المُوسيقَى العُمَانيَّة مُقَاربة تعريفية وتحليليَّة
العدد 17 - جديد النشر
تأليف: مسلّم بن أحمد الكثيري
ضمن إصدارات مركز عُمان للموسيقى الشَّعبية صدر للباحث التراثي مسلم بن أحمد الكثيري كتابه الهام الموسوم: (( الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية )) ويقع في /192/ صفحة من القطع الكبير.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب الذي يسد فراغاً في المكتبة التراثية العربية سنقدِّم عرضاً موجزاً لأهم ما جاء فيه من معلومات قيِّمة وافرة عن التراث الموسيقي الشّعبي العُماني.
ويمثل هذا الكتاب مرآة مشرقة للموروث الشَّعبي الموسيقي العُماني ورسم دقيق لآفاقه, إذ أنَّه وفِق في تقديم مقاربة تعريفية متكاملة للملامح الأساسية للموسيقى الشَّعبية العُمانية في إطارها الفني والحضاري. وهو يعدُّ لبنة أولى لمشروع أشمل يعمل الباحث على استكماله بالتعمق في مختلف المسائل المطروقة, بالدرس والتحليل والمقارنة.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمود قطاط في معرض تقديمه للكتاب: ( بالنظر إلى موضوعه ومضمونه وطريقة تقديمه , يمثل هذا الكتاب في حقيقة الأمر, عملاً جديداً وطريفاً, لعلَّ أهم ما يميّزه إلمامه بالواقع الموسيقي الشَّعبي العُماني وكيفية معالجته، حيث تضافرت ولأول مرة في دراسة التراث الموسيقي العُماني , بل وتراث الخليج العربي عموماً معطيات المصادر التاريخية والفقهية والأدبية النادرة والواقع الميداني الملموس, مع دقة التحليل والمقارنة, والمناقشة الموضوعية في تناول مختلف القضايا المطروحة ).
ويقول المؤلف مسلم بن أحمد الكثيري في مقدّمة الكتاب مبيناً المنهج الذي اتبعه في الدراسة: ( كان منهجنا في هذه الدراسة الاعتماد على ثلاثة مصادر أساسية هي:
1 - المصادر الأثرية: متابعة نتائج التنقيبات في عُمان.
2 - المصادر المكتوبة: مصنفات الإخباريين والجغرافيين والمؤرخين والرحالة.
3 - الرصيد الشَّفوي: وأهميته لا تكمن في طبيعته كظاهرة موسيقية تتواتر شفهياً فحسب, بل أنه منبع أساسي يتم إثراؤه بالمصادر والمعارف السالف ذكرها ).
مكانة الموسيقى الشعبية في الحضارة العمانية :
يؤكِّد المؤلف الكثيري على المكانة الهامة للموسيقى الشَّعبية في المجتمع العُماني قائلاً:
(( موضوع ممارسة الموسيقى في العلاج شائع جداً في التقاليد الثقافية العُمانية, وتوجد قائمة لا بأس بها من أنماط موسيقية مخصصة لهذا النوع من الممارسات. ومن المواضيع الشَّائعة أيضاً في الموسيقى على سبيل المثال لا الحصر: الجمل, الخيل, السيف, الأشخاص, الذِّكريات, الحكم, الزهد, الفرح , الحزن, وبطبيعة الحال تقف المواضيع الدينية في مقدمتها جميعاً, فالقصيدة التقليدية مطلعها وخاتمها ديني بحت ويمكن حصر بعض ملامح التأثير الموسيقي على الإنسان العُماني في النقاط التالية:
- تضفي بعض الشلاّت روحاً مرحة أثناء أداء الأعمال المختلفة في البر والبحر.
- إثارة الحماس وإذكاء روح البطولة والشجاعة.
- التسلية ووظيفة التواصل الاجتماعية .
- التأثير النفسي لأغاني المهد لدى الأطفال.
- تحقيق الهوية الثقافية داخل المجموعة)).
ألوان التراث الشعبي الموسيقي العماني:
يُصنّف المؤلف الممارسات الموسيقية الشَّعبية العُمانية إلى ثلاثة أصناف هي:
1 -الإنشاد: ويتفرع إلى ديني وهو فنّ محبَّب لدى النخبة الاجتماعية, والشُّعراء العُمانيون ينشدون أشعارهم دون مصاحبة أي آلة موسيقية في المناسبات الخاصة والعامة, مثل المجالس الأدبية, والمناسبات الوطنية والدِّينية .
