جوانب من الممارسات الخاصة بالمعتقدات والعادات المشتركة بين سكان بلاد الرافدين وشعوب أفريقية قديمة
العدد 47 - عادات وتقاليد
ينتمي سكان الشعوب الإفريقية إلى أربع مجموعات عرقية قديمة يمثلون السكان الأصليين للقارة، إضافة الى الحاميين، والشعوب الزنجية السامية، ثم العناصر السامية العربية، وقد وجدت في القارة أقدم الحضارات التي أثرت وتأثرت بحضارات المنطقة العربية برمتها.
إنّ الأديان والمعتقدات الإفريقية التقليدية تنتمي في معظمها إلى صنف الأديان المتعددة الآلهة، وذلك ما تتميز به المجتمعات ما قبل الطبقية، فالأشخاص الخارقون في هذه الأديان هم أرواح مختلفة (بما في ذلك أرواح المكان وأرواح الأجداد، وأرواح ظواهر الطبيعة ...الخ) ولكنهم ليسوا آلهة، وبذلك تكون الأديان المتعددة الآلهة من صفات المجتمعات الإفريقية الأولى1، وهي بذلك تشترك مع أولى المجتمعات الحضارية المتشكلة في المنطقة العربية الا وهي حضارة وادي الرافدين والنيل حيث اتصفت ديانتها ومنذ بدايتها بمبدأ تعدد الآلهة وتشبيه الأفراد بالآلهة خاصة الملوك2، ومن المعروف أن في مواطن حضارات إفريقيا الغربية (السودان الغربي والأوسط، ومنطقة خليج بنين) وما بين البحيرات (يوغندا) قامت أديان تجسد الإله في عدد من الأشخاص. وبشكل عام فإن الأديان الإفريقية التقليدية، سواء أكانت المتعددة الآلهة أم تلك التي جسدت الإله في شخص واحد، لم تكن مناسبة تماماً لنظام يملي تعاليمه الروحية على أفراد المجتمع الواحد في إفريقيا قديما، بل ان الممارسات الدينية والاجتماعية هي الصفة الغالبة على سلوك المجتمعات عموما سواء في حضارات المجتمعات العربية أوالأفريقية.
ومنذ أواسط القرن الحادي عشر الميلادي وصل الإسلام إلى إفريقيا جنوب الصحراء، وهي التي تعرف بالقارة السمراء حاليّاً. وقد ساهمت القوافل التجارية وبعض الحملات العسكرية التي عبرت الصحراء لتصل حدود الغابات الاستوائية في انتشار الإسلام فنتج عنها دخول عدد من القبائل الإفريقية في الإسلام من السواحل الشرقية للقارة وصولاً إلى مدغشقر وزنجبار. كما وصلت الدعوة الإسلامية في وقت مبكر من ظهور الإسلام، الى القسم الشمالي من القارة والمعروف بشمال إفريقيا، وذلك حين وصل إليها القائد المسلم «عمرو بن العاص» فاتحاً لمصر وليبيا، ثم توالى الفتح الإسلامي بعد ذلك لكل مناطق الشمال الإفريقي (المغرب العربي الكبير) على يد عقبة بن نافع وموسى بن نصير وطارق بن زياد.
وقد اشتهرت قبائل إفريقية كبيرة بدخولها الإسلام منها قبائل سونغاي وبولار وولوف وهوسا. وفي القرن الثامن عشر الميلادي تجددت حركة انتشار الإسلام. وكان للطرق الصوفية دور بارز وكبير في ذلك، واستمر دخول الأفارقة في الإسلام حتى بداية فترة الاستعمار الأوروبي للقارة، ومع ذلك فما زال الإسلام يجتذب إليه الأفارقة حتى يومنا هذا.
أدب بلاد الرافدين ناقلا للمعتقدات والعادات
تميز أدب بلاد الرافدين قبل كل شيء بأصالته وبكونه أدبا واقعيا صور بصدق نمط الحياة التي كان يعيشها سكان بلاد وادي الرافدين في تلك العصور القديمة، لذلك جاءت الصور والتشابيه في الأعمال الأدبية ومنها القصص، منتزعة من واقع الحياة، في المدينة والريف وفي الهور والسهل والجبل، وجدير بالملاحظة أن أدب وادي الرافدين حافظ على أصالته ولم يتعرض إلى تغيير أو تحوير3.
ومن المرجح أن تناقل الأخبار والقصص في مجتمع بلاد الرافدين كان يتم اكتشافها قبل اختراع الكتابة بشكل كامل ثم رغم الاكتشاف المهم ظل قسم كبير من أدب بلاد الرافدين وقصصهم تروى شفاها ولاتزال بعض تلك القصص والروايات وبطولات الأجداد تروى شفاها حتى يومنا هذا، ثم انتقلت كثير من القصص التي تعني بها الناس من جيل الى جيل، فكانت الكتابة وكان استخدامها لتدوين تلك القصص وذلك منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وقد عرف نسًاخ الكتابات، وأهمها نسخ القصص والملاحم البطولية، بالأمانة والحرص على الاستنساخ من المصادر الأصلية القديمة بعد مطابقتها وتدقيقها4، فقد اقتبس البابليون كثيرا من المصطلحات والمفردات اللغوية التي عرفتها اللغة السومرية، وأخذوا منها فيما يخص الأدب الهيكل العام للقصة، بيد أنهم أضافوا لذلك الهيكل «لحما ودما» على حد تعبير الأستاذ فاضل عبدالواحد علي، فظهرت نتيجة هذه الاضافة، وجود أدب جديد في شكله القديم ذي الأصول العريقه5.
لقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الكثير من التآليف الأدبية لاسيما القصص والملاحم قد انتقلت الى الأقطار المجاورة وبعض البلدان البعيدة كآسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر وبلاد اليونان، إضافة الى أصقاع بعيدة في مناطق حضارات جنوب إفريقيا ومناطق نهر «مومبا»6، مما ترك أوجه شبه واضحة بين قصص بلاد الرافدين والقصص التي دونت بلسان تلك الأقوام، وذلك بحكم وقوع أغلب الممالك السياسية القديمة تحت سلطة السلالات والامبراطوريات التي قامت في بلاد الرافدين من سومرية واكادية واشورية، ثم وفي وقت لاحق تأثرت مجتمعات وامبراطوريات أجنبية بالتراث العراقي بعد وقوع بلاد الرافدين تحت السيطرة الأجنبية، لاسيما الأدب وخصوصا القصص والملاحم البطولية عندما احتكت تلك الأقوام بمجتمع بلاد الرافدين في وقت السلم والحرب، ومن بين تلك الأقوام الأجنبية الخورية والحثية والفارسية واليونانية، والتي ترجمت بعض من قصص بلاد الرافدين الى لغاتها المحلية7. فلا عجب ان تنتقل شفاها او بلغات أقوام أخرى مجموعة من القصص والملاحم الرافدينية وتنشر الى ممالك وأمم وشعوب مختلفة متأثرة بأدب بلاد االرافدين بشكل خاص وبعض العادات والمعتقدات، ومن المرجح أن بعض القبائل والشعوب في افريقيا من بين تلك الشعوب التي تأثرت بأدب بلاد الرافدين ومعتقداتهم وعاداتهم.
إن أغلب المعتقدات الدينية القديمة لدى الشعوب الأفريقية ينسبها علماء الفكر الدينى إلى التقليد، ويضعونها فى دائرة ما أسموه بالأديان البدائية التى تقوم على السحر والمبالغة فى التقديس حيث يلتقى فيها الاستدلال العقلى والمنطقي وإن البدائيين ينفرون أشد النفور من الإستدلال العقلى، كما يلاحظ أيضا أن هذا النفور لا يرجع إلى قصور أو عجز طبيعي في إدراكهم بل بالأحرى إلى مجموعة من العادات العقلية التى درجوا عليها من خلال طريقتهم في التفكير والتي قامت على أساس التساؤل عن معنى الحياة والوجود والعدم وما بعد الموت، كما عملت على وجود مظهر طقوسي فرضت به سيطرتها على نواحى الحياة المختلفة لتنتقى ثنائية الحياة والدين فالأشياء كلها مترابطة لأنها تقوم على الشعور العميق بوحدة الحياة ووحدة الأشياء كلها في عالم مقدس من خلال الاعتقاد بوجود قوى كامنه في بعض مظاهر الطبيعة تستوجب التقديس8. ومن الصعب أن تتخيل المجتمعات الأفريقية القديمة بدون اعتقاد في أي من أنواع الأرواح التي تساعد أو تعوق أعمالهم راضين بالسحر التمثيلي سلوكا وطريقا للتعبير عن ذلك الاعتقاد في أنواع القوى والطاقات الخارقة للطبيعة ويظهر التطبيق للمفاهيم الدينية والسحرية في القناع حيث يمثل مكان الروح، التي يعتقد فيها الأفريقي على اختلاف أنواعها من أرواح للقوى الطبيعية (كالآرض، والضوء، والبرق، والشمس، والقمر والخ ) أو أرواح لمؤسس القبيلة والجدود، أو أعضاء القبيلة، «فالأرواح هي تجسيد، وتشخيص للقوى التي يخشاها ويخافها، ولا يستطيع أن يدركها أو يصل إلى مستواها، لذا فهو يجسدها في صورة شبه إنسانية»9. ولا يختلف هذا المفهوم عن فكرة خوف الإنسان في عصور ما قبل التاريخ، من أشياء ليس بمقدوره فهمها، في حضارات الشرق الأدنى القديم، فكان عليه أن يجسدها على شكل آلهة مثل النجوم والرياح والمطر والشمس والقمر والخ10.
ومن هذا المفهوم يتضح تحديد وتشخيص القوى الغير معلومة لدى الأفريقي والرافديني وأن الأعمال الفنية لديه، إنما هى أداة ووسيلة، لإشباع حاجاته النفسية وعلى هذا الأساس نشأ المفهوم الاعتقادي الخاص بجوانب من الحياة الاجتماعية والدينية في معتقد الإنسان وعاداته وأعرافه. وخير مثال يمكن من خلاله التعرف على أهم الممارسات الدينية والاجتماعية هي الأساطير والقصص والروايات الشفاهية وبعض الممارسات الباقية الى يومنا هذا، وفي مايلي اهم الافكار الخاصة بهذه المعتقدات التي ترتبط بشكل او بآخر بثقافة حضارة وادي الرافدين والتي حاولت رصدها للدلالة على متانة الترابط وعمق الصلة بين الشعوب الافريقية في القارة السمراء ونظيراتها من الشعوب العربية في القارة الآسيوية التي اخترنا من بينها، حضارة من أعرق حضارات الشرق الأدنى القديم.
فكرة الموت والبعث في النصوص الأدبية:
تربط قبائل «الناماكوا» (namakwa) او «الهوتنتوت» (hotntoot) من خلال آدابهم وفكرهم بين ولادة القمر في أول الشهر وغيابه عند دخوله المحاق في آخر الشهر -والتي تحدث بشكل مستمرـــ مع فكرة البعث والموت، أي أن فترة محاق القمر ثم بزوغه هي بمثابة موته وميلاده. ومع ترسخ هذه الفكرة في أذهان القبائل المذكورة، فقد أصبح القمر صديقا حميما للإنسان، وهو كذلك فعلا خاصة عند القبائل التي تقطن الصحاري المكشوفة كونه ينير لهم عتمة الليل ويجنبهم حر الشمس الملتهبة ومايعانوه من حرارة في فصل الصيف11. ولأن الصديق يبوح بأسراره لصديقه فقد أراد القمر أن يفشي سر موته وبعثه للإنسان، واختار الأرنب لأن يبلغ الرسالة لبني البشر، لكن الارنب قلب المفهوم عندما قال على لسان القمر «كما أنني أموت ولا أعود الى الحياة مرة أخرى، فإنكم كذلك ستموتون ولاتعودون الى الحياة مرة أخرى»12.
