فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
30

وسم الإبل عند بدو ليبيا قبائل ترهونة نموذجاً

العدد 30 - عادات وتقاليد
وسم الإبل عند بدو ليبيا قبائل ترهونة نموذجاً

المبحث الأول : تعريف الوسم :
الوسم وسيلة قديمة عند العرب، وهو وضع علامات على حيواناتهم من إبل وغنم وغيرهما، علامات تحولت بعد فترة لعلامات مقدسة ورموز معظمة يفتخرون بها ويضعونها على أمتعتهم وسيوفهم، بل ويتخذونها وشماً على أذرعهم، وزخرفة على ثيابهم.
والوَسْم في اللغة هو أَثَر الكَيّ، والـجمع وُسومٌ (1)، وقد وسمَه وَسْماً وسِمةً إِذا أَثَّر فـيه بسِمةٍ وكيَا بالكيّ، واتَّسَمَ الرجلُ إِذا جعل لنفسه سِمةً يُعْرَف بها، والسِّمةُ والوِسامُ: ما وُسِم به البعيرُ من ضُروبِ الصُّوَر، ويقال لمن على وجهه علامة الحسن وسيم، أي كأنه وسم بالحسن(2) .
وتسمي أيضاً في اللغة نارا والنارُ: السِّمَةُ، والـجمع كالـجمع، ونُرْتُ البعير: جعلتُ علـيه ناراً. وما به نُورَةٌ أَي وَسْمٌ.


وفي عُرْفِ البدو في ليبيا تسمى أيضاً ناراً، لأنه علامة مشهرة مثل النار، ولأن النار وسيلة للوسم إذْ تُحمى بها الحديدة التي توسم بها الإبل والغنم، فإذا قالوا عن ناقة: ما نارها ؟ أي ما وسمها.
كذلك هناك كلمة شهيرة جداً بين البدو في ليبيا وهي كلمة «مِــحْــوِر»، يقولون: محور القبيلة أي: وسمها، وسمي الوسم محورا نسبة إلى الآلة المستخدمة في الوسم وهي الحديدة الطويلة التي يسمونها محور وتجمع على محاور .
والإبل غير الموسومة تسمى غُفْل أو غَفَال، وكأنهم أغفلوها بعدم الوسم،وهي عربية فصيحة، فالعرب تسمي الأرض التي ليس بها أثر غفلاً (3)، يقول الشاعر أحمد رفة الشايب الجماعي عن غفل الإبل (4) :

يحِــنّ اللهْ رَبـِّي نِـشْتِكي لهْ          بِدِيتيِ جُرُبْ ،واكْثَرْهاَ غْفَال (5)
لاَ جَــــلاّمْ لاَ وَسَّـــامْ مِيـــلـهْ            لاَ طـَـــلاَّيْ يِـفْـتِلْ فِي الْحَبــــالْ (6)

