فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
22

حماية التنوع الإحيائي في مجال الثقافة

العدد 22 - التصدير
حماية التنوع الإحيائي في مجال الثقافة
كاتب من المغرب

بقدر‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬واقع‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر‭ ‬بما‭ ‬يشهده‭ ‬من‭ ‬ثورات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬تمس‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬المادية‭ ‬والرمزية‭ ‬كمجالات‭ ‬المعلومات‭ ‬واقتصاد‭ ‬المعرفة‭ ‬وغيرها،‭ ‬تقليصا‭ ‬مطردا‭ ‬للمسافات‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬وشعوبها،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬ميلا‭ ‬قويا‭ ‬إلى‭ ‬هيمنة‭ ‬نمط‭ ‬ثقافي‭ ‬وحضاري‭ ‬معين‭ ‬وتهميش‭ ‬باقي‭ ‬الأنماط،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تزداد‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬التنميط‭ ‬الثقافي‭ ‬الأحادي‭ ‬وحماية‭ ‬التنوع‭ ‬الإحيائي‭ (‬البيولوجي‭) ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الوجود‭ ‬الثقافي‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬غيره‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أعظم‭ ‬شأنا‭ ‬وأشد‭ ‬خطورة‭ ‬لارتباطه‭ ‬الأوثق‭ ‬بكينونة‭ ‬الإنسان‭ ‬الحضارية،‭ ‬بل‭ ‬بجوهر‭ ‬إنسانيته‭ ‬باعتباره‭ ‬كائنا‭ ‬ثقافيا‭. ‬

إن‭ ‬الإنسان‭ ‬كائن‭ ‬واحد‭ ‬ومتعدد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآن‭: ‬واحد‭ ‬ببنية‭ ‬نوعه‭ ‬الإحيائية‭ ‬الأساسية‭ ‬وهندستها‭ ‬الإدراكية‭ ‬المعرفية،‭ ‬ومتعدد‭ ‬باختلاف‭ ‬ثقافاته‭. ‬فهي‭ ‬إذن‭ ‬كينونة‭ ‬ذات‭ ‬بعدين‭ ‬لكنها‭ ‬كينونة‭ ‬طبيعية‭ ‬متسقة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬عضوية‭ ‬جوهرية‭ ‬بين‭ ‬بعديها‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬البنية‭ ‬الإحيائية‭ ‬الأساسية،‭ ‬من‭ ‬جهتها،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬إمكان‭ ‬الثقافة‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬وترسم‭ ‬كيفيات‭ ‬الاختلاف‭ ‬الثقافي‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬اختلافا‭ ‬اعتباطيا‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬لا‭ ‬متناهي‭ ‬التلونات‭ ‬والتفاصيل‭. ‬هكذا‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬ثقافات‭ ‬الشعوب‭ ‬وتتنوع،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بكيفيات‭ ‬مخصوصة‭ ‬وداخل‭ ‬أطر‭ ‬هندسية‭ ‬معرفية‭ ‬معينة‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬كمظاهر‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬أنساق‭ ‬قرابة‭ ‬وإبداع‭ ‬لغات‭ ‬وإنتاج‭ ‬موسيقى‭ ‬وأشعار‭ ‬وحكايات‭ ‬وتصميم‭ ‬رقصات،‭ ‬الخ‭.‬

والاختلاف‭ ‬الثقافي،‭ ‬من‭ ‬جهته،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يجلي،‭ ‬بكيفياته‭ ‬المخصوصة‭ ‬المذكورة،‭ ‬بنية‭ ‬النوع‭ ‬الإحيائية‭ ‬الأساسية‭ ‬ويحقق‭ ‬إمكانات‭ ‬هندستها‭ ‬المعرفية‭ ‬الماضية‭ ‬والحاضرة‭ ‬والمستقبلية‭.‬

بهذا‭ ‬تكون‭ ‬العناية‭ ‬بثقافة‭ ‬الشعوب‭ ‬وإبراز‭ ‬أصالتها‭ ‬وتميزها،‭ ‬حماية‭ ‬لإنسانية‭ ‬الإنسان‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬ومقاومة‭ ‬لإفقاره‭ ‬ودفاعا‭ ‬عن‭ ‬غناه‭.‬‭‬

أعداد المجلة