مواد وطرق البناء الطيني التقليدي
العدد 52 - ثقافة مادية
إن الموقع الجغرافي الذي تحتله دول الغرب الإسلامي (مصر، ودول المغرب الكبير ومالي) جعلها تحظى بسفوح مطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وتخترقها سلاسل جبلية شامخة، وتتحلى الجهة الجنوبية منها بالواحات البديعة الساحرة. وقد انعكس كل ذلك على ثقافتها وتراثها وتاريخها وأنماط عيش سكانها.
وتراث هذه البلدان هو أحد الجوانب التي ينعكس عليها التنوع، فهو غني ومتعدد الأشكال، فهناك البناء الحضري المدني وهناك المعمار الجبلي ثم البحري ثم الصحراوي، أو شبه الصحراوي، وهناك المساجد والمدارس والأبواب والقصبات والقصور وغيرها؛ والتي ما تزال تحتاج لجهود الباحثين من أجل تعرفها وإماطة اللثام عن أسرارها ونظمها وأنساقها الثقافية.
في المنطقة الصحراوية في هذه البلدان يهيمن نوع من السكن المبني بالتراب، وبتقنيات متوارثة وفق تقاليد عريقة. هذا البناء يستخدم الطين مادة أولية، وبه تلحم حجارة الأسس، وترفع الأسوار وتبنى الأبراج، وتتشكل المدينة وفق تصميم خاص.
البناء بالطين ليس حكرا على هذه المنطقة، فسكان مناطق واسعة من البلاد العربية وآسيا الصغرى وأفريقيا، بنوا بالطين منازلهم وتحصيناتهم، وما زالت منشآت معمارية ضخمة وقديمة قائمة إلى اليوم، في حضرموت باليمن، وحلب بسوريا، وحائل في السعودية وفي بلدان ومدن أخرى كثيرة يضيق المجال بذكرها.
في كل هذه البلدان، توارث الناس تقنيات ومهارات وثقافة البناء بالطين، وتبادلوها، وأسهموا كل بقسطه في إنضاج التجارب وتطويرها ونشرها.
إلا أن اللافت للنظر في هذه العمارة الطينية ببلاد الغرب الإسلامي، هو صلابتها وقوتها على الصمود في وجه الظروف المناخية وعوامل التآكل، فضلا عن تصميمها الهندسي والبديع والرائع والتنظيم الاجتماعي المحكم الذي يدبرها.
وظفت الساكنة معارفها القديمة في النهوض الاقتصادي وفي التحصين العسكري، وفي الاستقرار الاجتماعي والتماسك السكاني والأمن الروحي والبدني لسكان المنطقة.
وهذه العمارة أضحت بمثابة وثيقة ناطقة بثقافة السكان وعاداتهم وأصولهم، فهي ترسم لنا صورة واضحة المعالم عن الكيفية التي عاشوا بها وتعاملوا بها مع بيئتهم المادية ومحيطهم السياسي وتطلعاتهم الاقتصادية، وعقائدهم، وتفاعلهم مع غيرهم، عبر الأزمان والعصور.
هذا التراث الهام أصبح اليوم مهددا بالاندثار، على الرغم من أهميته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وفي تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية من الهدر والتلوث، فالبناء الإسمنتي الحديث انتشر في كل هذه المناطق، وأضحى يهدد مكوناتها الطبيعية بالتخريب والدمار.
إن دراسة أساليب العمارة الطينية التقليدية تعد ضرورة لصيانة هذا التراث الهام، صونا للذاكرة وحفاظا على البيئة وضمانا للاكتفاء الذاتي ومحاربة للفقر والفوارق الاجتماعية.
هذا البحث يروم التعريف بالمواد المستعملة في البناء الطيني وكيفية الإنشاء وتقاليده. واعتمدنا في سبيل إنجاز هذا العمل على المقاربة الوصفية، وتمت الاستعانة في جمع المعلومات بالزيارات التي قمنا بها لعدد من قصور وقصبات الجنوب الشرقي للمغرب، وعلى الحوارات والمقابلات التي جمعتنا بالسكان المحليين و«معلمي البناء» بهذه المناطق، إلى جانب دراسة عدد من الوثائق المصورة، واستقرائها. كل ذلك مكننا من تكوين صورة شاملة ودقيقة عن موضوع البحث.
العمارة الطينية:
يقصد بالبناء الطيني، هو ذلك النمط من العمارة التقليدية القديمة المتوارثة، التي تقام بالطين النيء، تبنى بالتراب الخام، دون تحويله أو إنضاجه على النار، أو تغيير طبيعته بأية إضافات كمياوية مؤثرة، باستثناء إضافة مواد طبيعية كالحصى، أو التبن التي لا تؤثر في تركيبة التراب ولا طبيعته.
وهذا البناء، وإن كان يطلق عليه بناء طيني أو ترابي، فإنه لا يستعمل التراب مجردا، بل يستعان فيه بمواد أخرى، كالحجارة في الأسس، والخشب في الدعامات، والجير أو الجص في التكسية، وغير ذلك من المكونات ومواد البناء، ويمكن ترتيبها على الشكل التالي:
اولاً: الحجارة:
الحجارة هي تلك القطع المختلفة الأحجام والأشكال الناتجة عن تكسر الصخور المكونة للقشرة الأرضية الخارجية، وقد استخدمها الإنسان في البناء منذ أقدم العصور، فاستعملها في بناء الجدران، وفي وضع أساسات الأبنية، وفي إنجاز عناصر معمارية متنوعة، كالأعمدة والعقود والأقواس، كما تعد وسيلة هامة في تبليط الأرضيات وما زالت الآثار التي خلفتها الحضارات السابقة في البلاد تشهد بقيمة وأهمية هذه المادة
من أهم أنواع الحجارة التي تستعمل في العمارة المغربية حجارة الجرانيت السوداء ويتم استخدامها خاصة في بناء أساس الأسوار على ارتفاع حوالي متر واحد اتقاء للرطوبة والفيضانات.
في حين تستعمل «حجارة اللوس» في البناء بواحة بني سوف في الجنوب الجزائري، وهي الحجارة الواسعة الانتشار في المنطقة.
أما في بناء الجدران، فتستعمل أحيانا الحجارة الخامة (غشيمة) دون تهذيب، وهي حجارة صغيرة أو متوسطة في مقدور البناء ومساعده حملها والتصرف فيها، تضاف إليها كميات كافية من الملاط الطيني المعجون جيدا، حتى تستقر الحجارة في مكانها
كما توجد جدران مبنية بالحصى الدقيق الممزوج بالملاط، تشكل منه عجينة شبه متماسكة، يتم إفراغها بين لوحي التابوت ودكها جيدا.
