ملامح الأعراف القبلية عند بدو الصحراء الغربية المصرية
العدد 10 - عادات وتقاليد
تدخل التاريخ المشترك لبدو الصحراء الغربية المصرية وجغرافية المكان في تحديد ملامح البناء الاجتماعي والواقع الثقافي الذي تتشكل به قبائل الصحراء الغربية، فهم أصحاب ذلك التاريخ والمشاركون فيه بأدوار مختلفة. تلك الأدوار التي حددت فيما بعد مدى أحقية كل قبيلة في صياغة الأسس والقواعد التي تحكم العلاقات المتداخلة بين الأفراد والقبائل. وأصبح لكل قبيلة – بعد تجاوز سنوات الحرب والمناوشات فيما بينهم وبين أبناء عمومتهم قبائل «الحرابي» الليبية – دور حفظ لها تتولى مسئوليته تحرص على إتمامه منذ بداية الاستقرار في هذه البقعة وحتى الآن.
فقد كان لقبائل أولاد علي الأحمر وأولاد علي الأبيض وإخوتهم أو أبناء عمومتهم السننة، كان لهم الحق في تحديد صيغ العلاقات التي يجب أن تتشكل بين أفراد مجتمعهم الجديد في بيئتهم الجديدة، تلك القوانين العرفية المنظمة لحياة البدو في الصحراء الغربية التي أطلق عليها «عوايد أولاد علي» ، والتي احتوت على كثير من القواعد الحاكمة لتصرفات البشر وخلافاتهم في أمور حياتية هامة، تلك القواعد التي ارتضت بها وقبلتها ووافقت على الانصياع لها والرضا بمحدداتها كثير من القبائل البدوية التي تقطن الصحراء الغربية المصرية، كما ارتضت بها قبيلة الجميعات التي سبقت أولاد علي في الاستيطان في تلك الصحراء، ويعود ذلك إلى مؤازرة قبائل أولاد علي لقبيلة الجميعات في حربهم مع قبيلة الهنادي، وهو الأمر الذي عزز القناعة والرضا بزعامة أولاد علي من واقع قدراتهم المتفوقة في أمور الحروب. وهو الأمر الذي يسمح لهم بتحديد القواعد الحاكمة للعلاقات بين الأفراد والقبائل.
كما ارتضت قبائل المرابطين التي توافدت إلى الصحراء الغربية المصرية للحاق بقبائل أولاد علي بعد نزوحهم الإجباري من إقليم برقة بليبيا عام 1670 م عقب الحروب التي خاضوها مع قبائل الحرابي الليبية. وقبائل المرابطين قبائل مسالمة ليس لها في أمورالحرب والنزال، لذا اعتادت الحياة المسالمة بجوار قبائل أولاد علي القادرة على تلك الأمور وارتضت في ذات الوقت القواعد العرفية التي نظمتها وأسست لوجودها قبائل أولاد علي، تبعاً لما هو شائع بين أفراد المنطقة وقبائلها أن من ليس لديه القدرة على النزال ليس لديه الحق في تثبيت القواعد ووضع الأسس المنظمة للعلاقات بين الأفراد والجماعات. وهو ما دفعهم إلى القناعة والرضا والقبول بعوايد أولاد علي من حيث كونها الأنسب والأوفق لمنطق حياة الصحراء التي يحيونها.
كذلك فإن جغرافية المكان الصحراوي المتسع دعا القبائل إلى نشاط اقتصادي يقوم في الأساس على رعي الإبل والأغنام، وهذا النوع من النشاط يتطلب الحماية المتبادلة بين الأفراد وممتلكاتهم وهو ما يدعو إلى التماسك الاجتماعي بحيث تغيب مصالح الفرد في مصالح الجماعة، إذ أن الحاجة إلى الآخر وإلى الجماعة حاجة ملحة في المجتمعات الصحراوية الرعوية، وذلك لدرء أخطار تعارض المصالح الذاتية التي تقوض روح الجماعة وتأتي على تكاتفها، وهو ما تعززه في كثير من الأحيان العصبية القبلية التي يمكن أن تؤدي إلى الحروب وهلاك القبائل المتحاربة. وهو الأمر الذي دفع بالقبائل في الصحراء الغربية المصرية للانصياع لأعراف تنهي الخلافات وتحل المشكلات ليتكاتف الجميع ضد أخطار الصحراء سعياً لجلب خيرها ودرء شرورها.
نضيف إلى ذلك عدم إمكانية اعتماد القبائل البدوية اعتماداً كلياً على السلطة المركزية في تثبيت الأمن والأمان بين القبائل، بسبب اتساع الرقعة وصعوبة التوغل في الصحراء. كان كل هذا سبباً قوياً دافعاً إلى الأحكام العرفية التي تحددها «عوايد أولاد علي» التي تعمل على صد أذى الخلافات القبلية والتجاوزات الفردية، فتؤسس لمجالات التلاقي من واقع التزام الفرد والقبيلة بتنفيذ ما يصدر من أحكام.
تختص قبائل بعينها في النظر في أمور الخلاف واستصدار الحكم المناسب، ويأتي هذا التخصص من واقع اشتغال تلك القبائل وخبرة أفرادها في الموضوعات المتنازع عليها ومعرفتهم الدقيقة بكل ما يتعلق بأمر الخلاف، ومن هنا تأتي القدرة على التعرض للحكم فيه، حيث أن أصحاب الزراعات والمزارع هم الأقدر على التحكيم في أمور تخص الخلاف حولها. يختار من بين أفراد القبيلة المتخصصة بعض الذين يمتلكون قدرات خاصة وإمكانات شخصية تضمن حكمتهم في تحليل موضوع الخلاف وصياغة قرار الحكم. كما أن لأصحاب الأراضي نفس القدر من أهمية توليهم لمسئولية التحكيم في القضايا التي تتعلق بهذا النوع من المنازعات. ومربو الإبل والأغنام هم أيضاً محكمو الخلاف حولها. كما اختصت قبائل محددة ونبغ بعض أفرادها في التحقيق والحكم وتحديد التعويض المناسب لحالات القتال بين الأفراد الذي قد يؤدي إلى كسر أو عاهة.
هذا التخصص الذي أصبح ميراثاً تختص به قبائل بعينها تفهم موضوع النزاع وتحكم فيه بما أصبح لديها من خبرة الممارسة عبر مئات السنين، جعل الوثوق في قرار محكميها دافعاً نحو رضا وقناعة المتنازعين بالحكم الصادر مما يؤثر بالإيجاب على استتباب الأمن بين القبائل والفروع.
كذلك فإن اعتراف أجهزة الشرطة بقدرة الأعراف المتوارثة على حل المنازعات قدرة تتفوق على القوانين الوضعية، ويأتي ذلك من واقع خبرة المحكمين وقناعة المتنازعين بنزاهة المحكمين الذين يختارونهم بأنفسهم، إذ تؤدي حرية الاختيار إلى القبول غير المتردد للقرار الصادر.
نضيف إلى ذلك حرص القبائل البدوية بالصحراء الغربية على الحل السلمي للمشكلات وهو ما يدعوهم إلى دفع المتنازعين منهم نحو اللجوء إلى الأعراف، والالتزام بما يصدر عنها من قرارات، حتى لا يؤدي الخلاف بين الأفراد إلى دخول القبائل في دائرة الاختلاف والتحيز للمتنازع منها، وهو ما قد يدعو القبائل أو الفروع إلى حروب هم الأحرص على تجاوزها، الأمر الذي يدعو كل قبيلة إلى دفع المتخاصم منها لقبول محكم في مجال خصومته للحكم فيما بينه وبين خصمه.
