سلطنة عُمان وحفظ تراثها الموسيقي
العدد 43 - في الميدان
50 ألف وثيقية مؤرشفة لمختلف الفنون الموسيقية والأدائية العُمانية
ومشروع لرقمنة ملايين البيانات وإتاحتها للباحثين
سلطنةُ عُمان، عالم من الإنفرادات، فإلى جانب امتيازها بتضاريسها الجغرافية، وخصوصيتها الثقافية، تتموقعُ السلطة في موقعٍ هامٍ في شبه الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي، ما جعلها بلاداً تتعددُ جغرافيتها وطبيعتها، بين الصحراء القاحلة، والبحر الغني، والمناطق الخضراء، والوديان والعيون، كما جعل من أُناسها خليطاً عرقياً، ما وفر حوضاً جينياً متعدداً لانصهار الأجناس والأعراق، في بوتقة واحدةً تحت مسمى «الإنسان العُماني»، الذي وائم كل هذا التعددُ ليخلق منهُ وحدةً ثقافية، وهوية لها انفراداتها ومشتركاتها مع المحيط العربي والعالمي، ولهذه الإنفرادات والمشتركات، تمثلاتها العديدة، سواء على صعيد السوسيولوجيا المجتمعية، أو في البنى الحضارية والثقافية؛ ومن أبرز هذه التمثلات والتمظهرات التي تمحورت حولها كل هذه المشارب، الثقافة الشعبية العُمانية، وقسمها الهام: الموسيقى التقليدية، موضوع تقريرنا، الذي أتبعناهُ بحوارٍ عام، مع الباحث مسلم بن أحمد الكثيري، رئيس «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، الجهة المسؤولة عن حفظ ومتابعة تغيرات هذا الإرث العُماني.
عُمان.. موجزُ بانورامي
إن عُمان، من حيثُ تاريخها الممتد حتى البدايات الأولى للحضارة الإنسانية، ضاربة في عمق التاريخ، نظراً لكونها كانت على اتصال وثيق بالحضارات القديمة: حضارات بلاد ما بين النهرين، والهند، والصين، وفارس، إلى جانب الحضارات التالية في الشرق الأفريقي، وقد أطلق عليها السومريون اسم «مجان»، وهذا يبين مدى عمق هذه الدولة القديمة، التي أضحت فيما بعد «قوة بحرية مؤثرة، امتدت علاقتها وصلاتها إلى الصين، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، واستقبل سفراؤها في عواصم تلك الدول وغيرها قبل قرون من الزمن»1.
ويلفتُ كتاب «سلطنة عُمان في 20 عاماً؛ الوعد والوفاء»، بأن الحفريات الأثرية أظهرت بأن «تاريخ الحضارة الإنسانية في عُمان موغل في القدم إلا انه، انطلاقاً من المعطيات التاريخية الراهنة، يصعب الذهاب في متابعة هذا التاريخ إلى أبعد من الألف الثاني عشر قبل الميلاد، ففي تلك الحقبة كانت عُمان قد خرجت لتوها من العصر الجليدي الأخير وكانت بالتالي أكثر رطوبة وخضرة وسكاناً من أيامنا الراهنة»2.
ويعدُ تاريخُ، عُمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي غنياً بالتفاصيل، بيد أناّ نكتفي بالإشارة إلى أن عُمان تعدُ «أقدم دولة عربية مستقلة ذات سيادة موجودة اليوم»، كما يقول المؤرخ وندل فيليبس3، الذي يوردُ بشأن تسمية (عُمان)، العديد من الأخبار، «أن أصل اسم عُمان غير واضح، إذ يعتقد البعض أنه يعني (السلام) ويقول العالم الجغرافي (ياقوت) الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي في كتابه (المعجم الجغرافي) -يقصد معجم البلدان- إن كلمة عُمان مشتقة من كلمات مثل أمانا وتعني (البقاء في مكان ما) بيد أن هناك آراء أخرى، المؤرخ الكفيف الإمام نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي، يقول نقلاً عن ابن خلدون في كتابه (تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان) إن البلاد سميت باسم شخص يدعى عُمان بن قحطان، لأنه كان أول عربي يستقر هناك بعد السيل المدمر الذي حطم سد مأرب، غير أن هذا المؤلف يقول بعد ذلك في الكتاب ذاته: إن البلاد أطلق عليها اسم واد، يسمى عُمان»4.
وانتقالاً للعصر الحاضر، تبلغُ مساحة سلطنة عُمان الإجمالية، حوالي (309) ألف كيلومتر مربع، وتقع «في الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية ويحدها البحر من جانبين، بحر عمان من الجانب الشمالي الشرقي والمحيط الهندي من الجانب الجنوبي الشرقي، بينما ترتبط السلطنة في حدودها البرية مع المملكة العربية السعودية من الغرب والجمهورية اليمنية من الجنوب وتحدها من الشمال دولة الإمارات العربية»5، فيما تسود معظم أراضيها «طبيعة صحراوية تشمل سهول حصوية ومناطق كثبان رملية تشكل أكبرها رمال آل وهيبة في الشرق ورمال الربع الخالي في الغرب، كما وتطل على ساحل يمتد أكثر من 3165 كليومتر تقريباً، يبدأ من أقصى الجنوب الشرقي حيثُ بحر العرب ومدخل المحيط الهندي، حتى ينتهي عند مسندم شمالاً ليطل على مضيق هرمز الاستراتيجي حيثُ مدخل الخليج العربي»6.
هذه الجغرافيا والتاريخ، منحت عُمان أهمية خاصة امتازت بها عن جاراتها في شبه الجزيرة العربية، إذ «كانت عُمان، المحاطة ببحر العرب من جانب والمحيط الهندي من جانب آخر، تحتل الجانب الأكبر من شرقي الجزيرة العربية، الممتد من حضرموت إلى قطر. وقد استفاد العُمانيون من موقع بلادهم الفريد بين بلاد الرافدين وسواحل شبه الجزيرة الهندية وشرق أفريقيا؛ فلعبوا دوراً رئيساً في علم الملاحة منذُ أكثر من خمسة آلاف سنة، فركبوا البحر حتى عرفوا به، وأمسوا مهرة في نقل البضائع الهندية إلى الغرب، فأبحروا بسفنهم بين الهند والفرات، بل استأثروا بالتجارة، وأحكموا سيطرتهم عليها دون الشعوب الأخرى على المحيط الهندي»7.
أما على الصعيد السياسي، والذي أكدهُ وندل فيليبس في كون عُمان أقدم الدول العربية ذات السيادة، فإن المؤرخين والباحثين يبينون بأن ذلك يعودُ إلى فجر الإسلام، كما يرتبطُ بجزء عقائدي، يتفردُ بهِ أهل عُمان، «ففي القرن الثالث الميلادي، وبعد وفاة ثالث الخلفاء الراشدين، عثمان بن عفان، شهدت عُمان حدثاً تاريخياً شديد الأهمية تمثل في قراءة جديدة للإسلام كانت تعرف بالإباضية، التي كان مصدرها البصرة؛ فقد رفض أتباع الإباضية فكرة أن الإمامة يجب أن تقتصر على قريش دون سواها، ورأوا بدل ذلك أنها إنما لأعلمهم بعلوم الدين وفنون القتال، أياً كانت قبيلتهُ وأياً كان عرقه»8، وهذا ما جعلها بمنأى عن سلطة الخلافة في بغداد.
أبعاد ثقافية وموسيقية
لعبت كل هذه العوامل، التي بيناها بشكلٍ مقتضب، دورها في تشكيل ثقافة الإنسان العُماني، وإعطاءه هويته على مر التاريخ. وكان للموقع الجغرافي أهميتهُ البارزة في تشكيل هذه الثقافة، كونهُ عامل مهم ينعكسُ على الإنسان، إلى جانب كون الجغرافيا الساحلية، تسهمُ في تصدير واستيراد مختلف الثقافات والفنون، فكما أشار الباحثون، لعبت التجارة دورها في التاريخ العُماني، وهذا بالطبع انعكس على التكوينات الداخلية، التي خلقت تنويعاً ثقافياً، كما أثرت من ناحيتها على الثقافات الأخرى، «كان ساحل عُمان فيما مضى من زمان أرضاً تتصف بصفتين قل أن تجتمعا لأرض واحدة تعبيراً عن حيوية متجددة عرفت هذه الأرض: فهي أرض جاذبة، وهي أيضاً مُرسلة»9، إذ جذب ساحلُ عُمان العديد من الأعراق البشرية من آسيا كالبلوش، والفرس، واللواتيا، وكان هذا الساحل مرسلاً، «حين نزح عنها عُمانيون استوطنوا الساحل الشرقي لأفريقيا والجزر الممتدة بطوله، وأقاموا هناك امتداداً للأرض الأم، ونشروا الإسلام، وأسسوا في شرق أفريقيا أمبراطورية عظيمة»10.
