الكتابة «بالابتسار»1 استدراك2 بحث د.جهينة الخطيب «التأثر والتأثير بين الأدب الشعبي العربي والأدب الشعبي العبري» الثقافة الشعبية عدد 50، ص 46 – 53
العدد 52 - أصداء
لا نشاحت الخطيب فيما ادعت من دراسات في الأدب الرسمي– الفلسطيني تحديدًا – في سيرتها المحشورة في ذيل مراجع بحثها «النحيل»، ولم يضرّني أن تحيد الخطيب عن تخصصها، ولكن ما هالني تناول الموضوع كما لو أن متخصصًا واحدًا عربيًا على الأقل لن يقرأ ما تكتب3، فأَخَذَتْ تسطر جُمَلًا توجب استدراكات عديدة، نجتبي منها ما يناسب حيزًا مسموحًا به لتعقيب، ومنهجيًا يبدو أن الخطيب أقامت دراستها على المدرسة المقارنة في الأدب الشعبي4، وفي تداخل مبهر جعلت المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن أساسًا لتفسير الموتيفات المتشابهة في الثقافتين العربية والعبرية، فتقول الخطيب «و..نظرية .. تؤكد العالمية في الأدب الشعبي... وهذا ما سنحاول إثباته في بحثنا من خلال التأثير والتأثر بين الأدب الشعبي العبري والعربي»5 ص 47، وبنفس الجرأة تداخل لديها مفهومان مستقران لدى المتخصصين لا يجور أحدهما على الآخر وهما الأدب العبري والأدب اليهودي6، وكان حريًا بها في «خضم قراءاتها» للثقافة العبرية – القريبة منها - أولًا أن تعي هكذا فروق، كذلك تداخلَ لديها مفهوما الفولكلور والأدب الشعبي حيث يشكل الأخير مع العادات والتقاليد، والمعتقدات الشعبية محورًا فولكلوريًا واحدًا هو التراث الشعبي غير المادي، كذلك حَشْرها نظرية النوع الأدبي بمفهوم مبتسر للنظرية في نطاق الأدب الرسمي، متجاهلة تحديثاتها الأخيرة على يد سعيد يقطين، وكان حريا بها قراءتها في نطاق الأدب الشعبي وهي القراءة التي تنتهي بها إلى تصنيف الأنواع Genre Classification الذي دشنته الإسرائيلية ذات الأصول المجرية هيدا جاسون في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي7، وطَبَّقَه الإسرائيلي ذو الأصول العراقية أبيشور יצחק אבישור على مجموعة قصص ليهود العراق سنة 1984، كما طَبَّقَته الإسرائيلية ذات الأصول الإيرانية سورودي S.S. Soroudi على مجموعة قصص ليهود إيران سنة 2002، ناهيك عن مجموعات قصص عربية في أرشيف القصص الشعبي في إسرائيل אסע"י في جامعة حيفا، والذي اعتمد عليه المصري الفخراني في دراسته لمجموعة قصص يهود مصر، سنة 2003م، وفيما يتعلق بابتسار قوانين أولريك Axel Olrik الملحمية فهي ثلاث مجموعات لا ثلاثة قوانين (مجموعة قوانين الشكل (تسعة قوانين) – مجموعة القوانين اللغوية (ثلاثة قوانين) – مجموعة قوانين المضمون (قانونان)11، أما ابتسار مناهج دراسة الأدب الشعبي وحصرها في منهجين/ طريقتين (طريقة الشمولية – طريقة المحلية ص 47) فهو فضلًا عن الابتسار - هو تداخل بين المنهج / الطريقة ووصفها، أما أشهر المناهج بلا ابتسار فهي المدرسة التاريخية الجغرافية، أو المدرسة الفنلندية وتطورت عنها المدرسة المقارنة التي ابتكرت أدوات لدرسة الأدب الشعبي كالطراز Type والموتيف Motif وكذا المدرسة البنائية12 صاحبة مفهومي المهام תפקידים والوظائف פונקציות وأخيرًا وليس آخرًا المدرسة البنيوية التي استخلصها شترواس عند دراسته لعدد ضخم من أساطير قبائل الإسكيمو (813 أسطورة)13، وفي غير المنهج غاب عن الخطيب تحديد إطار زماني أو مكاني أو مصدرا أو مرجعا تقيم عليه الدراسة، فجاءت شواهدها غير الموثقة تقوم على ما تبادر إلى ذهنها، فإخبارنا بإطلاعها على رواية