فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
21

نظام العرّاسة ببلاد الحَوَايَا (بني خداش) تراث نجع أم تاريخ مرحلة؟

العدد 21 - عادات وتقاليد
نظام العرّاسة ببلاد الحَوَايَا (بني خداش) تراث نجع أم تاريخ مرحلة؟

1-مقدّمة‭:‬

تبدو‭ ‬احتفالات‭ ‬الشّعوب‭ ‬كاشفة‭ ‬عن‭ ‬مخزونها‭ ‬الثّقافيّ‭ ‬المميّز‭ ‬لهويّتها‭ ‬والمبرز‭ ‬لدرجة‭ ‬تحضّرها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجسّده‭ ‬من‭ ‬حسّ‭ ‬تنظيميّ‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬ظلّت‭ ‬البداوة‭ ‬عنوان‭ ‬بساطة‭ ‬في‭ ‬العيش،‭ ‬وعناء‭ ‬في‭ ‬الكسب‭ ‬ضمن‭ ‬نشاط‭ ‬معاشها‭ ‬اليوميّ‭ ‬فلحا‭ ‬ورعيا،‭ ‬فإنّ‭ ‬أكثر‭ ‬الأشكال‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬تجسيدا‭ ‬لانتظامها‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬ببعديه‭ ‬تأصّلا‭ ‬وانفتاحا‭ ‬لهي‭ ‬الأعراس‭ ‬وتنظيماتها‭ ‬المرتّبة‭ ‬بإتقان‭ ‬داخل‭ ‬الوسط‭ ‬القبليّ‭ ‬والمجال‭ ‬الرّيفيّ‭. ‬وكمثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬سنحاول‭ ‬دراسة‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬ببلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بني‭ ‬خداش،‭ ‬المنطقة‭ ‬الجبليّة‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬التّونسي،‭ ‬حتّى‭ ‬نكتشف‭ ‬قوانين‭ ‬الانتظام‭ ‬الصّارم‭ ‬ووظائفها‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬ودلالاتها‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬التّلقائيّة،‭ ‬مركّزين‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬عرّاسة‭ ‬الحوايا‭ ‬في‭ ‬أريافها‭ ‬وضمن‭ ‬مجموعاتها‭ ‬القبليّة‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬النُّجعة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬سنسعى‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬أن‭ ‬نلمّ‭ ‬بالقضايا‭ ‬التّالية،‭ ‬فسنعرّف‭ ‬بداية‭ ‬بنظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬ونحدد‭ ‬مكوناته‭ ‬ومرجعياته‭. ‬ثمّ‭ ‬سنبيّن‭ ‬خصوصيات‭ ‬هذا‭ ‬النّظام‭ ‬ووظائفه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المظاهر‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬التٍّراثيّة‭ ‬في‭ ‬أعراس‭ ‬حلف‭ ‬الحوايا،‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬ثالثة‭ ‬سنذهب‭ ‬مذهب‭ ‬تأويل‭ ‬الأبعاد‭ ‬المختلفة‭ ‬للمكوّنات‭ ‬الرّمزيّة‭ ‬في‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭ ‬والأشياء‭ ‬المؤثّثة‭ ‬للاحتفال‭.‬

الإشكاليات‭:‬

فما‭ ‬الّذي‭ ‬يميّز‭ ‬العرّاسة‭ ‬ببني‭ ‬خداش‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬يجعلها‭ ‬ظاهرة‭ ‬تراثيّة‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬هويّة‭ ‬خصوصيّة؟‭ ‬ومن‭ ‬أيّة‭ ‬الجذور‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬والمراحل‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬يستقي‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬تشكّلاته‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬ويستمدّ‭ ‬ألوانه‭ ‬الخصوصيّة؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الوظائف‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬والثّقافيّة‭ ‬الّتي‭ ‬يؤدّيها‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬داخل‭ ‬النّسيج‭ ‬المجتمعيّ‭ ‬لحلف‭ ‬الحوايا‭ ‬خاصّة‭ ‬والبلاد‭ ‬التّونسيّة‭ ‬عامّة؟‭ ‬ثمّ‭ ‬أيّة‭ ‬دلالات‭ ‬ثقافيّة‭ ‬عميقة‭ ‬تنطوي‭ ‬عليها‭ ‬طقوس‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬مكوّناتها‭ ‬الرّمزيّة؟

-2 الجوهر‭:‬

-1-2 العرّاسة‭ ‬بين‭ ‬المعجم‭ ‬والاصطلاح‭:‬

يحتاج‭ ‬تعريف‭ ‬العرّاسة‭ ‬لغة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المعاجم‭ ‬والقواميس،‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬ورد‭ ‬فيبالقاموس‭ ‬المحيطب‭ ‬للفيروزباديّ‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬أنّبالعَرْسُ‭ ‬هو‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬الفرح،‭ ‬والعُرسُ‭ ‬بالضّم‭ ‬وبالضّمتين‭  ‬طعام‭ ‬الوليمة،‭ ‬والعَرّيس‭ ‬مأوى‭ ‬الأسد،‭ ‬وأعرس‭ ‬اتّخذ‭ ‬عرسا‭ ‬والموضع‭ ‬معرس‭ ‬ومعرّس،‭ ‬‭ ‬واعترسوا‭ ‬عنه‭ ‬تفرّقوا‭ ‬وتعرّس‭ ‬لامرأته‭ ‬تحبّب‭ ‬إليهاب1‭.‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدّلالات‭ ‬اللّغويّة‭ ‬للفظ‭ ‬عرّاسة‭ ‬تأتلف‭ ‬معانى‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتّودّد‭ ‬والانفراد‭ ‬والتفرّد‭ ‬وهي‭ ‬معان‭ ‬ترتبط‭ ‬بظاهرة‭ ‬العرّاسة‭.‬ذاك‭ ‬أنّ‭ ‬العرّاسة‭ ‬اصطلاحا‭ ‬هي‭ ‬اجتماع‭ ‬زمرة‭ ‬حول‭ ‬شخصيّة‭ ‬العريس‭ ‬طيلة‭ ‬احتفال‭ ‬العرس‭ ‬وقبله‭ ‬وبعده‭ ‬للاعتناء‭ ‬به‭ ‬وخدمته‭ ‬وإظهار‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التّنظيم‭ ‬الجماعيّ‭ ‬المشابه‭ ‬للتّنظبمات‭ ‬السّياسيّة‭ ‬الرّسميّة‭ ‬في‭ ‬تسمياته‭ ‬وترتيباته‭ ‬وتشريعاته‭.‬

وقد‭ ‬تميّزت‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بانتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬ربوعها‭ ‬الدّاخليّة‭ ‬والسّاحليّة‭. ‬وندر‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬سكّان‭ ‬ليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬والجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬وموريطانيا‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬ذكرى‭ ‬رمزيّة‭ ‬عن‭ ‬عرّاسته‭ ‬أو‭ ‬يحلم‭ ‬بأّيّام‭ ‬العرّاسة‭ ‬باعتبارها‭ ‬أزهى‭ ‬أيّام‭ ‬شبابه‭ ‬وأكثرها‭ ‬إظهارا‭ ‬لشخصيته‭ ‬وإثباتا‭ ‬لمكانته‭ ‬ضمن‭ ‬المنظومة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الأقرب‭. ‬لكنّ‭ ‬كلّ‭ ‬منطقة‭ ‬تضفي‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬العرّاسة‭ ‬من‭ ‬خصوصياتها‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬واجهة‭ ‬لتثبيت‭ ‬الهويّة‭ ‬وتحقيق‭ ‬تمثّل‭ ‬محليّ‭ ‬لعلاقة‭ ‬الأنا‭ ‬بالآخر،‭ ‬‭ ‬ولتجاور‭ ‬المحليّ‭ ‬والكونيّ‭. ‬وسنسعى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدّراسة‭ ‬إلى‭ ‬تبيّن‭ ‬خصوصيات‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬داخل‭ ‬منطقة‭ ‬بني‭ ‬خداش،‭ ‬بادئين‭ ‬بتقديم‭ ‬المنطقة‭ ‬جغرافيّا‭ ‬وتاريخيّا‭ ‬واجتماعيّا‭ ‬وثقافيّا‭.‬

-2-2 تقديم‭ ‬منطقة‭ ‬بني‭ ‬خداش‭ ‬موضع‭ ‬الدّراسة‭:‬

تستقلّ‭ ‬بلاد‭ ‬عروش‭ ‬الحوايا‭ ‬بمعتمديّة‭ ‬بني‭ ‬خداش،‭ ‬‭ ‬الّتي‭ ‬تنتمي‭ ‬إداريّا‭ ‬إلى‭  ‬ولاية‭ ‬مدنين‭ ‬بالجنوب‭ ‬الشّرقيّ‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬التّونسيّة‭.‬إذ‭ ‬‮‬تحدّها‭ ‬من‭ ‬الشّمال‭ ‬معتمديّة‭ ‬مطماطة‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬قابس‭ ‬ومن‭ ‬الجنوب‭ ‬معتمديّة‭ ‬غمراسن‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬تطاوين‭ ‬ومن‭ ‬الغرب‭ ‬معتمديّة‭ ‬دوز‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬قبليّ‭ ‬ومن‭ ‬الشّرق‭ ‬معتمديّة‭ ‬مدنين‭. ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المعتمديات‭ ‬القلائل‭ ‬الّتي‭ ‬تضمّ‭ ‬في‭ ‬فضائها‭ ‬أشكال‭ ‬التّضاريس‭ ‬الثّلاثة‭ ‬بالجنوب‭ ‬الشّرقيّ‭ ‬من‭ ‬صحراء‭ ‬الظّاهر‭ ‬إلى‭ ‬سهل‭ ‬الجفارة‭ ‬مرورا‭ ‬بسلسلة‭ ‬جبل‭ ‬دمّرب2‭. ‬وقد‭ ‬جعلها‭ ‬هذا‭ ‬التّنوّع‭ ‬المجالي‭ ‬إقليمابيمسح‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجغرافي‭ ‬2000‭ ‬كلم‭ ‬مربع‭ ‬وهو‭ ‬إقليم‭ ‬غير‭ ‬متجانس‭ ‬ينقسم‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مناطق‭ ‬أو‭ ‬أقاليم‭ ‬جغرافية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التضاريس‭ ‬وأيضا‭ ‬الفوارق‭ ‬المناخية‭ ‬الطفيفةب3‭ ‬

-1-2-2 التّقديم‭ ‬التاريخيّ‭:‬

تُعرف‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬تاريخيا‭ ‬باسم‭ ‬جبلادمرب،‭ ‬ااسما‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬الجبل‭ ‬الممتدّ‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬جبل‭ ‬مطماطة‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬نفّوسةب4‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬الدّكتور‭ ‬محمّد‭ ‬حسن‭ ‬االقصور‭ ‬الجبليّة‭:‬تموضعت‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬القصور‭ ‬على‭ ‬سفح‭ ‬جبل‭ ‬دمّر‭ ‬الممتدّ‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬خداش‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬جبل‭ ‬نفّوسةب5‭ .‬ويحدّه‭ ‬التجّاني‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثّالث‭ ‬عشر‭ ‬ضمن‭ ‬رحلته‭ ‬بقوله‭ ‬ضمن‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬غمراسن‭ ‬ا‭...‬هي‭ ‬متصلة‭ ‬بالمسافة‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬منه‭ ‬دمر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬شرقيها،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬غمراسن‭ ‬إنّها‭ ‬من‭ ‬دمرب6وممّا‭ ‬ذكره‭ ‬به‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العبر‭ ‬محدّدا‭ ‬موقع‭ ‬هذا‭ ‬الجبلبفففف‭ ‬في‭ ‬قبلة‭ ‬قابس‭ ‬وطرابلس‭ ‬جبال‭ ‬متصلة‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬المشرق‭ ‬فأولها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الغرب‭ ‬دمر‭...‬ب7

على‭ ‬أنّ‭ ‬أكثر‭ ‬المصادر‭ ‬عناية‭ ‬بجبل‭ ‬دمّر‭ ‬هي‭ ‬المصادر‭ ‬الإباضيّة‭ ‬بشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬‭ ‬فقد‭ ‬كُتبت‭ ‬به‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب‭ ‬وكَتبت‭ ‬عنه‭ ‬الكثيرُ‭ ‬من‭ ‬مخطوطات‭ ‬السّير‭. ‬وتعود‭ ‬أولى‭ ‬الإشارات‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الدعوة‭ ‬الإباضيّة‭ ‬واحتضان‭ ‬أبرز‭ ‬مراحلها‭ ‬من‭ ‬الكتمان‭ ‬إلى‭ ‬الدّفاع‭ ‬فالظّهور‭  ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬أبي‭ ‬زكرياء‭ ‬الورجلاني‭ ‬اكتاب‭ ‬السّير‭ ‬وأخبار‭ ‬الأئمّةب8‭ ‬الّذي‭ ‬خطّه‭ ‬بغار‭ ‬العزّابة‭ ‬ابتمولستب‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الشّرقيّ‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬دمّر‭ ‬عام‭ ‬471‭ ‬هجرية‭. ‬وبعد‭ ‬فترة‭ ‬مدّ‭ ‬إباضيّ‭ ‬حتّى‭ ‬القرن‭ ‬السّابع‭ ‬هجري‭ ‬حلّت‭ ‬مرحلة‭ ‬هيمنة‭ ‬المذهب‭ ‬السّنّي،‭ ‬‭ ‬وكان‭ ‬بينهما‭ ‬طور‭ ‬محدود‭ ‬لظهور‭ ‬المذهب‭ ‬الاسماعيليّ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الرّابع‭. ‬ولا‭ ‬تختفي‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الدّارسين‭ ‬اليوم‭ ‬تأثيرات‭ ‬المذاهب‭ ‬الثّلاثة‭ ‬في‭ ‬اعتقادات‭ ‬النّاس‭ ‬ورؤاهم‭ ‬وتسمياتهم‭ ‬وطرق‭ ‬معاملاتهم‭.‬

 

-2-2-2 التّقديم‭ ‬الاجتماعيّ‭ :‬

عرف‭ ‬جبل‭ ‬دمّر‭ ‬استقرارا‭ ‬لساكنيه‭ ‬طيلة‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭. ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬العهد‭ ‬العثمانيّ‭ ‬بتونس‭. ‬وتحديدا‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬1574‭ ‬ميلاديّة‭ ‬بدأت‭ ‬السّواحل‭ ‬تؤمّن‭ ‬وشدّد‭ ‬الباي‭ ‬مراقبة‭ ‬القبائل‭ ‬الممتنعة‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬الضّرائب،‭ ‬‭ ‬لذلك‭ ‬بدأ‭ ‬الجبل،‭ ‬و‭ ‬لكلّ‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬مجتمعة،‭ ‬يفقد‭ ‬توازنه‭ ‬الدّيمغرافيّ،‭ ‬وبسبب‭ ‬المجاعات‭ ‬والجفاف،‭ ‬فتوالت‭ ‬الرّحلات‭ ‬عن‭ ‬جبل‭ ‬دمّر‭ ‬المدمّر،‭ ‬وتوجّهت‭ ‬شمالا‭ ‬وغربا‭ ‬نحو‭ ‬إفريقيّة،‭ ‬رحلات‭ ‬متتالية‭ ‬تسمى‭ ‬محليا‭ ‬ابالجلواتب‭ ‬وقد‭ ‬توجهوا‭ ‬شمالا‭ ‬وغربا‭ ‬نحو‭ ‬إفريقية‭ ‬وجربة،‭ ‬وأفرغ‭ ‬الجبل‭ ‬من‭ ‬عديد‭ ‬المجموعات‭ ‬المستقرة‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬بني‭ ‬سمومن‭ ‬وبني‭ ‬براد‭ ‬وبني‭ ‬غربال،‭ ‬وبني‭ ‬برزال‭ ‬والمانيطيين‭ ‬والمقريين‭ ‬وبني‭ ‬قويبس‭  ‬والقلاليين‭ ‬وهي‭ ‬مجموعات‭ ‬تركت‭ ‬وراءها‭ ‬قصورها‭  ‬وأشهرها‭ ‬جلوة‭ ‬المانيطيينب9

واحتاجت‭ ‬بعض‭ ‬المجموعات‭ ‬الباقية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬أن‭ ‬تتّخذ‭ ‬لها‭ ‬نقاط‭ ‬ارتكاز‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قصور‭ ‬حزن‭ ‬تجتمع‭ ‬حولها‭ ‬وقتيّا‭ ‬وتخزّن‭ ‬بها‭ ‬محاصيلها‭ ‬الموسميّة‭. ‬كما‭ ‬استفادت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الزّوايا‭ ‬الطّرقيّة‭ ‬فتشكّلت‭ ‬حول‭ ‬قصر‭ ‬الخزن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وزاوية‭ ‬التّعلّم‭ ‬والمداواة‭ ‬والمرابطة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬نواتات‭ ‬القرى‭ ‬الأولى‭ ‬بين‭ ‬جبل‭ ‬الحوايا‭ ‬وجفارتهم،‭ ‬‭ ‬ذاك‭ ‬الأنّ‭ ‬سلطة‭ ‬الأتراك‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬آليات‭ ‬تشكلها‭ ‬الإديولوجي‭ ‬والثقافي‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الزوايا‭ ‬كقوة‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬السكان‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الزوايا‭ ‬والعروش‭ ‬داخل‭ ‬المجالب10‭. ‬وفي‭ ‬ساحات‭ ‬هذه‭ ‬القرى‭ ‬وبين‭ ‬باحات‭ ‬تلك‭ ‬المداشر‭ ‬الرّاحلة‭ ‬وفي‭ ‬ظلال‭ ‬الخيام‭ ‬ضمن‭ ‬أحيائها‭-‬االدّوّارب‭ ‬بالعبارة‭ ‬المحليّة‭ -‬نشأ‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬وترعرع‭ ‬تاجا‭ ‬احتفاليّا‭ ‬يعلّم‭ ‬الشّباب‭ ‬شقاوة‭ ‬الجدّ‭ ‬في‭ ‬متعة‭ ‬اللّعب‭.‬

 

-3-2 من‭ ‬العرس‭ ‬إلى‭ ‬العرّاسة‭:‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬امتثال

غالبا‭ ‬ما‭ ‬يردّد‭ ‬شوشان‭ ‬العرس11‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬ورغمّة‭ ‬عامّة‭ ‬وبلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬خاصّة،‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬يهنئّ‭ ‬أهل‭ ‬العريس‭ ‬باحتفالهم،‭ ‬‭ ‬جملته‭ ‬الشّهيرة‭ ‬اوَفَرَحْنَا‭ ‬دَايِمْ‭ ‬سَبْعَ‭ ‬أَيَّامْ‭ ‬وَسَبْعِ‭ ‬لْيَالِي‭ ‬زَايْدَاتْب‭. ‬ولعلّه‭ ‬بذلك‭ ‬يلخّص‭ ‬أوسع‭ ‬أيّام‭ ‬الاستعداد‭ ‬إلى‭ ‬العرس‭ ‬وإنجازه‭. ‬إذ‭ ‬يُسبّق‭ ‬للعرس‭ ‬ب‭ ‬ايوم‭ ‬الحطّابةب‭ ‬وايوم‭ ‬الغربالةب‭ ‬وايوم‭ ‬الورّادةب‭ ‬وايوم‭ ‬الصداقب‭. ‬ثمّ‭ ‬يكون‭ ‬العرس‭ ‬بأيّامه‭ ‬الثّلاثة‭ ‬الخاتمة‭. ‬فاعندما‭ ‬يحدّد‭ ‬عرس‭ ‬الشّاب‭ ‬والشّابة‭ ‬تُعلم‭ ‬بموعده‭ ‬كلّ‭ ‬القبيلة‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬تُخطر‭ ‬القبائل‭ ‬المجاورة‭ ‬لها‭ ‬بالحدث‭ ‬ولا‭ ‬تظلّ‭ ‬الأعراس‭ ‬شائعة‭ ‬الذّكر‭ ‬إلاّ‭ ‬في‭ ‬الصّيف،‭ ‬‭ ‬بطريقة‭ ‬تسمح‭ ‬للاحتفالات‭ ‬الّتي‭ ‬تصحبها‭ ‬دوما‭ ‬أن‭ ‬تستمرّ‭ ‬كثيرا‭. ‬ولهذه‭ ‬الحفلات‭ ‬خصائصها‭ ‬المميّزة‭ ‬عند‭ ‬كلّ‭ ‬قبيلة‭ ‬لكنّها‭ ‬تتضمّن‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬نفس‭ ‬الاحتفاليّة‭.‬12

أمّا‭ ‬يوم‭ ‬الحطّابة‭ ‬فهو‭ ‬يوم‭ ‬اجتماع‭ ‬شباب‭ ‬القبيلة‭ ‬وشابّاتها‭ ‬باتّفاق‭ ‬مسبّق‭ ‬حيث‭ ‬تسري‭ ‬الصّبايا‭ ‬يحملن‭ ‬الحبال،‭ ‬‭   ‬ويصحبهنّ‭ ‬الشّبان‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬سنّ‭ ‬الزّواج‭ ‬يحملون‭ ‬الفؤوس‭ ‬والبنادق‭. ‬ولا‭ ‬تكفّ‭ ‬الفتيات‭ ‬عن‭ ‬الغناء‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬تتخلّله‭ ‬طلقات‭ ‬البارود‭ ‬وزغردة‭ ‬الصّبايا‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬يصلن‭ ‬شَعْرَاءَ‭ ‬القرية‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬قريب‭ ‬حتّى‭ ‬ينهمك‭ ‬الشّبّان‭ ‬في‭ ‬اقتلاع‭ ‬الحطب‭ ‬بحماس،‭ ‬‭ ‬يزيده‭ ‬التّنافس‭ ‬وزغردة‭ ‬الفتيات‭ ‬حيويّة‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬امتلأت‭ ‬الحبال‭ ‬حزمت‭ ‬كلّ‭ ‬حزمة‭ ‬بتعاون‭ ‬بين‭ ‬شابّ‭ ‬وفتاة‭. ‬ثمّ‭ ‬يرفع‭ ‬الشّابّ‭ ‬الحزمة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬فتاته‭ ‬الّتي‭ ‬خيّر‭ ‬مساعدتها‭. ‬ويعود‭ ‬المحفل‭ ‬محمّلا‭ ‬بحزم‭ ‬الحطب‭ ‬وكلّ‭ ‬مساعد‭ ‬لفتاته‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬خطيبها‭ ‬القادم‭ ‬وفارس‭ ‬أحلامها‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬القبيلة‭. ‬إذ‭ ‬يلاصقها‭ ‬متابعا‭ ‬ومساعدا‭ ‬حتّى‭ ‬توصل‭ ‬حزمة‭ ‬الحطب‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬العائلة‭. ‬وإنّما‭ ‬تلك‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬قيمتها‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬إعلان‭ ‬عن‭ ‬بدء‭ ‬ربط‭ ‬علاقة‭ ‬ودّ‭ ‬بين‭ ‬فتيات‭ ‬القبيلة‭ ‬وشبّانها‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬أمّنت‭ ‬عائلة‭ ‬العرس‭ ‬الحطب‭ ‬سعت‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الغذاء‭ ‬فكان‭ ‬يوم‭ ‬الغربالة‭. ‬تدعو‭ ‬والدة‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬عجائز‭ ‬الحيّ‭ ‬وشاباته‭ ‬وصباياه‭ ‬إلى‭ ‬غداء‭ ‬لديها‭. ‬وتبسط‭ ‬بينهنّ‭ ‬أكياس‭ ‬الشّعير‭ ‬المطحون‭ ‬مسبّقا‭. ‬وعلى‭ ‬أنغام‭ ‬الغناء‭ ‬البدويّ‭ ‬يغربلن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬دقيق‭ ‬وسويق،‭ ‬‭ ‬ويصنّفنه‭ ‬فلا‭ ‬ينقضي‭ ‬اليوم‭ ‬إلاّ‭ ‬وقد‭ ‬رتّبت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المؤونة‭ ‬وأعدّ‭ ‬معها‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬زيوت‭ ‬وبقول‭.‬