ومن هؤلاء المستوطنين في شرق أفريقيا وفدت العديد من التأثيرات الحضارية والفنون، التي انصهرت فيما بعد مع هذا المزيج، الذي سيجعلُ من الثقافة والفنون في عُمان مزيجاً من: فنون الأرض العُمانية، والفنون الإفرو - عُمانية، والآسيو-عُمانية. وهذا ينطبقُ على العنصر البشري القاطن لهذه الأرض، متعددة الأعراق، والتي صهرتهم حيوية أرض عُمان، «في بوتقة حضارية قوية صنعت منهم جميعاً شعباً واحداً دون تفرقة بين عرق أو جنس أو لون»11.
ويهمنا من كل ذلك، ما يرتبطُ بموضوعنا حول الموسيقى العُمانية التقليدية، التي تشكلُ ركيزة أساسية من ركائز الثقافة الشعبية العُمانية، ومن هويتها، والتي اعتنت السلطنة بجمعها وتوثيقها، بأمر من حضرة السلطان قابوس بن سعيد آل بو سعيدي، عبر «مشروع جمع وتوثيق موسيقى عُمان التقليدية»، الذي نتج عنهُ «مركزُ عُمان للموسيقى التقليدية»، المؤسس عام (1983)، والذي انضم إلى عضوية «المجلس الدولي للموسيقى التقليدية» المنبثق عن «منظمة اليونسكو»، ليكون بذلك المركز الأول في المنطقة الخليجية والعربية، الذي يتمتع بالعضوية التضامنية لهذا المجلس الدولي.
وقبل الشروع في تفاصيل هذا المشروع الضخم، والذي استمر على مدى عقود، نودُ بادئ ذي بدء، أن نعرف الموسيقى الشعبية، مستعيرين تعريف الباحث سيمون جارجي، رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية، بجامعة جنيف، في سويسرا، والذي يرى بأن الموسيقى الشعبية هي «التعبير الخارجي بالأصوات والكلمات والحركات والإيقاعات، لكل ما ينبع من أعماق ضمير الشعب، ويخدمه في حياته اليومية»12، ويمتاز بجملة من الخصائص أهمها التركيب العروضي (الشعري)، والنغمي، والإيقاعي، والموضوعي أو الوظائفي، والحركات الرقصية، التي ترتكز عليها في مختلف أنواعها13.
وهذا ما تؤكدهُ الخلاصة بعد دراسة الموسيقى التقليدية العُمانية، التي بينت بأن «فنون عُمان التقلدية سجل كامل لحياة أهل عُمان، ففي كل شلة من شلات غناء العُمانيين في كل مناسبة قصة حدث: سواء كان حدثاً يومياً، أو حدثاً قبلياً، أو حدثاً شخصياً»14. فالموسيقى التقليدية العُمانية «تمثل جزءاً من التراث التقليدي العُماني، فهذه الرقصات والإيقاعات والأشعار والأغاني الشجية لا تمارس هكذا بدون دوافع أو حافز بل ترتكز على الأصالة العُمانية العريقة، فكل شلة غنائية تمثل قصة الإنسان العُماني واعتزازه بأرضه مدفوعاً بعاداته وتقاليده العريقة، فهي توضح التفاعل المستمر بين الإنسان وبيئته، وتوضح ارتباطه الوثيق بتاريخه وعروبته، كما توضح صلته بالعالم الخارجي المحيط به وذلك من خلال امتزاج الفنون العُمانية بفنون الأرض الخليجية وبفنون البيئات الأفريقية والآسيوية، وكذلك من خلال التجارة عبر البحار منذُ آلاف السنين، بالإضافة إلى هجرات أبناء عُمان إلى سواحل أفريقيا منذُ عشرات السنين»15.
"مركز عُمان للموسيقى التقليدية"
تأسس «مركزُ عُمان للموسيقى التقليدية»، في أغسطس (1983)، باعتبارهِ «مؤسسة علمية إعلامية تعنى بجمع وتوثيق فنون عُمان التقليدية، والمحافظة عليها من آثار الزمن، ومتابعة هذه الفنون ميدانياً، وذلك للتعرف على التغييرات التي تحدث لها»16، وليكون مرتكزاً لـ «مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية». ومنذُ تأسيسة حتى يومنا هذا، امتلك المركز تجربة مهمة في اشتغاله على الجمع والتوثيق والدراسة لأنماط الموسيقى التقليدية، مؤسساً واحداً من أكبر الأرشيفات في منطقة الخليج العربي، والذي يضم أكثر من خمسين ألف وثيقة، بين سمعية، ومرئية، ومدونة، وصور فوتوغرافية، توثق لمعظم أنماط الغناء التقليدي، والفنون الأدائية العُمانية، وأعلامها وممارسيها، ومناسباتها، إلى جانب جمع وتوثيق جميع الآلات الموسيقية التقليدية، والأشعار والألحان ومختلف أنواع الإيقاعات، في معظم ولايات السلطنة، ومحافظاتها.
وجزاء هذا الاشتغال الدؤوب، حصل المركز على العديد من الجوائز، أهمها «جائزة المجلس الدولي للموسيقى»، من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، عام (2002)، و«جائزة المجتمع العربي للموسيقى»، عام (2005). كما أصدر المركز العديد من الإصدارات التوثيقية والتحليلية للموسيقى العُمانية والعربية، وأقام العشرات من الفعاليات، إلى جانب الندوات والمحاضرات، أهمها «الندوة الدولية لموسيقى عُمان التقليدية»، التي عقدت عام (1985)، بمشاركة عدد من المشتغلين بالفنون التقليدية من مختلف أنحاء العالم.
وكما أسلفنا، فإن «مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية»، ارتكز أساساً على «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، وقد قام بتنفيذ هذا المشروع فريق برئاسة الدكتور يوسف شوقي مصطفى، وحسين مصطفى شوقي، بصفته موثقاً عاماً، وممدوح السيد محمد الزيني، محرراً فنياً، وصالح بن ثويني العلوي، المساعد الفني المتفرغ، وعيد بن حربان الشيفري، المساعد الفني، بالإضافة لجمعة بن خميس الشيدي، وخلفان البرواني، المساعدان الفنيان المتدربيان، اللذان انضما للتدريب على أصول وفنيات جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية، وقاما بتنفيذ العمل الميداني، توثيقاً وتصويراً وتدويناً لنصوص الغناء التقليدي العُماني في مرحلة الجمع النوعي الشامل لهذه الفنون17.
وقد حتمت سرعة البدء في هذا المشروع العديد من العوامل التي أوردها «التقرير الختامي» الذي أعدهُ الدكتور يوسف شوقي مصطفى، إلى جانب العديد من المصادر التي تتحدث عن هذا المشروع، وهذه العوامل تتصل في مجملها بطبيعة الفنون التقليدية، التي لا يتم تدوينها، ولا تحفظ وتتداول إلا بالطرق الأولية كالتداول من جيل لآخر مشافهةً، وعليه فإن ما حتم ضرورة حفظ هذه الفنون التقليدية العُمانية، رحيل العديد من رواة الأغاني التقليدية والعارفين بها، وبقاء قلة من الرواة الذين يمكن الاعماد عليهم في الحفاظ على الغناء والرقص التقليدي العُماني في صورة تنتمي انتماءً حقيقاً إلى أصوله التاريخية.
كما شكل زحف الفنون الحديثة من غناء دارج محلياً واقليمياً وعربياً وأجنبياً، ووصول هذا الأغاني للمجتمع العُماني المعاصر، عبر مختلف الوسائط، تهديداً للأغنية التقليدية، وقد زاد هذا التهديد لهذا الإرث، اتساع مدى الإرسال الإذاعي والبث التلفزيوني العُماني، ليصل لمختلف المناطق والمحافظات «ما جعل من الممكن أن يشاعد العُمانيون في مسندم مثلاً فنون المنطقة الجنوبية أو يسمعوها». كل تلك العوامل جعلت من الملح الانطلاق في مشروع يوثق ويجمع الفنون التقليدية الخاصة بكل منطقة وبيئة من بيئات السلطة المتنوعة.
وانطلق المشروع بقيادة الدكتور يوسف شوقي مصطفى، وإشراف وزير الإعلام آنذاك، عبد العزيز بن محمد الرواس، على مرحلتين، الأولى: المرحلة الاستطلاعية، والثانية: مرحلة الجمع النوعي الشامل، إذ تهدف المرحلة الاستطلاعية للتعرف على مختلف نوعيات وأنماط الفنون التقليدية العُمانية، ومواقع تمركزها، وأهم رواتها والعارفين بها من المعاصرين والسالفين، إلى جانب جمع أكبر قدر من المعلومات والمعطيات الفنية والتاريخية والاجتماعية والبيئية والديموغرافية عن هذه الفنون، وذلك لتذليل الطريق للمرحلة التالية.
