المهن الشعبية في البحرين سوق الحدادة نموذجاً
العدد 11 - في الميدان
يُعد سوق الحدادة من العلامات البارزة في تاريخ منطقة الحورة ـ بمملكة البحرين ـ إذ ارتبطت هذه المهنة بالمنطقة ارتباطا عضوياً لا يمكن فيه فك إحداهما عن الأخرى ، فجُل أهل سكان الحورة امتهنوا الحدادة بما في ذلك أبناؤهم ، وقلما تجد شخصا لم يزاول هذه المهنة من أهلها ، حتى أن اسم منطقتهم أخذت جزءاً من هذه التسمية، فأصبح اسمها ( حورة الحدادة ) ، والتي تختلف عن الحورة المشهورة في الوقت الحاضر ، حيث كانت تُعرف بحالة بني أنس أو (الحالة) ، ونقصد بحورة الحدادة المنطقة المحصورة بين: مقبرة الحورة ، وشارع المعارف من جهة الغرب ، ومدرسة الحورة للبنات ، وشارع القصر القديم من جهة الشرق ، وشارع خَلَف العصفور من جهة الشمال ، وشارع الزبارة من جهة الجنوب.
ونتيجة لنقص التدوين في البحرين فأنه لا يمكننا أن نحدد الفترة الزمنية التي ارتبطت بها مهنة الحدادة بالحورة، ولكن من المؤكد أن هذا الارتباط يتجاوز القرن ونصف، على ضوء تصريحات الأشخاص الذين عملوا في هذه المهنة من أهل الحورة، والذين تمت مقابلتهم، ومنهم الحاج منصور بن عمران، والحاج خليل بن إبراهيم، والحاج يوسف بن عبد الله، والحاج مهدي بن عبد النبي، وغيرهم من الحدادين. أما الحورة نفسها فيتجاوز عمرها الثمانمائة عام كما هو موثق في نص الاتفاقية التي أوردها معالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة في العدد الثاني من مجلة «الوثيقة» ، حيث جاء ذكر الحورة في النقطة الخامسة من الوثيقة الموقعة بين الفضل وأمير جزيرة قيس الجزيرة التابعة لإيران .
الآلات التي يستخدمها الحداد في عمله :
من بين أهم الآلات التي يستخدمها الحداد في عمله ما يلي :
الملاحظات |
الوظيفة |
الاسم |
الرقم |
من بين أهم الآلات التي يستخدمها الحداد |
وهي الآلة التي يستخدمها لطرق الحديد |
المطرقة |
1 |
وهي الآلة المقابلة للمطرقة وهناك مثل يقول ( بين المطرقة والسندان ) للدلالة على شدةالموقف. |
يستخدمه ليطرق عليها الحديد |
السندان |
2 |
قطعة حديدية مخروطية الشكل في أغلب الأحيان ، بها فتحة في الوسط لدخول جسم المسامير أثناء عملية صناعة المسامير ، وسمي بالمدفع؛ لأن شكله يشبه فوهة المدفع . |
يستخدمه لعمل المسامير |
المدفع |
3 |
له فوائد أكثر من السندان ، حيث يمكن توظيفه في أعمال أخرى. |
يقوم بدور السندان، والمدفع معاً ، وحل محله تدريجاً. |
الريبال |
4 |
كلمة: مجمرة الحدّاد؛ تنبعث من الكور حرارةٌ شديدة.-: جهاز لإحماءِ المعادن؛ يُسخَّنُ الحديدُ في الكور حتى يلين1 |
وهو موقد النار الذي يُوضع فيه الحديد |
الكُورُ |
5 |
المنفاخ كلمة ، وهو كِيرُ الحَدَّاد. ينفخ به2 |
آلة النفخ التي يستخدمها الحداد لكي يزيد من اشتعال النار في الكور . |
المنفاخ |
6 |
وهي كلمة عربية يستخدمها الحداد لالتقاط الحديد من النار 3 |
وهو الآلة التي يلتقط بها الحداد القطع الحديدية المشتعلة، ويسمى (الجلاب) |
الملقط |
7 |
القَاطِعُ كلمة عربية وهو: فاصل الشّيْءِ عن بعضه 4 |
وهو الآلة التي يستخدمها الحداد لقطع الحديد، وتسمى (المفراص) |
القاطع |
8 |