ثانياً: الطين:
التربة مادة طبيعية واسعة الانتشار على سطح اليابسة في كل البلدان، وتعد مادة البناء الأولى في الجنوب المغربي والجزائري والتونسي وكذا في موريتانيا وجنوب الصحراء، يستعمل التراب خالصا يشكل منه عجينة بإضافة الماء فيتكون طين ناعم يمكن صياغة أي شكل منه أو وضعه في قوالب. أو تضاف إليه بعض الألياف النباتية، وأهمها التبن، ويوضع في قوالب ويجفف تحت الشمس لتشكيل الطوبة، أو يدك في التابوت لبناء جدار بالطابية. أو تبنى به الجدران الحجرية وتلبس، أو القصبية الخفيفة، كما يشوى في الأفران لإكسابه صلابة وقوة لإنتاج الآجر.
وتختلف خواص الطين الفيزيائية تبعاً لعدة عوامل، أهمها: نسبة كل مكون من المكونات في المزيج، درجة خشونته أو نعومته، الأملاح والمعادن الموجودة فيه، ودرجة رطوبته. وأجود التربة ما كان خاليا من الحصى الكبير، وفقيرا من المواد العضوية، ويحتوى على نسبة متوازنة من الرمل والكلس والصلصال، فكثرة الرمال تجعل البناء هشا، أما ارتفاع نسبة الصلصال فيؤدي إلى تشققات في البناء وتآكله بفعل الرطوبة والماء، كما أن المواد العضوية تتحلل مع الزمن ما يؤدي إلى تآكل وإضعاف البناء.
وبالنظر إلى تنوعه الكبير، فإنه يصعب إخضاعه لمواصفات معينة ودقيقة.
ثالثاً: الطوب:
استعمله المغاربة منذ القدم، فبعض البنايات بمراكش التي تعود للحقبة المرابطية (القرن الثاني عشر الميلادي) أنشئت بالطوب، والطوب يصنع من تراب يملأ به قالب مخصص. التراب المعد لصناعة الطوب يختلف عن تراب التابوت، حيث ينقى من الحجارة، ويعد إعدادا قبليا خاصا قبل الصنع، ويغطى بالماء ليلة كاملة على الأقل ويعجن جيدا بالأرجل في اليوم الموالي، وإذا كان به صلصال كثير يضيف المعلم إليه رملا أو تبنا، وبعد ذلك يصنع الطوب. ويستعمل قالب به تجويفان اثنان أو أكثر لإنتاج طوبتين أو أكثر دفعة واحدة، بحيث يؤخذ الطين في شكل عجينة خشنة ترمل بتمريرها فوق فرشة من الرمل معدة لهذه الغاية، أو تمرر فوق التبن الرقيق، ثم تلقى في القالب المرطب بالماء أيضا والمرمل، ثم تضغط داخله حتى تلتحم أجزاؤه، بعد أن تأخذ شكلها النهائي تخرج من القالب وتجفف في الشمس في مدة تتراوح ما بين أربعة أو خمسة أيام1.
لا يتصف الطوب بالجودة والمتانة التي تميز المنشآت من التابوت، ولا يقاوم الطوب الرطوبة والماء بشكل جيد، واستعماله منحصر في الجدران العالية التي لا تتصل مباشرة بالأرض أي في الطوابق العليا فقط، وفي الجدران الداخلية للمنازل.
كما تسمح مرونته في تنفيذ الأشغال المعقدة كالأقواس والتشكيلات المزخرفة، أحجام الطوب تختلف باختلاف استعمالاته، فالطوب المخصص لتعلية الجدران السميكة تكون مقاييسه 35 على 17 على 8 سم، ويتخذ طوب أصغر قليلا مقاييسه 31 على 15 على 7 لبناء الجدران الداخلية الصغيرة، أما الطوب المخصص للزخارف فتكون مقاييسه أصغر 27 على 13 على 6سم2.
وبالنظر لما تتطلبه صناعة الطوب من ماء وتراب فإنه يستعمل في المناطق الغنية بالماء. ويسمى صانع الطوبية «الطواب» في اصطلاح مجتمع تافيلالت3.
رابعاً: الطابية أوالتابوت أو الركز:
التابوت في اللغة المحلية المغربية هو قالب التراب المضغوط الذي أدخله الفينيقيون إلى المغرب، واللفظ مشتق من الكلمة الفينيقية طابية. ويتلخص في ملء قالب من خشب بتراب غير دقيق به بعض البلل، ثم يضغط إلى أن يغدو متماسكا، إثر ذلك يسحب القالب تاركا الثغرات التي تميز هذا النظام المستعمل خصيصا في بناء الأسوار. وهي تقنية قديمة جدا، ولم يطرأ عليها أي تغيير حيث أن الطريقة التي يتم بها البناء اليوم هي نفسها التي كان يتم بها البناء في الماضي السحيق وبنفس الوسائل وأدوات البناء.
يدك التراب وتشيد الجدران لوحا لوحا، في سمك يتراوح في أغلب الأحيان ما بين نصف المتر وثلاثة أرباع المتر (50 و 70 سم) وتأتي صلابة الجدران من قوة الدك، ومن كمية الكلس التي يخلط بها التراب. وتتم عملية الصب على عدة مراحل، وفي كل مرحلة ترتفع الصبة من 20 إلى 30 سم ثم يصار إلى طرقها ودكها وضغطها بواسطة مطارق حجرية أو معدنية خاصة ثقيلة ومتعددة الأشكال تسمى «المركز»، وكل صبة بارتفاع القالب، بعد «الركز» تتداخل المواد المكونة للعجينة وتتماسك، يفك القالب ليركب من جديد على الجزء المكمل للسابق.
ومن الأساليب الهادفة إلى التقوية كذلك إفراغ فرشة من الكلس الجير فوق الطبقات المكونة للجدار واحدة واحدة، وبين اللوح والآخر، بحيث تتماسك الطبقات عند وضع الواحدة فوق الأخرى في تراتبها العمودي، ويلتحم اللوح بالذي يجاوره، ويلتصق به في تراتب أفقي، وبعد أن يكتمل البناء تطلى واجهاته بلياط من التراب وبعض الجير كذلك.
ويبلغ طول الطابية حوالي ثلاثة أمتار، وعلوها حوالي 0.80 مترا ويتراوح السمك ما بين 0.90 مترا ومتر ونصف وبذلك يصل ارتفاع السور المشيد من الطابية إلى 11 مترا وأكثر بالنسبة للأبراج4.