واستغرقت المرحلة الاستطلاعية، (95) يوماً من الفريق المشتغل، جرى العمل خلالها في (26) موقعاً مختاراً على رقعة السلطنة، شملت المحافظات والولايات والمناطق التالية: مسندم، صحار، البريمي، عبرى، الرستاق، صور، سيق، جعلان، بني بوحسن، جعلان بن بو علي، محضة، نزوى، هيما، ثمريت، مدينة الحق، طوى اعتير، قيرون حيرتي، غدو، رواية، سمحة، مسحيلة، صلالة، طاقة، مرباط، ضلكوت، رخيوت.
تلا ذلك الشروع في مرحلة الجمع والتوثيق الشامل للموسيقى والفنون التقليدية التقليدية، إذ حققت هذه المرحلة هدفها في تسجيل جميع انواع وأنماط الغناء والرقص التقليدي العُماني دون استثناء لأي منها، في كل موقع من مواقع التجمعات السكانية ذات الأهمية الفولكلورية حثيما كانت ومهما بعدت، أو كان الطريق إليها شاقاً وخطراً18، نظراً للجغرافيا العُمانية، وقد شمل ذلك كل ولاية، وكل محافظة، وكل منطقة على رقعة أرض السلطنة.
وحققت هذه الطلعات وجولات الجمع والتوثيق أهدافها من خلال مراجعة قوائم أنماط الموسيقى التقليدية التي سبق التعرف عليها في الجولة الاستطلاعية، ومراجعة حصر الآلات الموسيقية التقليدية، إلى جانب مراجعة قائمة المناسبات التي تؤدى فيها فنون عُمان التقليدية، واستكمال تصوير عروض جميع أنماط الموسيقى التي يصاحبها آداء حركي19.
الموسيقى التقليدية في عُمان
إن الحديث عن موسيقى الشعوبُ يتطلبُ من الدراسين العارفين بها، إعداد الدراسات التي تفي مختلف جوانب هذه الموسيقى وأصولها حقها، غير أناّ نحاولُ في هذا التقرير، تسليط الضوء على الموسيقى التقليدية العُمانية، باستعراضها بانورامياً، وبشكلٍ ملخص، لمختلف جوانبها التي بدت واضحة، بفضل العناية في الجمع والتوثيق، وتخصيص «مركز عُمان للموسيقى التقليدية» للحفاظ عليها، وملاحظة التغييرات الطارئة، وهذا ما استوضحناهُ في حوارنا مع رئيس المركز، الباحث مسلم بن أحمد الكثيري، في حوارٍ تابعٍ لهذا التقرير، حول المركز، والموسيقى العُمانية التقليدية بصورة عامة.
يؤكدُ الباحثون والانثروبولوجيون بأن الإنسان العُماني، من خلال بيئته وتاريخه الطويل، يتلخصُ في أحد عشر عنصراً، مشتركاً أو منفرداً مع محيطهِ في شبه الجزيرة العربية، هذه العناصر الإحدى عشر هي: الدين الإسلامي، السيف، الجمل، السفر عبر البحر، الصيد والغوص، الزراعة، الأعمال الحرفية واليدوية، الرعي، والاحتفال بالمناسبات الاجتماعية، والسمر والترويح والترفيه، وألعاب الصغار وألعاب الكبار20. وبطبيعة الحال فإن هذه العناصر، عناصر مشتركة لدى مختلف المجتمعات الإنسانية، بيد أن ما يميزها جملة من العوامل التفصيلية التي تعطي لشعبٍ ما هويتهُ الخاصة المختلفة عن الآخر، «ولذلك فإن تصنيف الفنون التقليدية لأي شعب من الشعوب لابد وأن ينبثق من ملامح حياة هذا الشعب، وأن يتطابق معها في كل مرحلة من مراحل تلك الحياة، ليكوّن في النهاية صورة حية مركبة متكاملة للخصائص المميزة لهذا الشعب، يرى فيها نفسه مميزاً محدداً بين الشعوب»21.
وبالعودة للعناصر الإحدى عشر للشعب العُماني، فإن الباحثين في الفنون التقليدية العُمانية يؤكدون بأن «هناك تداخلاً عضوياً حيوياً مستمراً فيما بينها»22، هذا التداخل يتبين في العديد من المناسبات وأنواع الفنون، التي قد تمارس بصفتها خاصة بالبادية، وتمارس من جهة أخرى لأسباب وظيفية مختلفة، فمثلاً «هناك من فنون التسلية والترويح والترفيه ما قد يقام لغير هذا من أغراض، وعلى الأخص في فنون الطنبورة والمكوارة والشرح (في صور) عندما تقام لتخليص مريض من روح جان تسلطت عليه فأمرضته»23.
ويخلصُ الباحثون إلى أن التصنيف لأنماط الغناء والرقص التقليدي الأقرب إلى واقع أهل عُمان، هو التصنيف إلى الفصائل التالية: الفنون الدينية، فنون السيف، فنون البادية، فنون البحر، فنون الصيد، فنون الزراعة، فنون الرعي، فنون الحرف والصناعات البيئية، فنون المناسبات الاجتماعية، فنون السمر والترويح، والألعاب. وسندرجُ تفصيلاً بالأنماط الموسيقية التقليدية العُمانية التي يضمها كل فصيل من هذه الفصائل، بالاستناد لما جاءت في "التقرير النهائي لمشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية"، وفي كتاب «من فنون عُمان التقليدية»، وفي الدليل المصور «أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها»، وهي كالتالي:
1 - الموسيقى الدينية، وتضم:
المولد (المولود): ويقرأ في الاحتفال بمولد الرسولﷺ، بالإضافة لليالي الأثنين والخميس من كل أسبوع في بعض ولايات السلطنة، ويقام أيضاً في الاحتفال بعيد الفطر، وعيد الأضحى، وفي حفلات الزواج، وعند الانتقال إلى دار جديدة.
المالد: يقام في المناسبات التي تقرأ فيها السيرة النبوية.
الحضرة: تقتصرُ إقامتها على مساجد «صلالة»، ومساجد «مرباط».
التيمينة: تقام في مناسبة إتمام الطفل حفظ القرآن الكريم كاملاً.
التهلولة: موكب يسير في الأيام التسعة الأولى من شهر «ذي الحجة».
قرنقشوه (قرنقحوة، أو طوق طوق، أو العقبة): تقام في ليلة النصف من شهر رمضان.
الشعبانية: تقام احتفالاً بليلة النصف من شهر شعبان.
أحمد الكبير: موكب يسير في اليوم الثاني من أيام عيد الأضحى.
2 - فنون السيف، وتضم:
القصافية، ولالا العود، والهمبل (الهبوت)، بالإضافة لـ:
الرزحة (الرزفة): تقام في الماضي استعداداً لغزوة تقوم بها القبيلة، أو احتفالاً بنصر تحقق، أو عندما تتوسط قبيلة بين قبيلتين متنازعتين، أو استعداداً لسفر البحر، والعودة من هذا السفر، وبعد إطفاء الحرائق، وعند بناء دار جديدة، وبعد حصاد الحنطة، وبعد جني التمر وعمل البسر، واحتفالاً بالأعراس والختان وللتسلية والترويح. أما في الوقت الحاضر، فتقام للسمر والترفيه، واحتفالاً بالأعياد الوطنية، والأعياد الدينية، والأعراس، وللترحيب بالضيوف الرسميون.
العازي: يؤدى هذا الفن متمماً لفن الرزحة وتالياً لها في معظم الأحيان.
العيالة والوهابية: تؤدى في ذات المناسبات التي تقام فيها الرزحة قديماً وحديثاً.
3 - فنون البادية، وتضم:
همبل البوش، والوهابية البدوية، والحداء، بالإضافة لـ:
الرزحة البدوية (الرزفة) والعازي البدوي: تؤدى في الأعراس والختان والأعياد قديماً، بالإضافة لتأديتها عند ذهاب الرجال إلى الحرب على ظهور الهجن، وعودتهم منتصرين.
التغرود: تؤدى من قبل مجموعة من راكبي الجمال وهم متجهون إلى غزوة أو عائدين منها منتصرين، أو عند السفر في رحلة تجارية، كما تؤدى للسمر والترويح.
الطارق: تؤدى من قبل اثنين من راكبي الجمال.