أمّا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الثّالث،‭ ‬‭ ‬يوم‭ ‬الورّادة،‭ ‬فقد‭ ‬صارت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬الماء‭ ‬ضروريّة‭. ‬وليست‭ ‬المواجل‭ ‬القليلة‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬بكافية‭ ‬لإتمام‭ ‬كلّ‭ ‬مراسم‭ ‬الاحتفال‭ ‬فلابدّ‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬مائيّ‭ ‬احتياطيّ،‭ ‬‭ ‬لذلك‭ ‬يستعان‭ ‬بكلّ‭ ‬فتيات‭ ‬الحيّ‭ ‬وشبّانه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وتعدّ‭ ‬قرب‭ ‬الماء‭ ‬وأواني‭ ‬تخزينه‭. ‬وتستعار‭ ‬دوابّ‭ ‬القرية‭ ‬جميعها‭. ‬ثمّ‭ ‬يقصد‭ ‬بها‭ ‬أطيب‭ ‬ماء‭ ‬عيون‭ ‬أو‭ ‬أحساء‭ ‬قريبة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬بعيدة‭. ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬يُجلب‭ ‬الماء‭ ‬ويحمل‭ ‬باكرا‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬من‭ ‬المرح‭ ‬والغناء‭ ‬والسّرور‭.   ‬ولا‭ ‬ينتهي‭ ‬النّهار‭ ‬إلاّ‭  ‬وقد‭ ‬خزّنت‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬مخابئها‭ ‬الأمينة‭ ‬فهي‭ ‬أنفس‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬في‭ ‬عرس‭ ‬بهيج‭.‬

ويخصّص‭ ‬اليوم‭ ‬الرّابع‭ ‬لكتابة‭ ‬عقد‭ ‬القران‭ ‬ويسمّى‭ ‬محليّا‭ ‬ايوم‭ ‬الصَّدَاقْب‭ ‬حيث‭ ‬يدعى‭ ‬عدلا‭ ‬الإشهاد‭ ‬إلى‭  ‬بيت‭ ‬العروس‭. ‬ويحلّ‭ ‬بنفس‭ ‬البيت‭ ‬أهل‭ ‬العريس‭ ‬محمّلين‭ ‬بلوازم‭ ‬الوليمة‭ ‬ومقدار‭ ‬المهر‭. ‬وهناك‭ ‬يتولّى‭ ‬وليّ‭ ‬الفتاة‭ ‬وممثّلي‭ ‬عائلة‭ ‬العريس‭ ‬حضور‭ ‬المراسم‭ ‬الكتابيّة‭ ‬لنصّ‭ ‬عقد‭ ‬النّكاح‭ ‬مصحوبين‭ ‬بشيوخ‭ ‬القرية‭ ‬يدعوهم‭ ‬والد‭ ‬العروس‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬تمّ‭ ‬العقد‭ ‬وأمضته‭ ‬العروس،‭ ‬‭ ‬قرأ‭ ‬الحاضرون‭ ‬الفاتحة‭ ‬إشهادا‭ ‬منهم‭ ‬بشهرة‭ ‬الزّواج،‭ ‬‭ ‬وقدّمت‭ ‬إليهم‭ ‬مائدة‭ ‬الغداء‭ ‬المؤلّفة‭ ‬من‭ ‬الكسكسي‭ ‬واللحم‭. ‬كما‭ ‬يطبخ‭ ‬الشّاي‭ ‬للحاضرين‭ ‬باستمرار،‭ ‬‭ ‬وتدور‭ ‬أحاديث‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭ ‬والحكم‭ ‬والأشعار‭ ‬والطّرائف‭ ‬ونقل‭ ‬المعارف‭ ‬والخبرات‭. ‬أمّا‭ ‬العريس‭ ‬المختفي‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأوّل،‭ ‬يوم‭ ‬الحطّابة،‭ ‬فيُطلب‭ ‬خارج‭ ‬فضاء‭ ‬القرية‭ ‬حيث‭ ‬يمضي‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬قرانه‭ ‬منفردا‭ ‬أو‭ ‬مصحوبا‭ ‬ببعض‭ ‬خاصّته‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬انتهت‭ ‬الأيّام‭ ‬الأربعة‭ ‬الأولى‭ ‬حلّت‭ ‬أيّام‭ ‬العرس‭ ‬الفعليّة‭. ‬ذاك‭ ‬أنّ‭ ‬أعراس‭ ‬الحوايا‭ ‬تقتصر‭ ‬شهرتها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيّام‭ ‬من‭ ‬أيّام‭ ‬الصيف13،‭ ‬هي‭ ‬ايوم‭ ‬الخيمةب‭-‬أو‭ ‬العشّة‭ ‬باللّهجة‭ ‬المحليّة‭- ‬وايوم‭ ‬الكسوةب‭ ‬وايوم‭ ‬الجحفةب‭. ‬أمّا‭ ‬يوم‭ ‬الخيمة‭ ‬فيعدّ‭ ‬آخر‭ ‬أيّام‭ ‬الاستعداد‭. ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬اتَسْبٍيقْ‭ ‬اٌلْفَرَحْب‭ ‬بالعبارة‭ ‬المحليّة،‭ ‬‭ ‬تُعدّ‭ ‬فيه‭ ‬عائلة‭ ‬العريس‭ ‬فضاء‭ ‬الاحتفال‭ ‬وتتمّ‭ ‬داخله‭ ‬عمليّة‭ ‬اتخييط‭ ‬الخيمةب‭ ‬بترتيق‭ ‬ثقوبها،‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬تدعو‭ ‬أمّ‭ ‬العريس‭ ‬جاراتها‭ ‬وصبايا‭ ‬الحيّ‭ ‬والأقارب‭ ‬لتنظيف‭ ‬الفضاء‭ ‬وتفقّد‭ ‬الخيمة‭. ‬ويتمّ‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جوّ‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬الشّعبيّ‭ ‬والزّغردة‭  ‬تقطعه‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬طلقات‭ ‬البارود‭. ‬ويُلقى‭ ‬الحُمص‭ ‬والحلوى‭ ‬على‭ ‬الخيمة‭ ‬فيقفز‭ ‬الأطفال‭ ‬والصّبايا‭ ‬مغتنمين‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬تناكب‭ ‬مرح‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تمّت‭ ‬الأشغال‭ ‬دُعي‭ ‬الشّباب‭ ‬لنصب‭ ‬الخيمة‭ ‬وتثبيت‭ ‬أوتادها‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬الاحتفال‭. ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تتوّج‭ ‬المجهودات‭ ‬بغداء‭ ‬جماعيّ‭ ‬للنّسوة‭ ‬وللشّبان‭ ‬المساعدين‭ ‬لهنّ‭. ‬ويُقضى‭ ‬المساء‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬بعض‭ ‬اللّوازم‭ ‬ومراجعة‭ ‬الاستعدادات‭ ‬النّهائيّة‭ ‬لإنجاز‭ ‬الاحتفال‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الغد‭.‬

 

حتّى‭ ‬إذا‭ ‬حلّ‭ ‬مغرب‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬تقاطرت‭ ‬العائلات‭ ‬المدعوّة‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬وقريب‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬سهرة‭ ‬اللّيلة‭ ‬الأولى،‭ ‬اسهرة‭ ‬دقّان‭ ‬الحنّاءب‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العريس‭ ‬واسهرة‭ ‬تخضيب‭ ‬الحنّاء‭ ‬للعروسب‭ ‬في‭ ‬بيتها‭.‬

تجتمع‭ ‬النّسوة‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬داخليّ‭ ‬مستور‭ ‬مخصّص‭ ‬لهنّ‭ ‬فيُجرين‭ ‬في‭ ‬سهرتهنّ‭ ‬فنونا‭ ‬من‭ ‬الرّقص‭ ‬والمرح‭ ‬والغناء‭ ‬على‭ ‬إيقاعات‭ ‬الدّربكة‭ ‬وأصوات‭ ‬الغناء‭ ‬الشّعبيّ‭ ‬المخصّص‭ ‬لاحتفالات‭ ‬الحنّاء‭.‬

 

أمّا‭ ‬الرّجال‭ ‬فينزوون‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬المنزل‭  ‬كبعض‭ ‬الجسور‭ ‬أو‭ ‬البيادر‭ ‬أو‭ ‬منازل‭ ‬الجيران‭. ‬وهناك‭ ‬يُعقد‭ ‬اميعاد‭ ‬توزيع‭ ‬المسؤولياتب‭ ‬ليوم‭ ‬الغد‭ ‬على‭ ‬شباب‭ ‬القبيلة‭ ‬وكهولها‭ ‬وشيوخها‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يُخصّص‭ ‬الشّيوخ‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬التّوزيع‭ ‬لمحادثة‭ ‬الضّيوف‭ ‬الوافدين‭. ‬ويقسّم‭ ‬الكهول‭ ‬بين‭ ‬استقبال‭ ‬الضّيوف‭ ‬وخدمتهم‭ ‬طيلة‭ ‬حضورهم‭. ‬أمّا‭ ‬الشّباب‭ ‬فهم‭ ‬المكلّفون‭ ‬بجلب‭ ‬الحاجيات‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬السّريعة،‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حراسة‭ ‬فضاء‭ ‬الاحتفال‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬دخيل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفسد‭ ‬سيره‭ ‬الطّبيعيّ‭. ‬ولا‭ ‬يُتمّ‭ ‬الميعاد‭ ‬أشغاله‭ ‬إلاّ‭ ‬وقد‭ ‬حدّدت‭ ‬المسؤوليات‭ ‬وانتظمت‭ ‬المجموعة‭ ‬القبليّة‭ ‬فرقة‭ ‬شبه‭ ‬عسكريّة‭ ‬مستعدّة‭ ‬للخدمة‭ ‬السّريعة‭ ‬الّتي‭ ‬تبدأ‭ ‬منذ‭ ‬الغسق‭ ‬في‭ ‬الغد‭ ‬صباحا‭.‬

يفترق‭ ‬السّاهرون‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أهل‭ ‬العريس‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬اللّيل‭ ‬ليعودوا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الصّباح‭ ‬الباكر‭ ‬قاصدين‭ ‬الزّريبة،‭ ‬حيث‭ ‬تُخرج‭ ‬الأنعام‭ ‬من‭ ‬الماعز‭ ‬غالبا،‭ ‬‭ ‬وتُذبح‭ ‬وتُسلخ‭ ‬بخفّة‭ ‬ورشاقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجموعة‭ ‬مختصّة‭ ‬تساعدها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مجموعة‭ ‬شبّان‭ ‬نشيطة‭. ‬فلا‭ ‬يكون‭ ‬الضّحى‭ ‬إلاّ‭ ‬وعشرات‭ ‬الذّبائح‭ ‬قد‭ ‬قطّعت‭ ‬أجزاءً‭ ‬صغيرة‭ ‬بحسب‭ ‬العدد‭ ‬الأقصى‭ ‬المتوقّع‭ ‬للمدعوين‭. ‬وفي‭ ‬الأثناء‭ ‬يتمّ‭ ‬شواءاالمطايبب‭ ‬من‭ ‬كبدة‭ ‬الشّاة‭ ‬وقلبها‭ ‬ورئتها‭. ‬أمّا‭ ‬الأحشاء‭ ‬والرّؤوس‭ ‬فتحمل‭ ‬سريعا‭ ‬إلى‭ ‬الصّبايا‭ ‬من‭ ‬القبيلة‭ ‬اللاّتي‭ ‬يتولّين‭ ‬تنظيفها‭ ‬وتقطيعها،‭ ‬‭ ‬حتّى‭ ‬يستعان‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬إطعام‭ ‬الصّغار‭ ‬طيلة‭ ‬أيّام‭ ‬العرس‭. ‬ولا‭ ‬تبزغ‭ ‬أولى‭ ‬أنوار‭ ‬الشّمس‭ ‬إلاّ‭ ‬وقصاع‭ ‬العصيدة‭ ‬قد‭ ‬حضرت‭ ‬ومدّت‭ ‬بين‭ ‬الحاضرين‭ ‬وعليها‭ ‬مع‭ ‬الحساء‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬طبخ‭ ‬داخله‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬اللّحم‭ ‬الصّغرى‭.‬

ثمّ‭ ‬يُشرع‭ ‬في‭ ‬طبخ‭ ‬الكسكسي‭ ‬وهو‭ ‬الوجبة‭ ‬الرّسميّة‭ ‬الّتي‭ ‬ستقدّم‭ ‬للضّيوف‭ ‬مغربا‭. ‬فتتعاون‭ ‬النّسوة‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬أشغال‭ ‬الاستعداد‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬الطّبخ‭ ‬وتنظيف‭ ‬الأواني‭ ‬وتعهّد‭ ‬المأكولات،‭ ‬وهنّ‭ ‬مستبشرات‭ ‬باسمات‭ ‬تسمع‭ ‬منهنّ‭ ‬أصوات‭ ‬الغناء‭ ‬والزّغردة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭.‬

ولا‭ ‬تُلهي‭ ‬العنايةُ‭ ‬بالطبّخ‭ ‬النّسوةَ‭ ‬عن‭ ‬إعداد‭ ‬العدّة‭ ‬للكسوة،‭ ‬الّتي‭ ‬سترفع‭ ‬أوّل‭ ‬الظّهيرة‭ ‬نحو‭ ‬بيت‭ ‬العروس‭ ‬فيبدأن‭ ‬بتنظيم‭ ‬القطع‭ ‬وإعدادها‭ ‬ويُحضرن‭ ‬االعلاّقةب14‭ ‬ثمّ‭ ‬يستعدن‭ ‬لذلك‭ ‬بتغيير‭ ‬ملابسهنّ‭ ‬إلى‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يمتلكن‭ ‬من‭ ‬ثياب‭ ‬وحليّ‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حلّ‭ ‬موعد‭ ‬خروج‭ ‬الكسوة‭ ‬قدم‭ ‬فارس‭ ‬على‭ ‬حصانه‭ ‬مرفوقا‭ ‬بشباب‭ ‬القبيلة‭ ‬وهم‭ ‬يتقلّدون‭ ‬بنادقهم‭ ‬الطّويلة‭. ‬فتوضع‭ ‬الملابس‭ ‬الزّهيّة‭ (‬االكسوةب‭ ‬واالعلاّقةب‭)‬،‭ ‬‭ ‬وكلّ‭ ‬ما‭ ‬أهداه‭ ‬العريس‭ ‬لخطيبته‭ ‬من‭ ‬رياش‭ ‬خفيف‭ ‬أمام‭ ‬الفارس‭ ‬لينطلق‭ ‬تتبعه‭ ‬النّسوة‭ ‬مغنّيات‭ ‬مزغردات‭ ‬تغطّي‭ ‬حفلهنّ‭ ‬روائح‭ ‬البخور،‭ ‬‭ ‬ويتقدّمه‭ ‬موكب‭ ‬الشّباب‭ ‬يردّ‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬زغردة‭ ‬بطلقات‭ ‬متتالية‭ ‬للبارود‭.‬

 

‭ ‬يصف‭ ‬الشّاعر‭ ‬المحلّي‭ ‬المبروك‭ ‬حمدي‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬بقوله‭:‬

‭ ‬جَاءْ‭ ‬عِرْسْ‭ ‬حَاِمي‭ ‬فَنَّهْ

‭                            ‬وَفِيهْ‭ ‬اٌلْبَنَاتْ‭ ‬بْلِحْنْهَا‭ ‬تَتَغَنَّى

 

وَتَرْكَبْ‭ ‬ذَرَارِي‭ ‬سُمْرِ‭ ‬فُوقْ‭ ‬حْصُنَّهْ

‭                       ‬تِسْمِعْ‭ ‬سَلاَسِلْ‭ ‬خِيلْهُمْ‭ ‬ضَبَّاحَهْ

 

يْخَلُّوا‭ ‬اٌلْعَوَاطِفْ‭ ‬تِخْتَلَجْ‭ ‬تِتْمَنَّى

‭             ‬قَدَى‭ ‬شُورْهُمْ‭ ‬عِينِ‭ ‬اٌلْهَوَى‭ ‬مَيَّاحَهْ15

 

يستمرّ‭ ‬الغناء‭ ‬والطّرب‭ ‬عبر‭ ‬كامل‭ ‬الطّريق‭ ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬وصل‭ ‬موكب‭ ‬الكسوة‭ ‬بيت‭ ‬العروس‭ ‬طاف‭ ‬بخيمتها‭ ‬ثلاثا‭ ‬والنّسوة‭ ‬يتبعن‭ ‬الحصان‭. ‬ثمّ‭ ‬تقدّم‭ ‬كلّ‭ ‬تلك‭ ‬الهدايا‭ ‬للعروس‭ ‬داخل‭ ‬خيمتها‭ ‬قطعة‭ ‬قطعة‭ ‬فتعلّق‭ ‬إبرازا‭.‬

 

‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ينشغل‭ ‬أهل‭ ‬العروس‭ ‬من‭ ‬الرّجال‭ ‬بتقديم‭ ‬طعام‭ ‬الغداء‭ ‬للرّجال‭ ‬القادمين‭ ‬إليهم‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬الزّياتين‭ ‬في‭ ‬جسر‭ ‬قريب‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬غداء‭ ‬موحّد‭ ‬يسمّى‭ ‬محليّا‭ ‬االعجينةب‭. ‬ويتكوّن‭ ‬من‭ ‬عصيدة‭ ‬سويق‭ ‬تسقى‭ ‬بالزّيت‭ ‬وتحلّى‭ ‬بالسّكر‭ ‬لتُلتهم‭ ‬بسرعة‭ ‬وخفّة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الضّيوف‭.‬

 

وبانتهاء‭ ‬الاحتفال‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العروس‭ ‬يعود‭ ‬الموكب‭ ‬مسرعا‭ ‬نحو‭ ‬بيت‭ ‬العريس‭ ‬حتّى‭ ‬يُستعدّ‭ ‬ليوم‭ ‬الإطعام‭ ‬الأكبر،‭ ‬‭ ‬تلك‭ ‬الوليمة‭ ‬المميّزة‭ ‬للعرس‭. ‬فمساء‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬يبدأ‭ ‬المدعوون‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬المجاورة‭ ‬والمجموعات‭ ‬المتحالفة‭ ‬في‭ ‬التّهاطل‭ ‬على‭ ‬منزل‭ ‬العريس‭. ‬وهناك‭ ‬يستعدّ‭ ‬الجميع‭ ‬لاستقبالهم‭ ‬وخدمتهم‭ ‬ويتنافسون‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدّمة‭ ‬إليهم‭. ‬يقصد‭ ‬الرّجال‭ ‬بُسُطا‭ ‬مفروشة‭ ‬في‭ ‬جسر‭ ‬من‭ ‬الجسور‭ ‬ظليل‭ ‬بزياتينه‭ ‬مسوّى‭ ‬الأرضيّة‭. ‬فيجلسون‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأفرشة،‭ ‬‭ ‬ويطاف‭ ‬عليهم‭ ‬بأكواب‭ ‬الشّاي‭ ‬وقلال‭ ‬الماء‭ ‬البارد‭. ‬ثمّ‭ ‬يقدّم‭ ‬إليهم‭ ‬طعام‭ ‬العشاء‭ ‬كسكسيّا‭ ‬باللّحم‭ ‬قد‭ ‬تصاحبه‭ ‬غلال‭ ‬كـاالدلاّعب‭ ‬البطيخ‭, ‬الجح‭. ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يأكل‭ ‬النّاس‭ ‬جلوسا‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أفراد‭. ‬يقول‭ ‬الشّاعر‭ ‬المحلّي‭ ‬المبروك‭ ‬حمدي‭ ‬واصفا‭ ‬الوليمة‭ ‬والإكرام‭ ‬الجماعيّ‭:‬

دَامُوا‭ ‬فِي‭ ‬وَاجِبْهُمْ

‭                        ‬بِنَشَاطْ‭ ‬مُتْوَاصِلْ‭ ‬إِلَى‭ ‬مِغْرِبْهُمْ

وَرِجْعُوا‭ ‬اٌلتَّمَاسِي‭ ‬اٌلْخِيلْ‭ ‬مِنْ‭ ‬مَلْعِبْهُمْ‭ ‬

‭                          ‬ِمْكَانْ‭ ‬تَوْفِيرِ‭ ‬اٌلْعَلَفْ‭ ‬وَاٌلرَّاحَهْ

وَرُكَّابْهُمْ‭ ‬حَلُّوا‭ ‬مَحَلْ‭ ‬طْرَبْهُمْ‭ ‬

‭             ‬ضُيُوفْ‭ ‬عِزْ‭ ‬فِي‭ ‬مَنْزِلْ‭ ‬اٌلْاِسْتِرَاحَهْ16

يستمرّ‭ ‬الإطعام‭ ‬حتّى‭ ‬أوائل‭ ‬اللّيل‭. ‬فإذا‭ ‬اُنتهي‭ ‬من‭ ‬أشغاله‭ ‬قُرع‭ ‬الطبل‭ ‬وبدأ‭ ‬الحفل‭. ‬يقول‭ ‬الشّاعر‭ ‬المحلّي‭ ‬المبروك‭ ‬حمدي‭ ‬واصفا‭ ‬هذه‭ ‬اللّحظة‭ ‬في‭ ‬طالع‭ ‬قصيدته‭ ‬اعرس‭ ‬الباديةب

ضَرَبْ‭ ‬عِرِسْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بِيهْ‭ ‬اٌلْخَلُوقْ‭ ‬نَفَاحَهْ

مَحَلْ‭ ‬شُكُرْ‭ ‬لِلْمَدَّاحَهْ

حَبِلْ‭ ‬وَصِلْ‭ ‬يَجْمَعْ‭ ‬شَمْلْنَا‭ ‬بَأَفْرَاحَهْ17

يستمرّ‭ ‬الحفل‭ ‬حتّى‭ ‬زمن‭ ‬متأخّر‭ ‬من‭ ‬الليّل‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬النّاس‭ ‬مشكّلين‭ ‬حلقة‭ ‬حول‭ ‬ساحة‭ ‬العرس‭. ‬وتجلس‭ ‬النّسوة‭ ‬قدّام‭ ‬الخيمة‭ ‬مواجهات‭ ‬للرّجال‭ ‬الّذين‭ ‬أحاطوا‭ ‬بهنّ‭ ‬هلالا‭. ‬وتتوسّطهم‭ ‬فرقة‭ ‬الشّواشين‭ ‬بطبلها‭ ‬يؤدّي‭ ‬أفرادها‭ ‬أغانيهم‭ ‬ورقصاتهم‭ ‬في‭ ‬لباسهم‭ ‬الأبيض‭ ‬الفضفاض‭. ‬

وبعد‭ ‬كلّ‭ ‬أغنية‭ ‬يتوقّفون‭ ‬لتلقّي‭ ‬ما‭ ‬يمنحه‭ ‬النّاس‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬إشادة‭ ‬اتِبْرِيحْب‭ ‬بالعبارة‭ ‬المحليّة،‭ ‬وهي‭ ‬إشادة‭ ‬بفتيان‭ ‬القبيلة‭ ‬وأنساب‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وعائلات‭ ‬ضيوفهم‭ ‬من‭ ‬الأجوار‭ ‬والأحلاف‭ ‬والأصدقاء‭. ‬وقد‭ ‬نقل‭ ‬الشّاعر‭ ‬المحلّي‭ ‬المبروك‭ ‬حمدي‭ ‬مراحل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬اللّيليّة‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬منتقلا‭ ‬بين‭ ‬الرّجال‭ ‬والنّساء‭ ‬راصدا‭ ‬أحوال‭ ‬الوجدان‭ ‬في‭ ‬غزل‭ ‬بدويّ‭ ‬عفيف‭ ‬ضمن‭ ‬قصيدة‭ ‬اعرس‭ ‬الباديةب

يِتْجَمَّعُوا‭ ‬اٌلرَّجَّالَهْ

‭                           ‬كُلْ‭ ‬حَدْ‭ ‬يِتَحَدِّثْ‭ ‬بِمَا‭ ‬فِي‭ ‬بَالَهْ

وَبَعْدِ‭ ‬اٌلْعَشَاءْ‭ ‬يِنْهِي‭ ‬اٌلْحَدِيثْ‭ ‬أَعْمَالَهْ‭         ‬

‭                    ‬يْكُونْ‭ ‬اٌلتَّجَمِّعْ‭ ‬مُلْتَحَقْ‭ ‬بِاٌلسَّاحَهْ

وِينْ‭ ‬اٌلطَّرَبْ‭ ‬وَاٌلْفَنّْ‭ ‬وَاٌلْحَفَّالَهْ‭                     ‬

‭                    ‬وَبِيتْ‭ ‬اٌلشَّعَرَ‭ ‬وَاٌلطَّبِلْ‭ ‬وَاٌلْبَرَّاحَهْ

وِينْ‭ ‬اٌلْوَصِيفْ‭ ‬يْبَرِّحْ‭                                   ‬

‭                        ‬وَاٌلْقَلِبْ‭ ‬يَشْرِهْ‭ ‬وَاٌلْخُطَى‭ ‬تِسَّرِّحْ

وِينْ‭ ‬اٌلْمِزَّرِّدْ‭ ‬يِخْتَلَطْ‭ ‬يِذَّرِّحْ‭                          ‬

‭                ‬وَجَدْيِ‭ ‬اٌلْغَزَالْ‭ ‬يْجَاوْبِكْ‭ ‬بِصْيَاحَهْ

وَتَاجِدْ‭ ‬مَحَافِلْ‭ ‬تِعْجْبِكْ‭ ‬وَتْفَرِّحْ

‭             ‬تْضَيِّعْ‭ ‬مَسْكْنِكْ‭ ‬تَسْهَى‭ ‬عَلَى‭ ‬مُرْوَاحَهْ

تَاجِدْ‭ ‬ذَهَبْ‭ ‬يْلَمِّعْ‭                                       ‬

‭                       ‬وَاٌلطَّبِلْ‭ ‬يِرْزِمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَعِيدْ‭ ‬يْسَمِّعْ