إن حرية اختيار المحكم والرضا التام عنه، سواء أكان هو نفس المحكم الذي طالب به الخصم أو محكم آخر يرتضيه المتخاصمان ويوافقان على تداوله للقضية تدعوهما تلك الحرية دعوة حقيقية نحو قبول الحكم الصادر عنه. ويشير الإخباريون في منطقة البحث إلى مزيد من الحرية في قبول الحكم إذ أنه في حالة عدم موافقة أحد أطراف النزاع على الحكم الصادر، يحق له إعادة عرض الموضوع على محكم جديد يختاره بنفسه ويوافق عليه الخصم.
سنسعى فيما يلي إلى استعراض بعض الأعراف القبلية عند بدو الصحراء الغربية والتي تعمل على عدم تفاقم الخلافات الفردية والجماعية لتمنع الصدامات والحروب القبلية.
أولاً: قضايا الإتلاف
كثيرا ما يحدث إتلاف من قبل شخص ما أو ما يملكه أو من هو مسئول عنه، لما يخص شخصا آخر، وفي هذه الحالة يكون أسلوب التحكيم في هذه الواقعة متفقاً مع رد فعل المتهم بالإتلاف، إذ أنه في حالة اعترافه بمسئوليته عن الإتلاف سواء كان هذا الإتلاف صادرا منه شخصياً دون قصد، أو نتج عن أمر خارج عن إرادته أو نتج عمّا يملك من ماشية أو إبل أو أغنام، أو كان مصدره أحد صغاره المسئول عنهم. في حالة الاعتراف هذه يتفق الطرفان على موعد محدد يسمى «ميعاد تقدير» يأتي «مقدر» معروف لدى المتخاصمين والمنطقة كلها بفهمه ومعرفته لتقدير التلف في الموضوع المتخاصم عليه.
ويقول محمد الفقية فقيه النجيلة أن «المقدر» يكون « اطرفي» بمعنى أنه لا يكون منتميا لأحد المتخاصمين، ولابد وأن يوافق عليه الطرفان «اللي يديره علينا فلان ماشي»، يأتي إليه الطرفان ليقدر لهما قدر التلف وما يساويه، ويكتب عليهما ورقة تتضمن موافقتهما المبدئية على تقديره «اللي نديره عليكما ماشي بما عرفني الله» ويختم كلاهما على الورقة ويقضي بينهما بمقدار الضرر محولا إلى نقود.. ويقول أن هذا المقدر لابد أن يكون متخصصا في المجال الذي «يقدر فيه» «الزراعة لها ناس» و «الخلاف على الأراضي لها ناس»و»الإبل والغنم لهم ناس». ويضيف أن «أغلب الناس أولاد علي الأحرار ميخدوش فلوس»ويتركوا الأمر إلى الأيام التي ربما يحدث أن يتلف صاحب الحق شيئا ما مساويا لما أتلفه المحكوم عليه بهذا المبلغ «يمكن الغنم بتاعتي تيجي لزرعك وتتلفه»ولهذا فكما يقول أن المقدر يكتب ورقة بالتلف ومقداره المستحق وكتب فيها «علي عازة الأيام والليالي»1 وهذه الجملة تفيد أن مقدار التلف لم يسدد تحسبا للأيام والليالي التي ربما تجعل صاحب الحق في مستقبل الأيام هو الذي يطلب منه الحق. كما يضيف أن صاحب الحق يريد وفقط أن يثبت حقه «يريد يثبت حقه أنه هنا وخلاص» وفي حالة عدم اعتراف المدعى عليه بالإتلاف، إنه لم يفعل هذا ولم يتسبب في الإتلاف هنا يكون الاختلاف، وفي هذه الحالة أيضا يتفق الطرفان على موعد يسمى «ميعادا» هذا الميعاد يكمل مسماه بالموضوع الذي يعقد من أجله فيقال مثلا «ميعاد زرع» إذا كان الخلاف عليه، أو «ميعاد أرض»أو ميعاد للبل «أي ميعاد الإبل وهكذا .. ويحدد ذلك الموعد وغالبا ما يكون عند المحكم المرضي عنه من قبل الطرفين، وفي حالة اختلاف الطرفين على المحكم كما يقول الشيخ عبد اللطيف عبد الملك2 يرتضي كل منهما بمحكم، ليتفقوا في النهاية على الحكم، وفي حالة وصول النزاع إلى قسم البوليس يكون المأموركما يقول محكما ثالثا يعزز رأي أحدهما. وفي «الميعاد» الموعد المحدد، يحاول كلا الطرفين إثبات أحقيته، فالمدعي يحاول إثبات ادعائه، معززا ما يقول بالحجج والبراهين، وكذلك الشهود في حالة توفرهم ، وكذلك يدفع المدعى عليه التهمة المنسوبة إليه بنفس الأسلوب. والمحكمون لديهم القدرة على الاستنتاج والوقوف على الحقائق، فإذا ثبتت الإدانة والإتلاف يحدد «ميعاد تقدير»حيث يقوم المقدر بتحديد مقدار التلف.
ثانيا: قضايا السرقة
اذا اتهم رجل رجلا آخر بسرقة شيء ما يخصه، وبالقطع لا يعترف المدعي عليه بالفعلة، لأنها عيب خطير في نظر الجماعة ، وبالطبع يكون الفعل في الخفاء إذا كان قد تم بالفعل، على أيه حال فالمدعى عليه ينفي عن نفسه التهمة المنسوبة اليه، ولهذا يتفق المدعي والمدعى عليه على موعد «ميعاد» محدد و محكمين محددين أيضا متخصصين في مثل هذا النوع من القضايا، ويتقابل الطرفان في الموعد ، ويدفع كل منهما بإثباتاته لتأكيد وقوع السرقة من جانب المدعى عليه، وينفي المدعى عليه التهمة بكل ما لديه من وقائع تثبت ذلك.. وإذا بات على السارق أنه فاعلها، أي ثبتت التهمة عليه من خلال شهادة الشهود، أو سبل الإثبات المختلفة، هنا يكون الحكم عليه بأن يدفع للمدعي أربعة أمثال نوع المسروق المتنازع عليه، أي إذا كان الاتهام يخص سرقة جمل مثلا وثبت الاتهام، على المتهم جزاء ما اقترفه أن يعوض المسروق منه بأربعة جمال3.
وهذا الجزاء الرادع من قبل عوايد أولاد علي تجبر كل من تسول له نفسه الشروع في تلك الفعلة، أن يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على ذلك الأمر، ويرجع هذا الشكل من العقاب إلى توقع المقنن لتلك الأعراف حدوث ـ مثل ذلك النوع من السرقات حيث تمتد الصحراء الغربية، وعلى هذا الامتداد تنتشر مراعي الإبل والغنم والماعز، وهذا النوع من النشاط الاقتصادي بما يتبعه من ظروف أمنية غاية في الضآلة، حيث يقوم على رعي أعداد هائلة من تلك الأنواع، راع واحد.
وليس وجوده للقيام بتلك المهمة يفرض عليه الحماية من السرقة بل يقتصر دوره على التوجيه إلى مناطق المراعي ومصادر المياه بما يكفل لتلك الحيوانات المأكل والمشرب، وليس معنى هذا أنه غير مسؤول عنهم ولكن مجمل القول هنا أن التشديد في العقاب في حالة السرقة نتيجة لحرص المجتمع البدوي على حياة السلم بين آهالي الصحراء الغربية، حيث أن نشاطهم يتجه في الأساس نحو الرعي الذي يفرض على كافة الأفراد والجماعات الحماية المتبادلة لأموال الغير، والتي لا يتوفر لها الحماية الفردية المناسبة من قبل أصحابها، لهذا كان الحرص على هذا النوع من العقاب الرادع في حالة ثبوت السرقة «السرقة المربعة».
