فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
18

المناطق المتميزة للرقص الشعبي في مصر

العدد 18 - موسيقى وأداء حركي
المناطق المتميزة للرقص الشعبي في مصر
كاتب من مصر

يتأثر الاهتمام بموضوع الرقص الشعبي في مصر بمدى الاهتمام العام بألوان الفنون الشعبية بجميع أشكالها وألوانها، ولقد زاد الاهتمام بالفنون الشعبية عامة في مصر في الفترة الأخيرة بهدف الحفاظ على الموروث الشعبي الأصيل. وموضوع الرقص الشعبي المصري متعدد الجوانب، ويتطلب إجراء بحث شامل يتضمن الخلفية التاريخية والاجتماعية بل والتطور التاريخي المصري وعلاقة الرقص الشعبي بالفنون الأخرى على أساس تطور فن الرقص ذاته لهذا الشعب وخصائصه ومميزاته، على أن يتضمن الدراسة الجغرافية للبيئة الطبيعية والحرفة السكانية وكذا الدراسة الاجتماعية للعادات والتقاليد والعرف في المناسبات المختلفة، بالإضافة إلى دراسة الفنون الشعبية الأخرى وبيان مكانتها الأساسية من البحث خاصة ما يتعلق بفنون الموسيقى والغناء وآلاتها وإيقاعاتها المصاحبة على أن تكون دراسة الأزياء دراسة متأنية تتضمن تفاصيل ودقائق الملابس والاكسسوارات والحلي والمصاغ الشعبي بل والأدوات المصاحبة في الرقص.

ويعتبر كتاب سعد الخادم1 من أهم المراجع التي تتحدث عن الرقص الشعبي في مصر وفي مقدمته كتب يقول “ولا يحاول هذا البحث حصر ضروب الرقص الشعبي في جميع الحضارات التي توالت على مصر وتصنيفها تصنيفاً علمياً ولا يقصد من جهة أخرى حصر الرقصات الشعبية كافة بين أقاصي الصعيد ونوائي قرى الوجه البحري حصرا وافيا بحيث لا يدع المجال لقائل يقول : شهدت رقصة لم يرد ذكرها في هذا الحصر وحضرت مناسبة تقام فيها الرقصات لم تنوه عنها الدراسة، فمثل هذه التحقيقات تتعدى إطار هذه الدراسة التي لا تهدف إلا إلى عرض عدد يسير من الرقصات التي أمكن استنباطها من مراجعة جوانب متعددة من آثارنا القديمة”2وترجع أهمية هذا المرجع في طريقة ومنهج البحث عن بعض الرقصات الشعبية القديمة في مصر والتي تفيد إلى حد كبير الباحثين في مجال الرقص الشعبي المعاصر في مصر، برغم أن بحثه في رقصات شعبية في عصور قديمة وتكاد تكون قد اندثرت الآن، وأهم الرقصات التي تناولها في دراسته رقصات (الدرع) المصورة على الأقمشة القديمة والفنون الفرعونية، (القلاع) على الأقمشة القبطية، (الخيال أو أمير النيروز)، (النخلة)، (القرفصاء)، (رصد الطالع)، وبعض الرقصات المصورة على التماثيل الفخارية.

وتوجد بعض المراجع العلمية القيمة في مجال الرقص الشعبي في مصر للرحالة والعلماء الأجانب الذين زاروا مصر، ولا ننكر فضل علماء الحملة الفرنسية الذين عكفوا على دراسة مصر وخلفوا لنا كتاب (وصف مصر) والذي يتضمن جزءا هاما يتناول دراسة الفنون المصرية وخاصة الرقص والغناء حيث تعرض لرقص (العوالم والغوازي).

ولا نستطيع  أن ننكر الدور الهام الذي قام به مركز الفنون الشعبية في إرسال فرق البحث الميداني التي طافت أغلب محافظات مصر بحثاً ودراسة لمعظم ألوان الفنون الشعبية المصرية ونشرت بمجلة الفنون الشعبية.

هذه الدراسات والأبحاث العلمية وغيرها مما توافر لدى الباحث لفتت النظر إلى ظاهرة ابتعاد هذه الدراسات عن وضع خريطة توزيع الرقصات الشعبية المصرية على مدى هذا التاريخ، وكان اكتشاف هذه الحقيقة دافعاً للباحث لدراسة موضوع هذا البحث عن طريق محاولة اقتراح منهج أو أسلوب علمي يساعد على تقسيم أنواع الرقص الشعبي المصري المعاصر في خريطة تنتظم المناطق والأقاليم المختلفة التي تحددها الصفات المتميزة للرقصات الشعبية اِلأصلية وتبرز أهم الرقصات النموذجية في كل منها.

 

أسس ومبادئ التقسيم -

1 - الأصول التاريخية للتكوين السلالي.

2 - طبيعة نشاط السكان.

3 - المستوى الثقافي والحضاري.

4 - العزلة والبعد عن المؤثرات الحضارية الحديثة.

5 - الموقع الجغرافي.

6 - التقسيم الإداري.

وهذه الأسس والمبادىء، تكمل بعضها البعض ولاغنى لأحدهما عن الأخر، ولا يمكن الأخذ بأحدها كمبدأ عام دون باقي المبادىء عند إجراء عملية التقسيم، وسوف نتعرض لكل مبدأ على حدة نوضح علاقته بالمبادىء الأخرى.

 

أولاً: الأصول التاريخية للتكوين السلالي:

لقد اشتهرت (مصر بخصوبة أراضيها وثروتها الزراعية بفضل النيل العظيم وبنى قدماء المصريين أخلد وأعظم الحضارات منذ فجر التاريخ حتى صارت مصر ملتقى الحضارات التي امتزجت معها كالحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية وحتى ظهور المسيحية وانتشارها بمصر، وعلى مدى هذا التاريخ الطويل وفدت مصر على فترات متقطعة هجرات مختلفة من شبه الجزيرة العربية إلى أن جاء الفتح الاسلامي لمصر وانتشار الإسلام فيها وبناء الحضارة الإسلامية وتأكد وجه مصر العربي. “نلاحظ أن العرب عندما فتحوا مصر أصبح فيها ثلاثة عناصر من السكان هم المصريون أهل مصر الأصليون والروم بقايا الحكم الروماني والعرب الفاتحون)”3. وتوالت على مر العصور الخلافة الإسلامية وحتى حكم الفاطميين حيث وفدت إلى مصر بعض قبائل الشام واستقرت بها وامتزجت الهجرات الشامية بالمصريين حتى جلب المماليك من أواسط آسيا الذين استقروا بها وملكوا زمام أمرها حتى وقعت مصر تحت الحكم التركي واستقرار بعض الأتراك بها. وأصبحت التركيبة السكانية تمتد جذورها إلى السلالة المصرية الأصلية التى امتزجت وتزاوجت وبعض السلالات الوافدة مثل اليونانية والرومانية والعربية والشامية والمملوكية والتركية. وهكذا وعلى مدى هذاالتاريخ الحافل والطويل عبر آلاف السنين فقد تأثر وتكون الوجه المصري العام.

