دراسات في التراث الشعبي اليمني (الأدب الشعبي)
العدد 52 - فضاء النشر
سعيت منذ فترة لجمع مجموعة من الدراسات الشعبية الحديثة نسبيًا التي تعرض للفولكلور اليمني.. حتى استطعت الحصول على مجموعة من الدراسات العلمية التي يمكن أن تكون ملفين لعددين حول فولكلور اليمن.. إذ أن باب جديد النشر لم يتمكن من الحصول على ما يصدر حديثًا في اليمن ربما لما تمر به البلاد من أحداث نعلمها جميعُا.. وسنعرض في هذا الملف الأول مجموعة متنوعة من الدراسات التي تناولت فنون الأدب الشعبي اليمني لمجموعة من المؤلفين المتخصصين.. اعتمدت كتاباتهم على العمل الميداني والدراية الواعية بتحليل النصوص الشعبية.
فى الأدب الشعبي فنون ونماذج يمنية:
في مصر صدر عام 2019 كتاب ابراهيم أبو طالب بعنوان «في الأدب الشعبي فنون ونماذج يمنية» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة الثقافة الشعبية رقم (43)، والكتاب يقع في 278 صفحة من الحجم المتوسط . ويعرض المؤلف تجربته في وضع الكتاب بقوله: بعد خبرة سنوات من تدريس مقرر الأدب الشعبي في كلية التربية بجامعة صنعاء، والعودة إلى مضان الأدب الشعبي العالمي والعربي، واليمني ومصادره، ومعايشة الكثير من نصوصه، والولع به لفترات طويلة، وتأمله مرات عدة، وقراءته قراءة استمتاع تارة، وقراءة بحث تارة أخرى، أردت أن أضع خلاصة التجربة في هذا الكتاب الذي حرصت على أن يتضمن حدود المادة العلمية، ومفرداتها التي نصت عليها الأدلة الأكاديمية لكليات الجامعة.
يبدأ الكتاب بفصل حمل عنوان «الفولكلور والأدب الشعبي» يحتوى على تعريف أهم مصطلحات الفولكلور والأدب الشعبي وعوامل نشأته والاهتمام به وتوثيق مادته، كما وقفت على تحديد مفاهيم التراث الشعبي والأدب الشعبي وسماته ووظائفه. مشيرًا إلى الوظائف الاجتماعية والنفسية والنقدية التربوية والأيديولوجية والتواصلية والإمتاعية للأدب الشعبي عامة.
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد حمل عنوان «من الفنون الشعبية النثرية» تناول فيها مفهوم الأسطورة وخصائصها ووظائفها وأنواعها: الأساطير التعليلية- الأساطير التاريخية- الأساطير الحضارية. أما الحكايات الشعبية فقد تعددت أنواعها واختلفت البنى المميزة لكل نوع منها ، وثمة روابط تجمعها وأخرى تميز كل نوع عن الآخر، ومنها: الحكاية الخرافية التي لا تمت بصلة للواقع ولا تخضع حوادثها لما يتوقع عقلاً من الأحداث، وتقوم بعدة وظائف منها أنها تحقق للإنسان حياة العدالة والحب التي يحلم بها. أما الحكاية الشعبية فيعرض المؤلف للتصنيف الذي قسم الحكاية إلى ثلاثة أنواع: حكايات الحيوان- الحكايات السحرية الخرافية- الحكايات الحياتية أو حكايات الواقع. كما استعرض تصنيف فوزي العنتيل الذي صنف الحكايات إلى: حكاية الجنيات- الحكاية الرومانسية- الحكاية المرحة- حكاية الحيوان- حكاية الألغاز. وعلى هذا النحو يستعرض المؤلف موضوعات الأدب الشعبي ليقدم لنا تعريفًا وتصنيفًا للملاحم الغربية كالإلياذة والأوديسا والإنيادة والشاهنامة والسير الشعبية العربية وأنواعها مثل: الهلالية- عنترة بن شداد- الملك سيف بن ذي يزن- الأميرة ذات الهمة- الصياد جودر- السلطان الظاهر بيبرس- الأمير حمزة البهلوان- فيروز شاه، ويعرض لطريقة أداء السيرة مشيرًا إلى أن السيرة الشعبية ليست قصة تقرأ على انفراد، وإنما هي عمل يؤدى في مجلس أو محفل. وهذا الأداء له تقاليده التي تتوافق مع التقاليد الفنية للجماعة الشعبية، ولهذا تتنوع صور الأداء وفق تباين أحوال المجتمعات الشعبية العربية. ومن ثم، نجد صورًا من الأداء ترتكز على الإلقاء المسرحي، بينما تضيف أخرى العزف على الربابة والغناء المنفرد، وتتوسع ثالثة في العزف والغناء مكونة فرقا متعددة الآلات والأدوار. وينتهي هذا الفصل بعرض المؤلف لموضوع الأمثال الشعبية مع تعريف كل نوع منها وبيانه والوقوف عند أهم خصائصه وأنواعه وصفاته والإشارة إلى نماذج منه: أخس البقر تِمحر الماء- صاحب المهرتين كداب- عِرسين ولا ولاد.. إلخ. كما رصد المؤلف في ملاحق الكتاب بعض الأمثال اليمنية المشروحة منها: راحة البدو شهرين ولا استراحوا ثلاثة.. أي أن البدو لا يعرفون الراحة والاستقرار غير شهرين في السنة أو ثلاثة على الأكثر، وهي المدة التي تنزل فيها الأمطار على أراضيهم، وفيما عدا ذلك فإنهم يقضون بقية أيام السنة في أسفار متواصلة.
