الثقافة الشعبية والتفاعل المعرفي: بحث في الأسس العلمية
العدد 49 - آفاق
لقد ساهمت أبحاث كل من علماء النفس المعرفي والتطوري وفلاسفة اللغة وعلماء الأنثروبولوجيا المعرفية وعلماء اللغة...إلخ1، من توضيح العلاقة المزدوجة بين الثقافة الشعبية والنظرية المعرفية، باعتبار الثقافة سواء كانت ثقافة شعبية أو ثقافة رسمية تؤثر بشكل مباشر وبطريقة فعلية في المعرفة التي يمتلكها الإنسان، الشيء الذي جعل المعارف الإنسانية تختلف من ثقافة إنسانية إلى ثقافة أخرى، كما أن هذه الثقافة لها تأثير واضح على المعرفة الاجتماعية التي يمتلكها الإنسان، حيث عرف البحث في العلوم الإنسانية تطورات معرفية نتيجة الثورة المعرفية التي اكتسحت مختلف المعارف الإنسانية، وفرض هذا الواقع المعرفي البحث في الثقافة والتراث الشعبي بمناهج وطرق علمية تواكب المعرفة الكونية.
ونتج عن ذلك، ظهور نموذج معرفي جديد يسميه توبي وكوسميدس (1992) النموذج السببي المندمج (integrated causal model)، لقيامه على اندماج المعرفة العلمية وعدم استقلالها2. وهو نموذج يسعى إلى أن يكون حصيلة تعاون بين عدد كبير من الباحثين العاملين في حقول مختلفة من حقول العلوم النفسية والاجتماعية وغيرها، خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. وقد ارتبط هذا البعد التعاوني الجوهري باستكشاف الترابطات السببية الطبيعية التي تمكن من اندماج حقول علمية مختلفة، في إطار نظرية صورية شاملة للمعرفة مبنية على اندماج نتائج مختلف العلوم واتساقها، وليس على تصور يختزل الظواهر في بعدها النفسي أو الأحيائي.
- وأمام هذا الإشكال المعرفي لابد من طرح الأسئلة الآتية:
- كيف يتم تشكل الصور الذهنية الثقافية لدى الإنسان؟
- ما هي آليات فهم الثقافة الشعبية؟
- ما طبيعة العلاقة بين الثقافة الشعبية والنظرية المعرفية؟
- كيف تؤثر الثقافة الشعبية على المعرفة الاجتماعية للشخص؟
اولاً: الصور الذهنية للثقافة الشعبية واكتسابها:
تشير الدراسات اللسانية التي اهتمت ببعض جوانب المعرفة الثقافية أن الإنسان يمتلك بنية ذهنية عبارة عن مجموعة من القوالب المعرفية يعبر فيها كل قالب معرفي عن الصور الذهنية للثقافة الشعبية وأشكالها المتنوعة وصورها المختلفة لدى الإنسان3. وهذا الأمر يدل دلالة واضحة على مدى أهمية الثقافة في بنينة المعارف الإنسانية وصورنتها في قوالب معرفية مؤمثلة. فالإنسان يشكل بواسطة الثقافة مدلولات عن الأشياء الخارجية الواقعة في محيطه الاجتماعي/ البيئي، ويفهم أشكالا ثقافية أخرى بواسطتها، ويحل شفرات عناوين ثقافات أخرى انطلاقا من معرفته المتجسدة. فالثقافة إرث إنساني مشترك، وشكل من الأشكال المعرفية التي تظل حاضرة في أذهاننا وذواتنا من خلال مركزيتها المعرفية في الذاكرة البشرية. وهذه الصور الذهنية التي يمتلكها الإنسان لها أساس أحيائي/ ذهني كامن في الجهاز التصوري للكائن البشري (الإنسان)، كما أن الجهاز البيولوجي للإنسان فهو مكيف بحسب ماهو موجود في بيئة ثقافية معينة، وهذا الأمر يساهم في خلق انسجام ثقافي/ بيئي. وهذا التفاعل بين مكونات الثقافة الشعبية والجهاز البيولوجي/ الذهني للإنسان، يجعلنا أمام تصور عام يوضح التفاعل بين هذه العناصر التي هي عبارة عن صور ذهنية ناتجة عن أنساق معرفية وإدراكية. ولتوضيح هذه المسألة المعرفية، نذكر بعض النماذج المركزية للثقافة الشعبية وتمثلاتها المعرفية لدى الإنسان في ما يلي:
- الصور الفولكلورية بكل تلويناتها من أهازيج جماعية ذات طابع شعبي وفرجوي، التي تظل راسخة في أذهان الإنسان على مر السنين.