2 -الغناء: يؤدى في كافة الممارسات الموسيقية التقليدية ويتفرع إلى أنواع عدة ويشمل مختلف الفئات والجدير بالملاحظة أن بعض الفئات الاجتماعية تتمتع بتراث مهم من أصوات وشلات العمل وذلك بسبب وضعها الاجتماعي... ويمكن للعارف باللهجات العُمانية تمييز أغاني العمل من خلال تسمياتها التي تشير إلى طبيعة النشاط من جهة والوسائل المستخدمة في العمل من جهة ثانية, مثل المنجور, المقود( المقود السناوه), جداد المبسلي, التعاريب, الدواسة, الطحان, المشل ( يؤدى أثناء جمع اللبان في ظفار), الهوبيل ( يؤدى أثناء سقي الجمال ), التصعيف.
3 - العزف: العازف الموسيقي الشَّعبي كان واقعاً تحت ظروف غير إيجابية, وبسبب ذلك لا نعثر على أسماء مهمة في الموسيقى العُمانية بالمقارنة بالحشود الكثيفة من جيش المغنين – الشّعراء. ولكن بالرغم من ذلك أسَّس العازفون العمانيون أسلوباً مهمَّاً للأداء الآلي, وخاصة في الآلات الإيقاعية، ومن هنا يظل هذا العنصر على قدر كبير من الأهمية بما له وما عليه وظلت الوتريات بشكل خاص آلات مصاحبة للمغنّي, ولم يشتغل بها لذاتها, وهذا الحال ينطبق على الهوائيات على الرغم من أنها لم تكن آلة للمغنّي, وكان استخدام الهوائيات مقتصراً على بعض الأنماط الموسيقية التي تؤدى بشكل جماعي, مثل الشّرح, الليوا, المزمار, والقربة.
واقع الموسيقى الشعبية العماني :
يؤكد المؤلف الكثيري على وجود (110) أنماط موسيقية تراثية في سلطنة عُمان تّم توثيقها في مركز عُمان للموسيقى التقليدية من بينها سبعة ذات تأثير آسيوي واثنا عشر ذات تأثيرأفريقي.
ويصنِّف المؤلف التراث الموسيقي العُماني حسب الآلات الموسيقية الشَّعبيَّة إلى الأصناف التالية:
- غناء بآلات موسيقية وترية وإيقاعية .
- غناء بآلات موسيقية هوائية وإيقاعية.
- غناء بآلات إيقاعية .
- غناء بدون آلات موسيقية .
ويوثِّق المؤلف أسماء أهم الفرق الموسيقية الشَّعبية العُمانية, ومنها : فرقة خميس بن وليد الجهلي للمكوارة، وفرقة حديد بن جمعة الفارسي للطنبورة، وفرقة ثويني بن مقص السناني للميدان، وفرقة حليس بن سبيت للشرح، وفرقة صالحة بنت بخيت العلوية للزار.... إلى آخره.
ألوان الغناء الشعبي العماني:
يصنِّف المؤلف أنماط الغناء الشَّعبي العُماني وفق الإيقاع كما يلي:
1 - صيغ أحادية الإيقاع:
أ- برعة : يبدأ صوت البرعة بالـ دان, ويُسمَّى أحياناً التسميع, يؤديه المغنِّي دون مصاحبة آلات موسيقية .
ب- رَبُوب: صيغة غنائية تتمتع بشهرة واسعة في مدن : صلالة , مرباط.
ج- ليليه: من صيغ الغناء القديمة التي تتميز بالألحان البطيئة , وتُؤدى ليلاً بعد نهاية الميدان والويليه وشلات شعر هذا الغناء تكون أغلبها في الغزل, الذكريات ويصاحب غناء الليلية رقص النساء والرجال وقرع الطبول، ومن شعره:
واعليهْ يودان دان اللدان ِ الرديدة
ومن شف خلي نصفت الليل بالميزان
أنا وحبيبي ربينا1 في بطن مضرب2 المغنية
متعاطيين المودة والطبل يضرب
وين الحبيب اللي عندي ونا عنده المغنية
عاطول ليل الشتا3 متوسده زنده
طاح4 الندى ع الندى وملّيت5 به الكرزان6 المغنية
ومن شف خلي نصف الليل بالميزان
طاح الندى ع الندى العشاق زرعوا سمن المغنية
ويفتكنه7 جواري صغيرات السن
عن شجرة ع الفلج بالشوك مندكمه8 المغنية حتى ورقها دوا9 الآفات والزكمه
د- الدان دان: غناء الأعراس, يقع تحت عناوين الدان دان أو غناء الأعراس, ويؤدَّى عبر فرق شعبيّة مختلطة من الجنسين في جميع أرجاء السلطنة, ومن نصوصها:
باركو له : الله يبارك له
باركو له : صغير غاوي وزين
باركو له : وخنيره بالفين
الله يوفق : بين الحلالين.