وفي الفصل الثالث والأخير يعرض أبو طالب لموضوع «الفنون الشعبية الشعرية» حيث رصد فيه أنواع الفنون المعروفة على المستوى العربى وأشهرها القوما والموالي والكان كان والزجل، ثم رصد الفنون المعروفة في اليمن وهي فن الحميني بكل أنواعه، وهو فن شعري تتنوع أوزان البحور فيه، وللشاعر الحرية المطلقة في تنويع هذه الأوزان، ويميل الشعراء غالبًا إلى مجزوءات البحور مع إضافة تفعيلات خاصة تخرج بالبحر عن نمطه الخليلي المعروف، وفي الغالب فإن الحميني يستخدم المحسنات البديعية، والصور الشعرية من التشبيهات والاستعارات والمجازات مما يستخدم في الشعر العربي الفصيح:
يا غصن مايس يا قمر مصور
في حندس الفينان
جل الذي أنشاك كدا وصور
يا فاتني سبحان
أما فنون الشعر الشعبى اليمني الأخرى فيعرض المؤلف إلى أكثر الأنواع الشعرية شهرة وتداولاً، مثل «فن الزامل» وهو فن شعري قديم من فنون اليمن وقبائلها ولا يزال يعيش في وجدان اليمنيين، وشعر الزامل إنشادي من الرجز غالبًا، يؤدى بأصوات مرتفعة ومختلطة، يؤديه الرجال في صفوف متماسكة متحركة، ومن شروطه معنى الأخذ والرد أي أن هناك من يبدأ بالشعر، ويرد عليه آخر. وقد اشتهرت مناطق كثيرة في اليمن بالزامل، حيث يعد فنها الأول ولسان حالها في جميع مناسباتها، ويكثر في المناطق الشرقية والشمالية من اليمن، وما يقارب صنعاء، وفي مناطق الزراعة والصحراء عمومًا، ومن أمثلته الكثيرة مجهولة المؤلف هذا الزامل الشائع:
ياللي تمنّا حربنا
من حربنا ما تستفيد
ما حربنا إلا ثايبي
ورصاص من بطن الحديد
ومن قول البداع:
سلام منا ألف يا الجمهورية
بانفتديها بالجماجم والدما
اليوم جيناكم نريد التضحية
باننزل الطاغي من اعنان السما
ثم ينتقل المؤلف لفنون الأغنية الشعبية وهي نوع من الشعر المنغم بأوزان مخصوصة، تؤدى بطريقة معينة في مناسبة محددة، منها أغاني الأفراح والأعراس، وأغاني الأطفال، والأغاني العاطفية والغزلية، أغاني الزراعة والعمل في الفصول المختلفة. ومن الأغاني العاطفية يسجل المؤلف بعض هذه النصوص:
حلفت لاغني واشل بالصوت
واسلي على قلبي لوما يجي الموت
شاجي معاك لو ما تزل باجل
وابكي عليك لا ما املي المواجل
بالله عليك يا طير يا مسيقن
قم شِل لي مكتوب لا»مريكن»
أما النوع الثالث من فنون الشعر الشعبى اليمني فيعرض المؤلف لفن «القصيد» وهو نوع من الشعر الشعبي له أوزانه المتعددة وهيكله الشعري المتوارث حيث يلتزم بقافيتين في صدر البيت قافية وفي عجزه قافية أخرى، ويمتد من حيث عدد الأبيات إلى ما يشبه القصيدة العمودية في الشعر الفصيح، ويرتبط بكبار الشعراء الشعبيين. أما النوع الأخير فهو «الدان الحضرمي» وهو لون تراثي موغل في القدم، والدان كلمة مأخوذة من الدندنة- أي الأصوات الموقعة بالغناء- التي هي من الفعل الرباعي يدندن، ومن معانيها أن تسمع من الرجل نغمة أو صوتًا ولا تفهم ما يقول.. ويصنف الدان إلى ثلاثة أنواع: دان الجمالة- الدان البدوي- الدان الحضري، وله أغراض متعددة منها: الغزل والمدح والفخر، والرثاء، والوصف، والهجاء، والحماسة، والحكمة، وغيرها.
ويحوي الكتاب قسمًا للملاحق سجل فيها أبو طالب تجربته الميدانية لكافة أنواع الأدب الشعبي التي عرض لها في الفصول الثلاثة، وأسلوب البحث العلمي لهذه الأنواع، ثم نماذج متعددة للحكايات والسير والأشعار والأساطير وغيرها مما قدم له نظريًا خلال فصول الكتاب.
حكايات من التراث اليمني:
صدر هذا العام 2020 كتاب حكايات من التراث الشعبي اليمني لمؤلفه محمد سبأ، بصنعاء عن دار الكتب اليمنية للطباعة والنشر والتوزيع، والكتاب يقع في 272 صفحة من الحجم المتوسط.