- الصور الفرجوية التقليدية التي تأخذ من المساحات الفارغة فضاءات دائرية.
- صور الثقافة المادية واللامادية.
وفي ما يتعلق بمسألة اكتساب النماذج الثقافية، نجد أن هناك آليات معرفية وشبه هندسية يمتلكها الإنسان تجعله يدرك هذه النماذج الثقافية بكيفية واضحة، وتوفر له صورة للتمثيل البصري لترميز خصائص هذه النماذج الثقافية وهندستها الشيء الذي يمكن الإنسان من تعيينها وصورنتها في قوالب معرفية قابلة للملاحظة والتأويل المعرفي. كما أن عملية الاكتساب هذه النماذج النواة الكامنة في الذهن البشري الذي يقوم على عنصر الإدراك ومجموعة من الآليات النفسية المتطورة لتحليل هذه النماذج النواة، الممثلة في النسق العصبي، هي آليات تشكل أساس الهندسة المعرفية والذهنية لدى الإنسان وتتصف بمحتويات بنيوية غنية ومتخصصة وظيفيا لإنتاج سلوكات ونماذج ثقافية. فهذه النماذج تكون فطرية غير ناضجة الأمر الذي يجعل الإنسان يكتسب هذه النماذج وفق النسق الثقافي السائد في محيطه/ مجاله السوسيوثقافي، نظرا لتعدد المجالات السوسيوثقافية التي يحيا فيه الإنسان. وذلك لتحقيق نوعا من الانسجام المعرفي والثقافي بين ذات الفرد (الإنسان) والنماذج الثقافية المكتسبة، لكون مسألة الانسجام الثقافي تبقى ضرورة ملحة في كل العمليات المعرفية التي تخضع لمسألة الاكتساب المعرفي.
ثانياً: آليات فهم الثقافة الشعبية:
من بين آليات فهم الثقافة الشعبية، نجد ما يلي:
1) عنصر الإدراك:
يعد عنصر الإدراك من بين المفاهيم الجوهرية التي ترتبط بمنتج الخطاب في البيئة الشعبية الثقافية ذات الطابع الشعبي4، إذ يعتبر عملية معرفية يعتمد عليها في تشكيل التمثلات الذهنية Mental Representation حول الأشياء/ الجواهر الشعبية الموجودة في العالم الخارجي، ليتمكن من تنظيمها على شكل معرفة حسية ومجردة يعالجها الدماغ بطريقة حاسوبية، باعتباره آلية معرفية بها ندرك ذواتنا ونتمثل العالم من حولنا ونفهم مفاهيمنا الأكثر تجريدا، ومن هنا، فالإدراك ظاهرة تصورية، يتجلى في سلوكنا وفي أعمالنا الرمزية وفي تعبيراتنا وفي الأنظمة الأخرى التي يخلقها ( أو يبتدعها) الإنسان. وقد أضحى الإدراك أساس كل المعاني والأفكار والتمثلات.
وعمل علماء الأنثروبولوجيا على إعطاء الإدراك مكانة هامة بالإدراك لدى الإنسان. فلا معنى للأشياء خارج إدراكنا لها، ومقولتنا لها، هذه المقولة المرتبطة بنظامنا التصوري ونظامنا الثقافي وبوجودنا المتجسد. فالذهن البشري يقوم على عنصر الإدراك ومجموعة من الآليات النفسية المتطورة لتحليل المعلومات، الممثلة في النسق العصبي، وهي آليات تشكل جوهر الهندسة الذهنية لدى الإنسان وتتصف بمحتويات بنيوية غنية ومتخصصة وظيفيا لإنتاج سلوكات تتعامل مع مشاكل تكيفية مثل اكتساب اللغة، وانتقاء الزوج، والعلاقات الأسرية والثقافية، والتعاون، ومعطيات الثقافة البشرية. وليس للغياب الظاهر لبعض مظاهر هذه الهندسة الذهنية لدى الإنسان عند ولادته أي علاقة بما إذا كانت تشكل فعلا جزءا من الهندسة المذكورة، كما افترض النموذج المعيار بناء على تصورات ساذجة ومغلوطة مستقاة من نظريات التطور المتجاورة.