وعندما رأى القمر الأرنب مرة اخرى، طلب منه ان يعيد ما قاله للناس على لسانه، عرف القمر انه حرّف الرسالة، فضربه القمر بعصى شقت شفتيه، والى وقت قريب كانت قبائل «الناماكوا» غاضبة من الأرنب لأنه سلبهم الخلود على حد اعتقادهم، كما أنهم لايأكلون لحم الأرانب، واذا ما خالف شخص منهم وعرفوا أنه أكل لحم الأرنب فإنه يبعد من القبيلة.
وفكرة البعث والموت هذه وارتباطها بالقمر نجدها أيضا عند قبائل «البوشمان»(poshman) لكنها تعتقد في أدبها المدون أن القمر قد أبلغهم الرسالة بمضمونها الصحيح، لكن شخصا لم يصدق قول القمر وبدأ يناقش الأمر مع القمر عندما توفيت والدته أمام ناظريه في حين كان القمر يخبره أن أمه نائمة وأن موتها مؤقت ليس إلا، لكنه أصر على موتها، فضربه القمر وشق شفتيه ومسخه على شكل حيوان هو الأرنب13.
إن فكرة الموت والبعث في الفكر الرافديني القديم يجسدها إله القمر أيضا والذي يأتي في المرتبة الثالثة من بعد السماء والهواء، وفيما يخص اختفاء القمر في نهاية كل شهر فقد عدّ هذا الاختفاء بمثابة موت مؤقت ليعقبه بأيام ولادة جديدة وحياة أخرى بعد الموت المؤقت، حيث وردت إشارات عديدة تخص أيام الاختفاء حددت في اليوم السادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين، وكان على المتعبدين ومن بينهم ملك البلاد ان يمتنعوا عن تقديم الصلوات والأدعية للقمر في هذه الايام لانه في حالة اختفاء14، اما في اليوم الثلاثين من الشهر فقد خصص لتقديم القرابين الى معبد إله القمر والتضرع والدعاء له لكي يعود ويظهر ثانية، وعند ولادة القمر او بعثه من جديد فإن ذلك يعتبر عيدا رسميا خصص اليوم الأول من كل شهر فيه للاحتفال به وقد اطلقوا على هذا العيد اسم «ايش – ايش» (Esh -Esh)، والمعلومات المتوفرة عن الاحتفال بهذا العيد قد بدأت مع تكّون الحضارة خلال العصور التاريخية وقيام الممالك والدول في العراق القديم، وذلك في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، إذ تم تحديد يوم واحد لهذا العيد15، بينما خصصت حكومة بابل في آخر عهود العراق السياسية في القرن السادس قبل الميلاد، ثمانية أيام للاحتفال بمولد القمر وبعثه للحياة من جديد16، وذلك لأن الأقوام القادمة من الجزيرة والتي استوطنت في بابل أو التي استقرت في أعالي الفرات، أعطت القمر مكانة مرموقة أكثر من باقي مجتمعات بلاد الرافدين لكونه صديق سكان الصحراء في الجزيرة العربية مثلما هو صديق لسكان الصحراء الذين حاول القمر منحهم الخلود في إفرقيا السمراء.
أما ما يخص نظرة الإسلام للقمر وظهوره واختفائه فقد خص القرآن القمر بعدد من الآيات باعتبار القمر من الظواهر الكونية الماثلة أمام العيون، إلا أنه جُعل مرجعا أساسيا لحساب الوقت وتنظيمه حيث يمكن من خلال متابعته ضبط الأيام والشهور والسنين وهو بذلك يكون وسيلة حسية لحساب العمر، أي بمفهوم يقترب بعض الشيء من ما ذكر في أدب الحضارات القديمة من خلال كونه يمنح الحياة والموت لبني البشر أي أنه يحسب عمرهم والوقت من ولادتهم الى موتهم، بيد ان الفائدة الحقيقية المرجوة من ظاهرة بزوغ القمر وتحول أشكاله من هلال الى نصف بدر ثم بدر وهكذا، كان لها مدلول واضح أجاب عنه القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ سورة البقرة، آية: 189.
قصص خلق الإنسان من طين
تنتشر بين قبائل «الشلوك»(Shlook) التي تسكن النيل الأبيض، قصة في الأدب عن خلق الإنسان من طين، وتفسر القصة بطريقة بارعة اختلاف ألوان البشر المخلوقين من الطين بموجب لون التراب الذي صنعهم الإله منه، فالإله الخالق «جووك»(Jook) عزم على خلق البشر فتجول في أنحاء العالم، وعند مكان تواجد الجنس الأبيض البشرة وجد طين أبيض (تراب) نقي فصنع منه الإنسان ذا البشرة البيضاء، وعندما وصل الى مصر، شكّل من طمى الطين في النيل الناس ذوي البشرة البنية، وعندما وصل الى أرض «الشلوك» وجد فيها تربة سوداء فشكّل منها الناس ذوي البشرة السوداء17.
وهذا الامر الخاص بخلق الانسان من طين يكاد يكون متطابقا تماما حتى مع المفهوم اللغوي لكلمة طين في اللغة العربية، فالمدلول اللغوي للطين هو التراب المختلط بالماء، ويسمى بذلك وإن زالت عنه رطوبة الماء، ومن معاني الطين الوحل وجمعه «أطيان»18، و«الطينة» هي القطعة من الطين وتستخدم مجازا للدلالة على الخلقة والجبلة فيقال فلان من الطينة الأولى وطينة الرجل «خلقته وأصله»، أمّا «الطيّان»فهو صانع الطين، وحرفته تدعى «الطيانة»19.