خامساً: الرمل:
الرمل مزيج حبيبات مفككة من مختلف الصخور، وهو مادة بناء متوفرة بشكل جيد في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، ومجاري الوديان، يستعمل بعد غربلته وعزل الحصى الكبير والشوائب النباتية وغيرها، ويقسم إلى نوعين:
- نوع خشن يمزج مع الطين، وتفرش به الأرض والسطوح.
- ونوع رقيق يستعمل في تكسية الجدران، ومنحها ليونة وملاسة.
سادساً:الجبس والجص:
يستخدم الجص على نطاق واسع في أغراض البناء، يستعمل في تبليط الواجهات الداخلية للجدران، تغطية الحوائط وزخرفتها بالنقوش البديعة. فالجص يتخذ شكل المكان الذي يزينه، فيحيط إطارات الفسيفساء والزليج ويحتل الجزء العلوي للأسوار وتحت السقف. كما يزين الأقواس والأعمدة الحاملة للساكف وعقود الأبواب، والمحاريب ويتوزع الجص المنقوش على شكل إفريز أو إطار مستقيم، أو محدب أو مقوس.
وقد استهوت هذه المادة محترفي البناء لسهولة استعمالها، وتشكلها، واستجابتها لتخطيطات النحات الذي يستطيع أن ينقش عليها أجمل الأشكال بسهولة ويسر؛ فالجص مادة بسيطة هشة، لكنها تتحول بالزخرفة إلى أعمال فنية غاية في الروعة تستعيض عن رخص المادة وبساطتها بروعة التشكيل وفخامته. ففي المغرب يعد تزيين المنازل بالجص المنقوش حرفة فنية معمارية قديمة، ويكاد لا يخلو بيت قيد الإنجاز من وجود ديكورات جصية في الغرف والممرات والزوايا وغيرها، فالمعمار المحلي بالجص المنقوش يكتسي جمالا باهرا، لذلك نجده بكثرة في القصور والدارات الراقية.
سابعاً: «الزليج» الخزف:
يصنع الزليج كسائر المنتجات الخزفية من صلصال، يستخرج النوع الأحمر الشائع منه من ضواحي المدن، يكون الصلصال الخام عبارة عن كتل كبيرة، يعالج لتخليصه من الأحجار الكلسية والحصى، بعدها يفتت بمطرقة خشبية خاصة تسمى المجيم، ويوضع إثر ذلك في الجابية، وهي أحواض وصهاريج مملوءة ماء لترطيبه وتليينه، ثم يعجن في جفان كبيرة، بعد أن يصبح لينا طيعا، تصنع منه مربعات صغيرة الحجم لا تزيد أبعادها عن 10 سم، وسمكها في حدود 1 سنتمتر، وأحيانا يستعين الصانع بأدوات مساعدة تنتج له الأشكال الهندسية المختلفة (مربعات، مثلثات ومستطيلات) تدخل إلى الفرن لتأخذ شكلها الأول ثم تخرج وتصبغ ثم تعاد مرة أخرى للفرن لتأخذ الشكل النهائي، وتأتي المرحلة الدقيقة وهي نحتها وتركيبها بشكل متناسق على الجدران لتشكيل البلاطات الفنية المزخرفة من قطع الزليج المتنوعة والملونة التي تجمع على شكل نجوم أو أرابيسك.
تمر الصباغة من مرحلتين، بحيث تطلى خلالها القطع بالتسبيقة ثم تلون بالألوان المختارة. وهو ما يمنح الزليج المغربي خصوصيته المميزة له عن غيره من الزليج.
قطع الزليج تنتظم بأشكال لا حصر لها، تزين جدران المباني الخارجية والداخلية والأعمدة والقباب والأرضيات، وكل ما يقام من آثار معمارية بلا استثناء. لا يمكن للمرء أن يقاوم سحر ثرائه الزخرفي وجاذبية ألوانه الساحرة في زوايا البناء وجدرانه.
المواد من أصل نباتي
تعد ذات أهمية خاصة في البناء، وخصائصها الطبيعية تمنحها امتيازا وحظوة في مجال البناء، في إعلاء الجدران، وفي التسقيق، والأعمدة والدعامات، وفي صناعة الأبواب والنوافذ، كما تستعمل وقودا لإنضاج الآجر في الأفران، وأهم ما يستعمل منها في البناء:
- جذوع النخيل، تتخذ منها أعمدة لدعم السقوف والسلالم، ومصدرا لخشب الأبواب والنوافذ، وتستعمل بالخصوص جذوع الأشجار المسنة، أو التي مستها آفة تمنعها من الإنتاج؛
- السعف والجريد يستعمل لتغطية السقوف؛
- كما تتخذ من الخشب قوالب الطوب وتوابيت الطابية ومهراس الدك.
اولاً: الخشب:
وهو ثلاثة أنواع: خشب الصفصاف، خشب الأرز وخشب النخيل. ويعتبر خشب الأرز الصنف الأكثر شهرة واستعمالا في القصور الفيلالية وخاصة المخزنية، سواء في البناء أوفي الزخرفة. ويظهر عموما في الأجزاء العليا، إنه المادة المفضلة في تشييد السقوف والقباب والرتاجات الخارجية والأروقة الداخلية، وفي صنع المنابر والأبواب والمشربيات... كما استخدم أيضا خشب النخيل والصفصاف ولكن بكيفية أقل.
وتتخذ من الخشب عدة قطع، أهمها:
- «المادة» ويتراوح طولها ما بين الثلاثة والسبعة أمتار، وسمكها بمقاسات مختلفة؛
- «الكايزة» وهي أصغر من «المادة» وأقل سمكا منها؛
- «الورقة» وهي قطعة من الخشب تثبت أسفل «الكايزة» وتكون أرق منها
- «التشبيكة» أو «تشبيكة الربط» وهي أخشاب صغيرة، تستعمل لتشبيك ولحم أخشاب «الكايزة»
- «الفرد» وهو عبارة عن خشبة من النخيل يبلغ طولها ما بين مترين ونصف وثلاثة أمتار، ويصل سمكها أحيانا إلى نصف المتر، وتستعمل في مدخل المنازل والبيوت وأحيانا في السقف؛
- «القنطرة» اقل سمكا من «الفرد» تستعمل في السقوف
- «الكريدة» خشبة صغيرة طولها ما بين المتر والمتر والنصف، وسمكها يتراوح ما بين 15 و30 سنتمتر يتم تصفيفها وإتقانها لتكون بعض الأشكال الهندسية في السقف إما على شكل مربعات أو مستطيلات.