الونة: تؤدى في وقت راحلة البدو ليلاً حيثُ يغني برد لنفسه أو لمجموعة من أقرانه.
الروح (الهوى): ينقسم هذا الفن إلى أربعة أقسام، حسب أقسام النهار، وتؤدى للتسلية والترويح.
4 - فنون البحر:
تؤدى على سطح السفن التجارية، مواكبة لما يقوم به البحارة من أعمال يومية، وتضم: شلة المسبوك، وجرة الماشوه، وصبة الدقل (الدجل) وحرزة الدقل، بالإضافة لـ:
الشوبانية: تؤدى على ظهر السفينة للتسلية والترويح، أما أثناء العمل أو أثناء الراحلة، كما تؤدى على أرض الساحل، حيثُ يقيمها البحارة للسمر والتسلية، وقد تشترك صغار بنات البحارة في الشوبانية، وخاصة في مناطق الجنوب.
المديمة: تؤدى على ظهر السفينة أو على الساحل للتسلية والترويح عن النفس، سواء أثناء العمل أو الراحة.
شلة الباورة: الغناء أثناء رفع الباورة (المرساة).
شلة الفتيني: الغناء عند رفع شراع السفينة الصغير.
رزحة البحر (شلة الغلمى): الغناء عند رفع الشراع الخلفي للسفينة.
شلة الوسطى والعود: الغناء عند رفع الشراع الأوسط للسفينة.
شلة البراعي: الغناء بعد رفع الشراع الكبير (العود) والرياح هادئة.
شلة الحمول: يغنيها البحارة أثناء رفع البضائع إلى السفينة أو إنزالها.
شلة العمار: الغناء اثناء العمل على إصلاح حبال السفينة، أو عند أول نوبة عمل مسائية.
شلة المخطف: الغناء عند إنزال سفينة جديدة إلى البحر.
غناء المسوبل (المهوبل): الغناء أثناء تنظيف جسد السفينة من العوالق والقواقع والأصداف، بعد إخراجها من الماء.
5 - فنون الصيد:
وتؤدى عند خروج الصيادين، أو عند عودتهم بالرزق، وتضم: النهمة، طيحة البحر (دقة البحر)، شلة السنبوك، الشوبانية، هيريابو، وشلة العمار، التي تعدُ الوحيدة التي تؤدى أثناء إصلاح الصيادين لشباكهم التي تلفت أثناء الصيد.
6 - فنون الزراعة، وتضم:
غناء الحرث بالبوش (بالجمل)، وغناء الحرث بالثور، والنساوة (الجازرة)، بالإضافة لـ:
التصييف: الغناء أثناء جمع سيقان القمح وبرطها في حزم.
الدواسة: الغناء أثناء فصل حبات القمح من السنابل في آخر موسم الحصاد.
السناوة: الغناء أثناء رفع المياه من الأفلاج والآبار.
البسر: الغناء أثناء طبخ نوع معين من التمر، ليتحول إلى حلوى.
7 - فنون الرعي وتضم:
رزحة الجبل، نداء سقاء الإبل، نداء سقاء الغنم، نداء رعي الغنم، نداء رعي البقر، نداء حلب البقر، بوبه (لرضاعة الإبل)، باي باي، التوبنان (لتسلية رعاة الإبل وإبلهم)، نانا، نداء ولادة الناقة.
8 - فنون الحرف والصناعات البيئية، وتضم:
غناء الطحان، غناء التحطيب، غناء الصباغة، بالإضافة لـ:
الدبريرت: غناء يؤديه صانع الفخار أثناء عمله.
غناء سيكولوكو: غناء يؤدى أثناء حصاد اللبان في المناطق الجبيلة، ويتم باللغة الجبالية.
9 - فنون المناسبات الاجتماعية:
تنقسم إلى ثلاث مجموعات:
فنون النساء، التي تؤدى في مناسبات كالأعراس، والخطبة، ومواليد الأطفال، والختان، وتضم: تشح تشح، أم بوم، بن عبادي، مغايض، بساير (الحمبورة)، الزفة، المناني، سالوم يا روية، يا غزيلة، باركوا له، المنجاح، طبل النساء (دان دان)، قيل قول.
الفنون الأفرو-عُمانية، وتؤدى في الأعياد الوطنية، والأعياد الدينية، والأعراس، وولادة الأطفال، والختان، والوفاء بالنذور، وللتسلية والترفيه، وتضم: الليوا، السباتا، البوم، الكتميري، الميدان، الربوبة، فن الزنوج، المدار، الطنبورة، المكوارة.
الفنون الآسيو-عُمانية، وتؤدى في ذات المناسبات، وتضم: السروان، الكوزاك الواقف، الكوزاك الجالس، لي لا رو، الزمر، النيروز، بستكي، السكاري، زفة البلوش.
10 - فنون السمر والترويح، وتضم:
الكواسة (الويلية)، والميزيفينة (التقليبة)، والسومة، وهذه الأنواع تؤدى بولايات الشمال، أما البرعة، والقصبة، والشرح، فتؤدى في مناطق الجنوب للسمر والتسلية، وتؤدي البرعة، والقصبة، الشرح، فرق محترفة. كما تضم فنون السمر والترويح، غناء (سامعين سامعين)، الذي يؤدى في بعض مواقع المنطقة الجنوبية، وخاصة البدوية، للترويح عن النفس. أما (الربوبة)، و(طبل النساء)، فهي من فنون التسلية التي تؤديها النساء بمشاركة الرجال في المناطق الجنوبية. ويقتصر أداء (المكبور)، و(نانا)، و(النعيش)، على أهل بادية المنطقة الجنوبية، للتسلية.
11 - الألعاب تنقسم إلى قسمين:
الألعاب الجماعية للرجال، وتضم: ركض البوش (سباق الجمال)، ركض الخيل، سباق القوارب، الزمط (الجازرة والمنجور)، زمبط الطبول، الألعاب الخاصة (الرماية)، مناطحة الثران، صراع الديوك، القفز بالخيل.
ألعاب الشباب والصغار، وتضم: السومة، اللكد، التقاء، التوفة (التبّة)، الصولة، المقبة، الرم، السرى، أم حبيل، الشخط، الطويلة.
الآلات الموسيقى التقليدية العُمانية
تتعددُ آلات الموسيقى التقليدية العُمانية، بتعدد أصنافها وفصائلها، والرقصات الأدائية المصاحبة لها، إلا أن هذه الفنون «تعتمدُ بصفة أساسية على أداء الصوت البشري للألحان التي توارثها العُمانيون جيلاً بعد جيل»24، فيما القسط الأكبر من الغناء التقليدي العُماني «لا يصحبه سوى قرع الطبول»25.إلا أن الإرث العُماني، يضم العديد من الآلات الموسيقية التقليدية، التي اعتُمد في تصنيفها على تقسيمها إلى قسمين: الآلات اللحنية، والآلات الإيقاعية، بيد أن هذا التقسيم توسع في وقت لاحق ليكون على الشكل التالي: الوتريات، الهوائيات، الآلات الإيقاعية 26.
وتتميز الموسيقى التقليدية العُمانية «بتنوع آلاتها الإيقاعية، ذات المنابت المتعددة: العربية، والأفريقية، والآسيوية»27، وبتنوع المواد الأولية التي تصنعُ منها، والتي يحصرها الباحث العُماني مسلم الكثيري في الأخشاب المستخرجة من النباتات المحلية، مثل: أشجار السدر، والشريش، والغاف، والنارجيل (جوز الهند)، إلى جانب جلود الحيوانات، التي تستخدم ككساء للطبول بأنواعها المختلفة، بالإضافة لتصنيع بعض الآلات من المواد المعدنية، والأصداف البحرية28. ولبعض هذه الآلات جذور طقوسية، مرتبطة بالسحر، إذ «ترتبط بعض الآلات الإيقاعية بممارسات سحرية تضفي عليها نوعا من الطقوسية، ويحرص أصحابها على إبعادها عن أنظار العامة، كما يعتقد أن لبعض الأصوات الإيقاعية تأثير على شخصيات غيبية وسحرية، ومثل هذه المعتقدت شائعة في الممارسات الموسيقية ذات المنشأ الأفريقي»29.
وسنستندُ في استعراض أهم الآلات الموسيقية العُمانية، على ما جاء في الدليل المصور لـ «أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسباتها»، للباحث مسلم الكثيري، فيما يمكن للقارئ التوسع، بمراجعة «معجم موسيقى عُمان التقليدية» للدكتور شوقي مصطفى:
1 - الوتريات:
وهي «الآلات التي بها أوتار مشدودة، ترن عندما تنقر (بالأصابع أو المضارب) أو تجر أو تطرق أو تحرك عن طريق الهواء»30، وتضم:
العود: تعدُ هذه الآلة الوترية من الآلات الرئيسة في الموسيقى العُمانية التقليدية، وقد استخدمها العُمانيون تزامناً مع اتصالهم الحضاري بمختلف المحيط، ولهذا يصعب التحقق من تاريخ بدء استعمالها، إلا أن الباحث الكثيري يؤكد أن أقدم رواية لاستخدام هذه الآلة تعودُ للقرن التاسع عشر الميلادي.