أنواع الوسم:
أولاً- وسم الحيوانات،ويشمل الآتي :
1 - وسم الإبل .
وهو أكثرها شهرة عند العرب ويحظى بالاهتمام قديماً وحديثاً لأنها أعظم أموالها وعليها قوام عيشهم، وكل قبيلة أو مجموعة قبائل تتخذ وسماً خاصاً بها، وهو موضوع حديثنا وبحثنا، وليس كل الإبل توسم، فالبعض لا يملك من الإبل إلاَّ جملاً أو ناقة للحرث وحمل المتاع وتكون ملازمة لبيته لا تبتعد عنه فلا يحتاج لوسمها .
2 - وسم الغنم .
وتحظى الغنم كذلك باهتمام البدو بوسمها لأن اعتمادهم – خصوصاً في ليبيا – على الإبل والغنم، إلا أن وسم الغنم يختلف عن وسم الإبل في شيئين:  
الأول : أن سمة الإبل تكون عامة مشتركة بين أفراد القبيلة أو القبائل المتحالفة، أما الغنم فكل فرد في القبيلة تختلف سمته عن الآخر.
الثاني : أن سمة الغنم لا يستلزم أن تكون مطابقة لسمة الإبل ،فكثيراً ما تختلف سمة الغنم عن سمة الإبل في الشكل، وكل بيت من القبيلة له وسمه الخاص به على غنمه ، ولا تلتزم القبيلة بوسم واحد للغنم.
 وتتشابه وسوم القبائل على الغنم كثيراً ولا يحدث أبداً نزاع حول ملكيتها لتشابه الوسم، لأن الغنم عادة ما تكون قريبة جداً من منازل القبيلة وترعى في أملاكها على عكس الإبل التي تبتعد كثيراً.
3 - وسم البقر.
أما البقر فإن البدو في ليبيا لا يكسبونه- اللهم إلا نادراً -،والحضر هم فقط من يكسبونه وليس بقطعان كبيرة فلا يحتاجون لوسمه ، أما بعض القبائل في إفريقيا والتي يطلق عليها اسم  « البَـقَّـارَةْ » فإنهم يَسِمُون البقر لأنها كثيرة عندهم في قطعان تتنقل من مكان لآخر.
4 - وسم الخيل.
أما وسم الخيل فقد اختفى منذ زمن بعيد ،لندرة الخيل أولاً ولملازمتها لصاحبها باستمرار فلا ترعى في الفيافي البعيدة لِيُخْشى عليها ،ولا تختلط في قطعان فيخشى الالتباس بينها وبين غيرها، إلا أن الجيوش قديماً استخدمت وسم الخيل لبيان أنها ملك للدولة فلا تُباع، ولكي يَخْشى السُّرَّاق نهبها لأنهم سيتعرضون لعقوبة كبيرة،وأول من وسم الخيل هو أبو عبد الله الشيعي لما هزم بني الأغلب في تونس سنة 96 هـ، فوسم الخيل بسمة «المُــــلْكُ لِلَّـــهْ» وسَكَّ على الدنانير عبارة «لاَ غَالِبَ إلاَّ اللهُ» (7)، وكان جيش الولايات المتحدة الأمريكية يَسِمُ حرْفَيْ US على الخيل التابعة له.
وعند بدو ليبيا لا يسم الخيل الا قبيلة الأشراف من أولاد امْحِمِّد في الجنوب الليبي الذين أسسوا دولة انهارت عقب دخول الأتراك ليبيا سنة 1551 م.
5 - وسم الحمير.
الواضح أنه كان عند العرب قديماً، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رأى حماراً
موسوم الوجه فأنكر ذلك . قال : فوالله ! لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه، فأمر بحمارٍ له فكوى في جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين (8).
أما الآن فلا يوجد من يسم الحمير، هذا عن أهل بلدي.
ثانيا : وسم البشر:
الوسم عبارة عن علامة تتخذها جماعة من الناس تربط بينها رابطة دم أو حلف، وهو أيضا عبارة عن رمز يتخذ كشعار لمجموعة ما، فإن بعض القبائل في إفريقيا عرباً وعجماً تتخذ وسماً خاصاً لأفرادها يوضع على الوجه ليحدد الانتماء العرقي والقبلي، وهو ما يعرف عند أهل السودان بـ(الـشـلوخ) .
أما في ليبيا فلا يستخدم الوسم عند البشر إلا عند قبيلة واحدة وهم الأشراف الأدارسة قبيلة أولاد امْحِمِّد، حيث يضعون وسمهم الخاص بهم على الكتف الأيمن للذكر منهم دون الأنثى، وهو نفس وسمهم على الإبل والخيل.
أغراض الوسم:
الوسم جعل لأغراض معينة
 يمكن  تلخيصها في الآتي :-
1 - تمييز ممتلكات القبيلة من الماشية (الإبل والغنم والماعز والبقر)، وذلك لأنَّ المواشي تختلط مع بعضها في المراعي وعلى المعاطن، فربما حدث لبس فيميز الرعاة أموالهم بسمة أصحاب المال، أو ربما تُسرق أو تُغزى فيكون من السهل التعرف عليها في الأسواق وعلى موارد الماء، أو ربما تضل شاة أو ناقة فيتمكن من يجدها من ردها إلى صاحبها.
كذلك تضعه القبائل على أمتعتها في سفر التجارة حتى إذا ضاع المتاع عرف أصحابها، وحتى لا يحدث التباس بين أمتعة القوم، وكانوا يضعونها على الغرائر، ومن الطريف أن الحجاج الليبيين فيما مضى من السنين كانوا يضعون أوسام قبائلهم على أمتعتهم وعلى حقائبهم حتى يتعرف كل قوم إلى متاع صاحبهم.
وقد وضعوا أيضا السمة على قبورهم، كما حدث لقبر الولي الصالح سيدي بِالْعِيد الفيتوري، دفين مقبرة عَقَل بمدينة بنغازي حيث وضعت على قبره سمة اللام أليف.
وأما في ليبيا فان أهل غدامس توسعوا في استخدام الوسم فهم يضعونه على الإبل والسيوف والخناجر والبضائع والحُلي الثمين الذي يتوارثونه من جيل لجيل.
2 - توقيع الرسائل والمعاهدات، الوسم علامة للقبيلة، شعار لها يدل عليها، ورمزٌ يوضع على ما يخص القبيلة، والمكاتبات القديمة والمعاهدات ومواثيق ملكية الأرض كانت توقع من قبل مشايخ القبيلة الذين اتخذوا علامة الوسم كالختم والتوقيع حالياً، لكونهم المتحدثين باسم القبيلة، وهذا كان مستعملاً لدي قبائل الطوارق وسكان مدينة غدامس كما أخبرني بذاك محمد إبراهيم أكوكا التارقي، وقد التقيت برجل من قبيلة أولاد سليمان يدعى الحاج بشير بو عوينة الزكراوي يختم ما يكتبه في مذكرته الشخصية بوسم قبيلته .
3 - وسم الجمل المعد للركوب خاصة،وهو ما يسمى « الزُّوْزَالْ» وهو الجمل المخصي الذي نُزعت خصيتاه ليصبح جملاً خاصاً بالركوب والسفر، وهذا مستعمل عند قبائل الصحراء غالباً كالطوارق والتَّبُو، وغالبا ما يكون» الزوزال» من صنف المهاري وهى إبل سريعة، وبعد أن يخصى الجمل يفقد بعض مظاهر الفحولة، فلا يهدر ولا يخرج الشقشقة، والبدو يضعون على وركه الأيسر سمةً تدل على كونه مخصيا (زوزال) لا يصلح أن يكون فحلاً في ذوذ الإبل، فلا يغتر به من يشتريه ليكون كذلك، ويعرفه من يبحث عن جمل للركوب، وقد أخبرني رجل من الطوارق أن من فوائد هذه السمة فائدة طبية وهي أنهم يفصدونه بها فيخرج الدم لتنشط رجلاه بعد عملية الخصي، وهذه السمة عبارة عن علامة خطين متوازيين( = ).