وفي حال إنكار المدعى عليه، عليه أن يحلف ويبرئ نفسه مما نسب إليه من اتهام... وهنا يكتب ورقة «بميعاد حلف» «تم الاتفاق بأن يحلف فلان الفلاني يوم الجمعة في مقام الشيخ الفلاني»4 وكما يقول الشيخ عبد اللطيف أن الحلف في القديم كان لابد أن يكون في مقام أحد الشيوخ، أما الآن فأصبح يُكتفى بالمصحف... ولا يزال يوم الجمعة هو اليوم المحدد لحلف المدعى عليه، ويصلح يوم الجمعة كله من مشرق الشمس حتى مغربها للحلف، ويتفق الطرفان على وقت محدد من يوم الجمعة للالتقاء في المكان المحدد، سواء أكان في ضريح الشيخ الذي غالبا ما يكون قريبا من منطقة المتنازعين، أو في مكان ما يختاره المتخاصمان للحلف على المصحف.
وفي حالة الاتفاق على الحلف يختار صاحب الدعوى أربعة أشخاص من أقارب المدعى عليه ليعززوا حلفه أو يزكوه5 . في حالة عدم وجود دليل على السارق، يقول « عبد الملك»يحلف المتهم على المصحف والله والله والله وكتاب الله ومقام هذا الشيخ أنا ما سرقت الجمل، ثم يحلف من خلف حلفانه أربعة من أقاربه، يختارهم صاحب الجمل المسروق عمه وخاله وأبوه وأخوه مثلا، يحلفوا على كتاب الله أن فلان لم يقل إلا الصح، تغير هذا الشكل كثيرا ، الناس ما عدتش تروح الشيخ تكتفي بالمصحف»6 وإذا غاب المتهم عن الموعد المتفق عليه للحلف، أو غاب أحد الأربعة «الحلافة» المؤكدين على حلفانه تثبت عليه السرقة ويدفع أربعة أضعاف السرقة المتهم فيها.
وكما يقول الشيخ عبد اللطيف أن 95% من الناس لا يحلفون إلا على صدق والخمسة على الأقل لابد أن يكون أحدهم رجلاً صالحا وفي حالة امتناع أحدهم عن الحلف تثبت السرقة ويلزم السارق بالدفع المقدر بأربعة الأضعاف.
وفي حالة حلف الأربعة أشخاص المختارين من قبل المدعي بالإضافة إلى المدعى عليه، لا يحق للمتهم المطالبة بأية حقوق من المدعي، ويكتفي ببراءته مما نسب إليه من اتهام.
وهذا النوع من الحلف الذي يجعل المدعي واثقاً كل الوثوق من صدق «الحلافة» الذين اختارهم بنفسه لتزكية المتهم حال حلفه، ذلك الحق المكتسب لدى المدعي في اختيار الحلافة يضيف إلى مساحة الوثوق في حلف خصمه وبراءته مما نسبه إليه، الأمر الذي يجعله راضيا تماما عما ينتهي إليه أمر دعواه.. وهذا يؤثر في صفاء النفوس تجاه بعضها البعض، الأمر الذي تحرص عليه «عوايد أولاد علي» كل الحرص ليعيش ذلك المجتمع في ترابط يدفع بهم نحو الهدف الواحد من خلال المصير المشترك.
ثالثا : قضايا الاعتداء الشخصي
في حالة اعتداء شخص ما على آخر. ليس هناك بديل للمعتدي سوى الاعتذار عن اعتدائه، وفي هذه الحالة لا يصح تحديد ميعاد للحكم في التخاصم بين المتخاصمين، كما سبق أن ذكرنا في حالات الاختلافات على أرض أو زرع أو إبل. أو غيرها من الموضوعات التي يحتمل إنهاء خصوماتها، من خلال محكمين لهم باع في مجال الخصومة، يمكنهم من التعرض لها بالتحليل لإظهار الحقوق لمستحقيها. لكن «عوايد أولاد علي»قد خصت الإنسان بخصوصية تضعه في موقع يختلف كل الاختلاف عن كافة الكائنات والزروع المملوكة له، ولذا فقد حددت أشكالاً مختلفة من التوفيق بين المتخاصمين من خلال اعتداء أحدهم على آخر. وهنا تلزم «العوايد» المعتدي بالاعتراف السريع بخطئه ويذهب إلى المعتدي عليه في بيته ليعبر له عن ذلك. «ولابد أن يذهب إلى المعتدي عليه يصالحه، يأخذ ناسه وراس أو راسين غنم ويروح يصالحه في بيته وإن لم يذهب تبقى حرب» وهو الأمر الذي تحرص قبيلة المعتدى عليه على عدم حدوثه بسبب أحد أفرادها، ولذلك تدفع قبيلة المعتدي دفعا نحو تحقيق ذلك الصلح من خلال هذا الشكل الذي لا يجد بالقطع إلا كل ترحاب من المعتدى عليه وأهله.
وإذا كان هذا الاعتداء بالضرب قد أدى إلى إصابات يلجأ المعتدي والمعتدي عليه إلى «النظار» الذي يحدد الإصابة وقيمتها.
و»النظار» رجل متخصص في تلك الأمور من التقدير، فهو يستطيع تحديد خطورة الكسر في الساق أو الذراع مثلا وتحتفظ بعض القبائل لبعض أفرادها بتوارث مهارات «النظارة. غير أن بعض الأفراد يسعون لامتلاك قدرات التقدير في مثل تلك الحالات من خلال قدرات ومهارات شخصية دونما ميراث يدعوهم إلى التقدير.
ويذهب المعتدى عليه إلى «النظار»أو يؤتى به لتقدير الإصابة ويكتب «النظار»ورقة تفيد معاينته للشخص المصاب بأنه قد حضر إليه المصاب الفلاني أو حضر هو بنفسه إليه ويحدد فيها نوع إصابته ومدى خطورتها وبالمعاينة فإن إصابته تستحق مبلغا وقدره «كذا»جنيه، ويوقع عليها، وهنا يلتزم المعتدي بدفع ما قدره «النظار» ويكتب ورقة مخالصة «الإصابة في فلان الفلاني قدرها فلان الفلاني وقدرها «كذا» وقمت بدفعها وأصبحنا متخالصين» ويوقع المعتدي والمعتدى عليه والشهود، وإذا تنازل المعتدى عليه عن القيمة المقدرة لإصابته، يكتب تنازلاً بذلك «لعوزة الأيام والليالي»وتعني أن يبقى هذا سلفا ودينا فربما يحدث العكس في يوم من الأيام.
وفي أغلب تلك الحالات يترك المصاب المال المقدر نظير إصابته «ويقول متروك لك، مسموح لك المال ده يا عمي، ويسمي هذا التعويض «دمه»، الراجل الممتاز لا يأخذ «دمه»والبعض القليل يوافق على أخذ الدية المقدرة».
وكما أسلفنا فإن اعتداء إنسان على إنسان تميز بوضع خاص في «عوايد أولاد علي» بقدر ما للإنسان من تميز يتفوق به على كافة الكائنات المعاونة له في حياته فجميعها إنما خلقت له ومن أجله وتحت سيطرته لتساعده على الاستقرار والاستمرار في تلك البقعة من بقاع الأرض، وكان ذلك دافعا لتمييز الإنسان في حال تعرضه للضرر والإصابة، هنا لا تستطيع كافة أنواع التحكيم أن تعيد للمعتدى عليه حقه إلا الاعتذار والاعتراف بالخطأ من قبل من أخطأ.
رابعاً: قضايا القتل
يشير الإخباريون بأن قضايا القتل تحدث في أغلب الأحيان عن طريق الخطإ أي دون سبق إصرار وترصد «القتل العمد عندنا قليل جدا».
وفي هذه الحالة لابد وأن تحدث «النزالة»، والنزالة تعني أن يعترف القاتل وكل قبيلته بهذه الفعلة من خلاله النزوح المباشر من مكان إقامتهم، إلى ديار إحدى القبائل التي لها حق النزالة، أي التي لها الحق في أن تنزل قبيلة القتيل عليها لتحتمي فيها.
