فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
18

مسجد سيادي .. صرح من الطين بين بيوت الإسمنت

العدد 18 - لوحة الغلاف
مسجد سيادي .. صرح من الطين بين بيوت الإسمنت

المحرق.. أكنت محرقيا، بحرينيا أم أجنبيا.. تتعلق بها لكونها الحلقة الواصلة بينك والماضي. ستحيي فيك إحساسا غير مبرر لا يمكن وصفه إلا بالنوستالجيا. المحرق لطالما كانت مرساتنا في بحر الماضي.. التي تثبتنا على أرض الحاضر، رغم عدم إحساسنا بطوابع الماضي إلا أنها موجودة، ففي المحرق القديم والجديد واحد، فكم من الأشياء الجديدة وجدت على أسس الماضي، وكم من رواسب الماضي لا زالت تعيش كالجديد جنبا إلى جنب.. جنبنا.

دواعيس “أزقة” (عروق) المحرق (القلب) لا زالت تجري فيها ما يتطبع بطباع البحرين الأصيلة، لن نقول قديماً كان أو جديدا فهذه المعاني تنتفي في المحرق، ولا زالت موجودة خارجها. الجائل في عروق المحرق، قلب البحرين، يشعر بالحنين وبعض الحنان، ويستشعر الأصالة وطباع الأولين، وكأنه يقوم بزيارة لبيت العائلة حيث الكبار والصغار، جيلنا وجيل أباء أبائنا، وما زال الاتصال ذاته كان بدق الباب أو عبر الهاتف الذكي.

بيوت الطوب وبيوت الطين، الكوفي شوبات والقهاوي، هي من ترصف طريقك التي تقودك إلى البيت “العود” أو المتاحف والمباني القديمة / الحديثة. والشارع العام الحديث هو الذي يقودك إلى الفرضة حيث مازالت صناعة السفن موجودة بخجل، ومازال هناك من يحيي مهنة الغوص والصيد، مهن الأولين التي لم تندثر.

أهل المحرق، ولهم كل الحق، ينتمون بتعصب إلى هذه الجزيرة الآسرة، حتى أن البعض يعتبرها عاصمة البحرين، إن لم يعتبرها البحرين ذاتها. إن اعتبرت العبارة السابقة إجحافا إلى بقية مناطق البحرين، فأنت لم تزر المحرق القلب.

صورتنا على الغلاف هي أكبر تعبير لكلامنا، والكلام لا يوفي، وأكبر تصوير لكون الماضي هو الحاضر في المحرق، وأن الحاضر في المحرق ليس موحشا كما في المدن الإسمنتية. نشكر عدسة الشاب عيسى الحمادي، وهو شاب من جيل الحاضر، من أبناء هذه المنطقة العبقة، على التقاطه صورة لمسجد سيادي القديم الجديد، من بين بيوت الطوب العامرة. مسجد سيادي الذي يلاصق بيت سيادي (أحمد جاسم سيادي) تاجر اللؤلؤ الذي بناه في أوائل القرن التاسع عشر، وحافظ عليه أبناؤه حتى هذا الوقت، وتم ترميمه وأعيد افتتاحه في 2002. والمسجد الذي أوقفت الصلاة فيه لسقوط جزء منه في 1997، ما زال عامراً هو والبيت، ومقصدا للزوار والسياح  من أنحاء العالم.

ربما ندرك يوما، وليتنا ندرك، سبب عشق المحرقيين لأرضهم، وسبب ميولنا نحن لها، ولكن إلى حينها، لنحب المحرق، ولنحفظ جزءًا.. بل أجزاءها في قلوبنا من أن تندثر. لنكن يوما نحن الأولين، وليكن لدينا جيلنا الجديد الذي لا زال يجول في المحرق ليرى بيوت الطين والطوب والإسمنت هذه وقد تلاحمت وكونت أُسَرَها. وليتلاحم ماضينا وحاضرنا لنكوّن مستقبل دافئ لأولادنا.

أعداد المجلة