ما ليس بحاجة إلى التحقق، هكذا جاءت مرويات ص ص 48 – 49 فتقول الخطيب «هناك مثال لقصة يهودية وردت في مصادر قديمة... ص 49» دون تحديد لطبيعة وكُنْهِ هذه المصادر، جازمة أن شخصية صاحب موسى «الخضر عندها» هو شخصية يهوشع بن لوي، بغض النظر عن صحة إحالتها لموسوعة عيلي ياسيف עלי יסיף الخاصة بالقصة الشعبية العبرية، فقارنت الخطيب بين تفاسير يهودية والقرآن الكريم باعتبار أن ما ورد بهما بشأن موسى وصاحبه على الأقل - مادة أدب شعبية، وهو ابتسار إحالي تكرر بعد ذلك فيما ورد عن جحا وهرشلي14، وفيما ورد عن الأمثال العبرية والعربية ص ص 50 – 51، وحتى في المرة التي ذكرت فيها إحالة لرواية جاءت الإحالة مبتسرة اسم المؤلف ومبتسرة العنوان الكامل للكتاب، ومبتسرة سنة الطباعة، ومبتسرة إحالات الجزء والصفحات «ספר חסידים, מהדורת ויסטינסקי פריימן, סי, ה – ו» ولن نشاحت الخطيب في صحة كلمات الإحالة هنا، أما ابتسار/ خطأ بعض الكلمات العبرية فنقتصر على ما تكرر منها في ذات البحث، وبذا يتحتم التصويب مثل «דן בן עומוס والصواب דן בן עמוס – דב נוח אבי والصواب דב נוימן– סיפור העם העברי والصواب סיפור-עם עברי» أما ابتسار إيراد النص العبري للأمثال على الأقل، فقد أخلَّ كثيرًا بفهم المقاربات الدقيقة بين الأمثلة العربية غير الموثقة بنظائرها غير الموثقة أيضًا، التي تقول الخطيب إنها عبرية، ضاربة بعرض الحائط أهمية اللغة في الأمثال تحديدًا15 لاعتبارات سيميائية وجمالية، أما ابتسارات الهوامش والمراجع فيمكن للقاصي والداني الوقوف عليها.
كلي أمل أن يكون الإستدراك دعوة لمزيد من المراجعات حين نتناول الأدب الشعبي كونه عابرًا للثقافات، لأن المُسْتَدْرِك حينها قد لا يكون ابن ثقافتنا.
الهوامش:
1. ابتسار من الفعل بَسَرَ والبَسْرُ: الاستعجال بالشىء قبل أوانه، نحو: بسر الرجل الحاجة: طلبها قبل أوانها، وماء بسر: متناول من غديره قبل سكونه، وقيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج: بسر، وقوله عز وجل {ثم عبس وبسر} ﴿المدثر/22﴾ أي أظهر العبوس في غير أوانه وفي غير وقته. وفي هذا الحقل الدلالي قصدنا بالإبتسار.
2. تفتح مجلة الثقافة الشعبية بابًا رحبًا لمراجعة الأفكار المطروحة بين المتخصيين، مما يدفع إلى ثراءات نقاشية، وذلك من خلال باب أصداء الذي يسمح بجدليات الفكر وإشكاليات المنهج، وهو ما اختبرته في العدد 33 من المجلة في مقال "مناسبة الصورة للمقال في دراسات المأثور الشعبي"، وهو ما يدعوني دائمًا إلى قراءات متمعنة فيما ينشر في مجلتنا الغراء، متطلعًا دائمًا للإفادة من كل ما ينشر، وقد جاء هذا الإستدراك ليصب في خانة الإثراء المتبادل، وكلي ثقة أنني أول المستفيدين من جدليات فكرية متوقعة.
3. حول الدراسات العربية السابقة للفولكلور اليهودي بشكل عام، والأدب الشعبي العبري على وجه الخصوص بعد كتاب مرسي/ جويدي الصادر عن دار المعارف عام 1977م راجع تفصيلًا دراسات كل من سوزان السعيد يوسف، وفرج قدري الفخرني، وياسر عبد الحكم طنطاوي.
4. حول المدرسة المقارنة في دراسة الأدب الشعبي راجع تفصيلًا:
- نبيلة إبراهيم، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، المكتبة الأكاديمية، ط.أولى، القاهرة، 1994.
- محمد الجوهري، محرر، موسوعة التراث الشعبي العربي، المجلد الرابع (الأدب الشعبي)، ط. ثانية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الدراسات الشعبية، القاهرة 2012.