الطَّاسُ والطّاسةُ [طوس] كلمة عربية بمعنى إناء من نحاسٍ يُشْربُ فيه أو تُغْسل فيه الأصابعُ بعد الأكل. |
وهي الآلة التي يستخدمها الحداد في عمل رؤؤس أنواع معينة من المسامير، وهي آنية حديدية صلبة بها تجويف نصف دائري لعمل رؤؤس المسامير المقببة فقط. |
الطاسة |
9 |
قطعة من الحديد الصلب بها فتحة لدخول جسم المسامير المقببة |
وهي الآلة التي يستخدمها الحداد في عمل أجسام أنواع معينة من المسامير |
الجوبار |
10 |
المِبْرَدُ كلمة عربية بمعنى: أداة ذات سطوح خشنة تستعمل لتسوية الأشياء الصلبة أو صقلها بالتآكل أو السّحْل. |
وهو الآلة التي يستخدمها الحداد في سن السكاكين ، والسيوف ، والقواطع . |
المبرد |
11 |
قطعة حديدية مستطيلة الشكل بطول 30 سم، وعرض 6 سم تقريباً |
وهو الآلة التي يستخدمها الحداد في وضع المسامير فيها لعمل رؤسها. |
القالب |
12 |
إناء من الحديد ، أومن الألمنيوم لوضع المياه لغرض تبريد بعض أنواع مصنوعات الحديد الساخنة بعد انجاز العمل. |
لتبريد الحديد المحمي . |
إناء الماء |
13 |
مادَّةٌ سوداءُ ناتجةٌ عن احتراقِ الخشب .احتراقاً غيرَ كامل تُستعملُ وقوداً |
هو المادة التي يستخدمها الحداد لإشعال النار في الكور . تغيرت مادة الفحم لأكثر من مرة ، وذلك على ضوء توفر البدائل المتاحة، والرخيصة. |
الفحم |
14 |
وفي الوقت الحاضر أُدخلت العديد من الأجهزة الكهربائية، والميكانيكية لورش الحدادة؛ وذلك لتسهيل العمل كأجهزة القطع، واللحام، والنفخ، وغيرها من الأجهزة.
طريقة العمل :
تُحفر في دكان الحداد البحريني حفرتان متقابلتان بينهما السندان الذي يتكون من قطعتين الأولى لوضع الحديد عليها للطرق عليه، والأخرى لعمل رؤوس المسامير وتسمى»المدفع»حيث تتميز بوجود ثقب في وسطها يوضع فيها جسم المسمار،وقد تكون من قطعة واحدة تسمى«ريبال»باللفظ الدارج، وهو ما يستخدم في الوقت الحاضر.
ينزل الأستاذ في إحدى الحفر ويكون على شماله الكور،وهو فوهة النار التي يوضع فيها الحديد لكي يصل إلى درجة الاحمرار،ويكون على يمينه إناء الماء الذي يستخدمه في تبريد بعض قطع الحديد المتوهجة.
ينزل في الحفرة الثانية مساعده، وأمامه المنفاخ التقليدي الذي يُكلف أحد الصبية أو أحد كبار السن في النفخ فيه من خلال عمود حديدي موضوع على عارضة خشبية،ومرتبط بالمنفاخ بواسطة قطعة نحيفة من الحديد.
يقوم العامل بتحريك العمود الحديدي إلى الأعلى، والأسفل، فيتحرك المنفاخ، ويندفع الهواء إلى الكور مما يزيد من اشتعال النار التي يعتمد عليها الحداد في أداء عمله، وكان المنفاخ القديم يعمل باستخدام اليدين مع بعض.
لقد اُستغني عن نافخ الكير، وحل مكانه مساعد الحداد توفيراً للمال، و في الوقت الحاضر استبدل المنفاخ اليدوي بمنفاخ كهربائي.
يخرج الأستاذ الحديد من الكور، ويضعه على السندان ويقوم بالطرق عليه بالتناوب بينه، وبين مساعده، و كأنما العمل لوحة موسيقية متناغمة الصوت إلى أن ينتهي العمل المطلوب انجازه.
يحمل الأستاذ المطرقة الصغيرة بيمينه، والملقط بشماله الذي يمسك من خلاله الحديد المتوهج، ويحمل مساعده المطرقة الكبيرة التي يمسكها بكلتا يديه؛ لأن وظيفته الطرق على الحديد بكل قوة،ومساعدة أستاذه في انجاز عمله.