 

ثانياً: طبيعة نشاط السكان:

أما مبدأ التقسيم تبعاً لطبيعة الحياة والنشاط البشري للسكان فإن مصر تنقسم إلى ثلاثة أنماط متميزة وهي:-

البدو الرحل وأشباه الرحل وينتشرون في الصحارى المصرية في القبائل البدوية في شبه جزيرة سيناء والصحراء الشرقية والصحراء الغربية بواحاتها الخمس وفي مطروح في الشمال الغربي، وتسود حرفة الرعي المجتمع البدوي وبعض الحرف الأخرى الموسمية كالزراعة في مواسم المطر والصيد سواء البري أو البحري وبعض الحرف والصناعات البيئية البسيطة بالإضافة إلى تربية الخيول والإبل أحيانا.

الفلاحون سكان القرى الريفية حيث يستقرون بصفة عامة في مناطق الزراعة كما هو الحال في الدلتا ووادي النيل والزراعة حرفتهم الرئيسية، كما يشتغل عدد كبير من سكان القرى بصيد البحر سواء الصيد النهري لنهر النيل أو الصيد البحري لشاطىء البحر المتوسط أو الصيد على البحيرات المنتشرة في الدلتا والفيوم وحرفة تربية الحيوان وخاصة البقر والجاموس، فضلا عن الصناعات التي قامت على الزراعة وبعض الصناعات البيئية البسيطة والمختلفة.

سكان المدن حيث يستقرون في العاصمة وعواصم المحافظات المختلفة ويشتغلون بالمهن الحضرية المختلفة كالصناعة والتجارة والنقل والمواصلات والادارة والخدمات والوظائف الحكومية المختلفة، كما يشتغل بعض السكان في الحرف البيئية المختلفة ... وما إلى ذلك.

هذا المبدأ منفرداً ليس دقيقاً حيث ينقسم البدو مثلا إلى ثلاثة أقسام بدو شرق، وبدو غرب، وبدو جنوب، ولكل منها عاداته وتقاليده، بل ولهجاته وفنونه وأنسابه، أما بدو الشرق فيسكنون شرق نهر النيل عموما في سيناء والصحراء الشرقية وبالقرب من بعض محافظات شرق الدلتا، أما بدو الغرب فيسكنون غرب الاسكندرية في مطروح وحتى الحدود الليبية، وفي الصحراء الغربية بواحاتها الخمس الداخلة والخارجة والفرافرة والبحرية وسيوة، وأما بدو الجنوب فيسكنون الجنوب الشرقي للصحراء الشرقية وقرب الحدود السودانية، هذا من جهة، ومن جهة آخرى فيختلف فلاحو الدلتا وفلاحو الصعيد وأيضاً فلاحو النوبة اختلافاً كبيراً.

ولكن مع هذا يعتبر مبدأ النشاط الحرفي للسكان أقرب المبادىء، والأسس التي يمكن الاعتماد عليه عند إجراء عملية التقسيم إذا أخذ في الاعتبار باقي المبادىء الأخرى، وذلك كمرحلة أولى تمكننا من تحديد خريطة الرقص الشعبي في مصر تبعاً لطبيعة نشاط كل فئة من أنماط السكان ودراسة أوجه التشابه والتباين بين عاداتها وتقاليدها وطبعائها والتي تنعكس في رقصها وفنونها مما يعني إدراك مميزات للرقص الشعبي لدى كل الأنماط وأوجه التشابه والاختلاف بداخلها.

وعلى هذا الأساس وتبعاً لطبيعة نشاط السكان يمكن توزيع مناطق الرقص الشعبي كالآتى:

حيث نجد أن الرقص البدوي يوجد فى أربعة مناطق متميزة هى:-

منطقة سيناء.

منطقة الصحراء الشرقية.

منطقة الصحراء الغربية.

المنطقة الشمالية الغربية.

أما الرقص الفلاحي فيوجد فى ثلاث مناطق متميزة هي:-

منطقة جنوب الوادي “النوبة”.

منطقة وادي النيل “ الصعيد” .

منطقة الدلتا.

وبالنسبة لرقص المدن فيوجد في ثلاث مناطق متميزة هي:-

منطقة القناة.

منطقة الاسكندرية.

منطقة القاهرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يوجد تقسيم لمناطق التراث الغنائي لإحد الباحثين الذي كتب تحت عنوان “الإنسان المصري والأغنية” وبعد استعراضه للتاريخ المصري والناحية الجغرافية كتب يقول ( كل تلك الظروف الطبيعية أوجدت بمصر سبعة أقسام ومناطق فلكلورية نوعية لكل قسم أو منطقة خصائصها وطابعها ولها السمات الخاصة التي تتميز بها )4 .

وهذه المناطق السبع هي:-

السواحل الشمالية – المناطق الشعبية في المدن – مناطق أرياف الدلتا – منطقة الصعيد- منطقة النوبة- منطقة البدو- منطقة قناة السويس.

وهذا التقسيم عند تطبيقه في مجال الرقص الشعبي فلن يتميز بالدقة برغم اتفاقنا في التقسيم لبعض المناطق مثل (النوبة- والدلتا- والصعيد- والقناة) ولم نتفق من حيث ترتيبها. أما باق المناطق فلقد تضمن البدو منطقة واحدة في كتابه، أما في هذا البحث فقد قسم البدو إلى أربع مناطق متميزة. وأما منطقة السواحل الشمالية تضمنت في تقسيمه الاسكندرية. رغم تميزها في مجال الرقص وأخيراً المناطق الشعبية في المدن فقد تضمنت في دراسته القاهرة واعتبرها منطقة متميزة في هذا البحث.