قدم للكتاب نجيبة حداد التي أشارت إلى أن المؤلف اجتهد من خلال البحث والقراءة والمقابلات الشخصية مع الإخباريين من الرواة وكبار السن في جمع وتدوين هذا النوع من الأدب وهو الحكايات الشعبية اليمنية الأصيلة، إبتداء من الحكايات التاريخية المرتبطة بماضي وحضارة اليمن. ثم الحكايات التي ترتبط بالأرض والزراعة والحكمة. وكذلك الحكايات التي تمتاز بالفكاهة والدعابة، وهي ميزة من مميزات الشعب اليمني، كما سعى إلى توثيق الحكايات التي ترتبط بالمعتقدات والمعارف الشعبية كحكايات الجن والمخلوقات الغريبة والكواكب، وكذلك حكايات حكيم اليمن علي ولد زايد وحكايات أيام الغمام وغيرها من الحكايات التي بلغت مائة وخمسين حكاية. وقد كانت العائلات قديماً لا تستغني عن حكايات الجدة التي ترويها للأبناء كل مساء، ولهذا أصبح هذا النوع من الأدب يقدم الولاء والإنتماء للوطن ويرتبط بالقيم والمعتقدات والصراع بين الخير والشر والحق والباطل والضعيف والقوي والخائن والوفي الخ.
وأضافت حداد أن محمد سبأ قد اجتهد في هذا الكتاب وقدم شيئاً جديداً للمكتبة اليمنية والعربية بل لكل الباحثين في حضارة اليمن وتراثها حول العالم وهو من الشباب المتميزين الذين سبق لهم الفوز في مسابقات إبداعية في القاهرة، وقد حضرت ذات مرة لفعاليات حفل تكريمه بالفوز بجائزة لوتس للقصة القصيرة عام 2018 لدى مؤسسة لوتس للتنمية الثقافية وهو كذلك فنان تشكيلي أقام عددا من المعارض الشخصية التي حضرتها له في القاهرة ولاقت نجاحاً كبيراً وله لوحات تعبر عن محتوى هذا الكتاب القيم.
ثم بدأ المؤلف كتابه بمقدمة علمية أشار فيها إلى أن ظهور وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل المرئية والمسموعة قد أدى إلى نسيان الكثير من حكاياتنا الشعبية، وكان بداية فقدان هذا التراث عندما احتل الراديو ثم التلفزيون مكان الحكواتى أو السامر أو كبار السن، الذين كانوا يحفظون الحكايات المتوارَثة عبر أجيال طويلة، فلم يعد الناس يتجمعون فى السامر وقت فراغهم، ولم يعد الحكواتى يحيي السهرات الليلية بالحكايات والسير، فقد كانت الأجيال الصاعدة تتعلم من خلالها الكثير من القيم النبيلة، وتزرع فى نفوس أولادنا حب الخير والكرم والتعاون والشجاعة، فتحفز الهمم وتوجه الشباب والمجتمعات لعمل الخير وترك الشر.
ويستطرد سبأ بقوله: حاولت جاهدًا في هذا الكتاب أن أجمع ما استطعت من هذه الحكايات الشعبية النابعة من حكمة الشعب اليمني الأصيل، وقد اعتمدت في جمعها على عدة مصادر، فاعتمدت بالدرجة الأولى على الرواة والأخباريين، ممن قابلتهم وعايشتهم، ومنها ما جمع من الكتب والمراجع التي هي في الأساس كتب تاريخية أو كتب رحلات، أو كتب لا يظهر من عنواناتها أن في طيها حكايات شعبية، وحرصت على قراءة الكثير من الكتب للبحث عنها والتأكد من مصداقيتها من عدة مصادر، ومن ثم تدوينها وجمعها في هذا الكتاب حتى تخرج للعيان ويفيد منها القراء؛ لما لها من أهمية كبيرة في حياتنا وخشيةً عليها من النسيان والضياع، واستشعارًا لأهميتها.. وقد حرصت على أن لا أكرر ما قد جمع منها في كتب الحكايات الشعبية اليمنية في كتابات سابقة، مثل ما جمعه علي محمد عبده فى كتابه «حكايات وأساطير يمنية»، ولم أكرر ما جاء فى كتاب «أساطير من تاريخ اليمن» لحمزة علي لقمان، أو ما جاء في كتب أروى عثمان «حزاوي وريقة الحناء» بأجزائها الثلاثة، إلا ما كان منها مختلفاً في صياغة النص، ورأيت فيه اختلافات كثيرة عما دوَّنه من سبقني، فأحببت أن أدونها كما سمعتها بصيغتها في البيئة التي ولدت ونشأت فيها وقد حظيت محافظة إب وسط اليمن وما يجاورها بالنصيب الأكبر منها كونها منطقة عيش وحياة جامع هذه الحكايات .
