لا شيء حقيقي، كل شيء مباح ملاحظات حول لعبة (عقيدة الحشاشين)

تعدّ لعبة «عقيدة الحشاشين» ASSASSIN’S CREED واحدة من أعظم ألعاب الفيديو التي صُممت حتى الآن، وهي من إنتاج الشركة العالمية لنشر وتطوير ألعاب الفيديو (يوبي سوفت انترتينمنت مونتريال) UBISOFT لجهازي (إكس بوكس 360) و(بلاي ستيشن 3).

ومنذ صدور نسختها الأولى في منتصف نوفمبر 2007، حققت هذه اللعبة نجاحاً تجارياً كبيراً، وحازت على لقب «أفضل لعبة أكشن» و (أفضل لعبة بلاي ستيشن 3)، واُعتبرت إحدى أجمل وأفضل سلسلة ألعاب فيديو في التاريخ، ليس من حيث الإيرادات وكسر الأرقام القياسية وحسب، بل من الناحية التقنية العالية في المتعة البصرية البالغة، والمؤثرات الصوتية الفائقة وغير المسبوقة، والموسيقى التصويرية البارعة، بالإضافة إلى مستويات السرد والتألق الجمالي، وأساليب القتال النوعية، وتجسيد الشخصيات التي وصل عددها إلى 300 شخصية، والتميّز الواضح في التصاميم المعمارية الثلاثية الأبعاد للمدن، وتصميم الأزياء واختلافاتها من شخصية إلى أخرى، والرسومات المبهرة، التي لا تقل عن قوة الرسومات في الألعاب السابقة التي أنتجتها نفس الشركة مثل (سبلنتر) و(أمير بلاد فارس).

إنها إحدى الألعاب القليلة التي تشعر فيها بأن المدن «حقيقية» سواء أكانت دمشق أو عكا أو البندقية. وأن الشوارع مزدحمة، وتجذبك التفاصيل الرائعة للمنازل والأبواب والأسطح والعربات والخيول، وهناك الكثير مما يمكن تسميته بالتفاصيل الصغيرة التي تجعل من اللعبة أكثر طبيعية، أنت تسمع ضحكات الناس من حولك بينما تهرول في شوارع القدس مطارداً طريدتك، أو متسلقاً المباني هارباً من مهاجميك.

حصلت اللعبة على العديد من المراجعات الإيجابية منها 37 من 40 (مجلة ناميتسو اليابانية)، و9 من 10 (جيم سبوت)، والعلامة الكاملة (مجلة جيم برو). كما حصلت على لقب أفضل لعبة أكشن من موقع IGN، وأفضل لعبة بلاي ستيشن 3 من موقع 1B.

وظلت «عقيدة الحشاشين» متصدّرة كافة العناوين والصفحات الرئيسية في المجلات والمواقع الإلكترونية على حد سواء، وبها دخلت شركة (يوبي سوفت) بقوة في سوق الألعاب الإلكترونية منافسة الشركات العملاقة آنذاك كـ EA وSIERRA وTHQ وغيرها.

ونتيجة لهذا النجاح الساحق (بيع أكثر من 73 مليون نسخة من اللعبة) أصدرت شركة (يوبي سوفت) أجزاء متلاحقة من اللعبة، حيث تم إصدار تسعة أجزاء منذ عام 2007 وحتى عام 2014.
ونظراً للإتقان الشديد التي اتسمت بها اللعبة استعانت الحكومة الفرنسية بشركة UBISOFT لمساعدتها في ترميم كاتدرائية نوتردام، التي دمرها حريق هائل في 15 أبريل 2019، فقد قامت الشركة أثناء إعداد لعبة «عقيدة الحشاشين» بعمل خرائط ثلاثية الأبعاد مفصلة لكاتدرائية نوتردام الأيقونية والتاريخية، حيث استخدم الناقد المعماري (أندرو تالون) ماسحات الليزرلإنشاء نموذج دقيق للكاتدرائية، وتصميم نسخة طبق الأصل من الكنيسة الشهيرة في اللعبة، التي تضمنت تفاصيل غاية في الدقة تحاكي 90 % من النسخة الحقيقية، فقد أمضت (كارولين ميوس) من مصممي اللعبة قرابة عامين منكبّة على تفاصيل الكاتدرائية لانشاء نسخة دقيقة من معمارها وتصميمها الداخليين حسب ما قالته لموقع (ذا فيرج) في 2014 عند صدور اللعبة، بهدف إعادة تمثيل المعلم التاريخي بدقة كبيرة.

تتسم لعبة «عقيدة الحشاشين» بالحركات الحيوية مثل الجري وتسلق المباني أو القفز فوق الأسطح والانزلاق بين الأبنية والمنصات والأعمدة وكل ما يمكن الصعود إليه والتمسك به، مما قد يؤدي إلى جذب انتباه الحراس، فيكون لديك خيارين: إما القتال أو الهروب والاختباء بعيداً عن أنظار الحراس، وتستمر اللعبة في الاعتماد على أسلوب الخلسة، فيمكنك الاختباء في وسط الحشود، أو في كومة قش أو داخل أي بئر. أما نظام القتال يحتوي على العديد من الأسلحة الفريدة والدروع والحركات المتعددة، مثل الخنجر المعقوف المخفي في قفازك، والمسدس الكلاسيكي ذي الطلقات الست، بالإضافة إلى القبضة الحديدية والسكاكين التي يمكن رميها من أجل التصفية بهدوء بأسلوب التخفي، واستخدام أسهم الهلوسة التي تسبب انقلاب الأعداء على بعضهم البعض.