 

ثالثاً: المستوى الثقافي والحضاري :-

أما المستوى الثقافي للجماعة لا يمكن قبوله كأساس منفرد لعملية التقسيم ( لأن ثقافة أي جماعة هي التعبير عن وجود تلك الجماعة وصياغة لها وتبدو صور هذا التعبير في الدين والاتجاهات العقائدية المتصلة به، وفي القيم والمثل وأنماط السلوك العملية، وفي النظرة الفلسفية إلى الكون، وفي التقنين والسياسة وتياراتها، ويواكب كل هذا صياغة هذا التعبير عن الجماعة في أشكال فنية ذات قوالب ومضامين تشف عن أحوال الجماعة وفكرها )5

ولهذا لا يمكن تجاهل المستوى الثقافي الحضاري لجماعة ما عند إجراء الدراسة التصنيفية التقسيمية لجماعات مختلفة ثقافياً وحضارياً دون باقي الأسس والمبادىء للوصول إلى التقسيم السليم. ذلك أن المستوى الثقافي والحضاري بين سكان مصر متباين تبايناً شديداً ومختلفاً من مكان لآخر حيث نجد أن ثقافة البدو مثلاً تختلف وثقافة أهل الريف وكذا ساكنو المدن الذين يختلفون أيضاً فيما بينهم اختلافاً كبيراً تبعاً للمؤثرات الثقافية والحضارية والعلمية والاجتماعية وغيرها من مكان لآخر.

وهكذا نرى ارتباط المستوى الثقافي والحضاري بمبدأ النشاط البشري للسكان والتركيبة السكانية.

 

رابعاً: العزلة والبعد عن المؤثرات الحضارية الحديثة:-

وهذا المبدأ ضروري عند إجراء عملية التقسيم فكلما بعدنا عن مراكز الحضارة الحديثة كلما كانت الفنون الشعبية بمنأى عن المؤثرات والتيارات محتفظة بأصولها الراسخة وتطورها الطبيعي البيئي وبدون تدخلات من خارجها، والتي نلاحظها كلما اتجهنا شرقاً أو غرباً أو جنوباً حتى تكاد تنعدم في أقصى الجنوب في النوبة والبشارية أو أقصى الغرب في الواحات والتي تعتبر من المناطق النائية والبعيدة عن العمران ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بعض هذه المناطق تختلف عن بعضها البعض من حيث اللغة واللهجات، بل والنشاط الحرفي للسكان والمستوى الثقافي أيضاً .

 

خامساً: الموقع الجغرافي:-  

لذا فإن مبدأ التقسيم الجغرافي ضروري لتحديد المناطق المتميزة، وبتقسيم مصر إلى شمال ووسط وجنوب وشرق وغرب أو تقسيمها إلى سهول ووديان وصحارى وجبال، ويعتبر هذا المبدأ صعب التحقيق أو التطبيق نظراً للتباين الشديد بين المنطقة الواحدة، فالشمال يضم من الناحية الادارية من الشرق إلى الغرب سيناء وبور سعيد وبعض محافظات الدلتا مثل دمياط والدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة، بالإضافة إلى الاسكندرية ومطروح حتى الحدود الليبية ولا يربط أغلبها سوى كونها تطل على البحر المتوسط وساحله ولا يربط بين سكانها سوى مهنة الصيد وبعض الأشغال القائمة عليها ذلك مع التفاوت الشديد في التركيبة السكانية وفي النشاط البشري عموماً وما يتبعه من تباين في العادات والتقاليد وخلافه. لذا يعتبر مبدأ التقسيم طبقاً للموقع الجغرافي بدون باقي الأسس والمبادىء صعب التحقيق أو التطبيق.

 

سادساً: التقسيم الإداري :-

كما أن مبدأ التقسيم الإداري يجب وضعه في الاعتبار عند إجراء عملية التقسيم، حيث تنقسم مصر إداريا إلى 29 محافظة، و هذا العدد الكبير لا يمكن قبوله لوجود تشابه كبير بين أغلب المحافظات في المجالات المختلفة مما يحول دون بناء نظام علمي دقيق ليعكس الصفات المميزة لكل جماعة في هذه المناطق الإدارية، وعلى سبيل المثال تشترك معظم محافظات الصعيد من جهة ومحافظات الدلتا من جهة أخرى في التكوين السلالي والعادات والتقاليد والنشاط الحرفي السائد... إلخ .

ولهذا يجب اعتبار المبدأ عاملاً مساعداً ومكملاً عند إجراء عملية التقسيم لتحديد الحدود المحافظية والإدارية على خريطة مصر للمنطقة المتميزة حتى تكون عونا للباحثين الميدانين خاصة في أمور شتى  .

وانطلاقا مما سبق يمكن تقسيم مصر إلى عشرة مناطق رئيسية ومتميزة توضح خريطة الرقص الشعبي، وتبرز أوجه التميز والتشابه والاختلاف وأيضا الخصائص المشتركة كي يكتمل الطابع المصري المتميز الذي يعكس خصائص الرقص الشعبي المصري .

وعلى هذا يرى الباحث أن يكون طبقا للتقسيم التالي :-

منطقة جنوب الوادي “النوبة”.

منطقة سيناء “بدو شرق”.

منطقة الصحراء الشرقية “في الجنوب بدو الجنوب”.

المنطقة الشمالية الغربية “بدو غرب”.

منطقة الصحراء الغربية “بواحاتها الخمس”.

منطقة وادي النيل “الصعيد”

منطقة الدلتا.

منطقة القناة : “بورسعيد / الإسماعيلية / السويس”.

الاسكندرية.

القاهرة.

وسوف يلجأ الباحث إلى دراسة كل منطقة على حدة لبيان أوجه التميز والتشابه والاختلاف بينها وباقي المناطق ثم مدى تأثيرها بغيرها من المناطق .

 

1 - منطقة جنوب الوادي “النوبة”:-

وتعتبر هذه المنطقة من أكثر مناطق مصر بعداً عن العمران ومراكز الإشعاع الثقافي والحضاري الحديثة. ( وبلاد النوبة الأصلية مقسمة إلى قسمين: الشمالي في القطر المصري والجنوبي في القطر السوداني. أي أن بلاد النوبة القديمة كانت تشمل ثلاث جماعات هي الكنور والعرب والفاديجدا وتقطن الجزء المصري )6، وحدودها جنوب مدينة أسوان وحتى الحدود السودانية بطول ضفاف نهر النيل .