يصنع المنافيخ بعض الحدادين، ويُعتبر الحاج سلمان القطري أفضل من صنعها، كما طور الحاج محمد بن حسن المنفاخ ليستخدم رجليه بدلاً عن يديه في النفخ لكي يستطيع العمل بمفرده.
يتكون المنفاخ من الأجزاء التالية: القاعدة الخشبية السفلى، وعدد 2 من الإطارات الخشبية المجوفة توضع داخل المنفاخ، وقطعة من جلد البقر لتغطية المنفاخ، وقاعدة خشبية من 3 أعمدة على شكل الحرف الانجليزي«يو»تثبت في الأرض بشكل مقلوب، وأنبوب حديدي طويل يسمى«الخطرة»، والجلاب، والحلقة لربط الخطرة مع الجلاب بالمنفاخ، أنبوب حديدي بطول 2/1 متر تقريباً، وقطره في حدود 25 مم الذي يُكون الفوهة لخروج الهواء من المنفاخ إلى الكور.
مصادر الحصول على الفحم :
من المؤكد أهمية الفحم القصوى بالنسبة إلى الحداد، ومن دونه لا يستطيع العمل؛ وذلك لحاجة الحداد إلى النار، والتي وقودها الفحم، حتى ارتبطت مهنة الحدادة بمثل شعبي يقول»كحداد بدون فحم»، وذلك للدلالة على استحالة حدوث العمل من دون الفحم.
( الوقود).
استخدم الحداد البحريني عبر تاريخه عدة أنواع من الفحم منها: الفحم النباتي، حيث يشترون الفحم الناتج من حرق الخشب الذي يسمى»صَلب»من صانعي الحلوى ، وبعد اكتشاف النفط استخدم الفحم الناتج من مخلفات عمليات تكرير البترول، الذي كان يرمى مع المخلفات، فيقوم البعض بنقله ليبيعه إليهم، واستمر استخدام هذه النوعية من الفحم لأكثر من 50 عاما، حيث يضاف الماء للفحم لتقليل نسبة الدخان المندفع منه.
وفي نهاية العقد الرابع أراد البعض أن يمنع الحدادين من أخذ الفحم من بابكو، فلجأوا إلى حاكم البحرين المرحوم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي أصدر قراره بجعل الفحم ملكا لمن يحتاج إليه، فبادر الحاج حسن بن جاسم بشراء كمية كبيرة منه باعها على زملائه من الحدادين.
ويقال في أحد أيام العقد الخامس من القرن الماضي: جاء الدكتور»هريسن»الأمريكي الجنسية الذي يعمل في بمستشفى الإرسالية الأمريكية كعادة منه في كل أسبوع إلى سوق الحدادة،حيث استوقفه منصور بن عمران، وسأله عن مضار استخدام الفحم على الصحة، فقال له بعد أن فحص الفحم بيده، وشمه: إن مضاره قليلة !.
وفي حوالي عام 2006 م تم استخدام الفحم الخشبي مرة أخرى لتوفره في السوق عند»الجراشية»، واختفاء النوع الناتج من مخلفات تكرير البترول الذي لم يعد موجوداً، وذلك لتغير التقنية المستخدمة في عملية التكرير.
مخرجات السوق :
ترتبط مهنة الحدادة بالعديد من المهن الأخرى الموجودة في البحرين، ولا يمكن لأي مجتمع أن يستغني عنها، فكثير من الصناعات كانت تُنجز من قَبل الحدادين، فمن قطع السلاح، إلى لوازم المطبخ، ومستلزمات البناء، وأعمال البحر، والزراعة، وإلى الكثير من الصناعات التي تحتاج إلى منتجاتهم.
كان من بين أهم مخرجات السوق صناعة المسامير بمختلف أنواعها ، والتي ارتبطت بصناعة السفن لغاية العقد السابع من القرن الماضي عندما قل استخدام السفن الخشبية وحل مكانها السفن المصنوعة من الألياف ( الفيبر جلاس)، وفي هذا الصدد يقول الباحث عبد الكريم علي محمد العريض في كتابه»مدينة المنامة خلال خمسة قرون ما يلي": (لقد عرف عرب الخليج المسامير من خلال البرتغاليين الذين جاءوا إلى الخليج عام 1507م بتلك الأداة الصغيرة التي تربط أجزاء السفينة بعضها ببعض بعد أن كانت عبارة عن ألواح من الخشب تربط إحداها بالأخرى بحبال من جوز الهند!..). وفي هذا الصدد أعتقد أن الأصح من الحبال هو من ليف النخيل، وليس من جوز الهند لتوفره في البيئة المحلية، على العكس من جوز الهند.