وَبِيتْ‭ ‬اٌلشَّعَرْ‭ ‬قُدَّامْهَا‭ ‬تِتْجَمِّعْ‭                         ‬

‭                ‬بَنَاتْ‭ ‬إِلِّي‭ ‬تْهِزْ‭ ‬اٌلْعَقْلْ‭ ‬مِنْ‭ ‬مَطْرَاحَهْ

صَعِيبَاتْ‭ ‬مَصْعِبْهُمْ‭ ‬عَلَى‭ ‬إِلِّي‭ ‬يِطَّمِّعْ‭              ‬

‭       ‬مَتِينْ‭ ‬سَاسْ‭ ‬مَبْدَاهُمْ‭ ‬صَعِيبْ‭ ‬طْيَاحَهْ18

تبدأ‭ ‬الإشادة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬العرس‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬العريس‭. ‬وأوّل‭ ‬من‭ ‬يذكر‭ ‬العريس‭ ‬ملقّبا‭ ‬بالسّلطان‭ ‬ويسمّى‭ ‬هذا‭ ‬الافتتاح‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬العريس‭ ‬بـاتِحْلِيلْ‭ ‬اٌلْعِرْسْب‭ ‬ثمّ‭ ‬تترك‭ ‬للضّيوف‭ ‬أولويّة‭ ‬الإشادة‭ ‬بأنسابهم‭. ‬ثمّ‭ ‬يكون‭ ‬نصيب‭ ‬القبيلة‭ ‬الأقرب‭. ‬ويتنافسون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬راغبين‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬صاحب‭ ‬العرس‭ ‬على‭ ‬تكاليف‭ ‬جلب‭ ‬الفرقة،‭ ‬‭ ‬ويسمّون‭ ‬ذلكاحَمْيَانْ‭ ‬اٌلْعِرْسْب‭. ‬

 

وكانت‭ ‬عمليّة‭ ‬الإشادة‭ ‬حتّى‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬تتمّ‭ ‬بشكل‭ ‬استعراضيّ‭:‬إذ‭ ‬يتجمّع‭ ‬كلّ‭ ‬شباب‭ ‬القبيلة‭ ‬صفّا‭ ‬واحدا‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬العرس،‭ ‬ويتقدّمون‭ ‬معا‭ ‬بانتظام‭ ‬في‭ ‬ملابسهم‭ ‬الأنيقة‭ ‬الموحّدة‭ ‬ضمن‭ ‬نظام‭ ‬يسمّونه‭ ‬االجنّادةب‭.‬

 

‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬الكابتان‭ ‬ماكارت‭ ‬عام1937‭ ‬الجنّادة‭ ‬والعرّاسة‭ ‬ضمن‭ ‬وصفه‭ ‬لليلة‭ ‬العرس‭ ‬والعادات‭ ‬اللاّحقة‭ ‬بها‭ ‬ببلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬فقال‭ ‬اوبعد‭ ‬غروب‭ ‬الشّمس‭ ‬تبدأ‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الحقيقيّة‭ ‬الّتي‭ ‬تتضمّن‭:‬

1‭ - ‬احتفالا‭ ‬يسمّى‭ ‬االمودّةب‭ ‬حيث‭ ‬يؤدّي‭ ‬أصدقاء‭ ‬العريس‭ ‬والعائلة‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الرّقص‭ ‬الموقّع‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬الطّبل‭ ‬ويتقدّمون‭ ‬منحنين‭ ‬تباعا‭ ‬أمام‭ ‬الوجهاء‭ ‬الحاضرين‭(‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال‭ ‬اسم‭ ‬العرّاسة‭)‬19

2‭ - ‬تتجمّع‭ ‬الصّبايا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬حول‭ ‬االخيمة‭ ‬الزّوجيّة‭ ‬مجمّلات‭ ‬بحليّهنّ‭ ‬ويقدّمن‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬الاستعراض‭ ‬للشّعر‭(‬النَخَّانُ‭) ‬وهنّ‭ ‬جالسات‭ ‬على‭ ‬الطّريقة‭ ‬العربيّة‭.‬فهنّ‭ ‬يُملن‭ ‬شعورهنّ‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الاتّجاهات‭.‬ويحيّيهنّ‭ ‬الشّباب‭ ‬عند‭ ‬المرور‭ ‬أمامهنّ،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬يطلبن‭ ‬أيديهنّ‭ ‬من‭ ‬الوجهاء‭.‬وإنما‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المناسبة‭ ‬الّتي‭ ‬تتقرّر‭ ‬فيها‭ ‬الخطوبات‭..‬ب20

وإذا‭ ‬ما‭ ‬شارف‭ ‬العرس‭ ‬على‭ ‬النّهاية‭ ‬دُعي‭ ‬العرّاسة‭ ‬إلى‭  ‬إظهار‭ ‬العريس‭ ‬بين‭ ‬النّاس‭ ‬ليختم‭ ‬الحفل‭ ‬بحضوره‭ ‬المهيب،‭ ‬سلطانا‭ ‬بين‭ ‬حاشيته‭ ‬وكلّ‭ ‬الحاضرين‭ ‬رعيّته‭ ‬السّميعة‭ ‬المطيعة‭ ‬تقف‭ ‬له‭ ‬وتحيطه‭ ‬في‭ ‬بهاء‭ ‬بروزه‭ ‬مزغردة‭ ‬مغنّية‭ ‬مستبشرة‭.‬

 

-4-2 نظام‭ ‬العرّاسة‭:‬إمارة‭ ‬سلطان‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬الكتمان

كان‭ ‬هذا‭ ‬العريس‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬الحطّابة‭ ‬قد‭ ‬توارى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار،‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬يدخل‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الكتمان‭.      ‬سلطانا‭ ‬مختفيا‭ ‬لا‭ ‬يُقابل‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬القبيلة‭ ‬ولا‭ ‬حتّى‭ ‬والديه‭. ‬وبذلك‭ ‬يبدأ‭ ‬الاستعداد‭ ‬صحبة‭ ‬أقرانه‭ ‬لتهيئة‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭. ‬ينفرد‭ ‬العريس‭ ‬صحبة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشّباب‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬دوما،‭ ‬‭ ‬ترعاه‭ ‬وتحرسه،‭ ‬‭ ‬وتتولّى‭ ‬خدمته‭ ‬بتفان‭. ‬ومنها‭ ‬يختار‭ ‬وزيره‭ ‬الأيمن‭ ‬ووزيره‭ ‬الأيسر‭ ‬ومكلّفا‭ ‬بالخدمات‭ ‬العموميّة،‭ ‬ليسمّى‭ ‬بعدها‭ ‬سلطانا‭. ‬وعلى‭ ‬وزيره‭ ‬الأيمن‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬بنحت‭ ‬علامة‭ ‬السّلطنة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬امَطْرِقْب‭ ‬من‭ ‬عصيّة‭ ‬زيتون‭ ‬صغيرة‭ ‬ليّنة‭ ‬تنقش‭ ‬بأشكال‭ ‬هندسيّة‭ ‬بسيطة،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬يكتب‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬السّلطان‭. ‬تلك‭ ‬العصيّة‭ ‬هي‭ ‬علامة‭ ‬السّلطة‭ ‬فلا‭ ‬تفارق‭ ‬السّلطان‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬لحظاته‭. ‬تُنصب‭ ‬أمامه‭ ‬بين‭ ‬خفّي‭ ‬نعله‭ ‬الأبيض‭ ‬قائمة‭ ‬الرّأس‭ ‬منغرسة‭ ‬القفا‭ ‬في‭ ‬التّرب‭. ‬ويتوسّط‭ ‬بها‭ ‬جلسة‭ ‬حاشيته‭ ‬حوله‭:‬وزيران‭ ‬وخدم‭ ‬وصرّاف‭ ‬وجملة‭ ‬من‭ ‬الضّيوف‭ ‬والرّعيّة‭...‬وهكذا‭ ‬تبدأ‭ ‬دولة‭ ‬الكتمان‭ ‬في‭ ‬التّشكّل‭. ‬فلا‭ ‬يحلّ‭ ‬يوم‭ ‬الكسوة‭ ‬إلاّ‭ ‬وقد‭ ‬رتّبت‭ ‬الإمارة‭ ‬حول‭ ‬السّلطان‭ ‬وصار‭ ‬يُدعى‭ ‬بـ‭ ‬اسِيدِي‭ ‬السُّلْطَانْب‭ ‬ويدعى‭ ‬له‭ ‬بقولهم‭:‬ايْتِمْ‭ ‬دُولْتِكْب‭. ‬فيُطاع‭ ‬في‭ ‬أوامره‭ ‬ويهاب‭ ‬في‭ ‬جلسته‭ ‬ولا‭ ‬يتقدّم‭ ‬عليه‭ ‬شيء‭. ‬فثمّة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحماة‭ ‬المستعدّين‭ ‬لتنزيل‭ ‬أقسى‭ ‬العقوبات‭ ‬بمن‭ ‬يسيء‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬يهين‭ ‬عونا‭ ‬من‭ ‬أعوان‭ ‬السّلطة،‭ ‬‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بالسّلطان‭. ‬أمّا‭ ‬الأخطاء‭ ‬داخل‭ ‬حضرة‭ ‬مجلس‭ ‬السّلطان‭ ‬فلها‭ ‬بدورها‭ ‬عقوباتها‭ ‬المقرّرة‭. ‬

ولأنّها‭ ‬إمارة‭ ‬كتمان‭ ‬خفيّة‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬عامّة‭ ‬النّاس‭ ‬فليس‭ ‬لها‭ ‬فضاء‭ ‬استقرار‭ ‬ثابت‭. ‬فهي‭ ‬تتخيّر‭ ‬جسور‭ ‬زياتين‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬منزل‭ ‬العرس‭. ‬ويتولّى‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬العائلة‭ ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬خدمتها‭ ‬وإيصال‭ ‬اللّوازم‭ ‬الغذائيّة‭ ‬والصحيّة‭ ‬إليها‭. ‬لكنّها‭ ‬مدعوّة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬أمكنتها‭ ‬في‭ ‬سريّة‭ ‬تامّة‭ ‬بين‭ ‬الجسور‭ ‬والمنازل‭ ‬القصيّة‭ ‬المهجورة‭. ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬لاقتراب‭ ‬هذه‭ ‬الإمارة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬قديمة‭ ‬تسيّر‭ ‬حياة‭ ‬القبيلة‭. ‬لذلك‭ ‬عُدّت‭ ‬سلطة‭ ‬راحلة‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬وعُدّ‭ ‬نفوذها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬نفوذا‭ ‬عارضا‭.‬

لكنّ‭ ‬هذه‭ ‬الإمارة‭ ‬المتنقّلة‭ ‬لا‭ ‬تتحرّك‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخلفيّ‭ ‬لمجال‭ ‬القبيلة‭ ‬دونما‭ ‬انتظام‭ ‬تشريعيّ‭. ‬لذلك‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬العرف‭ ‬السّاري‭ ‬في‭ ‬مرجعيّة‭ ‬أحكامها‭ ‬محترمة‭ ‬كلّ‭ ‬التّراتيب‭ ‬الخاصّة‭ ‬بحماية‭ ‬الطّوابي‭ ‬والغراسات،‭ ‬‭ ‬وباحترام‭ ‬مظاهر‭ ‬التّعمير‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭. ‬فهي‭ ‬تخصّ‭ ‬أيّ‭ ‬عبث‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬النّظام‭ ‬الأيكولوجي‭ ‬أو‭ ‬التّعمير‭ ‬الفلاحيّ‭          ‬أو‭ ‬الإسكان‭ ‬بأحكام‭ ‬قاسية،‭ ‬‭ ‬لأنّ‭ ‬مالك‭ ‬الأرض‭ ‬الفلاحيّة‭ ‬يستطيع‭ ‬تغريم‭ ‬السّلطان‭ ‬ودولته‭ ‬غرامة‭ ‬عينيّة‭ ‬معتبرة‭      ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شاة‭ ‬تُذبح‭ ‬لجماعة‭ ‬الشّيوخ‭. ‬وهكذا‭ ‬تستفيد‭ ‬السّلطنة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬أقوى‭ ‬هي‭ ‬سلطة‭ ‬ميعاد‭ ‬القبيلة‭ ‬فإليه‭ ‬مرجع‭ ‬النّظر،‭ ‬‭ ‬ومن‭ ‬مهابته‭ ‬تستطيع‭ ‬عرّاسة‭ ‬الشّباب‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬سلطانا‭ ‬محايثا‭ ‬لميعاد‭ ‬الشيوخ‭    ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬أعيان‭ ‬القبيلة‭. ‬

 

-5-2 طقوس‭ ‬العرّاسة‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستعداد‭ ‬للعرس‭:‬ترتيب‭ ‬السّلطنة‭ ‬بناء‭ ‬للدولة

ذكرنا‭ ‬سابقا‭ ‬أنّ‭ ‬اختفاء‭ ‬العريس‭ ‬إعلان‭ ‬بدء‭ ‬للسّلطة‭ ‬السرّيّة‭ ‬في‭ ‬طيّ‭ ‬الكتمان،‭ ‬‭ ‬تنتظر‭ ‬الظّهور‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬لا‭ ‬ظهور‭ ‬مهديّ‭ ‬ينشر‭ ‬الخير‭ ‬بين‭ ‬النّاس‭ ‬بل‭ ‬ظهور‭ ‬سلطان‭ ‬محفل‭ ‬تقام‭ ‬الدّنيا‭ ‬وتقعد‭ ‬من‭ ‬أجله‭. ‬فهو‭ ‬امُولَى‭ ‬اٌلنُّوبْ‭ ‬بْجُودَهْب‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬المحليّة‭. ‬وهو‭ ‬مكرم‭ ‬الطّالب‭ ‬من‭ ‬شواشين‭ ‬الزّنوج‭ ‬بالمال‭ ‬والطّعام‭ ‬والكساء‭ ‬أيضا‭. ‬يقضّي‭ ‬هذا‭ ‬السّلطان‭ ‬ولاية‭ ‬كتمانه‭ ‬القصيرة‭ ‬بين‭ ‬أصدقائه‭ ‬وأقربائه‭ ‬يصحبونه‭ ‬في‭ ‬نزهات‭ ‬خارج‭ ‬القرية‭ ‬وقد‭ ‬يقصد‭ ‬يهم‭ ‬الأسواق‭ ‬لابتياع‭ ‬بعض‭ ‬اللّوازم،‭ ‬‭ ‬وأهمّها‭ ‬كسوة‭ ‬العريس‭ ‬المؤلّفة‭ ‬من‭ ‬شاشيّة‭ ‬حمراء‭ ‬وجبّة‭ ‬بيضاء‭ ‬وفرملة‭ ‬وقميص‭ ‬وسروال‭ ‬عربي‭ ‬وجورب‭ ‬وحذاء‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬محليّ‭ ‬يسمّى‭ ‬البلغة‭. ‬ويشترط‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كلّها‭ ‬ذات‭ ‬لون‭ ‬أبيض،‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬منديل‭ ‬العذريّة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قميص‭ ‬نسائيّ‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬قطعة‭ ‬قماش‭ ‬بيضاء‭ ‬ويسمّى‭ ‬محليّا‭ ‬تسمية‭ ‬أمازيغيّة‭ ‬االقَمَجَّهْب‭. ‬وإذا‭ ‬آب‭ ‬هذا‭ ‬العريس‭ ‬ليلا‭ ‬إلى‭ ‬قريته‭ ‬بات‭ ‬عند‭ ‬أصدقائه،‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬بين‭ ‬النّاس‭ ‬أو‭ ‬يقابل‭ ‬أهله‭ ‬وكبار‭ ‬قبيلته‭ ‬قبل‭ ‬انتهاء‭ ‬أسبوع‭ ‬كامل‭ ‬يلحق‭ ‬العرس‭.‬

يحرص‭ ‬العريس،‭ ‬السّلطان‭ ‬المستقبلي‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬كتمانه،‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬يتخيّر‭ ‬وزيره‭ ‬الأيمن‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬لذلك‭ ‬يشترط‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متزوّجا‭ ‬رصينا‭ ‬حافظا‭ ‬للأسرار‭ ‬فهو‭ ‬الوحيد‭ ‬الّذي‭ ‬يدخل‭ ‬الخيمة‭ ‬على‭ ‬العروس‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬السّلطان‭ ‬ليلا،‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬الوحيد‭ ‬الّذي‭ ‬يخرجه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخيمة‭ ‬صباحا‭ ‬باكرا‭ ‬عند‭ ‬الغسق‭. ‬وهو‭ ‬المكلّف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السّلطان‭ ‬بإطلاق‭ ‬البارود‭ ‬إعلانا‭ ‬عن‭ ‬نقاء‭ ‬شرف‭ ‬العروس‭ ‬ليلة‭ ‬الدّخلة‭. ‬ولمثل‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬الجوهريّة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬القيميّة‭ ‬البدويّة‭ ‬يتخيّر‭ ‬الوزراء‭ ‬غالبا‭ ‬من‭ ‬الأقرباء‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الكفاءة‭ ‬والرّصانة‭. ‬وبمثل‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭-‬الّذي‭ ‬تؤثّر‭ ‬فيه‭ ‬العائلة‭ ‬غالبا‭ ‬نظرا‭ ‬للعلاقات‭ ‬القديمة‭ ‬بين‭ ‬العائلات‭ ‬داخل‭ ‬القبيلة‭ ‬نفسها‭-‬يكون‭ ‬تنظيم‭ ‬العرّاسة‭ ‬قد‭ ‬خطا‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬التّمسّك‭ ‬بالتراتيب‭ ‬المعهودة‭ ‬لنظامها‭ ‬وهي‭ ‬بالأساس،‭ ‬تنظيم‭ ‬اليوم‭ ‬وتقسيمه‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬واللّعب‭ ‬والرّاحة‭ ‬مع‭ ‬تطبيق‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الحراسة‭ ‬المشدّدة‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬السّلطان‭ ‬خوفا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الاختطاف‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬سرقة‭ ‬بعض‭ ‬متاعه‭. ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يلوي‭ ‬السّلطان‭ ‬العصا‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬التفرّد‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬طاقم‭ ‬عرّاسته،‭ ‬‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يسبّب‭ ‬إخفاء‭ ‬العريس‭     -‬السّلطان‭-‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬المواكبين‭ ‬لفعاليات‭ ‬العرّاسة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬تغريما‭ ‬ثقيلا‭ ‬يؤدّيه‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬أساسا‭ ‬وحرس‭ ‬السّلطان‭ ‬بدرجة‭ ‬ثانية‭.‬

يحظى‭ ‬السّلطان‭ ‬بعناية‭ ‬خاصّة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬تغذيته‭ ‬وعوامل‭ ‬راحته،‭ ‬‭ ‬ويعتنى‭ ‬بتزيينه‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬المتطوّعين‭ ‬المهرة‭. ‬وعلى‭ ‬السّلطان‭ ‬أن‭ ‬يتكرّم‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬بما‭ ‬يُمتّع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عطايا‭ ‬إضافيّة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬هدايا‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭. ‬فيقوم‭ ‬خدمه‭ ‬بتعطير‭ ‬كلّ‭ ‬الحاضرين‭ ‬أو‭ ‬توزيع‭ ‬السّجائر‭ ‬عليهم‭ ‬وتكريمهم‭ ‬بالشّاي‭ ‬واللّوز‭ ‬أو‭ ‬الشّاي‭ ‬والحمص‭. ‬عدا‭ ‬المأكولات‭ ‬الشهيّة‭ ‬الّتي‭ ‬يحضر‭ ‬فيها‭ ‬اللّحم‭ ‬باستمرار‭. ‬وهكذا‭ ‬تعرف‭ ‬حياة‭ ‬السّلطان‭-‬العريس‭-‬من‭ ‬الرّفاهيّة‭ ‬والتّرف‭ ‬والدّعة‭ ‬ومظاهر‭ ‬الأبّهة‭ ‬ما‭ ‬يُضفي‭ ‬عليه‭ ‬جلال‭ ‬الملوك‭ ‬ومهابة‭ ‬العظماء‭. ‬والأفضل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تعدّه‭ ‬بدنيّا‭ ‬ونفسيّا‭ ‬لحياة‭ ‬جديدة‭ ‬يشتاق‭ ‬إليها‭ ‬ويرغب‭ ‬فيها‭ ‬عوض‭ ‬أن‭ ‬يرهب‭ ‬منها‭ ‬ويتهّيب‭ ‬صعوبتها‭ ‬القادمة‭.‬

 

-6-2 طقوس‭ ‬العرّاسة‭ ‬خلال‭ ‬أيّام‭ ‬العرس‭:‬الدّعاية‭ ‬للسّلطان‭ ‬عهد‭ ‬أمان

تستمرّ‭ ‬العرّاسة‭ ‬مجموعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الأقارب‭ ‬والأتراب‭ ‬ضمن‭ ‬شباب‭ ‬القبيلة‭ ‬وتضمّ‭ ‬العزّاب‭ ‬والمتزوّجين‭ ‬الحديثين،‭ ‬‭ ‬وتظلّ‭ ‬تكبر‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭ ‬حول‭ ‬السّلطان‭ ‬المختفي‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬الكسوة‭ ‬تخيّر‭ ‬العرّاسة‭ ‬مكانا‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬العرس‭ ‬حيث‭ ‬سيستقبلون‭ ‬أصدقاء‭ -‬العريس‭-‬السّلطان‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬المجاورة‭ ‬ومن‭ ‬جهات‭ ‬بعيدة‭. ‬وعندها‭ ‬يبدأ‭ ‬الامتحان‭ ‬الجدّي‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة‭. ‬لذلك‭ ‬ترتّب‭ ‬طقوس‭ ‬دقيقة‭ ‬لكلّ‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬يوميّ‭ ‬الاحتفال‭ ‬العامّ،‭ ‬‭ ‬يوم‭ ‬الكسوة،‭ ‬‭ ‬ويوم‭ ‬الجحفة

-1-6-2 ففي‭ ‬اليوم‭ ‬الأوّل‭:‬يوم‭ ‬الكسوة

تتمّ‭ ‬نجارة‭ ‬المطرق‭ ‬نهائيّا‭ ‬بعناية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬ويسلّم‭ ‬رسميّا‭ ‬للسّلطان‭ ‬ويهنّأ‭ ‬بذلك‭. ‬وبعدها‭ ‬يلتئم‭ ‬المجلس‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الحلقة‭ ‬العلميّة‭ ‬في‭ ‬المساجد،‭ ‬‭ ‬أو‭ ‬دواوين‭ ‬السّلاطين‭ ‬في‭ ‬بلاطاتهم‭. ‬ويتعمّد‭ ‬السّلطان‭ ‬إظهاربالمطرقبرمز‭ ‬السّلطة‭ ‬في‭ ‬العصا‭ ‬المعنويّة‭ ‬بوضعه‭ ‬بين‭ ‬خفّي‭ ‬حذائه‭ ‬المنتصبتين‭ ‬أمامه‭. ‬وتسرع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬حماية‭ ‬السّلطنة‭ ‬بتسييج‭ ‬الحمى‭ ‬وتأمينه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطّها‭ ‬على‭ ‬التّراب‭ ‬لسور‭ ‬وهمي‭ ‬يحمي‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬المخبأ،‭ ‬‭ ‬ويضع‭ ‬لها‭ ‬حوزا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬إليه‭ ‬الدّاخل‭ ‬إلاّ‭ ‬بعد‭ ‬الاستئذان‭ ‬وتلقّي‭ ‬الإذن‭ ‬شفاهيّا‭ ‬من‭ ‬العريس‭-‬السّلطان‭-. ‬ويُتعمّد‭ ‬إخفاء‭ ‬بابه‭ ‬الوحيد‭ ‬حتّى‭ ‬يخطئ‭ ‬الزوّار‭ ‬للمدخل‭ ‬فتتمّ‭ ‬محاكمتهم‭ ‬بتهمة‭ ‬تسلّق‭ ‬السّور‭.  ‬وتنتهي‭ ‬المحاكمة‭ ‬بتغريم‭ ‬ماليّ‭ ‬ينمّي‭ ‬مداخل‭ ‬خزانة‭ ‬السّلطنة،‭ ‬‭ ‬الّتي‭ ‬يتولّى‭ ‬الوزير‭ ‬الأيسر‭ ‬شؤون‭ ‬إدارتها‭ ‬ويحاسبه‭ ‬السّلطان‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬تصرّف‭ ‬فيها‭.‬

