وجه نسائي من وادي السند
العدد 51 - لوحة الغلاف
تعدّ الهند، ثقافة وفناً وحضارة، من أكثر البلدان، قرباً وتأثيراً، في الثقافة العربية عامة، وفي الثقافة في منطقة الخليج العربي بشكل خاص، بحكم القرابة الجغرافية، والعلاقات التجارية، والاقتصادية عامة، بينها وبين بلدان المنطقة، والمؤكد أيضاً أن الثقافة العربية تركت الكثير في تكوين الثقافة الهندية وغناها، بحكم وصول الإسلام إليها في عهوده المبكرة أولاً، وبسب الهجرات المتبادلة ثانياً، ببواعثها المختلفة، الاقتصادية والتعليمية والثقافية.
لكن الهند بدورها ليست ثقافة واحدة، فهي فسيفساء ثقافية وفنية شديد الثراء والتنوع، بحكم تعدد اللغات والأديان والأقوام، وبسبب المساحة الجغرافية الممتدة والواسعة لأراضيها، بما هي عليه من تنوع في التضاريس والمناخ. إنها عوالم يضمّها عالم واحد، دون أن يمحو الفروقات أو يذيبها، وإنما يجعل منها مصدر تفاعل وإثراء متبادلين، فكل ثقافة تأخذ من الأخرى، وتعطيها في الآن ذاته.
ويمكن القول إن الهند تعدّ مثالاً نموذجياً على قابلية المجتمعات لقبول التنوع الثقافي والحضاري، واحتواء أية تناقضات يمكن أن تنشأ بين مكونات هذا التنوع، والإعلاء من المشتركات والجوامع من القيم، التي تجد لها تجليات في مكونات هذه الثقافة المتنوعة، والواحدة في آن، محققة ما يمكن أن نطلق عليه جدل الوحدة والتنوع.
صورة الغلاف الأول من عددنا هذا لوجه نسائي من منطقة وادي السند، المُكوّن المهم في الثقافة والتراث الهنديين، وهي منطقة تحوي بدورها مجموعة من الروافد المتنوعة في الثقافة والفنون، ونموذج للتلاقح الذي تمّ عبر مسار تاريخي طويل ليس فقط في الثقافة والفن، وإنما حتى في ملامح الوجوه، بحكم الهجرات والغزوات التي اعتادها العالم في قرون غابرة، وأيضاً في قرون قريبة.
إلى وادي السند وصلت حملات الإسكندر الأكبر، لكن بقاء الغزاة، على أنواعهم، غير مخلد، وإذ يرحلون يتركون خلفهم من الآثار والمؤثرات الكثير، وفي حال وادي السند يعيش نسل الجنود الآريين الذين تركهم الإسكندر خلفه هناك.
اتباع نهر السند سيأخذنا إلى خمس من القرن وهي: Dah ، Hanu ، Bheema Garkon، Sanit، يعيش فيها هؤلاء، الذين تشمل ثيابهم التقليدية معدّات رأس مصنوعة بعناية من الزهور، وتحرص النساء على أن تكون لهن ضفائر طويلة، وحلقات أذن معدنية، انسجاماً مع تقليد يعتبر إرتداء المعدن أمراً حميداً، وهذا ما يمكن أن نلحظه خلال المهرجانات أو الاحتفالات الخاصة، التي يقيمها السكان هناك، خاصة الأعراس.
خوفاً من الذوبان في النسيج البشري المحيط يحرص الآريون على حماية جيناتهم الوراثية، بالتمسك بالزواج داخل مجموعتهم، وهو تقليد تحرص عليه الكثيرمن المجموعات الإثنية والدينية، خاصة منها صغيرة العدد، ومع ذلك تجد الأجيال الجديدة السبيل للتواصل مع الأقوام الأخرى واكتساب لغاتها، بما في ذلك اللغة الإنجليزية.
الثقافات والمعتقدات أيضاً تتحول عبر الزمن. في الأصل كان الآريون يعبدون الحجر، ومع الوقت أصبح البعضُ منهم بوذيين تأثراً بالمزاج الديني السائد، ولكنهم ظلوا يحتفظون بطقوس يحيونها في مهرجانات سنوية للفنون، بينها مهرجان الحصاد الذي يرتدون فيه ملابس خاصة بهم، ويقدّمون فيه الأضاحي، ويصحب كل ذلك ترانيم خاصة، ويستمر هذا المهرجان لمدة ثلاثة أيام في شهر سبتمبر/ أيلول من كل سنة.