القبوس: لهذه الآلة عدة أسماء، كالمزهر، والبربط، وعود الجزيرة العربية، وتعدُ أقدم الآلات الوترية التي استعملها العُمانيون، وتعود جذورها التاريخية إلى جنوب الجزيرة العربية.
الربابة: يعود تاريخ استخدام الربابة إلى جذور شرقية قديمة، بيد أن البيانات المتوافرة لا تفيد بميعاد وصولها إلى عُمان، وتاريخ استخدامها في الموسيقى التقليدية العُمانية، إلا أن الكثيري يشير إلى ملاحظة استعمالها منذُ اواخر القرن العشرين «عند بعض المغنين المختصين بغناء البدو متأثرين بإخوانهم في وسط وشمال الجزيرة العربية والشام والعراق»31.
الكمان: آلة وترية أخذها العربُ عن الأوروبيين، ولا يوجد تاريخ محدد لبدء استخدامها في عُمان، بيد أنها ظهرت منذُ منتصف القرن العشرين، في الموسيقى العُمانية.
الطنبرة: هي آلة وترية تعرفُ بـ (الكنار)، ويعتقد بأن جذورها التاريخية تعودُ إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر.
2 - الهوائيات:
وهي الآلات التي تعتمدُ بشكلٍ أساسي على نفخ الهواء فيها، وتضم:
القصبة: تصنع هذه الآلة من أنبوب معدني، يحتوي على سبع فتحات مستديرة ومتساوية، وفتحة ثامنة في الطرف الخلفي من الآلة.
المزمار (بو مقرون): آلة نفخ تصنع من قصبتين مزدوجتين ومتساويتين في الطول والعرض، تحملُ كلٌ منهما بين خمس إلى سبع فتحات مستديرة.
الهبان: هي آلة مصنوعة من جلد الغنم أو الماعز، في طرفها أنبوبين من القصب ينظمان خروج الهواء والصوت.
النغار (صرناي): تصنع هذه الآلة من الخشب أو المعدن، وبها ست فتحات مستديرة بالتساوي.
البرغوم: تصنع هذه الآلة من قرون الغزال العربي (المها)، وهي من الآلات الأصيلة في التراث الموسيقي العُماني.
الجم (اليم): صدفة بحرية تفتح من جانبها أو عند نهايتها العليا، وينفخُ فيها.
3 - الآلات الإيقاعية:
وهي أكثر الآلات تنوعاً في الموسيقى التقليدية العُمانية، والتي تصدر أصواتاً من خلال طرقها أو ضربها، أو من خلال الاحتكاك أو النفخ، وتضم:
الدف: آلة إيقاعية صغيرة ذات رقمة جلدية واحدة مشدودة على إطار خشبي مستدير.
سماع (طار): آلة ذات غشاء جلدي كبير مصنوع من جلد الغنم أو الماعز أو الغزلان، ويشدُ هذا الغشاء على إطار خشبي مستدير.
مسندو وقافي: طبل كبير الحجم، يرتكزُ على ثلاثة أرجل، ويصنعُ من جذوع الأشجار، ويكسى بجلد البقر أو الجمل.
مسندو الليوا: طبل على شكل برميل يقف على ثلاثة أرجل، أو على قاعدة، ويصنعُ من جذوع الأشجار، ويكسى بجلد الثور.
مسندو صوت الزنوج: طبل بذات حجم طبل (مسندو الليوا)، يضربُ عليه بالكف.
ميقعه: هي أصغر أنواع طبول عائلة المسندو ذات الأشكال المخروطية، ولهُ أحجام مختلفة.
مسندو أبو سحة: طبل مخروطي طويل، يكسى برقمة من جلد البقر.
الرأس (كاسر مفلطح): طبل صغير، يكسى من الجهتين بالجلد.
رحماني: يشكل هذا الطبل مع طبل (الكاسر) ثنائي الطبول العُمانية الأساسية، ويكسى بالجلد من الجهتين.
كاسر: طبل بشكل الساعة الرملية أو البرميل، يكسى برقمتين من جلد الغنم أو الماعز.
رنة: طبل يشبهُ (الرحماني) و(الكاسر)، ولهُ صوت رنان.
مرواس: طبل صغير الحجم، وحاد الصوت، يكسى بالجلد من الجهتين.
مهجر: يصنع هذا الطبل من خشب أشجار جوز الهند، ويكسى برقمتين من جلد الغنم أو الماعز.
طاسات (الصنوج): آلة مصنوعة من النحاس، تطرق ببعضها فتصدر صوت معدني رنان.
كوشا (قرحاف): آلة تصنع من الخشب على شكل (القبقاب)، وتطرق ببعضها لإصدار صوت خشبي.
رعبوب: أصداف بحرية، يستعملها الأطفال في مواكب الاحتفال، من خلال طرقها ببعضها.
باتو (تنك): صفيحة معدنية فارغة، يضربُ عليها بالخشب.
ميقعة (قيام): هاون خشبي، يستخدم كآلة إيقاعية.
ماسيوا (خرخاش أو منجور الطنبرة): قماشة مثبت عليها مجموعة من الأشياء الجافة، كحوافر الأنعام، أو بذرة المنجا، أو ورق شجرة الغضف، وتلف هذه القماشة حول خصر الإنسان أو ساقيه، لإصدار صوت إيقاعي.
هونجو (قرع):آلة تتكون من ثلاثة أجزاء: وتد، وقوس من الخشب، بالإضافة للصندوق المصنوع من نبتة القرع، وقد استبدلت نبتة القرع باللدائن المدعمة بالألياف الزجاجية (الفيبر جلاس)، وتصدر هذه الآلة الصوت من خلال كشطها بأداة خشبية.
شبوره أو مجبورا: أنبوب من الخيزران، يحزز بالحفر، ويكشط بأداة خشبية صلبة لإصدار الأصوات.
منجورة الجازرة: عجلة خشبية لرفع الماء من الآبار، تصدرُ صوتاً منغماً عندما تدار بواسطة الحبل.
خشخاش: آلة معدنية شبه مكورة، بداخلها حصى صغيرة تصدرُ صوتاً بتحريكها.
عضد: حلية فضية دائرية تلبسها النساء حول معاصمها، تصدرُ صوتاً من خلال الحصي الصغيرة بداخلها المجوف.
حوار مع رئيس «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»
في حوارنا مع الباحث الموسيقي، ورئيس مركز عُمان للموسيقى التقليدية، مسلم بن أحمد الكثيري، نستوضحُ العديد من النقاط المتعلقة بالمركز، وبالموسيقى العُمانية التقليدية، كما نبحثُ في أسباب اهتمام سلطنة عُمان بثقافتها الشعبية، وإرثها الموسيقي بشكلٍ خاص، ونطوي الزمن عائدين لبدايات انطلاق مشروعها الرائد «مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية»، ودور الدكتور يوسف شوقي في هذا المشروع، وما حققهُ هذا المشروع من إنجاز، تمثل في آلاف الوثائق الأرشيفية التي يحفظها ويصونها المركز.
كما نعبرُ في حوارنا إلى بحور الموسيقى العُمانية التقليدية، وما آلت إليه بعد اشتباكها بثقافات الشعوب، وبالفنون الحديثة، ثم نتساءل عن دور «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، في إحياء بعض الفنون الموسيقية، وما هي برامجهُ العملية في حفظ هذا الإرث اللامادي، لنختم بإعلان المشروع الرقمي الضخم الذي يعملُ عليه المركز، عبر إتاحة خمسين ألف وثقة، وملايين البيانات حول الموسيقى العُمانية، لتكون في متناول يد الباحثين العُمانيين والعرب. وهذا نص الحوار:
منذُ تأسيس «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، وسلطنة عُمان رائدةُ في جمع وتوثيق تراثها الثقافي الشعبي، خاصة الموسيقي منه.. فما هي أبعاد هذا الحرص على توثيق التراث الموسيقي التقليدي، وما الذي حتم ضرورة هذا الأمر، حتى أنهُ جاء بتوجيه من أعلى المستويات؟
«مركزُ عُمان للموسيقى التقليدية»، تأسس بناءً على «مشروع جمع وتوثيق موسيقى عُمان التقليدية»، الذي أمر به صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، حفظهُ الله، إذ أننا، ومنذُ خمسة عقود، نحيا في ظل تحقيق توجهات وتوجيهات صاحب الجلالة، التي انعكست على الحراك الموسيقي الكبير في السلطنة، والذي شمل مختلف أنواع الموسيقى، الحديثة منها والتقليدية. هذا الحراك أفضى إلى ضرورة العناية بجمع الموسيقى التقليدية العُمانية، نظراً لكون هذه الموسيقى، هي المكون الأساسي للهوية الفنية والثقافية، وعليه انطلق المشروع، ليبين أن كل الموسيقى في سلطنة عُمان، هي موسيقى تتصفُ بالتقليدية، من حيثُ الألحان، والقوالب الفنية، ولغة النصوص الشعرية، والطابع العام.. حتى وإن وظفت الآلات الموسيقية الحديثة، فإن ذلك لا يغير طابع الموسيقى العُمانية التقليدي.