- الجريد والقصب ويوظفان في بناء سقوف بعض البيوت وحظائر الحيوانات والدواجن؛
- الساكف وهو ما يقابل العتبة من أعلى الباب، ويشيد إلى جانب السقوف والخرجات من الخشب.
عملية البناء
اولاً: اختيار الموقع:
أولا وقبل كل شيء، يتم اختيار الموقع الاستراتيجي، الذي يضمن حماية سكان القصبة أو القصر، ويوفر فرصة لمراقبة الطرق التجارية. وتتوفر به شروط العيش الملائمة كالماء والزراعة. والموقع الجغرافي، دائما يكون تلا مشرفا على الواد، فوق قاعدة صخرية (الكرانيت). وسط القصر بالنسبة للقصبة البسيطة، وخارج القصر بالنسبة للقصبة المركبة.
الموقع يجب أن يكون قرب منبع مائي أو مجرى الواد، في مكان مرتفع، حتى لا تصله مياه السيول والفيضانات، وغالبا ما تكون الأرضية فيه صلبة وغير صالحة للحرث، حتى لا تُستعمل الأراضي الصالحة للزراعة كموقع للبناء.
ثانياً: تقنيات البناء:
التقاليد المعمارية للمنطقة تشهد على أصالة ثقافية نادرة نشأت في هذا الوسط المتفرد وامتزاج ثقافي حمل أفكارا وتأثيرات وافدة من أصقاع عديدة نقلت أفكارا وتجارب قمينة بالاعتبار. فتطورت في المنطقة معرفة ناتجة عن تقنيات متطورة جدا بلغت درجة عليا من الجودة والإتقان.
جميع مواد البناء من مصدرها البيئة المحلية، فمن التراب تتخذ الجدران وتلبس وتصنع الأقواس وتركب السقوف. أما الخشب، فاعتبارا لمزاياه ومقاومته لعوامل التلف فتتخذ منه المكونات الأفقية والسقوف، بينما الحجارة فتستعمل حسب المتطلبات وأحيانا أساسا للبناءات.
ثالثاً: الأساس:
يؤدي الأساس دورا هاما في ثبات البناء وحمايته من السقوط، بضمان ارتكازه على الأرض ارتكازا ثابتا، لذلك توضع الأساسات في أرض صخرية صلبة على عمق ملائم.
لوضع الأساس تحفر الأرض حتى يصل البناء إلى أرضية صلبة يضع عليها أساس البناء الذي يتخذ من مواد صلبة: حجارة صماء أو حجارة مسطحة مخلوطة بطين؛ وأحيانا كثيرة توضع الجدران فوق سطح الأرض مباشرة على خندق بعد فرشة من الحجارة كأساس لها.
وكلما كانت الأرض صلبة كان وضع الأساس سهلا وغير عميق، أما سمك الأساس، فهو في الغالب أكبر من سمك الجدران. يبنى الأساس من حجارة، والأفضل أن تكون حجارة قاعدية غير حامضية، كالبازلت أو الكرانيت، ويتم استعمال حجر كلسي أو رسوبي أحيانا في غياب حجارة بديلة، ويتم لحم الحجارة بالطين الممزوج بالكلس وفق معايير مضبوطة. ويرتفع الأساس أحيانا إلى متر فوق الأرض.
أما بالنسبة لوضع الأساس يتم رسم تصميم للقصبة بالخيوط (لقناب). المثبتة في الأرض بأعواد من القصب. إذا كانت القواعد الصخرية هي سطح الأرض تبدأ عملية البناء بالأحجار حتى ارتفاع متر واحد إلى متر واحد ونصف، أما إذا كانت القاعدة بعيدة عن السطح يتم الحفر حتى نصل إلى القاعدة الصخرية على مسافة نصف متر إلى متر واحد.
من المواد المستعملة في هذه المرحلة الأحجار الكبيرة بكل أنواعها غير المنحوتة، ويضاف إليها التراب المختلط بالتبن والماء لملء الفراغات بين الحجارة، مع استعمال الخيط وميزان الماء لتفادي الاعوجاج والميلان، وصاحب كل هذه المهام هو «لمعلم ن أزرو».
رابعاً: مرحلة بناء الجدران:
تبنى الجدران على أساسات متينة، يقوم بالعملية البناء «لمعلم ن وطوب» بمساعدة عامل آخر يناوله المواد.
قبل الشروع في البناء يتم مد خيط أو اثنين متوازيين في اتجاه أفقي مستو، لتحديد مسار الجدار ونقطتي بدايته ونهايته، واستقامته، مستعينا بميزان الاستواء لتفادي ميلانه أو اعوجاجه.
يتم البناء بالطوب أو بالطابية بدك التراب في التابوت. توضع لبنات الطوب بشكل خاص، بحيث توضع كل لبنة فوق نصفي لبنتين حرصا على تماسك الجدار.
أما عملية بناء الجدران بالطابية فهي أصعب مرحلة في البناء، لما تتطلبه من الوقت وبذل الجهد العضلي، وقد أشار إليها بتفصيل ابن خلدون في مقدمته، يتطلب هذا العمل تقنيين يسمون محليا «المعلمين» في استعمال اللوح «التابوت» وهي عبارة عن جهاز خشبي مكون من أربعة ألواح يوضع لوحين طولا، ولوحين آخرين عرضا، يبلغ طولهما حوالي مترين إلى مترين ونصف، وعرضهما خمسون سنتيمتر، على ارتفاع متر واحد وتشد بالحبال، فتنصب على جدران الأساس (الحجارة) ويتم تتبيثها بواسطة ستة أعمدة تسمى «القْوٍيمْ»، هذه الأخيرة هي التي يتم شدها بالحبال، لضمان تماسك صلابة الطين بداخل التابوت.
وتملأ بالتراب الممزوج بالحصى والرمال الطينية منها والرسوبية والكلسية، بعد إضافة الماء إليه لتكوين عجينة، ويتم وضعها مباشرة في التابوت، بدون الحاجة إلى أن تترك لتختمر، ويتم دك العجين الطيني من طرف المعلم بالآلة «المركز» بقوة شديدة، وبإتقان ومهارة، حتى تتداخل المواد فيما بينها، ويتم عزل الألواح، لتنصب من جديد وتستمر نفس العملية حتى ينتظم الحائط كله ملتحما كأنه قطعة واحدة يشيد الطابق الأول والثاني بنفس العملية، مع نقص في حجم اللوح في الطابق الثاني، ثم تبدأ عملية البناء بالطوب أو الآجر المحلي، لخفة وزنه ولا يتطلب مجهودا كبيرا، يصنع هذا الطوب في قالب خشبي مختلف الأحجام، باختلاف استعمالاته وحسب المناطق.