والمجتمع النوبي مجتمع محافظ لا يتغير بسهولة اذ يحتوي ما يدخل عليه ويجعله يسلك سلوكه ويعيش بأسلوب حياته فهو مجتمع منغلق على نفسه يعتز بثقافته ومحافظ على تقاليده وعاداته ويكون فخوراً وهو مميز ومؤد له .

ولشهرة بلاد النوبة بالنخيل فقد أصبح التمر هو السلعة الأساسية في بلاد النوبة وقامت بعض الحرف البيئية للاستفادة من سعفه وجريده وخلافه مثل تصنيع الكراسي والموائد والأطباق وأطباق الزينة وبعض الأشكال الزخرفية التي تزين بيوت أهلها، بلإضافة إلى صناعة الحصير والسلال وبعض الصناعات الفخارية للأواني وغيرها، كما يقوم النوبي بتصنيع المراكب الشراعية الصغيرة للتنقل بها على صفحة مياه نهر النيل .

وبرغم ظروف الحياة القاسية والفقيرة التي يعيشها أهل النوبة فإنهم أغنياء بتقاليدهم وعاداتهم وتراثهم من الفن الشعبي الأصيل، ويظهر ذلك واضحاً في أفراحهم واحتفالاتهم ويعبر النوبيون عن سعادتهم وفرحهم بالرقص والغناء وفيها تظهر إبداعاتهم الشعبية الأصيلة المتوارثة جيلا بعد جيل حيث يشارك الجميع في الفرح والاحتفالات .

( والنوبيون لهم رقصاتهم الخاصة والمحدودة من الناحية الحركية الهادئة المتشددة في حين نجد أن الألحان والإيقاعات قوية ونشيطة )7 .

وأهم الرقصات الشعبية في النوبة :-

رقصة الهوللى ويرقصها النوبي الكنزي .

رقصة الكف ويرقصها النوبي العربي.

رقصة الأراجيد أو الأراغيد ويرقصها النوبي الفاديج.

الرقصة الوسطانية أو “الشيلة” ويرقصها النوبي عامة.

حفلات الذكر .

 

2 - منطقة سيناء :

وحدود هذه المنطقة شبه جزيرة سيناء في الشمال الشرقي لمصر، ويسكنها أصحاب الهجرات العربية من شبه الجزيرة العربية واستقروا بها، ويطلق عليهم بدو شرق، وتمتد أنسابهم القبلية عبر حدودنا الشرقية لذا نرى أن فنون المنطقة الشمالية وقد تأثرت بفنون الأردن وفلسطين، أما فنون المنطقة الجنوبية، قد تأثرت بفنون السعودية والخليج .

( ولقد أثرت طبيعة الصحراء القاسية وجفافها وقلة أمطارها وكثرة جبالها في عادات الناس هناك فعاشوا في بداوة أصلية، وسرت في دمائهم طبائع العرب التي تظهر في: حبهم للحرية والإباء، حبهم للضيافة والكرم، تقديس الشرف واحترام الأعراض – الفروسية والشجاعة – قص الأثر – القتال وأسلحته – واحترام الوصية )”8” .

والبدو يشتهرون بحب الشعر والغناء ويستخدمون بعض الآلات الموسيقية مثل الربابة والناي والأرغول ويعتمدون على التصفيق ودق الأرجل لضبط الإيقاع . ( والأداء الغنائي والرقص يؤديان بصورة جماعية والكلمة والغناء هي الأصل والألحان نفسها تدور في ساحة لحنية ضيقة وهي ألحان هادئة تتسم بالجمل الموسيقية القصيرة والمتكررة “مصورة بالحركة ”)9 وحفل السامر مجال خصب لفنون البدو حيث ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي البوشان “وهو جزء من الشعر الغنائي” والريده “وهو جزء غنائي راقص” ثم الدحية “وهو جزء راقص غنائي” تزداد فيه حمية وقوة وسرعة الرقصة وكذا المصاحبة الإيقاعية بالتصفيق من الرجال حيث تقوم سيدة بالدور النسائي الراقص الوحيد. وتختلف هذه الأجزاء الثلاث من مكان لآخر وبمسميات مختلفة وبترتيب مختلف أيضاً ولكن بنفس المعنى والمضمون، وأهم أسماء الجزء الراقص الخوجار والرزعة. وكما ذكر عبد الحميد يونس ( أن الرقص البدوي أرقى في بعض أشكاله من الرقص الطقوسي والعلاجي. وهو ما يقوم بوظيفة الترفيه بالتعبير الحركي عن بعض القيم والمثل البدوية )10.

ونجد رقصة الرفيحي “ سيناء” يبدأ هذا الدور عادة بذكر الله، شأنه في هذا الشأن غالبية أدوار الفنون الحركية عند البدو عموماً، بينما ترد عليه المجموعة وهي تدق الكف من الثبات دون حركة. ودور الرفيحي يختص به الشباب دون كبار السن نظراً للحركات السريعة والنشطة التي يتميز بها هذا الدور، فمع دق الكف والغناء يقوم الشباب المشارك بأداء حركات تطويحية وتمايلية – أماماً وخلفاً – مع عمل دقات بالقدم اليمنى على الأرض وهم يقولون .

أول الفال ذكر الله

والشواطين نخديها

وأهم رقصات هذه المنطقة :-

رقصات السامر – الدحية أو الرزعة وغيرها.

رقصات الدبكة – والتي تأثرت بفنون الأردن وفلسطين (في الجزء الشمالي).

رقصة الطيارة .

رقصة الرفيحي .

 

3 - منطقة الصحراء الشرقية :-

وحدود هذه المنطقة من جنوب القاهرة شمالاً وحتى الحدود السودانية جنوباً بمحاذاة البحر الأحمر شرقاً ونهر النيل غرباً، وتحتوي هذه المنطقة جبال البحر الأحمر التي تحتوي الكثير من الوديان التي يتجمع فيها البدو لوجود الخضرة وينابيع المياه. حيث يقطن الجزء الشمالي بها بعض قبائل البدو أحد فروع البدو الشرقيين، أما الجزء الجنوبي فيقطنه بدو الجنوب والمتمثل في قبائل البشارية والتي تنتمي أنسابها وروابطها القبلية وبدو السودان الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية واستوطنوا هذه المنطقة، ويشتهرون بتجارة الإبل، ويتجلى تزاوج ثقافة البدو وثقافة الصعيد نتيجة لاستقرار بعض القبائل بالقرب من نهر النيل مع أهل الصعيد، وكذا الحال على طول ساحل البحر الأحمر .