لعبة «عقيدة الحشاشين» مستوحاة من الرواية التاريخية (آلموت) ALAMUT التي كتبها السلوفيني فلاديمير بارتول1 Vladimir Bartol.

تدور أحداث لعبة «عقيدة الحشاشين» في أحقاب تاريخية مختلفة، متتبعة الصراع بين جماعتين سريتين تشكلتا في القرون الوسطى خلال الحروب الصليبية وهما: الحشاشون2 ASSASSINS ذوي الأصول العربية، وفرسان الهيكل3 KNIGHTS TEMPLAR ذوي الأصول الأوروبية.

تقول منتجة اللعبة (جيد رايموند): « اللعبة تتحدث عن جماعة (الحشاشين) التي عاشت في سوريا وظهرت على الساحة بعد أسبوع واحد من احتلال الصليبيين لمدينة عكا في صيف عام 1191 بقيادة رشيد بن سنان4، كان هدفها هو اغتيال القادة السياسيين الفاسدين (صليبيين- مسلمين) والأشخاص المتورطين في الحملة الصليبية الثالثة لإعادة التوازن إلى المنطقة المقدسة».

تبدأ «عقيدة الحشاشين» في العام 2012 مع (ديزموند مايلز) DESMOND MILES بطل اللعبة والمولود سنة 1987، وسليل عائلة من الحشاشين، الذي يرغب بحياة عادية في داكوتا الجنوبية بمدينة نيويورك بعيداً عن حياة (الحشاشين) السرية، إلا أن حياته انقلبت رأساً على عقب عندما قامت منظمة تسمى شركة (صناعات أبسترغو) ABSTERGO INDUSTRIES، وهي الوجه الحديث لتنظيم (فرسان الهيكل)، وتعلم حقيقة نسل (مايلز)، فتجبره على استخدام (الأنيمس) ANIMUS، وهو جهاز يمكنه محاكاة وقراءة ذكريات أسلاف الشخص من خلال الذاكرة الجينية المشفّرة في الحمض النووي، واستخراج ذكريات أحد أجداده من جهة أمه في فترة الحرب الصليبية الثالثة وهو (الطائرابن لا أحد) ALTAIR IBN-LA’AHAD، والتي تحتاجها المنظمة لمعرفة أماكن العديد من القطع الأثرية التي تسمى (قطع عدن)5 PIECES OF EDEN والتي أخذها (الطائر) بعد اغتياله عدداً من الشخصيات من فرسان الهيكل في فترة الحروب الصليبية والقادرة على إنتاج طاقة هائلة تمكن من السيطرة على البشر والتحكم في مصير الإنسانية، وجعل البشر مجموعة واحدة متحدة تحت سيطرتهم.

(الطائر بن عمر بن لا أحد) (1165-1257) شخصية خيالية، وأحد الشخصيات الرئيسية في سلسلة «عقيدة الحشاشين»، عاش في فترة الحملة الصيليبية الثالثة. ولد لأب وأم مغتالين: أم مسيحية وأب مسلم، وبينما ماتت والدته في يوم ميلاده، قام الأيوبيون بإعدام والده عام 1176 عقاباً له على عدم طاعته لأوامرهم، وكان (الطائر) آنذاك في سن الحادية عشرة. قبل الإعدام بلحظات، نادى (الطائر) بشكل محموم على أبيه قبل أن يُقتل، مما سبب له هذا المشهد حزناً شديداً.

انضم (الطائر) إلى جماعة الحشاشين وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وأولى مهماته كانت اغتيال قائد صليبي يقوم بقتل الأبرياء لفرض سلطته وحكمه في عكا، ثم تمركزت اغتيالاته في ثلاث مدن وهي القدس وعكا ودمشق.
وأصبح الطائر (معلم) التنظيم بعد موت معلمه سنان بن راشد -الذي كان يعده أباه الثاني- في سبتمبر 1191، وقام بتقوية التنظيم وإفشال العديد من مؤمرات (فرسان الهيكل).

استطاع (الطائر) قتل تسعة من أعضاء (فرسان الهيكل) وسرقة (تفاحة آدم) والاحتفاظ بها في مكتبته السرية بعد أن صنع لها خمسة مفاتيح.

مات (الطائر) بعد سقوط قلعة (مصياف) في سوريا معقل الحشاشين على يد المغول بقيادة هولاكو وبقيت جثته في مكتبته السرية إلى أن عثر عليها أحد جنود (فرسان الهيكل).

تظهر لنا اللعبة شخصية (الطائر) على أنها غير مؤمنة لا بالحياة بعد الموت، ولا بالثواب أو العقاب، بل هو يؤمن بأن الوقت الذي يعيشه المرء في هذه الدنيا هو في غاية الأهمية.