أما القالب فيصنع من ألواح الخشب، لوحان عريضان مقياسهما 1على 2 متر، تسمى «إفراون» يدعم كل لوح ثلاثة أعمدة من خشب موزعة بالتساوي على طوله، حتى يمكن شد اللوحين بحبل عند تركيبهما لبناء السور.
وأحيانا يتألف التابوت من أربعة ألواح، يوضع لوحان طولا، ولوحان آخران عرضا، يبلغ طولهما حوالي مترين إلى مترين ونصف، وعرضها خمسون سنتيمتر، على ارتفاع متر واحد وتشد بالحبال، يتألف التابوت من القطع التالية:
- الشكولا: تساعد على إرساء التابوت عددها ست أعمدة خشبية طول كل واحدة منها حوالي متر واحد.
- امفروضن: عبارة عن صفيحتين من النخل تكونان طرفي التابوت، طولهما متران وعرضهما متر واحد.
- لمقياس: عبارة عن عصا صغيرة، متساوية الطول. بواسطتها يتم تحديد سمك التابوت قطعتين خشبية تكونان عرضا التابوت.
- لمركز: بواسطته يتم دك التراب الموضوع في التابوت.
وتختلف التسميات أحيانا من جهة إلى أخرى5.
يعتمد البناؤون على التراب الذي يأخذونه من عين المكان في أكثر الأحيان. اختيار التراب يكتسي أهمية كبرى في ضمان متانة الإنشاءات وجمالها، بحيث أن تراب البناء ينبغي أن تكون به نسب معتدلة من الحصى والحجارة والرمل والصلصال.
وتقنية البناء لا تتطلب إعدادا مسبقا، في الموسم الجاف يرش التراب بقليل من الماء حتى يسهل ضغطه، أما في المواسم الأخرى الرطبة يوضع التراب في التابوت مباشرة دون ترطيب بالماء.
بعد الانتهاء من البناء تأتي مرحلة التكسية التي يتم بها تلبيس الجدار بعجينة من الملاط، من تراب، لملء الثغرات ومعالجة العيوب، ومنح الجدار شكلا مستويا، ومزيدا من المتانة في مواجهة التقلبات المناخية، ومحاربة الهوام والحشرات التي يمكن أن تسكن ثغرات وثقوب الجدار.
أما الثقوب التي يخلفها القالب في الجدار تملأ وتغلق بالتراب أو تترك كمنافذ للتهوية أو كحفر تستعمل في عمليات الصيانة البعدية. وتزداد المنشآت الطينية قوة وصلابة بفعل تعاقب الفصول السنوية بتساقطاتها المطرية القليلة وشدة حرارة شمسها6.
استعملت الطابية في بناء الجدران الخارجية والداخلية، واعتمدت في تشييد أقدم القصور بتافيلالت، وبينما زينت أبراجها وحصونها بزخرفة خاصة من الطوبية المشمسة ذات تنسيق دقيق ووحدة كبيرة7، وإذا كانت الطابية تكون الجدران الرئيسة في بناء القصور؛ فإن الطوبية تصلح لبناء الحيطان والأروقة الداخلية والأقواس والأعمدة والعقود والسلالم والأدراج وشرفات الأبراج، وتستعمل أيضا في التوسعات والارتفاعات، وفي تزيين واجهات القصور وخاصة في القسم العلوي للأبراج بنقوش زخرفية هندسية مثل التقويسات والإفريز، وهي تعبر عن روح إبداعية بالرغم من بساطة أشكالها. وتستغل الطوبية كذلك كستار فوق الأسوار وكمادة بنائية لاحمة بين مختلف طبقات الحائط المشيد من الطابية.
خامساً : مرحلة الزخرفة:
تبدأ بعملية تمليس الجدران «تملاست» بالتربة الدقيقة الممزوجة بالماء والتبن سواء من الداخل والخراج، بأداة تسمى «تطبالت»، وقبل أن يجف هذا التبليط تنقش عليه مجموعة من الأشكال ورموز تترجم سلوكات وثقافة سكان المنطقة، بعده يتم الشروع في بناء مجموعة من الأشكال الأخرى كالنوافذ «تشرفين» وثقب الرماية «تخبا» تكون متسعة من الداخل وضيقة من الخارج، ثم «أسيرن».
للزخرفة الخارجية أهمية خاصة في عمارة القصور والقصبات التي تبرز فيها الزخارف في أعلى الأبراج والأسوار، وتشكل تيجانا بديعة بأشكالها ونقوشها ومدلولاتها الثقافية العريقة.
أما الزخرفة الداخلية، فهي قاصرة على مساكن الأعيان والوجهاء، وتتبع طرازا واحدا، مغربيا أندلسيا، يستعمل الجبس و«الزليج» أو الفسيفساء المغربية. وهذه الزخارف الجميلة الممتزجة والمتناغمة، تبتكر للفراغ قيمة، كان هذا الفن أول من أدرك أن الحركة تنبع من داخل العمل الفني تجاه الفراغ المحيط به في قوة8، فهناك زليج (فسيفساء) يتزاوج مع الجبس المنقوش، ويتحلى بالأشرطة الكتابية ويتكلل بالخشب المنقوش.
ويتم توزيع الزخارف على الشكل التالي:
- تتكون في الجزء الأسفل من (الفسيفساء) الزليج المتعدد الألوان؛
- يعلوه طوق من الكتابات في شكل شريط كتابي يمتد على طول الجدار؛
- ثم نقوش في الجبس؛
- ثم الخشب المنقوش المزخرف المعروف بـ(البرشلة).
يستخدم الجبس لتلبيس الأجزاء العليا من الجدران، بينما يستعمل الفسيفساء (الزليج على حد تعبير المغاربة) لتلبيس الجزء الأسفل من الجدار ولتبليط الأرض، واستخدام الفسيفساء يعود في جذوره التاريخية إلى عهد البيزنطيين على الأرجح، وهو عبارة عن بلطات مصنوعة من الطين النضج المبرنق، تتم برنقته باستعمال مزيج من المواد والمعادن كالرصاص والرمل والنحاس وغيره.
لاستعمال الزليج في الزخرفة يستحضر (المعلم) البلطات التي يقطعها بواسطة (منقاش) بدقة وتؤدة حتى يشكل منها قطعا صغيرة تختلف ألوانها وأحجامها وفق تصميم مسبق ونظام مدروس فيصنع منها رسومات مختلفة ونجوما خماسية وسداسية وثمانية وغيرها، لتشكل مكونات الزخارف الهندسية الشكل، وذلك وفق تخطيطات ضابطة.