وتتشابه فنون بدو الجزء الشمالي وفنون بدو شرق عموماً ويتجلى ذلك واضحاً في احتفالات السامر عندهم. أما بدو الجزء الجنوبي (البشارية) فيغلب على سامرهم الشعر والغناء وضرب الأكف لضبط الإيقاع، ولا تشترك النساء في سامرهم لأنه مجتمع مغلق .

كما نجد اللعب بالسيف والدرق لدى العبابدة بحالايب وشلاتين والسيف والدرق (الدرقة: هي الدرع الذي يُستخدم أثناء التربلة، ويُصنع من الخشب وأحياناً من جلد الفيل “أذن الفيل”. لدى العبادي هما مجرد أدوات يستخدمها في الاحتفالية الشعبية فقط، لذلك نجد عند رصدنا للفنون الحركية الغنائية أن العبادي لا ينازل خصماً، بل يلعب بهما بشكل فردي أمام الصف يغني ويدق الكف على أنغام الطنبورة .

وأهم رقصات هذه المنطقة :   

رقصات السامر – الدحية وغيرها فى الجزء الشمالي.

رقص البشارية – في الجزء الجنوبي.

رقصات الكف وثروة الكف – على السواحل الشرقية والأطراف الغربية.

اللعب بالسيف والدرق “ العبابدة”.

 

4 - المنطقة الشمالية الغربية (مطروح) :

وحدود هذه المنطقة غرب الاسكندرية على طول ساحل البحر المتوسط وحتى الحدود الليبية وإلى حدود واحات الصحراء الغربية جنوباً. وتسمى أقليم مريوط، ويقطنها بدو غرب .

ومنطقة مطروح صحراوية غنية بنباتها وأعشابها وحقولها وحدائقها، وتعتمد فيها الزراعة على المطر. كما تنتشر مزارع التين على سفوح الجبال بالإضافة إلى زراعة الزيتون واللوز وغيرها. ويقوم البدوي بتربية الحيوان التي ترعى الأعشاب مثل الأغنام والماعز والجمال والخيل. وتعتبر هذه المنطقة من أهم مراكز تجارة الأغنام والماعز. كما تقوم بعض الصناعات البيئية مثل إنتاج الزيتون الصابون والأكلمة الصوفية الزاهية الألوان، وتقوم المرأة بصناعة “الحمول” وهي ثروة عائلية مثل المصاغ والحلي ولا يفرط فيها بمال وتفرش بها بيوتهم – وكذا يقوم البعض بالصيد على ساحل البحر والصيد البري بالسهول والوديان، وكذا صيد السمان المنتشر في كل مكان.

وكما لبدو شرق سامرهم فنجد لبدو غرب أفراحهم التي تتشابه إلى حد كبير وسامر بدو شرق مع بعض الاختلاف فنجد احتفالهم يبدأ بما يسمى “الشتيوة” وهو غنائي راقص يقوم فيه الرجال بضبط الإيقاع بالتصفيق وأحياناً تصاحبهم آلاتهم الوحيدة المزمار وترقص أمامهم سيدة تسمى “الحجالة” ويدور الرقص والمداعبة بين الرجال والحجالة ثم يأتي الجزء الأخير ويسمى “المجرودة” وهو أطول جزء في الغناء يلقيه أحد الرجال ويرد عليه باقي الرجال وهم مصطفون في صف أو نصف دائرة.

وأهم رقصات هذه المنطقة :  

رقصة الحجالة “ نسبة إلى الراقصة الوحيدة التي ترقص في حركات تشبه الحجل”.

الصابية (الحجالة) أحد أشكال الكف التي نراها بالسلوم .

 

5 - منطقة الصحراء الغربية (الواحات الخمس):

وحدود هذه المنطقة الواحات الخمس بالصحراء الغربية (سيوة – البحرية – الفرافرة – الخارجة – الداخلة). وتتبع واحة سيوة إدارياً محافظة مطروح والبحرية تتبع محافظة 6 أكتوبر، أما الفرافرة والخارجة والداخلة فتتبع محافظة الوادي الجديد .

وأهم ما يميز الواحات عموماً زراعة النخيل والقمح والزيتون، بالإضافة إلى حدائق الفاكهة مثل المشمش والعنب، وكذلك يزرعون قصب السكر في بعض الواحات، ويربون البقر والأغنام والماعز، كما توجد بعض الصناعات البيئية اليدوية مثل صناعات الخوص والسعف وتجفيف البلح، صناعة زيت الزيتون وبعض الأواني الفخارية وغيرها .

والغناء أولاً ثم الرقص أهم ما يميز احتفالهم سواء في أفراحهم أو حفلات سمرهم، ويقوم الرجال بالدور الأساسي فيه أما عند النساء فهو منغلق لا يتميز بالثراء .

وأهم رقصات هذه المنطقة :-

الكف الواحاتي: “ وتشتهر به منطقة الواحات البحرية”.

رقصة الزجالين – في سيوة (أو رقصة البورمية).

رقصة الكفافة أو ثروة الكف.    

حفلات الذكر .             

 

6 - منطقة وادي النيل (الصعيد) :

ويطلق عليها منطقة الوجه القبلي وحدودها جنوب محافظة الجيزة وحتى مدينة أسوان مروراً بمحافظات الصعيد على طول امتداد وادي نهر النيل.

ولتربتها الخصبة يعمل أهلها بالزراعة فيزرعون الحبوب والكثير من المحاصيل الزراعية الهامة، كما يشتهرون بزراعة السكر والنخيل وتشتهر بالعديد من الصناعات مثل السكر وتكريره وحفظ وتعبئة الخضر والفاكهة والأسمدة والألومنيوم وبعض الصناعات البيئية والشعبية من سعف النخيل وجريده والفخار والحصر وغيرها كثير. ولشهرة منطقة الصعيد بالآثار القديمة يعمل عدد كبير بالسياحة والآثار وخدمة السياح، وتنتشر صناعة التماثيل والحلي الفرعونية، كما يعمل عدد كبير منهم كترجمان للسياح حيث يجيدون العديد من اللغات العالمية شفاهة وهي مهنة توارثوها أبا عن جد، وبالإضافة إلى تربية الحيوان التي تساعدهم في فلاحة الأرض  .