وبالإضافة إلى ذلك كانت للبحرين ـ بصورة عامة، وجزيرة أوال بصورة خاصة ومنذ القدم ـ علاقات مع الحضارات القديمة في العراق ودول المنطقة حيث وصل سكان هذه الجزيرة إلى العراق، وإيران، وإلى الهند، وأفريقيا، وهذه المسافات بحاجة إلى سفن قوية متماسكة لتقاوم حركة الأمواج العاتية، والسفن المربوطة بالحبال ليست بتلك القوة التي تقاوم فيها تلك الرياح، الأمواج العاتية، وعليه فإني أعتقد أن المنطقة كانت تعرف المسامير قبل مجيء البرتغاليين إلى المنطقة.
كما تنتج السوق مراسي السفن (اللنجات) بمختلف الأحجام، والأشكال من المسماة بالباورة، إلى السن، ومعدات سحب شباك صيد الربيان.
وتُنتج السوق كذلك سكاكين القصابين، والسماكين، والعديد من المخرجات التي تدخل في عمل الفلاح، ومنها المحاش، ومفرده محش، والمناجل، ومفرده المنجل الذي يستخدم للاعتناء بالنخلة، ومختلف أنواع الفؤوس المسمى (بالقدوم)، كما تنتج المجارف المعروفة (بالسخاخين، ومفرده سخين).
ومن ثم تم إنتاج بعض المواد المستخدمة في البناء، ومنها ماسكات الخشب (أكلمب)، وهي مفردة انجليزية (Clamp ) ومعالق المراوح (هوك)، وهي مفردة انجليزية أخرى (Hook) كما دخلوا في تصليح زمبرك السيارات (أسبرنج)، وعلى وجه الخصوص للسيارات الثقيلة، حيث كان الحاج مهدي بن عبد النبي رائداً في التصليح .وفي الوقت الحاضر دخل الحدادون في صناعات عديدة حالهم حال الورش الحديثة.
يُعتبر الحاج عيسى بن جاسم أفضل حداد عرفته الحورة، له إمكانياته عالية، و لا يصعب عليه إنجاز أي عمل، وفي حال أن عجز الحدادون عن القيام بأي عمل جديد فهو له، لذا وصفه أحد زملائه ذات مرة بأنه»مهندس الحدادين".
ويُعتبر الحاج حسن بن جاسم أسرع حداد في إنجاز الأعمال، وأكثرهم إنتاجاً، وسمعة على مستوى التعامل التجاري.
أما الحاج عبد على بن عبد الله المعروف «بالعبد»فهو متخصص في عمل سكاكين القصابين، والسماكين.
والحاج حسن الحساوي متخصص في عمل القفول، ومعدات الفلاح .
أما الحاج منصور بن عمران فيعتبر حكيم الحدادين، كما قال عنه الباحث يوسف أبو زيد في أحد مقالاته في جريدة أخبار الخليج.
يُستخدم الماء لإطفاء حرارة بعض أنواع القطع المصنعة؛ لكي تزداد قوة، وصلابة .
تُوضع قطع المحار ( الأصداف ) في النار»الكور»في حال أراد الحداد تلحيم قطع الحديد مع بعضها، فبدون هذه الأصداف لا يمكن جعل الحديد يتماسك بصورة جيدة.
مواقع سوق الحدادة في المنامة :
تنقل موقع سوق الحدادة في أكثر من مكان بالمنامة كما يروي الحاج ميرزا، فمن سكة البانيان «الهندوس»مكان عملهم الأول في شارع الشيخ عبد الله عام 1934م،وكما يقول عبد الكريم علي محمد العريض في كتابه مدينة المنامة خلال خمسة قرون (لسنوات طويلة كانت سوق الذهب الحالية سوقاً للماء، والحدادة، ثم تحولت إلى»خان»).
بعد ذلك انتقلت السوق إلى الحورة بالقرب من تقاطع طريق 709 مع شارع الزبارة التي انتقلوا إليها عام 1942م لفترة بسيطة، ثم انتقلوا إلى شارع البلدية مكان فندق عذاري الحالي في العام نفسه، حتى استقرت السوق في مكانها قبل الأخير الواقع غرب شارع الشيخ عبد الله بالمنامة بالقرب من منطقة النعيم عام 1947م، ولغاية عام 1986م.