وليست كافة القبائل في المنطقة من حقها النزالة كما يقول الشيخ سعيد فرج رسلان من النجيلة ويؤكد على ذلك كافة الإخباريين، حيث أن هذه القبائل صاحبة الحق في الحماية «النزالة»قد انفردت بذلك الحق بخصائص مميزة تمثلت في القدرة على النزال والحرب التي أظهرتها تلك القبائل في زمن الحرب مع قبائل «الحرابي الليبية» ومنذ تلك الأيام قد اكتسبت بعض القبائل الحق في النزالة دون سواهم من القبائل الأخرى، ذلك الحق الذي بقي لهم وحتى الآن رغم أن بعض تلك القبائل تدخل الزمن في تغيير كثير من ملامحها، إذ أن الاحتفاظ بهذا الحق لم يتغير عن كافة القبائل التي اكتسبته نظراً لما أظهرته من شجاعة وإقدام أيام الحرب، وكأن ذلك الحق بات وساما تحتفظ به تلك القبائل دليل شجاعتها الأولى «القبائل القوية هي التي كانت لها النزالة ولا تزال مستمرة في أخذ هذا الحق رغم التغيير الذي حصل لها واختلاف ميزان القوى بين القبائل». «بعض القبائل كانت تبارز تسمى «السعادي» أو «السعداوية» والبعض الذي لم يكن يقوم بهذا الدور يسمى «مرابط»والمرابطون مسالمون وليس لهم الحق في النزالة.
وهناك فقط ثلاث قبائل من المرابطين لهم حق النزالة، هم قبائل «الصوالح»لأن أجدادهم قد ساهموا في أمور الحرب والنزال، ولذا فقد اكتسبوا حق النزالة كغيرهم من قبائل أولاد علي والسننه. وسميت هذه القبائل الصوالح نسبة إلى أجدادهم الذين كان اسم كل منهم صالح الصليحي، وصالح المريري، وصالح الفلاتي السمالوسي.
ويشير الإخباريون في مجتمع الدراسة إلى أن قبائل المرابطين كان لهم دور يتناسب مع نسبهم الديني إذ ينتسبون إلى نسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك الانتساب جعل دورهم في حياة الصحراء يتيح لهم الريادة في مجال الدين وإقامة الشعائر، ولذا فلقد وزعت الأدوار حسب الدور الذي لعبته كل قبيلة أيام الحرب والمعارك واستمر كل يقوم بدوره في أيام السلم.
«المساعدين هم الحماة والحراس والمرابطين ناس مسالمين وطيبين شيوخ يدخلوا بيك المسجد ويعلموك الدين لكن ما يارزوش»7.
وحال حدوث جريمة، تتجه بعض القبائل صاحبة الحق في النزالة حيث قبيلة القتيل، تستأذن كلا منهم قبول نزالتها أي أن كلا منهم يطلب من قبيلة القتيل التدخل للمساهمة في حل النزاع من خلال رضا قبيلة القتيل عن رحيل قبيلة القاتل إلى حيث ديار إحدى القبائل صاحبة الحق في النزول عليها.
«أصحاب النزالة هم اللي يسعون لتقريب وجهات النظر بين القبيلتين حتي تختار قبيلة القتيل واحدة منها للنزالة، في العادة أولا كانت تشيل القبيلة اللي منها القاتل تلاثة مراحل على الجمال، من الصبح وحتي العصر، وتبيت وتشيل من الصبح وحتى العصر، وتبيت وتشيل من الصبح وحتى العصر، يعني لابد أن تبعد عن القبيلة التي قتلت منها مسافة تقدر بمسيرة ثلاثة أيام مبحر، مشرق مغرب، أي اتجاه، وفي حالة هذا السير تعتبر هذه القبيلة راغبة في السلام، وفي حالة عدم مبادرتها بالتحرك تكون بذلك قد أعلنت الحرب».
والمقصود بهذا السير التباعد بين القبيلتين حتي لا يحدث أي نوع من الاحتكاك، الذي يؤدي إلى سلسلة من القتال والقتل.
ويقول الشيخ عبد اللطيف عبد المالك « بعد أن يحدث القتل يعود القاتل إلى هل بيته ويعلمهم بما حدث.. يجتمعوا ويمشوا إلى قبيلة أخرى بعيدة ويقصوا لهم حدث واحنا جايين في حماية الله وحماتكم وتولوا أنتم الموضوع».. ويذهب شيوخ القبائل صاحبة الحق في النزالة ليعرضوا على أهل القتيل الموقف ويطلبوا منهم الموافقة على نزول القاتل وأهله عليهم.
موافقة قبيلة القتيل على نزالة إحدى القبائل أمر لابد منه إذ أن القبيلة التي تتولى النزالة، هي نفسها التي تسعى إلى الصلح بين القبيلتين، ولذا فلابد أن ترضاها قبيلة القتيل لتقوم بتلك الوساطة.
وفي حالة موافقة قبيلة القتيل على قبيلة بعينها لتقوم بهذا الدور، تنتقل قبيلة القاتل برمتها بيوتها وخيامها وأغنامها وأولادها وكل ماتملك، لتعيش جوار القبيلة الموافق على نزالتها لمدة لم تكن تقل بأي حال من الأحوال عن العام الكامل ( 12 شهر) وأيضا لا تزيد. أما الآن فيمكن بالاتفاق بين قبيلة القتيل والقبيلة الوسيطة ، على أن يكون الصلح أثناء هذا العام وأن تتم مداولات المصالحة في خلال 40 يوماً وتنتهي بالصلح بعد انقضاء هذه المدة ويتم ذلك في شهرين أو ثلاثة أو أربعة أشهر .
«الآن أصبح الناس عندهم رأفة، لكن أهلنا القدام كان مخهم ناشف، لازم تبقى سنة، النهاردة احنا غيرنا في حاجات كتيرة.. والآن فيه ناس ترأف بالقبيلة يقولك لا كل واحد يكون في داره وكل قبيلة تبقي مكانها إلا عدد محدد من أهل القاتل، ودائما ما يكونوا المقربين اليه أبوه وأخواته وأخواله وأعمامه، دول بس اللي يطلب نزوحهم ونزولهم على إحدى القبائل التي لديها حق النزالة، ولأهل القتيل الحق في تحديد الأفراد الذين يطلب نزوحهم».
وهذا التغيير الذي طرأ كما يقول الشيخ سعيد فرج رسلان نتج عن ارتباط القبائل بما طرأ على المنطقة من تغيرات، اذ أن التعليم يجعل الأطفال مرتبطين كل الارتباط بمدارسهم، بالإضافة إلى اشتغال بعض الأفراد في وظائف حكومية تجبرهم على الحضور اليومي لأماكن العمل، هذا الأمر الذي أدى إلى بعض التسامح في العادة ودخول بعض التغيير عليها، حتى تتوافق مع معطيات الحياة الجديدة، وحيث أن تلك المعطيات أثرت على كافة القبائل، لذا يتسلل التغيير فيؤدي إلى موافقة جماعية عليه.
وفي بعض الأحيان تكون قبيلة القاتل كبيرة العدد ، بحيث يصعب على القبيلة المنزول عليها توفير المكان الذي يستوعبها ولذلك يمكن استئذان قبيلة القتيل بالموافقة على الانتقال العكسي، بمعنى أن يختار شيخ القبيلة صاحبة النزالة بعض أفراد قبيلته، قد لا يتجاوز أربعة بيوت أو أقل أو أكثر بقليل، لينتقلوا هم إلى ديار قبيلة القاتل، ليمكثوا معها مدة النزالة، إلى أن يحين الصلح حسب الاتفاق على موعده أثناء العام، أو كما كان قديما بعد انتهاء العام، ويتم اختيار هؤلاء الأفراد حسب موافقة ظروفهم الحياتية، وارتباطاتهم المصلحية لذلك الانتقال.. وعند موافقة قبيلة القتيل على ذلك، يؤدي ذلك الانتقال نفس دور انتقال قبيلة القتيل إلى أرض قبيلة النزالة.. وحينئذ تحترم حمايتها، المتمثلة في تواجدها الرمزي من خلال أفرادها القلائل.