وفي هذه المنطقة يختلط الفلاحون المستقرون من زمن بعيد وجماعات البدو الذين استقروا حديثاً سواء من عرب المشارقة أو عرب المغاربة والذين وفدوا إلى مصر مع الفتح الاسلامي والهجرات العربية الكثيرة حيث استقر بهم المقام بوادي النيل واشتغلوا بفلاحة الأرض وبعض الأعمال الأخرى واختلطوا وسكان المنطقة الأصليين وتقربوا منهم وتزوجوا وتصاهروا معهم، وبالتالي امتزجت عاداتهم وتقاليدهم إلى حد كبير للتشابه الكبير بينهما في العادات والتقاليد .

      وفلاحو الصعيد يعيشون في مجتمع مغلق لا اختلاط فيه بين الرجال والنساء، ويتميزون بطابعهم الانفعالي وحساسيتهم المفرطة، ويرجع ذلك إلى طبيعة الجو الحار وظروف الحياة الصعبة وهجرة الكثير منهم إلى مناطق أخرى.

      ويعد الاحتفال بالزواج من أهم الاحتفالات والمناسبات السعيدة للترويح على النفس وإدخال السرور والفرح على الجميع. وهو مجتمع مغلق تجتمع النساء مع العروس يغنين ويرقصن بعيداً عن أعين الرجال فهو رقص داخلي معزول، أما الرجال فيستمتعون برقص الغوازي كما يستمتعون بالتحطيب والرقص بالعصا ورقص الحصان على إيقاع الطبول وعزف الربابة وأنغام المزمار .

وأهم رقصات هذه المنطقة:

رقص العصا “رقصة النزاوي” .

التحطيب .

التحطيب بالعصا فوق الحصان .

رقصة الحصان .

رقص الغوازي “ أولاد مازن بقنا وسوهاج” .

رقصات (الكف والكفافة وثروة الكف والمواوية والسحجة) وكلها تمثل فنون البدو من مكان لآخر.

 

7 - منطقة الدلتا :

ويطلق عليها منطقة الوجه البحري لقربها من البحر المتوسط وهي عبارة عن دلتا نهر النيل وحدودها الواقعة بين فرعي نهر النيل “ دمياط ورشيد”.

وبفضل مياه نهر النيل وفروعه الكثيرة تعتمد هذه المنطقة على الزراعة عامة خاصة من المحاصيل الزراعية الهامة والخضر والفاكهة. ويقبل الفلاح على تربية الأبقار والجاموس كما يربى الماعز والأغنام في جهات مختلفة. وكما أنها منطقة زراعية فهي عامرة بصناعات متميزة بالإضافة إلى العديد من الصناعات البيئية اليدوية مثل الأقفاص من سعف النخيل والحصير والفخار وغزل الصوف وعمل الطواقي وغيرها. ويعمل عدد كبير من السكان بالصيد من البحر المتوسط أو البحيرات المختلفة أو نهر النيل ويستخدمون في ذلك الأساليب البدائية.

وتتميز هذه المنطقة رغم كثرة محافظاتها (تسع محافظات )*· بمجتمع متشابه ومتجانس، تجمع سكانه مصالح استيطانية واحدة لعدم وجود فواصل أو حواجز جغرافية أو عرقية أو جنسية أو دينية أو لغوية، والانتقال من مكان لآخر ميسور ومأمون كما يتسم بسمات مشتركة هي سمات المجتمع الريفي والذي يجمعه نوع النشاط الاقتصادي والمهني السائد والمتمثل في الزراعة وبعض الحرف الأخرى.

وتضم منطقة الدلتا ثقافات مصر المختلفة فبالإضافة إلى ثقافتها الريفية المتميزة نجد في أطرافها الشرقية والغربية جماعات البدو وقد استقرت واشتغلت بالزراعة والرعي والتجارة مع فلاحي الدلتا، وقد حافظت على ملامحها وفنونها، كما توارثتها وحسب انتمائها وأيضاً ثقافة الصعيد متمثلة في تلك الهجرات من وادي النيل إلى دلتاه بحثاً عن الرزق وسبل العيش وثقافة المدينة حيث تضم العديد من المدن عواصم المحافظات المختلفة.

(تعد منطقة الدلتا من ناحية الكم الغنائي من أثرى مناطق مصر الفلكلورية)13 حيث تساهم الأغنية بدور أساسي في إحياء أفراح الدلتا والمؤدي الأول لها وبشكل عام هي المرأة، وفي ألحان مرحة ومشرقة ونشيطة ذات إيقاع واضح وسرعة معتدلة. وكذا نجدها في الرقص، ويقل دور الرجال فليس لهم سوى صيحة واحدة أو مشاركة بالتصفيق ويحتفظ فلاحو الدلتا بموروثة من الآلات الموسيقية من قديم الزمان مثل الربابة والمزمار البلدي والناي والأرغول والطبلة والدفوف – وكما للغوازي دور في فنون الصعيد كذلك نجد غوازي سمباط (بمحافظة الدقهلية) تقوم بنفس الدور في إحياء الحفلات والأفراح والموالد. ( إن الفلاحين في تلك المنطقة لم يتأثروا برقص العرب المجاورين لهم، وكذلك لم يؤثر فيه إذ أن أهالي الريف لا يزالون يرقصون بطريقتهم الخاصة)14.

 

وأهم رقصات هذه المنطقة : 

الرقص الفلاحي أو الرقص البلدي.

رقص الغوازي – غوازي سمباط.

رقص البدو ( كف العرب - الدحية ).

رقص التحطيب .

رقص العصا .

رقص الخيل .

8 - منطقة القناة :

وحدود هذه المنطقة محافظات بورسعيد والاسماعيلية والسويس على طول خط قناة السويس.

ويعمل أهلها شأنهم شأن ساكني المدن الساحلية بالصيد وأعمال البحرية، بالإضافة إلى خدمات السفن وإرشادها للمرور عبر القناة، كما يعمل عدد كبير بحرفة البمبوطية وهي تلك الفئة التي تبيع من قواربها الصغيرة الهدايا والبضائع لبحارة السفن العابرة وركابها نظير منتجاتهم أو بضائعهم أو نقود متفق عليها بإشارات ولغات معينة للتفاهم. كما تشتهر الإسماعيلية بزراعة الفاكهة حيث تروى أراضيها عن طريق ترعة الإسماعيلية إحدى فروع نهر النيل ويعمل بها البدو المستقرون النازحون من سيناء.