إن توجهات الدولة، وتوجيهات أعلى سلطة فيها، بالعناية الكاملة بالموروث والتراث والهوية الثقافية الموسيقية، حتمت علينا، منذُ (1983) بالبدء في مشروع الجمع، وقامت بهِ آنذاك، «وزارة الإعلام»، بإشراف معالي المستشار عبد العزيز بن محمد الرواس، الذي تولى بنفسه عملية الإشراف الكامل على جمع وتوثيق التراث الموسيقي العُماني، وأوكل بشكل مباشر للدكتور يوسف شوقي مصطفى، والذي يعد واحداً من أهم علماء الموسيقى العربية في القرن العشرين، بتأسيس المركز، وجمع الموسيقى في كل نواحي عُمان.
وقد حصد المركز، منذُ ذلك الحين، إلى الوقت الحاضر، أكثر من (50) ألف وثيقة، وما نزال نقصدُ في كل عام المناطق المختلفة لمراقبة التغيرات الناتجة عن تأثير التعليم، والإنشغال بالعمل، وتغير الحياة الاجتماعية والاقتصادية للناس، وانعكاسات كل ذلك على ممارسة الفنون الأدائية والموسيقية التقليدية، إذ أن هناك العديد من التغيرات التي أحدثتها حركة المجتمع المحلي والعالمي نحو الحداثة، فالإنسان الذي يسافر على ظهر السفينة سابقاً، ويؤدي «فن الشوباني»، أثناء العمل على ظهرها، أضحى اليوم يسافر بـ «الطائرة»، ويستمتعُ بالأفلام الترفيهية أو الوثائقية، وكذلك البدوي الذي كان يسافر لأشهر في الصحاري، صار يسافر اليوم بسيارته الـ (Jeep)، ويستمع لموسيقاه المفضلة، دون حاجة لغناء «التغرود»، أو غيرها من الأغاني التي كانت تمارس.
كل هذه التغيرات، لابد من ملاحظتها ورصدها ودراستها، خاصة على صعيد الفنون التقليدية المرتبطة بأداء المهن والحرف المختلفة، والتي لا يمكن ضمان استمراريتها نظراً لتطور الحياة، واندثار الكثير من هذه المهن، أو لكون بعضها مهددُ بالإندثار، لهذا استنبطنا مصطلح «الاستبدال الوظيفي»، والذي يمثل حالة ثقافية أنقذت العديد من أنماط الموسيقى التقليدية، من خلال الحفاظ عليها عبر ممارستها في المناسبات غير التقليدية، كالمهرجانات السياحية والثقافية، إلى جانب إعادة أدائها في الاستعراضات الموسيقية الحديثة.
كل ذلك الاهتمام بالموسيقى العُمانية التقليدية، يتجلى في «مركز عُمان»، الذي يعملُ على العديد من المسارات؛ الجمع والتوثيق، البحث والدراسة، عقد المؤتمرات والندوات العلمية، وإنشاء فرقة موسيقية تقليدية، ونحنُ بصدد تكوين مجموعة من الفرق الموسيقية الإضافية، واستقطاب أفضل الكفاءات، إلى جانب إنتاج الأفلام الوثائقية، وإقامة الفعاليات، وورش العمل والتدريب، فالمعارف التي يرتكزُ عليها المركز، من خلال المادة الوثائقية المجموعة ميدانية، مادة غنية يمكنُ توظيفها في العديد من الاتجاهات، وقد أنجزنا بالفعل العديد من الدراسات النقدية والتحليلية، بالإضافة لضمان استمرارية هذه الفنون المجموعة، من خلال الفرق الموسيقية التي تمارس مختلف الفنون، برؤى فنية تمزجُ بين الأصالة والمعاصرة.
وهذا يبين مدى أهمية المشروع الذي انطلق لجمع الموسيقى التقليدية، ونقول «التقليدية»، نظراً للإشكالية التي أُثير، فهناك العديد من الأنواع الموسيقية، كالغناء الشعبي، وهو غناء مجهول المؤلف ومشاع، ولا يقيد بحقوق الملكية الفكرية، وعلى الجانب الآخر هنالك الفن الجماهيري، الذي عادةً ما يُعرف مؤلفه وملحنه، وبالتالي تبين لنا بأن مصطلح «الموسيقى الشعبية»، مصطلح غير واضح، ولهذا اعتمدنا «التقليدية»، كونها أكثر ارتباطاً بمختلف الفنون، وبالتقاليد الاجتماعية، وتشمل ما تم تعريفهُ قانونياً باللحن الشعبي، وغير الشعبي.
من هي الجهة الراعية لـ «مركز عُمان للموسيقى التقليدية» ليتابع اشتغالهُ بكل هذه الكفاءة؟
نحنُ نتبع «مركز السلطان قابوس العالمي للثقافة والعلوم»، وهذا المركز مؤسسة من مؤسسات الديوان السلطاني، وقبل ذلك كنا تابعين لـ «وزارة الإعلام»، وهي من أسست المركز، بإشراف عبد العزيز الرواس، وأول من ترأس المركز هو الدكتور يوسف شوقي مصطفى، من عام (1984 إلى 1987)، ثم تلاهُ الأستاذ خلفان البرواني، الذي تولى الرئاسة من عام (1987 إلى 2006)، ثم تبعتهُ من (2006 حتى الآن).
الدكتور يوسف شوقي، من الجيولوجيا والعلوم، إلى الموسيقى.. حيثُ لحن وأرخ ودرس الموسيقى العربية، ليختم مسيرة حياته بهذا المشروع الضخم الذي حققهُ في سلطنة عُمان. فما الدور الذي لعبهُ في النهوض بـ «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»؟
الدكتور يوسف شوقي، أشرف على مشروع الجمع والتوثيق للموسيقى التقليدية العُمانية، من عام (1983 إلى 1987)، كما أشرف، تحت رعاية وزارة الإعلام، على «الندوة الدولية لموسيقى عُمان التقليدية»، وهي أول ندوة عن الموسيقى في تاريخ عُمان، عقدت عام (1985)، كما ألف وأشرف على أداء أول استعراض سيمفوني، بتوظيف من الموسيقى العُمانية عام (1985)، وقد ترك لنا الدكتور شوقي أول مؤلف وأهم مؤلف مختص بالموسيقى العمانية هو «معجم موسيقى عُمان التقليدية»، وترك لنا التقرير النهائي عن مشروع الجمع والتوثيق، وهو التقرير الذي قدم لصاحب الجلالة...
كل هذه الإنجازات المهمة، أنجزها الدكتور شوقي، بيد أن أهم ما أنجز، ولهُ ارتباطُ وثيق بالمركز، هو نواة الأرشيف، الذي يضم الآن (50) ألف وثيقة، والكثير من الوثائق السمعية والمرئية، ونحنُ نواصل هذا التوثيق، والإضافة لهذا الأرشيف، من خلال الزيارات الميدانية السنوية.
خمسون ألف وثيقة بين مكتوبة ومسموعة ومرئية ومصورة، كيف جمعت هذه المادة الضخمة؟ وما المنهجية التي استخدمت في الجمع؟
عندما كان المركز تابعا لـ «وزارة الإعلام»، كنا نخرج بصحبة فريق تلفزيوني وآخر إذاعي، بالإضافة للمصورين الفوتوغرافيين، وكنا نعتمد في توثيقنا على التسجيلات الصوتية، وتصوير الفيديو، والفوتوغراف، إلى جانب التدوينات الكتابيةالتقليدية، فكل ذلك شكل الأدوات التي نوثقُ بها الحدث الموسيقي في بيئته الاجتماعية والثقافية الحقيقية، والتي كنا نقصدها في الوديان، والمناطق الجبيلة، وغيرها من مناطق السلطنة التي يتم فيها تأدية هذه الفنون، سواء بإيعاز منا، أو من خلال المناسبات التي يصادف وجودها أثناء الزيارة الميدانية.