وأمام‭ ‬طول‭ ‬نهار‭ ‬الصّيف‭ ‬فإنّ‭ ‬الحاضرين‭ ‬يعمدون‭ ‬إلى‭ ‬ألعاب‭ ‬خفيفة‭ ‬بعضها‭ ‬حركيّ‭ ‬وبعضها‭ ‬ذهنيّ‭ ‬لسانيّ‭ ‬ويتبادلون‭ ‬النّكت‭ ‬والألغاز‭ ‬والأخبار‭ ‬حتّى‭ ‬يصلوا‭ ‬بذلك‭ ‬آخر‭ ‬النّهار‭. ‬وعندما‭ ‬تبدأ‭ ‬حفلة‭ ‬العرس‭ ‬يقتربون‭ ‬من‭ ‬السّاحة‭ ‬وينزوون‭ ‬إلى‭ ‬ركن‭ ‬غبر‭ ‬مضيء‭ ‬يعاينون‭ ‬منه‭ ‬الاحتفال‭ ‬حتّى‭ ‬نهايته،‭ ‬‭ ‬والسّلطان‭ ‬محاط‭ ‬بحاشيته‭ ‬في‭ ‬عناية‭ ‬تامّة‭.‬

وإذا‭ ‬أوشك‭ ‬الحفل‭ ‬على‭ ‬الاختتام‭ ‬طُلب‭ ‬من‭ ‬العرّاسة‭ ‬أن‭ ‬يستعدّوا‭ ‬لإظهار‭ ‬العريس‭ ‬أمام‭ ‬كلّ‭ ‬النّاس‭. ‬عندها‭ ‬يعودون‭ ‬إلى‭ ‬مخبئهم‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬أنسب‭ ‬منه‭ ‬إضاءة،‭ ‬‭ ‬ويتمّ‭ ‬إكساء‭ ‬العريس‭ ‬وتزيينه‭ ‬وتعطيره‭ ‬وإخراجه‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬حلّة،‭ ‬‭    ‬وقد‭ ‬تزيّا‭ ‬بالفرملة‭ ‬والجبّة‭ ‬والسّروال‭ ‬والبلغة‭ ‬واللّحاف‭ ‬والجورب‭. ‬وكلّها‭ ‬على‭ ‬بياض‭ ‬ناصع‭ ‬تعلوها‭ ‬حمرة‭ ‬الشّاشيّة‭. ‬ويُلفّ‭ ‬حول‭ ‬ذلك‭ ‬كلّه‭ ‬حولي‭ ‬أبيض‭ ‬اللّون،‭ ‬‭ ‬ويغطّى‭ ‬الزيّ‭ ‬كلّه‭ ‬ببرنس‭ ‬أحمر‭ ‬يلفّ‭ ‬السّلطان‭ ‬بنفسه‭ ‬جناحيه‭ ‬بيديه‭ ‬حول‭ ‬صدره‭ ‬ويبرز‭ ‬من‭ ‬بينهما‭ ‬علامة‭ ‬سلطته‭ ‬االمطرقب‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬السرّة،‭ ‬‭ ‬على‭ ‬انتصاب‭ ‬تامّ‭.‬

ويوقد‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭ ‬سامر‭ ‬يضيء‭ ‬فضاء‭ ‬العرس‭ ‬كلّه،‭ ‬‭ ‬وتسرع‭ ‬أخوات‭ ‬العريس‭ ‬إلى‭ ‬ملء‭ ‬مجامر‭ ‬من‭ ‬البخور،‭ ‬‭ ‬وقدّ‭ ‬تزيّنن‭ ‬أحلى‭ ‬زينة‭. ‬أمّا‭ ‬فرقة‭ ‬الشّواشين‭ ‬فتقف‭ ‬صفّين‭ ‬متقابلين‭ ‬وسط‭ ‬السّاحة‭ ‬وقد‭ ‬أحاط‭ ‬بهم‭ ‬الرّجال‭ ‬وقوفا‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬هلالي‭. ‬أمّا‭ ‬النّسوة‭ ‬فيظلن‭ ‬جالسات‭ ‬أمام‭ ‬الخيمة،‭ ‬وقد‭ ‬توسّطتهن‭ ‬العروس‭ ‬الّتي‭ ‬يحلّ‭ ‬محفلها‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬سهرة‭ ‬العرس‭. ‬وقدّامها‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬يجلس‭ ‬شوشان‭ ‬من‭ ‬الفرقة‭ ‬الزنجيّة‭ ‬طارحا‭ ‬رداءه‭. ‬ويظهر‭ ‬العريس‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬محاطا‭ ‬بوزيره‭ ‬وعسسه‭ ‬ورفقته‭ ‬من‭ ‬الشّباب‭. ‬ثمّ‭ ‬يدخل‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬النّاس‭ ‬السّاحة‭ ‬بيمناه‭ ‬مبسملا،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬زوّد‭ ‬بثلاث‭ ‬قطع‭ ‬نقديّة‭. ‬يشقّ‭ ‬السّلطان‭/‬العريس‭ ‬الحلقة‭ ‬وحده‭ ‬قاصدا‭ ‬الشوشان‭ ‬الجالس‭ ‬أمام‭ ‬الخيمة‭ ‬في‭ ‬تؤدة،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬رفع‭ ‬رأسه‭ ‬وحافظ‭ ‬على‭ ‬انتصاببالمطرقب‭ ‬علامة‭ ‬سلطته،‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬الأثناء‭ ‬تندفع‭ ‬فرقة‭ ‬الشّواشين‭ ‬في‭ ‬غناء‭ ‬جماعيّ‭ ‬لهذا‭ ‬الغصن‭ ‬الطّربيّ‭ ‬الرّمزيّ‭:‬

هَا‭ ‬سِيدِي‭ ‬اٌلسُّلْطَانْ

‭                           ‬خَشَّاشْ‭ ‬اٌلْبُسْتَانْ

كَسَّارْ‭ ‬اٌلرُّمَّانْ‭ ‬

‭                     ‬مَاخَلاَّشِ‭ ‬مِنّوُ

صَلِّ‭ ‬يَا‭ ‬بُسْتَانْ‭ ‬صَلِّ

‭                             ‬يَعْطِيهْ‭ ‬اٌلْمَغْفْرِهْ‭ ‬وِاٌلْجَنَّهْ

 

وما‭ ‬إن‭ ‬يصل‭ ‬السّلطان‭ ‬الشّوشان‭ ‬الجالس‭ ‬قدّام‭ ‬الخيمة‭ ‬حتّى‭ ‬يلقي‭ ‬في‭ ‬حجره‭ ‬القطعة‭ ‬النقديّة‭ ‬الأولى‭ ‬ويدور‭ ‬ميمّنا‭ ‬آيبا‭.‬

 

‭ ‬وتتبعه‭ ‬أخواته‭ ‬ويعترضه‭ ‬حارسان‭ ‬يخطّان‭ ‬بخزرانتين‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬سرعة،‭ ‬‭ ‬ويظلّ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الغدوّ‭ ‬والرّواح‭ ‬مستعرضا‭ ‬مهابته،‭ ‬‭ ‬والنّاس‭ ‬وقوف‭ ‬وأخواته‭ ‬يتبعنه‭ ‬والشواشين‭ ‬يغنّون‭ ‬له‭ ‬ثلاث‭ ‬مرّات‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجولة‭ ‬الثّالثة‭ ‬رمت‭ ‬أخواته‭ ‬خلفه‭ ‬المجامر‭ ‬وأسرع‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬الاختفاء‭ ‬خلف‭ ‬الحشود‭ ‬محاطا‭ ‬بحرسه‭ ‬ووزيريه،‭ ‬‭ ‬وعندها‭ ‬تنطلق‭ ‬طلقات‭ ‬بارود‭ ‬صديّة‭ ‬وتنبعث‭ ‬زغاريد‭ ‬كثيرة‭ ‬وتهان‭ ‬عديدة‭ ‬بدوام‭ ‬العرس‭. ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬أوّل‭ ‬ظهور‭ ‬رسميّ‭ ‬للسّلطان‭ ‬بعد‭ ‬زمان‭ ‬الكتمان‭.‬

وما‭ ‬إن‭ ‬ينفضّ‭ ‬الحفل‭ ‬الأكبر‭ ‬حتّى‭ ‬ينظّم‭ ‬حفل‭ ‬أصغر،‭ ‬‭ ‬حفل‭ ‬الحنّاء‭ ‬أمام‭ ‬الخيمة‭. ‬تطرح‭ ‬البنات‭ ‬الأفرشة‭ ‬ويظهر‭ ‬فرش‭ ‬وثير‭ ‬مرتفع‭ ‬للعريس‭ ‬وتعدّ‭ ‬الحنّاء‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالماء‭ ‬وتقدّم‭ ‬إلى‭ ‬موضعها‭ ‬أمام‭ ‬فرش‭ ‬العريس‭. ‬وعندها‭ ‬يتقدّم‭ ‬العريس‭ ‬في‭ ‬نظامه‭ ‬محفوفا‭ ‬بعرّاسته،‭ ‬‭ ‬فيجلسون‭ ‬بانتظام‭ ‬حسب‭ ‬إشارته‭. ‬ثمّ‭ ‬تبدأ‭ ‬احتفالات‭ ‬الحنّاء‭ ‬وصبايا‭ ‬الحيّ‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬شبابه‭ ‬وهنّ‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬زينة‭ ‬وأسعد‭ ‬لحظات‭ ‬الفرح‭. ‬يتولّى‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬تحنية‭ ‬العريس‭ ‬وتتمّ‭ ‬المباركة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬‭ ‬لينسحب‭ ‬الجمع‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬الاستتار‭ ‬الأوّل‭ ‬حيث‭ ‬يأخذون‭ ‬وقتا‭ ‬للرّاحة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أشغال‭ ‬العرّاسة‭ ‬لليوم‭ ‬الثّاني‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحراسة‭ ‬مشدّدة‭ ‬فاختطاف‭ ‬العريس‭ ‬وسرقة‭ ‬أدواته‭ ‬تبدأ‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭.‬

 

-2-6-2 وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الثّاني‭:‬يوم‭ ‬الجحفة

يقضّي‭ ‬أهل‭ ‬العريس‭ ‬يوم‭ ‬الجحفة‭ ‬صباحا‭ ‬متفقّدين‭ ‬أدواتهم‭ ‬ويخّصّص‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬للإطعام‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العروس‭. ‬أين‭ ‬يحضر‭ ‬النّاس‭ ‬ما‭ ‬يسمّونه‭ ‬محليّااالصَّخَابْب‭. ‬وهو‭ ‬يوم‭ ‬الوليمة‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬والد‭ ‬العروس‭. ‬تستعدّ‭ ‬عائلة‭ ‬العروس‭ ‬لذلك‭ ‬باكرا‭ ‬بذبح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رؤوس‭ ‬الماعز‭ ‬ويُطبخ‭ ‬للمدعوين‭ ‬الكسكسيّ‭ ‬واللّحم‭ ‬يتناولونه‭ ‬وجبة‭ ‬غداء‭. ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬الصبيحة‭ ‬والقيلولة‭ ‬تكون‭ ‬الصّبايا‭ ‬قد‭ ‬أعددن‭ ‬العروس‭ ‬وزيّنها‭ ‬بالظّفر‭ ‬والتنقية‭ ‬والوشم‭ ‬في‭ ‬جوّ‭ ‬بهيج‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬والبخور‭ ‬والرّقص‭ ‬والمرح‭. ‬ويُعتنى‭ ‬كثيرا‭ ‬بظفيرة‭ ‬شعرها21‭ ‬فتُنشد‭ ‬لذلك‭ ‬الأغاني‭ ‬المخصّصة،‭ ‬‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تصاحب‭ ‬العروس‭ ‬ذلك‭ ‬الغناء‭ ‬بنشيج‭ ‬يرتفع‭ ‬بكاءً‭ ‬طويلا،‭ ‬‭ ‬علامةً‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الفرح‭ ‬الممتزج‭ ‬بالألم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواكب‭ ‬الاحتفاليّة‭. ‬وتكون‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬محاطة‭ ‬بوزيرتها‭ ‬ووصيفاتها‭ ‬المستعدّات‭ ‬للخدمة‭ ‬وللتّعامل‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬حول‭ ‬العريس،‭ ‬السّلطان‭. ‬وتدعى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بلقب‭ ‬الَلَّتِي‭ ‬اٌلْحَفْصِيَّهْب‭.‬

أمّا‭ ‬عرّاسة‭ ‬الشّباب‭ ‬حول‭ ‬سلطانها‭ ‬فتقضّي‭ ‬الصّباح‭ ‬في‭ ‬راحة،‭ ‬‭ ‬وتخصّص‭ ‬القيلولة‭ ‬لاستقبال‭ ‬بعض‭ ‬الضّيوف‭ ‬الجدد‭ ‬والاعتناء‭ ‬بهم‭. ‬وفي‭ ‬المساء‭ ‬يقتربون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منزل‭ ‬العرس‭ ‬حيث‭ ‬يراقبون‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬ظليل‭ ‬بداية‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتحريك‭ ‬موكب‭ ‬الجحفة‭.‬

 

يُؤتي‭ ‬بجمل‭ ‬عليه‭ ‬هودج‭ ‬ركّب‭ ‬من‭ ‬عصيّات‭ ‬خشب‭ ‬وغطّي‭ ‬بحرامات‭ ‬نسائيّة‭ ‬ملوّنة،‭ ‬‭ ‬ويقود‭ ‬الجمل‭  ‬شوشان‭. ‬فيُبركه‭ ‬أمام‭ ‬خيمة‭ ‬العريس‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬منزل‭ ‬والديه‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تتمّ‭ ‬النّسوة‭ ‬استعداداتهن‭ ‬الخصوصيّة‭ ‬للموكب‭ ‬حتّى‭ ‬ينطلق‭ ‬المحفل‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬الغناء‭ ‬والزغاريد‭ ‬وطلقات‭ ‬البارود،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬توسّط‭ ‬الجمل‭ ‬بهودجه‭ ‬بين‭ ‬موكب‭ ‬النّسوة‭ ‬يتبعنه‭ ‬وموكب‭ ‬الرّجال‭ ‬يتقدّمونه‭ ‬قاطعين‭ ‬الطّريق‭ ‬بين‭ ‬منزلي‭ ‬العريس‭ ‬والعروس‭ ‬في‭ ‬جوّ‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬والحبور‭. ‬يقول‭ ‬الشّاعر‭ ‬المحلّي‭ ‬المبروك‭ ‬حمدي‭ ‬واصفا‭ ‬هذا‭ ‬المشهد

لَرْيَافْ‭ ‬عَادَهْ‭ ‬لِلْهُمْ

‭                            ‬لَعْرَاسْ‭ ‬تَجْمِعْ‭ ‬بْينْهُمْ‭ ‬تِجْمِلْهُمْ

وَتَرْكِبْ‭ ‬جَحَافِي‭ ‬تْمِيدْ‭ ‬فُوقْ‭ ‬إِبِلْهُمْ‭             ‬

‭                           ‬وَبَنَاتْ‭ ‬مِنْ‭ ‬كُثْرِ‭ ‬اٌلْغِنَاءْ‭ ‬مِبْحَاحَهْ

تْقُولْ‭ ‬وَاجْهِةْ‭ ‬جِيشْ‭ ‬اٌلْعَدُوْ‭ ‬قَابِلْهُمْ‭    ‬

‭                    ‬إِمْنِينْ‭ ‬عِقِدْهُمْ‭ ‬دَيِّرْ‭ ‬رَكِّبْ‭ ‬سْلاَحَهْ22

وإذا‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬موكب‭ ‬الجحفة‭ ‬الفارغ‭ ‬بيت‭ ‬العروس‭ ‬تكون‭ ‬عمليات‭ ‬تجميلها‭ ‬وإكسائها‭ ‬حليّها‭ ‬ولباسها‭ ‬المهدى‭ ‬إليها‭ ‬قد‭ ‬تمّت‭. ‬فتُجلس‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬مخصّصة‭ ‬لها‭ ‬ويُناخ‭ ‬الجمل‭ ‬أمامها‭. ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬تُرفع‭ ‬بتؤدة‭ ‬نحو‭ ‬الهودج‭. ‬وفي‭ ‬الاثناء‭ ‬تتولّى‭ ‬العجائز‭ ‬الإشادة‭ ‬بأفضالها‭ ‬أوبالقُولاَنْببالعبارة‭ ‬المحليّة،‭ ‬يتولّين‭ ‬ذلك‭ ‬مردّدّات‭ ‬جملةب‭ ‬وَآحْضِرْ‭ ‬يَا‭ ‬زِينْ‭ ‬مْكَدِّسْب‭ ‬كأن‭ ‬تقول‭ ‬الواحدة‭ ‬منهنّ‭:‬

رَاهِي‭ ‬حَطْبِتْ‭ ‬لِي‭ ‬اٌلْحْزِمْ‭   ‬

‭                                     ‬رَاهِي‭ ‬جَابِتْ‭ ‬لِي‭ ‬اٌلْقْرِبْ

رَاهِي‭ ‬قَلْعِتْ‭ ‬لِي‭ ‬اٌلرَّتَمْ‭    ‬

‭                                           ‬رَاهِي‭ ‬طَيّْبِتْ‭ ‬لِي‭ ‬اٌلْوِجِبْ

وَآحْضِرْ‭ ‬يَا‭ ‬زِينْ‭ ‬مْكَدِّسْ

ولا‭ ‬تكفّ‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللّحظات‭ ‬عن‭ ‬البكاء‭ ‬بصوت‭ ‬مرتفع‭ ‬حقيقة‭ ‬أو‭ ‬تصنّعا‭. ‬ويقدّم‭ ‬إليها‭ ‬عندما‭ ‬تستوي‭ ‬في‭ ‬الهودج‭ ‬ويردّ‭ ‬السّتار‭ ‬حولها‭ ‬غربالا‭ ‬به‭ ‬حبّات‭ ‬شعير،‭ ‬تتولّى‭ ‬إلقاءه‭ ‬استبشارا‭ ‬بقرب‭ ‬نزول‭ ‬المطر‭ ‬واستعدادا‭ ‬للحراثة‭ ‬والبذر‭. ‬ويُتفاءل‭ ‬كثيرا‭ ‬بالعروس‭ ‬الّتي‭ ‬يتلو‭ ‬عرسها‭ ‬خريف‭ ‬مخصب‭ ‬بالأمطار‭ ‬فتسمّى‭ ‬مبروكة‭ ‬السّعد‭.‬

يعود‭ ‬الموكب‭ ‬أدراجه‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬العريس‭.‬وتُحمل‭ ‬العروس‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬جوّ‭ ‬صاخب‭ ‬حتّى‭ ‬تنزل‭ ‬خيمة‭ ‬زوجها‭ ‬مغربا‭. ‬وهناك‭ ‬يُطاف‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصّبايا‭ ‬والعوانس‭ ‬يتمسّحن‭ ‬على‭ ‬تلابيب‭ ‬ثوبها‭ ‬طلبا‭ ‬للعريس‭ ‬الخاطب‭.‬

أمّا‭ ‬العرّاسة‭ ‬فيعودون‭ ‬بعد‭ ‬قدوم‭ ‬الجحفة‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬اختفائهم‭. ‬ويكون‭ ‬اللّيل‭ ‬قد‭ ‬تقدّم‭ ‬والإطعام‭ ‬قد‭ ‬انتهي‭ ‬منه‭ ‬عندما‭ ‬يتولّى‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬إلباس‭ ‬السّلطان‭ ‬كسوته‭ ‬الجديدة‭ ‬الفاخرة‭. ‬ثمّ‭ ‬يختلي‭ ‬به‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬الحاضرين‭ ‬وهناك‭ ‬يلقّنه‭ ‬دروسا‭ ‬خصوصيّة‭ ‬في‭ ‬الترّبية‭ ‬الجنسية‭ ‬وآداب‭ ‬ليلة‭ ‬الدّخلة‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬آداب‭ ‬تنهل‭ ‬من‭ ‬الشّريعة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬والسّنة‭ ‬النبويّة‭ ‬السّمحة‭. ‬لكنّها‭ ‬تتكئ‭ ‬أكثر‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬البادية‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬النّفزاوي‭ ‬االإيضاح‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النّكاحب،‭ ‬‭ ‬فتجعل‭ ‬من‭ ‬العريس‭ ‬مكلّفا‭ ‬بمهمّة‭ ‬إثبات‭ ‬الفحولة،‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬العروس‭ ‬ممتحنة‭ ‬بمنديل‭ ‬العذريّة‭.‬

وبعد‭ ‬مضيّ‭ ‬هزيج‭ ‬من‭ ‬اللّيل‭ ‬تكون‭ ‬الأمور‭ ‬قد‭ ‬أُعدّت‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬العروس‭ ‬لاستقبال‭ ‬زوجها،‭ ‬‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬النّاس‭ ‬إلاّ‭ ‬أهل‭ ‬العريس‭ ‬وبعض‭ ‬أهل‭ ‬العروس‭ ‬وخاصّة‭ ‬أمّها‭ ‬وأخواتها‭. ‬عندها‭ ‬تتمّ‭ ‬دعوة‭ ‬العرّاسة‭ ‬إلى‭ ‬إظهار‭ ‬عريسهم‭ ‬بين‭ ‬النّاس‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬‭ ‬فيظهر‭ ‬محفلهم‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الكهول‭ ‬والشّباب‭ ‬محيطين‭ ‬بسلطانهم‭ ‬العريس‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬ونظام،‭ ‬‭ ‬يحميهم‭ ‬حارسان‭ ‬مدجّجان‭ ‬بعصيّ‭ ‬طويلة،‭ ‬‭ ‬ويتأخّرهم‭ ‬شبّان‭ ‬يتمشّقون‭ ‬سلاحهم‭ ‬النّاري،‭ ‬‭ ‬وهم‭ ‬يردّدون‭ ‬بردة‭ ‬الإمام‭ ‬البوصيري‭ ‬جماعيّا‭ ‬بيتا‭ ‬بيتا‭.‬

 

يصف‭ ‬الشّاعر‭ ‬المحلّي‭ ‬المبروك‭ ‬حمدي‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬اللّيليّ‭ ‬بقوله‭:‬

حَلَّسُوا‭ ‬مَحَلّْ‭ ‬اٌلزَّرْدَهْ

‭                         ‬مَسَالِينْ‭ ‬وَاٌلشَّاهِي‭ ‬حَشِيشَهْ‭ ‬وَرْدَهْ

وَشُبَّانْ‭ ‬تَتَبَادِلْ‭ ‬أَلْحَانِ‭ ‬اٌلْبُرْدَهْ

‭                           ‬بْتَرْتِيبْ‭ ‬فِي‭ ‬فَضْلِ‭ ‬اٌلنَّبِيّْ‭ ‬مَدَّاحَهْ

وَبِيتِ‭ ‬اٌلْعَرِيسْ‭ ‬مْشَيَّدَهْ‭ ‬مُنْفَرْدَهْ‭        ‬

‭                    ‬قَبْلِ‭ ‬اٌلتَّمَاسِي‭ ‬شَعَّلُوا‭ ‬مُصْبَاحَهْ23

وإذا‭ ‬ما‭ ‬اقتربوا‭ ‬من‭ ‬خيمة‭ ‬العريس،‭ ‬‭ ‬تقدّم‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬لتفقّد‭ ‬البيت‭ ‬والاستئذان‭ ‬من‭ ‬عرّاسة‭ ‬العروسبالحفصيّةب‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬بالإذن‭. ‬وتجيب‭ ‬عندها‭ ‬النّسوة‭ ‬الحاضرات‭ ‬في‭ ‬الخيمة‭ ‬على‭ ‬إنشاد‭ ‬شباب‭ ‬العرّاسة‭ ‬بالزّغاريد‭. ‬وإذا‭ ‬تمّت‭ ‬الوقفة‭ ‬الطّلليّة‭ ‬من‭ ‬إنشاد‭ ‬البردة‭ ‬وأدرك‭ ‬المنشدون‭ ‬البيت‭ ‬الأوّل‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬المديح‭ ‬في‭ ‬قوله‭:‬