5 - الوسم للعلاج ،فالبدو خبراء في علاج أمراض الإبل ومداواتها،فهي رأس مالهم وأساس معيشتهم، ومن أنواع العلاج الكي بالنار.
والكي علاج قديم عند البدو للبشر وللحيوانات،ومن تلك الأمراض التي تصيب الإبل:
 الجرب – والجِفَار – والسَّلِيمَة – وغيرها.
وقد جاء في وثيقة قديمة من سجلات محكمة طرابلس الشرعية  حول خصومة بين رجليْن أحدهما من قبائل ترهونة من قبيلة الهماملة ،باع  جملاً من صفاته : (أحمر في لونه يلوح للزروقة، متوسط في سنه ،وعلى حنكه الأيمن ثلاث مطارق كيٌّ بنار، وعلى حنكه الأيسر مطرق واحد بنار تحت أذنه ، وعلى سُرَّته كَيٌّ القِطِيع وعلى بَطنِه كيُّ الفِـلِيق وعلى فخذيه كَيُّ الصُّفَّيْر .....) (9).
ويقصد بالفليق والقطيع والصفير أمراضاً تصيب الإبل فتعالج بكيها .

وقت الوسم وطقوسه:
الوسم أمر مهم لصاحب الإبل إذ أنه سيضع علامته (سمته) التي تميز ممتلكاته من الأنعام، وللوسم موسم خاص مثل جز الأغنام، فيجتمع الرعاة وتنصب بيوت الشعر وتذبح الذبائح، وغالباً ما يكون الوسم مع بداية فصل الشتاء، وعندما يصير عمر الجمل أو الناقة عامين بعد أن يكمل حليبه، ويصبح مستغنياً عن أمه فيرتع وحيداً دونها، وحينها يخشى عليه من الضياع فيحتاجون إلى وسمه .
والحكمة في ذلك أن الحوار عندما يكون صغيراً لم يكمل حليبه يكون مع أمه دائما لا يفارقه يرتع معها ويرد معها ولا يبرح مكانه إلا بها وهى لا تفارقه أبداً، فسمة أمه كافية للدلالة عليه ، لكونهما متلازمين لا يفترقان، وحين يصبح الجمل مهيأً للاعتماد على نفسه في مرعاه وورده للماء توضع له سمته ليعرف بها، فهو حينها حر يسير حيثما شاء ومعرض للضياع والسرقة وغيرها.