وهذه الحكايات لم تأت من فراغ فهي نتاج تجربة وخبرات طويلة صقلتها التجربة الشعبية عبر العصور، وتحمل في طيها العديد من المفاهيم والأهداف التعليمية والتربوية.. فهى خلاصة خبرات طويلة لأجيال سابقة، فنجدها تارة تعلم الأبناء حب الأرض وحب الخير، وتنفرهم من الشر، مثلا حكاية «وريقة الحناء» التي أوردها علي محمد عبده في كتابه «أساطير وحكايات يمنية»، فقد صور فيها الخيال الشعبي الفتاة «كرام» وهي تذهب لتغتسل في البركة فتخرج مغطاة بالحيات والثعابين والعقارب، فتعود إلى منزلها على تلك الحالة والحيات على جسمها، وتنادي على والدها لكي يقوم بإحضار أداة القطع «الشريم» لإزالتها عنها، قد يجدها البعض قصة أبعد ما يكون عن أن تقبلها عقولُ أهل هذا الزمان، لكن الحقيقة أن الخيال الشعبي كان يهدف من وراء هذه الرعب والمبالغة إلى صقل وتهذيب عقول الأطفال، فيزرع في نفوسهم كراهية الشر في المراحل الأولى من عمرهم، فهو يدرك من خلال الحكمة التي تعلمها عبر العصور أن هذه المرحلة ما زالت بحاجة إلى تهذيب الطفل، فالفتاة كرام يكون مصيرها موحشًا، وكذلك حالُ كل طفل لا يساعد الناس، وعلى العكس من ذلك، من يفعل الخير سيكون مصيره سعيدًا مثل وريقة الحناء التي كانت تعمل على مساعدة العجوز وتمدها بالطعام وتفلي شعرها، فكانت مكافأتها أن تحولت هذه العجوز إلى جنيةً تحقق لها أحلامها. فالخيال الشعبي يغرس في نفوس الصغار أن فعل الخير لا يقف أمامه حاجز مهما يكن.
ويتساءل: هل ننسى هذه الحكمة ونطمس تراثنا، مستعيضين عنه بالإنترنت والتلفاز لتعليم أجيالنا! أم نوثق حكاياتنا الشعبية ونجعل منها وسائل تعليمية، ونحولها إلى ما شئنا من مسرحيات أو تمثيليات وغيرها، بحيث نعلّم أبناءنا الحكمة التي توارثناها من بيئتنا الأصلية؟!
من هنا كان الهدف الرئيس من تجميع هذه الحكايات وقد حرص المؤلف أثناء جمع هذه الحكايات على تدوينها كما هي في بيئتها دون زيادة أو نقصان مع استخدام لغة سلسة تحافظ على مضمون الحكاية ولا تفقدها فكرتها وروحها، كما حرص على أن تكون اللغة عربية تفهمها كل الشعوب العربية أو الأجنبية في حال ترجمت، فهذه الحكايات رويت بعدة لهجات، وتختلف طرق سردها من مكان إلى آخر.
قسم سبأ مجموعات الحكايات بالكتاب إلى عدة فصول يتناول كل منها نوعا من هذه الحكايات، بدأها بفصل خصصه حول (الحكايات الشعبية التاريخية في اليمن)، وتضم هذه المجموعة حكايات تعود جذورها إلى عصور ضاربة في القدم، فمنها ما تدور تفاصيله حول حوادث تاريخية مر بها اليمن، كان لها أثرها على تكوين الخيال الشعبي، ومنها ما يدور حول شخصيات تاريخية حكمت اليمن في فترات مختلفة، ومنها ما يدور حول أماكن أو قصور لها شهرة كبيرة، وتضمنت هذه المجموعة ثلاث وعشرين حكاية، منها: هابيل وقابيل وشجرة دم الأخوين- عود بن عنق- بلقيس ملكة اليمن- حكاية سبأ الأول- سيف بن ذي يزن- الملكة أروى- مدينة عدن الغارقة..إلخ. أما المجموعة الثانية فجاءت بعنوان (حكايات الأرض بعد حكم علي ولد زايد)، ويقصد بها الحكايات المرتبطة بالفلاحة والزراعة وتربية الحيوانات التي تساعد الفلاح على حراثة الأرض، وقد عكست عناوين هذه الحكايات سمات هذه المجموعة التي تألفت من عشرين حكاية منها: حبة الذرة العملاقة- بنت البيضة- الثور والحمار الكسول- الفلاح والخضر، كما ضمت هذه المجموعة حكايات علي ولد زايد وبعض الحكماء، منها: زوجات علي ولد زايد- اليهودي وخال علي ولد زايد..إلخ. أما المجموعة الثالثة فقد جاءت تحت عنوان (حكايات التهذيب والحكمة)، وهي حكايات تدعو إلى حسن التعامل مع الأرض والبيئة والحيوان ومع النفس، وتعد جزءًا من خلاصة خبرات الشعب اليمني العريق، وجاءت هذه المجموعة في عشرين حكاية أيضًا، منها حكايات: قيمتها كيس بصل- الملك والعراف- الحل بالزواج- نصائح الوالد- النصيحة بجمب- سارقة البن..إلخ.
