البوذا وأصول التأمل الواعي
العدد 48 - لوحة الغلاف
غدت تمارين التأمل محط اهتمام الكثير من كتاب تطوير الذات ورواد الأندية الرياضية والأفراد المنهمكين في متطلبات الحياة العصرية، بما فيها من ضغوطات وإجهاد، لكون هذه الرياضة أحد الطرق الشهيرة لتخفيف التوتر وتحسين النوم والمساعدة على تهدئة الأعصاب والاستحضار الذهني.
فلتمارين التأمل الواعي تاريخ عريق وأصولٌ شرقية تعود إلى آلاف السنين، اشتهرت عن طريق الديانتين البوذية والهندوسية.
وقد استوقفتنا صورة الراهب البوذي في خلوته، التي اخترناها غلافاً خلفياً لهذا العدد، للزهد البادي على هيئته، من ملابسه البسيطة ورأسه الحليق وحتى قدميه الحافيتين، وهو منهمك في التأمل والخلو الذهني للوصول إلى السكينة والسعادة المطلقتين، حيث أنه بذلك يشكل رمزاً قوياً شبيهاً بصورة البوذا التي اجتاحت العالم، وأصبحت أداة فعالة لشرح تاريخ الهند الثقافي، المفعم بتأثير ديانات عديدة ولغات متعددة وعادات وتقاليد غنية وشخصيات مؤثرة مثل مؤسس الديانة البوذية، السيدهارتا غوتاما (المعروف بالبوذا) الذي ولد في القرن الخامس قبل الميلاد في الدولة التي تعرف حالياً بالنيبال.
وقد ولد السيد هارتا إلى عائلة ثرية، وعاش أميراً بحياةٍ ميسرةٍ، ولكنه تأثر بصعاب الناس وبمعاناتهم وقرر ترك نمط الحياة الذي اعتاد وعاش فقيراً، ولكنه لم يصل إلى راحة البال التي أرادها عن طريق تقليد حياة الفقر والبؤس، فقضى من بعدها 6 سنوات باحثاً عن السكينة الداخلية والوسطية، والحياة الخالية من البذخ أو المعاناة. وبعد 49 يوماً من التأمل العميق، أصبح السيدهارتا معروفاً بالبوذا (أي الرجل المستنير) وابتكر تعاليم تبناها أتباعه بعد وفاته، لتتطور لاحقاً إلى ديانة يعتنقها الملايين.
والتأمل، أحد التعاليم البوذية، يرجع إلى الإيمان بأن الأمور الدنيوية خارجة عن سيطرة المرء، ولكن بإمكان الإنسان السيطرة على تفكيره، وتحويل ذهنه إلى ملجأ هادئ يخلو من الضوضاء والتوتر والعصبية المفرطة والسلبية، فأثناء التأمل يركز على ما يجري في حياته بعمق ووضوح، ويراجع القرارات التي اتخذها، والأحداث التي مر بها، محاولاً الوصول إلى حلول ووجهات نظر جديدة، وهذا يتطلب صبراً وممارسة مستمرة للحصول على النتاج المطلوب و الرؤى الجديدة والهدوء العاطفي والسكينة الداخلية.
ولتوضيح تاريخ التجرد من الأمور المادية عند الرهبان، كما تبين لنا صورة الغلاف الخلفي لهذا العدد، فعند نشوء البوذية كان الرهبان يحيكون لباسهم من قطع القماش القديمة أو المرمية، ويغسلونها ثم يتم صبغها بمواد طبيعية مثل الزعفران والكركم، مما أعطى اللباس لوناً برتقالياً، ولكن في الوقت الحالي يصنع الرهبان لباسهم من أقمشة جديدة أو قطع متبرع بها، وتختلف ألوانها من منطقة لأخرى، وبحسب مرتبة الراهب، إلى جانب إختلاف المذاهب البوذية، وقد تم إضافة بعض التعديلات على الزي لملائمة جميع الطقوس، وخاصة عندما انتشرت هذه الديانة، لتصل إلى دول عديدة وأطياف مختلفة من الناس، ومع هذا الانتشار صورة الرجل المتعمق في رحلة البحث عن الذات والجوب في أعماق الفكر بحثاً عن الهدوء.