أداة الوسم:
الوسم إما كي بالنار أو شق وقطع للأذن ، فإذا كان بالنار فتسمى الأداة في العربية الفصحى(مَيْسَمٌ) اسم آلة من فعل وسم يسم ، وفي لهجتنا تسمى أداة الوسم “ مَحَاوِر” جمع محور، ويكون شكلها على هيئة العلامة المراد وضعها ، فمثلاً إذا كانت حلقة مستديرة تكون الحديدة مستديرة، والبعض يستخدم بقايا القذائف بعد أن يتم استهلاكها والتي تستخدم كمهراس للحبوب وذلك لوسم الحلقة السمة الغالبة على قبائل غرب ترهونة،حيث أن فوهتها مستديرة، والبدو يجمعونها من الأماكن التي يستخدمها الجيش للتدريب على الرماية ، وإذا كانت محوراً أو «مطرقاً» تكون الحديدة قضيباً طويلاً فقط، وإذا كان على هيئة هلال مثلاً فيستخدمون أحياناً المنجل أو يشكلون القضيب الحديدي على هيئة ما يريدون وسمه، وإذا كان الوسم شق أذن أو قطعها فيستخدم حينئذ الجلم لذلك ، وهو ما يستعمله الرعاة لجز الغنم، ويسمى قطع أغلب الأذن وترك جزء منها يربطها بالجلد « هرعاً »، وقطع ثلثها  « قطفاً » وثقبها من الوسط « شركاً ». وهناك وسم أيضاً عند العرب يسمى الرضفة وهو ما وسم بالرضف أي الحجارة تحمى على النار وتوسم بها الإبل.
وعند العرب قديماً كانت الحجارة تستخدم في الوسم فتحمى في النار ثم يكوى بها البعير ويسمى بعيرا مرضوفًا، أي موسوم بالرضف وهي الحجارة المُحَمَّاةُ في النار.
ومن مظاهر الوسم وعاداته أنهم يجتمعون في شبه احتفال مثل موسم جز الغنم، ويجتمع أفراد من القبيلة وأصدقاء صاحب الإبل وتذبح الذبائح، واجتماع أفراد القبيلة للتعاون في عمل ما يسمى « رَغَّاطَة».
ومن عاداتهم أنهم لا يطفئون النار المستخدمة في تسخين المحاور التي وسمت بها الإبل وتبقى يوما وليلة في نارها معتقدين أن النار ستبقى حية ودائمة لتوسم بها الإبل دائماً، ويلقون عليها جلة الإبل «البعر» لأنها تحافظ على اشتعالها (10).
ولا يوجد غناء خاص بوسم الإبل ولا أهازيج كالتي تقال عند جز الغنم وإنما يردد بيت في جميع أنحاء ليبيا تقريباً وهو قولهم:
يَـا زَايـِــدْ زِدْهـَـــــا           مِ السَّــــوَ أَبـْـعِـــدْهَا (11)

أقسام الوسم :
ينقسم الوسم إلى قسمين:الأول يسمى سُلطان السمة ، والثاني يسمى العزيلة.
 سلطان السمة يقصد بها العلامة الرئيسية للقبيلة، وتسمى أيضاً «سمة الجدِّ» التي يضعها كل أفراد القبيلة على إبلهم، أما العزيلة  فيقصد بها تلك العلامة الفرعية التي يميز بها كل قسم من القبيلة إبله عن القسم الآخر،  وسميت عزيلة لأنها تعزل إبل كل بيت عن الآخر،  ويسميها أهل الخليج العربي « الشاهد»  ويسميها أهل السودان وتشاد «فَــرْزَة»، فيضع كل رجل من القبيلة على إبله سمة القبيلة « سلطان السيمة » ثم يضع سمة الفرع الذي ينتمي إليه من القبيلة،  ثم إن شاء وضع علامة خاصة به.
والسمة الرئيسية للقبيلة « سلطان السيمة» قد تكون علامة واحدة مثل حلقة أو غيرها وقد تكون علامتين .
اسم لمنطقة تقع إلى الجنوب الشرقي من طرابلس ،يبعد مركزها عن مدينة طرابلس 86 كم، بينما تبعد أول منطقة من ترهونة عن طرابلس حوالي 40 كم فقط، وأعلى نقطة فيها ترتفع عن سطح البحر 500 م.
وتتكون منطقة ترهونة من مرتفعات جبلية تتبع سلسلة جبل نفوسة المتجهة من تونس حتى منطقة رأس المسن في مدينة الخمس في ليبيا، وتلك المرتفعات توجد في المناطق الشمالية من ترهونة،  وتعرف عند سكانها بالتلال،ثم تأتي المنطقة الوسطى التي تسمى عندهم بالظهرة،  ثم المنطقة الجنوبية والتي تعرف عندهم بالقبلة،  وبها الأودية التي تنزلها القبائل في فصل الربيع للحصاد والتربيع بالإبل والغنم وعذر الخيل، وهي أودية خصبة جدا، مثل وادي تَرْغلَاتْ وتَاجَمُوتْ ووِشْتَاتَة والمَعذَر ودَرْبُوك ووكِرَّة وتِنْزِيوَة وغيرها.