- דינה שטיין, מחקריו של דן בן-עמוס על הספרות העממית במדרש: הגדרת הסוגות האתניות בהקשר התרבות, מחקרי ירושלים בפולקלור יהודי, כרך תשנ"ז – תשנ"ח, עמ' 25 – 32.
- דן בן-עמוס, מגמות חדשות בחקר הפולקלור, הספרות, 20 (1975).
- Dan ben-Amos, Jewish Studies and Jewish Folklore, Proceedings of the Tenth Eord Congress of Jewish Studies, Division D, Vol. II, Jerusalem 1990.
5. الفرضية هنا تقوم على اعتبار أن العناصر المتقاطعة في الأدبين ناجمة عن تأثير أحد الأدبين على الآخر، وهو ما يصدق على تقاطع التيمات أو الشخصيات أو الأحداث ...إلخ في الأدب الرسمي، وله مناهجه في التفسير المغايرة لمناهج دراسة تقاطعات موتيفية أو تيمية في الأدب الشعبي.
6. حول افتراقات وتقاطعات كل من الأدب العبري والأدب اليهودي راجع تفصيلًا:
- עלי יסיף, מבוא: עיון ראשון בספרות העממית היהודית, מבוא בתרגומו למאמר של משה שטיינשניידר, על הספרות העממית של היהודים ( תרגומו מגרמנית ניצה בן-ארי בן ארי הביא לדפוס והוסיף מבוא והערות עלי יסיף, פעמים: סתיו תשע"ב.
- עלי יסיף , סיפור-עם עברי ( תולדותיו סוגיו ומעשיותיו ) , הוצאת הספרים של אוניברסיטת בן-גוריון בנגב , מוסד ביאליק , ירושלים ,תשנ"ד.
7. راجع في ذلك دراسات هيدا جاسون:
- Heda Jason, Motif ,Type and Genre-A Manual for Compilation of Indices & a Bibliography of Indices and Indexing. Helsinki: Academia Scientiarum Fennica(FF communication no.273) (2000).
8. יצחק אבישור, סיפורי-עם מפי יהודי עיראק – המיון הספרותי בתוספת השלמה על הספור העממי שבכתב ,מרכז מורשת יהודות בבל ,המכון לחקר יהדות בבל ,אור יהודה , תשמ"ח .
9. S.S.Soruodi. (2002). Folktales of Jews from the Iranian Language Area (Tale-Types and Genres). Jerusalem: Hebrew Uni.Part2
10. فرج قدري الفخراني، الموتيف العربي في القصص الشعبي ليهود مصر – دراسة بنائية من واقع أرشيف القصص الشعبي اليهودي، رسالة دكتوراه، كلية الآداب بقنا، جامعة جنوب الوادي، 2003.
11. Axel Olrik , "Epic Laws of Folk-Narrative" ,Allen Dundes(ed), The Study of Folklore ,Englewood Cliffs 1965.
12. راجع تطبيقات هذا المنهج على صيغتين لقصة ست الحسن والجمال:
- فرج قدري الفخراني، القيم الثابتة والمتغيرة في حكاية ست الحسن والجمال – رواية من إخميم، مجلة الفنون الشعبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب،العدد 101، أبريل – مايو – يونيو 2018، ص ص 142 – 155
13. راجع في ذلك الدراسة التي تعرض للمدرسة البنيوية نظريًا وتطبيقيًا:
- יואב אלשטיין , "פעמי בת מלך ( חקרי תוכן ויצירה בסיפורו הראשון של ר" נחמן מברסלב ", הוצאת אוניברסיטת בר-אילן , תשמ"ד
14. راجع في ذلك الدراسة العربية المبكرة حول النوادر اليهودية: فرج قدري الفخراني، "النوادر الشعبية عند يهود مصر – دراسة تحليلية للروايات المحفوظة في الأرشيف الاسرائيلي " - بحث منشور في مجلة كلية الآداب بقنا – جامعة جنوب الوادي – المجلد الثاني – العدد الثالث عشر عام 2003.
15. حول دور اللغة في النص الأدب شعبي راجع:
- עלי יסיף, מבוא: עיון ראשון בספרות העממית היהודית, מבוא בתרגומו למאמר של משה שטיינשניידר, שם.
- الطاهر أحمد مكي، ملحمة السيد، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة 1983.
• الصور
1. https://ashmagautam.files.wordpress.com/2013/11/mcj038257400001.jpg
2. https://www.incimages.com/uploaded_files/image/1940x900/getty_883231284_200013331818843182490_335833.jpg