فن الزفان البحريني
العدد 44 - لوحة الغلاف
قليلا ما تخلو الفنون الغنائية الشعبية الخليجية، الرجالية منها والنسائية أو تلك المختلطة رجالا ونساء من فن إيمائي رفيع المستوى، يُمارس على إيقاع الدفوف أو «المراويس» أو الطبول أثناء الغناء الفردي أو الجماعي، وله تقاليد وأصول فنية لا يتقنها أي كان، يطلق عليه «زفان» فردي أو ثنائي، وأصل الكلمة فصيح من «زَفَـنَ» بمعنى رقَـصَ يرقص، والراقص الذي يجيد فنون الزّفن يطلق عليه «زفّـان» وجمعها «زَفّـانه».
ورد في لسان العرب: «أَصل الزَّفْن اللعِب والدَّفْع ومنه حديث عائشة رضي الله عنها قَدِمَ وفدُ الحبَشة فجعلوا يَزْفِنون ويلعبون أَي يرقصون، ومنه حديث عبد الله بن عمرو «إن الله أَنزل الحق ليُذْهِب به الباطلَ ويُبْطِل به اللعبَ والزِّفْنَ والزَّمَّاراتِ والمَزاهِرَ والكِنَّارات». وتُستخدم «زفان» في البحرين لتسمية طريقة معينة لمداخلة ضم جريد النخل بخوصه إلى بعضها لتشييد المساكن البحرينية القديمة المصنوعة من جريد النخيل.
استخدمت الشعوب القديمة الرقصات للاحتفال بالمناسبات كالولادة، والزواج، والموت. كما كانت هناك رقصات أخرى، تؤدّى كطقس ديني لعلاج الأمراض أو لنيل الخيرات، كمحاصيل وفيرة، أو للاحتفال بالنصر في موقعة، كما في رقصة «المراداة» البحرينية التي وفدت من وسط الجزيرة العربية وتؤديها النساء احتفالا بانتصار القبيلة آنذاك. ومع مرور السنين، فقدت أكثر الرقصات الشعبية مدلولها الأصلي وأصبحت تؤدى في أفراح الزواج والمناسبات الوطنية وفي حفلات السمر الخاصة للتسلية.
ومن أشهر فنون الزفن في البحرين هو ما يؤدى على فن «الصوت» وفنون السمر البحرية وفنون «الخماري» و«اللعبونيات» وعلى بعض«البستات». يُؤدى في الأغلب الأعم فرديا أو أن يتلازم اثنان من الزفانه في أداء ذات الحركات جيئة وذهابا وسط الميدان مع هز الكتفين والإيماء باليد مع الانحناء وملامسة الأرض ومن ثم القفز عاليا إن كان الراقص رجلا. وقد يؤدى الرقص من قبل رجل أو امرأة أو رجلان أو امرأتان. وأقرب معنى للزفن البحريني حسبما نراه هو تجسيد لحركة السمكة جيئة وذهابا في بحرها وما هز الكتفين في شبه ارتعاشة من الراقص أثناء الزفن إلا تعبير عن حركة سمكة تم اصطيادها للتو فهي تتلوى وترتعش وما قفزة الراقص بين الحين والحين عند الأداء إلا صورة من صور سمكة تتقافز للعودة إلى البحر.
وللزفان عدة فنون وتقاليد متعارف عليها في الأداء الفردي أو الثنائي حيث يتحرك الراقص على إيقاع «المراويس» وهي طبول صغيرة ترافق العزف على العود في فن «الصوت» بمصاحبة تصفيق جماعي موقّع من قبل الحضور يشكل زخارف وحليات إيقاعية يطرب لها المغني والراقص معا.
أما في بقية الفنون الغنائية الشعبية الأخرى كـ «الخماري» و«السامري» وغيرهما من بقية الفنون فيلعب صفان متقابلان من الدفوف بمصاحبة الطبل الكبير لإثارة حماس الزفان لتقديم كل ما لديه من فن.
في الصورة على غلافنا الأول رجل يهم بالقفز عاليا وهو يؤدي الزفن في فرقة شعبية مشتركة من الرجال والنساء وهذا ما تميز به مجتمع البحرين من انفتاح في مجال الفنون الشعبية حيث الرجل شارك المرأة في تأسيس وإدارة فرق الفنون الشعبية النسائية.