وإلى جانب توثيق الممارسات الغنائية وما يصاحبها من أداء حركي، نوثقُ الحوارات المتعلقة بكيفية أداء هذ هالفنون، وأسماء مشاهيرها، وأسماء متوارثيها، بالإضافة لتوثيق النصوص الشعرية، والعادات والمناسبات التي تؤدى فيها، وأسماء الممارسين باختلاف وظائفهم، وأسماء الفرق، والآلات الموسيقية، وصناعها، وعمر الآلات... والكثير من البيانات التي يتم تسجيلها وتوثيقها، لهذا فالأرشيف الذي يضم (50) ألف وثيقة، يشتملُ على ملايين البيانات الموثقة، التي هي بحاجة إلى بحث موسيقي عميق.
في حديثك عن الموسيقى التقليدية، قلت بأن الموسيقى العُمانية لم تتغير، عدا تلك المرتبطة بحدث محدد، والتي تغيرت بتغير الحدث نفسه، كوسائل المواصلات البديلة، واندثار بعض الحرف والصناعات... وهذا في الحقيقة أحدث تغيرا ولابد على أشكال كثيرة من الموسيقى العُمانية، فما شكل هذا التغيير؟
الموسيقى العُمانية تغيرت ولابد... غير أن ما أعنيه؛ هو أن أصالتها ورؤاها ما تزال منغمسة في التقاليد الموسيقية المتوارثة، فقد تأثرت الموسيقى المحلية بالموسيقى في المحيط الخليجي، كما تأثرت بالغناء المصري، والعراقي، بالإضافة لمختلف أنماط الغناء الأجنبي، إلا أن هذا التأثر، لم يتبلور في رؤى فنية غير تقليدية.
فمنذُ سبعينيات القرن الماضي، أصبح لدينا توجه نحو الموسيقى العربية، وشاركنا العديد من الموسيقيين العرب، وخاصة المصريين منهم، في الأعمال الموسيقية، إلا أن هؤلاء، وطنوا أساليب توزيع الأغنية، برغبة من الموسيقيين العُمانيين، الذين كان أكثرهم تقليديين، يعزفون دون اهتمام بالمقدمات، والفواصل الموسيقية، التي جاءت مع الموسيقى العربية إلى عُمان. كذلك.. كان بناء الألحان إيقاعياً، ولكن عندما جاءت التأثيرات العربية، صرنا نتحدث عن البناء المقامي للحن، وأوجدنا أجناسا مقامية لم نكن معتادين عليها في الألحان الاعتيادية بالسلطنة.
كل هذه التغيرات الحديثة، لم تغير جوهر القالب الفني واللحني والإيقاعي العُماني، فـ «صوت البرعة»، على سبيل المثال، بقي كما هو، ولكن أدخلت عليه تحديثات في أساليب الأداء، ولو أخذنا تجربة واحد من أبرز فناني الأغنية العُمانية، وهو سفيرها الفنان سالم بن علي سعيد، لرأينا بأنهُ اشتغل على إعادة تشكيل القوالب الفنية، خاصة قالب «التسبيح»، بتأثير من الغناء المصري، وعمل لهُ (قفلة موسيقية).. هذا التطوير إبداعٌ حقيقي، بيد أنهُ يرتكزُ في جوهره على الصيغة الإيقاعية واللحنية للفنون التقليدية، وكذلك كل أنواع الغناء العُماني التي بقيت محتفظة بجوهرها، عدا أنها تطورت من حيثُ اساليب الأداء.
بحكم انفتاح العصر الراهن، لابد وأن العديد من الآلات الموسيقية الحديثة وصلت إلى السلطنة، فهل همش وصولها دور الآلات التقليدية العُمانية؟
ما تزال الآلات الموسيقية التقليدية مستخدمة، وتعدُ أساسية في مختلف أشكال الموسيقى العُمانية، بل أنهُ حتى بعض الآلات الحديثة كالكمنجة (الكمان)، استخدمت منذُ مطلع أربعينيات القرن الماضي، وهناك العديد من التسجيلات الموسيقية للفنان سالم الصوري، تبين استخدامهُ لهذه الآلة. كما توجد العديد من اللقاءات المسجلة مع هذا الفنان، يتحدثُ فيها عن استخدام الكمنجة، وأسماء العازفين.. أما الآلات التقليدية الأخرى فإن وجودها متجذرُ في التراث الموسيقي العُماني، وكذلك استخداماتها المعاصرة، فآلة العود مثلاً، آلة تقليدية، ولها بصمة في صناعة الألحان والأنماط الغنائية، حتى الوقت الراهن، كما أن هناك العديد من الآلات التقليدية، كالوتريات، والهوائيات، والآلات الإيقاعية، التي ما تزال تستخدم.
بالعودة إلى الماضي.. فإن لسلطنة عُمان خصوصيتها التي تمايزها عن المحيط، سواء على الصعيد الجغرافي، أو الثقافي، أو الاجتماعي، فبماذا تأثرت الموسيقى العُمانية، وهل تم بحث جذور تأثرها وأبعاد هذا التأثير عليها؟
مؤكد... فعُمان ركن أساسي من أركان الجزيرة العربية، والموسيقى في هذه المنطقة الجغرافية، ترتكن على أركان أساسية، هي: الموسيقى العُمانية، واليمنية، والحجازية، لهذا فإن مفهوم «الأغنية الخليجية»، مفهومٌ حديث، وهو مفهوم سياسي أكثر منهُ فني أو ثقافي، نظراً لكون هذا المفهوم يرتكنُ على الغناء في الجزيرة العربية، والمناطق المستوطنة فيها منذُ القدم، وبالتالي فإن تاريخ الموسيقى في هذه المنطقة، يعودُ في جذوره لهذه الأمكنة أو الأركان.
كما أن عُمان، تطلُ على «المحيط الهندي»، نظراً لكونها في جنوب الجزيرة العربية، ويطلقُ على سكانها الأوائل «عرب الجنوب»، وقد أثرنا تأثيراً بليغاً في منطقة المحيط الهندي، بجانبيه الأفريقي، والآسيوي، وصولاً إلى إندونيسيا... إذ أن هذه الأمم دخلت الإسلام بفضل جماعات الحضارم واليمنيين والعُمانيين، الذين حملوا راية الإسلام سلماً وفناً، وكان للموسيقى دور هام وأساسي في نشر الإسلام هناك!
ويمكنُ أن نلتمس التأثير الموسيقي والحضاري لعرب الجنوب حتى اليوم لدى عدد من تلك الشعوب، ففي إندونيسيا، يبثُ عبر مكبرات الصوت، غناء باسم «قبوس سونغ»، والتي تعني «أغاني القبوس»، وهي أغاني عربية حضرمية، تعتبر لديهم أغاني عربية ذات طابع إسلامي. بهذه الصورة وبهذه الفنون نشر الجنوبيون الإسلام، نشروهُ بالموسيقى، والفنون وبأجمل ما تحمل الحضارة العربية، في كل بقاع المحيط الهندي، بيد أن ذلك لم يسلط عليه الضوء حتى الآن.
لهذا تجد الآلات الموسيقية المستخدمة في الجزيرة العربية، موجودة في مدغشقر، وشرق أفريقيا، وماليزيا، والهند... إذ أننا نتحدثُ عن دور ثقافي واجتماعي وسياسي، متبادل، فلم يكن دورنا التأثر فقط، بل والتأثير. فأينما رحل الإنسان العُماني، وأينما حل، حلت معهُ ثقافته، وفنونه الموسيقية، وآلاتهُ الطربية. إلى جانب ذلك تأثر الإنسان العُماني بالعديد من الحضارات المحيطة. لهذا لابد من النظر إلى تراثنا، فمنذُ عشرة آلاف عام، ونحنُ نشتغل في منطقة المحيط الهندي، وتأثيرنا على غيرنا من الشعوب، يزيد في بعض الجوانب من أثرهم علينا.
عودةً لـ «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، كيف استفاد هذا المركز من «مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي»، الذي انطلق بهدف جمع التراث الشعبي في دول الخليج العربي، وحمايتهُ والبحث في منابعه وأصوله؟
في الحقيقة، لم يكن لدينا اتصال وطيد مع «مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي»، بيد أن للمركز، صلاتهُ مع «وزارة التراث والثقافة»، وكان اشتغالهُ على كافة أشكال صون التراث الشعبي، وقد أسفتُ كثيراً لإلغاء هذا المركز، إذ أن قرار الإلغاء، قرار خاطئ، فقد كان هذا المركز جامعاً للتراث، وقد أنجز جمع الكثير منه، إلا أن السؤال: ما مصير هذا الجمع؟ وأين ذهبت كل تلك المادة المجموعة؟
وأنوه هنا إلا أن هناك اسمان أسهما إسهاماً كبيراً في مشروع «جمع وتوثيق الموسيقى العُمانية التقليدية»، وهما الأستاذ جمعة بن خميس الشيدي، والأستاذ خلفان بن أحمد البرواني، الذان عملا مع الدكتور يوسف شوقي، وكان لهما إسهامهما في تأسيس «مركز عُمان للموسيقى التقليدية».