أما الأرض فيستخدم لتبليطها ما يسمى بالبجماط، وهو بلاطات من الزليج المستطيلة الشكل والمتباينة الألوان ما بين الأخضر والأزرق والأبيض.
أما الجبس فهو أيضا مادة بسيطة، لكنها تتحول بالزخرفة إلى أعمال فنية غاية في الروعة تستعيض عن رخص المادة وبساطتها بروعة التشكيل وفخامته.
والجباسون نقاشون يعالجون الجبس الذي يزخرف السقوف والأقواس. وعلى المساحة التي يراد تزيينها يستخدم المعلم البركار والمسطرة لرسم (الخطة).
تبرز تشكيلات الزليج نوعا من التماثل مع أسلوب الخطاطة، فيعد المربع والمثلث المتساوي الأضلاع والدائرة واللولب والخماس والمضلعات المنتظمة أكثر الأشكال استعمالا في الجبس والزليج. وتتشكل البنية الجمالية في مختلف فروع هذا الفن من مزج وتركيب هذه التركيبات، وحسب ما أسفرت عنه أبحاث (بكار) نجد المشبك التربيعي الذي تتقاطع خطوطه وفق زوايا تتراوح بين 90 و45 درجة والمشبك المتقايس (90 و60 و30 درجة)
فضلا على هذا الاشتراك، تنفرد النقوش على الجبس بوجود الأشكال النباتية التي تزدان بها، وأهمها الأشكال الزهرية التي يستوحيها الصناع من الطبيعة غالبا، وعلى الخصوص من النباتات بطرق منمنمة، فنجد اللوزة والزهرة والصنوبرية والجذر وزهرة القرنفل ضمن تركيبات مختلفة تشكل الباقات، ويطلق اسم التوريق على الزخارف الورقية الشكل وعلى الأشكال الشجرية9.
يستخدم الفنان الحرفي في هذه الهندسة وسائل بسيطة وهما فرجار ومسطرة، لكن يستعين بذكائه الوقاد، حتى يبتكر تشكيلات عديدة، فانطلاقا من مجرد دائرة بسيطة كيفما كان محيطها، يمكنه أن يستخرج أي شكل مضلع منتظم، بتقسيم محيط الدائرة إلى عدد من القطاعات المستقيمة والمتعامدة، ويوصل النقاط بالخطوط المستقيمة، ومن هذه المضلعات يمكن تكوين مركبات نجمية، وبتكرار المضلعات وتنويعها يستطيع هذا الفنان أن يشكل أنماطا هندسية يسودها التناسب والانسجام، متبعا في ذلك منهجا هندسيا دقيقا يتيح له مجالا واسعا للإبداع، ورغم خضوعه لنظام موحد وصارم، فإن فرص الابتكار تكمن في حرية اختيار الوحدة الأساسية للتشكيل واختيار التنويعات، يستكشف الفراغ ويستخرج إمكاناته اللامحدودة، راحلا بخياله في الفراغ الرحب10.
الخطاطة الزخرفية تستعمل المربع والمثلث المتساوي الأضلاع والدائرة واللولب والخماس والمضلعات المنتظمة، وتتشكل البنية الجمالية في مختلف فروع هذا الفن من مزج وتداخل هذه التركيبات، وتعتمد شرطي التنويع والدقة. وحسب ما أسفرت عنه أبحاث (بكار) نجد المشبك التربيعي الذي تتقاطع خطوطه وفق زوايا تتراوح بين 90 و45 درجة والمشبك المتقايس (90 و60 و30 درجة) إلى جانب الأشكال النباتية، وأهمها الأشكال الزهرية التي يستوحيها الصناع من الطبيعة غالبا، وعلى الخصوص من النباتات بطرق منمنمة، فنجد اللوزة والزهرة والصنوبرية والجذر وزهرة القرنفل ضمن تركيبات مختلفة تشكل الباقات، ويطلق اسم التوريق على الزخارف الورقية الشكل وعلى الأشكال الشجرية11.
هذه الزخارف تنشئ فضاء تسكنه الروح، وتخلق جوا شاعريا ساحرا تسبح فيه الروح في عالم من الأطياف والألوان البهيجة. فالأشكال الأساسية التي تكون النسيج الزخرفي الهندسي المثلث والمربع والمخمس وأضعافها في فصلة أو جزء من الكون الممثل بالدائرة أو الكرة، فإذا كان المثلث قد نشأ عن نصف الدائرة، أي نصف الكون السفلي، إذا كانت قاعدته إلى أسفل، أو إلى نصف الكون العلوي إذا كانت قاعدته إلى أعلى، فإن تطابق المثلثان يشكل نجمة سداسية تمثل التحام السماء بالأرض في الفكر الإسلامي، وإشعاع النجمة الكونية المتمثل بخطوط النسيج الرقشي يعبر عن النور الإلهي الذي يضيء الكون، يبدو ذلك واضحا من الحركة الوميضية في الشكل النجمي12.
سادساً: التسقيف:
السقف أو «السطح» يتم إعلاؤه بعد بناء الجدران.
ومثل سائر أجزاء البناء، فإن السقوف بدورها تتخذ من مواد محلية متوفرة في البيئة، دعامات السقف ومسانده كلها من جذوع الأشجار التي تنمو في محيط الواحة، فالدعامات تتخذ من جذوع أشجار قطرها 20 سم، أما المساند التي تقام عليها فتتخذ من جذوع أشجار قطرها ما بين 10 و15 سم بفارق 30 سم بين كل جذع، وتملأ الفراغات بين المساند بالقصب أو بأعواد الدفلى وأغصان الحور، التي توضع متلاحمة بإحكام وفق شكل هندسي محدد بدقة وصرامة، يتأسس على المربع أو المعين بحسب مخطط معقد، براكب فرشة أو أكثر على بعضها، ثم توضع فرشة من سعف النخيل ترتب فوقها، وكل هذه الفرشات لا تثبت بأي مسمار ولا تشد، بل يتم وضعها بشكل متلاحم بإحكام، ويوضع فوقها ملاط ثقيل من طين للتثبيت قبل التغطية، ثم طبقة ثانية من الطين الممزوج بالتبن المقصوص والكلس التي تسوى مع السطح بشكل تام، ثم تختم العمليات بفرشة ثالثة من الجير الخشن الذي يسمى الضس.