وتتميز هذه المنطقة بأنها تضم عينة من التكوين السلالي لمصر كلها حيث نزح إليها فلاحو النوبة والصعيد والدلتا منذ حفر قناة السويس واستقروا بها كما نجد البدو من عرب شرق القادمين إليها من سيناء، وأخيراً ساكني المدن ممن يعملون بالمصالح الحكومية والهيئات المختلفة والتي تعمل في خدمات السفن وأعمال الميناء بالإضافة إلى حرفة الصيد وخدمة المصطافين وغير ذلك. وتشتهر السويس بحنة العرسان حيث يخرج المحتفلون إلى الشارع يرقصون ويغنون للعرسان وسط فرح وغناء الجميع ويلتقون حول صينية الحنة والشموع قبل تحنية العرسان. أما حفلات السمر فتؤدى فيها الأغاني الجماعية حيث يتولى قيادتها مغن منفرد يتبادل الغناء مع المجموعة في شكل حواري على أنغام السمسمية وإيقاعات الطبلة والدربكة والبونجز وبعض الإيقاعات المبتكرة والتصفيق أيضا. كما تشتهر هذه المنطقة بالرقصات المستوحاة من البيئة الساحلية حيث يلتصق السكان بالبحر مصدر رزقهم وتتميز رقصاتهم بالاستعراض وألعاب المهارة والفتوة والشباب والخفة.

وأهم رقصات هذه المنطقة : 

رقصة الضمة – ببورسعيد .

رقص البمبوطية .

الحنة السويسي .

الرقص النوبي .

رقص التحطيب .

الرقص البلدي .

 

9 - منطقة الإسكندرية :

وحدودها محافظة الإسكندرية – العاصمة الثانية لمصر وأهم المواني وعروس البحر المتوسط – ذات التاريخ العريق ومشعل الحضارة والثقافة للعالم أجمع.

والإسكندرية تعتمد في ازدهارها على مصدرين أساسيين هما : ميناؤها العتيد، وصيفها الجميل حيث يكثر المصطافون والزائرون لاعتدال مناخها صيفاً ومياه بحرها الشفافة. كما تشتهر بثروتها الصناعية ومصانعها العملاقة.

وهكذا نجد أن أهل الإسكندرية من ساكني المدن الساحلية يعمل نسبة كبيرة منهم بالصيد البحري وكعمال الميناء، كما يعمل عدد كبير بالوظائف الحكومية المختلفة، وتسكن أطرافها الغربية بعض جماعات البدو والذين ينتمون إلى عرب غرب وبدو مطروح.

وتتميز طبائع ساكني السواحل عموماً بطباع البحر، ولهذا نجد أهل الإسكندرية يتميزون بطابع عنيد مشاكس كالبحر الهائج والمتحفز دائماً كما يتسمون بالعصبية والاعتزاز بالنفس وحب المغامرة.

وفي التجمعات الشعبية لجماعات الصيادين وعمال الميناء في البيئة الشعبية وفي النوادي والمقاهي البلدية نجد حفلات السمر والغناء والرقص والتباري بين جماعات الصهبجية التي تعبر عن القوة والفتوة والشباب و“الجدعنة”، وكلها صفات لقهر البحر. والرقص دائماً ما نجده فرديا يؤديه الرجل يظهر فيه مهاراته الحركية المختلفة. وأكثر الآلات الموسيقية المستخدمة الطبلة (الحق) وآلة الأكورديون. ويمكن أن نطلق على الرقص الإسكندري عموماً رقصاً استعراضياً للمهارة والقوة والفتوة والمرونة.

وأهم رقصات هذه المنطقة:  

رقصة الصهبة (الصهبجية).

رقصة الفتوة (الفتوات).

رقصة السكين.

رقصة اللاسة.

رقصة كف العرب – تجمعات البدو في الأطراف الغربية.

رقصة النقرزان .

الرقص النوبي .

رقص التحطيب .

الرقص البلدي .

حفلات الزار .

حفلات الذكر .

رقص العوالم .

الصابية “الحجالة” وهو إسم أحد أشكال الكف بمنطقة العامرية .

 

10 - منطقة القاهرة:

العاصمة حيث الموقع المتميز بين الوادي (الصعيد والدلتا) وكموقع متوسط بالنسبة لمصر عموماً، وحيث التركيز الملحوظ للسكان.

“والقاهرة مدينة عريقة لا يرجع تاريخها إلى ما أنشأه المعز لدين الله الفاطمي في جانب من المدينة الحالية وأطلق عليه إسم (القاهرة) ولكنه يعود إلى مائتين من السنين قبل قدوم المعز.

والقاهرة بهذه المثابة استوعبت مواضع أخرى وتجمعات سابقة على التجمع الجديد الذي استخدمه الفاطميون، ومن هنا كانت العادات والتقاليد التي تضمها القاهرة امتدادا لعادات وتقاليد أخرى، كما أن طبيعة القاهرة باعتبارها عاصمة الديار المصرية من ناحية وباعتبارها مدينة عالمية مفتوحة النوافذ والأبواب للتعامل الثقافي والاجتماعي والحضاري من ناحية أخرى، قد أسهمت في صياغة العادات والتقاليد المقترنة بها”15.

ولكن برغم المؤثرات الثقافية والحضارية والإعلامية المختلفة التي تؤثر في ساكني القاهرة فمازالت الأحياء الشعبية تحتفظ بعاداتها وتقاليدها إلى حد ما والتي ورثتها من قبل العصر الفاطمي وما تلاه من عصور مثل الأيوبي والمملوكي والتركي وغيرها. «ولقد عرفت مصر خلال تلك العهود ألوانا من الفن الشعبي وجد فيهاالشعب متنفساً للسلوى، فمن ذلك حفلات الأعياد الدينية والقومية والحفلات العامة وكان أهمها حفلات المولد النبوي وحفلات الرؤية وليالي رمضان وحفلات الحج ووفاء النيل وحفلات المحمل، ثم حفلات القرآن والولادة والسبوع والختان وغيرها، وذلك إلى جانب الأغاني الشعبية للطوائف»16.