يقول (الطائر): (لا المجرة تهتم بنا، ولا شيء منها يهم، في النهاية لا يوجد شيء سوى الظلام والصمت السرمديين). ويقول في موقع آخر: (أتوق إلى اليوم الذي يبتعد فيه الرجال عن الوحوش غير المرئية، ويتبنوا نظرة أكثر عقلانية للعالم).

وتؤكد اللعبة أن الفساد الذي ينخر المؤسسات الدينية يفوق فساد البشر، وكل ذلك الفساد سوف يؤدي إلى الموت والدمار والمزيد من الفساد، وأن الوسيلة لتحقيق السلام على الأرض هو قتل الأعداء، وذلك يتطلب الطاعة العمياء من الرجال المخلصين.

في الأجزاء التالية من «عقيدة الحشاشين» ينتقل بطل اللعبة من عصر إلى آخر، فمن عصر النهضة الأوروبية إلى حرب الاستقلال الأمريكية إلى منتصف القرن الثامن عشر أثناء السنوات السبع للحروب، والثورة الفرنسية، والثورة الصناعية، ويقابل شخصيات تاريخية مثل: ماكيافيلي وجورج واشنطن وبينجامين فرانكلين وتشارلز لي .. وغيرهم.

في «عقيدة الحشاشين» لا يوجد بطل حقيقي، ولا يوجد شيء حقيقي، الشخصيات تؤدي أفعالاً مرعبة لأن كل شيء مباح، وبذلك هي تتجاوز الخير والشر معاً، وما هو صواب وما هو خطأ.

يقول نيتشه في (جينيالوجيا الأخلاق):
(لما اصطدم الصليبيون بطائفة الحشاشين التي لا تقهر في المشرق، طائفة العقول الحرة بامتياز، التي كان أفرادها الأدنى يعيشون في طاعة لم تعرف لها أية أخوية رهبانية مثيلاً، حصلوا، لست أدري بأية وسيلة، على بعض المعلومات بشأن الشعار الشهير والمبدأ الأساسي الذي يختص بمعرفته أصحاب المقام العالين المؤتمنون وحدهم على هذا السر الكبير: «لا شيء حقيقي، كل شيء مباح». تلك هي حرية العقل الحقيقية، إنها كلمة تطرد حتى الإيمان الحقيقي).
هوليوود التي تبحث دائماً عن أفكار مربحة، أصبحت تبحث عن موضوعات جديدة مثل فكرة تعديل الذاكرة البشرية وإعادة تشكيلها، وحتى التلاعب بها وهذا ما شاهدناه في أفلام مثل: TOTAL RECALL وINCEPTION وألعاب فيديو مثل «عقيدة الحشاشين».

هل يمكن القول إن جهاز (الأنيمس) ANIMUS في «عقيدة الحشاشين» هو تطوير لنظرية اللاوعي الجماعي6 عند (يونغ) في تجاوز التسلسل الزمني لعمر وأول من تكلم عن اللاوعي الجماعي كان عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي (كارل غوستاف يونغ) (1875-1961) واعتبر أنه الذاكرة الثقافية الجماعية، فيها المخزون المعرفي الأسطوري والسلوكيات الممارسة من قبل أسلافنا.

الإنسان، والعودة إلى الماضي البعيد.. إلى ذهن أسلافنا المجهولين وطريقة تفكيرهم وشعورهم وطريقة تجربتهم للحياة والعالم والآلهة والبشر.

ان انتقال (مايلز) للتعرف على أسلافه الذين عاشوا قبل ثمانية قرون ما هو إلا تأكيد لفكرة تجاوز تجربة الإنسان الذاتية المحضة، وأن حياة الإنسان لم تبدأ مع لحظة ولادته، بل إنها تمتد إلى ما قبل ذلك، انها ذات الفكرة التي طرحها (يونغ) في إشارته إلى مكنونات اللاوعي التي تنفذ إلى الإنسان من موروث تاريخه القديم ومن الرواسب الدفينة في النفس البشرية التي تتحكم في سلوكه، أي إلى الوقت الذي لم يكن موجوداً في هذا العالم.

ان أفكار يونغ في دور الأسطورة وتكوين اللاشعور الجمعي لم يتأكد العلم من حقيقتها، فضلاً عن الجانب الغامض المتعلق بالعقل الباطن الجماعي الذي من الصعب للغاية اختباره بشكل علمي.

أو هل يمكن القول إن جهاز (الأنيمس) ما هو إلا شكل من أشكال نظرية الأكوان المتعددة، أو كما يطلق عليها «الأكوان المتوازية» التي تقول إن الكون الذي نعيش فيه وتحكمه قوانين معينة ليس الكون الوحيد؛ بل هناك العديد من الأكوان التي قد تحوي أشكالاً مختلفة من أشكال الحياة، وما كوننا إلا فراغ صغير من هذه الشجرة الكبيرة. وهي نظرية قد تكون مقبولة نظرياً، إلا أنه لا توجد –حتى الآن- أية ثوابت علمية مؤكدة.