التركيبة السكانية :
تشمل منطقة ترهونة أكبر تجمع قبلي في ليبيا من حيث العدد، إذ بها 63 قبيلة، ويصل عدد من ينتمون لقبائل ترهونة حوالي المليون نسمة تقريباً ،وهذه القبائل مقسمة إلى أربع تجمعات قبلية كبرى ،يسمى كل قسم منها « رُبْع »،  وهذا التقسيم عبارة عن مجموعة قبائل يجمع بين بعضها قرابة الدم وبين بعضها الآخر رابطة الحلف ، وهذا التقسيم له تأثير كان وما زال على وسم الإبل،وهذه الأرباع كالتالي :
ربع أولاد مُسَلِّم .
وربع أولاد معرف.
ربع الحواتم.
ربع الدراهيب.

كما أن العامل الجغرافي كذلك له دخل في تقسيم القبائل، فترهونة تنقسم إلى القسم الشرقي الذي يسمى « القطع الشرقي » وهو القسم الخاص بربع أولاد مُسَلِّم وهم 34 قبيلة ، والقسم الغربي يسمى « القطع الغربي » وتحتله الأرباع الثلاث الباقية وهم29 قبيلة ويسمون قديماً باسم « شَيْبُون». وهذا التقسيم الجغرافي له تأثيره أيضا على الوسم .
تاريخ المنطقة :
المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ القديم لموقعها الجغرافي المهم الذي يجعل منها إقليماً زراعياً غنياً جداً ، وأشهر منتجاتها الزيتون الذي اشتهرت به منذ القدم ، يدل على ذاك معاصر الزيت التي ترجع إلى العصر الفينيقي والروماني، كما إن بها الأنصاب الفينيقية التي تعرف عند أهل  ترهونة اليوم باسم « الأصنام »، وبها معبد للإله المصري آمون الذي عبده قدماء الليبيين، وهذا المعبد في منطقة الخضراء والذي تحول في العصر البيزنطي إلى كنيسة ما زالت آثارها باقية.
ولقبائل ترهونة دور كبير في التاريخ الليبي، خصوصاً في العهد العثماني الأول والثاني والعهد القرمانلي(12)،فقد قامت وشاركت في كل الثورات في ذلك العهد، وكان الولاة العثمانيون يحسبون لها الحساب الكبير ويحاولون كسب ولاء زعاماتها.
وفي مرحلة الجهاد الايطالي كانت أحد دعامات المقاومة ، ومنها كان أحد الأعضاء الأربعة للجمهورية الطرابلسية(13) الشيخ أحمد بيك المريض والذي ترأس هيئة الإصلاح المركزي، وأحد أعضاء مجلس الجمهورية وهو الشيخ عبد الصمد النعاس المعرفي.
وحدثت الكثير من المعارك مع جنود الاحتلال الايطالي، منها معركة وادي « تِرِبُّو»، و» سوق الأحد « ، و» كوم جلاص « ، و» المسيد «، و» أبو عرقوب «،وأشهر تلك المعارك معركة « الشُّقَيْقَة « والتي انهزم فيها الايطاليون شر هزيمة ،حيث قتل فيها قرابة  4000 إيطالي.
أوسام إبل قبائل ترهونة:
كما قلنا سابقا فان الوسم عند قبائل ترهونة يتأثر بعاملين : العامل الجغرافي والعامل القبلي.

العامل الجغرافي:
 من حيث انقسام المنطقة جغرافيا إلى قسم شرقي وقسم غربي، وهو متأثر بالعامل القبلي.
العامل القبلي:
 من حيث انقسام قبائل ترهونة ،إلى أربع تجمعات قبلية كبرى ،يسمى كل قسم منها « رُبْع »، يقيم ربع أولاد مُسَلِّم في القسم الشرقي وعددهم 34 قبيلة ويقيم في القسم الغربي الأرباع الثلاثة الأخرى الحواتم وأولاد معرف والدراهيب، وهؤلاء اتحدوا  فيما بينهم ليكونوا تكتلاً عرف باسم «شَيْبُون » ليصبح هنالك تكتلان: أولاد مُسَلِّم وشَيْبُون. وقد اتخذ كل منهما وسما خاصا به .

وسم أولاد مُسَلِّم :
لعموم أولاد مُسَلِّم هنالك وسمان هما الرُّوُيْجِل والعُمَيِّد، وهذا لم يمنع أن تشذ بعض قبائل أولاد مُسَلِّم وتتخذ وسماً مخالفاً سيأتي بيانه لاحقاً.
أولا : الرُّوُيْجِل: من أشهر السمات في  وهو أحد الوَسْمَيْن الغَالِبَيْن – العُمَيِّد والرُّوُيْجِل - لقبائل شرق ترهونة أي ربع أولاد مُسَلِّم باستثناء بعضهم .