وبوصفي مختصاً بالموسيقى التقليدية، أتمنى من الأشقاء في دول الخليج العربي، أن يوجهوا عنايتهم للموسيقى التقليدية في بلدانهم، كما آمل أن تؤسس دور للموسيقى المحلية، وتولى اهتماماً، بذات الاهتمام الذي يولى لتأسيس دور الأوبرا. وباستطاعتهم الاقتداء بالتجربة العُمانية في هذا المجال، التي وازنت بين الأصيل والمعاصر، من خلال إنشاء «دار الأوبرا السلطانية»، وتأسيس «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، إلى جانب «الجمعية العُمانية لهواة العود».
ما الدور الذي يلعبه «مركز عُمان للموسيقى التقليدية» اليوم؟ وهل يمارسُ أنشطة تُسهمُ في حفظ الموسيقى العُمانية، ودراستها؟
مر «مركز عُمان للموسيقى التقليدية»، بمرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولى، مرحلة التأسيس، أما الثانية، فمرحلة إعادة التأسيس، إذ تبدأ الأولى من (1983) وتمتد حتى (2013)، وفيها كان الهم الأساسي هو الجمع والتوثيق، وعقد الندوات والمحاضرات، وعمل البحوث والدراسات. وكان عددُ المشتغلين في المركز وقتها، قليل جداً. ولكن في العام (2013) صدر المرسوم السلطاني، بنقل المركز من وزارة الإعلام، إلى ديوان البلاط السلطاني، فأصبح للمركز موازنة خاصة به، وأصبحت لديه أدواتهُ، وخُصص لهُ مبنى مستقل، لهذا بدأنا بإعادة تأسيس المركز هيكلياً، والتوسع في الاختصاصات، بحيثُ أصبحنا نندمج في البيئة الموسيقية أكثر من خلال نشاطنا مع كل الموسيقيين العُمانيين، والانغماس أكثر في البيئة الموسيقية، والتأثير فيها وتوجيهها، وذلك من خلال مجموعة من البرامج، مثل رعاية الأنشطة الشبابية الموسيقية، وبرامج بناء القدرات، والمسابقات، والأفلام الوثائقية، وجلسات بيت الموسيقى العُمانية، الذي ينتسب لهُ مجموعة من الأعضاء الموسيقيين، إلى جانب تأسيس فرقة تضم أكثر من (40) فناناً، يمارسون كل ألوان الغناء العُماني.
لهذا بدأنا ننشط على مستوى فعلي، كما أطلقنا مجموعة من الورش والبرامج الموسيقية، التي تستهدفُ مختلف الفئات المجتمعية، بدءاً من طلبة المدارس، وذلك من خلال برنامج «رعاية المواهب الموسيقية الصغيرة»، بالتعاون مع «وزارة التربية والتعليم». كما نعملُ على بناء القدرات الموسيقية لدى الشباب، بالإضافة لورش العمل حول الآلات الموسيقية المختلفة، وتلك التي تسلط الضوء على مختلف ألوان الموسيقى العُمانية، والخليجية، إلى جانب برنامج الفعاليات الموسيقية والحفلات.
بهذا التوجه الفعال، نحافظ على الموسيقى العُمانية، عبر استراتيجيات متكاملة، فالحفاظ لا يقتصر على الجمع والتوثيق والدراسة، إنما باستمرار عملية الإبداع، إذ أنها تمثل أفضل وسيلة لحماية التراث الموسيقي والهوية الثقافية الموسيقية، وهذه هي الإستراتيجية التي نطبقها في مرحلة ما بعد (2013).
كما قمنا بإعداد العديد من الأفلام الوثائقية حول الموسيقى التقليدية، ولدينا هذا العام (2018)، خمس مشاريع قيد التصوير، كما نقوم بين الحين والآخر بإنتاج اسطوانات لأنواع موسيقية ذات السمة الموسيقية الثقافية الخاصة.
إذاً أنتم تمارسون اشتغالاً مكثفاً لاستمرار العملية الإبداعية، والتطبيقية للموسيقى التقليدية العُمانية، بعد أن أنجزتم المرحلة الأولى المتمثلة بجمع مختلف أنواع الموسيقى.. لكن ماذا عن المادة الخام التي جمعتموها، والتي كونت لديكم أرشيفاً يضم 50 ألف وثقية، هل تمت دراستها؟ كما أن حجم هذه المادة ضخم جداً، بحيثُ يحتاج لوصول العديد من المشتغلين والدارسين، فهل يتيحُ المركز حرية وصول الباحثين العُمانيين والخليجيين والعرب، للاستفادة من هذه المادة ودراستها؟
بادر المركز لإصدار العديد من الكتب، إذ وصل مجموع إصدارتهُ حتى الآن (13) إصداراً بين دراسة وتوثيق، إلا أنهُ، ونظراً لحجم الوثائق المجموعة، فإن كل فن من الفنون، بحاجة لدراسة معمقة، وهذه وظيفة الباحثين. أما بشأن إمكانية وصولهم للمادة، فنحنُ نعملُ على رقمنة هذا الأرشيف الضخم، وقد تم الشروع في تصميم نظام لإدارة هذه البيانات، وسيكون هناك موقع أرشيفي على الشبكة العنكبوتية، يتيح لمختلف الباحثين والدارسين وطلبة الجامعات، الوصول لكافة المواد الأرشيفية، والتنقل بين مختلف موادهُ بسهولة ويسر.
الهوامش
1 - موقع وزارة الخارجية العمانية:
www.mofa.gov.om/?page_id=9296
2 - سلطنة عُمان في 20 عاماً؛ الوعد والوفاء، وزارة الإعلام، سلطنة عُمان، صفحة (53)
3 - تاريخ عُمان، وندل فيليبس - صفحة (3)
4 - تاريخ عُمان، وندل فيليبس - صفحة (8)
5 - موقع وزارة الخارجية: https://www.mofa.gov.om/?page_id=9296
6 - موقع وزارة الخارجية: https://www.mofa.gov.om/?page_id=9296
7 - عُمان في عيون الرحالة البريطانيين؛ قراءة جديدة للاستشراق، للدكتور هلال الحجري، ترجمة خالد البلوشي - صفحة (17)
8 - عُمان في عيون الرحالة البريطانيين؛ قراءة جديدة للاستشراق، للدكتور هلال الحجري، ترجمة خالد البلوشي - صفحة (19)
9 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (41 - 42)
10 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (42)
11 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (42)
12 - كتاب «جمع ودراسة الثقافة المادية والموسيقى الشعبية»، مجموعة مؤلفين. صفحة (85)
13 - كتاب «جمع ودراسة الثقافة المادية والموسيقى الشعبية»، مجموعة مؤلفين. صفحة (88)
14 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (4)
15 - كتاب «من فنون عُمان التقلدية» صحفة ( 7 - 8)
16 - كتاب «من فنون عُمان التقلدية» صحفة ( 15)
17 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (3)
18 - كتاب «من فنون عُمان التقلدية» صحفة ( 20)
19 - كتاب «من فنون عُمان التقلدية» صحفة ( 20 - 21)
20 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (39)
21 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (39)
22 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (40)
23 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (40)
24 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (60)
25 - التقرير النهائي، مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية، صفحة (60)
26 - راجع كتاب «الدليل المصور؛ أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها» لمسلم بن أحمد بن عبد الله الكثيري
27 - الدليل المصور؛ أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها، لمسلم بن أحمد بن عبد الله الكثيري، صفحة (134)
28 - الدليل المصور؛ أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها، لمسلم بن أحمد بن عبد الله الكثيري، صفحة (129، 130)
29 - ا الدليل المصور؛ أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها، لمسلم بن أحمد بن عبد الله الكثيري، صفحة (134)
30 - الدليل المصور؛ أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها، لمسلم بن أحمد بن عبد الله الكثيري، صفحة (137)
31 - الدليل المصور؛ أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها، لمسلم بن أحمد بن عبد الله الكثيري، صفحة (140)
الصور
* الصور من الكاتب .
* أرشيف مركز عُمان للموسيقى التقليدية
4 - -5 6 - 7 من موقع "صوت عُمان":
http://www.omvo.org/o/s.php?s=119