وبالمقابل نجد في التراث والثقافة الإفريقية لدى قبيلة «الفانيون»(Fanyon) الذين يسكنون في غرب القارة، يعتقدون ان الله خلق الانسان على شكل «سحلية» من الطين ثم وضعها في حوض فيه ماء لمدة سبعة ايام، ثم قال له اخرج من الماء، فخرج على هيئة انسان. وبنفس المفهوم الخاص بخلق الإنسان من طين، كانت قبائل غرب إفريقيا والقاطنة في «توجولاند» (Togoland)، والتي تنتمي إلى الزنوج وتنتشر الآن في جمهورية «تنجو»، نجد انها تعتقد إلى وقت قريب، ان الله يخلق الانسان من الطين، فاذا تبقى قليل من الماء الذي فيه تراب سكبه على الارض وخلق منه الأشرار والعصاة من الناس، أما الإنسان الصالح فانه يخلق من طينة جيدة، كما تعتقد القبائل المذكورة أن الله خلق الرجل ثم خلق المرأة20.
وفي الفكر الرافديني القديم21، نجد أن كلمة الطين ارتبطت بالفكر العراقي القديم منذ بواكير النضوج الحضاري على هذه الارض خلال الألف الرابع قبل الميلادـ وانعكس ذلك بشكل واضح فيما ورد في أدب الملاحم والأساطير الدينية، فمن أولى المفاهيم التي كانت تشغل الفكر هو خلق الانسان وأصل الوجود22. وقد عدّ العراقيون القدماء الطين المادة الأولى التي خلق منها الإنسان ويمثل هذا الاعتقاد صدى الدعوات التوحيدية والرسالات السماوية التي جاء بها الأنبياء والرسل من عهد نوح عليه السلام ومن جاء بعده وبقيت تلك الدعوات عالقة في أذهان الأجيال اللاحقة. قال تعالى:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ سورة المؤمنون، آية: 12.
وخلف لنا البابليون، الذين أسهموا بنصيب وافر في بناء حضارة بلاد الرافدين، أطول قطعة أدبية وأشهرها وهي المعروفة بـ «أِنوما اِلش» (Enuma Elish) التي عرفت بين الباحثين باسم «قصة الخليقة البابلية» وتتحدث عن نظرة البابليين إلى خلق الكون والإنسان23، وتذكر القصة أن سبب خلق الإنسان ليحمل مشقة العمل على الأرض وأعبائه بدلا من الآلهة نفسها فباركت الآلهة الفكرة فقررت خلقه من دم أحد الآلهة الممزوج بالطين إذ جيئ بالإله «كنكو» فذبح ومزج دمه بالطين وخلق منه الإنسان24، ونجد الأسطر التالية في قصة للإله اينكي (En.ki) يتحدث فيها عن خلق الإنسان من الطين وكيف أن الآلهة هي التي خلقته:
«امزجي لب الطين الموجود في أعلى المياه التي لا يسبر غورها،
الصنّاع المهرة، سيجعلون الطين مختمرا،
وانت عليك ان تخلقي له الاضلاع،
«ننماخ» آلهة الارض ستعمل من فوقك،
آلهة الولادة ستقف إلى جانبك حينما تخلقين،
أماه! قدري مصيره (مصير المولود الجديد)،
« ننماخ» ستربط به ... الآلهة،
كانسان»25.
يفهم من خلال ماورد في النص الأدبي لقصة الخليقة أن الطين كان المادة الأساسية لخلق الإنسان وأن ما تصوره العراقيون في عملية الخلق ما هو إلا انعكاس لواقع المجتمع العراقي ومدى تأثر ذلك المجتمع بالدعوات التوحيدية الأولى.
ويؤكد كتاب العهد القديم، كتاب اليهود المقدس الذي تؤلف الأسفار الخمسة الأولى منه بقايا التوراة، على لسان الأنبياء والرسل السابقين للنبي موسى عليه السلام، أن الله سبحانه وتعالى خلق الانسان من طين26، وقد وردت إشارات عديدة بهذا الخصوص منها ماورد في (سفر التكوين – الإصحاح الثاني):
- «وجبل الرب الاله آدم ترابا من الأرض ونفخ في أنفه»، «نسمة حياة، فصار آدم نفسا حية»27.
- وقد فسر اسم آدم بأنه من الأديم أي الأرض لأنه مخلوق من تراب الأرض28.
- «وهكذا فإن الله خلق آدم من تراب ونفخ فيه نسمة الحياة فصار آدم نفسا حية»29.
وفي القرآن الكريم الذي هو ليس كتابا تاريخيا هدفه سرد القصص الأدبية والأحداث وبيان تفاصيلها، بل إن ماجاء فيه من إشارات موجزة، إنما جاء للعبرة والموعظة ومنها خلق الانسان من طين30. فقد ورد ذكر المادة التي خلق منها الإنسان بأكثر من صيغة منها الطين والتراب والصلصال اذ ورد ذكر الطين في الآيات الكريمة الآتية:
- ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾31.
- ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾32.
- ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِنْ طِينٍ﴾33.
- ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾34.
يلاحظ في جميع الإشارات الواردة ان الكلمة المستخدمة للاشارة إلى المادة الأولى التي خلق منها الانسان هي الطين أو التراب في التوراة، تماما كما هي في المصادر الأخرى، إلا أنها تختلف في القران الكريم، اذ وردت أكثر من كلمة للدلالة على المادة التي خلق منها الإنسان وإن كانت جميعها تؤدي المعنى نفسه.