وتسعى القبيلة الوسيطة ( صاحبة النزالة) كل السعي أثناء مدة النزالة لتقريب وجهات النظر والاتفاق على مقدار الدية التي كانت تقدر فيما مضى بـ 100 جمل ثم قدرت بـ 400 جنيه وصلت إلى ما يقرب الـ 8000 جنيه، وتقدر الآن بما يوازي سعر الـ 100 جمل أي حوالي مليون جنيه مصري.
كذلك تعمل القبيلة الوسيطة على تنظيم العلاقة بين القبيلتين، بحيث تضمن عدم التقاء أفرادها التقاءً مباشرا سوى في أضيق الحدود، تحسبا لمواقف متهورة يمكن أن تصدر من أحد أفراد قبيلة القتيل، قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. ولذا يقسم استخدام السوق الأسبوعي بين القبيلتين، بحيث يكون استخدامه متعاقبا بينهما، أي أن لكل منهما الحق في أسبوع، فإذا استخدمت قبيلة القتيل الأسبوع الأول، فالثاني لقبيلة القاتل.
ورغم أن قبول النزالة يستدعي ويلزم بعدم التعرض لقبيلة القاتل، طالما أنهم في حمى من نزلوا عليهم، إلا أن محاولة التفرقة تلك تأتي تحسبا لتهور المتهورين كما ذكرنا.
وحتي ينهي الزمن ما لدى قبيلة القتيل من غيظ من غريمهم وقبيلته «الغيظ زي الغدير كل ما تغيب عليه ينزح»أي الغيظ كالماء كلما تركته تطاير وانتهى.
ويلتزم أهل القاتل بعدم تخطي المكان المحدد لهم أثناء نزالتهم، وعدم القيام بأعمال خارجية أثناء مدة النزالة، وكما يقول محمد الفقية: «إذا قام واحد منهم بعمل خارجي بعيد، دون أن يكون معه أحد من القبيلة التي لها الحق في النزالة في هذه الخصومة واستطاع أحد من أهل القتيل قتله فهذا معناه «إنه هو أهدر دمه»، وليس له دية وليس من حق أهله المطالبة بها، وفي حالة قبول النزالة.. ما عدوش أهل القاتل يمشوا بحرية أو يدوروا بكيفهم.. يحدد لهم أماكن علشان ما يتعدى عليهم أحد، مدام معاه نزيل ميقدرش حد يكلمه، حتى لو شافوا واحد بيدور يقولوا للمرافق، لم غنمك الغنم بتاعك بتدور من غير راعي، يعني لو ييجي دلوقت واحد سفيه من قبيلة القتيل ويقتل واحد منهم، يبقي كده النزالة فسدت وهيبقي خصام شديد، ويمكن تتطور لحالة لا تحمد عقباها، والمنزول عليه يمكن يباشر أعماله، لكن اللي هي أمانة واللي حاططها بين عينيه هي القبيلة اللي نازلة عليه، علشان يحميها، وقبيلة القتيل ما يمرسوش أعمال برانية أبدا خالص، إذا كان واحد مشي وبعدين قتل، يبقى هو اللي أهدر دمه، أهل القتيل ما يتعرضوش للحيوانات، الحيوانات إيه ذنبها بهايم خرس، مش عارفه حاجة، ولا يتعرضوش للأطفال الصغار ولا الحريم ولا كبار السن، حتي دلوقت، بعد النزالة لو واحد يجي لبيت من بيوت أهل القاتل، وجه في الليل لا يمكن يطلع له الراجل أبدا، لازم تطلع حريم، الحريم ما يتعدي عليهم أحد، ربما اللي جاي غريمه يقتله، يلقي حريم يبقى عيب إنه يتعدي على الحريم».
وكما أوضح الإخباري أن الأسس والقواعد المحددة لتلك النزالة تلزم الطرفين بمحددات لا يحق لأحدهما تجاوزها، حفاظا على العرف ذاته الذي ثبت لهم من خلال تجاربهم معه، أنه يؤدي إلى إنهاء المشكلة وحلها. كذلك تؤكد عوايد أولاد علي، على حرصها على تثبيت أخلاق المحاربين وفروسيتهم، ويتجلى ذلك في عدم التعرض للنساء والأطفال والشيوخ والحيوانات حتى ولو كانت تخص الغريم أو تمت له بصلة، وهنا يظهر التأكيد على خصال المقاتلين القدامى، أصحاب تلك الأعراف وواضعي بنودها.
أما عن طبيعة العلاقة المادية بين القبيلتين النازلة والمنزول عليها، يقول الشيخ عبد اللطيف عبد المالك «الغني منهم يصرف على الآخر لمدة النزالة، ثم يقول: إن القبائل المنزول عليها دائما تأبى أن تصرف عليها القبيلة النازلة فالشرف يمنعها من ذلك فتتقاسم مع القبيلة النازلة عليها حتى في لقمة العيش والرشف يمنعهم من الأخذ، ويضيف. وإذا كانت القبيلة التي منها القاتل كبيرة وغنية والقبيلة التي قبل النزول عليها أفقر وأقل عدد ينزل فردين أو ثلاثة أو أربعة من القبيلة صاحبة النزالة على قبيلة القتيل وفي هذه الحالة يقوم أهل القاتل بالصرف عليهم إذا رأوا أنهم يستحقون ذلك «تعطيهم».
ويقول محمد الفقية في هذه العلاقة « النازل طبعا عنده قبيلة وعنده قبايل، إذا كانت حالته ضعيفة، القبائل الأخرى بتساعده، القبايل الأخري اللي هي بينهم صلة دم أو أخوة أي القبائل اللي بينها وبين القبيلة القاتلة لعب، كل واحد يديهم مبلغ من المال، ألف جنيه، ألفين ، ثلاثة آلاف جنيه قبيلة القاتل ويساعدهم لأن إذا كانت القبيلة المنزول عليها ضعيفة لازم اللي هو نازل عليه يساعده، يديله».
ومن خلال هذا نلحظ أنه ليس هناك تحديد لنوع العلاقة المادية بين القبيلتين النازلة والمنزول عليها سوى المساعدة المتبادلة بين من يملك ومن لا يملك. وما نلحظه في حديث الشيخ عبد اللطيف أن بعض القبائل صاحبة النازلة والمتفق على نزالتها تنهج نهجا يقيها الأخذ المباشر من قبيلة القاتل، ولذا فتوفر عدد من أفرادها لقبيلة القاتل لتعيش في ديارها، هذا بالطبع بعد موافقة قبيلة القتيل، وفي تلك الحالة من العيب عدم استضافتهم وإعانتهم على أمور الحياة، خاصة وأن هؤلاء الأفراد المختارين في أغلب الأحيان إن لم يكن جميعهم غير مرتبطين في ديارهم بوسائل رزق أو كسب مباشر، أي ليس لديهم أراض أو زروع تفرض عليهم المتابعة المستمرة، كما أن ما نلحظه فيما قال محمد الفقية أن قبيلة القاتل تعد في حاجة إلى مساعدة المساعدين من القبائل القريبة التي بينهم صلة دم والتي بينها علاقة ود وهذه المساعدة توعز إلى الحال الذي ستعيشه تلك القبيلة أثناء فترة النزالة التي تستمر في أغلب الأحيان إلى حول كامل، وهذا الإيعاز يظهر بشكل خفي ما تلاقيه تلك القبيلة من أضرار نتيجة للجرم الذي أحدثه أحد أفرادها، ذلك الجرم الذي يضع أهله وعشيرته في ذلك الوضع المحاط بأسوار وحدود وهمية، لكنها قائمة في خيال الجماعة المحيطة بها، ذلك المعتقل المفتوح المغلق ليس على القاتل فقط، بل على كل قبيلته أو أهله المقربين. تلك الحدود الملزمة في حالة النزالة تتيح لأهل القتيل قدرا من الرضى والقناعة بأن مصابهم تعاقب من أجله قبيلة بأسرها، وهنا يكون الدافع للأخذ بالثأر واهنا. بالإضافة إلى حرص القبائل بأن لا تتعرض لذلك النوع من التشريد والنزوح وترك الديار والمصالح، من خلال الحرص على عدم قيام أحد أفرادها بالقتل، ويدفع أفرادها بعضهم البعض نحو ضبط النفس عند كل خلاف. ذلك المنطق العرفي في عوايد أولاد علي يتلاءم مع ما أسلفنا من حتمية الشعور الدائم بالكيان الواحد والتوحد ضد كل ما يعرض ذلك الكيان للهلاك.