مُحَمَّدُ‭ ‬سَيِّدُ‭ ‬اٌلْكَوْنَيْنِ‭ ‬وًاٌلثِّقَلَيْنِ‭    ‬

‭                     ‬تُورُ‭ ‬اٌلْفَرِيقَيْنِ‭ ‬مِنْ‭ ‬عُرْبٍ‭ ‬وَمِنْ‭ ‬عَجَمِ

تقدّم‭ ‬السلطان‭ ‬بيمناه‭ ‬خطوة‭ ‬عن‭ ‬العراّسة‭ ‬الواقفة‭ ‬صفّا‭ ‬أفقيا‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬جناحين‭ ‬يطير‭ ‬بهما‭. ‬واندفع‭ ‬الحارسان‭ ‬يخطّان‭ ‬الأرض‭ ‬أمامه‭ ‬بخطّين‭ ‬متقاطعين‭ ‬حتّى‭ ‬حدود‭ ‬الخيمة‭. ‬ثمّ‭ ‬يردّد‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬ثانية‭ ‬فيتقدّم‭ ‬الخطوة‭ ‬الثّانية‭ ‬بيسراه،‭ ‬‭ ‬والحارسان‭ ‬يجريان‭ ‬نفس‭ ‬الطّقس‭ ‬الحركيّ‭. ‬فإذا‭ ‬رُدّد‭ ‬البيت‭ ‬ثالثة‭ ‬تقدّم‭ ‬حاثّا‭ ‬الخطى‭ ‬نحو‭ ‬خيمته،‭ ‬‭        ‬وقد‭ ‬انسحبت‭ ‬منها‭ ‬النّسوة‭ ‬مسرعات،‭ ‬‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يستمرّ‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬إنشاد‭ ‬بقيّة‭ ‬الأبيات‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬تندفع‭ ‬في‭ ‬ختامها‭ ‬طلقات‭ ‬البارود‭ ‬تباعا‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭.‬

ثمّ‭ ‬يؤوب‭ ‬العرّاسة‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬اختفاء‭ ‬العريس،‭ ‬‭ ‬ولا‭ ‬يمكث‭ ‬معه‭ ‬سوى‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬الّذي‭ ‬يسرع‭ ‬بجلببشاة‭ ‬الحلالب،‭ ‬‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جدي‭ ‬تتولّى‭ ‬العروس‭ ‬إمساكه‭ ‬لعريسها‭ ‬ويذبحه‭ ‬بيديه‭ ‬في‭ ‬خلفيّة‭ ‬الخيمة24‭. ‬ليحمله‭ ‬الوزير‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬مخبئهم‭ ‬فيتكفّلون‭ ‬بسلخه‭ ‬وتقطيع‭ ‬لحمه‭ ‬ليطبخ‭ ‬لهم‭ ‬غداءً‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬القادم‭. ‬أمّا‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬فيمكث‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬خيمة‭ ‬السّلطان،‭ ‬‭ ‬منتظرا‭ ‬إشارة‭ ‬مخصوصة‭ ‬يرسل‭ ‬بها‭ ‬العريس،‭ ‬‭ ‬حتّى‭ ‬يُطلق‭ ‬البارود‭ ‬إعلانا‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬العريس‭ ‬بعروسه‭.‬وتبشيرا‭ ‬بنقاوة‭ ‬شرف‭ ‬عروسه‭ ‬وقد‭ ‬ألفاها‭ ‬عذراء‭ ‬مصونا‭. ‬وعندها‭ ‬تنطلق‭ ‬زغاريد‭ ‬والدة‭ ‬العروس‭ ‬وأخواتها‭ ‬وقريباتها،‭ ‬‭ ‬ويتقبّلن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التّهاني‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الغد‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬غد‭ ‬لتنظر‭ ‬إلى‭ ‬منديل‭ ‬العذريّةبالقمجّةب‭ ‬تعلّقه‭ ‬فيبركيزةب‭ ‬الخيمة‭ ‬شهادة‭ ‬امتياز‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬بناتها،‭ ‬‭ ‬وإعلانا‭ ‬غير‭ ‬خفيّ‭ ‬عن‭ ‬ضمان‭ ‬العرض‭ ‬المصون‭ ‬لكلّ‭ ‬راغب‭ ‬في‭ ‬الزّواج‭ ‬من‭ ‬أخواتها‭ ‬عن‭ ‬تربية‭ ‬يديها‭ ‬الطّاهرتين‭.‬

يبيت‭ ‬العريس‭ ‬أوّل‭ ‬ليلة‭ ‬عمره‭ ‬مع‭ ‬عروسته‭ ‬وعشيرة‭ ‬عمره،‭ ‬‭ ‬بعد‭ ‬ليال‭ ‬من‭ ‬التشرّد‭ ‬في‭ ‬منازل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وفي‭ ‬الجسور‭ ‬والطّوابي‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الغسق‭ ‬تقدّم‭ ‬نحوه‭ ‬وزيره‭ ‬الأيمن‭ ‬وقاده‭ ‬إلى‭ ‬مخبئه‭ ‬في‭ ‬جنح‭ ‬الظّلام‭ ‬والنّاس‭ ‬نيام‭. ‬ثمّ‭ ‬يطلق‭ ‬لذلك‭ ‬طلقة‭ ‬بارود‭ ‬مؤذنة‭ ‬بالصّباح‭ ‬الأوّل‭ ‬بعد‭ ‬أيّام‭ ‬العرس‭. ‬وبهذا‭ ‬الصّباح‭ ‬يبدأ‭ ‬أسبوع‭ ‬العرّاسة‭ ‬وتنشط‭ ‬خلاله‭ ‬المجموعة‭ ‬المحتفية‭ ‬بسلطانها‭ ‬في‭ ‬تعويد‭ ‬العروسين‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الجديّة‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬النّشاط‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الجدّ‭ ‬في‭ ‬اللّعب‭ ‬والرّاحة‭ ‬في‭ ‬التّعب‭.‬

 

-7-2 طقوس‭ ‬العرّاسة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬العرس‭: ‬يؤهّل‭ ‬السّلطان‭ ‬وهو‭ ‬يلعب

يُعدّ‭ ‬أسبوع‭ ‬العرّاسة‭ ‬أفضل‭ ‬فترة‭ ‬زمنيّة‭ ‬لإجلاء‭ ‬تنظيماتها‭ ‬فما‭ ‬كلّ‭ ‬الأنشطة‭ ‬السّابقة‭ ‬إلاّ‭ ‬استعداد‭ ‬للظّهور‭ ‬الفعليّ‭.  ‬لقد‭ ‬خرج‭ ‬سلطان‭ ‬الكتمان‭ ‬وصار‭ ‬حاكما‭ ‬فعليّا‭ ‬رسميّا،‭ ‬‭ ‬سلطان‭ ‬ظهوربتمّ‭ ‬له‭ ‬نصف‭ ‬دينهب،‭ ‬‭ ‬واكتملت‭ ‬فيه‭ ‬شروط‭ ‬التّصرّف‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬تسييرا‭ ‬وتدبيرا‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والبلاد‭ ‬عامّة‭. ‬لذلك‭ ‬يعدّ‭ ‬لتلك‭ ‬المهام‭ ‬المستقبليّة‭ ‬برياضات‭ ‬تتجسّد‭ ‬في‭ ‬الجدّ‭ ‬نهارا‭ ‬واللّعب‭ ‬ليلا‭.‬

-1-7-2 نهار‭ ‬العرّاسة‭:‬هزل‭ ‬كأنّه‭ ‬الجدّ

يتفرّغ‭ ‬موكب‭ ‬العرّاسة‭ ‬كلّ‭ ‬صباح‭ ‬للنّوم‭ ‬في‭ ‬المخبإ‭ ‬السرّي‭ ‬دونما‭ ‬غفلة‭ ‬عن‭ ‬حراسة‭ ‬الأثاث‭ ‬وحماية‭ ‬السّلطان‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬سرقة‭ ‬متعمّدة‭ ‬ومكلّفة‭ ‬للنّظام‭ ‬بخرقه‭ ‬المشين‭. ‬حتّى‭ ‬إذا‭ ‬تقدّم‭ ‬النّهار‭ ‬دعاهم‭ ‬بعض‭ ‬الأقرباء‭ ‬أو‭ ‬الأصدقاء‭ ‬للإفطار‭ ‬عنده‭ ‬فيقصدونه‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬واحتراس‭ ‬تامّ‭ ‬من‭ ‬الطّريق‭.‬فقدبيُربط‭ ‬العرّاسةبمن‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الكهول‭ ‬المحنّكين‭ ‬بلغز‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬بحيلة‭ ‬رياضيّة‭ ‬أو‭ ‬بشرط‭ ‬عمليّ،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تحقّقه‭ ‬العرّاسة‭ ‬توقّفت‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬ولا‭ ‬تتجاوزنّه‭ ‬إلاّ‭ ‬بعد‭ ‬تدخّل‭ ‬الوجهاء‭ ‬ودفع‭ ‬السّلطان‭ ‬ووزيريه‭ ‬خطيّة‭ ‬باهضة‭. ‬

وإذا‭ ‬حضر‭ ‬موكب‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المضيّف‭ ‬جلس‭ ‬الجميع‭ ‬بنظام‭ ‬تراتبي‭ ‬قد‭ ‬يتعمّد‭ ‬فيه‭ ‬الوزير‭ ‬الإبطاء‭ ‬ليخطّأ‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يسبقه‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭. ‬أمّا‭ ‬عند‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬الطّعام‭ ‬فإنّ‭ ‬السّلطان‭ ‬يكون‭ ‬أوّل‭ ‬الآكلين‭ ‬وبعده‭ ‬وزيره‭ ‬الأيمن‭ ‬فالأيسر‭ ‬وإذا‭ ‬شبع‭ ‬السّلطان‭ ‬رفع‭ ‬الجميع‭ ‬أيديهم‭ ‬عن‭ ‬الطّعام‭. ‬ومن‭ ‬يخالف‭ ‬النّظام‭ ‬يغرّم‭. ‬إذ‭ ‬يسجّل‭ ‬الوزير‭ ‬الأيسر‭ ‬كلّ‭ ‬شاردة‭ ‬وواردة،‭ ‬‭ ‬ويدعو‭ ‬بعد‭ ‬الفراغ‭ ‬من‭ ‬الطّعام‭ ‬المجلس‭ ‬القضائي‭ ‬إلى‭ ‬الانعقاد‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬الأشهاد‭:‬يدعى‭ ‬المتّهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوزير‭ ‬الأيسر‭ ‬ويرفع‭ ‬أمره‭ ‬إلى‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬الّذي‭ ‬يشرح‭ ‬له‭ ‬الجنحة،‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬الاعتراف‭. ‬فإن‭ ‬اعترف‭ ‬تشاور‭ ‬الوزيران‭ ‬والسّلطان‭ ‬همسا‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬العقوبة‭. ‬وإن‭ ‬أنكر‭ ‬يشهد‭ ‬عليه‭ ‬الحاضرون‭ ‬وشهادة‭ ‬الوزيرين‭ ‬فالسّلطان‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬النّهاية‭. ‬ثمّ‭ ‬يصرّح‭ ‬بنوعيّة‭ ‬العقوبة،‭ ‬‭ ‬فيخيّر‭ ‬المخطئ‭ ‬بين‭ ‬عقوبة‭ ‬خدمة‭ ‬أو‭ ‬عقوبة‭ ‬بدنيّة‭ ‬أو‭ ‬دفع‭ ‬خطيّة‭. ‬ولكلّ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬قدر‭ ‬معلوم‭ ‬في‭ ‬مقابله‭ ‬الماديّ‭. ‬أمّا‭ ‬العقوبة‭ ‬البدنيّة‭ ‬أو‭ ‬الخدمة‭ ‬فتُترك‭ ‬لاجتهاد‭ ‬الوزير‭ ‬الأيسر‭. ‬وإذا‭ ‬صرّح‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬بمبلغ‭ ‬الغرامة‭ ‬عوّض‭ ‬الملّيم‭ ‬بالدّينار‭ ‬في‭ ‬استعمالاته،‭ ‬‭ ‬كأن‭ ‬يقول‭ ‬حكمت‭ ‬عليك‭ ‬المحكمة‭ ‬بدفع‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬دينار‭.‬وعندها‭ ‬يصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬المتّهم‭ ‬التّشفّع‭ ‬عند‭ ‬جهاز‭ ‬السّلطنة‭ ‬بادئا‭ ‬بالوزير‭ ‬الأيسر‭ ‬فالأيمن‭ ‬منتهيا‭ ‬إلى‭ ‬السّلطان‭ ‬حتّى‭ ‬يخفّض‭ ‬له‭ ‬المبلغ‭ ‬تدريجيّا‭ ‬أو‭ ‬يُعفى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تماما‭ ‬إذا‭ ‬شاء‭ ‬السّلطان‭. ‬فيقبّل‭ ‬المتّهم‭ ‬يدي‭ ‬السّلطان‭ ‬ويثني‭ ‬عليه‭ ‬مردّدا

اهَا‭ ‬سِيدِي‭ ‬اٌلسُّلْطَانْ‭    ‬

‭                                    ‬جِيتِكْ‭ ‬طَالِبْ‭ ‬اٌلْعَفُوْ‭ ‬وَلاَمَانْ

‭          ‬يْتِمْ‭ ‬دُولْتِكْ‭ ‬سِيدِي‭ ‬اٌلسُّلْطَانْب‭.‬

تتمّ‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬المحاكمات‭ ‬والحضور‭ ‬شهود‭ ‬يتعلّمون‭ ‬ويعلّقون‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اللّياقة‭ ‬واللّباقة،‭ ‬‭ ‬دون‭ ‬المسّ‭ ‬من‭ ‬هيبة‭ ‬المحكمة‭. ‬وإذا‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬ترفع‭ ‬قضيّة‭ ‬استعجاليّة‭ ‬في‭ ‬المعتدي‭. ‬وبإمكان‭ ‬المكلّف‭ ‬بالخدمات‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬قضايا‭ ‬ضدّ‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يضرّ‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬خدماته‭ ‬أو‭ ‬يفسدها‭ ‬أو‭ ‬يتعمّد‭ ‬تعطيلها‭ ‬فيتقدّم‭ ‬شاكيا‭. ‬وقد‭ ‬يتشكّي‭ ‬أحد‭ ‬الحضور‭ ‬برفيقه‭ ‬يتخاصمان‭ ‬شكليّا‭ ‬فيفضّ‭ ‬السّلطان‭ ‬ووزيراه‭ ‬الخصومة‭ ‬بعد‭ ‬سماع‭ ‬ومرافعة‭ ‬وتشاور‭.‬

يخصّص‭ ‬المساء‭ ‬مع‭ ‬امتداد‭ ‬الظلّ‭ ‬للّعب،‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬يجتمع‭ ‬الشّباب‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬المخصّص‭ ‬لذلك‭ ‬حول‭ ‬السّلطان‭ ‬الذي‭ ‬يُختار‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬ظليل‭ ‬مرتفع‭ ‬تحت‭ ‬شجر‭ ‬الزّيتون‭. ‬وتتمّ‭ ‬أمامه‭ ‬ألعاب‭ ‬بهلوانيّة‭ ‬ورياضيّة‭ ‬يطالب‭ ‬الحاضرون‭ ‬بأدائها‭ ‬فرديّا،‭ ‬‭ ‬وكلّ‭ ‬خطأ‭ ‬فيها‭ ‬يجلب‭ ‬تغريما‭ ‬ينمّي‭ ‬خزانة‭ ‬السّلطنة،‭ ‬‭ ‬يؤدّيه‭ ‬المغرّم‭ ‬بكلّ‭ ‬طواعيّة‭. ‬كما‭ ‬تتمّ‭ ‬ألعاب‭ ‬جماعيّة‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الجري‭ ‬والقفز‭ ‬والتّسلّق‭ ‬والمصارعة‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭. ‬وتعرف‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ألعاب‭:‬بقرة‭ ‬شلاّلة‭ ‬وكلب‭ ‬السّلسلة‭ ‬وجدي‭ ‬أعيمه‭ ‬وهزّان‭ ‬الميّت‭ ‬والشّحباني25‭.‬ومن‭ ‬الألعاب‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارةبخطفان‭ ‬المطرقب‭. ‬إذ‭ ‬يتعمّد‭ ‬بعض‭ ‬الحاضرين‭ ‬بإيعاز‭ ‬من‭ ‬عرّاسة‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬خيمتها‭ ‬أن‭ ‬يختطف‭ ‬المطرق‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الحاضرين،‭ ‬ويجري‭ ‬به‭ ‬صوب‭ ‬خيمة‭ ‬العروس‭ ‬فيلحقه‭ ‬أكثر‭ ‬الحاضرين‭ ‬عدوا‭ ‬ويحاولون‭ ‬حصاره‭ ‬ومنعه،‭ ‬‭ ‬ويستمرّ‭ ‬ذلك‭ ‬حتّى‭ ‬اليوم‭ ‬الثّالث‭ ‬فلابدّ‭ ‬أن‭ ‬يُسرق‭ ‬المطرق‭ ‬ويوصل‭ ‬إلى‭ ‬خيمة‭ ‬العروس،‭ ‬حيث‭ ‬يزيّن‭ ‬رأسه‭ ‬بنوّارة‭ ‬قماشيّة‭ ‬بديعة‭.‬لكنّه‭ ‬لن‭ ‬يرجع‭ ‬إلاّ‭ ‬بعد‭ ‬تكريم‭ ‬عرّاسة‭ ‬العروس‭ ‬بمبلغ‭ ‬ماليّ‭ ‬محترم‭ ‬يشترط‭ ‬مسبّقا‭ ‬في‭ ‬مراسلات‭ ‬العرّاستين‭.‬

-2-7-2ليل‭ ‬العرّاسة‭:‬إمتاع‭ ‬ومؤانسة

بعد‭ ‬تناول‭ ‬طعام‭ ‬العشاء‭ ‬جماعيّا‭ ‬في‭ ‬مخبإ‭ ‬العريس‭-‬السّلطان‭- ‬تتمّ‭ ‬دعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬مسامرة‭ ‬ليليّة‭ ‬بالخيمة‭ ‬الجديدة،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬قسّمت‭ ‬قسمين‭ ‬قسما‭ ‬يمينيّا‭ ‬للرّجال،‭ ‬وقسما‭ ‬شماليّا‭ ‬للنّساء‭ ‬لا‭ ‬تمكث‭ ‬فيه‭ ‬إلاّ‭ ‬العروس‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ستار‭ ‬تتابع‭ ‬سير‭ ‬المسامرة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬عريسها‭ ‬مصحوبة‭ ‬ببعض‭ ‬خاصّتها‭. ‬يوضع‭ ‬مكان‭ ‬مرتفع‭ ‬للسّلطان‭ ‬بين‭ ‬ركيزتي‭ ‬الخيمة‭ ‬وتبسط‭ ‬الأفرشة‭ ‬للحضور‭. ‬فيجلسون‭ ‬حلقة‭ ‬يتوسّطها‭ ‬السّلطان‭ ‬يحرسه‭ ‬وزيراه‭. ‬ثمّ‭ ‬بعد‭ ‬لحظات‭ ‬صمت‭ ‬يرفع‭ ‬السّلطان‭ ‬المطرق‭ ‬إيذانا‭ ‬ببدء‭ ‬الكلام‭ ‬فيأمر‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬منشّط‭ ‬المجلس‭ ‬بالتّقدّم،‭ ‬‭ ‬وتنظيم‭ ‬ألعاب‭ ‬الخيمة‭ ‬فيتوسّط‭ ‬الجلسة‭ ‬ويمسك‭ ‬حفّي‭ ‬حذاء‭ ‬السّلطانبالبلغة‭ ‬البيضاءبليتّخذه‭ ‬أداة‭ ‬عقاب‭ ‬في‭ ‬الجلد‭ ‬ويبدأ‭ ‬التنشيط‭ ‬بما‭ ‬يسمّىبقُرَّايْةِ‭ ‬اٌلْعَرَّاسَهْبتلك‭ ‬الدّروس‭ ‬التّثقيفيّة‭ ‬المنوّعة‭ ‬والمنظومة‭ ‬شعرا،‭ ‬‭ ‬يستهلّها‭ ‬بقوله‭ ‬مبسملا‭ ‬ومادحا‭ ‬العروسين‭:‬

بِسْمِ‭ ‬اٌللَّهْ‭ ‬خَشِّيتْ‭ ‬نْقَرِّي

فِي‭ ‬حِجْبِةْ‭ ‬ذَبَّالْ‭ ‬اٌلْعِينْ

حَفْيَانْ‭ ‬وَرَاسِي‭ ‬مِتْعَرِّيوِاٌلْعَرَّاسَهْ‭ ‬مَجْمُولِينْ

وَاٌلسُّلْطَانْ‭ ‬عِينْ‭ ‬اٌلْبُرْنِيوِاٌلْحَفْصِيَّهْ‭ ‬عَلْ‭ ‬لِيمِينْ26

‭ ‬تتمّ‭ ‬الألعاب‭ ‬جميعها‭ ‬جلوسا‭ ‬دون‭ ‬ضجيج‭ ‬وفي‭ ‬انتظام‭ ‬وترتيب‭ ‬دقيقين‭ ‬،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬قسّمناها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أصناف‭:‬الصّنف‭ ‬الأولّ‭ ‬ألعاب‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الخيال‭ ‬وتوفير‭ ‬الإضحاك‭ ‬وتربية‭ ‬النّفس،‭ ‬والصّنف‭ ‬الثاني‭ ‬ألعاب‭ ‬في‭ ‬تهذيب‭ ‬اللّسان،‭ ‬‭      ‬أمّا‭ ‬الصّنف‭ ‬الثّالث‭ ‬فألعاب‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬الفصاحة‭ ‬وإحداث‭ ‬المتعة‭ ‬بإضحاك‭ ‬الخطإ‭ ‬المقصود‭ ‬تجنّبه‭. ‬وتتمّ‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬جميعا‭ ‬بجهد‭ ‬لسانيّ‭ ‬كثيف‭. ‬فمن‭ ‬صنف‭ ‬ألعاب‭ ‬التّخييل‭ ‬والإضحاك‭ ‬وتربية‭ ‬النّفس‭ ‬مطالبةُ‭ ‬الحاضرين‭ ‬فردا‭ ‬فردا‭ ‬بترديد‭ ‬الأغصان‭ ‬التّالية‭ ‬عن‭ ‬حفظ‭ ‬سريع‭ ‬وكلّ‭ ‬مخطئ‭ ‬فيها‭ ‬يجلد‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬بقوّة‭:‬

مِ‭ ‬اٌلصَّغْرَهْ‭ ‬كْرَعِّي‭ ‬لَوَّاجَهْوَجِيتْ‭ ‬فَالِحْ‭ ‬مَانِيشْ‭ ‬ذَلِيلْ

وَرَمِينَا‭ ‬عَ‭ ‬اٌلْكَلْبْ‭ ‬حْوِيَّهْوَغَرَايِرْ‭ ‬وَعَقَابْ‭ ‬حْمِيلْ

وَصْمَاطْ‭ ‬مْعَلِّقْ‭ ‬مِنْ‭ ‬تَالِيمِتْرَادِعْ‭ ‬مَا‭ ‬فِيهِشْ‭ ‬مِيْلْ

وَسَفَرْنَا‭ ‬لْبَاجَهْ‭ ‬وَبَجْبَاجَهْوَجِبْنَا‭ ‬مِيَّهْ‭ ‬وَمِيْاتْ‭ ‬وِيبَهْ‭ ‬بِاٌلْكِيلْ

وَزِدْنَا‭  ‬فُوقْ‭ ‬ظَهْرَهْ‭ ‬حَاجَهْكَمْبُوتْ‭ ‬بِاٌلْقَمْحِ‭ ‬مْعَبِّي

بَبِّي‭ ‬بَبِّي‭ ‬بَبِّي‭ ‬بَبِّي‭ ‬اٌلْكِذْبْ‭ ‬حْرَامْ‭ ‬عَلَى‭ ‬رَبِّي

ومن‭ ‬ألعاب‭ ‬في‭ ‬تهذيب‭ ‬اللّسان‭ ‬ترديد‭ ‬الأسماط‭ ‬التّالية‭ ‬بسرعة‭ ‬وترتيب‭ ‬وكلّ‭ ‬خطأ‭ ‬عقوبته‭ ‬الجلد

يَا‭ ‬مُولَى‭ ‬اٌلْقَاضْ‭ ‬وَاٌلْمِقْرَاضْوَلِشْفَهْ‭ ‬وَاٌلْجَلَمْ‭ ‬وَاٌلْمِقْرَاضْ

أَعْطِينِي‭ ‬قَاضْكْ‭ ‬وَقَضْقَاضْكْوَإْشْفْتِكْ‭ ‬وَجِلْمِكْ‭ ‬وَمِقْرَاضْكْ

حَتَّى‭ ‬لْينْ‭ ‬يْجْينِي‭ ‬قَاضِي‭ ‬وَقَضْقَاضِي‭ ‬وَاِشْفْتِي‭ ‬وَجِلْمِي‭ ‬وَمِقْرَاضِي