وفي عام 1986م تم نقل الحدادين إلى منطقتهم الحالية لعدم ملاءمة موقعهم السابق مع تطور سوق المنامة، إلى منطقة البرهامة الخالية من العمران، والواقعة إلى الجنوب الغربي من دوار اللؤلؤة،والتي ازدهرت بالأبراج الشاهقة في الفترة الأخيرة.
وعلى ضوء ذلك الازدهار يمكن أن تنقل من جديد إلى منطقة نائية أخرى، من دون النظر إلى قيمة هذه المهنة التراثية، وضرورة الحفاظ عليها كمظهر لتراث شعب البحرين الذي يمكن استثماره سياحياً.
وكانت السوق القديمة مبنية من سعف النخيل، وكان أجرة الدكان 4 آنات للدكان الداخلي، و 6 آنات للدكان الخارجي، وبعد بناء السوق بالطابوق أراد مسؤولو البلدية تأجير السوق إلى«عباس التورنة»بمبلغ وقدره 1000 روبية شهريا، وبدوره يقوم بتأجير السوق على الحدادين فلجأوا إلى المرحوم الشيخ سلمان من خلال رسالة كتبها لهم الملا أحمد البصري، وقامت مجموعة منهم يتقدمهم الحاج حسن بن جاسم بالاجتماع معه في مبنى البلدية، وعلى ضوء ذلك ألغى حاكم البحرين قرار البيع، ولكنه غير الأجرة إلى 8 آنات ما يعادل (50 فلسا ) للدكان الداخلي، و 12 آنة ما يعادل (75 فلسا ) للدكان الخارجي.
كما أراد بعض المسؤولين في البلدية رفع رسوم إيجار الدكاكين في السوق الجديد عام 1986م بين 40دينار إلى 50دينار،فاحتجوا، وذهبوا إلى وزير البلدية آنذاك المرحوم الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد آل خليفة الذي استجاب لهم، وجعل الأجرة 5 دنانير فقط.
بين مهنة الحدادة، والمعتقدات الشعبية:
لمهنة الحدادة العديد من المعتقدات الشعبية التي قد ترتبط بالعالم الخفي من خلال الحديد الذي يخاف منه الجان حسب المُعتقد الشعبي، وللنار دور اخر في استخدام البخور، الذي يُعتبر من الأشياء المهمة في عالم الجن، والعوالم الخفية.
من بين تلك المعتقدات:
العجفة، والعجنجف :
يعملها الحداد عن التابعة»الأرواح الشريرة»، أوالأحلام المزعجة، أو للمرأة التي لا تنجب، أويموت أبناؤها، و تتكون من الآتي :
العجفة: قطعة حديد صغيرة على شكل منجل الفلاح .
العجنجف: قطعة حديد على شكل حرف«يو» الإنجليزي مثقوبة في مركز الحرف.
الحجول: كبير، وصغير يعملها الحداد بشكل مبروم للمرأة التي لا تُنجب، أو حبِلت، ولا يستمر الحمل»تطرح»،أو تلد ويموت الأولاد، وتتكرر الحالة عدة مرات، في تلك الحالات تلجأ بعض النساء إلى الحداد لعمل العجفة، والعجنجف.
توضع العجفة، والعجنجف تحت مخدة السرير، وتلبس المرأة الحجل في يدها، وتُلبس طفلها إن كان لها طفل الحجل الصغير.
يعمل الحداد كل ذلك ويوجه إلى الأرواح الشريرة على ضوء طلب يُقَدم إليه من دون تحديد الثمن، يُجمع المبلغ من الجيران الذين يحملون أسماء أهل البيت (ع) «محمد، وعلي، وفاطمة، وحسن، وحسين...»يقدم المبلغ بعد ذلك مع البيض، والحلوى للحداد، الذي يقوم بكسر البيض في الكور، مع وضع قليل من الحلوى في الكور كذلك. وتُعمل العجفة، و العجنجف يوم الأربعاء فقط.
وهناك مقوله شعبية في هذا الشأن على لسان الجان تقول :
«لو لا العجفه، والعجنجف أنجان ما حد السيف يوجف».
معنى ذلك: أنه لو لا وجود العجفة، والعجنجف تحت مخدة سرير المرأة لما توقف الضرر الذي يحدثه الجان عن المرأة المصابة.
هذا يدل حسب المعتقد الشعبي على أهمية عمل الحداد لدرء شرور الأرواح الخفية.