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف عبد المالك أنه يمكن لفرع من القبيلة النزول على فرع آخر من نفس قبيلته، إذا وافق أهل قبيلته على ذلك فالعشيبات كما يقول، أحد عشر فرعا كل فرع مستقبل ومسؤول عن نفسه ويمكن نزول أحد الأفرع على الآخر.
أما عن دور الحكومة المتمثلة في قسم البوليس، الذي عليه التعرض لتلك المشاكل فيقول محمد الفقية: في حالة قبول قبيلة القتيل لنزالة قبيلة ما واتفاقهم على هذا ندير بينهم ورقة يوقع عليها الطرفان على أنهم قبلوا نزالة القبيلة الفلانية. الحكومة يهمها أن يتم قبول النزالة حيث أن هذا القبول يلقي عبء المشكلة برمتها على القبيلة المنزول عليها.
يوم الصلح
ويأتي هذا اليوم في اليوم المتفق عليه بين الأطراف الثلاثة المشاركة في النزاع، القاتلة والمقتول منها، والمنزول عليها. هذا اليوم الذي كان ولا يزال في كثير من الأحيان اليوم الأخير من المهلة المحددة للتداول حول المصالحة. وقبل اليوم المحدد للصلح تسعى القبيلة المنزول عليها، إلى الاتفاق مع أهل القتيل وقبيلته، على كافة نواحي الصلح، ومنها بالطبع الدية ومقدارها وكيفية دفعها، التي غالبا ما تدفع يوم الصلح، كما أجمع الإخباريون.
وقبل يوم الصلح بيوم «يبعث أهل القاتل قدر ما يستطيعون من غنم وبقر بدون تحديد، كان زمان بيودوا جمال، واحدا غني بيودي أكثر من اللازم، وواحد فقير بيجيب على قدر استطاعته، بالإضافة لرز وشاي وزيت وسمن ودقيق.. وأهل القتيل أيضا تجيب. قبيلة القاتل تجيب بيتين «خيمتين»وتنصبهم في ديار القتيل، يروح فيهم الصبايا و العيال الصغيرين والناس اللي عليهم النزالة بيروحوا يطبخوا وتخلط النساء في هذا اليوم وسط الزغاريد اللي الحريم بتزغرتها من الناحيتين».
«قبل الصلح بيوم ياخدو الهلبة 50 أو 70 أو بقر ووظابها، السكر الشاي الرز الطحين الزيت يخدوها في عربيان كان الأول «للبل» الإبل».
ويطلق الناس في مجتمع الدراسة على تلك الذبائح بما يلزم الوليمة والاحتفالية من احتياجات مصطلح «المسار» أو «الهلبة».
وكما هو واضح أن «الهلبة» هي نفسها التي كانت عند الاعتداء الشخصي، أي عندما يعتدي شخص على آخر فلابد أن «يهلب عليه»، أي يذهب له بذبيحة أو اثنتين من أجل طلب الصلح، ولكنها هنا تتوافق حجمها وشكلها وطريقة تقديمها مع فداحة الجرم، فالجرم هنا ليس في عيب اقترفه شخص في حق، أو اعتداء بالضرب الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى قليل من الخدوش أو الكسور الموضوع هنا والحالة تختلف فقد فُقد الشخص ذاته ولذا فالهلبة لابد وأن تتفق مع فداحة الضرر.
وفي يوم الصلح الذي « يكون دائما في الصباح تأتي قوات الأمن والمأمور والعمد والمشايخ وجميع أعيان القبائل ويقولوا كلمات الخير، كلام يلين ويرطب النفوس، وغالبا ما تقوم به القبيلة المنزول عليها».
ويأتي أهل القاتل ومعهم أهل النزالة في الموعد المحدد وغالبا ما يكون الساعة 12 ظهرا أو الواحدة، وعند قدومهم تطلق النساء الزغاريد. ويصطف أهل القتيل ومعهم شيوخ القبائل المجاورة أو البعيدة بالإضافة إلى المأمور، وفي بعض الأحيان المحافظ ـ في هذا اليوم في بعض الحالات لا يقل العدد عن ألف رجل ـ ويمر أهل القتيل عليهم ويصافحونهم. «وزمان كان أهل القاتل يجيبوا معاهم حريم يزغرتو وترد عليهم حريم قبيلة القتيل بالزغاريد طبعا علشان فرحانين بالصلح. ويأكلوا مع بعض مع الناس الحاضرة الغدا وفي بعض الحالات يحلف أهل القتيل على أهل القاتل إنهم يبقوا للعشا، اما الدية يكونوا اتفقوا عليها قبل يوم الصلح ومفيش مجال للكلام فيها يوم الصلح... والدية بتتدفع يوم الصلح وفي منطق الكلام يقول أهل القتيل والله احنا بنريد عشرين ألف جنيه، خمس آلاف للهلبة وخمسة آلاف للعمد والمشايخ مثلا وخمس آلاف للناس الحاضرين..لا تقدم الدية أمام الناس، يطلب الراجل إلي معاه الفلوس من واحد من أهل القتيل الخروج ومعه ويعطيه المبلغ المتفق عليه».
وهنا ينتهي الخلاف وتعود القبيلة التي نزحت إلى ديارها أو الأفراد النازحين إليها من قبل القبيلة صاحبة الحق في النزالة، وتعود الحياة إلى ما كانت عليه ليصبح يوم الصلح هو يوم الصفح عن خطأ ارتكبه إنسان لينهي حياة إنسان، إلا أن تلك الإجراءات العرفية تجعل ذلك الخطأ لا يحدث إلا في حدود ضيقة للغاية، ويحدث في أغلب الأحيان دون سبق إصرار أو ترصد، ولتكفل تلك الأعراف حياة تسير نحو تعايش سلمي وهدوء نسبي، يتيح لتلك القبائل توجيه النشاط الإنساني نحو صالح الإنسان والابتعاد به عن الغرائز الفردية الدافعة نحو الخطإ في حق الغير مما يؤثر على ألفة ووحدة الجماعة.