كما خصص سبأ في تصنيفه لهذه الحكايات فصلا مستقلا لـ (حكايات الحب والعشق) وهو نوع من الحكايات التي يرويها اليمنيون بأداء لا يخلو من مداعبة وفكاهة ومتعة، ويحفظها الكبار ويقصونها على الشباب فيتسلون بها في مسامرهم وفي جلسات القات التي لا تخلو من دعابة، وتضمن هذه المجموعة أربعة عشر حكاية، ومن هذه الحكايات: حكاية وضاح اليمن وروضته- عاشق ظبية النميرية- الفتاة التي تخاف من الزواج- زينة العاشقة..إلخ. أما المجموعة الخامسة من الحكايات فقد حملت عنوان (حكايات الكواكب والجن والوحوش)، وتمثل هذه المجموعة الكثير من عناصر المعتقدات الشعبية اليمنية المرتبطة بالنجوم والسماء والكائنات الخرافية، وأغلب الحكايات الشعبية في اليمن نُسجت حول حياة البشر مع الجن، منها الحكايات التي كانت تروي زواج سبأ الأول بالجنية التي كانت في صورة غزالة مرورًا بالملكة بلقيس وحكايات استعانتها في بناء العرش بالجن، ثم سيرة سيف بن ذي يزن الملك اليمني الذي تدور حول عالم الجن والإنس، واستمر هذا الخيال إلى وقتنا الحاضر، ويحوي ثمانية عشر حكاية، منها حكايات: العدار- طاهش الحوبان- جارة البيت- العضروط- الثعبان يحرس الكنز- الداهية..إلخ. وجاءت المجموعة قبل الأخيرة تحت عنوان (حكايات من أيام الإمام) والمقصود به الحكايات المرتبطة بفترة حكم الإمامة وأسرة بيت حميد الدين، وتعبر عن مدى التخلف والجهل الذي تم غرسه في أذهان الناس آنذاك، واشتملت هذه المجموعة ثلاثة عشر حكاية، منها: ثورة سعيد الفقي- طير أبابيل- زواج الإمام يحيى- لعبة الألغام- حرب الفوانيس...إلخ. أما المجوعة السادسة والأخيرة فقد صنفها سبأ تحت عنوان (حكايات شعبية فكاهية)، حيث يزخر التراث الشفهي اليمني بالحكايات الفكاهية التي يتسامر بها الناس في مجالس القات، ويتسلون بها أثناء العمل في الحقول والمزارع، وضمت هذه المجموعة اثنتين وعشرين حكاية، منها: الفقيه والطالب- عبده عفشو والتاجر البخيل- شربة هنية- ياشيخ ثوبك حرق- المغترب وزوجته..إلخ.
الحكايات الشعبية في بلاد يافع
صدر عام 2019 كتاب جديد بعنوان «من الحكايات والقصص الشعبية في بلاد يافع» لمؤلفه ناصر سالم الكلدي عن دار الوفاق بالرياض، ويقع في 391 صفحة من الحجم المتوسط ضمن سلسلة «إصدارات الموسوعة اليافعية»، وهو ما يشير إلى مشروع خاص بتوثيق التراث اليافعي،
ومنطقة «يافع» تقع جنوب اليمن في محافظة لحج شمال شرق عدن.. ويشير نادر العمري في مقدمته للكتاب بسعادته عندما أخبره المؤلف قبل سنوات أنه يحفظ كثيرًا من الحكايات الشعبية التي كانت متداولة في بلاد يافع، وأنه ينوي تدوينها، وألح عليه حينها أن يكمل مشروعه حتى انتهى من جمع ما أمكنه جمعه من الحكايات، وأنه عازم على طبع الكتاب، وشرّفني بأن طلب مني كتابة تقديم لكتابه الرائع.. ويعرض المؤلف في مقدمة كتابه لمفهوم الأسطورة وعلاقتها بالقصة الخرافية والحكاية الشعبية، مشيرًا إلى أن مجموعة الحكايات التي سجلها في كتابه قد تجنح إلى اللون الخرافي وبعضها أشبه ما تكون بالأسطورة.
ويستمر المؤلف في مقدمته بحثًا عن جذور الحكاية الشعبية وتصنيفاتها إلى أن يصل إلى هوية الحكاية اليافعية محل الدراسة، وقد وقفت القصة اليافعية من المرأة في موقف التوسط، فهي تتحامل عليها في مواقف معينة، بينما تشيد بدورها في قصص أخرى.. لكن ذلك التبجيل والذم لا يعني المرأة ولا يحددها من حيث الجنس، لكن ذلك التبجيل والزم يتوازى مع السلوك الذي قد يرتكبه الرجل أو المرأة، حيث تنتقد القصة اليافعية «الخالة» وهي الزوجة الأخرى التي يتزوجها الرجل على امرأته الأولى، وكيف أنها تسيء معاملة أولاد الزوجة السابقة وبناتها. كما انتقدت الحكاية الشعبية اليافعية، بأسلوب مبطن، أهل الترف والقصور المنغلقة، وحرصت على ضرورة الإشادة بالتعلم من الحكماء، والتمسك بالأمانة، وذم السلوك السيء فضلاً عن تبجيل الأولياء واحترام كبار السن والوالدين، وقيمة الصبر..
إن الحكاية اليافعية تحفل بعناصر الإسقاط والسفر عبر الأزمان الذي ينقلك من زمن إلى آخر، والتي انتشرت في الزمن القديم.. والملفت في الحكاية اليافعية تحاملها على القضاة، وقد يعود السبب إلى أن القضاة ينفذون أمر الولاة والسلاطين، ولا يهمهم أن كان الشخص ظالمًا أو مظلومًا.. كما يعرض المؤلف لمبحث حول أهمية معرفتنا للحكاية الشعبية القديمة، وعلاقتها بالمعتقد الشعبي.. ويشير إلى أنه عادة ما تتخلل الحكايات عبارات يكررها الحكواتي في كل حكاية، وهي بمثابة تحسينات يأتي بها من عنده، كمثل قوله- إذا كانت الشخصية المحكي عنها تنتقل من بلاد إلى أخرى لمسافات طويلة (هبّي دبّي، هبّي دبّي)، وكذلك قولهم (وأرضًا تصلي وأرضًا تولي، وأرضًا تصلي وأرضًا تولي) للغرض نفسه عندما تطول الرحلة، وغيرها من العبارات التي يستخدمها الحكواتي لتحسين طريقة أدائه، ومحاولة إطالة القص قدر الإمكان.
