد بالمكان.
فروض الدراسة:
1. تعتبر المرأة الركيزة الأساسية من النواحي الإقتصادية.
2. تقوم المرأة بمعظم إنتاج الفخار والخزف دون الرجال حيث تقوم بتجهيز الطين وتشكيله.
أهداف الدراسة:
جودة إنتاج خزف جبال النوبة لم تجعله معروفاً خارج نطاق المنطقة.
أهمية الدراسة:
تأثير التيارات الثقافية الدخيلة على إنتاج الخزف.
أسئلة الدراسة:
1. ما هى أهمية إنتاج الخزف في جبال النوبة.
2. ما هى الاساليب المتبعة في إنتاج الخزف التقليدي في جبال النوبة.
حدود الدراسة:
منطقة جبال النوبة (رشاد، تقلي، كادقلي، الدلنج).
إجراءات الدراسة:
تتناولت الدراسة في هذا الفصل وصفاً للطريقة والإجراءات المتبعة في تنفيذ هذه الدراسة، ويشمل ذلك وصفاً لمجتمع الدراسة وعينته، وطريقة إعدادها واستعانت الدراسة في تنفيذ هذه الدراسة بوسيلة المقابلة والملاحظة كما استعانت بالتصوير الفوتغرافى وإختيار عينات تجريبية معاونة في إجراء هذه الدراسة.

2. طرق إنتاج الخزف في جبال النوبة:
2. 1.  تجهيز الطين:
يجهز الطين بطريقة بدائية، ويؤخذ الطين بكمية تكفي لعدد من الأواني التي يراد صنعها من الطين الجاف حيث يوضع الرمل على حجر السحن ويطحن ويضاف إليه قليل من الماء ويبدأ بعجنه باليد لاستخراج الهواء ويصير جاهزا للتشكيل.

2. 2.   التشكيل:
تستخدم طريقة متقدمة بالنسبة لإنتاج الخزف وتعرف بطريقة القوالب وللاستفادة من شكل الاستدارة يوضع الطين على سطح القرع ثم يطرق لتأخذ الطينة شكل القرع الكروي او شبه الكروي ويكمل التصميم بإضافة عنق أو أيادي.
والطريقة الثانية تحفر حفرة نصف كروية على سطح الارض وتغطى جوانبها بأوراق الأشجار أو الحبال منتظمة لتعطي نوعا من الزخرفة والملمس الخشن على السطح الخارجي للإناء.
كما تستخدم الطريقة البدائية بوضع حبال من الطين فوق بعضها مكونة التصميم المرادعمله.

