الشراكة في أداء النغم
العدد 49 - لوحة الغلاف
منذ البدايات الأولى، وفي ظل تشدد المجتمع الخليجي في الفصل بين الرجال والنساء تفرد مجتمع البحرين بانفتاح نسبي ملفت في وقوف المرأة إلى جانب الرجل مساندة ودافعة إلى تحقيق أصعب الأعمال ومشاركة إياه بشتى السبل الممكنة لتوفير حياة كريمة خلال تواجده على اليابسة أو خلال فترة غيابه لصيد اللؤلؤ في البحر. وقد استخدمت المرأة تلك العاطفة الأنثوية المشبوبة بالحب والاشتياق وبثتها في الأشعار والأهازيج لتحفيز الرجل على اجتياز الصعاب وتحمل المشاق.
وأعلى درجات مشاركة المرأة للرجل كانت في بيع المنتجات المنزلية في الأسواق الشعبية والمشاركة في سقي ورعاية المزروعات في الحقول والبساتين وفي صناعة منتجات النخيل وغيرها من المجالات التي لا تعد. إلا أن التجلي الأروع الذي حملته إلينا التسجيلات الحية بالصوت والصورة كانت في مشاركة المرأة للرجل في تكوين وإدارة فرق الفنون الشعبية النسائية لضرورات فنية تقبلها المجتمع بوعي واعتبرها جزءا من المشاركة الحياتية العامة.
وتظهر المرأة في كل فرق الفنون الشعبية النسائية إلى جنب الرجل بكامل حشمتها الأنثوية التي لا يظهر منها سوى الوجه إلا أنها في أوج أبهة لباسها الشعبي الزاهي الألوان والمطرز بالقصب مع ما لدى كل منهن من حلي. وتجيد المرأة في هذه الفرق النسائية الشعبية أداء مختلف الفنون الغنائية الشهيرة التي تؤديها الفرق الرجالية كفنون "الخماري" و"السامري"و"البستات" وغيرها من الفنون التي تحتاجها حفلات الأعراس والختان والأفراح الأخرى.
يأتي دور الرجل في هذه الفرق النسائة الشعبية مشاركاً لأداء دور محوري يقتضي حمل الطبل المصنوع من جذع خشب الساج، وهو خشب متين صلد ثقيل الوزن لا تستطيع حمله أية امرأة وأن تلعب به بخفة في ميدان العرض بسهولة كما يفعل الرجل. ويدخل الرجل إلى الفرقة النسائية الشعبية أيضا ليؤدي دور"صاقول" وهو القائد المحترف لفن "الصقل" على الطار وتقديم زركشات إيقاعية يتفرد بها بين فينة وأخرى خلال الأداء العام للفرقة. ولم تكن تخلو فرقة نسائية شعبية بحرينية أو كويتية من مشاركة رجل أو اثنين لأداء مثل هذه المهام.
في الصورة، على غلافنا الأول، فرقة نسائية شعبية لدار اسماعيل دواس تؤدي أحد الفنون يشاركها ضارب الطبل وضارب طار رئيسي إلى جانب رجال آخرين في مقابلهم لا يبدون في الصورة. وقد تم التقاط هذه الصورة خلال عمل ميداني لتوثيق بعض الفنون الشعبية بمدينة المحرق لفرقة اسماعيل دواس عام 2018.