ويحوي الكتاب ما يقرب من مائة وعشرين حكاية لم يقم المؤلف بتصنيفها رغم قابليتها لذلك، وإنما أوردها في ترتيب معين، وقد حملت كل منها عنوانًا دالاً عليها منها: الثعلب والغراب والنمر- الفلوس تدي ما طلبته النفوس- الرعوي البسيط والمشتري المحتال- الرجل الحكيم- الأميرة وبانواس- جرف التماني- حارس ليلة القدر- درس في تربية الزوجة- ماء عين الحياة- جدة أهل شبح. وقد حفلت المجموعة أيضًا بحكايات الأمثال الشعبية، منها: حكايات الأمثال الشعبية: الحسنة ولو على راكب الحصان- صليت لك تقر- لا الحمار بالنعمة ناق- لا معك جناحين قمّعي طُميحين- الضرطة بضرطة والحب به غلطة..
الأغنية الشعبية اليمنية أبعادها
الثقافية والجمالية
صدر عام 2012 كتاب «الأغنية الشعبية: أبعادها الثقافية والجمالية» لمؤلفه عبد الرحمن سيف اسماعيل، عن الهيئة العامة للكتاب بصنعاء. والكتاب يقع في 355 صفحة من الحجم المتوسط. والكتاب يقع في مبحثين يناقش الأول في مقدمة نظرية طبيعة الأغنية الشعبية اليمنية، مشيرَا إلى أغاني الفلاح التي تردد غالبًا أثناء العمل الجماعي، والأغاني المرتبطة بالمرأة، ثم يعرض لبعض جوانب الروح الجمالية والإبداعية في بعض نصوص الأغنية الشعبية المرتبطة بالمرأة والفلاح، مشيرًا إلى أن المرأة في كثير من النصوص الشعرية تحاول لفت انتباه الرجل الحبيب إلى جمالها وتلخص مشاعرها وأحاسيسها بلغة سهلة. أما الأغاني التي تعكس الحنين الذي يشعر به الإنسان تجاه الآخر: الابن- الزوج- الأب- الوطن.. فهي حاضرة بقوة في الأغنية الشعبية اليمنية:
ذكرتني يا ورد يا نيساني
شوقتني لبلدي وأوطاني
يا قاطفة الوردة ما فاح له شم
قلبي يحبك ياحبيب كن افهم
ويستمر المؤلف في عرض نماذج تحليلية للأغنية الشعبية اليمنية مركزًا على المرأة الريفية التي جبلت على التغزل بجمالها، وإبراز مفاتنها في محاولة لدغدغة مشاعر الحبيب..وكذا الأغنيات التي تعكس الظمأ العاطفي بين الرجل والمرأة في قوالب جمالية شفافة، فتتغنى المرأة بالصفات الحميدة لمن عشقه قلبها، وحرك وجدانها طربًا للقائه:
صدر المليح بستان وورد فاتش
وأنا جزعت جنب الغيول العاطش
ثم يبحث عبد الرحمن سيف في الصور الجمالية لبعض نصوص الأغنية الشعبية وارتباطها بالإيقاع النغمي، ولا تزال النماذج التي يوردها تعكس مشاعر الحب والغزل والشوق العاطفي للحبيب:
أصه اسكتوا صوت بالنقيل داعي
لا هو الحبيب شامد له ذراعي
مشيرًا أيضًا للدلالة الجمالية لما أسماه «الأخضري» فالمرأة الخضراء هي المرأة السمراء الجميلة، ويطلق الأخضري أيضًا على الكثير من المنتجات الزراعية، ولذاحظي الأخضري بقسط أكبر في أغاني المرأة الريفية:
أخضر ينوس نازل نقيل الأعبوس
يا عيدروس افسح لكل محبوس
كما يعرض المؤلف لبعض المفاهيم المتضمنة في الشعبية اليمنية كمفهوم الاغتراب والوطن ودلالات الفداء والترحيب بالحبيب، ومفهوم الرفض والأجرام السماوية في الدلالة على الحب:
زوج القمر يضرب إلى الشبابيك
صافي البدن يا سعد من يهاويك
ولا تزال النماذج الواردة بالكتاب حول الأغنية الشعبية مرتبطة بمفهوم الحب والغزل والتأثير الوجداني، فضلا عن القات والتنباك، إلى جانب دلالات «القامة» أي قامة الرجل باعتبارها إحدى صور الجمال أيضًا، فكل امرأة أنشدت لهذا الرجل الطويل.. أو ذاك القصير، وكل رأته بعينها وبقلبها، وبمعاييرها المختلفة:
رد السلام على الطويل واجب
أما القصير حبحب بالشواجب