إن ما يلفت الانتباه أن جميع القصص ذات العلاقة بخلق الانسان من طين والوارد ذكرها في أدب بلاد الرافدين والعهد القديم والقرآن الكريم متشابهة في الخطوط العامة والأساسية وهذا لم يكن مصادفة بل إن ذلك يؤكد تتابع الرسالات السماوية وبعث الأنبياء والرسل ومعرفة الناس بقصة خلق الانسان من طين، إلا أن الأفكار السائدة التي كانت قد ابتعدت عن التوحيد أضافت اليها فيما بعد القصة عما ورد في القران الكريم وأن ما ورد في المصادر الأدبية الرافدينية والعهد القديم طرأ عليها إضافات وتحريفات عبر العصور الطويلة التي مرت عليها حتى وجدت طريقها الى التدوين فابتعدت تدرجيا عن أصولها التاريخية وجاءت وقد اكتنفها الخيال والاسطورة وتمحورت حول معتقدات القوم الدينية وقت تدوينها وكادت صلتها تنقطع عن أصولها الأولى في حين حفظ لنا القرآن الكريم بايجاز شديد الصورة الحقيقية لتلك القصص35.
قصص الطوفان
عن الطوفان نجد في الآداب الافريقية وتحديدا لدى قبيلة «ماساي» (masaiy) التي تقطن إحدى ولايات جنوب افريقيا، ذكرا في أساطيرها عن رجل مستقيم اسمه «تومباينوت» تزوج من امرأة تدعى «نايباندى» وولدت له ثلاث أولاد، ثم تزوج من أرملة أخيه التي تدعى «ناهابا- لوجوينجا»وولدت له ثلاث أبناء أيضا. وبعد إن كثر الفساد في الأرض وفي قبيلته بالذات قررت الألهة أن تهلك الجنس البشري ماعدا «تومباينوت» فأشفقت عليه الآلهه وأمرته أن يبني فلكا من الخشب وأن يركبه هو وزوجاته وأولاده الستة وأن يأخذ معه عددا من الحيوانات من كل صنف، وبعد أن بدأ الطوفان وركب الجميع في السفينة، سقط المطر بغزارة حتى أصبح الطوفان محققا وشاملا كل الارض. إثر ذلك بدأ المطر يخف، الى أن توقف، فأرسل «تومباينوت» حمامة لتتحقق من انحسار الماء وظهور اليابسة من جديد، فعادت اليه منهكة، ثم اطلق النسر بعد ان ربط بذيله رمحا، ثم بعد برهة من الوقت عاد النسر وعرف أن النسر قد حط على اليابسة وأنه أكل من جيفة شمّ رائحتها في الرمح. وبعد ذلك أدرك «تومباينوت» أن الطوفان قد انحسر فرست سفينته على ارض البراري ونزل الركاب36.
وفي رواية أخرى مشابهة لقصة الطوفان السابقة، حكاها أحد المبشرين في افريقيا بمنطقة «سايسى» (saysa) عند نهر «مومبا» وعلى مقربة من بحيرة «روكوا» ذكر الراوي للمبشر انه سمعها من جده. وفحوى القصة لاتختلف عن سابقتها، إلا في التأكيد على أن رجل الطوفان قد حمل معه في السفينة كل أنواع الحبوب وكل صنف من الحيوانات، الذكر منه والأنثى . وعندما حدث الطوفان وغرقت الجبال فهلك من بقي على الأرض من الحيوانات والناس جميعا37.
وفي المقابل نجد قصة الطوفان قد حدثت في أرض الرافدين وما ضمته في مصادرها الأدبية عن أخبار الطوفان التي وردت مدونه باللغة السومرية والاكدية وهي أقدم قصة عن الطوفان معروفة حتى الآن، وهذا ما عكسته الرقم الطينية التي دونت عليها أخبار الطوفان، ومن المعروف أن النص الأدبي قد دون بعد آلاف السنين من وقت حدوث الفيضان، اذ يذكر الملك «جلجامش» في ملحمته الشهيرة والتي حملت اسمه ان الطوفان قد حدث قبله بكثير وأن القصة سمعها من جده « اوتونابشتم» الذي حكى له قصة الطوفان، ومن المعروف أن تاريخ حكم الملك «جلجامش» حاكم مدينة الوركاء كان في حدود 2700 ق.م ثم حدث وأن حذف منها وأضيف إليها الشيء الكثير بما ينسجم وافكار القوم، على مر العصور وباختلاف الألسن، إلا أن الخطوط الرئيسة ظلت واضحة فيها رغم انتشارها في أصقاع الدنيا الكبيرة والبعيدة عن ارض الرافدين. إذ نجد في أحداث قصة الطوفان الرافدينية أن بطل القصة اسمه «اوتو- نابشتم» (utu-napishtim) والذي يعني اسمه «الذي منح الحياة من قبل الاله». وقد وردت الأحداث مدونة على رقم طيني لكاتب بابلي، وتكررت القصة في أكثر من عصر وعلى يد اكثر من كاتب، اذ يقول الكاتب البابلي واصفا بداية الطوفان:
«رعد يشق عنان السماء، أعاصير مدمرة تعصف وتزمجر، مثل «نهيق حمار الوحش»، فيضان عارم تخور مياهه مثلما «يخور الثور»، ظلام حالك ودمار في كل مكان، حتى أن الألهة نفسها تراجعت مذعورة الى أقصى السماوات»38.
ومن الجدير بالذكر أن الوصف أعلاه يتطابق مع ما جاء في وصف الطوفان في الأساطير الافريقية، كما تتطابق أغلب المعلومات الأخرى ومنها على سبيل المثال ان رجل الطوفان «اوتونابشتم» قد أمره الاله أن يحمل في السفينة بذرة كل المخلوقات الحية، واستمرت الحال على هذا المنوال سبعة ايام وسبع ليالي، حتى جاء الطوفان على كل من في الارض من البشر والحيوانات إلا من كان على ظهر السفينة39. ثم استقرت السفينة على جبل، وقبل ذلك أرسل رجل الطوفان ليستقصي عن انحسار المياه وانتهاء الطوفان، من خلال إرساله لأنواع من الطيور فان وجدت مهبطا لن تعود وان لم تجد فانها ستعود للسفينة حتما، وأول هذه الطيور هو الحمامة، كما في الرواية الإفريقية تماما، ثم أخيرا اطلق اوتونابشتم الغراب، وعندما رأى الغراب أن المياه انحسرت اكل وحام ونعق ولم يرجع40، بينما ذكرت الأسطورة الإفريقية ان «تومباينوت» أرسل نسرا فأكل وايقن الرجلان أن الطوفان قد انحسر بهذه الدلالة.