يحظى السقف بعناية خاصة تتجلى في ألواح السقف وفي تسويته حتى يسمح بتمرير الماء نحو الميازيب، هذه الأخيرة التي تتخذ من جذوع أشجار محفورة. تخضع السقوف للصيانة بعد كل موسم مطر لتنظيف الميازيب وسد الشقوق وتسوية السقف حتى لا يركد فيه ماء المطر.
سقوف القصور والقصبات مستوية، مع بعض الميل لدفع الماء نحو الميزاب، ما زالت تبنى وفق الطريقة التقليدية المتوارثة عبر قرون، وهي التي وصفها ابن خلدون في مقدمته.
تمد جذوع النخيل كعوارض، بمسافة فاصلة بينها تتراوح ما بين نصف المتر والمتر وفي المتوسط 80 سم، تسمى «تحنيين» وتستحسن الجذوع المشطورة التي يسهل تثبيتها على الجدران وتعطي وجها مستويا في الجهة الداخلية، ثم تثبت على الجدار بالملاط.
إثر ذلك تفرش طبقة من الجريد في الاتجاه العكسي للجذوع، برصف قضبان السعف الواحد بجوار الآخر فوق الجذوع، أو بتثبيتها بحبل «السدة» وتكوين قطعة واحدة تفرش فوق الجذوع. هذه الجذوع التي تكون أضعف من العوارض، تسمى «تمشكلين» .
بعد رص الجريد، تفرش طبقة من النباتات كالقصب أو غصون الدفلى المستقيمة أو غيرها لسد الفراغات، ويتم ذلك بشكل متشابك.
بعد ذلك تفرش الطين، في المرة الأولى تفرش عجينة متماسكة، من الطين الممزوج بقليل من الماء، ثم بعدها طبقة رقيقة، أقل سمكا من الأولى، قوامها طين ممزوج بكمية وافرة من الماء، تتم تسويته بالأيدي والأرجل وألواح مخصصة لهذه الغاية.
ثم بعد ذلك تليه طبقة من الجير، أقل سمكا من طبقة الطين، لمنح مزيد من المتانة والقوة للسقف.
وهي آخر مرحلة في عملية البناء، ويتم الشروع فيها بعد توفير المواد اللازمة من خشب أو قصب إلى غير ذلك. وحتى يمكن رؤيته على مستويات مختلقة ثم يفرش الطين فوقها ويتم تبليطه. أما فيما يخص الغرف تحظى بأهمية قصوى من طرف صاحب البناء، فيتم تسقيفها بواسطة الألواح الخشبية، من خشب الأرز أو الكلبتوس، الذي تباشر عليه عملية النقش واستعمال بعض الالوان، تكون هذه الغرف مخصصة للضيافة أو إقامة الزوجة.
سابعاً: السلالم:
السلالم يطلق عليها محليا لفظ «الدروج» وهي الوسيلة المريحة للصعود إلى الطبقات العليا من المبنى أو النزول منها. خاصة وأن كل الدور في القصور تتوفر على طبقتين أو أكثر، ما يجعل السلالم مكونات رئيسة في البناء، وتستعمل في الغالب السلالم العادية ذات القلبة الواحدة، وقليلا ما تستعمل سلالم بقلبتين. وتبنى في الغالب في الحوش الذي تنطلق من زاوية فيه في اتجاه الطبقة العليا، كما قد تتوفر بعض المساكن على سلالم خارجية تخصص للضيوف للصعود إلى غرفة الاستقبال التي تكون في الطبقات العليا.
تثبت قاعدة السلم على أرضية صلبة متينة، حتى يرتكز السلم بشكل جيد على الأرض، لا تؤثر فيه الذبذبات الناشئة عن السير فوقه، أما الطرف العلوي من السلم فيستند على الجدار الخلفي للسلم مباشرة.
ويبنى بثلاثة جذوع، تفرش فوقها طبقة من الحجارة المسطحة، تليها طبقة من الجير، ثم ملاط الطين، ثم تشكل درجات السلم وتسويتها، ثم يقام للسلم سور في الجهة المقابلة للجدار، حتى يستند عليه الصاعد والنازل ويحميه من السقوط.
ثامناً: الأبواب والنوافذ:
أبواب المساكن عموما ضيقة وبالكاد نجد أبوابا يصل ارتفاعها إلى المترين، كما أن كل الأبواب ذات مصراع واحد، حتى الرئيسة منها، وتصنع من خشب النخيل أو أخشاب أخرى. أما الأبواب الداخلية فتكون أضيق وأصغر.
والنوافذ في المستويات الأرضية لا توجه نحو الخارج، بل تنفتح على فناء المنزل الداخلي، وهي مربعة وضيقة على العموم، وذات مصراع واحد، والمنازل التي تتوفر على نوافذ سفلية موجهة إلى الخارج، تنشئها في مكان عال، حتى لا تصل إليها أعين المارة، راجلين كانوا أو راكبين، حفاظا على خصوصيتهم.
أما نوافذ المستويات العليا، فقد تنفتح على الخارج، وتكون منحدرة غير مرتفعة عن مستوى الأرض كثيرا، لتلائم الجالسين على الأرضية وتسمح لهم بالاستفادة من الهواء والإضاءة الجيدة.
الخاتمة:
إن الحياة في الواحات تفرض شروطا وتوجب تحالفات مع الناس ومع عناصر البيئة للحفاظ على التوازن السياسي والاجتماعي والبيئي.
فنشدان الأمن وتوفير الحماية وضمان الحياة في مجال هش، وعلى تخوم الصحراء، في بيئة يقسو فيها المناخ ويقل الماء والغذاء والأرض الخصبة، كل ذلك شكل تحديا حقيقيا أمام السكان، وكان سببا خلق لديهم نوعا من ثقافة التضامن والتكافل والمسؤولية المشتركة ساعدتهم على التغلب على هذا التحدي؛ والحفاظ على التوازنات وتوفير أفضل الشروط لحياتهم وقهر الظروف الصعبة المحيطة بهم، وتشهد آثارهم وثقافتهم على ذكائهم واستثمارهم الرشيد لمواردهم الطبيعية بشكل أسهم في إدامة شروط الحياة والأمن السياسي والاقتصادي والغذائي.
وأسهمت قوافل التجارة التي جابت الأصقاع العربية والأفريقية والصحاري المغربية في نقل السلع التجارية والثقافة وطرز العمارة الطينية وابتكارات الناس وإبداعهم من شرق الجزيرة العربية إلى المغرب وإفريقيا. فتطور الفن المعماري عبر القرون، وحمل بصمات تدل على تأثيرات الحضارات الغابرة التي تبادلت التأثير، ولم يكن بعد المسافات حائلا بين التبادل الثقافي والحضاري.