2 - صيغ متعددة الإيقاعات: ومنها:
أ- مالد: إنشاد يُؤدَّى في مناسبات دينية ودنيوية.. يقرأ المالد شخص من أهل العلم والمعرفة.
ب- شرح: غناء يُؤدَّى في الأعراس ومناسبات السّمر التي تحييها النُّخبة الاجتماعية في مدينة صلالة, وينفرد بالجمع بين آلتين موسيقيتين من عائلة الوتريات( القبوس)والهوائيات ( القصبة ).
ج- ميدان: من أشهر أنماط الموسيقى في عُمان, له شعر متميز, يُؤدى في مناسبات مختلفة.
د – ليوا: غناء ولعب يؤدَّى في مناسبات السّمر بمنطقة الباطنة ومحافظة مسقط.
هـ- الرواح: يؤدِّيه سكان محافظة مسندم في مناسبات الأعراس.
و – مكوارة: غناء ولعب تختص به فئة من الزنوج في مدينة صور بالمنطقة الشرقية.
ز – باكت: نمط غنائي تختص به جماعة من العجم في ولاية صحار تجمع بين الغناء والتمثيل.
أساليب أداء الفنّ الشعبي وخصوصياته:
يشير الباحث الكثيري إلى وجود ثلاث بيئات رئيسية تركت بصماتها واضحة على أساليب الأداء الشَّعبي وهي: البدوية (الصحراء) والريفية (الجبال والسهول) والحضرية ( المدن).
ويقول المؤلف بحضور بعض الممارسات التمثيلية التي تصور شخصيات حيوانية أو آدمية هزلية أثناء الغناء, كما يقول بوجود تناغم دائم بين الغناء والأداء الحركي, وبوجود علاقة بين اللحن والنَّص من حيث التعبير.
ويرى المؤلف بأنَّ الغناء المختلط بالإلقاء أسلوب شائع في الموسيقى الشَّعبية العُمانية وخاصة في الأنماط التي يكون الارتجال الشِّعري من عناصرها الأساسية, ومنها خاصة للميدان.
الآلات الموسيقية الشعبية العمانية :
يقدِّم المؤلف تصنيفاً للآلات الموسيقية الشَّعبية العُمانية كما يلي:
1. الآلات الوترية: العود, الرَّبابة, القبوس, الطنبورة .
2. الآلات الهوائية:آلة الجم, البرغام, المزمار, الصرناي, هبان, قصبة.
3. الآلات الإيقاعية: وتقسم إلى قسمين هما: الجلديات مثل: الطبلة والدرنجة(الدربكة ) والبنقس, ومجموعها ( 15 آلة) , والمصوتة بذاتها وعددها (11 آلة) وهي تنتج أصواتها من تذبذب أجسامها بطرق مختلفة كالتصادم أو القرع والدق أو الحك ومنها: طاسات ورعبوب ( نوع من الصَّدف) وباتو وميجعة وهونجو ....... إلى آخره.
وأخيراً .. لقد وفقَ الباحث الأستاذ مسلّم بن أحمد الكثيري في إبراز ما يتسم به التراث الموسيقي الشَّعبي العُماني من أصالة وتنوع وغِنى. وَيُعتبر الكتاب بحق انطلاقة جديدة في التعريف بالموسيقى الشَّعبية العُمانية التي لا يعرف عنها القارىء العربي سوى النزر اليسير.
لقد بذل المؤلف جهداً كبيراً في الجمع والتوثيق والدرس في عملٍ محفوف بالصعوبات والعراقيل في سبيل التعريف بالموسيقى الشَّعبية العمانية, وهو جهد يستأهل منَّا كل الشكر والتقدير.
الهوامش
1: ربينا: نشأنا.
2: مضرب: القنينة الصغيرة.
3: الشتا: الشتاء.
4: طاح : سقط.
5: مليت : ملأت.
6: الكرزان : القارورة.
7: يفتكنه : يحصدنه.
8: مندكمة : ممتلئة.
9: دوا : دواء.