إن الأدلة الأثرية المادية والكتابية عن حدوث الطوفان تتابع تترى، ولعل السير «جيمس فريزر» الذي ألف مخطوطته التي بين أيدينا منذ حوالي قرن من الزمن (1918) رغم حداثة التأريخ القريب بالنسبة إلينا والبعيد جدا عن تاريخ أحداث الطوفان، يفيدنا في حقيقة تاريخية واقعية يرويها لنا صاحب المخطوط الذي عاش مابين (1854 - 1941) يؤكد فيها أخبار الطوفان ومكان رسو السفينة إذ يقول:
«أما الفلك الذي استقر عند جبال «أرمينيا» فلايزال جزء منه مطروحا على هذه الجبال حتى اليوم، ومازال بعض الناس يزيلون عنه القار ويستخدمونه في تعاويذهم»41.
أما في النص القرآني الكريم فقد أشير الى سيدنا نوح عليه السلام والى حادثة الطوفان في أكثر من أربعين موضعا في القرآن الكريم، ففــي ســور الأعــراف وهــود والمؤمنون والأنبياء والشعراء والعنكبوت والصافات والقمر نجد ذكرا لقصة الطوفان42، والقرآن الكريم لا يعطينا عن الطوفان رواية متصلة تقع في سطور وصفحات متتالية من القرآن الكريم من بداية الرواية حتى نهـايتها بل تتناثر الأخبار بشأن الطوفان كما تتناثر بشأن غيره من قصص القرآن في مواضع متفرقة وفي سور متعددة والفلك وسيلة للنجاة من الطوفان، ولحفظ بذور الحياة السليمة لكي يعاد بذرها من جديد، وقد شاء الله أن يصنع نوح الفلك بيده، لأنه لابد للإنسان من الأخذ بالأسباب والوسائل، وبذل آخر ما في طوقه43، وبذلك تكون الفكرة العامة لقصة الطوفان في أدب وتراث الشعوب الإفريقية تتطابق من حيث الهدف والمبدأ مع ما ورد في نصوص الآيات الكريمة في القرآن المجيد.
شعائر عقد معاهدات السلام
هناك عادات وتقاليد وأعراف تتبعها بعض القبائل في إفريقيا فيما يخص عقد الصلح أو معاهدات السلام، تتشابه الى حد ما مع شعائر البلاط الملكي في بلاد الرافدين خصوصا في البلاط الآشوري44، اذ تطلعنا الروايات أن زعيم قبيلة «بارولونج» في وسط إفريقيا إذا أراد أن يعقد حلفا مع قبيلة أخرى، فأنهم يأخذون معدة ثور ويبقرونها، ثم يزحف الزعيمان من خلال فتحة المعدة واحدا تلو الآخر، بعدها يعلنان أنهما أصبحا واحدا. وتتبع قبيلة «بتستوانا» نفس النهج في ما اذا عقدت حلفا مع قبيلة أخرى حيث يعمدون الى ذبح حيوان ويمسك الطرفان المتعاهدان ببعض أجزاء أمعاء ذلك الحيوان، ويقسمان على التعاهد، ويذكر «السير فريزر» أنه شهد مثل هذا التقليد بقوله «أقيمت مثل هذه الشعائر عندما كنت في قبيلة «شوشنج»45.
إن التفسير المنطقي لهذه الشعيرة، هو أن الجزاء الذي يصيب من يرجع عن عهده، بأن يقطع مثل الذبيحة وأن مصيره هو القتل لامحالة، ومن بين ذلك نجد أقوالا عند قبائل مثل «الواتشاجا» والتي تصّرح أثناء تأدية شعائر الصلح بالقول: «لكي لانشق إلى نصفين كما يشق ذلك الجدي»، ونفس الشيء تقوله قبيلة «ناندي» اذ تذبح كلبا وتشطره الى نصفين وتقول «ليقتل من ينقض العهد مثل هذا الكلب»46. أما قبائل «الاومبيون» وهم شعب كان يسكن دلتا نهر النيجر، فقد عرف عنهم أنهم يجلبون شاة بحضور الكاهن ويشقونها إلى نصفين ويقولون «ليشق جسد من يشن الحرب على القبيلة الأخرى كما يشق جسد الشاة»47.
وعند الأشوريين نجد أن مغزى ودلالة ما ذكرناه سابقا لدى بعض القبائل الإفريقية وصلنا مدونا على الرقم الطينية منذ اكثر من أربعة آلاف عام، حيث أشارت الكتابات المسمارية الى أن إبرام المعاهدات كان يرافقها بعض الطقوس والمراسيم، لإضفاء نوع من القدسية على الاتفاق ومن المتوقع أن تكون هذه الطقوس عبارة عن أعمال يقوم بها المتعاهدون من الملوك أو من ينوب عنهما تتعلق بذبح حيوان كأن يكون كبشا او القيام بحركات رمزية تتمثل بمسك رداء الملك القوي او لمس الحنجرة، ومثل هذه الحركات والأعمال وجدناها في محل استعراضنا لعادات بعض القبائل الافريقية في وقت سن المعاهدات، اما في بلاد الرافدين فلنا في المعاهدة التي عقدها الملك الأشوري «آشور نراري الخامس» (754-745 ق.م) مع الحاكم «ماتع- ايلو» امير مدينة «أرواد» على الساحل السوري، خير شاهد ودليل. وتعد المعاهدة من أقدم المعاهدات التي وصلتنا بصيغتها الأصلية48، يرد في النص أن كبشا قد ذبح بالمناسبة ويصف النص المراسم الخاصة بالذبح بالقول:
«إن هذا الكبش لم يؤخذ من القطيع بقصد تقديمه للتضحية ولا من أجل الالهة عشتار، وإنما أحضر لكي يقسم «ماتع- ايلو» على ولائه للملك «آشور نراري الخامس»، فإذا حنث بيمينه فإن مصيره سيكون كمصير هذا الكبش»49.