إن من مكتسبات العلم المعرفي الحديث الجوهرية، أن الذهن/ الدماغ البشري يقوم على مجموعة محدودة من الأنساق أو القوالب أو الملكات المعرفية التي تحلل مختلف أنماط المعلومات وترمزها وتشكل في مجموعها العدة الأحيائية التي تضمن بلورة العمليات المعرفية ومردوديتها وتضافرها في تكوين تصور موحد للعالم لدى الإنسان. فهندسة الذهن الوظيفية قائمة على مثل هذه الملكات المعرفية المتمايزة التي تمتلك كل واحدة منها بنيتها الخاصة ومبادئها النوعية، وليس على مبادئ أحادية (أو موحدة) للتعلم والتلاؤم والتمثل والتجريد والاستقراء والاستراتيجيات المعرفية المختلفة، تنطبق على منبهات مختلفة لإنتاج معرفتنا بسلوك الأشياء في العالم،...إلخ5.
2.2 الذاكرة
تقوم الذاكرة بدور كبير في حفظ وتخزين واسترجاع المعارف الثقافية الكامنة في ذهن/ دماغ الإنسان، كما تضطلع بدور تشفير المعلومات الثقافية بعد إدراكها لتصبح ذات مدلولات خاصة. فللإنسان ذاكرة لها سعة غير محدودة، تحتفظ بالمعلومات الثقافية لمدة طويلة. واكتساب الصور الثقافية لدى الإنسان يمر بمراحل عدة، وهي كالآتي:
- مرحلة حفظ وتخزين المعلومات
- مرحلة تشفير المعلومات
- مرحلة استرجاع المعلومات
وعادة ما يتم توظيف مفهوم الذاكرة الشعبية للدلالة على المعلومات والمعارف الثقافية المكتسبة والكامنة في ذهن الإنسان. فهناك عدد من المناطق الدماغية المستقلة، كل واحدة تختص، بمظهر بصري معين، كالحجم والحركة واللون والعلاقات الفضائية، وتتفاعل فيما بينها عبر وجاهات محددة.
ثالثاً: العلاقة التفاعلية بين الثقافة والنظرية المعرفية
هناك علاقة تفاعلية بين الثقافة والنظرية المعرفية ذات الطابع الإدراكي. فالعوامل الثقافية يمكن أن تؤثر بها العوامل الثقافية على مظاهر متعددة للمعرفة تتضمن الذاكرة والاستدلال، والنمط التفسيري، وبنى المعرفة.
يرى القيلسوف دانيال دينيت6 (1995)، ص 340، في كتابه: فكرة داروين الخطيرةDarwin’s Dangerous Idea أن ما نكونه من معارف ثقافية يرجع إلى حد كبير إلى صنف الثقافة التي صنعتنا، كما أن البشر يتأثر كثيرا بالثقافة السائدة في مجتمعه أو عشيرته أو قبيلته وبيئته وبالثقافة التي ترسخت لديهم. ومن تجليات هذا التأثير، نجد أن رؤى العالم ومسائل الاعتقاد والقصد، تختلف من شخص إلى آخر، ومرد هذا الاختلاف يعود أساسا إلى الاختلاف الثقافي بينهم، وهذا الأمر ينعكس على الفكر والسلوك الإنساني المختلف أيضا.
ولقد أشار عالم الأنثروبولوجيا المعرفية دانداراد (1995)7 إلى أن البيئة الثقافية التي يحيا فيها الفرد/ الشخص لها تأثير على محيطه وعلى المعرفة البشرية أيضا.