المرأة العاقر، وكور الحداد:
تقوم المرأة العاقر بالذهاب إلى دكان الحداد مع مجموعة من النساء في الفجر، أو في المساء بعد ذهاب الحدادين لمنازلهم، وتأخر البعض منهم لظروف طارئة. تذهب النسوة إلى الدكان في غفلة من باقي الحدادين، ويطلبون من الحداد إشعال الكور، والخروج من الدكان لكي تبقى النسوة مع بعض حيث يُحِطن بالمرأة العاقر ثم تقوم بالتبول في كور الحداد وإطفاء النار فيه اعتقادا منهم بأهمية ذلك في انتهاء النحس، وانتظار الفرج بإنجاب الولد.
ومن الأمور الطريفة في هذا المجال ما حدث للحاج خليل بن إبراهيم عندما سمح لمجموعة من النساء بعمل ما يُرِدن، وبعد انتهائهن من عملهن قمْنَ بإعطائه ديناراً واحداً فقط ! أخذ يقلب الدينار، وهو يضحك وقال لهن متعجباً ! هذا قيمة المبلغ الذي سوف أعطيه للهندي لكي ينظف الكور، فماذا عن أجرتي نظير تَحمل ذلك؟.
- ضحكن من كلامه، فزيد له أربعة دنانير إضافية!.
حدوة الحصان:
يقوم الحداد بعمل حدوة الحصان لغرض تقوية حوافرها لتقاوم التآكل، ولكن لهذه الحدوة وظيفة أخرى عند النساء حيث تستعمل في تهدئة روع الطفل عندما تحمى لدرجة الاحمرار ثم تغمس في ماء بارد أمام الطفل فتحدث صوتاً فيفزع الطفل من ذلك الصوت، ثم تقوم أحداهن بمسح وجه الطفل بهذا الماء، ويسقونه قليلاً منه، و ما تبقى منه يُسكب في المنزل.
كما يَضع البعض حدوة الحصان أمام مدخل منازلهم في الدول الغربية لمنع الشياطين من دخولها، لأن المعتقد الشعبي عندهم يقول إن حركة الشياطين دائرية، وعندما يريدون الدخول إلى المنازل فإنهم يصطدمون بعدم مقدرتهم على ذلك، نتيجة لطبيعة حركتهم الدائرية ووجود الحدوة غير المكتملة الاستدارة التي تعيق حركتهم، وتمنعهم من دخول المنازل.
الجاوية :
يقوم الحداد بعمل الجاوية، وهي عبارة عن مسمار كبير الحجم يُغرس أمام باب المنزل الخارجي، حيث تكون بمثابة حرس للبيت عن الجان، والشياطين.
في ختام بحثنا عن سوق الحدادة، ومهنتهم الشعبية الآيلة للزوال، أو في أحسن الأحوال إلى التَغير الجوهري في طبيعة العمل، وتحولهم إلى ورش حديثة تنتج مواد لا علاقة لها بالتراث، أود أن أشير إلى عدة إشكالات يتخوف منها الحدادون منها:
دورة الحياة في السوق تكاد تتوقف نتيجة لعدم دخول دماء جديدة تحل محل الدماء القديمة التي رحلت عن هذه الدنيا، حيث حلت العمالة الأسيوية محلها، ولم يتبقَ من العناصر القديمة إلا القليل، ومنهم الحاج خليل بن إبراهيم، والحاج جعفر، وشاكر، وزهير، وأخوه فاضل، وناجي، هذا وقد توفى الحداد الحاج مهدي بن عمران بتاريخ 24/11/2009م .
منافسة المستورد مع الصناعة المحلية.
إمكانية تغير مكان السوق بعد أن تمت محاصرته بالأبراج السكنية الشاهقة إلى مكان اخر بعيد عن العاصمة، هكذا تبدأ رحلة جديدة من التنقل الذي يضر بالمهنة، والمشتغلين بها .
وفي كل الأحوال تبقى سوق الحدادة شامخة على عظمتها، عاكسة بذلك عِزَّةِ النَفسِ وَالأَنَفَة وَالكِبْرِياء لما تحمله من عظمة المهن وأهميتها التراثية والشعبية حيث كانت، ومازالت، مصدراً مهماً من مصادر دخل الأسرة البحرينية، وكفاحها المرهق من أجل لقمة العيش المغمسة بالكرامة، والشرف.
الهوامش
1ـ المعجم المحيط
2ـ نفسه
3ـ نفسه
4ـ نفسه