3. الزخارف و النقوش:
ظاهرة النقوش على الأواني ظاهرة قديمة منذ أن استطاع الإنسان البدائي أن يشكل من الطين أواني يستعملها في حياته اليومية والزخرفة تكسب الأواني نوعاً من التميز بالنسبة لوظيفة الإناء النفعية.
الزخرفة تظهر في شكل خطوط رفيعة محفورة افقياً ورأسياً ولم يظهر أي نوع من الزخرفة البارزة وقد جاءت الزخارف مشابهة لزخارف حضارة كرمة.
تبدأ عملية الزخرفة على الأواني الخزفية التي تمت عملية بناؤها وعندما تكون الآنية في درجة متوسطة من الجفاف، والزخرفة غالباً ما تكون بالحفر المباشر بواسطة أدوات بدائية مثل الحصى المكسور والبيضاوي الشكل وتنقسم الزخرفة إلى ثلاثة أنواع هى:
1. النـــــــوع الأول يعتــــمد علـــــى الحـــفـر ويشـــمل الــــزخـــــارف الهنـــدســـية والخـــطوط العمودية والأفقية والتنقيط وتستـــخدم ألـوان الحجارة الموجــودة في المنطــقة وهـى غالباً ما تكون جيرية ويستخدم اللون الأحمر والأحمر الفاتح والأسود والأبيض.
2. النوع الثاني يأتي نتيجة للحريق ويكون في شكل بقع سوداء غير منتظمة وسط لون الطين الأحمر المحروق وهى تشابه الزخارف الطبيعية الموجودة في القرع والليف وبعض الحيوانات.
هذا النوع من الزخرفة يوجد أيضاً في بعض خزف الدول الأفريقية المجاورة مثل نيجيريا، كينيا، تشاد واوغندا.
3. النوع الثالث  الدرجات اللونية التي تتكون بعد تلميع العنق بقطعة من زجاج أو حجر من الحصي مع استخدام قليل من الماء والزيت، وعندما تحرق الآنية يظهر العنق بلون داكن ذو لمعة براقة، ويبقى الجزء الثاني من الآنية بلون الطين المستعمل في البناء فإذا كان الطين المستعمل بلون أحمر يظهر العنق بلون بني داكن لامع و الجزء الاسفل بلون أحمر لامع، وإذا كان الطين المستعمل أسود يظهر العنق بلون أسود لامع والجزء الأسفل بلون رمادي ذو خضرة فاتحة غير لامعة.
وهذا النوع تفردت به منطقة جبال النوبة عن بقية أنواع الخزف الموجودة في السودان.
3. طريقة الحرق:
هى أقرب للطريقة البدائية والتي تمارس منذ آلاف السنين قبل الميلاد عندما اكتشفها الإنسان القديم لحرق الفخار البدائي تسمى هذه الطريقة بالأفران المفتوحة حيث يستعمل روث الأبقار ليزيد من ارتفاع درجات الحرارة في أقل وقت ممكن، وأواني الطهي لأنها تتعرض للنار عند الاستعمال فلذلك تحتاج لدرجات حرارة عالية لتجعلها أكثر صلابة وغير مسامية وكما أن للأفران المفتوحة أيضاً خاصية طفئ الحرارة تدريجيا، كما أن هناك خاصية أخرى للأفران المفتوحة تطفئ الحرارة دون أن تنتشر في الهواء.
4. أنواع الفخار و استخداماته:
لخزف جبال النوبة أنواع متعددة حسب استخداماته المتعددة ومن أشهر هذه الأنواع:
1. الدلنق: وهو يستعمل لتوضع فيه الخمور المحلية.
2. الدوراية: و هي عبارة عن إناء نصف كروي صغير يستعمل للطبخ.
3. كلول: وهو إناء لحمل الماء من المناطق البعيدة إلى المنزل.
4. دحلوب: يستعمل لصنع العصيدة.
5. البرمة الكبيرة: وهى لصنع الخمر.
6. الجر الأسود: يستعمل لحفظ الزبدة (السمن).
7. المبخر: يستعمل للبخور.
8. سكتاية: وتصنع من روث الأبقار وتستعمل لنقل الذرة من موقع الزراعة إلى المنزل.
5. نتائج الدراسة:
طبيعة المنطقة لها الاثر الكبير بالنسبة لأشكال الخزف وزخرفته فهناك الأشكال التي يغلب عليها الشكل الكروي نتيجة للتأثر بأشكال الطبيعة والأحجام الكبيرة مثل الأزيار لحفظ كميات وفيرة من المياه، وكما أن بعض الأشكال تميل للتمثيل الواقعي كالتي تصنع في شكل حيوانات أو طيور وتميل التصاميم للبساطة وعدم التعقيد.
وقد خلصت الدراسة للنتائج الآتية:
1. الاستـــــفادة القصــــوى مـــن معطــــيات الطبـــيعة مثــل القرع وأوراق الأشجار وبعض أشكال الثمار في عمل التصاميم.
2. استعمال أبسط الوسائل التقنية لإنتاج أجود أنواع الخزف والاهتمام بالزخارف.
3. تصنيع كميات كبيرة لتغطية متطلبات السوق والتصدير للأسواق المجاورة.
4. وجود الطلب على المنتجات الخزفية في الأسواق المحلية وذلك لكثرة استخدامه خاصة في فترة الصيف ونجد أن الفخار ينافس الأواني المعدنية لقلة سعره وأهمية دوره الوظيفي.
5. توفر خامات الطين ووفرة المياه وحطب الحريق وروث الحيوانات يقلل من تكلفة البحث عنها.

 

المراجع العربية:

1. تاور آدم كوكو - الدور الوظيفي والجمالي للخزف في السودان-رسالة دكتوراة غير منشورة، 2013م.

2. يوسف اسحق احمد - الماضي المعاش في جبال النوبة منطقة الاجانق - دار عزة للنشر و التوزيع - الخرطوم - السودان، 2007م.

3. يوسف فضل حسن، دراسات في تاريخ السودان و افريقيا و بلاد العرب الجزء الثاني، دار جامعة الخرطوم للنشر،2002م.

المصادر الأجنبية:

1. James Miliart, c. Faris Nuba Personal Art, print in Great

Britanian Jarrold and Sons Itd..Norwich.

2. Frank, and Jenet Hamer.The Potters, Dictionary of materials and Techniques, second Edition, A, and C, black London 1986.

الصور: من الكاتبة.

 

أعداد المجلة