واقتضى البحث المعرفي الانتقال إلى البراد يغم العلمي نظرا لتداخل الثقافة مع العلم، وأصبحنا أمام مكون جديد أفرزته الظروف العلمية متعددة يتمثل في علوم الثقافة، هذا المكون عبارة عن بوثقة تضم علوما متعددة تجمعها علاقات تفاعل. فالحضارة الإنسانية لا تغدو أن تكون حصيلة الانسلاخات المتلاحقة التي تراكمت عبر تفاعل الثقافات بعد انصهار بعضها في بعض بموجب قانون الحلول والتجاوز8. نحن نعيش في مرحلة ما بعد الحداثة تتسم بتداخل الاختصاصات وغياب ذلك التباعد الشكلي الذي ميز البراد يغم الكلاسيكي قبل ظهور التقنية وعصر الرقمنة. فبطء تقدم العلوم الاجتماعية في السابق هو عدم اهتمامها بالروابط المنطقية التي تربطها بباقي المجالات الأخرى، أي بربط موضوعها سببيا بشبكة المعرفة العلمية الواسعة. ويتعلق هذا البراديغم العلمي المتطور القائم على أساس تداخل الاختصاصات المعرفية في إطار علوم الثقافة ما سمي في علم الأحياء بحجة التصميم9 أو تفسير الصميم المعقد، نظرا لتصميم الحياة البشرية بصورة غنية ومعقدة.
رابعاً: الثقافة والمعرفة الاجتماعية
تنبني المعرفة الاجتماعية / الثقافية على عدد من الأنساق، من أبرزها أنساق ذات طابع إدراكي حركي ترتبط بتخصصات دماغية في الإدراك الاجتماعي، وأنساق ذات طابع تصوري. وهي أنساق تتفاعل في ما بينها لتغذي مضمون المعرفة الاجتماعية / الثقافية وتخدم وظيفتها في تحليل ما لا حصر له من ظواهر التفاعل الاجتماعي والثقافي وتنظيمه. لنأخذ مثلا:
تصور الشخص
من الأوليات المركزية التي تقوم عليها المعرفة الاجتماعية تصور الشخص (person)، لكون العناصر الأساسية في المعرفة الاجتماعية هي الأشخاص في التفاعل الاجتماعي/ الثقافي. وتتعلق المعرفة الاجتماعية بأسئلة، مثل: من هو؟ وماهي علاقة هذا الشخص بي وبالآخرين؟
ويبدو أن مثل هذه الاعتبارات ترتبط، كما هو الحال بمبادئ لغوية وثقافية تمكن الطفل من تعلم المواضعات الثقافية الخاصة التي ينشأ فيها.
خاتمة
نخلص في هذا الإطار إلى البرهنة على امتلاك الإنسان بنية ذهنية تمكنه من تمثل العالم وما يدور في فلكه وما يتضمنه من صور وأشكال معرفية، من خلال مجموعة من الآليات أو الميكانيزمات التي تساعده على مسألة الكشف والفهم والبناء والاستنتاج. فالثقافة الإنسانية بشقيها الشعبي والرسمي في أساسها مجموعة من المعارف الإنسانية، لذلك لها علاقة تفاعلية بينها وبين النظرية المعرفية المؤسسة لها إبستيمولوجيا وعلميا. كما أن اكتساب النماذج الثقافية يتم بصورة مطردة لكون الإنسان يمتلك بنية ذهنية معقدة نظرا لحجة التصميم المعقدة لديه.
الهوامش
1.اتجه البحث في إطار العلوم الإنسانية إلى الانفتاح على العلوم المعرفية، كعلم النفس المعرفي والفلسفة المعرفية واللسانيات المعرفية...للإجابة عن أسئلة كان شبه مغيبة في السابق، نظرا لتبنيها منهجا تفسيريا.
2.انظر توبي وكوسميدس (1992)، صص.21 - 22.