***

يَا‭ ‬مُولَى‭ ‬اٌلشِّيحْ‭ ‬وَاٌلشَّرِيحْ‭ ‬وَاٌللَّبَنْ‭ ‬وَاٌلذَّرِيحْ

وَاٌلْخَايِبْ‭ ‬وَاٌلْمَلِيحْ‭ ‬وَاٌلْبَايِدْ‭ ‬وَاٌلصَّحِيحْ

أَعَطِينِي‭ ‬شِيحَكْ‭ ‬وَشَرِيحَكْ‭ ‬وَلَبَنِكْ‭ ‬وَذَرِيحَكْوَخَايْبِكْ‭ ‬وَمَلِيحَكْ‭ ‬وَبَايْدِكْ‭ ‬وَصَحِيحَكْ

حَتَّى‭ ‬لِينْ‭ ‬يْجِينِي‭ ‬شِيحِي‭ ‬وَشَرِيحِي‭ ‬وَلَبَنِي‭ ‬وَذَرِيحِيوَخَايْبِي‭ ‬وَمَلِيحِي‭ ‬وَبَايْدِي‭ ‬وَصَحِيحِي

وَنْرُدْلِكْ‭ ‬شِيحَكْ‭ ‬وَشَرِيحَكْ‭ ‬وَلَبَنَكْ‭ ‬وَذَرِيحَكْوَخَايْبِكْ‭ ‬وَمَلِيحَكْ‭ ‬وَبَايْدِكْ‭ ‬وَصَحِيحَكْ

وَمَا‭ ‬يَبْقَى‭ ‬عِنْدِي‭ ‬لاَشِيحْ‭ ‬لاَ‭ ‬شَرِيحْ‭ ‬لاَ‭ ‬لَبَنْ‭ ‬لاَذَرِيحْ‭ ‬لاَ‭ ‬بَايِدْ‭ ‬لاَ‭ ‬صَحِيحْ‭ ‬لاَ‭ ‬خَايِبْ‭ ‬لاَ‭ ‬مَلِيحْ

ومن‭ ‬الألعاب‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬الفصاحة‭ ‬وإحداث‭ ‬المتعة‭ ‬بإضحاك‭ ‬الخطإ‭ ‬المقصود‭ ‬تجنّبه‭ ‬هذه‭ ‬النّصوص‭ ‬القصيرة‭ ‬المجاورة‭ ‬لحروف‭ ‬الصّفير‭ ‬والحروف‭ ‬المتشابهة‭ ‬والّتي‭ ‬يزّلّ‭ ‬فيها‭ ‬اللّسان‭ ‬فيسقط‭ ‬في‭ ‬المحظور‭ ‬اللّغويّ‭ ‬بين‭ ‬اللاّم‭ ‬والرّاء‭ ‬في‭ ‬انخلة‭ ‬والخلاءب‭ ‬واللاّم‭ ‬والنّون‭ ‬في‭ ‬الخرىب،‭ ‬‭ ‬وبين‭ ‬الضّاد‭ ‬والزّين‭ ‬في‭ ‬اضب‭ ‬ضبّينب،‭ ‬‭ ‬وبين‭ ‬الميم‭ ‬والباء‭ ‬في‭ ‬لفظبزمّورب،‭ ‬‭ (‬وهو‭ ‬لفظ‭ ‬أمازيغيّ‭ ‬يعني‭ ‬الزّيتون‭ ‬ويطلق‭ ‬اسميةً‭ ‬موقعيّةً‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬تتكاثف‭ ‬بها‭ ‬الزّياتين‭). ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬فرد‭ ‬أن‭ ‬يردّدها‭ ‬مرارا‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭. ‬فيزلّ‭ ‬اللّسان‭ ‬وتندفع‭ ‬الضّحكات‭ ‬المكتومة،‭ ‬‭ ‬ومن‭ ‬علا‭ ‬صوته‭ ‬بالضّحك‭ ‬فهو‭ ‬الّذي‭ ‬يعاقب‭ ‬بالجلد‭ ‬على‭ ‬كفّيه‭.‬

‭-‬ضَبْ‭ ‬ضَبِّينْ‭ ‬فِي‭ ‬فَمْ‭ ‬زَمُّورْ

‭-‬جَمَلْ‭ ‬اٌلشِّيخْ‭ ‬بِشَرَمْبيِخشَقْ‭ ‬اٌلسُّبْخَهْ‭ ‬بِشِبْكَهْ‭ ‬شِيحْ

‭-‬نَرْقَى‭ ‬نَخْلَهْ‭ ‬نْحَدِّرْ‭ ‬نَخْلَهنِجْبِدْ‭ ‬تَمْرْهْ‭ ‬بِيدِي‭ ‬لُخْرَى

وَاِنَّقِزْ‭  ‬نْجِي‭ ‬بَيْنِ‭ ‬اٌلنَّخَلاَتْ‭ ‬وَاقِفْ

‭-‬نْسَكْسِفْ‭ ‬وَنْسُوفْوَنَقْطِعْ‭ ‬بَرْ‭ ‬اٌلْخَلاَءْ‭ ‬وْاٌلْخُوفْ

‭      ‬وَنْنَقِّزْ‭ ‬نْجِي‭ ‬فْي‭ ‬خُوطُومْ‭ ‬أُمُّكْ‭    ‬فْي‭ ‬هَاكَهْ‭ ‬اٌلْخَلاَءْ‭ ‬لَخْضَرْ

‭-‬خَشِمْ‭ ‬كَبِشْكَمْشَهْ‭ ‬قَمِحْ

‭-‬خُفْ‭ ‬اٌلْجَمَلْ‭ ‬اِنْزَلَقْ‭ ‬فِي‭ ‬اٌلطِّينْ‭                ‬فِي‭ ‬حَوَاشِي‭ ‬مَعَبْرِينْ‭ ‬مَعَبْرِينْ‭ ‬مَعَبْرِينْ

‭-‬غَرَابِينْ‭ ‬تَمَاكْنُواِي‭ ‬اٌلسَّمَاءْ‭ ‬تَمَاكْنُوا‭ ‬فِي‭ ‬اٌلْوَطَاءْ‭ ‬تَمَاكْنُوا

جِيتْ‭ ‬بِنْمَكِّنْ‭ ‬غْرَابْمَاكِنِّي‭ ‬وَهَرَبْ

‭-‬يَارَشَادَهْ‭ ‬شَذْيَارَشَادَهْ‭ ‬شَذْ‭ ‬‭ ‬يَارَشَادَهْ‭ ‬شَذْ

ومن‭ ‬الألعاب‭ ‬الّتي‭ ‬تنمّي‭ ‬اللّسان‭ ‬وينقلب‭ ‬فيها‭ ‬الجدّ‭ ‬هزلا‭ ‬عند‭ ‬جهل‭ ‬السامع‭ ‬لأوزان‭ ‬الكلام‭ ‬وفقره‭ ‬اللّغويّ‭ ‬لعبة‭ ‬الاستبدال‭ ‬اللّسانيّب‭ ‬وذلك‭ ‬بتسمية‭ ‬مكوّنات‭ ‬االعلاّقةب‭ ‬ومكوّنات‭ ‬ابيت‭ ‬الشّعرب‭ ‬مكوّنا‭ ‬مكوّنا‭ ‬ودعوة‭ ‬أفراد‭ ‬الحلقة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬أوزان‭ ‬صرفيّة‭ ‬معادلة‭ ‬لها‭ ‬كقولهم‭ ‬حرقوس‭=‬بركوس،‭ ‬برنوس‭/‬المشطّ‭=‬هز‭ ‬وحط‭/‬الشّراعي‭=‬ذراعي‭...)‬وكلّ‭ ‬غلط‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عقوبته‭ ‬جلدة‭ ‬قويّة‭ ‬على‭ ‬كفّ‭ ‬اليد‭.‬

تشذّ‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬اللّسانيّة‭ ‬لعبة‭ ‬حركيّة‭ ‬هي‭ ‬لعبةبضياع‭ ‬خاتم‭ ‬سيدي‭ ‬السّلطانب،‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬يتعمّد‭ ‬منشّط‭ ‬السّهرة‭ ‬الإيهام‭ ‬بإخفائها‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬الحاضرين‭ ‬تباعا،‭ ‬‭ ‬ويتظاهر‭ ‬كلّ‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬بأنّه‭ ‬حارسها‭. ‬ثمّ‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬الأيمن‭ ‬ويطالبه‭ ‬بتحديد‭ ‬حارس‭ ‬الخاتم‭ ‬قائلا‭:‬

خَاتِمْ‭ ‬سِيدِي‭ ‬اٌلسُّلْطَانْ‭ ‬رَاحِتْ‭ ‬عِنْدْ‭ ‬مِنْ‭ ‬مِ‭ ‬اٌلجَّمَاعَهْ‭ ‬نَلْقَاهَا؟

فإن‭ ‬أصاب‭ ‬المجيب‭ ‬حلّ‭ ‬محلّ‭ ‬المنشّط،‭ ‬‭ ‬وإن‭ ‬أخطأ‭ ‬جلد‭ ‬على‭ ‬كفّ‭ ‬يده‭ ‬وعبر‭ ‬المنشّط‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬بعده‭. ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭ ‬حتّى‭ ‬يُكتشف‭ ‬الخاتم‭ ‬في‭ ‬مخبئه‭. ‬و‭ ‬يتحمّل‭ ‬مخفي‭ ‬الخاتم‭ ‬إن‭ ‬وصله‭ ‬السّؤال‭ ‬جلده،‭ ‬فيخيّر‭ ‬التّمويه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يصرّح‭ ‬بإخفائه‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكشفه‭ ‬واحد‭ ‬ممن‭ ‬سبقه‭. ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬يستطيع‭ ‬السّلطان‭ ‬رفع‭ ‬المطرق‭ ‬فيعفو‭ ‬عن‭ ‬معاقبة‭ ‬شخص‭ ‬ليدعو‭ ‬له‭ ‬بالبقاء‭ ‬وطول‭ ‬العمر‭. ‬وتتدخّل‭ ‬العروس‭ ‬االحفصيّةب‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬صلاحيات‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬المعاقبين‭ ‬بشنشنة‭ ‬حليّ‭ ‬يديها‭ ‬االشكاشكب‭ ‬أو‭ ‬االغوايشب‭ ‬بلهجة‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭.‬

في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الجوّ‭ ‬المرح‭ ‬تقضّى‭ ‬ليالي‭ ‬العرّاسة‭ ‬السّبعة‭ ‬وأيّامها‭  ‬وقد‭ ‬تآلف‭ ‬قلبان‭ ‬وتآزر‭ ‬مجتمع‭ ‬وتكوّن‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأمور‭ ‬وتحملّ‭ ‬الأعباء‭ ‬يشكل‭ ‬جماعيّ‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يستمدّ‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬جذوره‭ ‬الثّقافيّة‭. ‬وما‭ ‬دور‭ ‬التّاريخ‭ ‬المحلّي‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬هذه‭ ‬الظّاهرة‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬وضمان‭ ‬استمراريتها‭ ‬تأصّلا‭ ‬يتجدّد؟

 

-8-2‭ ‬الأصول‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة

غالبا‭ ‬ما‭ ‬تساعد‭ ‬اللّغة‭ ‬في‭ ‬المصطلحات‭ ‬المستعملة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬الجذور‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬للظّواهر‭ ‬الثّقافيّة،‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬ببلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬مصطلحان‭ ‬قديمان‭ ‬هما‭ ‬السّلطان‭ ‬والحفصيّة‭. ‬فهذان‭ ‬المصطلحان‭ ‬يعودان‭ ‬إلى‭ ‬الفترة‭ ‬الحفصيّة‭ ‬المنتهية‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬بدخول‭ ‬العثمانيين‭(‬1574‭ ‬ميلاديّة‭)‬تونس‭. ‬فهل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬الظّاهرة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة؟‭ ‬أم‭ ‬أنّ‭ ‬حنين‭ ‬السّاكنة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬هو‭ ‬الّذي‭ ‬أجراها‭ ‬على‭ ‬اللّسان‭ ‬أكثر؟‭ ‬نحن‭ ‬نرجّح‭ ‬أنّ‭ ‬الظّاهرة‭ ‬قديمة‭ ‬لتوفّر‭ ‬شبيهاتها‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬بعيدة‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬درج‭ ‬بجبل‭ ‬نفوسة‭ ‬بليبيا،‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬طاطا‭ ‬بالمغرب‭. ‬أمّا‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬نفزاوة‭ ‬المجاورة‭ ‬فيكاد‭ ‬النّظام‭ ‬يكون‭ ‬واحدا،‭ ‬‭ ‬ممّا‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬قد‭ ‬تشكّل‭ ‬هيكله‭ ‬التّنظيميّ‭ ‬من‭ ‬محاكاة‭ ‬جهاز‭ ‬السّلطة‭ ‬التّنفيذيّة‭ ‬منذ‭ ‬العهد‭ ‬الحفصيّ‭.‬

غير‭ ‬أنّ‭ ‬تصرّف‭ ‬السّلطان‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الجماعة،‭ ‬‭ ‬وعقد‭ ‬حلقة‭ ‬التّعلّم،‭ ‬والتّعوّد‭ ‬على‭ ‬الانضباط‭ ‬الجماعيّ،‭ ‬وحتّى‭ ‬شكل‭ ‬لباس‭ ‬العريس،‭ ‬‭ ‬وطريقة‭ ‬ارتداء‭ ‬الأثواب‭ ‬تؤشّر‭ ‬إلى‭ ‬خلفيّة‭ ‬أقدم‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثّاني‭ ‬هجري‭/‬الثّامن‭ ‬ميلادي،‭ ‬‭ ‬تلك‭ ‬الخلفيّة‭ ‬الأباضيّة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬إمام‭ ‬المذهب‭ ‬وأتباعه،‭ ‬‭ ‬وخاصّة‭ ‬منها‭ ‬نظام‭ ‬العزّابة‭ ‬المبتدع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أباضيّة‭ ‬جبل‭ ‬دمّر‭ ‬والمتكوّن‭ ‬أوّل‭ ‬ما‭ ‬تكوّن‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬غيران‭ ‬الجبل‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬اختفاء‭ ‬مثير‭ ‬فيه‭ ‬تفرّغ‭ ‬علمي‭ ‬وتدرّب‭ ‬عسكريّ‭ ‬وتنشيط‭ ‬اقتصاديّ،‭ ‬‭ ‬ثمّ‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬ظهور‭ ‬ذي‭ ‬احتفاء‭ ‬محفوف‭ ‬بالبركة‭ ‬والمهابة‭. ‬وهكذا‭ ‬تُعامل‭ ‬العرّاسة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬‭ ‬يتبارك‭ ‬بها‭ ‬ويتباهى‭ ‬بتكريمها‭ ‬تماما‭ ‬كالعزّابة‭ ‬في‭ ‬زمانهم‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬الإقرار‭ ‬بالخلفيتين‭ ‬الأباضيّة‭ ‬القديمة‭ ‬تسييرا،‭ ‬‭ ‬والحفصيّة‭ ‬الوسيطة‭ ‬تنظيما،‭ ‬‭ ‬فإنّ‭ ‬أظهر‭ ‬الأشكال‭ ‬المرجعيّة‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬البداوة‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬الحوايا‭ ‬ومراعي‭ ‬ظاهرهم‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الخلفيّة‭ ‬القبليّة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬مجلس‭ ‬الأعيان‭ ‬المجتمع‭ ‬حول‭ ‬شيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬والمرتبط‭ ‬بتوجيهاته‭ ‬ضمن‭ ‬نظام‭ ‬االميعادب‭. ‬وإنّما‭ ‬يُعدّ‭ ‬السّلطان‭ ‬ليكون‭ ‬شيخا‭ ‬مستقبليّا‭ ‬محتملا‭ ‬ويعدّ‭ ‬كلّ‭ ‬أتباعه‭ ‬ليكونوا‭ ‬فرسان‭ ‬خدمته‭ ‬ورعيّته‭ ‬المطيعة‭. ‬وتبدو‭ ‬الأحكام‭ ‬جميعها‭ ‬مستقاة‭ ‬من‭ ‬وثيقة‭ ‬ميعاد‭ ‬الحوايا‭(‬1864‭)‬،‭ ‬‭ ‬تلك‭ ‬الوثيقة‭ ‬الّتي‭ ‬صارت‭ ‬قانونا‭ ‬للعرفيّة‭ ‬ونظاما‭ ‬للشّرطيّة‭ ‬يحرسه‭ ‬شيوخ‭ ‬الشّرطيّة‭ ‬وينفّذه‭ ‬فرسان‭ ‬القبائل‭ ‬المجنّدين‭ ‬لذلك،‭ ‬‭ ‬حماية‭ ‬للسّلم‭ ‬المدنيّة‭ ‬وتأمينا‭ ‬لحياة‭ ‬عروش‭ ‬النّجع‭ ‬في‭ ‬تجاور‭ ‬وتفاعل‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬فروعه‭. ‬وهكذا‭ ‬يكون‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬نسخة‭ ‬مصغّرة‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الميعاد‭ ‬ودربة‭ ‬مسبّقة‭ ‬على‭ ‬الانصياع‭ ‬لأوامر‭ ‬شيوخ‭ ‬الميعاد‭ ‬وتمرير‭ ‬ثقافتهم‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬بين‭ ‬ساكنة‭ ‬جبل‭ ‬دمّر‭ ‬في‭ ‬جزئه‭ ‬الشّماليّ،‭ ‬‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬جزؤه‭ ‬الجنوبيّ‭ ‬بدوره‭ ‬يتّخذ‭ ‬تقريبا‭ ‬نفس‭ ‬المظاهر‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬العرّاسة‭.‬

 

-9-2‭ ‬الوظائف‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة

لعلّ‭ ‬ما‭ ‬يميّز‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬كونها‭ ‬مجرّد‭ ‬عادة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬تواكب‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬للأعراس‭ ‬وتنهل‭ ‬من‭ ‬مرجعيات‭ ‬ثقافيّة‭ ‬موغلة‭ ‬في‭ ‬التّاريخ‭ ‬قدما،‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نظام‭ ‬يُجلي‭ ‬مؤسّسة‭ ‬ظرفيّة‭ ‬ذات‭ ‬وظائف‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬تخدم‭ ‬انتماء‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة‭ ‬القبليّة‭. ‬ففي‭ ‬نظاميتها‭ ‬ما‭ ‬يعوّد‭ ‬الشّباب‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬عرى‭ ‬التّماسك‭ ‬القبليّ‭ ‬لأفراد‭ ‬المجموعة‭ ‬العرقيّة‭ ‬الواحدة،‭ ‬‭ ‬والتّباهي‭ ‬بالظّهور‭ ‬أمام‭ ‬بقيّة‭ ‬المجموعات‭ ‬بوجه‭ ‬مشرّف‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التّحضّر‭ ‬والرّقيّ‭  ‬ما‭ ‬تجليه‭ ‬الآداب‭ ‬والتّنظيمات‭ ‬والسّلوكيات‭ ‬الفرديّة‭ ‬والجماعيّة‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬تستهدف‭ ‬هذه‭ ‬المؤسّسة‭ ‬شخصيّة‭ ‬الفرد‭ ‬بالذّات‭ ‬إذ‭ ‬تتولّى‭ ‬تعويد‭ ‬البدوي‭ ‬الانصياع‭ ‬للنّظم‭ ‬والضّوابط‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬تحرّره‭ ‬وتهرّبه‭ ‬من‭ ‬الأوامر‭ ‬السّلطانيّة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليوميّة‭ ‬أمرا‭ ‬مقبولا‭ ‬بالضّرورة،‭ ‬‭ ‬فالرّضى‭ ‬بحكم‭ ‬سلطان‭ ‬ظرفيّ‭ ‬تمهيد‭ ‬للقبول‭ ‬بحكم‭ ‬سلطان‭ ‬مزمن‭ ‬لشيخ‭ ‬القبيلة‭ ‬خاصّة‭ ‬ولحاكم‭ ‬البلاد‭ ‬عامّة‭.‬

ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬القبيلة‭ ‬وهي‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬إنّما‭ ‬تحقّق‭ ‬بها‭ ‬وجها‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬الحكم‭ ‬الذّاتيّ‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬خصوصيتها‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬محلّيتها‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬اندماج‭ ‬في‭ ‬أحلاف‭ ‬جهويّة‭ ‬تؤطّرها‭ ‬الاتّحاديات‭ ‬كاتّحاديّة‭ ‬ورغمّة‭ ‬الّتي‭ ‬تمثّل‭ ‬عروش‭ ‬الحوايا‭ ‬جزءًا‭ ‬منها،‭ ‬‭ ‬أوما‭ ‬فرض‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬انخراط‭ ‬ضمن‭  ‬نظام‭ ‬الدّولة‭ ‬الوطنيّة‭.‬

وفي‭ ‬مجال‭ ‬آخر‭ ‬يبدو‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬تأهيلا‭ ‬فعليّا‭ ‬للشّباب‭ ‬حتّى‭ ‬يتحمّل‭ ‬مسؤوليّة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬قادمة‭ ‬تتعدّى‭ ‬تكوين‭ ‬الأسر‭ ‬وتنشئة‭ ‬الأولاد‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬ديناميكيّة‭ ‬سياسيّة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬واقتصاديّة‭ ‬تطوّر‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬القبيلة‭ ‬وتحافظ‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬توازنها‭ ‬الدّاخليّ‭ ‬وعلى‭ ‬إشعاعها‭ ‬الخارجيّ‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬الشّاب‭ ‬المتزوّج‭ ‬سيصبح‭ ‬بعد‭ ‬أيّام‭ ‬السّلطنة‭ ‬فردا‭ ‬متحمّلا‭ ‬لأعباء‭ ‬ثقيلة‭ ‬تجسّدها‭ ‬مرحلة‭ ‬الكهولة‭ ‬ومسؤولياتها‭ ‬المتوالدة‭ ‬في‭ ‬التّعمير‭ ‬والتّثمير27‭. ‬وأمام‭ ‬ثقل‭ ‬هذه‭ ‬المسؤوليّة‭ ‬يكون‭ ‬الاحتفاء‭ ‬الشّديد‭ ‬به‭ ‬عريسا‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬النّظام‭ ‬المجتمعيّ،‭ ‬النّظام‭ ‬الأكبر،‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬العرّاسة،‭ ‬نظاما‭ ‬ظرفيّا‭ ‬أصغر،‭ ‬‭ ‬تحتوي‭ ‬تشجيعا‭ ‬للشّباب‭ ‬على‭ ‬الزّواج‭ ‬وترغيبا‭ ‬لهم‭ ‬فيه‭ ‬للانخراط‭ ‬الفعليّ‭ ‬في‭ ‬النّظام‭ ‬الأكبر‭. ‬فالمهابة‭ ‬والإجلال‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتهما‭ ‬اعتراف‭ ‬وتشريف‭ ‬يحفّزان‭ ‬شابّا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬إمكانياته‭ ‬وافتكاك‭ ‬مكانته‭ ‬بين‭ ‬المجموعة‭. ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬حسن‭ ‬أدائه‭ ‬لإدارة‭ ‬النّظام‭ ‬الظّرفيّ‭ ‬فهو‭ ‬معدّ‭ ‬لإتقان‭ ‬إدارة‭ ‬نظام‭ ‬قارّ‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬البيت‭ ‬ربّا‭ ‬له‭ ‬وتسيير‭ ‬القبيلة‭ ‬شيخا‭ ‬لها‭.‬

 

-10-2‭ ‬الدّلالات‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة‭:‬

إنّ‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬ضمن‭ ‬إطاره‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬وظرفيته‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التّاسع‭ ‬عشر‭ ‬وحتّى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬بقراءة‭ ‬تحوّلات‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬ظاهرة‭ ‬لقبيلة‭ ‬تجهد‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬خصوصيتها‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬تمكّن‭ ‬الدّولة،‭ ‬‭ ‬خاصّة‭ ‬بعد‭ ‬قدوم‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭(‬1881‭-‬1956‭)‬،‭ ‬‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬دواليب‭ ‬الحياة‭ ‬فرديّة‭ ‬وجماعيّة‭. ‬لكنّ‭ ‬القراءة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬أعماق‭ ‬ثقافيّة‭ ‬ثاوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظّاهرة‭ ‬الظّرفيّة‭ ‬والمتكرّرة‭. ‬لأنّ‭ ‬احتفاليات‭ ‬الشّعوب‭ ‬وتشكّلاتها‭ ‬الفنيّة‭ ‬إنّما‭ ‬تنطق‭ ‬برؤى‭ ‬متكاملة‭ ‬للعالم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬درجة‭ ‬تفكير‭ ‬المجموعة‭ ‬الممارسة‭ ‬لتلك‭ ‬الطّقوس‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الشّعائر‭. ‬ويمكن‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬بالجنوب‭ ‬الشّرقيّ‭ ‬التّونسيّ‭ ‬أن‭ ‬ينطق‭ ‬بدلالات‭ ‬حضاريّة‭ ‬وأخرى‭ ‬نفسيّة‭ ‬فثالثة‭ ‬وجوديّة‭ ‬ورابعة‭ ‬ذهنيّة‭ ‬وخامسة‭ ‬كونيّة‭. ‬وسنحاول‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬كلّ‭ ‬دلالة‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والتّنظيمات‭ ‬الممارسة‭ ‬في‭ ‬عرّاسة‭ ‬الشّباب‭ ‬ونطعّمها‭ ‬ببعض‭ ‬عادات‭ ‬العرس‭ ‬وعادات‭ ‬عرّاسة‭ ‬البنات‭.‬