الرُّوُيْجِل في صورته الأصلية، تضعه قبيلة: الفِرْجَان والمَهَادِي من أولاد مُسَلِّم.
كذلك يضعه الفرجان الذين ينضوون تحت ربع، أولاد مُعَرِّف  وهم  فرجان القَرَارَة الذين يقيمون بقرارة  وادي  وِشْتَاتَة.

صورة أخرى للرُّوَيْجِل وهو ما يستخدمه كل من القبائل التالية من، أولاد مُسَلِّم: أولاد ترهون والشفاترة ومن جاورهم.
ويضعه من غير أولاد مُسَلِّم قبيلة أولاد علي من ربع أولاد معرف. إلا إنهم يضعونه من يسار الجمل وليس من يمينه.
ثانيا :  العُمَيِّد : تصغير عمود، وهو عبارة عن مطرق طويل يبدأ من الخد وينحني ممتداً حتى منتصف الرقبة، وهو السمة الغالبة لقبائل، أولاد مُسَلِّم بترهونة مع الرُّوُيْجِل، ويسمونه أيضاً المُسَلِّمانِي أي من أولاد مُسَلِّم.

وسم قبيلة النعاعجة من أولاد مُسَلِّم من ترهونة يسمى العُمَيِّد، ويشاركهم فيه قبيلة العوامر، إلا أن العوامر يتخذون عزيلة وهي مطرقان على باطن الذراع الأيمن يسمونها « خويمد » شكله ().

شكل آخر للعميد، وسم قبيلة الدوايم من ربع أولاد مُسَلِّم بترهونة العُمَيِّد بدون مطرق متفرع بين العين والأذن.
وسم قبيلة أولاد أحمد من ربع أولاد مُسَلِّم بترهونة العُمَيِّد من الجهة اليمنى وهو لقسم منهم يسمونهم الخُمسين وهم :

بيت الختاتلة ومن ينضوون معهم، وهم يعزلون بالفرقة المتفرعة من العُمَيِّد.
الوسم الثاني لبقية أولاد أحمد وهو العُمَيِّد ومعه هلال على الخطام عزيلة، وهو للبيوت التالية من أولاد أحمد :

1 - السدول
2 - والحجل
3 - وضنا إبراهيم،
4 - وعائلة بن زايد
5 - وعائلة مجاهد
6 - والعوج.
صورة أخرى للعميد لبعض أولاد أحمد العُمَيِّد ومعه هلال على الخطام وعزيلة تسمى المفتاح في طرف العُمَيِّد، وهي عزيلة بعض السدول وهم:


1 - ضنا عبد النبي
2 - وعائلة التواتي.
وعلى وسم العُمَيِّد تقول بدوية من أولاد مُسَلِّم تتغني وتمدح ولدها ذاكرة مكانته بين قومه مشيرة، إلى وسم إبله وهو العُمَيِّد لبعض، تقول :
الــغـَـالـِي وِسـَـمْ  بـِـالعُمَيِّــــد     عَـلى ارْقـَـابـْهـَا مِـنْ ايـسَـارَهْ (14)
فـَـارِسْ عـَلى الـقـُومْ سَـيــِّــدْ   ونــَاسـَـهْ قـُـرُومَة عَــصَارَى (15)
وسوم أخرى لأولاد مُسَلِّم غير العُمَيِّد أو الرُّوُيْجِل:
1 - الدوامع:وهو وسم عبارة عن ثلاث مطارق (خطوط ) تحت العين، ومن هنا جاء اسمه لأنه مكان مجرى الدمع. وهو وسم قديم عند العرب تسميه المدمعي.
وسم قبيلة الهماملة وقبيلة أولاد معمر يتخذونه وسماً، وأولاد معمر يضيفون حلقة صغيرة على الخد الأيمن عزيلة لهم عن الهماملة.

2 - حلقة الخشم والقُرَيْمَة: حلقة صفيرة توضع على مخطم البعير، والقريمة مطرق أفقي صغيرعلى الرقبة، شكله هكذا :

وهو وسم لقبيلتين من أولاد مُسَلِّم وهما:
   1 -  العواسة.
 2 - جلاص .
وعلى هذا الوسم تقول امرأة بدوية بعد هجرة آل المريض شيوخ العواسة وحكام ترهونة:
عَرَبْ وَسِمْهُم حِلْـقِة الخـَشِــمْ     ومَعـَـاها  الْـقِـرِيـمَة عـَــزِيـلةْ (16)
جِي دُونْهُم هَشِـمْ  في هـَــشِـمْ       وأزْرِقْ  عَلِـى لــُـــونْ نِـيــلةْ (17)
3 - الساعدي :
نسبة للشيخ الساعدي جد قبيلة أولاد سيدي الساعدي بمدينة غريان، وهذا الوسم تضعه قبيلة العزيب بربع أولاد مُسَلِّم بترهونة، وقبيلة العبانات القاطنين بوادي وشتاتة والتابعين لربع، أولاد معرف بترهونة، وقبيلة الصيعان بورفلة، وبعض أولاد بريك في منطقة العربان، وهو عبارة عن حرف سين وعين ودال، وهو الجذر الثلاثي الذي اشتق منه اسم سعيد وسعد والساعدي والسعداوى.