3. تعتبر الثقافة الشعبية معنية إلى أقصى حد بهذه التحولات المعرفية التي تسعى في عمومها إلى بلورة ما أصبح يعرف اليوم نظرية صورية للمعرفة (formal theory of cognition) وضمنها المعرفة اللغوية والثقافة الشعبية، لكون مكونات الثقافة الشعبية من عادات وتقاليد وصور فولكلورية ...إلخ، ماهي إلا عناصر لها أساس أحيائي/ ذهني كامن في الجهاز التصوري للكائن البشري ( الإنسان)، كما أن الجهاز البيولوجي للإنسان فهو مكيف بحسب ماهو موجود في بيئة ثقافية معينة، وهذا الأمر يساهم في خلق انسجام ثقافي/ بيئي. وهذا التفاعل بين مكونات الثقافة الشعبية والجهاز البيولوجي/ الذهني للإنسان، يجعلنا أمام تصور عام يوضح التفاعل بين هذه العناصر التي هي عبارة عن صور ذهنية ناتجة عن أنساق معرفية وإدراكية.
4.انظر العامري عبد العالي، (2017).
5.انظر محمد غاليم (2008)، ص.9.
6.دانييل دينييت (1995)، ص340.
7.انظر داندراد (1995).
8.المسدي، عبد السلام (2010)، ص 106.
9.يرى بنكر وجاكندوف (2005) أن افتراض التكرار فقط مخالف لموقف تشومسكي السابق، القائل إن اللغة قدرة معقدة يختص بها الدماغ البشري وحده. فاللغة عند بنكر وجاكندوف نسق أعقد ولا يمكن اختزالها في نسق التكرار فقط، فهي تخضع لعملية التكيف، فتصميمها وبنية مكوناتها دليل على أنها خضعت، كغيرها من الأنساق الأحيائية، لانتقاء طبيعي عبر سلسلة التطور لتسهيل التواصل بين البشر. فاللغة نسق أعقد بكثير، فعملية الضرب أو حل المسائل الرياضية، ولعبة الشطرنج مثلا، هي خصائص معرفية معقدة لا يمارسها إلا الجنس البشري، فاللغة هي الأخرى خاصية معرفية خاصة بالجنس البشري.
وبخصوص البنية التصورية التي يمتلكها الإنسان، مختلفة تماما عن الحيوانات، وإذا كانت موجودة لديها، فإنها تمارس بشكل بدائي، وبطريقة غير منظمة، ولا تخضع لعملية التسلسل الاجتماعي ولا النسق الثقافي. وفيما يخص إنتاج الكلام، تعتبر القدرة على المحاكاة الصوتية لدى الإنسان مكونا ضروريا للقدرة على اكتساب معجم اعتباطي مشترك، يعد بدوره مركزيا في القدرة اللغوية. لكن المحاكاة والتعلم الصوتيين ليسا خاصين بالإنسان، وهناك قدرات محاكاتية غنية ومتنوعة لدى ثدييات أخرى(كالدلافين) وبعض الطيور(كالببغاء) التي تعبر عن قدرة محاكاتية صوتية متطورة.
والجدير بالذكر أن الإنسان يمتلك النسق اللغوي، باعتباره ملكة لغوية تخضع لعنصر التكيف، ولا يمكن تلخيصها أو اختزالها في مبدإ التكرارية أو الإبداعية، فهي نسق أعقد من ذلك.
ويمكن أن تكون أيضا من مظاهر ملكة اللغة بالمعنى الواسع خاصة بالبشر، لكنها جزء من نسق يتعلق بالتفكير غير اللغوي بصدد العالم، عوض تعلقها باللغة في حد ذاتها.
والواقع أن الذهن البشري قادر على إعطاء أوصاف لا يمكن أن تأتينا من المكونات اللسانية الأخرى كالتركيب أو الصرف، بل إن العنصر القوي في بناء هذا الأمر يأتي من التصورات، فاللغة في هذا الإطار تكون عنصرًا مساعدًا ووسيلة للفكر من أجل فهم المعنى. وفي هذا الصدد، نفترض تبعا لـ: جاكندوف (2002) Jackendoff أن الصورة اللغوية تقدم وسيلة للفكر ليكون في متناول الوعي. فإذا لم تكن مستعدًا للتعامل مع اللغة والذكاء والوعي والتفاعل الاجتماعي والثقافي، فإنك لن تفهم المعنى.