ويصل بنا عبد الرحمن سيف إلى المبحث الثاني الذي خصصه لأغاني الفلاحة، ليشير إلى أن الأغنية الفلاحية ارتبطت أكثر بالأرض والعمل.. وهي تختلف كثيرًا عن أغاني المرأة والحب والغزل، وأبرز الاختلافات في كون الأولى فردية وجدانية أكثر، فيما نجد أن الأغنية الفلاحية أغنية جماعية أكثر منها فردية، وتعبر عن روح الجماعة، حتى أن المقاطع الفردية في الأغنية الفلاحية لها إيقاع أقرب إلى الجماعية.. وهذا النوع من الغناء لا يحتاج عادة إلى استخدام الآلات الموسيقية.. وتتنوع الأغنية الفلاحية بتنوع المواسم والمواقيت الزراعية التي تخضع لحركة النجوم والشمس والقمر والأفلاك، وتعتمد على «الملالاة» والمشتقة من اللازمة الغنائية التي يبتدىء بها المغني بقوله: ألا ليه ليه ليليه».. وصنف المؤلف هذا النوع من الأغاني إلى عدة أنواع منها أغاني «الشصرة» وهي مفتاح الموسم الزراعي وأوله، حيث يتمنى الفلاح أن يكون مبشرًا بخير وفير:
هي بالله بدا مالي
صباح عدتي وأثواري
صباح من سنامه عالي
صبوحك يا بنت خالي
قزحة بيضة وبصالي
وهناك أنواع أخرى من أغاني الفلاح رصدها المؤلف منها: أغاني المقرب، وأغاني البذار (الذري) وهي مرحلة مهمة وأساسية في أعمال الزراعة، ولهذه المرحلة أغانيها وأهازيجها الخاصة، وفيها تكثر الأعمال وخدمة الأرض، فيقول على لسان الفلاحة:
شجي خصب وشترجع تشاني
بالخصب ماشكش أني
شجي خصب شترجع تراجع
وادكع وابن الدكع
شجي خصب شجي محاجين
ولعين وابن اللعين
ويختم المؤلف كتابه بنوعين من أغاني الفلاحة الأولى هي أغاني «النقوة» التي تأتي فور ظهور الزرع مباشرة، حيث يقوم الفلاح خلالها باستخدام الحجنة لانتشال النباتات والأعشاب الطفيلية التي تعيش على حساب الزرع، وهي عملية مهمة في العمل الزراعي. والنقوة باعتبارها عملية تؤدى بطريقة جماعية باستخدام الأهازيج والزوامل والمواويل التي تستهدف تشجيع الناس وحثهم على إنجاز العمل بصورة سريعة:
الأخضـر محنـا وجـالس.. الليل
طارح أرجله على المتارس.. الليل
الأخـضـر تهـيـأ ونـشــر.. الليل
أخضـر خضـرته كالعـلالي.. الليل
أما النوع الأخير من أغاني الفلاحة فقد جاء تحت اسم «الحشوشة»، والحشوش هو جز العشب الذي يظهر في أطراف الأحوال والمدرجات ومسافح المياه وعلى جدران المدرجات باعتبارها طعامًا خصبًا وطازجًا للأبقار والأغنام:
قولوا لمنقوش البناني
ما لسهمه صابني
قولوا لمنقوش الخضابي
ما لدمعه ساكبي.
الأدب الشعبي في محافظة حجة
صدر عام 2015 كتاب «الأدب الشعبي في محافظة حجة» لمؤلفه يحيى محمد جحاف عن مؤسسة حجة الثقافية، والكتاب يقع في 159 صفحة من القطع المتوسط. وأشار المؤلف في مقدمته إلى أنه قد سعى في كتابه إلى جمع شذرات من التراث الثقافي في محافظة حجة التي تتميز بخصوصية في جوانب الأدب الإنساني المتنوع، والمتميز بخصوصيته النابعة من التضاريس المتنوعة التي جمعت بين الجبل والسهل والساحل كان لها الأثر الكبير في هذه الخصوصية، دون الكثير من المحافظات اليمنية الأخرى.. ويستطرد بقوله: أننا قد حاولنا جمع جزء بسيط من هذا الموروث النادر تاركين الباب مفتوحا لكل من يرغب من المهتمين والباحثين من أبناء الوطن عامة وأبناء محافظة حجة في البحث والجمع في هذا الجانب المهم الذي يحتاج إلى تضافر كل الجهود كون المجتمع يشهد حاليا الكثير من التحولات الاجتماعية والثقافية التي أخذت تؤثر على الوسائل والمؤسسات التقليدية التي كانت تؤطر عملية النقل من جيل إلى آخر، والتي يمكن أن تؤدي إلى مكونات الذاكرة على هذا الصعيد، وبالنسبة إلى مكوناتها على أصعدة أخرى، إلى فقدان هذا الإرث الثقافي والتاريخي، وهذا ما لمسناه من خلال النزول الميداني والالتقاء بالكثير من الناس الذين صاروا لا يتذكرون إلا القليل منه نتيجة الطغيان المدمر الذي حل على هذا الموروث الثقافي.