وسم الساعدي لقبيلة العزيب من ربع أولاد مُسَلِّم بترهونة ،  والدال تكتب على نمط الخط المغربي.
ومن السمات المشهورة في البادية الليبية أسماء كتبت ووسمت على الإبل، وهذه الأسماء عبارة عن أسماء لأولياء صالحين غالبا ما يكونون أجداداً للقبيلة التي تضع تلك السمة، أو أن يكونوا من قبائل أخرى ولكن الناس يتبركون  بهم  فحسب.
والغرض من وضع أسماء أولئك الأولياء هو التبرك أولاً، فيضعون أسماء أولياء صالحين اعتقدوا فيهم البركة والخير ،فكتبوا أسماءهم على إبلهم كسمات، حتى تكون إبلهم مباركة، ويضعونها أيضاً كتعويذة تمنع إصابة الإبل بالعين التي قال عنها - صلى الله عليه وسلم - « العين حق، تدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر» (18)، وتعويذة كذلك ضد الغزاة واللصوص ، حتى لا يسطوا عليها، أو هي نوع من الإنذار لهم بأن مصيبة ستلحق بهم لو تجرءوا على إبل وسمت بأسماء رجال مباركين صالحين.
ولكن الغزاة الذين لم يخافوا الله عز وجل ولم يستحضروا عظمته حين غزو إبل غيرهم لا تردعهم أسماء أشخاص واراهم التراب وذهبوا، إلى جوار ربهم ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، والواقع أثبت ذلك، وكم من إبل سيقت وغزيت وعليها أسماء أولياء صالحين لم يغنوا عنها شيئاً.

وسوم قبائل القسم الشرقي وهم « شَيْبُون » اتحاد الأرباع الثلاثة الأخرى :
السمة الغالبة لقبائل شَيْبُون هي الحلقة على الخد والمطرقين على ذراع البعير من الجهة اليسرى، وهذا الوسم يسمى أيضاً المزوغي، نسبة لقبيلة المزاوغة شريفة النسب، لذلك استعملته القبائل في القسم الشرقي تبركاً به، لأن قبيلة المزاوغة تنضوي تحت ربع أولاد معرف.

وسم قبيلة المزاوغة ، وهذا هو الشكل الأصلي للوسم.

وسم قبيلة الزغادنة من ربع الدراهيب بترهونة وهو نفس وسم المزاوغة  باستثناء تغيير الجهة من يسار إلى يمين والحلقة والمطرق على الكتف.

وسم قبيلة الزرقان من ترهونة الحلقة على الكتف والمطرقين، وهي المزوغية نفسها ولكن عزلوا أبلهم عن المزاوغة بتغيير موقع الحلقة.

وسم قبيلتيْ أولاد مُعَرِّف رأس ربع أولاد معرف، ومرغنة من ترهونة الحلقتين على الرقبة، عزيلة أولاد معرف حلقة أخرى على الكتف، وعزيلة قبيلة مرغنة حلقة على الفخذ.
وسوم أخرى للقسم الغربي غير المزوغية :


(لله): كلمة لله، وهي وسم قبيلة البُركات من ربع الدراهيب ضمن شيبون.

وسم الساعدي لقبيلة العبانات من ربع أولاد معرف ، تكتب هكذا باختصار، الجذر الثلاثي لكلمة الساعدي، والدال لأسفل، عزيلة عن بقية من يتخذ هذا الوسم من باقي القبائل.