وينحو جاكندوف دائما إلى محاولة تفسير سيرورات الإدراك البشري وعلاقته بالسلوك اللغوي اعتمادًا على نظريات علم النفس المعرفي، حيث يعتمد على القيد المعرفي الذي يتلخص في وجوب افتراض مستويات للتمثيل الذهني، تتضافر فيها المعلومات القادمة من أجهزة بشرية أخرى مثل جهاز البصر، والجهاز الحركي، والأداء غير اللغوي، وجهاز الشم. وبدون افتراض هذه المستويات التمثيلية، يستحيل أن نقول إننا نستعمل اللغة في وصف إحساساتنا، وإدراكاتنا، وتجاربنا المختلفة بوجه عام.
وتؤكد هذه المقاربة أن لكل معاني الألفاظ في اللغة دلالة معجمية، وهي دلالة نابعة من المستوى التصوري الذي يعمل على التقاط التجربة، وتعبر عنها باللغة، وهو مستوى تصوري متسق ومطرد مثله مثل القواعد النحوية، بل إن هذا المستوى التصوري يدخل في إطار المعرفة النحوية العامة المتوافرة عند الإنسان.
المراجع العربية
بنكر، ستيفن (1994) غريزة اللغة، كيف يبدع العقل اللغة؟ ترجمة: حمزة المزيني، دار المريخ للنشر، الرياض، (2000).
جاكندوف، راي (2002) الدلالة مشروعا ذهنيا، ترجمة محمد غاليم ضمن كتاب، دلالة اللغة وتصميمها، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.
خطاب، إدريس (2018) علوم الثقافة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب.
العامري، عبد العالي (2017) الثقافة الشعبية وبنية الذهن المعرفية، مجلة الثقافة الشعبية، العدد،36، البحرين.
غاليم، محمد (2007) النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة، مبادئ وتحاليل جديدة، ط1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.
غاليم، محمد (1999) المعنى والتوافق، مبادئ لتأصيل البحث الدلالي العربي، ط1، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط.
غاليم، محمد (2008) أي منهج لدراسة الظواهر الإنسانية والثقافية؟ مجلة الثقافة الشعبية، العدد، 3، البحرين.
غاليم، محمد (2013) «المعنى والتصورات»، ضمن كتاب: لسانيات النص وتحليل الخطاب، إعداد: محمد خطابي، دار كنوز المعرفة، عمان، الأردن.
المسدي، عبد السلام (2010) نحو وعي ثقافي جديد، دار الصدى، العدد 34، دبي، الإمارات العربية المتحدة.
لائحة المراجع الأجنبية
Chomsky, N (2016) What Kind of Creatures Are We? Columbia University Press New York.
Chomsky, N (2005) Three Factors in Language Design, Linguistic Inquiry, V. 36, N. 1.
D’andrade, R (1995) the Development of Cognitive Anthropology. Cambridge, UK: Cambridge University Press.
Dennett, D.C. (1995) Darwin’s Dangerous Idea: Evolution and the Meanings of Life. New York Simon& Schuster.
Hauser,M., Chomsky,N. and Fitch,T. (2002), “The Faculty of Language: Wath is it, Who has it, and How did it evolve?”, Science,V. 298.
Jackendoff, R (2002) Foundations of Languages, Brain, Meaning Grammar, Evolution, Oxford University Press.
Jackendoff, R (2007) « Languages Consciousness, Culture, Essays on Mental Structure », MIT Press.
Mandler, J (2004) the Foundation of Mind: Origins of Conceptual Thought, Oxford University Press.
Pinker, s. and jackendoff, r. (2005), “the faculty of language: what’s special about it ? ”, cognition, 95 (2).
Tooby, and Cosmides, l .1992, “The psychological foundations of culture”, in :Barkaw, Cosmides and Boody (eds):Oxford University press.
Zunshine, L., (2003) Theory of Mind and Experimental Representations of Fictional Consciousness, Narrative, V.11, No.3.
Zunshine, L., (2006) Why we Read Fiction, Theory of Mind and the Novel, Ohio State Universi
ty Press.
الصور
https://www.judaicalgeria.com/medias/images/alger-la-casbah-rue-de-tombouctou.jpg