واليوم ونحن في أوج التقدم العلمي الذي شمل قطاعات التعمير والتواصل والمعلومات، لا يملك المرء إلا أن يتحسر على مآل هذه الآثار والتقاليد المعمارية الأصيلة التي تتعرض للإهمال والنسيان والتلاشي والتخريب.
إن من أهم التغيرات التي نعيشها منذ القرن العشرين، انحسار البناء الطيني واستبداله بالمواد الجديدة المصنعة التي تستنزف الطاقة والموارد الطبيعية والمالية، ولا تتلاءم مع الطبيعة المناخية لبلداننا، وتعد سببا في تقوية هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات، والتضييق على الاقتصاديات المحلية.
وفي إطار البحث عن مواد بيئية بديلة تحافظ على الموارد الطبيعية والمالية وتحمي البيئة، يجب توجيه الاهتمام إلى التقاليد البنائية المحلية العريقة. وهو أمر يحظى بالأهمية والقبول المتزايد.
للطين مزايا كثيرة، أهمها أنه:
- يعدل رطوبة الهواء: اذ يملك خاصية امتصاص رطوبة الهواء الزائدة بسرعة وإعادتها إليه عند الحاجة، مما يعني أن نسبة رطوبة الهواء في بيت مبني بالطين تبقى ثابتة (نحو 50 %)، وهذا يؤمن مناخاً صحياً على مدار السنة. ويسهم في تنقية الجو بامتصاص الروائح والجزيئات التي يحملها البخار.
- يخزّن الحرارة التي يستقبلها في النهار من أشعة الشمس، ويطلقها في الليل عند انخفاض درجة الحرارة.
- مقاومة الحريق: فالخصائص الفيزيائية للطين تجعله أكثر مقاومة للنار من المواد الأخرى المستعملة في العمارة الحديثة، ما يضمن سلامة المستخدمين وأمنهم
- عازل للصوت: يتمتع الطين بقدرة عالية على عزل الصوت
- يوفر الطاقة: وذلك بسبب عدم استهلاكه للطاقة في عملية تصنيعه،
- يوفر تكاليف النقل: لعدم الحاجة إلى نقله، بخلاف مواد البناء الحديثة التي نحتاج دوما لنقلها من المصانع أو مراكز البيع إلى الورشات، فالطين متوفر مجانا في عين المكان، كما أن تشييد المباني لا يحتاج لطاقة، باستثناء طاقة الشمس في تجفيف الطوب
- يمكن إعادة تدويره، واستعماله في أي وقت: فالعناصر الطينية يمكن تدويرها، وطحن الطوب أو تفتيت الجدار، ونعيد خلطه بالماء مجددا لإعادة البناء به، أو إرجاعه إلى الحقول، فهو لا يتحول إلى نفايات، بخلاف مواد البناء الحديثة التي يصعب التخلص من نفاياتها السامة المدمرة للبيئة خلال هدم البناء.
- تعلم العمل به سهل: فهو مناسب للبناء الذاتي لأن تقنيات البناء بالطين سهلة التعلّم والتطبيق ولا تحتاج الى معدات وتجهيزات كبيرة، ويمكن لأي شخص بتدريب بسيط أن يشارك بفعالية في البناء.
- سهولة عمليات التحضير والبناء بهذه المادة باستخدام الحد الأدنى من الآلات والأدوات البسيطة
- قابليته الكبيرة للتشكيل: عندما يكون الطين رطباً، أي أثناء عملية البناء، يكون أشبه بالمعجونة.
- تنوع طرق التشييد، تشييد بالطين مما يعطي المستثمر أو صاحب العمل فرصة كبيرة لاختيار الأسلوب الأمثل للبناء في المنطقة.
إن البناء الطيني صديق للبيئة، وغير مكلف ماليا، ومقبول اجتماعيا وثقافيا ومريح صحيا ونفسيا، والمواد الأولية متاحة على نطاق واسع، ومن السهل تدويرها وإعادتها إلى طبيعتها الأولى لاستعمالها في الزراعة مجددا، فالمواد الطينية مصدرها الأرض، وإليها تعود. فنحن اليوم في حاجة إلى تثمين هذا البناء وتطويره وتحديثه، ليتلاءم مع التطور التقني الحديث، ويحقق ما نبتغيه منه. فالبناء الطيني مع إيجابياته العديدة قد يتضمن بعض السلبيات التي يمكن التغلب عليها ومعالجتها، بتوجيه البحث العلمي إلى هذا المجال، وتشجيع الدراسات والابتكارات فيه.
الهوامش:
1. يزضيك، عبد الناصر: التراث المعماري بالجنوب المغربي: نموذج منطقة سكورة، دورية كان التاريخية، العدد 6، ديسمبر 2009،ص 26
2. تاوشيخت، لحسن، سجلماسة من المدينة إلى القصور، مجلة كان التاريخية، مجلة رقمية، العدد 28، يونيو 2015، ص 58
3. لمراني علوي محمد، "المعمار المبني بالتراب في منطقة تافيلالت، قصور مدينة الريصاني من خلال وثيقتين محلييتين تنشران لأول مرة"، الندوة الدولية حول المعمار المبني بالتراب. ص: 107 - 108.
4. NAIM, Mohamed : Les techniques de la construction en pisé, Revue Asinag (IRCAM) N7, 2012, p 123 -138
5. NAIM, op cit
6. توري، مرجع سابق، ص 38
7. Jacques-Meunié (D): Architectures et Habitats du Dadès, Maroc présaharien. Paris, Librairie C. Klincksieck 1962 (p 92)
8. محمد عبد العزيز محمود: صورة من التشكيل الخطي في قصر الحمراء، مجلة المنهل عدد 454 (شوال 1407) ص 263
9. الصقلي، علي (مشرف) مذكرات من التراث المغربي، روما 1985، جزء 7 ص 189
10. محمودي، عبد الرشيد: التصورات الهندسية في الفن الإسلامي، مجلة الدوحة (قطر) عدد5، مايو 1977، ص 135
11. الصقلي، مرجع سابق، جزء 7 ص 189
12. البهنسي، عفيف: المدلولات الروحية في عمارة المساجد، عالم الفكر العدد2 المجلد 31 أكتوبر ديسمبر 2002 ص137
• الصور
- الصور من الكاتب.
1. http://archeorient.hypotheses.org/4562
2. HENSENS, J: Qsours et qasbas du Maroc, the Aga Khan Award, 1986
4. https://ecolevivante.wordpress.com/2016/05/05/taabout-_-la-terre-pise/
7. http://www.startimes.com/f.aspx?t=3042524