خامساً : قضايا المرأة ( نزالة «الولية»)
وهذا النوع من النزالة يعطي للمرأة البدوية في الصحراء الغربية المصرية منافذ للحرية، تلك المنافذ التي قد لا تتوافر في مجتمعات أخرى. وحيث أن عوايد أولاد علي قد حددت في بنودها العرفية إجبار البنت على الموافقة على من يختاره الأب لها زوجا، كما تتيح لابن العم الحق في الزواج من ابنة عمه دون سواه. وتؤكد على ذلك الحق بأحقيته في «مسك» ابنة عمه له، إذا كان هناك اعتراض على تزويجها إياه. و«مسك» بنت العم يعني انعدام حريتها في الزواج من غير ابن عمها، سوى بعد موافقته على هذا الزواج، هذا الأمر الذي يؤدي إلى كثير من الزيجات التي لم يتح لها فرص الاختيار.. ورغم هذا الحرص من العوايد إلا أن نفس العوايد قد تفوقت على كثير من عادات الجماعات التي تماثلها في هذا الصدد، فقد أتاحت للمرأة قدرا من الحرية ومنفذا لتلك الحرية، تستطيع المرأة من خلاله الاعتراض على ما أجبرت عليه ، بل وأنه في أغلب الأحيان ينفذ لها ما تطلبه.
ويفسر عبد اللطيف عبد المالك عمدة القصر نزالة الولية في قوله التالي: «أفرض أنا صممت إني أجوز بنتي من فلان بان عمها مثلا، وهي مش راضية وأمها مش راضية، في هذه الحالة تروح هي أو توديها أمها لبيت العمدة أو الشيخ أو راجل محترم، وتدخل في بيته وتقول أنا في عرضك والدي عايز يجوزني فلان وأنا مش عوزاه. وتديرها حتي بعد الخطوبة بعد «السياق».»
« كان عندنا موضوع فيه عنف أن أنا بجوز بنتي للي أنا عايزه مش هي اللي عاوزته أنا بختار لبنتي مش بعطيها الفرصة إنها تختار. لا يزال هذا الموضوع مستمر لكنه خف شوية، هذا هو السبب إن النسوان تنزل على العمدة أو الشيخ أو أي عظيم وتقوله أنا في دخلك متسغيثة بيك ولابد إنه يتدخل8».
وتحدث نزالة الولية أيضا بعد الزواج اذا كرهت الحياة مع زوجها، تستطيع أن تقوم بهذا النزول كما يقول محمد الفقية « إذا كرهت المرأة زوجها ومقدرتش تعيش معاه.. ومقدرش أهلها أبوها أو أخوها تخليصها منه، وأجبرها على البقاء معاه، في الحالة هذه تتسلل المرأة وتمشي على كبري من كبراء القبائل، أي قبيلة، المهم الرجل اللي تمشي ليه يقدر يخلصها «وترمي عليه» ويكون شيخ او كبير قبيلته او عمدة تقوله أنا رامية عليك وعلى ولادك إنك تفكني9».
وفي البداية دائما ما يعلن ذلك الرجل ترحيبه بها وتقديره لنزالتها عليه، وعلى الفور كما يجمع كافة الإخباريين يذبح لها ، ترحيبا بها ( لابد لها ذبيحة لازم يقدرها10) (طالما إنها غريبة لابد أن يذبح أول ما تنزل عليه).
وبعد ذلك الترحيب تبدأ في قص روايتها وتبدي أسباب كرهها لتلك الزيجة، إذا كانت لم تتزوج بعد، أو هذا الزواج إذا كانت متزوجة بالفعل، وغالبا ما يأتي أهلها في إثرها طالما أنهم عرفوا مكان نزولها، أو يبعث الرجل المنزول عليه في طلبهم إذا لم يأتوا أو أبطأوا في الحضور ( فيه وِّليه لكم عندي تعالوا خلصوا موضوعها)، ويبدأ الرجل في بحث الموضوع معهم ويناقشهم في موضوع ابنتهم ويحاول إقناع «الولية»بكل سبل الإقناع فإذا لم تقتنع بما يحاول إقناعها به، فليس عليه إلا تنفيذ ما طالبت به «طالما إنها نزلت على راجل، لازم يخلصها فمن حق اللي نزلت عليه، أن يزوجها بمعرفته، أو يزوجها لابنه أو لنفسه، بعد موافقتها بالطبع، حيت لو حدثت خلافات بين الراجل وبين أهلها، فالعيب أن تذهب من عنده من غير ما يخلصها.. عليه أولا إنه يصلح الموضوع يراضيها ويفهمها معلش مع أبوك.. فإذا اقتنعت ومشت مقتنعة يجوز .. لكن لا يمكن تمشي من بيتي تعيط 11».
وفي الحالات القليلة التي تحدث لنزالة المرأة المتزوجة، وبعد استحالة التوفيق بين الزوجين فإذا وافق الزوج على تركها لحال سبيلها، يصبح من حقه المطالبة بالخسائر التي تسبب فيها زواجه منها « هاتولي اللي خسرته، الكسوة والغنم اللي دبحتها، والصداق والمهر هنا يلتزم أبوها أولا بتسديد المبلغ، فإن لم يكن في استطاعته في بعض الأحيان يدفع عنه الرجل اللي نزلت عليه الولية وإن لم يدفع، تكتب عليها ورقة إلى أن يحين زواجها من آخر ( الطلاق في الصداق) أي يؤجل المطلوب منها في حالة طلاقها إلى أن يحين زواجها ويدفع الزوج الجديد ما عليها لزوجها القديم ويخصم من صداقها او يدفع ما عليها ويكتفي. ويسمي هذا التأجيل في الدفع في بعض الأحيان «على جصتها12»
وفي بعض الحالات يأتي أهل المرأة يطلبون عودتها، ويقال للمنزول عليه « نزالتك ماشية ، وخليها تروح بيتها، فيطلب منهم عدم التعرض لها وتنفذ طلبها. وفي بعض الحالات تطلب المرأة عدم مغادرة البيت إلا بعد انتهاء موضوعها».
وتعد تلك المرأة في حمى من نزلت عليه، وعليه أن يكون بقدر تلك الثقة فيه، ودائما ما يحرص على أن يجيب لها ما تريد لأن تحقيقه لإرادتها هو تأكيد على قدرته ومكانته، وثقتها في تلك القدرة والمكانة، مما دفعها نحوه مستغيثة به «رامية» حملها وهمها على ذلك الرجل الذي غالبا ما يكون بقدر ما حملته من ثقة.
وإذا شكت زوجة من زوجها إهانته لها وعيبه فيها وأنكر الزوج ما نسب إليه، بل اشتكى هو، من تصرفات زوجته، الأمر الذي لا يستطيع الرجل المنزول عليه البت في أمر أحقية أحدهما في رد المبالغ التي تكلفها الزوج، في هذه الحالة يختار المنزول عليه، رجلا عاقلا وصالحا مدركا قواعد أولاد علي ليكون رقيبا على تصرفات الزوجين ويبني للزوجين بيتا ( خيمة) بجوار ذلك الرجل المختار، ويسمى هذا البيت «الدار الشرعية» يعيش فيه الزوجان تحت رقابة الرقيب، وبعد مضي شهر أو شهرين أو ثلاث، يقرر الرقيب صاحب الحق، من خلال مراقبته لهما وهنا وجب تطليقها، على أن يدفع الزوج مؤخر الصداق اذا كان هو المعيب، أو يدفع أبوها ما تكبده زوجها من خسائر حال زواجه بها أو يؤجل ذلك لحين زواجها، وبالطبع إذا لم تتزوج تكون في حل من الدفع..