تأثير وتأثر :
إن تجمعا قبلياً مثل تجمع قبائل ترهونة لا بُدَّ وأن يكون له تأثير على بقية التجمعات القبلية المجاورة من بقية البدو، كما أنه أيضاً يتأثر بغيره.
التأثير بالوسم خارج ترهونة :
يتمثل هذا في وسمين أصليين من ترهونة استخدمتهما قبائل من غير ترهونة، هما: الرُّوُيْجِل والمزوغية.
1 - الرُّوُيْجِل أحد الوسمين الأساسيين لأولاد مُسَلِّم، انتقل خارج ترهونة بسببين:
بهجرة قبيلة الفرجان لعدة أماكن ،وعقدها حلفاً مع قبيلتين كبيرتين هما :قبيلة المقارحة وقبيلة الزياينة اللتان اتخذتا وسم الرُّوُيْجِل .
تواجد فروع لقبيلة الفرجان ضمن تكتلات قبلية أخرى في روفلة وغيرها.
2 - المزوغية: الوسم الرئيس بالقسم الشرقي من ترهونة، وتم ذلك التـأثيرأيضاً عن طريق هجرة كثير من فروع قبيلة المزاوغة خارج ترهونة وتبرك الناس بهم لأن قبيلة المزاوغة شريفة النسب وهي مرجع للصلح بين القبائل وفض النزاعات، وقد اتخذ وسم المزوغية قبيلتان هما : القذاذقة وأولاد بريك اللتان يجمعهما نسب مشترك، إلا إنهم أطلقوا على الحلقة التي على الخد اسم « الخُرص » وهو القرط الذي يلبس في الأذن، وجعلوها أكبر من حلقة المزاوغة.
التأثر بالوسم من خارج ترهونة :
الوسم الدخيل على قبائل ترهونة كان وسم الساعدي، نظراً لأنه مقتبس عن اسم ولي من خارج المنطقة، وهو الشيخ الساعدي من مدينة غريان، وهذا الوسم يستعمل داخل ترهونة عند قبيلة العزيب من أولاد مُسَلِّم وقبيلة العبانات من ربع أولاد معرف.

قصة للختام:
يحكى أن قوماً غزوا آخرين وفتكوا بهم، ووجد الغزاة طفلاً شريداً اصطحبوه معهم ونشأ بينهم كواحد منهم، وحينما كبر دفعته ذكريات تتراءَى له وهَمْزٌ من فتيان القبيلة للبحث عن نسبه، فوجد عجوزاً هرماً يريد حلاقة رأسه فعرض عليه المساعدة، وأثناء الحلاقة وضع الفتى شفرة المُوسَى على حلق العجوز وهدده بالذبح إن لم يخبره حقيقة نسبه فحكى له القصة، وسأله عن نسبه فلم يعرف الرجل قومه ولكنه ذكر له أن الإبل موجودة وعليها وَسْمُ قومه، فساقها الفتى حتى أوردها معطناً فظل ينتح الماء و«يهينم»(19) قائلا:
اِسْــــم جـُــــــدُودِكْ                 فـُــوقْ خـُـــدُودِكْ (20)
حتى تعرف عليها الرعاة ودلُّوه على أصحاب الوسم.

الهوامش

1.    لسان العرب لابن منظور.
2.    المصدر السابق.
3.     فقه اللغة للثعالبي:292.
4.    كتاب الشعر الشعبي، جمع الأستاذ علي محمد  برهانة:2/150.
5.     بديتي : أصبحتِ.  غفال: بلا وسم.
6.     الجلام: الذي يجز الغنم والإبل بالجلم، وسام: الذي يسم الإبل والغنم، الطلاي: من يطليها من الجرب.
7.     مقدمة ابن خلدون.
8.     رواه مسلم في صحيحه.
9.     سجلات محكمة طرابلس الشرعية 1174 – 1271 هـ، ص 257.
10.     من أدب الرعاة لمحمد سعيد القشاط  :33.
          الإبل بين التنمية والتراث:37.
11.     دعاء إلى الله الذي يزيد في الخير أن يحميها من السوء مرضاً أو غزياً.م السو: من السوء.
12.     حكمت أسرة القرمانلي من 1711 - 1835 م.
13.    تأسست عام 1919 م.
14.     من ايساره: من الجهة اليسرى.
15.     قرومة: أبطال وهي عربية فصيحة جمع قرم، عصارى: أصحاب صبر وجلد.
16.    حلقة الخشم: حلقة توضع على خرطوم البغير،القريمة: مطرق قصير، عزيلة: علامة ثانوية مع الوسم لتعزل الإبل عن بعضها.
17.    هشم: قفر، نيلة: صبغة شديدة الزرقة مقاربة للسواد، وتقصد به القفر المسود الموحش.
18.    رواه أبو نُعيم في الحلية، وذكره الألباني في صحيح الجامع.
19.    التهينيم هو الغناء الذي يغنيه البدو عند سقي الإبل.
20.    يقصد أن اسم قبيلته يعرف من خلال الوسم الذي على خدود الابل.
مصادر الصور
1.    http://en.wikipedia.org/wiki/Livestock_branding
2.    http://en.wikipedia.org/wiki/Livestock_branding
3.    http://www.border-wars.com/2011/06/branding-the-cattle.html
4.    www.border-wars.com/2011/06/branding-the-cattle.html
5.    https://centeraisle.files.wordpress.com/2012/05/camel.jpguploads/2013/10/SAM_4264.jpg
باقي الصورالوسم في هذا المقال من الكاتب

أعداد المجلة