والقاهرة بها تجمعات شعبية كثيرة تضمها أحياؤها الشعبية المختلفة حيث يسكنها طبقات عمالية وافدة من خارجها من الريف سواء الدلتا أو الصعيد أو النوبة وقد هجرت فلاحة الأرض للعمل في مصانعها أو عمالاً للتراحيل أو البناء أو الأعمال الشاقة لأهل المدينة بالإضافة إلى المهن الشعبية المختلفة وما زالت هذه التجمعات محافظة على موروثها الشعبي الأصيل كل ينتمي إلى بيئته الأصلية. وتحتفل الأحياء الشعبية بالمناسبات المختلفة، ويعتبر الاحتفال بالأفراح سيد الاحتفالات حيث يقام الفرح في الحي أو عند العروس، ويرقص ويغني أهل الحي والمدعوون رقصاً من البيئة الشعبية أمام المزمار، وكان يتزاحم فتوات الحي على الرقص لتحية العروسين. وتحيي الحفل طبقة من الغوازي أو العوالم أو الراقصات وفرقتها الموسيقية وهي فئة احترفت هذا العمل تؤديه بالأجر، وأصبحت الفنون الشعبية يؤديها الفنان المحترف وأصبح دور المواطن الشعبي مجرد المشاركة في تذوق الفنون وانعدم دوره كمبدع ومؤد لها.

وأهم رقصات منطقة القاهرة:

الرقص الشرقي .

رقص المجموعات العرقية المنتشرة في المناطق الشعبية  المختلفة مثل «الرقص الفلاحي/ رقص التحطيب/رقص العصا/ الرقص النوبي/ الرقص السكندري « .

حفلات الزار  .

حلقات الذكر .

 

الخاتمة:

وهكذا فإن خريطة توزيع الرقص الشعبي المعاصر في مصر تضم عشرة مناطق متميزة ترقص أكثر من خمسة وعشرين رقصة متميزة وأكثر من عشر رقصات متشابهة، فحصيلة الرقص الشعبي المصري غنية وثرية ثراء كبيرا، لا نجده في مكان آخر، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على احتفاظ مصر لفنونها وموروثها الثقافي الذي توارثته من عصور قديمة، وحضارات عظيمة رسمت وصبغت وجه مصر الحالي بصبغة مصرية أصيلة متميزة.

ولكن بيئة فنونها الشعبية المختلفة والتي تميزها عن غيرها وتؤثر في غيرها من البيئات الأخرى، فحيث تتميز البيئة البدوية برقصها وفنونها الشعبية رغم بعض الاختلافات من بيئة بدوية لأخرى، إلا أنها لا تختلف اختلافا جوهريا ولكنه اختلاف يميزها، وكذلك الحال بالنسبة لبيئة الريف فان لكل بيئة تميزها، وكذا تتميز بيئة المدينة من منطقة لأخرى، وبهذا يتضح الشكل العام ووجه مصر الفني من بيئاته الشعبية الثلاث البدوية والريفية والمدنية.

ويتميز الرقص البدوي عموماً بحركة الراقصة الوحيدة والتي تسمى “الحاشى” أو الحجالة أو غيرهما والتي ترفع فيها الحوض لأعلى مرة مع خطوة الرجل اليمنى ومرة أخرى مع خطوة الرجل اليسرى “وهو ما يميز رقصها” أمام مجموعة من الرجال مصطفين على شكل هلال يضبطون الإيقاع بضرب الأكف مع ثني ركبة إحدى الرجلين أحيانا. أما الرقص النوبي فتميزه تلك الحركة الموحدة التي يقوم بها الرجال أو النساء على السواء وهي حركة الأكتاف في حركات لأعلى وأسفل في خطوات بسيطة بالأرجل للأمام أو الخلف.

وبالنسبة للرقص الصعيدي حيث القوة والفروسية والتحطيب والمبارزة والمهارة في استخدام العصا. أما رقص الغوازي والعوالم والرقص البلدي الريفي، فيتميز بهز الوسط والبطن والصدر، كما يتميز الرقص الساحلي للمدن الساحلية عموماً بالسرعة والخفة في الحركة والفتوة وألعاب المهارة الفردية.

 

 

الهوامش

1: سعد الخادم – الرقص الشعبي في مصر – المكتبة الثقافية – العدد 286 – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1972م.

2: المرجع السابق – ص 625

3: محمد صبحي عبد الحكيم وآخرون : الوطن العربي أرضه وسكانه وموارده – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – 1968 – ص 115

4: فتحي عبد الهادي الصنفاوى – التراث الغنائي المصري الفلكلور – دار المعارف – القاهرة - 1978

5: شوقي عبد الحكيم  - موسوعة الفولكلور والأساطير العربية – دار العروة – بيروت – 1982م.

6: على زين العابدين – الحلى الشعبية النوبية ورموزها – مجلة الفنون الشعبية – العدد 18 – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – يناير 1987 – ص 88 – 92.

7: فتحي عبد الهادي – التراث الغنائي المصري (الفلكلور) – دار المعارف – القاهرة – 1978م . ص 48

8: محمد طلبه رزق – سيناء عاداتها وتقاليدها – مجلة الفنون الشعبية – العدد الخامس – الهيئة المصرية العامة للكتاب – عام 1968م ص 95:86

9: فتحي عبد الهادي الصنفاوى – التراث الغنائي المصري (الفلكلور) – دار المعارف – القاهرة 1978م – ص 49.

10: http://www.google.com.eg/images

11: http://www.google.com.eg/images?

12: الغربية - الدقهلية - الشرقية - البحيرة - المنوفية - القليوبية - كفر الشيخ - دمياط - الاسكندرية.

13: نفس المرجع السابق . ص 42

14: سامى زغلول و آخرين – الرقص الريفى (الفلاحى) مجلة الفنون الشعبية – القاهرة 1968 – العدد الثالث عشر . ص 66—68

15: أحمد آدم محمد – العادات والتقاليد في القاهرة كما يراها د. أحمد أمين وبعض المعاصرين – مجلة الفنون الشعبية – القاهرة – العدد التاسع – يونيو 1969 .

16: محمود أحمد الحفنى – الموسيقى والأغاني بمصر من 1000 عام – مجلة الفنون الشعبية – القاهرة – العدد التاسع – يونيو 1969م .

أعداد المجلة