وإذا ادعت زوجة قصور زوجها وعدم قدرته على القيام بمهامه الزوجية ، أي قصوره الجنسي، وأنكر الزوج هذا الإدعاء، أقيم «بيت الشنعة» أي بيت الرزيلة ويقول محمد سعيد: أن هذا التقليد لم يعد يتبع الآن، وكان يحدث حين تشكو زوجة إلى السيدات أو إلى أمها عن ذلك القصور حتى يصل إدعاؤها إلى والدها الذي يوصل هذا الأمر إلى أهل العريس، وإذا أنكر العريس ما نسب إليه وأكد على أنه صحيح ليس به عيب. في هذه الحالة كان يبني بيت عرب أي خيمة في جوانبها الأربع طاقات صغيرة تسمح بالرؤية من خلالها، بحيث يكون في كل جانب فتحتان ويكون المجموع ثمان فتحات، ويعين ثمانية شهود لرؤية الحدث بين الزوجين، وبالفعل يدخل الزوجان الخيمة، وعليهما أن يقيما علاقة جنسية كاملة، على مرأى الشهود الثمانية الذين تتاح لهم الفرصة بشكل دقيق للرؤية من كافة الاتجاهات بحيث يستطيعون الحكم فيما نسب إلى الزوج، وفي حالة قيامه بواجبه نحوها، تطلق في الحال، ويدفع أبوها للزوج كل ما أنفقه على الزواج، وإذا أقرت اللجنة المشكلة صدق إدعائها، تطلق أيضا ويدفع الزوج مؤخر صداقها13.
وفي الحالات القليلة والنادرة لاستحالة الحياة الزوجية بين الزوجين بعد الإنجاب فيقول عبد اللطيف عبد المالك: أنه في هذه الحالة يكون من حق الزوجة قرار ترك الأطفال أو أخذهم، كما إنه من حق أبيها الاعتراض على أخذهم « الرأي للزوجة تأخدهم معاها ووالدها يتحملهم وفي بعض الحالات يرفض الأب استقبالها بأولادها، ويمتنع عن قبول الأطفال خوفا من حدوث مكروه لهم وهم في بيته وتحت مسؤوليته فيحاسب على ما حدث فهم من قبل أبيهم وأهله، فالرأي للزوجة وأبوها وفي الغالب تحرص الأم على أخذ أطفالها الرضع والصغار الذين لم يبلغوا سن الدراسة وتتركهم لأبيهم إذا بلغوا سن الدراسة14»
ومن هنا نجد أن «عوايد أولاد علي»تعرضت لكافة مناحي الحياة ووضعت تقنينا دقيقا للعلاقات بين القبائل والأفراد من خلال الأعراف التي حرصت العوايد على وضع ضوابطها وحدودها بحيث تتناسب مع قيم القبائل المنظمة لعلاقاتها، نستطيع القول بأن تلك الأعراف لها القدرة على التطور بحيث تتناسب مع التغيرات التي تطرأ على الظروف الحياتية لتلك القبائل البدوية.الأمر الذي يحقق للجماعة قدرا هائلا من الرضا على ما يحققه ذلك العرف من أمن وسلامة الفرد من خلال ما تحدده الجماعة من قواعد وضوابط عرفية.
خـاتمـــة
ونخلص في استعراضنا لملامح الأعراف القبلية عند بدو الصحراء الغربية المصرية إلى ما يلي:
1 - إن التاريخ الذي مرت به قبائل أولاد علي منذ استقرارهم بإقليم برقة، ونزوحهم الإجباري منه بعد الحروب التي خاضوها مع قبائل «الحرابي» الليبية، ذلك التاريخ كان سببا أوليا في نشأة عوايد أولاد علي، على يد القبائل المحاربة التي خاضت المعارك من أجل بقائها وبقاء من حولها من القبائل، ذلك التاريخ الذي فرض على تلك الأعراف شخصية المحارب بما لديه من صرامة، وبما يملك من نبل الفارس وشهامته، كما أن ذلك التاريخ قد أملى على تلك القبائل أدوارا تتناسب مع قدراتها التي أظهرتها أيام الحروب.
2 - كما أن لجغرافية المنطقة وطبيعتها الصحراوية وامتداد أراضيها الشاسعة واعتماد أهلها على الأمطار في زراعة بعض احتياجاتهم، وممارستهم للرعي الذي يعد المصدر الأول للمعيشة في تلك المنطقة، كل تلك المعطيات الطبيعية للمنطقة، دفعت بأعراف تتناسب مع تلك الطبيعة، وتؤكد على أهمية التكاتف ضد أخطارها لاستجلاب خيرها.
3 - إن تلك الأعراف بما تتيحه من حرية اختيار المحكمين، والوثوق في قراراتهم المنبعثة أساسا من خبرتهم بالموضوع المتنازع عليه، حيث أن هناك تخصصا دقيقا لكل فروع النزاع، ذلك التخصص الذي يفرض قدرا واسعا من القدرة على الحل، والحيلولة دون تفاقم النزاع، وهذا التخصص يدفع دائما المتخاصمين نحو ذلك العرف القبلي المتوافق دائما مع تصورهم للحل.
4 - كما أن احترام الإنسان ووضعه في مكانة خاصة، تختلف اختلافا كبيرا عما يملكه،وهو أمر تؤكد عليه العوايد من خلال الأعراف المحددة للخلافات فالضرر بالإنسان أمر يعد من أهم الأمور التي تتعرض لها تلك الأعراف.
5 - تعد السرقة في عوايد أولاد علي جرما تعاقب عليه أشد العقاب بحيث تضمن عدم حدوثها، لسهولة القيام بها. فتجعل العقاب بأربعة أضعاف المسروق أو الحلف بالإضافة إلى «الحلافة الأربع» المعززين للحلف، أمر يجعل الكل يسعى نحو رزق له من صنع يده، لا من صنع الآخرين، بحيث تدفع الأعراف بالفرد دفعا نحو أن يكون عضوا نافعا لنفسه ولمجتمعه.
6 - إن التغير الذي يحدث لظروف الجماعة الآن في حدود تتسع أحيانا وتضيق أحيانا. يدعو تلك الأعراف القبلية إلى حذف بعض مفرداتها أو إضافة مفردات أخرى عليها، أو إحلال بعضها لبعض آخر. كل ذلك يعين تلك الأعراف على إمكانية التعايش مع منطق العصر، من واقع قدرتها على التعبير الأمين عن حاجات الجماعة، وهو ما يدعوهم إلى الوثوق في صحة تلك الأعراف والرضا والقبول بها، من خلال ما تعين عليه من صد أذى الخلاف المتغير الذي يتأثر بانشغالات الناس المتغيرة.
الهوامش
1 - محمد الفقيه، النجيلة، 60 سنة، 60 كيلو غرب مطروح.
2 - الشيخ عبد اللطيف عبد المالك، عمدة القصر، 75 سنة، 15 ك غرب مطروح.
3 - الشيخ عبد اللطيف عبد المالك، قرية القصر.
4 - محمد الفقية ، قرية النجيلة.
5 - الشيخ عبد اللطيف عبد المالك، قرية القصر.
6 - الشيخ عبد اللطيف عبد المالك، قرية القصر.
7 - مايزورش: لا يحاربوا أو يقاتلوا
8 - محمد سعيد مدينة مرسي مطروح.
9 - محمد الفقيه النجيلة.
10 - عبد اللطيف عبد المالك القصر.
11 - عبد اللطيف عبد المالك عمدة القصر.
12 - الجصة: القصة والقصة هي شعر المرأة النازل علي جبهتها ليبين شبابها وزينتها.
13 - محمد سعيد، مدينة مرسي مطروح.
14 - عبد اللطيف عبد المالك، قرية القصر.
مصادر المعلومات
1-الحاج عبد اللطيف عبد المالك 75سنة عمدة قرية القصر 15 كيلو غرب مرسى مطروح
2- محمد الفقية 54 سنة فقية النجيلة، 70 كيلو غرب مرسى مطروح
3- سعيد فرج رسلان 56 سنة أمين الحزب الوطني بالنجيلة، النجيلة 70 كيلو غرب مرسي مطروح
4- الشيخ عبد العاطي غاوي ختال 52 سنة مرابط، مبذر، مدينة مرسي مطروح
5- الشيخ عثمان علي 63 سنة صاحب محل تصليح أسلحة ، «وتجاز» مدينة مرسى مطروح .
6- محمد سعيد 23 سنة مدرس مدينة مرسي مطروح.