ثم يعدد النص أجزاء الكبش ويذكر أن هذا الجزء من الكبش كأن يكون اليد أو الساق أو الكتف، ليس جزء يعود الى الكبش بل إنه لـ «مانع- ايلو». ويختم الملك الأشوري النص بالطلب من الإله «سين» إله القمر أن يبتلي حاكم مدينة أرواد وشعبه وأبناؤه وموظفوه اذا ما حنثو بالاتفاق بالاتي:
«فعسى ان يكسوا الإله سين، ماتع – ايلو وأبناءه وموظفيه وشعب بلاده بالجذام كالرداء يغطي أجسامهم فيهيموا على أوجههم في العراء وعسى أن لايرحمهم»50.
الخاتمة والاستنتاج
إذا صرفنا النظر عن أهمية النصوص الأدبية في حد ذاتها بوصفها سجلا للحوادث والكوارث التي قضت على الجنس البشري كله على وجه التقريب. فإنها من جانب آخر لا تزال تستحق الدراسة لاحتوائها على سؤال عام يناقشه الانثروبولجيون مناقشة جادة تستحق الدراسة.
والسؤال هو، كيف يمكننا أن نفسر أوجه التشابهات الكثيرة والقوية بين معتقدات الأجناس المختلفة وعاداتها التي تسكن في بقاع مختلفة ومتفرقة ومتباعدة في أنحاء العالم؟
فهل يرجع ذلك التشابه إلى انتقال المعتقدات والعادات من جنس إلى جنس بشري آخر، عن طريق الاتصال المباشر فيما بينهم أم عن طريق الاتصال غير المباشر، أو ربما أن هذه المؤثرات والمعتقدات المتشابهة نشأت مستقلة عند كثير من الأجناس، نتيجة تماثل الفكر البشري في ظروف فكرية متشابهة ؟.
والرأي الذي نعتقد به أن كلا الوجهتين قد عملت بقوة، وعلى نطاق واسع لإيجاد هذا التشابه الملحوظ بين عادات الأجناس البشرية المختلفة وتقاليدها، وبتعبير آخر نقول «إن كثيرا من وجوه التشابه يمكن أن تفسر من هذه المؤثرات والمعتقدات مع تغيّر اثناء النقل، أو من المحتمل أن وجوه التشابهات هذه يمكن أن تفسر بأنها نشأت مستقلة نتيجة لتماثل حركة التفكير في العقل البشري».
ومهما تكن النتيجة التي يمكن أن نتوقعها فان المغزى الحقيقي، هو أن الانسان القديم وان قطعّت بين أماكن استيطانه الصحاري والبحار فان عمق الترابط والحوار الثقافي لابد أن يطوي كل هذه المسافات لتحل الألفة والوئام محل التناحر والخصام في حوار جاد وصريح يعيد للأذهان ما كان عليه الأجداد من حس ثقافي متلهف لمعرفة القصص والبطولات مستمدين منها العزم، نحو غد ومستقبل أفضل وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا التلاحم في البناء الثقافي والحضاري والذي حاولنا أن نجسده في ورقتنا هذه في زمن ولى وانتهى بيد أن عبقه لا يزال حاضرا ومحفورا في ذاكرة الأجيال.
الهوامش
1. يوري، كبيشانف، الحضارات الإفريقية: التشكل والنموّ- إفريقيا: التراث الثقافي والعصر، موسكو، 1985م، ترجمة، نوفل عليّ نيوف، مجلة طلية الدعوة الإسلامية، عدد8، 1991م، طرابلس، ليبيا.
2. الدباغ، تقي، الفكر الديني القديم، ط1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1992، ص264.
3. هاري ساكز، قوة آشور، ترجمة عامر سليمان، منشورات مجمع العلمي العراقي، بغداد، 1999، ص396.
4. سليمان، عامر، العراق في التاريخ القديم – موجز التاريخ الحضاري ، الجزء التاني، دار الكتب للطباعة والنشر ، الموصل، 1993، ص 394 - 395 .
5. علي، فاضل عبدالواحد، الادب، حضارة العراق، ج1، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1985، ص324.
6. التُركي، قصي منصور عبدالكريم، جوانب من الجذور الحضارية لاساطير بلاد الرافدين وأثرها في الثقافة الافريقية القديمة، مجلة دراسات تاريخية، العدد الاول، مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلمية، الجزائر، ديسمبر، 2013، ص26.
7. سليمان، عامر، العراق في التاريخ القديم، مصدر سابق، ص 394 - 395
8. عيسى، محمد علي، الجذور التاريخية لسكان المغرب الق، دار الاصالة والمعاصرة، بنغازي- ليبيا،2009، ص53.
9. محفوظ، عصام، الرمز فى القناع الأفريقى، نوفمبر 2008، موقع رؤى تشكيلية، على الرابط التالي:
- http://essammahfouz.maktoobblog.com
10. لمزيد من المعلومات حول معتقدات إنسان بلاد الرافدين في عصور ما قبل التاريخ وكيف نشأ الدين ينظر: رشيد، فوزي، الديانة، حضارة العراق، ج2، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد، 1985.
11. الهيتي، قصي منصور عبدالكريم، عبادة الاله سين (اله القمر) في حضارة بلاد الرافدين، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ، قسم الاثار، 1995، ص48.
12. السير جيمس فريزر، الفلكلور في العهد القديم، مصدر سابق ، ص 55.