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة علمية تناول فيها مفهوم الأدب الشعبي، ثم تتابعت فصول الكتاب التي بدأها بفصل حول «الأغنية الشعبية» التي صنفها إلى: أغاني العمل الزراعي- الحصاد (الصراب)- أغاني نزع المياه- أغاني الرعي وجمع الحطب- أغاني العرس- أغاني المهد (أغاني الأطفال)- أغاني الجمالة- أغاني السفر- أغاني الفراق- الانشاد الديني- أغاني التكافل الاجتماعي. وقد أفرد المؤلف تعريفًا لكل نوع مع تقديم نماذج منه. أما الفصل الثاني فقد خصصه المؤلف لبحث «الزامل اليمني» وهو عبارة عن أبيات من الشعر العامي البسيط يعود تاريخه إلى ملوك حمير، وتتنوع الزوامل باختلاف المناسبة، وفي العادة تؤدى بشكل جماعي، حيث يقوم أحدهم- ويطلق عليه في بعض المناطق «البداع» أي من يبدع القول- بوضع الكلمات وتلقين الآخرين هذه الكلمات لحفظها حتى يتمكن الجميع من ترديدها كون المجموعة الأولى تقوم بترديد مقطع وتتوقف، وتقوم المجموعة الأخرى بترديد المقطع المكمل له أو ترديده في بعض الحالات، كما أنها تكون مصحوبة بالطاسات والمرافع وحامليها أمام الصفوف. والزامل في اليمن هو تعبير للحياة المباشرة من خلال الأصوات المتجاوبة، وهو نتاج جماعي روته أجيال عن أجيال، وأكثرها مشهورة التداول، لكنها تظل مجهولة القائل.. وهناك زامل الحرب، وزامل الترحيب وزامل الاستقبال، وزامل الزفاف، وزامل العودة، والتمجيد والنصر والسياسة وغيرها.. ومن هذه الزوامل ما يكون على هيئة أبيات شعرية على أي بحر من الشعر ومنتقاة مثل:
يا من يخالف أمر مولانا ويعصيه
لابد من يوم يراه
لابد من يوم يشيب الطفل فيه
والطير يرسي في سماه
ومنه ما يكون على هيئة أرجوزة:
سيد تكبر والله أكبر
لابد من نهجم جباه
نضرب على أكباده بمعبر
ونلحق الذانب ورآه
ثم ينتقل جحاف لعرض الأدب الشعبي المرتبط بـ «المناسبات» ومنها احتفالية عيد الفطر وعيد الأضحى وارتباطهما بأغاني النساء
سنسين الرغد
قد أول العشر من غد
قد الكباش في الدرج
والبر الأحمر مدقق
كما يستعرض الأغاني المرتبطة بالجباء في الأعراس، وهي بمثابة المساعدة المادية للحرية لمواجهة الحياة القادمة، ويدخل ذلك ضمن التكافل الاجتماعي، لكنه يبقى في حكم الدين لابد من قضائه، إلا أنه يطغى عليه التفاخر والإحراج والقمار بين الحضور كونه علنًا، ويبدأ بالكلمات التي مطلعها ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى مفردات لغوية تحمل خصوصية المكان:
البدع بذكر الله والثاني الهادي
بز البخور يطلع ولا نزلنا له
بأربع مية مجرى وألفين خياله
ثم يفرد المؤلف لشرح نماذج من الأغنية العاطفية اليمنية، وأغاني العروسة أو زفة الحريوة، والتي تبدأ مطلعها بالصلاة على النبي مع تنبيهها بالتجهيز والاستعداد، فقد حانت ساعة الرحيل وتوديع أهلها والانتقال إلى المكان الآخر الذي حلمت به:
يا صلاتي على روح النبي الغالي
قومي احربي يا حلاهيا رسمتينا
واحنا رسمنا الشباب وانت رسمتينا
توادعي بيت أبوش طوفي على أركانه
كما يخصص المؤلف فصلا عن الأغاني المصاحبة للرقص الشعبي وألعاب الطفولة والشباب، مثل ألعاب البرع، والمدرهة، وأغاني البالة، وهي من أغاني سمرية، تؤدى في جماعة وتقال في علان بعد صلاة العشاء. أما الحجاج أي أغاني الحجيج فمرتبطة بطقوس الحج منذ خروج الحاج من منزله حتى العودة إلى أهله:
منا سلام الله مياتي يبلغ إلى مكة الياتي
بيت العدالة واليقين
منا سلام الله مثني يبلغ إلى عند الحاج منا
صاحب وله مرحب عزيز
ثم ينتقل المؤلف لبعض أنواع الأدب الشعبي في عالم الأساطير ومدلولاتها، والتشييع والوداع وهي المرتبطة بعادات دفن الميت وتوديعه
يا با ويا ولدا أين الطريق لي تدلى
في عارضة أو ملوى
يا با ويا ولدا يا ورقة يا خضراء
سيري شرس بين المائ
ويختتم جحاف كتابه بفصل حول المعتقدات الشعبية والرموز المرتبطة بها كالمعتقدات المرتبطة بالحيوانات والطيور وبعض الأفعال مثل الكنس بعد سفر الشخص من المنزل، والجلوس على ضوء القمر، وكذا مدلولات العين والكف والأنف وقراءة الفنجان..إلخ..
هذه هي الرحلة الأولى في عالم التراث الشعبي اليمني.. وفي العدد القادم سأقدم لكم القسم الثاني من الرحلة..