-1-10-2‭ ‬دلالات‭ ‬حضاريّة‭:

أولى‭ ‬الدّلالات‭ ‬الحضاريّة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬اقرّاية‭ ‬العرّاسةب،‭ ‬‭ ‬إقراء‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬بدوي‭ ‬يتمّ‭ ‬في‭ ‬الخيام‭ ‬ليلا‭ ‬ضمن‭ ‬مسامرات،‭ ‬‭ ‬وذاك‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬نظام‭ ‬العزّابة‭ ‬بالذّات‭ ‬فبعض‭ ‬حصص‭ ‬تكوينه‭ ‬تتمّ‭ ‬ليلا‭ ‬مراجعة‭ ‬للحفظ‭ ‬وتثبيتا‭ ‬له‭. ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬تُؤشّر‭ ‬إلى‭ ‬سيطرة‭ ‬الثّقافة‭ ‬التّقليديّة‭ ‬الشّفاهيّة‭ ‬على‭ ‬السّاكنة،‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تنهل‭ ‬في‭ ‬موصوفاتها‭ ‬ولسانها‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬بدوي‭ ‬راحل‭. ‬أمّا‭ ‬اختيار‭ ‬بردة‭ ‬البوصيريّ‭ ‬نصّا‭ ‬لإدخال‭ ‬العريس‭ ‬فوجه‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬تقليديّة‭ ‬الثّقافة‭ ‬السّارية‭ ‬بين‭ ‬الأهالي‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬‭ ‬وارتباط‭ ‬فعليّ‭ ‬بالتّصوّف‭ ‬الطّرقيّ‭ ‬وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الزّوايا‭ ‬القادريّة‭ ‬والعيساويّة‭ ‬خاصّة‭. ‬وقد‭ ‬يبدو‭  ‬الاقتصار‭ ‬من‭ ‬نصّ‭ ‬البردة‭ ‬على‭ ‬الوقفة‭ ‬الطّلليّة‭ ‬مثيرا‭ ‬لتناقضه‭ ‬مع‭ ‬ظرفيّة‭ ‬الفرح‭ ‬العارمة،‭ ‬‭ ‬لكنّه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ينطق‭ ‬بخلفيتين‭ ‬متكاملتين،‭ ‬‭ ‬أولاهما‭ ‬ذوق‭ ‬بدويّ‭ ‬متعلّق‭ ‬أكثر‭ ‬بالصّحراء‭ ‬منشدّ‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬بداوة‭ ‬أهل‭ ‬المشرق‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الجاهليّ‭. ‬أمّا‭ ‬الدّلالة‭ ‬الثّانية‭ ‬فمرتبطة‭ ‬بقسم‭ ‬النّسيب‭ ‬ضمن‭ ‬المقدّمة‭ ‬الطّلليّة،‭ ‬‭ ‬ولعلّ‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬غزل‭ ‬بدويّ‭ ‬عفيف‭ ‬هو‭ ‬عين‭ ‬النّص‭ ‬الّذي‭ ‬يردّد‭ ‬ترغيبا‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬البين‭ ‬بالوصل،‭ ‬‭ ‬وإرواء‭ ‬صبابة‭ ‬الشّوق‭ ‬بماء‭ ‬اللّقاء‭. ‬سيما‭ ‬وعادات‭ ‬القبيلة‭ ‬تفرض‭ ‬ألاّ‭ ‬يلتقي‭ ‬الخطيب‭ ‬بخطيبته‭ ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬الخطبة‭ ‬حتّى‭ ‬يوم‭ ‬العرس،‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تأجيج‭ ‬لواعج‭ ‬الشّوق‭      ‬ما‭ ‬يشجّع‭ ‬على‭ ‬تسريع‭ ‬الشّاب‭ ‬بإعداد‭ ‬العدّة‭ ‬للزّواج‭.‬

ولعلّ‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬في‭ ‬اختيارات‭ ‬نصّ‭ ‬البردة‭ ‬أن‭ ‬يُربط‭ ‬دخول‭ ‬العريس‭ ‬خيمته‭ ‬بأوّل‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬المديح‭ ‬وأن‭ ‬يردّد‭ ‬ثلاثا‭. ‬فهذا‭ ‬البيت‭ ‬المصرّح‭ ‬باسم‭ ‬الممدوح‭ ‬رسولا‭ ‬مكرّما‭ ‬عليه‭ ‬أزكى‭ ‬الصّلاة‭ ‬والتّسليم،‭ ‬‭ ‬إنّما‭ ‬يتلذّذ‭ ‬بذكر‭ ‬اسم‭ ‬خاتم‭ ‬الرّسل‭ ‬فيه‭.‬ويذكر‭ ‬اسمبمحمّدبببركة‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬كلّ‭ ‬عمل،‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬يُدعى‭ ‬في‭ ‬اعتقادات‭ ‬النّاس‭ ‬للحضور‭ ‬فيُقالبيا‭ ‬محمّد‭ ‬احضربوقد‭ ‬يُنادى‭ ‬مصحوبا‭ ‬باسم‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬كرّم‭ ‬اللّه‭ ‬وجهه‭.‬فيقالبيامحمّد‭ ‬يا‭ ‬عليبعند‭ ‬كلّ‭ ‬نازلة‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬ردّ‭ ‬حضور‭ ‬عليّ‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬المذهب‭ ‬الاسماعيليّ‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬‭ ‬فإنّ‭ ‬تقديس‭ ‬شخصيّة‭ ‬الرّسول‭ ‬ينشدّ‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬النّبيّ‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬شعبيّة‭ ‬شفاهيّة‭  ‬كنصوص‭ ‬القصّاص‭ ‬ونصوص‭ ‬قصائد‭ ‬التّصوّف‭ ‬ونصوص‭ ‬الدّعاة‭ ‬ونصوص‭ ‬الشّعراء‭ ‬المحلّيين‭. ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬قد‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬مراتب‭ ‬النّبوّة‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬من‭ ‬التّقديس‭ ‬جلبت‭ ‬ثقافة‭ ‬البركة‭ ‬والتّوسّط‭ ‬مستندة‭ ‬في‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬هموم‭ ‬الدّنيا‭ ‬إلى‭ ‬مبدإ‭ ‬الشّفاعة‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭.‬

وما‭ ‬إن‭ ‬ينطق‭ ‬اسم‭ ‬محمّد‭ ‬عليه‭ ‬الصّلاة‭ ‬والسّلام‭ ‬حتّى‭ ‬تعلو‭ ‬زغاريد‭ ‬النّسوة‭ ‬أمام‭ ‬خيمة‭ ‬العروس‭ ‬فيمتزج‭ ‬المحلّي‭ ‬بالكوني،‭ ‬محليّة‭ ‬احتفاليّة‭ ‬في‭ ‬الزّغردة‭ ‬وكونيّة‭ ‬احتفاليّة‭ ‬في‭ ‬الإنشاد‭ ‬المدحيّ‭ ‬وذاك‭ ‬الامتزاج‭ ‬يتجاوز‭ ‬تحقيق‭ ‬الانفتاح‭ ‬الثّقافيّ‭ ‬للسان‭ ‬العاميّ‭ ‬على‭ ‬اللّسان‭ ‬الفصيح‭ ‬في‭ ‬نصّ‭ ‬البردة‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬النّفسيّة‭ ‬المهمّة‭.‬

-2-10-2‭ ‬دلالات‭ ‬نفسيّة‭:

لاحظنا‭ ‬سابقا‭ ‬أنّ‭ ‬العروس‭ ‬تغادر‭ ‬بيت‭ ‬والديها‭ ‬باكية،‭ ‬ومن‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬اللّحظة‭ ‬الوجدانيّة‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬شخصيتها‭ ‬منفعلة‭ ‬منهارة‭ ‬في‭ ‬أسمى‭ ‬لحظات‭ ‬فرحها‭. ‬ولذلك‭ ‬يُستعان‭ ‬بالنّصّ‭ ‬الصّوفي‭ ‬إنشادا‭ ‬جماعيّا‭ ‬وتعظّم‭ ‬صورة‭ ‬محمّد‭ ‬في‭ ‬مخيّلتها‭ ‬وتزيد‭ ‬الزّغردة‭ ‬بعثا‭ ‬للحماس‭ ‬فيها‭ ‬حتّى‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬كيانها‭ ‬النّفسيّ‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التّوازن‭ ‬المفقود‭ ‬بعد‭ ‬الإجهاد‭ ‬البدني‭ ‬والإرهاق‭ ‬الذّهنيّ‭ ‬والاضطراب‭ ‬الوجدانيّ‭ ‬تخوّفا‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬تقبل‭ ‬خلالها‭ ‬الفتاة‭ ‬على‭ ‬الامتحان‭ ‬الأهمّ‭ ‬في‭ ‬حياتها‭: ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬عنوان‭ ‬شرف‭ ‬عائلة‭ ‬قد‭ ‬فارقتها‭ ‬نهائيّا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬‭ ‬وأن‭ ‬تمسي‭ ‬أسّ‭ ‬عائلة‭ ‬جديدة‭ ‬هيّ‭ ‬سرّ‭ ‬تكوينها‭ ‬بشرفها‭ ‬المصون‭. ‬ولا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬تلك‭ ‬اللّحظة‭ ‬دون‭ ‬شعور‭ ‬فعليّ‭ ‬بجسامة‭ ‬المسؤوليّة‭ ‬فتُجسّد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬البكاء‭ ‬والإصغاء‭ ‬ثمّ‭ ‬في‭ ‬التّهليل‭ ‬زغردة‭ ‬تنوبها‭ ‬فيها‭ ‬النّسوة‭. ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬العروس‭ ‬تُهيّأ‭ ‬نفسيّا‭ ‬بما‭ ‬تسمع‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬محيطها‭ ‬تحسن‭ ‬الإصغاء‭ ‬إليها‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نبيهة‭ ‬لكي‭ ‬تضمن‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬المجتمع28،‭ ‬‭ ‬فإنّ‭ ‬العريس‭ ‬بدوره‭ ‬مطالب‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬نباهة‭ ‬لكي‭ ‬يحسن‭ ‬امَسْكَ‭ ‬رَسَنِ‭ ‬زَوْجَتِهِب‭ ‬بالعبارة‭ ‬المحليّة‭. ‬لذلك‭ ‬يلقّن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزيره‭ ‬الأيمن‭ ‬صاحب‭ ‬الخبرة،‭ ‬‭ ‬دروس‭ ‬التّربية‭ ‬الجنسيّة‭ ‬وما‭ ‬يخصّ‭ ‬منها‭ ‬حسن‭ ‬التّصرّف‭ ‬في‭ ‬اللّيلة‭ ‬الأولى‭ ‬بالذّات،‭ ‬‭ ‬فيُحدّ‭ ‬له‭ ‬الواجب‭ ‬ويوضّح‭ ‬له‭ ‬الإجراء‭ ‬باعتمادبمنديل‭ ‬العذريّةب‭. ‬ولعلّهم‭ ‬بذلك‭ ‬يحاولون‭ ‬تهذيب‭ ‬الفعل‭ ‬الجنسيّ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يوردونه‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬محفوظة‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬النّفزاويّ،‭ ‬‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬أميل‭ ‬إلى‭ ‬قصّ‭ ‬تجاربهم‭ ‬في‭ ‬اللّيلة‭ ‬الأولى‭ ‬الّتي‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬الإسراع‭ ‬بالإنجاز،‭ ‬‭ ‬حدّ‭ ‬الوحشيّة‭ ‬ممارسة‭. ‬فهل‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬الاندفاع‭ ‬الغرائزيّ‭ ‬مقصودا‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬البادية‭ ‬بغية‭ ‬تحطيم‭ ‬شخصيّة‭ ‬المرأة‭ ‬لتسهيل‭ ‬السّيطرة‭ ‬عليها‭ ‬ورسنها‭ ‬كما‭ ‬ترسن‭ ‬النّاقة؟

-3-10-2‭ ‬دلالات‭ ‬وجوديّة‭:‬

لاشكّ‭ ‬أن‭ ‬الثّقافة‭ ‬الجنسيّة‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الثّاوي‭ ‬لاحتفاليّة‭ ‬العرس‭ ‬عامّة،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬دلالاتها‭ ‬مصعّدة‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬احتفاليّة‭ ‬وحركات‭ ‬فنيّة‭ ‬وعبارات‭ ‬مجراة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العادة‭ ‬حتّى‭ ‬تحقّق‭ ‬تلك‭ ‬الإيحاءات‭ ‬الإيروسيّة‭ ‬فاعليتها‭ ‬في‭ ‬التّرغيب‭ ‬والتّقريب‭ ‬والتّلطيف‭ ‬والتأنيس‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حضور‭ ‬المؤثّرات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬سابقة‭ ‬بكثير‭ ‬لليلة‭ ‬الدّخلة‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬عرّاسة‭ ‬الحوايا‭. ‬فأولى‭ ‬هذه‭ ‬الرّموز‭ ‬الجنسيّة‭ ‬مرتبطة‭ ‬ببالمطرقب‭. ‬ففي‭ ‬شكله‭ ‬وفي‭ ‬تثبيت‭ ‬وضعه‭ ‬نهارا‭ ‬بين‭ ‬خفّي‭ ‬النّعل،‭ ‬وإظهاره‭ ‬ليلا‭ ‬بارزا‭ ‬بين‭ ‬جناحي‭ ‬البرنس‭ ‬مثبّتا‭ ‬فوق‭ ‬السرّة‭ ‬منتصب‭ ‬الرّأس،‭ ‬‭ ‬ما‭ ‬ينبئ‭ ‬بكونها‭ ‬علامات‭ ‬دالّة‭ ‬على‭ ‬العناية‭ ‬بذكر‭ ‬الرّجل‭ ‬أداة‭ ‬فعل‭ ‬خارقة‭ ‬وذات‭ ‬مهابة‭. ‬ولتحقيق‭ ‬مهابته‭ ‬يتمّ‭ ‬تتويجه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬الأيّام‭ ‬الثّلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬بنوّارة‭ ‬قماشيّة‭ ‬زاهية‭ ‬اعترافا‭ ‬منها،‭ ‬ومن‭ ‬مجتمعها‭ ‬النّسائيّ،‭ ‬‭ ‬بسلطة‭ ‬لسان‭ ‬القضيب‭ ‬على‭ ‬الحقل‭ ‬الخصيب،‭ ‬‭ ‬أو‭ ‬بسلطة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الرّجالي‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬النّفسي‭ ‬الأنثويّ‭. ‬وصاحب‭ ‬القضيب،‭ ‬صاحب‭ ‬سلطة‭ ‬دوما‭. ‬لذلك‭ ‬يتمّ‭ ‬الغناء‭ ‬له‭ ‬لحظة‭ ‬ظهوره‭ ‬الأولى‭ ‬ليختم‭ ‬حفل‭ ‬العرس،‭ ‬‭ ‬ويكون‭ ‬الصّوت‭ ‬الغنائيّ‭ ‬مثقلا‭ ‬بالرّموز‭ ‬الإيروسيّة‭ ‬في‭ ‬البستان‭ ‬والرمّان،‭ ‬‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭ ‬ونهديها‭. ‬يقول‭ ‬الغصن‭ ‬الغنائيّ‭:‬

هَا‭ ‬سِيدِي‭ ‬اٌلسُّلْطاَنْخَشَّاشْ‭ ‬اٌلْبُسْتَانْ

كَسَّارْ‭ ‬اٌلرُّمَّانْمَاخَلاَّشِ‭ ‬مِنُّو

صَلِّ‭ ‬يَا‭ ‬بُسْتَانْ‭ ‬صَلِّيَعْطِيهْ‭ ‬اٌلْمَغِفْرَهْ‭ ‬وَاٌلْجَنَّهْ

وما‭ ‬الصّلاة‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬البستان‭ ‬إلاّ‭ ‬صكّ‭ ‬طاعة‭ ‬وإذعان‭ ‬لسلطة‭ ‬البالمطرقب‭ ‬المنتصب،‭ ‬في‭ ‬حكمه‭ ‬جور‭ ‬للرّغبة‭ ‬يعترف‭ ‬بها‭ ‬السّطر‭ ‬الأخير‭ ‬فينهي‭ ‬الغصن‭ ‬بالاستغفار‭ ‬له‭ ‬ويوسّع‭ ‬البستان‭ ‬الدّنيويّ‭ ‬جنّة‭ ‬مأمولة‭.‬

ولن‭ ‬يطول‭ ‬الانتظار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬حتّى‭ ‬ينجز‭ ‬العريس،‭ ‬سلطانا‭ ‬ذا‭ ‬مطرق،‭ ‬‭ ‬الصّوت‭ ‬الغنائيّ‭ ‬درسا‭ ‬تطبيقيّا،‭ ‬‭ ‬فيدخل‭ ‬بستانه‭ ‬ويكسر‭ ‬رمّانه‭ ‬بل‭ ‬يفتضّ‭ ‬ختم‭ ‬البكارة‭. ‬ويعطي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الإشارة‭. ‬فتنطلق‭ ‬زغاريد‭ ‬النّسوة‭ ‬وأصوات‭ ‬البارود‭ ‬شهودا‭ ‬ثقاة‭. ‬تجتمع‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬إذن‭ ‬الدّماء‭ ‬من‭ ‬افتضاض‭ ‬يسمّى‭ ‬محلّيابالكسربقياسا‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬الرّمّان‭ ‬في‭ ‬الأغنية،‭ ‬‭ ‬والنّار‭ ‬من‭ ‬بارود‭ ‬محليّ‭ ‬الصّنع‭ ‬يسمّيبالكسكسيّب‭. ‬فتعود‭ ‬صور‭ ‬الفتك‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭:‬دماء‭ ‬ونيران،‭ ‬آهات‭ ‬مكتومة‭ ‬ودخان‭.. ‬وتُستدعى‭ ‬مشاهد‭ ‬الحروب‭ ‬حتّى‭ ‬لكأنّ‭ ‬الدّخلة‭ ‬افتراس‭ ‬وانتهاش‭ ‬لا‭ ‬افتراش‭ ‬وانتعاش‭. ‬وأيّة‭ ‬مودّة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬رجل‭ ‬فضّ‭ ‬فضّاض‭ ‬يكسر،‭ ‬‭ ‬وامرأة‭ ‬مهيضة‭ ‬الجناح‭ ‬اخَذَاهَا‭ ‬رَاجِلْهَا‭ ‬وَعَطُوهَا‭ ‬لَهْببالعبارة‭ ‬المحليّة‭ ‬ذات‭ ‬النّفس‭ ‬التّجاريّ‭ ‬حتّى‭ ‬في‭ ‬تمثّل‭ ‬الزّواجت‭! ‬تنكسر‭ ‬ويتكسّر‭ ‬لذلك‭ ‬كيانها‭ ‬النّفسيّ‭ ‬الهشّ‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬مرهقة‭ ‬تحت‭ ‬ضغوطات‭ ‬الإكراهات‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬العديدة‭: ‬عائلة‭ ‬العروس‭ ‬تترقّب‭ ‬شهادة‭ ‬الشّرف‭ ‬منها،‭ ‬‭ ‬وشخصيّة‭ ‬العريس‭ ‬تترقّب‭ ‬شهادة‭ ‬الامتياز‭ ‬على‭ ‬حسابها‭. ‬وهي‭ ‬الوحيدة‭ ‬الّتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُرضي‭ ‬الجميع‭ ‬بذلّها‭ ‬وانسحاقها‭. ‬وقبولها‭ ‬للأمر‭ ‬الواقع‭ ‬بديلا‭ ‬مرّا‭ ‬ليس‭ ‬أمرّ‭ ‬منه‭ ‬غير‭ ‬هدم‭ ‬الخيمة‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬وطلاقها‭.‬

-4-10-2‭ ‬دلالات‭ ‬ذهنيّة‭:

يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬شخصيّة‭ ‬العروس‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬والتّقاليد‭ ‬تتشيّأ‭ ‬وتصبح‭ ‬أداة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬سلطة‭ ‬النّظام‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬على‭ ‬الأفراد،‭ ‬‭ ‬حتّى‭ ‬يؤدّوا‭ ‬بذلك‭ ‬فريضة‭ ‬الطّاعة‭ ‬ويُقبلوا‭ ‬كيانات‭ ‬نشيطة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬القبليّ‭. ‬وغير‭ ‬خفيّة‭ ‬تلك‭  ‬الرّواسب‭ ‬الميثولوجيّة‭ ‬المنشدّة‭ ‬إلى‭ ‬عهود‭ ‬بدائيّة‭ ‬سحيقة،‭ ‬‭ ‬لكنّ‭ ‬الأهمّ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬العريس‭ ‬لا‭ ‬يتفوّق‭ ‬على‭ ‬عروسه‭  ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭:‬فهو‭ ‬أداة‭ ‬تنفيذ‭ ‬السّلطة‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬ولن‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ماسك‭ ‬القضيب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصفع‭ ‬به‭ ‬إذا‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬فعل‭ ‬الرّجولة‭ ‬لعائق‭ ‬نفسيّ‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يردّ‭ ‬إلى‭ ‬كيد‭ ‬السّحرة،‭ ‬‭ ‬وسينجرّ‭ ‬عندها‭ ‬إلى‭ ‬تعاويذهم‭ ‬وابتزازهم‭ ‬حتّى‭ ‬يكتسب‭ ‬ثقة‭ ‬موهومة‭ ‬تهزّ‭ ‬كيانه‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬نفسه‭ ‬وتحطّ‭ ‬من‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬زوجته‭ ‬وأهله،‭ ‬‭ ‬مريضا‭ ‬عاجزا‭ ‬يفكّر‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬ممّا‭ ‬يفكّر‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬مشاغل‭ ‬حياته‭ ‬المستقبليّة‭. ‬يُثار‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الإكراهات‭ ‬جدل‭ ‬الحرّية‭ ‬الفرديّة‭ ‬والأمن‭ ‬الجماعيّ‭: ‬فحاجيات‭ ‬النّظام‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬تقتضي‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬مشترك‭ ‬كلّ‭ ‬فرد‭ ‬فيه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الوظائف‭ ‬الأساسيّة‭ ‬لبقاء‭ ‬السّلالة‭ ‬واستمرار‭ ‬النّوع‭ ‬البشريّ‭ ‬من‭ ‬إنجاب‭ ‬وإنتاج‭ ‬ودفاع،‭ ‬‭ ‬وأيّة‭ ‬تجربة‭ ‬زواج‭ ‬لا‭ ‬تحقّق‭ ‬الأدنى‭ ‬الضّروريّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحاجيات‭ ‬تُقصى‭ ‬من‭ ‬التّركيبة‭ ‬الوظائفيّة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭. ‬أمّا‭ ‬رغبة‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬بدويّة‭ ‬فهي‭ ‬أميل‭ ‬إلى‭ ‬التّحرّر‭ ‬في‭ ‬النّجعة،‭ ‬‭ ‬وهي‭ ‬أنزع‭ ‬إلى‭ ‬التّحلّل‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بالجنس‭ ‬الآخر،‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬متهرّبة‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬وتجشّم‭ ‬وتعقيد‭. ‬لذلك‭ ‬ينشأ‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬بألعابه‭ ‬ودروسه‭ ‬وتنسيقاته‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬الدّربة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬عمر‭ ‬الصّبا‭ ‬تحرّرا‭ ‬وانفلاتا،‭ ‬‭ ‬وعمر‭ ‬الكهولة‭ ‬التزاما‭ ‬وانضباطا‭ ‬حتّى‭ ‬داخل‭ ‬الوسط‭ ‬القبليّ‭ ‬البدويّ‭. ‬ويعبّر‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬النقلة‭ ‬القسريّة‭ ‬بصيغ‭ ‬إخبار‭ ‬محليّة‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬تمثّل‭ ‬للصّبا‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬التشرّد‭ ‬في‭ ‬وقولهمبفْلاَن‭ ‬بَيِّتْبوضربا‭ ‬من‭ ‬التسيّب‭ ‬والانحلال‭ ‬بقولهم‭:‬بفْلَانْ‭ ‬نْلَمْدُوهْ،‭ ‬فْلاَنْ‭ ‬نْرُدُّوهْبويمثّلون‭ ‬لثقل‭ ‬المهمّة‭ ‬بعد‭ ‬الزّواج‭ ‬بالعديلة‭ ‬الّتي‭ ‬تحتاج‭ ‬متعاونين‭ ‬زوجا‭ ‬وزوجة‭ ‬عند‭ ‬قولهم‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الزّوج‭:‬اهِزِّي‭ ‬مَعَايَا‭ ‬اٌلْعَدِيلَهْب‭ ‬وينتجون‭ ‬الوصيّة‭ ‬تثبيتا‭ ‬لعصمة‭ ‬الرّجل‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬المرأة‭ ‬اطِيعِي‭ ‬مُولَى‭ ‬مَحَلِكْب‭. ‬أمّا‭ ‬أقلّ‭ ‬النّساء‭ ‬بختا‭ ‬فأكثرهنّ‭ ‬زيجات‭ ‬عن‭ ‬طلاق‭ ‬أو‭ ‬ترمّل،‭ ‬وتصبح‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظّواهر‭ ‬مثار‭ ‬تندرّ‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬احِكَايَةِ‭ ‬اٌلْمُتَرَمِّلَةِ‭ ‬وَشَوَاشِي‭ ‬أَزْوَاجِهَا‭ ‬اٌلْمُعَلَّقَةِب29

