إيقاظ القطن من السبات
العدد 42 - لوحة الغلاف
يرتبط اسم (الندّاف) في الذاكرة الشعبية بذاك الحرفي الماهر الصبور، الذي كان يلبي نداء الفرح والدفء وتجدد الحياة.
تطلبهُ الناس، باختلاف مستوياتهم الاجتماعية، فيعيد لهم رونق الحياة وبهجتها، ويزيح القديم، ويحتفي بالجديد، عبر إعادة الحياة لكثير من أدوات ذاك الزمان، كالمطارح والوسائد والمساند والمفارش، وكل ما له صلة بتجهيز المنازل باحتياجاتها من الفرش الجديد، أو تجديد القديم منها، وتزيين أركان البيت الذي كان يستعد للزواج او لمولود جديد.
كان (الندّاف) يشكل دوراً محورياً في المناسبات والمسرات، وحفلات الزواج خاصة، ومشهد دخول (الندّاف)، وهو قادمٌ لعمله في هذا البيت أو ذاك، كان إيذاناً بحالة من الفرح والبهجة، فهو أحد استكمالات المناسبات السعيدة، ولن يكتمل أي فرح دون تلبية (الندّاف) لنداء المبتهجين بالحياة الجديدة، فهو الذي سيعدّ فراش الزوجية المتمثل باللحاف و«الدواشك» و «المخاد» والمخاديد، ويجهز غرفة العرسان بالمفروشات الوثيرة.
ولن يجرب الناس لذة الدفء في ليالي الشتاء الباردة، دون وجود الفرش الجديد أو الألحفة الدافئة، ولن يعرفوا معنى للاسترخاء على الفرش والمساند والمطارح دون جهده الواضح في إعادة نفش قطن المجالس والمفارش وتجديد قماشها الذي يكون قد تقادم مع مرور الزمن.
يستدعى (الندّاف) للبيوت، فيدخل وجوده البهجة على الصغار الذين يتحلقون حوله وهو يؤدي باتقان (كونشيرتو) فصل قطع القطن عن بعضها، ويفكك بالقوس القطن المتكتل، وينفشه بالقوس، ويخلص ما علق به من شوائب وأجزاء قطنية متماسكة، في أداء منفرد صعب يستغرق من أربع إلى خمس ساعات، مستخدماً في ذلك عصا مرنة من شجرة الرمان، وقوس خشبي مستطيل طوله حوالي متر ونصف المتر، يشبه في شكله العام آلة وترية شبيهة بآلة (الهارب) يشدّ من طرفيه سلك نحاسي مستورد من الهند، مع مطرقة خشبية كي يندف وينفش القطن عند تمريره على سلك الوتر الغليظ المشدود، فينبعث ذلك الصوت الهاديء الرتيب ليوقظ القطن من سباته الطويل.