13. نفس المصدر والصفحة.
14. Langdon S, Babylonian Menologies and the Semitic Calendars, London, 1935, p.80.
15. قصي منصور عبدالكريم الهيتي ، مصدر سابق، ص ص 74 - 77.
16. The Chicago Assyrian Dictionary, Chicago, 1956 ff (=CAD), E, p.373.
17. السير جيمس فريزر، الفلكلور في العهد القديم، ترجمة نبيلة ابراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1972، ص40.
18. مصطفى والزيات، ابراهيم واحمد حسن، مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ، جـ2 طهران ، ب ت، ص58.
19. ابن منظور، ابي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب ، م13 ، ط3 ، بيروت، 1994م ، ص270.
20. السير جيمس فريزر ، الفلكلور في العهد القديم، مصدر سابق ، ص54.
21. للاطلاع على معلومات وافيه حول موضوع خلق الانسان من مادة الطين، يمكن مراجعة اطروحة الماجستير للباحثة وسناء حسون يونس حسن الاغا، في فصلها الاول، والمعنونه «الطين في حضارة بلاد الرافدين» والمقدمة إلى مجلس كلية الآداب في جامعة الموصل، في اختصاص التاريخ القديم، الموصل 2004، والتي استفدنا منها كثيرا ونقلنا عنها الكثير من المعلومات الواردة حول الموضوع كما استخدمنا مصادرها التي تناولتها الباحثة المذكور بدقة وامعان.
22. الدباغ، تقي، الفكر الديني القديم، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1992، ص27 .
23. Langdon S, The Babylonian Epic of Creation, Oxford, 1923.
24. باقر، طه وبشير، فرنسيس، الخليقة واصل الوجود، مجلة سومر، م5، جـ1،1949، ص6.
25. كريمر، صمويل نوح، الاساطير السومرية ، ترجمة يوسف داؤد عبد القادر ، بغداد، 1971، ص114.
26. كنيت، هاوكنز، مواجهة الاعتراضات في المرشد إلى الكتاب المقدس، بيروت،1966،ص45.
27. العهد القديم ، سفر التكوين 2: 37، ص 30 .
28. نخبة من الاساتذة ، معجم اللاهوت الكتابي ، ط2 ، بيروت-1988، ص 25 .
29. محمد قاسم محمد ، التناقض في تورايخ واحداث التوراة من ادم حتى سبي بابل ، قطر، 1992، ص5.
30. سليمان، عامر، من القران الكريم الى النصوص المسمارية، مجلة المجمع العلمي العراقي، جـ1، م45، بغداد، 1998، ص37.
31. سورة الانعام : آية 2 .
32. 32 - سورة المؤمنون : آية 12 .
33. سورة السجدة : آية 7 .
34. سورة الصافات : آية 11 .
35. سليمان، عامر، من القران الكريم الى النصوص المسمارية، مصدر سابق، ص 36 .
36. السير جيمس فريزر، الفلكلور في العهد القديم، مصدر سابق، ص202-203.
37. نفس المصدر، ص204.
38. علي، فاضل عبدالواحد، الطوفان، جامعة بغداد، 1975، ص 84.
39. نفس المصدر، ص 87.
40. نفس المصدر، ص 94 - 96
41. السير جيمس فريزر، الفلكلور في العهد القديم، مصدر سابق، ص95.
42. دبش، احمد،عورة نوح ولعنه كنعان وتلفيق الاصول، ط1، دار خطوات، دمشق،2007، ص64.
43. عامر سليمان، من القرآن الكريم، مصدر سابق، ص36 - 37.
44. اقوام يرجح انهم استوطنوا في شمال بلاد الرافدين منذ الالف الثالث قبل الميلاد، وقد قويت شوكتهم مع عصرهم الحديث في الالف الاول قبل الميلا، للمزيد ينظر: طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1، دار البيان، بغداد، 1973، ص 230.
45. سير جيمس فريزر، الغصن الذهبي ـ دراسة في السحر والدين، النسخة الانجليزية، ط1، 1922، الترجمة العربية العامة، بإشراف الدكتور احمد أبو زيد، ط2، ج1، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1998، ص239.
46. نفس المصدر، ص 240.
47. نفس المصدر، ص 241.
48. من الجدير بالذكر أن هناك معاهدة اقدم من هذه المعاهدة قد دونت في القرن التاسع قبل الميلاد بين الملك الآشوري «شمشي ادد الخامس» والملك البابلي « مردوخ زاكر شومي» الا أن معظم ما بقي مدونا على رقيم المعاهدة تالف مع الأسف ولايمكن أن نفهم منه نص المعاهدة أو بنودها، لمعرفة المزيد انظر: شعلان كامل اسماعيل ، العلاقات الدولية في العصور العراقية القديمة، رسالة ماجستير غير منورة مقدمة الى مجلس كلية الاداب بجامعة الموصل ، 1990 ، ص ص 181 - 183.
49. سير جيمس فريزر، الغصن الذهبي، مصدر سابق، ص 242.
50. سليمان، عامر، العراق في التاريخ، مصدر سابق، ص 69.
الصور
1. http://i.huffpost.com/gen/3822306/thumbs/o-BABIL-HISTORY-570.jpg?2
2. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%B4%D8%AA%D8%A7%D8%B1#/media/%D9%85%D9%84%D9%81:Queen_of_the_Night_(Babylon).jpg
3. https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/a/ab/Human-headed_Winged_Bulls_Gate_-_Louvre.jpg
4. https://66.media.tumblr.com/tumblr_lc1mx2P2xj1qbz35lo1_400.jpg
5. https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/f/f9/Standard_of_Ur_-_War.jpg
6. https://img.alayam.com/upload/net/INAF_20180224143725414.jpg?maxwidth=1200quality=100&404=d
7. https://www.almrsal.com/wp-content/uploads/2017/10/%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A9-%D8%AC%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B4.jpg