وبمثل‭ ‬هذه‭ ‬الثّقافة‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬السّارية‭ ‬تتجلّى‭ ‬رؤى‭ ‬محليّة‭ ‬للكون‭ ‬والوجود‭ ‬والحياة‭ ‬تؤمن‭ ‬بفرديّة‭ ‬الإنسان‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬جموحها‭ ‬بمختلف‭ ‬الرّوابط‭ ‬الّتي‭ ‬تشدّ‭ ‬هذا‭ ‬الفرد‭ ‬المتمرّد‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬وتؤصّله‭ ‬فيه‭ ‬عمقا‭ ‬ثقافيّا‭ ‬وتواصلا‭ ‬اجتماعيّا‭ ‬يجعل‭ ‬الشّباب‭ ‬شريحة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬خارجة‭ ‬بانتظام‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬التّهميش‭ ‬وحالة‭ ‬الإنكار‭ ‬إلى‭ ‬قطب‭ ‬الدّائرة‭ ‬اعترافا‭ ‬يقرّبه‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭.‬

-5-10-2‭ ‬دلالات‭ ‬كونيّة‭:‬

إنّ‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالشّباب‭ ‬أنّ‭ ‬يولّد‭ ‬الدّلالات‭ ‬الكونيّة‭ ‬لنظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭. ‬دلالات‭ ‬متّصلة‭ ‬بقيمة‭ ‬الشّباب‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬تجّدد‭ ‬الحضارة‭ ‬وتواصل‭ ‬الإشعاع‭. ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬المحلّي‭ ‬يُؤمن‭ ‬بالشّباب‭ ‬طاقة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬والإضافة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الجبليّ‭ ‬يُعتمد‭ ‬على‭ ‬حيويّة‭ ‬الشّباب‭ ‬لقهر‭ ‬صعوبات‭ ‬الجبل‭ ‬تعميرا‭ ‬داخله‭ ‬وتثميرا‭ ‬خارجه‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا‭ ‬خرجت‭ ‬أجيال‭ ‬وأجيال‭ ‬مهاجرة‭ ‬من‭ ‬شبابه‭ ‬تجوب‭ ‬الآفاق‭ ‬وتخترق‭ ‬مدن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬موارد‭ ‬رزق‭ ‬أنسب،‭ ‬‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬مجال‭ ‬محلّيّ‭ ‬محدود‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬كونيّ‭ ‬رحب‭. ‬ولعلّ‭ ‬في‭ ‬دروس‭ ‬العرّاسة‭ ‬جدّا‭ ‬وهزلا‭ ‬ما‭ ‬يعدّ‭ ‬الشّابّ‭ ‬الرّيفيّ‭ ‬من‭ ‬الحوايا‭ ‬حتّى‭ ‬يكون‭ ‬سفير‭ ‬بلاد‭ ‬ولسان‭ ‬مجموعة‭ ‬وحمّال‭ ‬قيم‭ ‬إنسانيّة‭ ‬مؤمنة‭ ‬بالسّير‭ ‬المنتظم‭ ‬نحو‭ ‬التّمدّن‭ ‬الطّبيعيّ‭ ‬للإنسان،‭ ‬‭ ‬وبتطوير‭ ‬مسالك‭ ‬إنتاجه‭ ‬الماديّ‭ ‬واللاّماديّ‭ ‬تطويرا‭ ‬ذاتيّا‭ ‬أو‭ ‬باستيراد‭ ‬تجارب‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬تطوّره‭ ‬الداخليّ‭ ‬ومواكبة‭ ‬التّطوّر‭ ‬الخارجي‭. ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬منغلقا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بقدرما‭ ‬كان‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬نظم‭ ‬محايثة‭ ‬وأخرى‭ ‬قديمة‭ ‬ويسمح‭ ‬بالتقاء‭ ‬الاجيال‭ ‬ضمن‭ ‬تراتبيّة‭ ‬هرميّة‭ ‬تؤمن‭ ‬بقيمة‭ ‬التّفاعل‭ ‬الخارجيّ،‭ ‬‭ ‬وبأهميّة‭ ‬دور‭ ‬التّواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الذّات‭ ‬،‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬دعم‭ ‬إشعاع‭ ‬الخصوصيّة‭ ‬والالتحام‭ ‬بمضامين‭ ‬كونيّة‭ ‬ليس‭ ‬أقلّها‭ ‬أن‭ ‬يكرم‭ ‬العريس‭/‬السّلطان‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬ومن‭ ‬طبيخ‭ ‬زوجته‭ ‬عائلته‭ ‬عصيدةً‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السّابع‭ ‬من‭ ‬العرّاسة،‭ ‬‭ ‬وأن‭ ‬يستضيف‭ ‬أصدقاءه‭ ‬على‭ ‬طبيخ‭ ‬زوجته‭ ‬للكسكسيّ‭ ‬ويتكرّم‭ ‬عليهم‭ ‬بنحر‭ ‬رأس‭ ‬غنم‭ ‬أو‭ ‬ماعز‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬احتفاليّ‭ ‬إضافيّ‭ ‬يسمّى‭ ‬محليّا‭ ‬االكوشةب‭ ‬وتلك‭ ‬أشهى‭ ‬أكلات‭ ‬اللّحم‭ ‬المصليّ‭ ‬في‭ ‬البريّة‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الجبال‭. ‬إنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬الخاتمة‭ ‬إنّما‭ ‬هي‭ ‬الافتراق‭ ‬على‭ ‬حلاوة‭ ‬قبل‭ ‬الالتقاء‭ ‬في‭ ‬عرّاسة‭ ‬جديدة‭ ‬ضمن‭ ‬دورة‭ ‬التّداول‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬الافتراضيّ‭. ‬فهل‭ ‬يُعَدّ‭ ‬ذلك‭ ‬إيمانا‭ ‬بتداول‭ ‬فعليّ‭ ‬على‭ ‬السّلطة‭ ‬لا‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬القبيلة‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬عاما‭ ‬بعام‭ ‬أو‭ ‬أكثر؟‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬السّياسيّ‭ ‬فعلا‭ ‬بين‭ ‬قبائل‭ ‬نائيّة‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬دمّر،‭ ‬لأنّها‭ ‬قبائل‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬حياتها‭ ‬من‭ ‬بساطة‭ ‬ومن‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬التّشكّل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬خاصّة،‭ ‬‭ ‬ولكنّها‭ ‬عادات‭ ‬مؤشّرة‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬والسّياسيّ‭ ‬بالمنطقة‭.‬

 

3 - الخاتمة‭:‬

يتجلّى‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬ببلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬عموما‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثقافيّة‭ ‬تمثّل‭ ‬جزءا‭ ‬مهمّا‭ ‬من‭ ‬الهويّة‭ ‬المحليّة‭ ‬لساكنة‭ ‬بني‭ ‬خداش‭ ‬ومقوّما‭ ‬مهمّا‭ ‬من‭ ‬مقوّمات‭ ‬تراثها‭ ‬خلال‭ ‬لحظة‭ ‬حضاريّة‭ ‬مميّزة‭ ‬بدأ‭ ‬خلالها‭ ‬النظام‭ ‬المجتمعيّ‭ ‬لعروش‭ ‬الحوايا‭ ‬يسلك‭ ‬طريق‭ ‬الرّحلة‭ ‬عن‭ ‬بداوة‭ ‬الرّحيل‭ ‬القلق‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬فعليّة‭ ‬من‭ ‬التحضّر‭ ‬التّدريجيّ‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬جُعل‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬وجها‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الميعاد،‭ ‬‭ ‬فإنّما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك‭ ‬كيّ‭ ‬يُذكّر‭ ‬شباب‭ ‬الغد‭ ‬بأسس‭ ‬بني‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬منذ‭ ‬أجيال‭ ‬سحيقة‭:‬أن‭ ‬يتآزر‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬حاسمة‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬الحياة،‭ ‬‭ ‬حتّى‭ ‬يستمرّ‭ ‬ما‭ ‬يربط‭ ‬الجماعات‭ ‬ويحقّق‭ ‬الروح‭ ‬الكنفدرالية‭ ‬داخلها‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الاتّحاديات‭ ‬الصّغرى‭ ‬ضمن‭ ‬اتّحاديّة‭ ‬محليّة‭ ‬أكبر‭ ‬هي‭ ‬اتّحاديّة‭ ‬ورغمّة‭..     ‬ولم‭ ‬ترسخ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الطّقوس‭ ‬الاحتفاليّة‭ ‬عبر‭ ‬الزّمن‭ ‬إلاّ‭ ‬لقيمتها‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬ولدلالاتها‭ ‬الذّهنيّة‭ ‬ولدورها‭ ‬التّربويّ‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الفرد‭ ‬وتنظيم‭ ‬المجتمع‭ ‬وتمرير‭ ‬أنساق‭ ‬ثقافيّة‭ ‬أصيلة‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬القبيلة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬فعلا‭ ‬،‭ ‬ومنذ‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬خاصّة،‭ ‬تفارق‭ ‬ضيق‭ ‬بداوتها‭ ‬وتندمج‭ ‬في‭ ‬آفاق‭ ‬كونيّة‭ ‬جلبتها‭ ‬إليها‭ ‬ممالك‭ ‬البحار‭ ‬ومسالك‭ ‬البرار،‭ ‬‭ ‬وانعكست‭ ‬بشكل‭ ‬جليّ‭ ‬على‭ ‬ألعاب‭ ‬العرّاسة‭ ‬بالذّات،‭ ‬آخر‭ ‬الحصون‭ ‬الثّقافيّة،‭ ‬فأصابت‭ ‬مصطلحات‭ ‬خطابها‭ ‬وطرق‭ ‬تنظيمها‭ ‬ومسّت‭ ‬هيبة‭ ‬المشرفين‭ ‬عليها‭...   ‬ولم‭ ‬نعد‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬ندرك‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬العرّاسة‭ ‬غير‭ ‬طلل‭ ‬دارس‭ ‬لاجتماع‭ ‬قصير‭ ‬دونما‭ ‬انتظام‭ ‬مثير‭...‬ذهبت‭ ‬هيبة‭ ‬االسّلاطينب‭ ‬وأتى‭ ‬الزّمان‭ ‬على‭ ‬نفاسة‭ ‬االحفصيّةب،‭ ‬وقد‭ ‬صارت‭ ‬االحجّامةبتنفرد‭ ‬بها‭ ‬وتلغي‭ ‬ما‭ ‬دونها‭ ‬من‭ ‬اعتناء‭ ‬قديم‭ ‬فلا‭ ‬ظفيرة‭ ‬ولا‭ ‬أقوال‭ ‬عجائز‭ ‬ولا‭ ‬زغاريد‭ ‬ولا‭ ‬بخورات‭ ‬مصاحبة،‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬مومياء‭ ‬سخيفة‭ ‬شاحبة‭.....‬واختفت‭ ‬نصوص‭ ‬الغناء‭ ‬الشّعبيّ‭ ‬أمام‭ ‬أسطوانات‭ ‬فنّ‭ ‬تقليديّة‭ ‬ورقميّة،‭ ‬وتحت‭ ‬صداع‭ ‬مكّبرات‭ ‬الصّوت‭ ‬الصّاخبة‭..‬وضاعت‭ ‬هوادج‭ ‬الإبل‭ ‬وحلّت‭ ‬محلّها‭ ‬السيّارات‭ ‬الفارهة‭..‬حتّى‭ ‬غدت‭ ‬العرّاسة‭ ‬ذكرى‭ ‬زمن‭ ‬غابر‭ ‬قلّ‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬طقوسها‭ ‬ودلالاتها‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الحوايا‭ ‬بالذّات‭. ‬وذاك‭ ‬ما‭ ‬دفعنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نؤرّخ‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الظّاهرة‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬حتّى‭ ‬نُبقي‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الذّكر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفيد‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التّقارب‭ ‬بين‭ ‬الشّعوب‭ ‬عبر‭ ‬التّعارف‭.‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬بابا‭ ‬للدّراسات‭ ‬الأنتربولوجيّة‭ ‬في‭ ‬تراث‭  ‬الأمم‭ ‬كما‭ ‬حافظت‭ ‬عليه‭ ‬المناطق‭ ‬الدّاخليّة‭ ‬النّائية‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬المحليّ‭ ‬وعلامة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬تراثها‭ ‬المميّزة‭.‬

الهوامش:
1 - الفيروزبادي(مجد الدّين محمّد)القاموس المحيط، ص557 ، ط8، مؤسّسة الرّسالة، بيروت2005
2 - الحسين(الهاشمي)، الحلقة المفقودة في تاريخ العمران بجبل دمّر من خلال قصور معتمديّة بني خداس، الحياة الثّقافيّة عدد212، أفريل2010، ص64
3 - دغسن(الطّاهر)، قصور جبل بني خداش في الفترة الحديثة بين التّاريخ والتّراث، أطروحة ماجستير، ص15، كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، تونس2011، عمل مرقون
4 - المرجع السّابق ص17
5 - حسن (محمّد) المدينة والبادية في العهد الحفصي ج1 ، جامعة تونس الأولى1999  ، ص ص277-278.
6 - التّجّاني(أبو عبد اللّه)، رحلة التجّاني، ط1، ص185، الدّار العربيّة للكتاب، تونس ليبيا1981، تحقيق وتقديم حسن حسني عبد الوهّاب
7 - ابن خلدون(عبد الرّحمان) ، العبر، ج4، ص290، دار الفكر1988,ط2، بيروت
8  -طبع كتاب السّير وأخبار الأئمّة لأبي زكرياء يحيى بن ابي بكر الورجلاني طبعة أولى سنة1985 بالدّار التّونسيّة للنّشر من تحقيق عبد الرّحمان أيّوب
9 - دغسن(الطّاهر)، قصور جبل بني خداش في الفترة الحديثة بين التّاريخ والتّراث، أطروحة ماجستير، ص28، كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، تونس2011، عمل مرقون
10  - الباهي (مبروك)،  القبيلة في تونس في العهد الحديث ق16 ذ ق19 ٬ من بداوة الجمل إلى بداوة الخروف والحوز السباسب الوسطى مثالا، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس2005، ص99
11 -الشّعراء الشّواشين جملة من الشّعراء الزّنوج يكوّنون فرقة فنيّة تقيم حفلات البوادي على طبلها ورقصاتها وأدائها لقصائد شعريّة  بشكل جماعيّ.من أشهر الفرق الفنيّة في ذلكسشواشين غبتن، شواشين الحمارنةسوتعرف الظّاهرة الثّقافيّة بولايتي مدنين وقابس أكثر
12 - Maquart(capitaine)ت;Etude sur la trubi des houaia;in revue tunisienne;1937 p270
13 -  قد يتأخّر موعد العرس إلى بدايات الخريف موسم تهاطل الأمطار بالمنطقة فتُفسد بذلك احتفال العرس خاصّة إذا هطلت ليلا والنّاس في حلقة العرس على أنواربالسّامربالمتوقّدة من حطب الجبل.وحدث في الخمسينيات من القرن الماضي بقرية ناكيم  أن تأخّر موعد عرس جماعيّ لعريسين قريبين هما الهادي والعيّادي فقطعته شآبيب المطر أكثر من ثلاث مرّات واضطرّ الحاضرون إلى الاحتماء بالمغاور وترك ساحة العرس.فاستطرف الشّاعر المحلّي ضيف اللّه       ابن أحمد المسبوب ذلك وأنشأ يقول مشيرا إلى خمود صوت الطبل في البيت الاوّل أمام زمجرة صوت الرّعد في البيت الثّاني
عِرْسِ اٌلْهَادِي وَاٌلْعَيَّادِيحِسَّهْ غَاِديقَالُوا طَبْلَهْ نَدَّى
يِتْنَقْمِرْلَهْ لاَخِرْ مِنْ غَادِيصُوتَهْ صَادِيمَا هُو نَافِحْ رَدَّهْ
 
14  -العلاّقة وعاء من السّعف يعلّق غالبا.تجمّع فيه مواد تجميل المرأة وأدوات زينتها وأنواع من البخور.ثمّ تخاط العلاّقة في بيت العريس .وهي ممّا يهديه العروس لعروسته علامة مودّة واحترام
15 - حمدي(المبروك)، ديوان شعر وتجربة حياة، ص76 مخطوط
16 - نفس المرجع، ص77
17 - الحمدي(مبروك)، ديوان شعر ومسيرة حياة، ص77مخطوط
18 - حمدي(المبروك)، ديوان شعر وتجربة حياة، ص75 مخطوط
19 - خلط الباحث بين نظامين يعرفان عند شباب الحوايا حتّى منتصف القرن الماضي هما العرّاسة والجنّادة.أمّا العرّاسة فمستقلّة بنفسها حول العريس ولا تدخل فضاء العرس بصفة رسميّة إلّا لحظة دخول العريس سلطانها.وأمّا الجنّادة فهي تنظيم داخليّ يتولاّه كلّ شباب قادمين من فروع القبائل ذاتيّا ويحتفلون لذلك بأبهى اللّباس ثمّ يدخلون ساحة العرس صفّا واحدا بأسلحتهم ويتقدّمون صوب الطبّال يرمونه بالنّقود ويتابعون إيقاعات الطّبل ثمّ ينصرفون بطلقات بارودهم المنظّمة.وقد زال هذا الشّكل الاحتفاليّ مع بدايات عهد الاستقلال تقريبا.
20 - حمدي (المبروك)، ديوان شعر وتجربة حياة، ص77 مخطوط
21 - قد يفسّر انفعال العرائس بجبل دمّر /بلاد الحوايا حاليّا لحظة ظفيرتهنّ برسوخ حكاية سكرانة المانيطيّة في اللاوعي الثٌقافيّ، تلك الحكاية ذات المنحى التراجيديّ الّتي انتهى عرسها على الحدود بين جبل دمّر وجبل مطماطة بحرب طاحنة أودت بحياة مئات الفرسان من أهلها المانيطيين ومن أهل عريسها التمدانيين.وكان التّحميس للحرب قد بدأ لحظة ظفيرتها بغناء الظّافرات غصنا مستفزّا هو:
لاَشْ تِبْكِي يَا دَارْ بُوهَاسَكْرَانَةْ بِاٌلدَّرَاهِمْ بِعْتُوهَا
وانتهى التّحميس عند مرافقة هودجها بجملة من الأبيات أكثر إثارة في قول النّسوة المشيّعات لمّا أُطلق عليها البارود فجُرحت ساقها وسال من داخل  الهودج دمها:
جِيتِي زَايِرْ
دْارُولِكْ جِدْرَهْ وَظَفَايِرْ
مِلْكِ اٌلْمُوتْ فِيكْ يْخَايِرْهَذَا مَا بَغَى مُولاَنَا
مَا أَكْبِرْ هُولِكْ مَا أَكْبِرْ هَمِّكْفِي اٌلْقَرْعَاءْ تَبَزِّعْ دَمِّكْ
لاَهُو خُوكْ لاَهْو بِنْ عَمِّكْغَرْبِي وَحَبَّتَهْ قَتَّالَهْ

 

وقد ظلّت نسوة الهوادج في بلاد الحوايا يردّدن بعض الأغصان الشّعريّة من قصّتها هذه إلى زمن قريب في تشييع العرائس المتزوّجات خارج المنطقة.
ومن المفيد أنّا قد دوّننا هذه الحكاية وغيرها من الحكايات المحليّة عن شيوخ رواة في المنطقة صوتا مخزّنا ونصّا مكتوبا.

 

22 - حمدي(المبروك)، ديوان شعر وتجربة حياة، ص76 مخطوط
23  - نفس المرجع ص77
24 - يذكر الباحث محمد المرزوقي في كنابه امع البدو في حلّهم وترحالهمب أنّ قبيلة أولاد عقوب بقبلّي غرب بني خداش تنجز هذه العادة أيضا.لكنّ العروس ما إن يذبح عريسها الشّاة حتّى تفرّ أمامه وتجري حول الخيمة وعلى العريس أن يطاردها ويضربها على ظهرها بالمطرق.فإن لم يتمكّن من ذلك لثلاثة أدوار عدّ مغلوبا من قبلها منذ أوّل ليلة.
25 - يمكن العودة في شرح مكوّنات هذه الألعاب إلى كتابسالألعاب الشّعبيّةسمن تأليف الأستاذ الموسيقار حسن العماري وقد طبع طبعة أولى سنة 2009 عن مطبعة التّسفير الفنيّ-صفاقس-تونس
26 - أخذت هذهسالقرّاياتسعن الشّيخ سعيد بن ضيف اللّه الصّديق من ساكنة قرية مانيط يوم الأحد17أكتوبر2010 وكان من أبرع منشّطي سهرة البيت ليلا.وهو ابن الشّاعر الشّعبيّ ضيف اللّه بن أحمد المسبوب المتوفّي عام1974. وذكر لنا من الألعاب كذلك لعبة تسمية مكوّنات العلاّقة ومكوّنات بيت الشّعر  وموازنته باللّفظ كقولنا:قرطاس=فرطاس=ترفاس/ركيزة=طريزة=غريبيزة/فليج=خليج=سريج=تربيج=حليليج...حرقوص=فرقوس=دغموس.وقد لاحظنا أنّ مجال الأداء اللّفظي في مثل هذه اللّعبة ينهل كثيرا من الأمازيغيّة لكثافة تسمية الأدوات والنّبات والأشياء والأمكنة  بها في الجهة خاصّة وفي شمال أفريقيا عامّة ضمن اللّسان الدّارج بين النّاس
27  - يمثّل لذلك محليّا بحكاية مثليّة ملخّصها أنّ الإنسان الّذي قدّر له اللّه عمرا حقيقيّا لا يتجاوز 25سنة، قد طلب من خالقه أن يطيل عمره فاستجاب له سبحانه بأن يضيف من أعمار الحيوانات إليه ما رضي الحيوان بذلك.ولم يجد الإنسان من راض إلاّ البغل والقرد والكلب وسلّمه كلّ واحد منها 25سنة من عمره.فصار الإنسان بذلك يعيش أربعة أعمار:عمر بنادم(1-25سنة)، عمر البغل(26-50سنة)، عمر القرد(51-75سنة)عمر الكلب(75-100سنة)
28 - يتندّر في المنطقة بتوجيه امرأة لابنتها حديثة العهد بالزّواج مكنّية عن الإسراع بإنجاب الأبناء بقولهاسدقّيله موثق على شملتهس(الشملة طرف الحولي أو الوزرة وهي من ملابس الرّجال في المنطقة)فطبّقت الفتاة ذلك حرفيّا ودقّت وتدا على طرف ثوب زوجها.ولمّا سألها ما تفعلين بي؟أعادت وصيّة أمّها.فانفجر ضاحكا وطلّقها قائلا:أنت لا تصلحين أن يُنجب منك الولد
29  - تقول الحكاية إنّ أرملا قد رغب في الزّواج من مترمّلة لا يعلم الكثير عن خبرها.ولمّا دخل عليها بيتها وجدها قد علّقت أربع شواش(كبابيس بالتّسمية المحليّة) فسألها عن سّرها فقالت الشّاشية الأولى لزوجي الأول وقد مات غرقا، والثّانية لزوجي الثّاني وقد مات غدرا والشّاشية الثّالث لزوجي الثّالث وقد مات شنقا والشّاشية الرّابعة لزوجي الرّابع وقد مات تعبا.فعلّق المسكين شاشيته في خاتمة الصّفّ وقال لها:قولي لزوجك من بعدي أمّا هذا فقد فات الموت هربا.وخرج من بيتها.

أعداد المجلة